أصول الفقه - ج ١١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-84-3
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٨٣

قلّده ، واكتفوا باحتمال انطباق المأمور به على المأتي به ، ولم يشترطوا احتمال مطابقة المأتي به لما هو المأمور به ، لتوجّه عليهم الايراد بجميع موارد العلم الاجمالي في الشبهات الحكمية الوجوبية المقرونة بالعلم الاجمالي ، فمن كان مردّداً بين كون الواجب عليه هو صلاة الظهر أو الجمعة ، لو أتى بأحدهما يسقط عنه الآخر ، لجريان قاعدة الفراغ في المأتي به الحاكمة بانطباق المأمور به عليه الموجبة للحكم بفراغ ذمّته عن الواجب الواقعي المردّد بينهما.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ قاعدة الفراغ لا تجري في الشكّ في أصل الاتيان بالمأمور به ، وإنّما تجري في مورد الشكّ في شرطه أو جزئه بعد الفراغ عن أصل الاتيان به ، وإلاّ لورد على شيخنا قدس‌سره أنّ من فاتته فريضة مردّدة بين الصبح والمغرب والعشاء وكان اللازم عليه قضاء ثلاث فرائض أنّه لو أتى بواحدة منها ثمّ نسيها وقد علم بعد ذلك أنّ الفائت منه هو العشاء ، تكون قاعدة الفراغ جارية في تلك التي نسيها ولم يعلمها بعينها ، وبذلك يثبت أنّها كانت عشاء ، ولا يلزمه بعد ذلك قضاء العشاء. بل يرد أيضاً أن تجري قاعدة الفراغ في من دخل عليه الفجر وقد صلّى صلاة ونسيها واحتمل أن تكون هي الصبح أو النافلة ، ولا جواب عن أمثال هذه الزخارف إلاّما ذكرناه من عدم جريان القاعدة في الشكّ في أصل الاتيان بما هو المأمور به.

قوله : وكذا الكلام فيما إذا كان المكلّف عالماً بجهة القبلة وبعد الصلاة شكّ في مطابقة علمه للواقع ... الخ (١).

وهكذا الحال في من كان قاطعاً بأنّه متطهّر من الحدث فصلّى ثمّ شكّ في ذلك القطع ، وكذا لو كان قاطعاً بذلك فشكّ فاستصحب الطهارة فصلّى ثمّ بعد

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٥٢.

٤٢١

الفراغ شكّ في قطعه السابق. نعم لو احتمل مع ذلك أنّه توضّأ تجديداً في المثال الأوّل أو احتياطاً في المثال الثاني ، جرت في حقّه قاعدة الفراغ.

ومن ذلك يظهر أنّ الوجه الرابع يمكن أن يتأتّى فيه الوجهان ، أعني انحفاظ صورة العمل كما في الأمثلة التي ذكرت في الكتاب وكما في المثال الأوّل الذي ذكرناه ، وعدم انحفاظ صورة العمل كما في المثال الثاني.

ولا يخفى أنّ جريان قاعدة الفراغ في صورة احتمال الوضوء التجديدي أو في صورة احتمال الوضوء الاحتياطي إنّما هو بناءً على ما أفاده قدس‌سره من أنّ الضابط هو عدم انحفاظ صورة العمل ، أمّا بناءً على ما ذكرناه من أنّ الضابط هو طروّ احتمال النسيان ، فالظاهر هو عدم جريانها ، لأنّ تركه للوضوء في هاتين الصورتين لم يكن عن نسيان له ، وإنّما يكون من جهة قطعه السابق أو استصحابه للطهارة.

قوله : المبحث السابع : لا تجري قاعدة الفراغ والتجاوز في حقّ من يحتمل الترك عمداً ، فإنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام : « كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه » الخ ، وقوله : « كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك » الخ هو اختصاص القاعدة بصورة احتمال الترك غفلة عن نسيان خصوصاً قوله : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (١).

الأذكرية عند العمل كما تطرد احتمال النسيان فكذلك تطرد احتمال تعمّد الترك ، فإنّ المنظور إليه هو الانبعاث عن تلك الارادة التي تعلّقت بالمركّب ، وأنّها تؤثّر في محلّ كلّ جزء بتوليد إرادة ضمنية متعلّقة بذلك الجزء ، وهذه الجهة كما

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٥٢ ـ ٦٥٣.

٤٢٢

تطرد احتمال تركه نسياناً ، فكذلك تطرد احتمال تعمّد تركه.

ثمّ لو أُغضي النظر عن ذلك وأخذنا بجانب هذا التعليل بناءً على اختصاصه بطرد احتمال الترك نسياناً ، فذلك التعليل إنّما هو في قاعدة الفراغ دون قاعدة التجاوز ، وحينئذ فلنقل بسقوط قاعدة الفراغ ، لكن لا مانع من الركون إلى قاعدة التجاوز حتّى لو طرأ الشكّ المذكور بعد الفراغ ، لما عرفت مراراً من جريان قاعدة التجاوز في مورد قاعدة الفراغ وأنّها حاكمة عليها ، أو أنّهما يجريان معاً من دون حكومة للأُولى على الثانية.

نعم ، فيها إشكال آخر وهو ما أشرنا إليه في المباحث السابقة (١) من كون جريانها في التشهّد بعد الدخول في القيام موجباً لإحراز صحّة ما يأتي من الأجزاء التي هي بعد التشهّد ، وأنّها كافية في إحراز شرط تلك الأجزاء الذي هو كونها بعد التشهّد ، من جهة أنّ تطبيق عموم قاعدة التجاوز على الجزء الذي احتمل تركه نسياناً ، لو لم يكن في البين ذلك التصرّف الشرعي الزائد على أصل قاعدة التجاوز أعني تحقّق الشرط فيما بعد ما جرت فيه ، لكان جريان القاعدة فيه لغواً ، فاخراجاً لعموم قاعدة التجاوز عن اللغوية بعد فرض تطبيق الشارع لها على موارد الترك نسياناً ، نقول إنّه لابدّ أنّه قد تحقّقت عند الشارع تلك العناية ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّه متوقّف على عناية أُخرى ، حيث إنّ الأجزاء اللاحقة على تقدير تعمّد ترك السابق تكون من تعمّد الزيادة ، فنحتاج في تطبيق قاعدة [ التجاوز ] على احتمال الترك العمدي إلى عناية فيما يتعقّبه من الأجزاء وأنّها لا تكون زيادة عمدية ، وحيث لم تثبت تلك العناية لم يكن في وسعنا تطبيق العام في هذا المورد لنستكشف منه تحقّق تلك العناية عند الشارع.

__________________

(١) في الصفحة : ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

٤٢٣

وحينئذ تكون الوقفة والتردّد في إجراء قاعدة التجاوز فيما نحن فيه من هذه الجهة ، فلو أردنا الاحتياط فهل يكون ذلك بالمضي في الصلاة وإجراء قاعدة التجاوز ثمّ بعد الفراغ يعيد الصلاة ، أم أنّ الاحتياط يكون بالتدارك ثمّ الاعادة ، في حين أنّ التدارك لا يرفع احتمال كون ذلك القيام والتسبيح الذي تركه ورجع إلى التشهّد زيادة عمدية ، وهكذا الحال فيما ذكرناه من المضي في الصلاة وعدم التلافي ، فإنّ إجراء قاعدة [ التجاوز ] كما عرفت لا ينفي احتمال تعمّد الزيادة في تلك الأجزاء ، وفي الحقيقة أنّ هذا الاحتمال المسجّل لا ينفيه التدارك كما لا ينفيه المضي وعدم التدارك ، فلا محيص حينئذ من الحكم ببطلان الصلاة لعدم تمكّنه من إتمامها بكلّ من الوجهين أعني التلافي وعدمه. نعم لا مانع من المضي وعدم التلافي استناداً إلى احتمال جريان قاعدة الفراغ ثمّ الاعادة بعد الاتمام.

أمّا الاحتياط بالتلافي ثمّ الاعادة ، ففيه أنّه متوقّف على إمكان العمل بالاحتياط بالتلافي في المورد الذي نجزم فيه بجريان قاعدة [ التجاوز ] كما لو احتمل الترك نسياناً ، فهل يمكنه أو يصحّ له الاحتياط بأن يتلافى ذلك الجزء المشكوك ، الظاهر أنّهم لا يقولون بذلك ، وحينئذ فيما نحن [ فيه ] لا يكون هذا الاحتياط بالتلافي صحيحاً ، لأنّ في قباله احتمال جريان قاعدة التجاوز المانع من التلافي ولو احتياطاً.

ومن ذلك كلّه يظهر لك التأمّل فيما أفاده في العروة في مسألة ٥٦ التي نقلناها عنه فيما تقدّم (١) ، بل منه يظهر التأمّل فيما أفاده شيخنا قدس‌سره ، وقد تقدّم (٢) الكلام في توجيه الحاشية المشار إليها فراجع.

__________________

(١) سيأتي في الصفحة : ٤٢٦.

(٢) سيأتي في الصفحة : ٤٢٧.

٤٢٤

قوله : خصوصاً قوله عليه‌السلام : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » ... الخ (١).

في التقريرات المطبوعة في صيدا وجّه عدم شمول الأدلّة للاحتمال العمدي بأنّها منصرفة عنه ، خصوصاً قوله عليه‌السلام : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (٢) فإنّه وإن لم يكن ظاهراً في التعليل ، بل الظاهر كونه حكمة غالبية ، إلاّ أنّه يستظهر منه الاختصاص لغير صورة الترك العمدي (٣).

ولا يخفى أنّه بعد تسليم استظهار الاختصاص من الحكمة المذكورة لا يمكن منع هذا الاختصاص المدّعى سابقاً في مسألة من صلّى إلى جهة لا يعلمها وقد شكّ في أنّها القبلة ، ونحو ذلك من فروع الوجه الثاني من الوجه الثاني.

والحاصل : أنّ هذه الحكمة إن كانت قرينة على الاختصاص بغير صورة احتمال الترك العمدي ، كانت قرينة أيضاً على الاختصاص بغير صورة احتمال المصادفة الاتّفاقية ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّها قرينة على إخراج احتمال الترك العمدي فقط دون احتمال المصادفة الاتّفاقية ، فتأمّل.

ويمكن أن يقال : إنّ قوله عليه‌السلام « هو أذكر » قرينة على دخول احتمال الترك العمدي ، فإنّ الأذكرية إنّما اعتبرت لأجل أنّ المكلّف الذي هو بصدد الامتثال لابدّ أن يأتي بكلّ ما كلّف به في موضعه ، فاحتمال أنّه تركه عمداً في موضعه أبعد من احتمال سهوه عنه ونسيانه له.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٥٢ ـ ٦٥٣.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٣) أجود التقريرات ٤ : ٢٤١.

٤٢٥

والحاصل : أنّ كونه ذاكراً له في موضعه لمّا أُخذ طريقاً إلى الحكم بالاتيان به في صورة احتمال السهو فهو طريق إلى الاتيان به في صورة احتمال تعمّد الترك بطريق أولى ، كما يظهر ذلك من الشيخ قدس‌سره (١) وقد شرحه الآشتياني قدس‌سره (٢) وأوضح فساد القول بعدم شمول القاعدة بما لا مزيد عليه ، وقد تعرّض لهذه المسألة في العروة في مسألة ٥٦ إذا شكّ (٣) في أنّه هل ترك الجزء الفلاني عمداً أم لا ، فمع بقاء محلّ الشكّ لا إشكال في وجوب الاتيان به ، وأمّا مع تجاوزه فهل تجري قاعدة الشكّ بعد التجاوز أم لا ، لانصراف أخبارها عن هذه الصورة خصوصاً بملاحظة قوله : « كان حين العمل أذكر » وجهان ، والأحوط الاتيان ثمّ الاعادة (٤) ومراده من الاتيان هو الاتيان بذلك الجزء المحتمل تركه عمداً ، لا إتمام الصلاة مع عدم الاتيان به ، وقد كتب شيخنا قدس‌سره في الحاشية على قوله « ثمّ الاعادة » ما هذا لفظه : لو تخلّل في البين ما يوجب البطلان على تقدير تعمّد الترك يجب الاعادة ، وإلاّ فلا (٥) فإنّه بعد فرض عدم جريان قاعدة التجاوز في مثل ما لو كان في حال القيام واحتمل أنّه ترك التشهّد أو السجدة الأخيرة عمداً ، وجب عليه التدارك دون الاعادة ، إذ ليس في البين ما يمنع من وجوب التدارك إلاّكون هذه الأجزاء التي شرع [ فيها ] زيادة عمدية ، ولم يثبت أنّها موجبة لبطلان الصلاة ، نعم لو دخل في الركوع لم يمكنه التدارك إلاّبزيادة الركوع وهو مبطل للصلاة ، وحينئذ تجب عليه الاعادة.

__________________

(١) فرائد الأُصول ٣ : ٣٤٤.

(٢) بحر الفوائد ٣ : ٢٠٠.

(٣) سابقاً حرّرنا هذه المسألة مستقلّة [ لعلّ المقصود بذلك تحريراته الفقهية المخطوطة ] فينبغي مراجعتها والجمع بين البحث هناك وهنا [ منه قدس‌سره ].

(٤ و ٥) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٣ : ٣٨٩ / المسألة (٥٨).

٤٢٦

فحاصل الحاشية أنّه بعد فرض عدم جريان قاعدة التجاوز ينبغي التفصيل في المسألة بأنّه إن كان قد دخل في ركن بطلت صلاته ووجب عليه الاعادة ، وإن لم يدخل في ركن لزمه تدارك ذلك المحتمل. ولعلّ نظر الماتن في الاحتياط بالجمع بين الاتيان بذلك المحتمل والاعادة إلى هذه الصورة ، أعني صورة ما لم يدخل في ركن ، ومنشأ هذا الاحتياط أحد أمرين :

الأوّل : احتمال جريان قاعدة التجاوز في حقّه القاضي بعدم لزوم التدارك ، فلا يمكنه التدارك لأنّه موجب للزيادة ، فالقدر الجامع هو أن يتداركه ويعيد الصلاة ، لكن هذا الوجه يوجب كون التدارك خلاف الاحتياط حتّى في صورة احتمال الترك سهواً ، وكأنّه لأجل ذلك قيل إنّ مراده من الاتيان هو إتمام الصلاة بلا تدارك للجزء المحتمل تركه.

الوجه الثاني لهذا الاحتياط : هو أن يقال إنّ تعمّد الترك والدخول في الجزء الآخر يحتمل أنّه مبطل للصلاة ، نظراً إلى أنّه إن لم يرجع إلى تلافيه كان من النقيصة العمدية وهي مبطلة ، وإن رجع إلى تلافيه ولو قبل الدخول في ركن كان ذلك الجزء الذي دخل فيه زيادة عمدية ، وهذا القول وإن قلنا ببطلانه إلاّ أنّه لمّا كان محتملاً وكان الترك العمدي هنا محتملاً ، كان ذلك عبارة أُخرى عن احتمال بطلان الصلاة لو عمل بما قلناه من لزوم العود إلى تلافيه ، فلأجل ذلك يكون الأحوط هو لزوم التدارك والاعادة.

وبعبارة أُخرى لو كان الترك العمدي معلوماً وقد دخل في جزء آخر فنحن نلزمه بالعود لأجل تلافي ذلك المتروك ، وحيث إنّه قد قيل بأنّ ذلك التلافي موجب لبطلان الصلاة بالزيادة العمدية ، فالأحوط في تلك المسألة ـ أعني ما لو كان الترك العمدي معلوماً ـ هو التدارك والاعادة.

٤٢٧

ومنه يظهر أنّ الأحوط في مسألتنا هذه ـ أعني ما لو كان الترك العمدي محتملاً ـ هو التدارك والاعادة أيضاً ، فإنّه بعد أن لم تجر في حقّه قاعدة التجاوز كان التدارك لازماً بمقتضى أصالة الاشتغال بذلك الجزء أو أصالة عدم الاتيان به والتدارك وإن قلنا بلزومه لعدم بطلان الصلاة بما يستلزمه من الزيادة العمدية ، إلاّ أنّه لمّا قيل بأنّ تلك الزيادة موجبة لبطلان الصلاة ، كان الأحوط هو ضمّ الاعادة إلى لزوم التدارك.

لا يقال : فلِمَ لَم تحتاطوا بترك التدارك وتكتفوا بالاتمام والاعادة.

لأنّا نقول : إنّ ذلك خلاف مسلكنا الذي سلكناه في أصل المسألة وهو الفتوى بلزوم التدارك وعدم كون تلك الزيادة مبطلة ، لكنّي في شكّ من كون مسلك السيّد صاحب العروة قدس‌سره هو لزوم التدارك في صورة تعمّد الترك ، فإنّ كلامه في مسألة فصل في الترتيب في أجزاء الصلاة (١) ربما يعطي خلاف ذلك ، حيث إنّه في صورة ما لو خالف الترتيب عمداً حكم ببطلان الصلاة ، فلو خالفه عمداً بطل ما أتى به مقدّماً وأبطل من جهة لزوم الزيادة ، وفيما لو خالف الترتيب سهواً فصّل بين ما لو قدّم ركناً على ركن فإنّه مبطل بخلاف ما لو لم يكن كذلك (٢) وبناءً على ذلك نقول : إن جرت في حقّه قاعدة التجاوز كان مقتضاها إتمام الصلاة من دون لزوم الاعادة ، وإن لم تجر في حقّه كان محكوماً بأصالة عدم الاتيان ، ويكون مقتضاه البطلان ، وطريق الاحتياط هو الاتمام والاعادة ، فلا يتّجه ما أفاده

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٢ : ٦٠٠.

(٢) لكن ينبغي مراجعة ما أفاده في المسألة ٤٩ من مسائل خلل الوضوء [ منه قدس‌سره. العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ١ : ٤٥٦ / المسألة ٤٩ من شرائط الوضوء ].

٤٢٨

من الاحتياط بالتدارك ، إذ لا وجه حينئذ للتدارك ، لأنّه إن كان قد ترك ذلك الجزء فقد بطلت صلاته ، وإن لم يكن قد تركه لم يكن وجه لهدم ما بيده والرجوع إلى الجزء السابق ، إلاّ أن يحمل قوله « الأحوط الاتيان والاعادة » على إتمام الصلاة وهو خلاف الظاهر.

ويبقى الإشكال في توجيه ما أفاده شيخنا قدس‌سره في الحاشية ، فإنّه قدس‌سره أيضاً يقول بأنّ الزيادة العمدية في غير الركن مبطلة كما يظهر لمن راجع ما أفاده قدس‌سره (١) في أُصوله في مسألة الأقل والأكثر في حكم الزيادة العمدية ، فإنّه يستند في ذلك إلى قوله عليه‌السلام : « من زاد في صلاته فعليه الاعادة » (٢) بعد تحكيم حديث لا تعاد (٣) عليه في إخراج الزيادة السهوية عنه ، ويبقى مختصّاً بالزيادة العمدية.

ودعوى أنّا وإن قلنا بأنّ زيادة غير الركن عمداً مبطلة ، إلاّ أنّه لا يشمل مثل ما نحن فيه ممّا كان من قبيل إعادة الجزء لأجل كونه قد وقع في غير محلّه ، ممنوعة فإنّه إنّما يتمشّى فيما لو كان وقوعه في غير محلّه من جهة السهو ، كما لو نسي الجزء ودخل في جزء آخر وتذكّر ، فإنّه عليه الاتيان بذلك الجزء المتروك سهواً وإعادة ذلك الجزء الذي دخل فيه ، ولا يكون إعادة ذلك الجزء من الزيادة العمدية ، بل يكون من الزيادة السهوية ، أمّا لو كان الترك عمدياً فلا يكون إلاّمن قبيل الزيادة العمدية ، إذ لا ريب حينئذ في أنّه قد حصلت الزيادة باعادة ذلك الجزء الذي دخل فيه ، لأنّ كلاً من ذلك الجزء الذي أتى به أوّلاً والجزء الذي أتى به ثانياً ، لا يكون إلاّبقصد الجزئية عمداً ، ويكون موجباً للدخول في الزيادة

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٣٨.

(٢) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ٣٧١ ـ ٣٧٢ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

٤٢٩

العمدية ، فيوجب البطلان.

لا يقال : إنّ ذلك الجزء الذي دخل فيه لا يكون زائداً قبل التدارك لعدم تكراره ، ولا تكون المسألة إلاّمن قبيل نقصان الجزء السابق لا من قبيل زيادة الجزء اللاحق ، وحيث إنّ تلك النقيصة كان يمكنه تداركها كان عليه أن يتدارك ذلك الجزء الذي تركه عمداً ، وحينئذ لو تدارك الجزء الفائت عمداً وكرّر ذلك الجزء الذي دخل فيه لا يمكننا القول بأنّ الزائد هو ذلك الجزء الذي جاء به ثانياً ، لأنّه لم يكن واقعاً إلاّفي محلّه فلا يكون زائداً ، كما أنّه لا يمكننا القول بأنّ الزائد هو الذي أتى به أوّلاً لفرض أنّه حينما وقع لم يكن زائداً ، فكيف ينقلب عمّا وقع من عدم الزيادة إلى الزيادة.

لأنّا نقول : إنّا نقول إنّه لا يمكنه الرجوع إلى تدارك الجزء الفائت ، لأنّه موجب لأن يكون ذلك الجزء الذي دخل فيه زائداً وقد كان تعمّد في دخوله فيه ، فيكون داخلاً في الزيادة العمدية وإن لم يكن داخلاً فيها قبل ذلك ، هذا.

ولكن التحقيق أنّ ذلك الجزء الذي دخل فيه هو مصداق للزيادة العمدية قبل التدارك ، فإنّه لمّا أتى به عمداً بقصد الجزئية بعد ترك ما قبله عمداً ، كان ذلك الجزء فاقداً لشرطه وهو ترتيبه على ما قبله فيكون باطلاً ، وقد أتى به بقصد الجزئية فيكون زيادة عمدية ، فيكون مبطلاً من حينه من دون توقّف في ذلك على تدارك الجزء المتروك.

لا يقال : بناءً على ذلك لو كان الترك سهواً ولم يتذكّر حتّى دخل في ركن ، كان جميع ما أتى به من الأجزاء ممّا بين ذلك الجزء المتروك وبين ذلك الركن من قبيل الزيادة السهوية ، فيلزمه سجود السهو لها.

لأنّا نقول : إنّ الأمر كذلك ، لكن لمّا دلّ حديث لا تعاد على سقوط جزئية

٤٣٠

ذلك المتروك سهواً ، كان ذلك موجباً لسقوط اشتراط ما بعده بترتّبه عليه ، فيخرج ما بعده عن كونه زيادة سهوية.

وكيف كان ، فالأوجه في توجيه الحاشية هو جعلها ناظرة إلى ما لو دخل فيما لا يكون من الأجزاء ، مثل ما لو دخل في القنوت بناءً على أنّه مستحبّ مستقل واحتمل أنّه ترك القراءة عمداً ، أو دخل في النهوض واحتمل أنّه ترك التشهّد أو السجدة الأخيرة عمداً ، فإنّه بعد فرض أنّ قاعدة التجاوز لا تجري في حقّه ، إمّا لأنّ القنوت والمقدّمات لا يصدق عليه عنوان الغير ، وإمّا لأنّ الشكّ في تعمّد الترك لا يكون مشمولاً لقاعدة التجاوز ، فإنّه في أمثال ذلك يلزمه العود لتدارك ما احتمل تركه عمداً ، ولا يكون في البين زيادة عمدية ، نعم لو دخل في جزء واجب من أجزاء الصلاة لم يمكنه التدارك ولزمه إعادة الصلاة لبطلانها حينئذ.

ويمكن أن يقال : إنّ كلّ جزء جاء به قبل محلّه لا يكون من قبيل الزيادة ، فلو جاء بالركوع قبل القراءة أو بالقيام للثالثة قبل التشهّد إلى غير ذلك ، لا يكون من قبيل الزيادة ، وإنّما يكون من قبيل النقيصة ، غايته أنّه إن أمكن تلافي ذلك الناقص كان حكم الشارع به وباعادة ذلك الجزء موجباً لكون ذلك الجزء الذي جاء به في غير محلّه زائداً ، وإن لم يمكنه التلافي كما لو دخل في الركوع قبل القراءة لم يكن إلاّمن قبيل نسيان القراءة لا من قبيل زيادة الركوع.

ومن ذلك ما لو سلّم على الثانية عن تخيّل كونها رابعة والتفت قبل المنافي فإنّه يلزمه الاتمام والاتيان بالسلام ثانياً على الرابعة ، فيكون السلام السابق حينئذ زائداً بالنظر إلى وجوب السلام الأخير عليه ، ويكون حاله حال ما لو سلّم على الثانية غفلة.

٤٣١

وعلى كلّ حال ، أنّه مع قطع النظر عن حكم الشارع عليه بالسلام الأخير ، لا يكون إلاّمن قبيل نقصان الركعتين الأخيرتين سهواً ، فلو حكم الشارع بتلافيها من دون سلام واكتفى بالسلام السابق ، لم يكن ذلك السابق زائداً ، غايته أنّه كان على خلاف الترتيب ، لكن لمّا حكم الشارع بلزوم السلام ثانياً كان لازمه إلغاء الأوّل فيكون زائداً.

ولازم هذه الكلمات أنّه لو قرأ السورة قبل الفاتحة ثمّ قرأ الفاتحة ولم يلتفت إلاّبعد الدخول في الركوع ، لم يكن ذلك من الزيادة ولا من النقيصة ، بل لا يكون إلاّمن قبيل الإخلال بشرط هذين الجزأين وهو الترتيب.

وهكذا الحال فيما لو قدّم التشهّد على السجود ، سواء كان على تمامه أو على السجدة الثانية ثمّ سجد وقام ، اللهمّ إلاّ أن نقول : إنّه في الواقع لمّا كان محكوماً بوجوب إعادة التشهّد كان ذلك كافياً في الحكم بكون التشهّد السابق زائداً ، وحيث إنّه قد تركه بعد السجود أيضاً مع كونه مأموراً به واقعاً يكون من قبيل نقصانه ، فيلزمه بعد الصلاة قضاؤه وسجود السهو لنقصانه ، كما يجب عليه أيضاً السجود لزيادته ، من دون فرق في ذلك بين الغفلة في جميع ما صدر من عكس الترتيب بين السجدة الأخيرة والتشهّد ، أو أنّه قد تخيّل أنّه أكمل السجدتين فتشهّد وبعد الفراغ من تشهّده ذكر أنّه لم يأت بالثانية فهوى إليها ، ثمّ بعد رفعه الرأس منها نسي الاتيان بالتشهّد بعدها ، فإنّ ذلك كلّه من قبيل الزيادة والنقص وإن كان كونه كذلك في الصورة الثانية أوضح.

وهذه الزيادة ليست بعمدية ، لأنّه لم يتعمّد زيادتها عند الاتيان بها ، ولا سهوية لأنّها لم تقع سهواً ، بل هي قهرية بمعنى أنّه لمّا كان مقتضى القاعدة الأوّلية هو الاتيان بذلك الجزء المتروك ولزوم الترتيب باعادة تلك الأجزاء ، كانت تلك

٤٣٢

الأجزاء التي جاء بها بطبيعة الحال زيادة في ذلك المركّب ، فإن لم يكن في البين ما يدلّ على البطلان بالزيادة صحّ العمل معها كما في باب الوضوء ، ولمّا كانت الصلاة بخلاف ذلك لعموم « من زاد في صلاته فعليه الاعادة » (١) كان هذا العموم قاضياً بفسادها بالزيادة ، سواء كانت عمدية أو كانت سهوية أو كانت قهرية ، لكن حديث لا تعاد دلّ على عدم بطلان الصلاة بأي خلل وقع فيها إلاّمن ناحية تلك الخمسة ، وبه تكون الزيادة السهوية والزيادة القهرية غير مبطلة للصلاة ، أمّا الزيادة العمدية فهي خارجة عن عموم حديث لا تعاد ، لما حقّق في محلّه من عدم شموله للخلل العمدي ، وحينئذ نقول : إنّ من نسي التشهّد مثلاً وتذكّر قبل الركوع كانت القاعدة الأوّلية قاضية بلزوم الاتيان به ، وإن لزم منه كون القيام والقراءة السابقة زيادة قهرية وهي مبطلة بعموم « من زاد » إلاّ أنّ حديث لا تعاد الشامل للزيادة القهرية يصحّحها ويجري عليها حكم الزيادة السهوية من سجود السهو لعموم دليل سجود السهو ، أمّا إذا لم يتذكّر إلاّبعد الدخول في الركوع ، فكان تدارك التشهّد موجباً لكون ذلك الركوع زيادة قهرية ، وكان المورد داخلاً في أحد تلك الخمسة الموجبة للاعادة بحكم الاستثناء ، فلاحظ.

وإن شئت فقل : إنّ هذا الشخص الذي سها عن السجدة الأخيرة مثلاً وتشهّد وقام بعد فرض اعتبار الترتيب في أجزاء الصلاة ، وبعد فرض اعتبار عدم الزيادة فيها ، يدور أمره بالنظر إلى جريان حديث لا تعاد في حقّه بين إسقاط جزئية السجدة الأخيرة في حقّه فيلزمه المضي في صلاته وعدم تلافي السجدة ، وبين لزوم تلافيها بلا إعادة ما أتى به ممّا بعدها فيكون الساقط هو الترتيب ، أو لزوم تلافيها مع إعادة ما بعدها ، فيكون ذلك موجباً لكون ما سبق زيادة قهرية ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

٤٣٣

فيكون الساقط هو اعتبار عدم الزيادة ، وبمقتضى حديث لا تعاد يتعيّن الأخير ، لأنّ التكليف بالجزء يستدعي بطبعه الاتيان به ما دام ممكناً ، فبالطبع الأوّلي يلزمه الاتيان بالسجدة ، وبعد الاتيان بها نقول إنّه لا يمكننا إسقاط الترتيب عنه بالاكتفاء في الأجزاء اللاحقة بما فعله منها قبل تلافيه السجدة ، لأنّ الترتيب فعلاً ممكن الحصول ، فطبع الحال من الأمر بتحصيل الترتيب يلزمه إعادة ما تقدّم من الأجزاء فيلزم من ذلك الزيادة القهرية فيما سبق منها ، وهذا ـ أعني عدم الزيادة ـ لو كان معتبراً في هذا الحال لم يمكن الحصول عليه إلاّبالاعادة ، فيكون اعتباره ساقطاً بحديث لا تعاد.

والخلاصة : هي دعوى الطولية والترتّب الطبعي بين هذه الأُمور ، فلا يقع التزاحم بينها ، فلاحظ وتأمّل.

وحاصل ذلك : هو أنّ هذا المكلّف يمكنه الحصول على الجزء وعلى شرطه من الترتيب فيلزمه ذلك ، غايته أنّه موجب لكون ما مضى زيادة قهرية ، وهذه لا يتكلّف بعدمها إلاّبالاعادة فتسقط.

لا يقال : إنّه يمكنه فعلاً الحصول على الجزء وعلى عدم الزيادة ، وحينئذ يسقط الترتيب ، لأنّه مع الاحتفاظ بالجزء وعدم الزيادة يكون الاحتفاظ بالترتيب منحصراً بالاعادة فيسقط.

لأنّا نقول : إنّ معنى التكليف بعدم الزيادة هو النهي عنها ، وهو إنّما يكون قبل وجودها ، فهو في هذا الحال ـ أعني حال تركه الجزء نسياناً ـ لا يتوجّه إليه نهي عن تلك الزيادة ، وإنّما المتوجّه إليه هو الأمر بالترتيب ، وبعد الجري على طبق الأمر بالجزء وبترتيبه يكون ما مضى زيادة قهرية ، فلا يمكن توجّه النهي إليها ، ولا يكون للنهي عن الزيادة الذي تضمّنه الأمر بالصلاة [ مجال ] إلاّبالاعادة

٤٣٤

فتسقط.

لا يقال : إنّه لو دخل في الركوع في الصورة المفروضة ينبغي أن تقولوا بأنّه يلزمه السجدة وما بعدها ، لإمكان تلافيه ، ويكون الساقط هو الترتيب في ناحية السجدة.

لأنّا نقول : إنّه عند الاتيان بالركوع قبل السجدة يكون الترتيب في الركوع ساقطاً ، لأنّه يلزمه السجدة ثمّ الركوع بعده ، ولا يكون ذلك إلاّباعادة الصلاة ، فيسقط ترتيب الركوع على السجدة وذلك لسقوط جزئية السجدة ، فيكون سقوط جزئية السجدة حاصلاً بمجرّد الدخول في الركوع ، فلا يبقى أمرها كي يقال إنّه بعد فراغه من الركوع يدور الأمر بين سقوط السجدة وسقوط ترتّبها على الركوع ، والذي يلازم الاعادة هو شرطها وترتيبها على الركوع دون أصل وجوبها ، فلاحظ وتأمّل.

وحاصل الأمر : أنّه لا معنى لوجوب ترتيب الركوع على السجدة إلاّوجوب السجدة وإيقاع الركوع بعدها ، وهذا الوجوب ـ أعني إيقاع الركوع بعد السجود الراجع إلى قوله : اسجد ثمّ اركع ـ لا يمكنه امتثاله إلاّبالاعادة فيسقط ، وهو عبارة أُخرى عن سقوط وجوب السجدة ، هذا.

ولكن الإنصاف هو أنّ انفقاد شرط الجزء يكون موجباً لزيادته ، وأنّ الإخلال بالترتيب في الأجزاء لا يكون ممكناً ، لأنّه موجب لزيادة الجزء المأتي به قبل ما تقدّمه ، ومع كونه زيادة لا يكون جزءاً صلاتياً. ومنه يتّضح لك الوجه في عدم جريان حديث لا تعاد في نفس الإخلال بالترتيب لعدم تصوّر الإخلال به ، بل إنّ الإخلال به يوجب الزيادة ، وبذلك يكون مجرى لحديث لا تعاد ، ففي تقديم تمام السجود على الركوع لا يجري حديث لا تعاد ، لأنّه من زيادة الركن

٤٣٥

ونقصه ، فيكون داخلاً في الاستثناء ، ومع كونه من الزيادة لا يكون من تقدّم بعض الأجزاء على بعض.

ومنه يظهر وجه الصحّة في تقديم السورة على الفاتحة وعدم الالتفات إلاّ بعد الركوع ، فإنّه ليس من باب الخلل في الترتيب كي يقال إنّه لا يجري فيه حديث لا تعاد ، بل هو من زيادة السورة ونقصها ، بل من باب النقص والزيادة في كلّ منهما.

وأمّا ما لو نسي بعض الأجزاء غير الركنية حتّى دخل في ركن فهو وإن كان قبل الدخول في الركن من باب زيادة تلك الأجزاء ، إلاّ أنّه بعد أن دخل في الركن وجرى حديث [ لا تعاد ] في ذلك المتروك سهواً وسقطت جزئيته ، تخرج تلك الأجزاء عن كونها زيادة ، لا بمعنى الانقلاب ، بل بمعنى أنّه ينكشف بذلك أنّها ليست بزيادة ، لأنّه من حين ترك ذلك الجزء لمّا كان ذلك الترك متعقّباً بالدخول في الركن كان ذلك المتروك ساقط الجزئية من حين تركه ، فتكون المسألة من باب الكشف لا من باب النقل.

ثمّ إنّه مع الدخول في الركن لمّا كان الدخول فيه مسقطاً للجزئية لم يكن ذلك الركن زائداً ، كما أنّه لا يبقى مجال لتدارك ذلك المتروك ليقال إنّ الساقط هو الترتيب ، لما عرفت من أنّه لا يتصوّر الإخلال بالترتيب ، فلا يكون ذلك الركن وذلك الجزء الذي تداركه بعد الركن من قبيل جزأين قد أخلّ بترتيبهما ، بل يكون كلّ منهما أجنبياً عن أجزاء الصلاة لانفقاد الشرط في كلّ منهما ، ولكنّه مع ذلك لا يخلو عن تأمّل ، فلماذا لم يجعل حديث لا تعاد جارياً في ذلك الشرط فيكون هو الساقط ، ويكونان من قبيل جزأين تقدّم أحدهما على الآخر.

فالأولى أن يقال : إنّ حديث لا تعاد وإن جرى في الشرائط إلاّ أنّه لا يجري

٤٣٦

في شرط الترتيب ، لأنّه ليس في عرض سائر الأجزاء والشرائط ، فلاحظ وتأمّل.

ولازم هذا الذي ذكرناه هو أنّه لو عكس الترتيب فقرأ السورة قبل الفاتحة فإن تذكّر قبل الركوع أعادهما أو أعاد السورة فقط ، وكانا من قبيل الزيادة القهرية ، أو كانت السورة الأُولى فقط زيادة قهرية ، وإن لم يتذكّر حتّى ركع أو حتّى فرغ من صلاته لم يكن من قبيل الزيادة ولا النقيصة ، بل كان من قبيل فقدان شرط الترتيب بينهما كما صرّح به في مسألة ٦٢ من ختام العروة (١) ، لكن شيخنا قدس‌سره (٢) علّق عليه أنّه من قبيل زيادة السورة ونقصها ، وفيه تأمّل.

ولو قدّم التشهّد على السجدتين بأن تشهّد ثمّ سجد السجدتين ولم يتذكّر حتّى فرغ ودخل في الركوع كان الأمر كذلك ، ولو تذكّر بعد السجود عاد للتشهّد ـ وكان الأوّل زيادة قهرية ـ وبه صرّح في العروة (٣).

أمّا لو قدّم أحد الأركان على الآخر كما لو قدّم السجود على الركوع بطلت صلاته ، لنقصان الركوع وعدم إمكان تلافيه إلاّبإعادة السجود ، وكلاهما داخل في عقد الاستثناء.

ولو ركع ثمّ قرأ كان من قبيل نقصان القراءة وزيادتها ، أمّا الأوّل فواضح ، لأنّه بركوعه قبلها يكون من قبيل نقصانها ، ولكن لمّا لم يمكنه إعادتها وكان حديث لا تعاد بجزئه الاستثنائي قاضياً بسقوط جزئيتها ، كان إتيانه بها بعد الركوع من قبيل الزيادة ، فلو قلنا بلزوم سجود السهو لكلّ زيادة ونقيصة كان عليه أن يسجد مرّتين ، الأُولى لنقص القراءة والثانية لزيادتها ، فلاحظ وتأمّل.

واعلم أنّ شيخنا قدس‌سره لم يعلّق شيئاً على ما تقدّم في العروة في فصل وجوب

__________________

(١ و ٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٣ : ٣٩٣ / المسألة (٦٤).

(٣) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٢ : ٦٠٠.

٤٣٧

الترتيب ، فدلّ ذلك على أنّه موافق للعروة في أنّه لو قدّم بعض الأجزاء عمداً كان موجباً لزيادة ذلك المقدّم عمداً وكان باطلاً مبطلاً ، وحينئذ نقول : إنّه قدس‌سره لمّا بنى فيما نحن فيه من احتمال الترك العمدي على عدم جريان التجاوز ، تعيّن أن يكون مراده من المتخلّل الموجب للبطلان على تقدير تعمّد الترك ليس هو خصوص الركن ، بل هو كلّ جزء كان قد أتى به المكلّف بعد تعمّد الترك ، وحينئذ ينحصر مورد قوله « وإلاّ فلا » (١) بما لو كان المأتي خارجاً عن الأجزاء ، مثل ما لو احتمل تعمّد ترك القراءة ودخل في القنوت بناءً على أنّه مستحبّ مستقل ، ومثل ما لو احتمل تعمّد ترك التشهّد أو ترك السجدة الواحدة أو ترك السجدتين وقد دخل في النهوض قبل أن يستوي قائماً ، فإنّ الحكم في أمثال هذه الصورة هو لزوم العود والتدارك بلا حاجة إلى الاعادة ، بخلاف ما لو كان ما دخل فيه جزءاً صلاتياً فإن الحكم هو البطلان بعد البناء على عدم جريان قاعدة التجاوز ، سواء كان ذلك الجزء ركناً أو كان غير ركن.

والخلاصة : هي أنّ الوجوه المحتملة في مسألة ترك الجزء عمداً والدخول في الجزء الآخر ثلاثة : البطلان ، وعدم البطلان ولزوم الرجوع قبل الدخول في أحد الأركان ، والتوقّف. وكذلك الحال في جريان قاعدة التجاوز في مورد احتمال الترك العمدي ، فإنّ الوجوه في ذلك ثلاثة : الجريان ، وعدمه ، والتوقّف ، فتكون النتيجة هي أنّ المحتملات تسعة ، فلو قلنا بجريان قاعدة التجاوز كان الحكم هو المضي في صلاته على كلّ من المحتملات في المسألة الأُولى. ولو قلنا بعدم جريان قاعدة التجاوز فعلى الأوّل من شقوق المسألة الأُولى يكون الحكم هو بطلان صلاته ، وعلى الثاني يكون الحكم هو وجوب العود والتلافي ،

__________________

(١) تقدّم ذكر مصدره في الصفحة : ٤٢٦.

٤٣٨

وعلى الثالث يكون اللازم الاحتياط بالتلافي والاعادة. ولو توقّفنا في إجراء قاعدة التجاوز فعلى الوجه الأوّل من شقوق المسألة الأُولى نقول على تقدير الجريان يمضي في صلاته ، وعلى تقدير عدم الجريان تكون صلاته باطلة لأصالة عدم الاتيان بما يحتمل تعمّد تركه ، وحينئذ يكون مقتضى الجمع هو الاتمام والاعادة. وعلى التقدير الثاني يكون مقتضى الجريان هو الاتمام ومقتضى عدمه هو التدارك ، وحينئذ نقول إنّ مقتضى جريان القاعدة إن كان عزيمة على وجه لا يصحّ الاحتياط بالتدارك كان المقام من دوران الأمر بين المحذورين ، لأنّه على تقدير جريان القاعدة يلزمه المضي ولا يجوز له التدارك ، وعلى تقدير عدم الجريان يجب عليه التدارك ، وحينئذ ينسدّ طريق الاحتياط ، فلا يمكنه إتمام هذه الصلاة فتبطل.

وكذلك الحال على الشقّ الثالث من شقوق المسألة الأُولى ، لأنّا نحتمل الصحّة ، وعلى تقديره نتردّد في الجريان وعدمه ، فتكون المسألة من الدوران بين المحذورين.

نعم لو قلنا بأنّ مفاد قاعدة التجاوز هو الرخصة في المضي وعدم لزوم التدارك ، كان مقتضى التردّد بين الجريان وعدمه على الشقّ الثاني والثالث من شقوق المسألة الأُولى هو لزوم الاحتياط بالتدارك والاعادة ، وأمّا على الشقّ الأوّل فيكون الاحتياط بالاتمام والاعادة ، ولو احتاط بالتدارك والاعادة لم يكن في البين ما يمنع منه ، فإنّ أقصى ما في البين هو احتمال جريان القاعدة وهو لا يمنع من التدارك ، لكن الظاهر من أدلّة قاعدة التجاوز إحراز الاتيان بالجزء المشكوك ، فينسدّ باب الاحتياط بالاتيان به لكونه موجباً للزيادة ، إلاّ أن يقال إنّ الاتيان به احتياطاً لا يكون محقّقاً للزيادة العمدية ، وفيه تأمّل ، ولعلّه لأجل ذلك أفاد

٤٣٩

شيخنا قدس‌سره في الموارد التي استشكل فيها من إجراء قاعدة التجاوز بأنّ الأحوط إعادة المشكوك بقصد القربة المطلقة ، فلاحظ حاشية ٢ على مسألة ١٠ من ص ٤١٥ (١) ، ولو كان باب الاحتياط ممكناً بالاعادة لما احتاج إلى قصد القربة المطلقة الذي يكون جدواه في الاحتياط في غاية الإشكال ، إلاّ أن يريد من قصد القربة المطلقة قصد امتثال الأمر الواقعي ، فلاحظ.

قال في العروة : فصل في الترتيب : يجب الاتيان بأفعال الصلاة على حسب ما عرفت من الترتيب ، بأن يقدّم تكبيرة الإحرام على القراءة ، والقراءة على الركوع ، وهكذا ، فلو خالفه عمداً بطل ما أتى به مقدّماً وأبطل من جهة لزوم الزيادة ، سواء كان ذلك في الأفعال أو الأقوال ، وفي الأركان أو غيرها (٢).

والوجه في كون ذلك الجزء زيادة عمدية ، هو أنّه لمّا أتى به عمداً بقصد الجزئية بعد ترك ما قبله عمداً ، كان ذلك الجزء فاقداً لشرطه وهو ترتيبه على ما قبله فيكون باطلاً ، وقد أتى به بقصد الجزئية فيكون زيادة عمدية ، فيكون باطلاً من حينه ، ويكون مبطلاً من دون توقّف على تدارك الجزء المتروك.

لا يقال : فعلى هذا لو كان الترك سهواً ولم يتذكّر حتّى دخل في أحد الأركان كان جميع ما أتى به من الأجزاء ما بين ذلك الجزء المتروك وبين ذلك الركن من قبيل الزيادة السهوية ، فيلزمه سجود السهو لها ، بل ربما سرت الزيادة السهوية إلى ما قبل ذلك المتروك من الأجزاء لكونها فاقدة لشرطها وهو تعقّبها بذلك الجزء المتروك ، بل ربما سرت الزيادة السهوية إلى نفس الركن الذي دخل فيه ، فينبغي الحكم ببطلان الصلاة عند ترك بعض أجزائها سهواً والدخول في

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٣ : ٢٣٥.

(٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٢ : ٦٠٠.

٤٤٠