لأنها ـ كما علمت ـ تدخّل صريح في التشريع الإلهي وتلاعب فيه .
الدليل الثاني : إنَّ جوّ النصوص التي تحدثت عن البدعة ، جوّ يفيض بالذمّ والتهديد والوعيد للمبتدع ، فقد مرّت علينا النصوص التي جعلت البدعة ندّاً مقابلاً للسنة ، وضداً لا يلتقي معها أبداً ، وذمت المبتدع وكالت له أنواع الذم والتوبيخ والتقريع والتهديد ، وأوعدته بالعذاب العظيم في الدنيا والآخرة ، بل دعت الناس إلىٰ مقاطعته وهجرانه وهددت بالعذاب من يلقاه بوجه صبوح ، وقالت بعدم قبول توبته ، وهذا من أقسىٰ أنواع التهديد والعقاب . ومع وجود كلّ هذه الألوان من التهديد والوعيد ، فهل يمكن أن يكون هناك نوع ممدوح من البدعة ؟ إنّ البدعة معصية ولم يسمع أحد أنّ الله أو رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد مدح المعصية .
واقتصار النصوص الواردة في ذكر البدعة علىٰ الذمّ والانتقاد الشديد يبطل مقولة البدعة الحسنة فلو كان هناك نحو من أنحاء الاستثناء في موارد معينة مفترضة حتى لو كانت جزئية ، لما تجاوزتها الشريعة المقدسة أو تجاهلتها .
إنّ هناك صفات وأعمالاً تناولتها النصوص الصريحة من الكتاب والسُنّة الشريفة ، بالذم الشديد والتحذير لفاعليها ، مثل صفة « الكذب » إلّا أنّ الشريعة لم تتجاهل في الوقت نفسه بعض الموارد التي يرتفع فيها موضوع الذم ، حتىٰ إننا نرىٰ أنَّ هناك نصوصاً في الشريعة شديدة الصراحة علىٰ استثناء بعض أنواع الكذب من أصل التحريم ، إذ قد يخرج الكذب من دائرة التحريم إلىٰ دائرة الوجوب ، فيما لو توقف عليه صيانة نفس مؤمنة من القتل أو الهلاك .