تلك الأعمال المتكررة أثر في حصول تلك الملكة الراسخة وذلك الأثر وإن كان غير محسوس إلا أنه حاصل في الحقيقة وإذا عرفت هذا ظهر أنه لا يحصل للإنسان لمحة ولا حركة ولا سكون إلا ويحصل منه في جوهر نفسه أثر من آثار السعادة أو أثر من آثار الشقاوة قل أو كثر فهذا هو المراد من كتبة الأعمال عند هؤلاء والله العالم بحقائق الأمور (١) انتهى.
وإنما نقلنا كلامه لتطلع على تحريفات الفلاسفة وتأويلاتهم للآيات والأخبار من غير ضرورة سوى الاستبعادات الوهمية وعدم الاعتناء بكلام صاحب الشريعة.
« وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً » أي العابدين لغير الله والمعبودين « أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ » على الإنكار ليعترفوا بخلافه « قالُوا سُبْحانَكَ » أي تنزيها لك عن أن يعبد سواك « أَنْتَ وَلِيُّنا » أي ناصرنا وأولى بنا « مِنْ دُونِهِمْ » أي من دون هؤلاء الكفار وما كنا نرضى بعبادتهم إيانا « بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ » أي إبليس وذريته حيث أطاعوهم فيما دعوهم إليه من عبادة الملائكة وغيرهم « أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ » مصدقون بالشياطين مطيعون لهم.
« جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً » قال الطبرسي رحمهالله أي إلى الأنبياء بالرسالات والوحي « أُولِي أَجْنِحَةٍ » جعلهم كذلك ليتمكنوا بها من العروج إلى السماء ومن النزول إلى الأرض فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة أجنحة ومنهم من له أربعة أجنحة عن قتادة وقال يزيد فيها ما يشاء وهو قوله « يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ » قال ابن عباس رأى رسول الله جبرئيل ليلة المعراج وله ستمائة جناح. وقيل أراد بقوله « يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ » حسن الصوت وقيل هو الملاحة في العينين وعن النبي صلى الله عليه واله قال : هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن (٢).
وقال الرازي : أقل ما يكون لذي الجناح أن يكون له جناحان وما بعدهما
__________________
(١) مفاتيح الغيب : ج ٥ ، ص ٢٧٥ ـ ٢٧٧.
(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٠٠.