وقد عرفت ما ورد في الأخبار من تفسيرهما والاضطرار يحصل بخوف التلف وهل يشترط فيه الظن أو يكفي مجرد الخوف فيه إشكال وألحق الأكثر بخوف التلف خوف المرض الذي ليس بيسير وكذا زيادته أو طوله وكذا خوف العجز بترك التناول عن المشي الضروري أو مصاحبة الرفقة الضرورية حيث يخاف بالتخلف عنهم على نفسه أو عرضه وكذا الخوف على من معه وربما يلحق بها الخوف على تلف المال على بعض الوجوه لحصول معنى الاضطرار في هذه الصورة وقال الشيخ في النهاية لا يجوز أن يأكل الميتة إلا إذا خاف تلف النفس فإن خاف ذلك أكل ما يمسك به الرمق ولا يمتلئ منه ووافقه جماعة من الأصحاب ولا يجب الامتناع إلى أن يشرف على الموت فإن التناول حينئذ لا ينفع ولا يختص جواز تناول المحرم في حال الاضطرار بنوع منه لكن بعض المحرمات مقدم على بعض كما سيأتي ولا ريب ولا خلاف في أن المضطر يجوز له أن يتناول قدر سد الرمق يعني ما يحفظ نفسه عن الهلاك ولا يجوز له أن يزيد على الشبع اتفاقا وهل يجوز له أن يزيد عن سد الرمق إلى الشبع ظاهر الأكثر العدم وهو حسن إن اندفعت به الحاجة أما لو دعت الضرورة إلى الشبع كما لو كان في بادية وخاف أن لا يقوى على قطعها لو لم يشبع أو احتاج إلى المشي أو العدو وتوقف على الشبع جاز تناول ما دعت الضرورة إليه ويجوز التزود منه إذا خاف عدم الوصول إلى الحلال ثم هل التناول في موضع الضرورة على وجه الوجوب أو على سبيل الرخصة فله التنزه عنه الأقرب الأول لأن تركه يوجب إعانته على نفسه وقد نهي عنه في الكتاب والسنة (١) وإذا تمكن المضطر من أخذ مال الغير فإن كان الغير محتاجا مثله فلا يجوز الأخذ عنه ظلما وهو أحد معاني الباغي كما سبق ويحتمل عدم جواز الأخذ عنه مطلقا لأنه يوجب هلاكه فهو كإهلاك الغير لإبقاء نفسه والأقرب أنه لا يجوز إيثار الغير إذا كان ذلك موجبا لهلاك نفسه لقوله تعالى « وَلا تُلْقُوا » (٢) الآية.
__________________
(١) اوردنا ما يدل على ذلك عن الفقيه قبل ذلك.
(٢) البقرة : ١٩٥.