وهو قول الله عزوجل « عن اليمين وعن الشمال قعيد * مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد » (١).
تبيين : اعلم أن معرفة القلب وحقيقته وصفاته مما خفي على أكثر الخلق ولم يبين أئمتنا عليهمالسلام ذلك إلا بكنايات وإشارات ، والاحوط لنا أن نكتفي من ذلك بما بينوه لنا من صلاحه وفساده ، وآفاته ودرجاته ، ونسعى في تكميل هذه الخلقة العجيبة واللطيفة الربانية ، وتهذيبها عن الصفات الذميمة الشيطانية ، وتحليتها بالاخلاق الملكية الروحانية ، لنستعد بذلك للعروج إلى أعلى مدارج الكمال وإفاضة المعارف من حضرة ذي الجلال ، ولا يتوقف ذلك على معرفة حقيقة القلب ابتداء فانه لو كان متوقفا على ذلك لاوضح موالينا وأئمتنا عليهمالسلام لنا ذلك بأوضح البيان ، وحيث لم يبينوا ذلك لنا فالاحوط بنا أن نسكت عما سكت عنه الكريم المنان ، لكن نذكر هنا بعض ماقيل في هذا المقام ، ونكتفي بذلك والله المستعان.
فاعلم أن المشهور بين الحكماء ومن يسلك مسلكهم أن المراد بالقلب النفس الناطفة ، وهي جوهر روحاني متسوط بين العالم الروحاني الصرف ، والعالم الجسماني ، يفعل فيما دونه ، وينفعل عما فوقه ، وإثبات الاذن له على الاستعارة والتشبيه.
قال بعض المحققين : القلب شرف الانسان وفضيلته التي بها فاق جملة من أصناف الخلق باستعداده لمعرفة الله سبحانه ، التي في الدنيا جماله وكماله وفخره وفي الآخرة عدته وذخره ، وإنما استعد للمعرفة بقلبه لا بجارحة من جوارحه فالقلب هو العالم بالله ، وهو العامل لله ، وهو الساعي إلى الله ، وهو المتقرب إليه وإنما الجوارح أتباع له وخدم ، وآلات يستخدمها القلب ، ويستعملها استعمال الملك للعبيد ، واستخدام الراعي للرعية ، والصانع للآلة.
والقلب هو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله ، وهو المحجوب عن الله إذا صار مستغرقا بغير الله ، وهو المطالب والمخاطب ، وهو المثاب والمعاقب ، وهو الذي
____________________
(١) الكافى ج ٢ ص ٢٦٦ ، والاية في سورة ق : ١٨.