لعلهم يخلدون ، (١) وبالذين قالوا : «من أشد منا قوة» (٢) واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم لا يدعون ركبانا ، وأنهزلوا لا يدعون ضيفانا (٣) وجعل لهم من الضريح أجنانا (٤) ومن التراب أكفانا ، ومن الرفات جيرانا.
وهم جيرة لا يجيبون داعيا ، ولا يمنعون ضيما ، ولا يبالون مندبة ، ولا يعرفون نسبا ولا حسبا ، ولا يشهدون زورا ، إن جيدوا لم يفرحوا (٥) وإن قحطوا لم يقنطوا ، جميع وهم آحاد ، وجيرة وهم أبعاد ، ومتدانون لا يتزاورون ، ولا يزورون حلماء قد بادت اضغانهم ، جهلاء قد ذهبت أحقادهم ، لا يخشى فجعهم ، ولا يرجى دفعهم ، وهم كمن لم يكن ، وكما قال جل ثناؤه : «فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين» (٦).
إن الدنيا وهن مطلبها ، رنق مشربها ، ردغ مشرعها (٧) غرور ما حل (٨) وسم قاتل ، وسناد مائل ، تريق مطرفها ، وتردى مستزيدها ، وتصرع مستفيدها
____________________
(١) اشارة إلى قوم عاد كما في سورة الشعراء : ١٢٨.
(٢) اشارة إلى قوم عاد أيضا كما في سورة السجدة : ١٥.
(٣) يعني أنهم وان حملوا على أكتاف الناس ويمشون لا بأنفسهم ، معذلك لا يقال انهم ركبان ، وانهم وان انزلوا في الجدث مع التكريم والاحترام معذلك لا يقال : انهم ضيفان انزلوا بالتكريم والحبور.
(٤) الانان جمع جنن ، وهو الجدث والقبر وفي نسخة مطالب السؤل ص ٥٨ وهكذا تحف العقول ص ١٧٨ «اكنانا» بدل اجنان واكنان جمع كن : المختفى والستر ، وقد يقال للبيت : الكن.
(٥) من الجود : وهو المطر.
(٦) القصص : ٥٨.
(٧) الرنق : الكدر ، والردغ : كثير الطين والوحل.
(٨) الماحل : الساعى في الفتنة والكائد إلى السلاطين بالسعاية.