في الجنة وكل من القصدين وإن كان نازلا بالاضافة إلى قصد طاعة الله ، وتعظيمه لذاته ولجلاله ، لا لامر سواه ، إلا أنه من جملة النيات الصحيحة لانه ميل إلى الموعود في الآخرة وإن كان من جنس المألوف في الدنيا.
وأما قول القائل إنه ينافي الاخلاص ، فجوابه أنك ماتريد بالاخلاص؟ إن أردت به أن يكون خالصا للآخرة لايكون مشوبا بشوائب الدنيا والحظوظ العاجلة للنفس ، كمدح الناس ، والخلاص من النفقة بعتق العبد ، ونحو ذلك ، فظاهر أن إرادة الجنة والخلاص من النار لاينافيان الاخلاص بهذا المعنى ، وإن أردت بالاخلاص أن لايراد بالعمل سوى جمال الله وجلاله من غير شوب من حظوظ النفس وإن كان حظا اخرويا فاشتراطه في صحة العبادة متوقف على دليل شرعي وأنى لك به ، بل الدلائل على خلافه أكثر من أن تذكر ، مع أنه تكليف بمالا يطاق بالنسبة إلى أكثر الخلايق ، لانهم لايعرفون الله بجماله وجلاله ، ولا تتأتى منهم العبادة إلا من خوف النار ، أو للطمع في الجنة.
وأيضا فان الله سبحانه قد قال « ادعوه خوفا وطمعا » (١) « ويدعوننا رغبا و رهبا » (٢) فرغب ورهب ، ووعد وأوعد ، فلو كان مثل هذه النيات مفسدا للعبادات لكان الترغيب والترهيب ، والوعد والوعيد عبثا بل مخلا بالمقصود.
وأيضا فان أولياء الله قد يعملون بعض الاعمال للجنة ، وصرف النار لان حبيبهم يحب ذلك أو لتعليم الناس إخلاص العمل للآخرة ، إذا كانوا أئمة يقتدى بهم ، هذا أمير المؤمنين سيد الاولياء قد كتب كتابا لبعض ماوقفه من أمواله فصدر كتابه بعد التسمية بهذا :
« هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبدالله علي ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ، ويصرفني به عن النار ، ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ».
____________________
(١) السجدة : ١٦.
(٢) الانبياء : ٩٠.