وبيان لغايته ، وقد قرءه حمزة والكسائي « يطهرن » بالتشديد اي يتطهرن ، وظاهره أن غاية الاعتزال هي الغسل ، وقرء الباقون « يطهرن » بالتخفيف (١) وظاهره أن غايته انقطاع الدم ، والخلاف بين الامة في ذلك مشهور.
وقوله سبحانه : « فاذا تطهرن » يؤيد القراءة الاولى ، والامر بالاتيان للاباحة كقوله تعالى : « وإذا حللتم فاصطادوا » (٢) وأما وجوب الاتيان لو كان قد اعتزلها أربعة أشهر مثلا ، فقد استفيد من خارج (٣).
واختلف المفسرون في معنى قوله جل شأنه « من حيث أمركم الله » فعن ابن
____________________
(١) هذه القراءة هو الوجه منحيث سياق الكلام وطبعه ، ولو كان بالتشديد ، لكان قوله تعالى بعده « فاذا تطهرن » حشوا زائدا ، والحكم المستفاد من سياق الاية : اعتزال النساء وحرمة اتيانهم حتى يطهرن وتجويز اتيانهن بعد التطهر وهو الاغتسال كما عرفت من ورود قوله تعالى « ولا جنبا حتى تغتسلوا » في سورة النساء بدل قوله تعالى : « وان كنتم جنبا فاطهروا » في المائدة أن المراد بالتطهر هو الاغتسال.
وأما بعد الطهر وقبل الاغتسال ، فالاية ساكتة من حكمه ، من شاء أن يتزكى فعليه أن يأخذ بمورد الامر ، وهو الغسل ثم الاتيان ، فان الله لا يأمر الا بالزكى ، ومن لم يشأ ذلك فلا نهى عنه.
وقوله تعالى ، « من حيث أمركم الله » مع أن المراد باتيان النساء هو الايلاج ، كأنه يقسم الاتيان إلى قسمين : قسم أمر الله به بالفطرة ، وتعرض للبحث عن أحواله في حالة الحيض في صدر الاية وصرح به بعد ذلك بقوله « نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم » وهو الاتيان في القبل ، وقسم لم يأمر الله به ولم ينه عنه ، ولو أمر به آمر لكان هو النفس والشيطان لكونه خلافا للفطرة ، وهو الاتيان في المحاش.
فحال الاتيان في المحاش في هذه الاية كحال الاتيان في القبل بعد الطهر وقبل التطهر كما عرفت ، ومن تزكى فانما يتزكى لنفسه ، والى الله المصير.
(٢) المائدة : ٢.
(٣) وهو آية الايلاء : « للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة أشهر ».