أربعمائة رجل ، فكان يسل عليهم بالغداة والعشي فأتاهم ذات يوم فمنهم من يخصف نعله ، ومنهم من يرقع ثوبه ، ومنهم من يتفلى (١) وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يرزقهم مدا مدا من تمر في كل يوم.
فقام رجل منهم فقال : يارسول الله التمر الذي ترزقنا قد أحرق بطوننا فقال رسول الله : أما إني لو استطعت أن اطعمكم الدنيا لاطعمتكم ، ولكن من عاش منكم من بعدي يغدى عليه بالجفان ويراح عليه بالجفان ، ويغدو أحدكم في قميصة و يروح في اخرى ، وتنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة (٢) فقام رجل فقال : يا رسول الله أنا إلى ذلك الزمان بالاشواق فمتى هو؟ قال صلىاللهعليهوآله : زمانكم هذا خير من ذلك الزمان ، إنكم إن ملاتم بطونكم من الحلال ، توشكون أن تملاؤها من الحرام.
فقام سعد بن أشج فقال : يارسول الله مايعف بنا بعد الموت؟ قال الحساب والقبر ، ثم ضيقه بعد ذلك أو سعته ، فقال : يارسول الله هل تخاف أنت ذلك؟ فقال : لا ولكن أستحيي من النعم المتظاهرة التي لا اجازيها ولا جزءا من سبعة ، فقال سعد بن أشج إني اشهد الله واشهد رسوله ومن حضرني أن نوم الليل علي حرام ( والاكل بالنهار علي حرام ، ولباس الليل علي حرام ، ومخالطة الناس علي حرام وإتيان النساء علي حرام ) (٣) فقال رسول الله : ياسعد لم تصنع شيئا كيف تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، إذا لم تخالط الناس ، وسكون البرية بعد الحضر كفر للنعمة. نم بالليل ، وكل بالنهار ، والبس مالم يكن ذهبا أو حريرا أو معصفرا ، وآت النساء.
ياسعد اذهب إلى بني المصطلق فانهم قد ردوا رسولي فذهب إليهم فجاء بصدقة فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كيف رأيتهم؟ قال : خير قوم مارأيت قوما قط أحسن أخلاقا فيما بينهم من قوم بعثتني إليهم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنه لاينبغي لاولياء الله تعالى من أهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم أن يكونوا أولياء
____________________
(١) تفلى : أى نقى رأسه وثيابه من القمل ونحوه.
(٢) نجد البيت من باب التفعيل زينه وعبارة اللسان : نجدت البيت : بسطته بثياب موشبة. (٣) زيادة من المصدر.