وتنكرت معارف صورنا ، وطالت في مساكن الوحشة إقامتنا ، ولم نجد من كرب فرجا ، ولا من ضيق متسعا.
فلو مثلتهم بعقلك أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك ، وقدار تسخت أسماعهم بالهوام فاستكت ، واختلجت (١) أبصارهم بالتراب فخسفت ، وتقطعت الالسنة في أفواههم بعد دلاقتها (٢) وهمدت القلوب في صدورهم بعد يقظتها (٣) وعاث في كل جارحة منهم جديد بلى سمجها (٤) وسهل طرق الافة إليها مستسلمات ، فلا أيد تدفع ولا قلوب تجزع لرأيت أشجان قلوب وأقذاء عيون ، لهم من كل فظاعة صفة حال لا تنتقل ، وغمرة لا تنجلي (٥) فكم أكلت الارض من عزيز جسد وأنيق لون كان في الدنيا غذي ترف (٦) وربيب شرف ، يتعلل بالسرور في ساعة حزنه ، ويفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به ، ضنا بغضارة عيشه ، وشحاحة بلهوه ولعبه (٧) فبينا هو يضحك إلى الدنيا وتضحك
____________________
(١) ارتسخت من رسخ الغدير رسوخا اذانش ماؤه أى أخذ في النقصان ونضب يعنى نضب مستودع قوة السماع وذهبت مادته بامتصاص الهوام وهى الديدان هنا. واستكت الاذن بتشديد الكاف أى صمت رانسدت. وقوله « فاختلجت أبكارهم » في النهج « ، اكتحلت أبصارهم » والظاهر هو الصواب.
(٢) خسفت عين فلان : فقأها. ودلاقة الالسن : حدتها في النطق.
(٣) الهمود : الموت وطفو النار والسكون. واليقظة نقيض النوم.
(٤) عاث أى أفسد. والبلى التحلل والفناء. وسمج الصورة تسميجا : أى قبحها أى أفسد الفناء في كل عضو منهم فقبحه.
(٥) اشجان القلوب : همومها. واقذاء. العيون : ما يسقط فيها فيؤلمها. والفظاعة والغمرة : الشدة.
(٦) « من عزيز جسد » من اضافة الصفة. والانيق : الحسن المعجب. والغذى اسم بمعنى المفعول أى مغذى بالنعيم. والترف التنعم.
(٧) الربيب بمعنى المربى من ربه يربه بالضم اذا رباه. وتعلل الامر تشاغل به. و السلوة بالفتح : ما يسلى عن الهم أى ينسبه. والضن : البخل. وغضارة العيش : طيبه