ففى حياة ابن سينا كان تلاميذه يتذاكرونه ، وفى مقدمتهم الجوزجانى وبهمنيار ، وتابعهم فى ذلك تلاميذهم كاللوكرى والغيلانى من رجال القرن الخامس الهجرى ، والسرخسى والنيسابورى من رجال القرن السادس (١). وهنا تتصل السلسلة بنصير الدين الطوسى الذي يعد تلميذا مخلصا لابن سينا ، وإن تأخر عنه بنحو قرنين ونصف ، وقد وقف من « إلهياته » موقف الشارح والمدافع.
وإلى جانب هؤلاء نجد مفكرين عظيمين من مفكرى الإسلام فى القرن الخامس للهجرة تعاصرا وتلاقيا فى كثير فى اتجاهاتهما ، ونعنى بهما الغزالى والشهرستانى ، قرءا « الإلهيات » وألما به إلماما دقيقا ، وأدركا ما فيه من مواطن الضعف. ويكاد الغزالى يركّز حملته على الفلاسفة ـ فى شخص ابن سينا خاصة ـ حول البارئ وصفاته وصلته بمخلوقاته ، فلا يرتضى فكرة الألوهية على نحو ما صوّروها ، وينكر نظرية الصدور وقدم العالم (٢). والشهرستانى ، حين يفصل القول فى حدوث العالم واستحالة قدمه ، يحكى على لسان ابن سينا آراء استمد أغلبها من « الإلهيات » (٣). ويجئ ابن رشد فى القرن السادس ، فيختم سلسلة كبار الفلاسفة الإسلاميين ، وفى « تفسيره لما بعد الطبيعة » يرجع لابن سينا رجوعه إلى المشائيين الآخرين ، ويعرض آراءه المختلفة (٤).
وفى العصور الأخيرة ، يمكننا أن نشير إلى النسفى والإيجى والتفتازانى الذين كانت مؤلفاتهم عمدة البحث النظرى ، وقد أخذوا بدورهم عن « الإلهيات » ، وتأثروا به كثيرا. وإذا كانت الدراسات الكلامية هدف هؤلاء جميعا ، فلا غرابة فى أن يرجعوا إلى كتاب ابن سينا وهو فى صميم العلم الإلهى ، مؤيدين كانوا أو معارضين ، وفى فلسفتهم الدينية صدى واضح له.
__________________
(١) محمود الخضيرى ، الكتاب الذهبى ، ص ٥٣ ـ ٥٩.
(٢) الغزالى ، تهافت الفلاسفة ، بيروت ١٩٢٧ ، ص ٢٣ ـ ٧٨ ، ٧٩ ـ ١٣٢.
(٣) الشهرستاني ، نهاية الاقدام ، لندن ١٩٣٤ ، ص ٢٥ ـ ٢٩ ، ٣٣ ـ ٣٥ ، ٢٢٤ ـ ٢٢٥.
(٤) ابن رشد ، تفسير ما بعد الطبيعة ، ج ٣ ، ص ١٤٩٨.