والآخرة ، وقال : لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا ، وهو ضد لما طلب أعداء الحق.
قلت : جعلت فداك مماذا؟ قال : من الرغبة فيها ، وقال : ألا من صبار كريم ، وإنما هي أيام قلائل؟ الا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الايمان حتى تزهدوا في الدنيا.
قال : وسمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حب الله ، وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط وإنما خالط القوم حلاوة حب الله ، فلم يشتغلوا بغيره.
قال : وسمعته يقول : إن القلب إذا صفا ضاقت به الارض حتى يسمو (١) بيان : «وبصره عيوبها» اي الدنيا «ومن أوتيهن» أي تلك الخصال الثلاث وفيه إشعار بأنها لا تتيسر إلا بتوفيق الله تعالى «فقد أوتي» كأنه إشارة إلى قوله تعالى : «ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا» (٢) فالحكمة العلم بالدين أصوله وفروعه ، وبعيوب الدنيا والزهد فيها «لم يطلب احد الحق» أي الدين «بباب» أي بسبب ووسيلة افضل من ترك الدنيا فإنه ، ليس الباعث لاختيار الباطل مع وضوح الحق وظهوره إلا حب الدنيا فانها غالبا مع أهل الباطل.
ويمكن تعميم الحق في كل حكم ومسألة ، فان الاغراض الدنيوية تعمي القلب عن الحق ، أو المراد بالحق الرب تعالى أي قربه ووصاله «وهو» اي الزهد «ضد لما طلب أعداء الحق» وقوله «مماذا» طلب لبيان ما طلبه اعداء الحق فبين عليهالسلام بقوله : «من الرغبة فيها» والرغبة وإن كانت عين الطلب ، لكن جعلها مطلوبهم مبالغة ، ويحتمل أن يكون «ما» في قوله : «لما طلب» مصدرية ، فلا يكون «مما» للبيان بل للتعليل كما سيأتي.
ويحتمل أن يكون ضمير هو راجعا إلى الحق أي الحق ضد لمطلوب أعداء
____________________
(١) الكافي ج ٢ ص ١٣٠.
(٢) البقرة : ٢٦٩.