موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

فصل

[ في واجبات الصلاة وأركانها ]

واجبات الصّلاة أحد عشر : النيّة والقيام وتكبيرة الإحرام والركوع والسجود والقراءة والذِّكر والتشهّد والسّلام والترتيب والموالاة (١).

______________________________________________________

(١) لا ريب في أنّ الصلاة مؤلّفة من عدة أُمور وقيود وجوديّة وعدميّة ، فما كان معتبراً فيها قيداً وتقيّداً يعبّر عنه بالجزء ، وما كان التقيّد به معتبراً دون القيد فهو الشرط ، ثم الثاني إن كان معتبراً في تمام حالات الصلاة حتى الآنات المتخللة بين الأجزاء كالطهارة والاستقبال والستر يعبّر عنها بشرائط الصلاة ومقدّماتها وقد مرّ البحث حولها سابقاً ، وما كان معتبراً في نفس الأجزاء دون الآنات المتخللة بينها يعبّر عنها بشرائط الأجزاء ، سواء أكانت معتبرة في تمام الأجزاء بالأسر كالترتيب والموالاة والطمأنينة ، أم في بعضها كالقيام حال القراءة والجلوس حال التشهد ونحوهما.

وممّا ذكرنا من ضابط الفرق بين الجزء والشرط يظهر أنّ عدّ النيّة من الأجزاء‌

١

كما صنعه الماتن (١) والمحقق (٢) وغيرهما في غير محلّه ، لعدم تركب الماهيّة منها ، وعدم دخلها في حقيقة الصلاة ، بل هي إمّا شرط ، أو لا جزء ولا شرط كما ستعرف.

كما أنّ عدّ الترتيب والموالاة منها غير وجيه أيضاً ، فإنّهما كما عرفت من شرائط الأجزاء لا أنهما برأسهما جزءان مستقلان في قبال الباقي ، ولذا أهملهما المحقق في الشرائع ، وإن أهمل الذكر أيضاً وعدّ الأجزاء ثمانية ، ولعلّه من أجل أنّ الذكر من واجبات الركوع والسجود فليس جزءاً في قبالهما.

ثم إنّه كان على الماتن وغيره من الفقهاء عدّ الجلوس بين السجدتين أيضاً من الأجزاء ، فإنّه معتبر في حدّ نفسه وبحياله في الصلاة قبال بقية الأجزاء وليس اعتباره من أجل تحقق التعدّد بين السجدتين ، ضرورة تقوّمها بمجرّد وضع الجبهة على الأرض ، ولا يناط صدق التعدد بتخلل الجلوس بينهما قطعاً فلو سجد وبعد رفع الرأس سجد ثانياً من دون جلوس في البين صدق عنوان السجدتين بلا ارتياب.

وقد اتضح من جميع ما ذكرناه : أنّ أجزاء الصلاة تسعة بإسقاط النيّة فإنّها شرط كما ستعرف ، وكذا الترتيب والموالاة فإنّهما من شرائط الأجزاء لا من أجزاء الصلاة كما عرفت ، وبإضافة الجلوس بين السجدتين ، بل وكذا الجلوس بعدهما المعبّر عنه بجلسة الاستراحة ، بناءً على وجوبها كما لعلّه المعروف ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب.

__________________

(١) حيث جعلها في سياق سائر الأجزاء بعد فراغه عن البحث عن الشرائط. إلاّ أن يُقال : إنّه قدس‌سره بصدد بيان واجبات الصلاة الأعم من الأجزاء والشرائط القائمة بها كما قد يظهر من ملاحظة ما ذكره في نظائر المقام ، مثل واجبات الركوع وواجبات السجود ونحوهما ، فإنّها أيضاً من هذا النمط ، ومنه يظهر الحال في الترتيب والموالاة.

(٢) الشرائع ١ : ٩٥.

٢

والخمسة الأُولى أركان (١) بمعنى أنّ زيادتها ونقيصتها عمداً وسهواً موجبة للبطلان (*).

______________________________________________________

(١) أمّا النيّة : فليست بجزء كما مرّت الإشارة إليه ، فلا يحسن عدّها من الأجزاء الركنية.

وأمّا القيام : فالواجب منه في الصلاة ثلاثة : القيام حال تكبيرة الإحرام والقيام المتصل بالركوع ، والقيام بعد رفع الرأس عنه ،

لكن الأوّل من شرائط التكبير لا أنّه جزء مستقل في قباله ، كما أنّ الثاني من مقوّمات الركوع ، إذ هو ليس مجرّد الانحناء الخاص بل ما كان عن قيام ، ومنه قولهم : شجرة راكعة ، أي منحنية بعد ما كانت قائمة ، فليس هو أيضاً جزءاً مستقلا ، نعم القيام بعد الركوع جزء مستقل لكنه ليس بركني ، لعدم بطلان الصلاة بنقصه السهوي كما لا يخفى.

وأمّا تكبيرة الإحرام : فالمشهور بطلان الصلاة بالإخلال بها زيادة أو نقيصة عمداً أو سهواً ، ومن هنا عدّوها من الأركان ، لكن الأقوى عدم البطلان بالزيادة السهوية لعدم الدليل عليه ، كما سيجي‌ء التعرض له في محلّه إن شاء الله تعالى (١) إلاّ أنّ ذلك لا يقدح في عدّها من الأركان ، فإنّ المدار في صدق هذا العنوان بما أوجب نقصه البطلان حتى سهواً كما هو المناسب لمعناه اللغوي ، سواء أكانت الزيادة أيضاً كذلك أم لا ، فانّ مفهوم الركن متقوّم بما يعتمد عليه الشي‌ء بحيث يوجب فقده زوال ذلك الشي‌ء ، وأمّا الإخلال من حيث الزيادة فلا مدخل له في صدق هذا المفهوم ، ولم يرد لفظ الركن في شي‌ء من الأخبار ، وإنّما هو مجرّد‌

__________________

(*) الأقوى أنّ زيادة تكبيرة الإحرام سهواً لا توجب البطلان.

(١) في ص ٩٥.

٣

لكن لا تتصوّر الزيادة في النيّة (١) بناءً على الداعي ، وبناءً على الإخطار غير قادحة. والبقيّة واجبات غير ركنية فزيادتها ونقصها عمداً موجب للبطلان لا سهواً.

______________________________________________________

اصطلاح متداول في ألسنة الفقهاء.

وبما أنّ نقص التكبيرة حتى سهواً يوجب البطلان فبهذا الاعتبار يصح عدّه من الأركان.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ الأجزاء الركنية ثلاثة : الركوع والسجود ، فإنّ الإخلال بهما نقصاً أو زيادة ، عمداً أو سهواً يوجب البطلان بلا إشكال ، وثالثهما تكبيرة الإحرام بناءً على تفسير الركن بما عرفت كما هو الصحيح.

(١) فإنّه بناءً على تفسيرها بالداعي فلا ريب أنّه مستمر إلى آخر العمل فلا تتحقّق معه الزيادة ، وبناءً على تفسيرها بالإخطار فهي غير قادحة بالضرورة كما نبّه عليه في المتن.

لكن كان ينبغي له أن يلحق القيام بالنية ، فإنّه مثلها في عدم تصوّر الزيادة أما القيام حال تكبيرة الإحرام ، فلأنّ زيادته إنّما تكون بزيادة التكبير الّذي هو من الأركان ، فلا يكون البطلان مستنداً إلى خصوص القيام ، وكذلك القيام المتصل بالركوع حيث إنّ زيادته أيضاً لا تمكن إلاّ بزيادة الركوع ، فلا يكون الإخلال إلاّ به لا غير ، بل هذا لا تتصور فيه النقيصة أيضاً إلا بنقص الركوع لتقوّمه بكونه هويّاً عن القيام كما مرّ. نعم ، يتصوّر النقص في القيام حال التكبير لإمكان التكبير جالساً كما يتصوّر في النيّة وهو ظاهر.

وأمّا الزيادة والنقيصة في تكبيرة الإحرام ، فهما وإن كانا متصوّرين فيها إلاّ أنّ الأقوى كما عرفت عدم بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الإحرام سهواً. وعليه‌

٤

فلا تكون التكبيرة من الأركان بالمعنى المصطلح ، وهو ما تكون زيادته ونقيصته عمداً وسهواً موجباً للبطلان. نعم ، هو ركن بالمعنى اللغوي ، وهو ما يوجب نقصه البطلان ولو سهواً. وأمّا الإخلال من حيث الزيادة فلا دخل له في كونه ركناً إلاّ من جهة الاصطلاح ، وحيث إنّ كلمة الركن لم ترد في آية ولا رواية فلا مانع من عدّ التكبيرة ركناً بلحاظ المعنى اللغوي.

ثم إنّه قد مرّت عليك في مطاوي كلماتنا (١) الإشارة إلى اختلاف القوم في أن النيّة هل أُخذت جزءاً في الصلاة أو شرطاً أو لا هذا ولا ذاك ، بل لها دخل في تحقّق المصلحة المقتضية للصلاة؟

فنقول : لا إشكال ولا خلاف في اعتبار النيّة في الصلاة ، وأنّه لا بدّ من إتيان أجزائها بداعي القربة ، فلو أتى بها من غير قصد أو بقصد الرياء تكون الصلاة باطلة.

ويدلّنا على ذلك : قوله تعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (٢) وقوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٣) وغيرهما من الآيات والأخبار.

وإنّما النزاع في أنّه هل أُخذت النيّة مضافاً إلى ذلك بحيالها في قبال سائر الأجزاء ، بحيث يعتبر فيها جميع ما يعتبر في غيرها من الوقت والاستقبال والطهارة ونحوها ، ويكون موطنها قبل تكبيرة الإحرام أو لا؟

الحق عدم اعتبار ذلك لعدم الدليل عليه ، فانّ ما ادعي من الإجماع بل الضرورة على اعتبار النيّة في الصلاة وغيرها من سائر العبادات ، المتيقن منه هو أن لا يكون شي‌ء منها بغير داعي القربة ، وأما اعتبارها في حدّ نفسها قبل‌

__________________

(١) في ص ١.

(٢) طه ٢٠ : ١٤.

(٣) الكوثر ١٠٨ : ٢.

٥

العمل فلا دليل عليه ، وإلاّ كان اللازم جواز الاكتفاء بها وإن لم يأت بالأجزاء بداعي القربة. على أنّ الدليل قام على خلافه ، حيث دلّ على أنّ أوّل الصلاة التكبير ، وآخرها التسليم. فاحتمال الجزئية ساقط جزماً.

وقد يقال : بسقوط الشرطية أيضاً ، بتقريب أنّه لا ريب في صحة قولنا : أردت الصلاة فصليت ، بلا عناية ولا تجوّز ، ومعه لا يمكن أن تكون النيّة مأخوذة لا جزءاً ولا شرطاً ، لا في المسمى ولا في المأمور به ، إذ على الأوّل يلزم اتحاد العارض والمعروض على الجزئية ، وتقدم الشرط على نفسه على الشرطية. وعلى الثاني بما أنّ الإرادة ليست باختيارية يمتنع تعلّق الأمر بما لا يكون اختيارياً ، سواء أكان لعدم اختيارية جزئه ، أم لعدم اختيارية شرطه. نعم ، هي دخيلة في المصلحة وبذلك تمتاز الصلاة عن التوصلي.

ولكنّه بمعزل عن التحقيق ، أمّا أوّلاً : فلأنه خلط بين الإرادة بمعنى الشوق ، والإرادة بمعنى الاختيار ، فإنّ الأول أمر غير اختياري ، وهو ما يلائم الطبع من القوى الظاهرية أو الباطنية في قبال الكراهة التي هي ما ينافي الذوق كذلك ، فانّ هذا ليس أمراً اختيارياً. وأما الثاني وهو طلب الخير ، فهو وإن كانت مقدماته غير اختيارية إلاّ أنّ نفسه اختياري واختياريته بنفسه ، وإلاّ لزم الدور والتسلسل. وهكذا الحال في المشيئة في المبدأ الأعلى ، فإنّ الأفعال الصادرة منه تعالى تكون بمشيئته ، وأمّا نفس المشيئة فهي بنفسها. وقد بيّنا تفصيل الكلام حول ذلك في الأُصول في مبحث الطلب والإرادة (١) والأغلب في الاستعمال إنما هو المعنى الثاني أي طلب الخير دون الأوّل كما لا يخفى.

وأمّا ثانياً : فلو سلّمنا أنّ الاختيار أيضاً غير اختياري ، إلاّ أنّ الممنوع إنما هو عدم اختيارية الجزء ، وأمّا التقييد بأمر غير اختياري الذي هو معنى الشرط‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٦.

٦

فلا مانع منه (١) ألا ترى أنّ الوقت وعدم الحيض والقبلة ونحوها أُمور غير اختيارية ، ومع ذلك قد اشترط الصلاة بكل من ذلك ، فإنّ إيقاع الصلاة في تلك الحالات أمر اختياري ، فنفس الإرادة بمعنى الاختيار وإن فرض أنها أمر غير اختياري ، إلاّ أنّ إيقاع الصلاة عن إرادة واشتراطها بذلك حيث إنه أمر اختياري ، فلا مانع من أخذها شرطاً.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ هذا التقريب أجنبي عن المقام بالكلية ، وذلك لأنّ النيّة تطلق في مقامين.

أحدهما : القصد إلى الفعل والعزم عليه ، وهذا يشترك فيه العبادي والتوصلي فإنّه لا بدّ في كون الشي‌ء مصداقاً للواجب من أن يكون مقصوداً ، وإلاّ لم يكن مصداقاً للمأمور به. نعم ، يمكن أن يدل الدليل على حصول الغرض وسقوط الواجب بذلك وهو أمر آخر. والبحث عن أنّ الإرادة اختيارية أو غير اختيارية إنما يتم على هذا المعنى.

ثانيهما : الإتيان بالفعل بداعي الأمر والانبعاث عن قصد التقرب ، وهذا هو محل الكلام في أنه جزء أو شرط ، وهو لا إشكال في كونه اختيارياً كما لا يخفى ، سواء أقلنا بأنّ الإرادة أمر اختياري أو غير اختياري ، وسواء أقلنا إنّ الشرط أمر اختياري أم لا ، فانّ كل ذلك أجنبي عن المقام.

فالحق أنّ النيّة إنما اعتبرت في الصلاة على نحو الشرطية لا غير.

__________________

(١) هذا إنّما يتجه في شرط الوجوب لا الواجب كالنيّة في المقام ، فانّ التقيد به داخل تحت الطلب كنفس الجزء ، وما كان كذلك لا بدّ وأن يكون القيد اختيارياً ، كما صرّح ( دام ظلّه ) بذلك في مطاوي ما تقدّم من مباحث اللباس المشكوك [ شرح العروة ١٢ : ٢١٦ ].

٧

فصل في النيّة

وهي القصد إلى الفعل بعنوان الامتثال والقربة (١) ، ويكفي فيها الداعي القلبي ، ولا يعتبر فيها الاخطار بالبال ولا التلفّظ ، فحال الصلاة وسائر العبادات حال سائر الأعمال والأفعال الاختيارية كالأكل والشرب والقيام والقعود ونحوها من حيث النيّة ، نعم تزيد عليها باعتبار القربة فيها ، بأن يكون الداعي والمحرّك هو الامتثال والقربة ، ولغايات الامتثال درجات :

______________________________________________________

(١) قد عرفت فيما مضى أنّ النيّة إنّما أُخذت في الصلاة على نحو الشرطية دون الجزئية ، وعليه فيكفي فيها الداعي القلبي ، بأن يكون إتيانه لها بداعي القربة وقصد الانبعاث عن الأمر ، من دون فرق بين أوّل الصلاة وآخرها.

وأمّا إخطار صورة الفعل في أُفق النفس ولو إجمالاً ، وإحضارها في الذهن قبل الصلاة ، ثمّ استمرارها حكماً كما عليه جمع ، فلا دليل على ذلك بوجه.

كما لا يلزم التلفظ بها ، بل هو مكروه وموجب لإعادة الإقامة.

وتوهم أنّه مما يرجع إلى الصلاة ، وقد دلّ الدليل على عدم قدح مثل هذا التكلّم ، مدفوع بأنّ الدليل مختص بما يرجع إلى الجماعة من جهة تسوية الصفوف ونحوها ، وإلاّ كان اللازم عدم الكراهة بعد الإقامة بمثل قوله : لا تتكلّم معي فإنّي أُريد أن أُصلي ، من جهة أوله إلى الصلاة وكونه من شؤونها ، وهو كما ترى. فعموم كراهة التكلم بعد الإقامة شامل لمثل التلفظ بالنية.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي الإشكال في كفاية الداعي القلبي وإتيان الصلاة بداعي القربة ، وللقربة مراتب ودرجات حسبما أشار إليها في المتن.

٨

أحدها : وهو أعلاها (١) أن يقصد امتثال أمر الله ، لأنّه تعالى أهل للعبادة والطاعة ، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله : إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك ، بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك.

الثاني : أن يقصد شكر نعمة التي لا تحصى.

الثالث : أن يقصد به تحصيل رضاه والفرار من سخطه.

الرابع : أن يقصد به حصول القرب إليه (٢).

الخامس : أن يقصد به الثواب ورفع العقاب ، بأن يكون الداعي إلى امتثال أمره رجاء ثوابه وتخليصه من النار.

______________________________________________________

(١) وأسماها ، ولا ينالها إلاّ الأوحدي ، لخلوّها عن أيّة جهة ترجع إلى العبد.

ومجمل القول حول هذه الدرجات : أنّ العبادة بما أنّها عمل اختياري صادر من عاقل مختار ، وكل ما كان كذلك لا بدّ فيه من وجود غاية باعثة على ارتكاب العمل ، فهذه الغاية في المقام إما أنّها ملحوظة في جانب العامل العابد ، أو في ناحية المعبود.

والثاني إما أنّه لحاظ كماله الذاتي وأهليته للعبادة ، وهو أرقى المراتب ، أو من أجل حبّه الناشئ من نعمه وإحسانه. والأوّل إمّا أنّه تحصيل رضاه ، أو التقرّب منه ، أو طمع في ثوابه ، أو خشية من عقابه.

(٢) من الواضح جدّاً أنّ المراد بالقرب ليس هو القرب المكاني الحقيقي ، بل ولا الادعائي التنزيلي ، لوضوح أنّ القرب بين شيئين يتضمن التضايف بحيث أنّ أحدهما إذا كان قريباً كان الآخر أيضاً كذلك واقعاً أو تنزيلاً.

ومن البيِّن أنّه سبحانه قريب من جميع البشر ، بل هو أقرب إلينا من حبل‌

٩

وأمّا إذا كان قصده ذلك على وجه المعاوضة من دون أن يكون برجاء إثابته تعالى فيشكل صحته (١) ، وما ورد من صلاة الاستسقاء وصلاة الحاجة إنّما يصح إذا كان على الوجه الأوّل.

______________________________________________________

الوريد ، وكل شي‌ء حاضر عنده حضوراً ذاتياً ، بيد أنّ البعض منّا بعيد عنه لكونه غريقاً في الذنوب والخطايا المستوجب لعدم توجهه والتفاته إليه ، فهو قريب من عباده تنزيلاً ، وهم بعيدون عنه.

بل المراد من القرب الذي يتوخّاه العبد في عبادته هو طلب الحضور بين يدي الرب والشهود عنده بحيث كأنه يراه ويشاهده شهوداً قلبياً لا بصرياً. ويستفاد من كثير من الأدعية والروايات أنّ الغاية القصوى من العبادات هو لقاء الله تعالى ، والوصول إلى هذه المرتبة التي هي أرقى المراتب التي يمكن أن يصل إليها الإنسان ، وربما يتفق الوصول إليها بعد التدريب ومجاهدة النفس والتضلّع في العبادة المستتبعة بعد إزالة الملكات الخبيثة لصفاء القلب وقابليته لمشاهدة الرب والسير إليه ، فيروم العابد بعبادته النيل إلى هذه المرتبة التي هي المراد من التقرب منه تعالى.

(١) بل لا ينبغي التأمل في البطلان ، ضرورة أنّ الثواب أو دفع العقاب لا يترتّبان على ذات العمل لكي تصح المعاوضة والمبادلة بينهما ، بل على العمل المتصف بالعبادية والصادر بقصد الامتثال والطاعة ، فلو صلى ليدخل الجنة بطلت ، إذ ليس لذات العمل هذا الأثر ، بل المأتي به مضافاً إلى المولى. ومجرد قصد دخول الجنة لا يحقِّق الإضافة كما هو واضح ، وإنما يتجه لو كان على سبيل الداعي على الداعي.

وهكذا ما ورد في صلاة الاستسقاء أو الحاجة أو صلاة الليل ، من الخواص والآثار من طلب الرزق ونحوه ، فإنّها لا تترتب على ذات الصلاة ، بل المأتي بها‌

١٠

[١٤١٤] مسألة ١ : يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلاً متعدِّداً ولكن يكفي التعيين الإجمالي كأن ينوي ما وجب عليه أوّلاً من الصلاتين مثلاً ، أو ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلاً أو ثانياً ، ولا يجب مع الاتحاد (١).

______________________________________________________

بصفة العبادة ، فلا يصح قصدها إلاّ على النحو الذي عرفت.

وبالجملة : الغايات المتقدمة من الثواب أو دفع العقاب أو شكر النعمة كلها غايات للامتثال ومن قبيل الداعي على الداعي ، لا يكاد يترتّب شي‌ء منها إلاّ بعد اتصاف العمل بالعبادية ، والإتيان به بهذا العنوان ، فبدونه ولو كان بنيّة صالحة كالتعليم فضلاً عن الرياء لا أثر له بوجه ، فلو صلى أحد لا لكماله الذاتي ، ولا لحبّه الناشئ من نعمه ، ولا بداعي التقرب وإدراكه لذة الانس ، بل لأمر آخر دنيوي أو أُخروي ، لم يترتب عليه أيّ أثر ، بل لا بدّ وأن تكون ثمّة واسطة بين العمل وبين تلك الغاية ، وهي الإضافة إلى المولى على سبيل العبودية حسبما عرفت.

(١) قد يكون الثابت في الذمة تكليفاً واحداً ، وقد يكون متعدداً.

فالأوّل : كما في صيام شهر رمضان حيث لا يصلح هذا الزمان لغير هذا النوع من الصيام ، فيكفي فيه الإتيان بذات العمل مع قصد الأمر ، فلو نوى في المثال صوم الغد متقرّباً كفى ولا حاجة إلى التعيين ، بعد أن كان متعيناً في نفسه وغير صالح للاشتراك مع غيره ليفتقر إلى التمييز والتشخيص ، وهذا ظاهر.

وأمّا الثاني : كما في صلاتي الظهر والعصر ، فبما أنّ إحداهما تغاير الأُخرى ثبوتاً وإن اشتركتا في جميع الخصوصيات إثباتاً كما يكشف عن هذه المغايرة قوله عليه‌السلام : « ... إلاّ أنّ هذه قبل هذه ... » (١) إلخ الدال على اعتبار‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥.

١١

الترتيب ، وإلاّ لم يكن مجال للاستثناء ، لوضوح أنّ كل من يأتي بثمان ركعات فبطبيعة الحال تكون الأربع الأُولى قبل الأربع الثانية ، كما أنّ الركعة الأُولى قبل الثانية ، وهي قبل الثالثة وهكذا ، فلو لم يكن تغاير وتباين ذاتي بينهما لم يكن وقع لهذا الكلام.

وأيضاً يكشف عنها : النصوص الواردة في العدول من اللاحقة إلى السابقة (١) كما لا يخفى.

فلا جرم لزم المتصدي للامتثال مراعاة عنوان العمل وقصد تعيينه مقدّمة لتحقيقه وامتثال أمره ، فلو نوى ذات الأربع ركعات ولو متقرّباً من غير قصد عنوان الظهر ولا العصر بطل ولم يقع امتثالاً لشي‌ء منهما.

وبعبارة اخرى : إنّما يكتفى بقصد الأمر فيما إذا كان متعلقه ذات العمل ، وأمّا إذا كان متعلقه العنوان كالظهرية لم يكن بدّ من قصده ، وإلاّ لم يكن المأتي به مصداقاً للمأمور به.

ومن هذا القبيل فريضة الفجر ونافلته ، حيث استكشفنا من اختلاف الآثار الّتي منها عدم جواز الإتيان بالنافلة لدى ضيق الوقت ، أنّ لكل منهما عنواناً خاصّاً ، فلو أتى بذات الركعتين من غير قصد شي‌ء من العنوانين بطل ولم يقع مصداقاً لشي‌ء منهما.

ومن هذا القبيل أيضاً الأداء والقضاء ، حيث استفدنا من النصوص (٢) الدالة على لزوم تقديم الحاضرة على الفائتة ، أو أفضليته حسب الاختلاف في المسألة أنّ لكل منهما عنواناً به يمتاز عن الآخر ، فلا مناص إذن من قصده ، وبدونه لم يقع امتثالاً لشي‌ء منهما.

__________________

(١) راجع الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٧٤ / أبواب المواقيت ب ٥٧.

١٢

[١٤١٥] مسألة ٢ : لا يجب قصد الأداء والقضاء ولا القصر والتمام (١) ولا الوجوب والندب (٢) ، إلاّ مع توقّف التعيين على قصد أحدهما.

______________________________________________________

نعم ، لو لم يكن للواجبين عنوان خاص ، كما لو كان عليه قضاء يومين من شهر رمضان ، أو استدان من زيد مرّتين فأصبح مديناً له بدرهمين ، فحيث لا امتياز بين الفردين المشغولة بهما الذمّة حتى في صقع الواقع ، ولم يتعلق الأمر إلاّ بذات العمل من غير خصوصية للسابق أو اللاّحق ، لم يلزمه قصد هذه الخصوصية في مقام الأداء.

فتحصّل : أنّ العبرة في لزوم التعيين بتعدد الواجب ، وأن يكون لكل منهما عنوان به يمتاز عن الآخر ، فلو لم يكن تعدد أو كان ولم يكن له عنوان خاص لم يلزمه ذلك.

(١) إذ اللاّزم على المكلف إنّما هو الإتيان بذات المأمور به مع تعيينه فيما يحتاج إلى التعيين حسبما مرّ مع إضافته إلى المولى ، وأمّا الزائد عليه من الخصوصيات الّتي تكتنف بالعمل من القصر والتمام ، أو القضاء والأداء ، كالالتفات إلى بقيّة الأجزاء ، فلم ينهض على اعتباره أيّ دليل ، فلو لم يكن في ذمته إلاّ الأداء تماماً ، فقصد أربع ركعات بقصد الظهر صح وكفى ، وإن لم يكن ملتفتاً إلى شي‌ء من الخصوصيتين تفصيلاً حين العمل.

(٢) فإنّهما من كيفيات الأمر لا من خصوصيات المأمور به ، وإن صحّ اتصافه بهما أيضاً ، لكنه اسناد تبعي والأصل فيه إنّما هو الأمر نفسه باعتبار اقترانه بالترخيص في الترك وعدمه ، حيث ينتزع من الأوّل الاستحباب ومن الثاني الوجوب.

وعليه فمجرّد الإتيان بالعمل بداعي الأمر كاف في تحقّق العبادة وإن لم يعلم‌

١٣

بل لو قصد أحد الأمرين في مقام الآخر صحّ إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق (١)

______________________________________________________

أنّ الأمر المتعلق به وجوبي أو استحبابي ، إذ لا دخل له لا في تحقق ذات المأمور به ، ولا في إضافته إلى المولى.

ومنه تعرف الحال في الأداء والقضاء ، وأنّ المأمور به فيهما أيضاً حقيقة واحدة ، غاية الأمر أنّ الأوّل مشروط بالوقوع في الوقت ، وبعد خروجه وعدم امتثاله عصياناً أو نسياناً تلغو الخصوصية ويبقى الأمر بالطبيعة ولو بأمر جديد من غير أن يتقيد بالوقوع خارج الوقت ، كيف وهو لازم عقلي وأمر ضروري غير اختياري لا بدّ منه ، فلا موقع لمراعاة التقييد فيه.

وعلى الجملة : فالأداء شرط مأخوذ في الطبيعة كسائر الشرائط ، كالطهارة من الخبث والاستقبال ونحوهما ، وهي برمّتها توصلية لا يعتبر الالتفات إليها تفصيلاً ليلزم قصدها.

وأمّا القضاء ، فالأمر فيه أوضح ، لما عرفت من أنّ خصوصية الوقوع خارج الوقت لم تكن قيداً شرعياً ملحوظاً في جانب المأمور به ليلزم قصده ، وإنّما هو عقلي محض.

فتحصّل : أنّه لا تعتبر مراعاة شي‌ء من الخصوصيات المزبورة لا الأداء والقضاء ، ولا القصر والتمام ، ولا الوجوب والندب ، إلاّ فيما إذا توقف التعيين عليه حسبما عرفت.

(١) فصّل قدس‌سره في مفروض المسألة بين ما إذا كان قصد الخصوصية من باب الاشتباه في التطبيق وبين ما إذا كان من باب التقييد ، فحكم قدس‌سره بالصحة في الأوّل والبطلان في الثاني.

١٤

أقول : أمّا الأوّل ، فظاهر الوجه ، إذ بعد أن كانت الحقيقة واحدة وهي صلاة الفجر مثلاً ، وكان لها أمر واحد على الفرض ، فتخيّل المصلي أنّه استحبابي فبان أنّه وجوبي ، أو أنّه أدائي فبان أنّه قضائي أو بالعكس ، الراجع إلى الاشتباه في خصوصية من صفات الأمر أو المأمور به ، لا مدخل له في صحة العبادة بعد اشتمالها على تمام ما هو المقوّم لها من ذات العمل مع قصد التقرّب كما هو المفروض وهذا واضح.

وأمّا الثاني ، فغير واضح ، بل في حيّز المنع ، فانّ مستند البطلان هو أنّ المصلي بعد أن قيّد عمله بالخصوصية التي زعمها بحيث لو علم بفقدها لم يعمل لا أنّه يعمل على كل تقدير ، غايته أنّه اشتبه في التطبيق كما في الصورة السابقة فهو في الحقيقة فاقد للنيّة بالإضافة إلى ما صدر منه لاندراجه في كبرى : ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

ولكنه كما ترى ، لامتناع التقييد في أمثال المقام حسبما تكررت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح ، ضرورة أنّه إنّما يتصور فيما هو قابل للتقييد كالمطلقات والكليات التي هي ذات حصص وأصناف ، كبيع منّ من الحنطة القابل للتقييد بكونها من المزرعة الفلانية.

وأمّا الجزئي الحقيقي والموجود الخارجي كما في المقام فإنّه لا سعة فيه ليقبل التضييق والتقييد ، فلو اعتقد أنّ زيداً صديقه فأكرمه فبان أنّه عدوّه ، أو أنّ المال الفلاني يترقى فاشتراه ليربح فتنزّل ، أو أنّ من في المحراب زيد فبان أنّه عمرو وهو لا يريد الاقتداء به وإن كان عادلاً فهذه الأفعال من الإكرام والشراء والاقتداء ومنها الصلاة في محل الكلام ، صادرة منه بالضرورة ، وهي جزئيات خارجية لا يعقل فيها التقييد ، فانّ الفاعل وإن كان بحيث لو علم بالخلاف لم يفعل إلاّ أنّه بالأخرة فَعَل وصدر منه العمل ، وهذا العمل الصادر جزئي حقيقي لا إطلاق فيه ليقبل التقييد. فلا جرم يكون التقييد المزعوم من‌

١٥

كأن قصد امتثال الأمر المتعلِّق به فعلاً وتخيّل أنّه أمر أدائي فبان قضائياً أو بالعكس ، أو تخيّل أنّه وجوبي فبان ندبياً أو بالعكس ، وكذا القصر والتمام (١) وأمّا إذا كان على وجه التقييد (*) فلا يكون صحيحاً ، كما إذا قصد امتثال الأمر الأدائي ليس إلاّ ، أو الأمر الوجوبي ليس إلاّ ، فبان الخلاف فإنّه باطل.

______________________________________________________

قبيل التخلّف في الداعي ، والاشتباه في التطبيق بطبيعة الحال ، لأنّ ما وقع لا ينقلب عمّا هو عليه ، فهو مقصود لا محالة لا أنّه غير مقصود وإنّما الخطأ في الداعي الباعث على ارتكابه حسبما عرفت.

فلا مناص من الحكم بالصحة في جميع هذه الموارد ، وكيف لا يحكم بها في من صلّى نافلة الليل بزعم أنّ هذه ليلة الجمعة ، أو زار الإمام عليه‌السلام كذلك بحيث لو كان يعلم أنّها ليلة أُخرى لم يصلّ ولم يزر ، فانّ الحكم ببطلان الصلاة أو الزيارة كما ترى ، ضرورة أنّ المعتبر في صحة العبادة إنّما هو الإتيان بذات العمل مع قصد التقرب ، وقد فعل حسب الفرض ، ومعه لا مقتضي للبطلان بوجه.

(١) عدّ هذا من باب الاشتباه في التطبيق غير واضح ، فإنّ صلاة القصر مقيّدة بالتسليم على الركعتين والتمام بعدمه ، فكل منهما مقيد بقيد مضادّ للآخر ومن البيّن اعتبار قصد المأمور به بتمام أجزائه ولا يكفي البعض ، غاية الأمر كفاية النيّة الإجمالية ولا يعتبر التفصيل ، فلو جهل الوظيفة الفعلية وكانت الرِّسالة العملية موجودة عنده لا بأس حينئذ بالشروع بقصد ما في الذمّة ، ثمّ‌

__________________

(*) لا أثر للتقييد فيما لا يعتبر فيه قصد العنوان ولو إجمالاً كالقصر والإتمام والوجوب والندب وما شاكلها ، فانّ العبرة في الصحة في هذه الموارد إنّما هي بتحقق ذات المأمور به مع الإتيان بها على نحو قربي ، نعم يصح ذلك في مثل الأداء والقضاء ونحوهما.

١٦

[١٤١٦] مسألة ٣ : إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر يجوز له أن يعدل إلى التمام وبالعكس ما لم يتجاوز محل العدول ، بل لو نوى أحدهما وأتمّ على الآخر من غير التفات إلى العدول فالظاهر الصحّة ، ولا يجب التعيين حين الشروع أيضاً (١).

______________________________________________________

يراجع المسألة أثناء الصلاة ويسلّم في ظرفه اللاّزم ، كما لا بأس أيضاً لو ائتم بمقلّده مع علمه باتحادهما في الوظيفة فيسلّم بتبع تسليمه.

وممّا ذكرنا يظهر أنّه لو نوى أحدهما ثم انكشف له أثناء العمل أنّ المأمور به غيره لم يجز ، لفقد النيّة حتى الإجمالية فضلاً عن التفصيلية.

وبعبارة واضحة : من كانت وظيفته القصر مثلاً إذا قصد التمام ، فقد نوى صلاة فاسدة لا أمر بها ، ومقتضى ما تقدّم من لزوم قصد تمام الأجزاء من الأوّل هو الحكم بالبطلان ، لأنّ المقصود غير مأمور به والمأمور به غير مقصود حتى إجمالاً بعد تغاير طبيعتي القصر والتمام ، باعتبار اشتمال كلّ منهما على قيد مضادّ للآخر كما عرفت ، ومعه كيف يمكن إدراج المقام في باب الاشتباه في التطبيق.

ونظير المقام ما سيأتي (١) من أنّه لو نوى الظهر بزعم عدم الإتيان بها ثمّ انكشف إتيانها ، ليس له العدول إلى العصر بدعوى كونه من باب الاشتباه في التطبيق وأنّه قاصد للأمر الفعلي ، إذ كيف يكون كذلك مع أنّه لم يكن قاصداً لعنوان العصر لا إجمالاً ولا تفصيلاً ، حتى مع الغض عن عدم جواز العدول من السابقة إلى اللاّحقة ، لكن الاشكال مبني على تغاير طبيعتي القصر والتمام وستعرف أنّهما طبيعة واحدة ، فلا إشكال.

(١) إذ المفروض أنّ متعلق الأمر في هذه الأماكن هو الجامع بين بشرط لا‌

__________________

(١) في ص ٧٩ المسألة [١٤٣٧].

١٧

نعم ، لو نوى القصر فشكّ بين الاثنين والثلاث بعد إكمال السجدتين (١) يشكل العدول إلى التمام والبناء على الثلاث ، وإن كان لا يخلو من وجه ، بل قد يقال (*) بتعيّنه ، والأحوط العدول والإتمام مع صلاة الاحتياط والإعادة.

______________________________________________________

وبشرط شي‌ء ، فلم تكن الخصوصية واجبة من أوّل الأمر لتحتاج إلى التعيين نظير السورة الواجبة في الصلاة بعد الحمد ، حيث إنّ الواجب طبيعيها ، فلا يجب تعينها منذ الشروع في الصلاة ، بل لو عيّن آن ذاك له العدول بعد ذلك ، كما أنّ له العدول في المقام أيضاً ما دام المحل باقياً ، لما عرفت من خروج الخصوصية عن حيّز الأمر ، وعدم تعلقه إلاّ بالطبيعي الجامع بين ذات ركعتين وذات الأربع.

ومنه تعرف أنّه لو نوى أحدهما وأتمّ على الآخر غفلة ومن غير التفات إلى العدول صح ، للإتيان بالمأمور به على وجهه من غير خلل فيه.

(١) فهل يحكم حينئذ ببطلان الصلاة لبطلان الشك المزبور في الصلاة الثنائية أو بجواز العدول إلى التمام المستلزم لانقلاب الشك إلى الصحيح ، لوقوعه في صلاة رباعية فيتم بعد البناء على الثلاث ويأتي بركعة الاحتياط ، أو بوجوبه حذراً عن قطع الصلاة المحرّم؟ وجوه :

أمّا البطلان وعدم المجال للعدول فيستدل له :

تارة : بإطلاق ما دلّ على البطلان في الشك في الثنائية.

وفيه : أنّ الشك بنفسه لم يكن مبطلاً كالحدث ، وإنّما الممنوع المضي عليه ومن ثمّ لو تروّى ثمّ ظنّ بأحد الطرفين بنى عليه ، ومن البيّن أنّه بعد العدول والبناء على الأكثر لم يكن ثمّة مضي على الشك في صلاة ثنائية لانعدام الموضوع.

__________________

(*) وهو الأوجه بناءً على شمول دليل حرمة قطع الصلاة لمثل المقام.

١٨

واخرى : باختصاص مورد العدول بما إذا تمكن المصلي من إتمام الصلاة المعدول عنها كي يعدل من صلاة صحيحة إلى مثلها ، وأمّا إذا لم يتمكّن لفسادها في نفسها مع قطع النظر عن العدول ، فمثله غير مشمول لأدلته. ومن ثمّ لو شكّ في صلاة الفجر بين الثنتين والثلاث بعد الإكمال ليس له العدول إلى فائتة رباعية بضرورة الفقه.

وفيه : أنّ هذا إنّما يتّجه فيما إذا كان العدول ثابتاً بدليل خاص كالعدول من الحاضرة إلى الفائتة ونحو ذلك ، لا ما كان ثابتاً بمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى دليل خاص كالمقام ، حيث قد عرفت أنّ متعلق الأمر إنّما هو الجامع بين الثنائية والرباعية ، والتطبيق على الأوّل كان باختيار المكلّف لا بجعل من الشارع فهو لا يزال مكلفاً بذاك الجامع ، إذن فما هو المانع من شمول أدلّة البناء على الأكثر لمثل ذلك ، فانّ الخارج عنها إنّما هي الصلاة الثنائية حسب الجعل الشرعي لا الاختيار الشخصي ، فله رفع اليد واختيار الفرد الآخر والبناء فيه على الأكثر.

ونحوه ما لو كان بانياً على القصر فشكّ بين الثلاث والأربع ، فإنّ المأمور به لمّا كان هو الجامع فله العدول إلى الرباعية والبناء على الأكثر حسبما عرفت.

وأمّا وجوب العدول حذراً عن القطع المحرم ، ففيه : أنّ دليل القطع لو تمّ فإنّما هو الإجماع ، ومورده ما إذا كانت الصلاة صحيحة في نفسها مع قطع النظر عن العدول ، لا ما إذا تمكن من تصحيحها بالعدول.

وبعبارة اخرى : مورد الحرمة ما إذا كان البطلان مستنداً إلى القطع ، بحيث لولاه لكانت صلاة صحيحة في حدّ ذاتها ، ولا يعمّ ما لو كانت الصحة متوقفة على أمر آخر اختياري كما في المقام.

فتحصّل : أنّ الأظهر إنّما هو الوجه الثاني.

١٩

[١٤١٧] مسألة ٤ : لا يجب في ابتداء العمل حين النيّة تصوّر الصلاة تفصيلاً ، بل يكفي الإجمال (١) نعم ، يجب نيّة المجموع من الأفعال جملة أو الأجزاء على وجه يرجع إليها ، ولا يجوز تفريق النيّة (٢) على الأجزاء على وجه لا يرجع إلى قصد الجملة ، كأن يقصد كلا منها على وجه الاستقلال من غير لحاظ الجزئية.

[١٤١٨] مسألة ٥ : لا ينافي نيّة الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة (٣) ، ولا يجب ملاحظتها في ابتداء الصلاة ، ولا تجديد النيّة على وجه الندب حين الإتيان بها.

______________________________________________________

(١) كأن ينوي ما أمره الله تعالى به من الأجزاء ، لعدم الدليل على اعتبار الأزيد من ذلك.

(٢) لأنّ المأمور به لمّا كان هو المركب وهو عين الأجزاء بالأسر ، فلا يتصف شي‌ء منها بالجزئية إلاّ شريطة الانضمام بسائر الأجزاء ، فلا يكفي لحاظه مستقلا لعرائه عن الأمر المانع عن صلاحية الإضافة إلى المولى ، فلو قصد التكبيرة فقط ثمّ بدا له وقصد القراءة وهكذا ، لم يتحقق به الامتثال.

(٣) لأنّ الفرد المشتمل عليها مصداق للطبيعة الواجبة ، غاية الأمر أنّه أفضل الأفراد ، نظير الصلاة في المسجد أو أوّل الوقت ونحو ذلك من الخصوصيات الّتي تستوجب مزيّة الفرد وأفضليّته عن الفاقد لها.

هذا بناءً على تصوير الجزء الاستحبابي ، وأمّا بناءً على إنكاره وعدم إمكانه لا بالنسبة إلى الفرد ولا الماهية كما هو الصواب على ما حقّق في الأُصول (١)

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٠.

٢٠