بل مثلت الدنيا به نفسك ، وبحاله حالك ، غداة لا ينفعك أحباؤك ، ولا يغني عنك نداؤك ، حين يشتد من الموت أعالين المرض (١) وأليم لوعات المضض ، حين لا ينفع الاليل ، ولا يدفع العويل ، يحفزبها الحيزوم ، ويعض بها الحلقوم ، لا يسمعه النداء ، ولا يروعه الدعاء ، فيا طول الحزن ، عند انقطاع الاجل.
ثم يراح به على شرجع تقله أكف اربع ، فيضجع في قبره ، في محل لبث وضيق جدث ، فذهبت الجدة ، وانقطعت المدة ، ورفضته العطفة ، وقطعته اللطفة لا يقاربه الاخلاء ، ولا يلم به الزوار ، ولا اتسقت به الدار ، انقطع دونه الاثر واستعجم دونه الخبر ، وبكرت ورثته ، فقسمت تركته ، ولحقه الحوب ، وأحاطت به الذنوب ، فان يكن قدم خيرا طاب مكسبه ، وإن يكن قدم شرا تب منقلبه ، وكيف ينفع نفسا قرارها ، والموت قصارها ، والقبر مزارها ، فكفى بهذا واعظا ، كفى يا جابر امض معي.
فمضيت معه حتى أتينا القبور ، فقال : يا أهل التربة ويا أهل الغربة! أما المنازل فقد سكنت ، وأما المواريث فقد قسمت ، وأما الازواج فقد نكحن ، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟.
ثم أمسك عني مليا ثم رفع رأسه فقال : والذي أقل السماء فعلت ، وسطح الارض فدحت ، لو أذن للقوم في الكلام لقالوا : إنا وجدنا خير الزاد التقوى ثم قال : يا جابر إذا شئت فارجع (٢).
٨٨ ـ ع : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن محمد بن عمرو ، عن صالح بن
____________________
(١) كذا في نسخة الكمباني وهكذا المصدر ولعله مصحف «أعاليل» قيل : هي جمع أعلال ، جمع علل ، جمع علة : لما يتعلل به من مرض وغيره. أو هي جمع أعلولة أو هي جمع لا واحد له من لفظه ، والمضض : بلوغ الحزن إلى القلب بحيث يحرقه واللوعة : المرة اي حرقة الحزن والهوى. والاليل : الانين من شدة المرض ، أو هو بمعنى الجؤار والتضرع في الدعاء والاستغاثة والضجة.
(٢) تحف العقول : ١٨٣ ط الاسلامية.