يأكله من جوع. يا ابن مسعود إن شئت نبأتك بأمر نوح نبي الله عليهالسلام إنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو إلى الله ، فكان إذا أصبح قال : لا امسي وإذا أمسى قال : لا اصبح فكان لباسه شعر وطعامه الشعير وإن شئت نبأتك بأمر داود عليهالسلام خليفة الله في الارض وكان لباسه الشعر وطعامه الشعير. وإن شئت نبأتك بأمر سليمان عليهالسلام مع ما كان فيه من الملك ، كان يأكل الشعير ويطعم الناس الحوارى (١) وكان لباسه الشعر وكان إذا جنه الليل شديده إلى عنقه فلا يزال قائما يصلي حتى يصبح ، وإن شئت نبأتك بأمر إبراهيم خليل الرحمن عليهالسلام كان لباسه الصوف وطعامه الشعير. وإن شئت نبأتك بأمر يحيى عليهالسلام كان لباسه الليف وكان يأكل ورق الشجر ، وإن شئت نبأتك بأمر عيسى بن مريم عليهماالسلام وهو العجب كان يقول : إدامي الجوع وشعاري الخوف ولباسي الصوف ودابتي رجلاي وسراجي بالليل القمر وصلاي (٢) في الشتاء مشارق الشمس وفاكهتي وريحانتي بقول الارض مما يأكل الوحوش والانعام ، وأبيت وليس لي شئ واصبح وليس لي شئ وليس على وجه الارض أحد أغنى مني.
يا ابن مسعود كل هذا منهم يبغضون ما أبغض الله ويصغرون ما صغر الله ويزهدون ما أزهد الله ، وقد أثنى الله عليهم في محكم كتابه فقال لنوح : « إنه كان عبدا شكورا » (٣) وقال لابراهيم : « اتخذالله إبراهيم خليلا » (٤) وقال لداود : « إنا جعلناك خليفة في الارض » (٥) وقال لموسى : « وكلم الله موسى تكليما » (٦) وقال أيضا لموسى عليهالسلام : « وقربناه نجيا » (٧) وقال ليحيى عليهالسلام : « وآتيناه الحكم
____________________
(١) الحوارى ـ بالضم وتشديد الواو المفتوحة : الدقيق الابيض.
(٢) في المصدر « اصطلائى في الشتاء » وصلى بالنار واصطلى استدفأ بها.
(٣) الاسراء : ٣.
(٤) النساء : ١٢٤.
(٥) ص : ٢٥.
(٦) النساء : ١٦٤.
(٧) مريم : ٥٣.