الشمس وراء السحب

كمال السيد

الشمس وراء السحب

المؤلف:

كمال السيد


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-438-162-9
الصفحات: ٣٧٦

١

٢

٣

٤

٥

٦
٧

بسـم الله الرحمن الرحـيم

لا ينتمي هذا الكتاب الذي بين يديك ـ عزيزي القارىء ـ الى هم الدراسات التاريخية بالرغم من تاريخ الحوادث بقدر ما يعد عملاً يرنو الى المستقبل ... ذلك ان مسألة المهدي تشكل اليوم جوهر الاسلام ومستقبله ..

كما ان كاتب الرواية يؤمن ايماناً ملتهباً يتجاوز الايمان الفلسفي بأن « المهدي » الذي واكب تاريخ الرسالات كنبوءة وبشارة قد استحال الى حقيقة انسانية حية منذ ١٥ شعبان ٢٥٦ هـ تموز عام ٨٧٠ م ..

ومن هنا فهو يسعى الى أن تكون روايته القادمة عن « عالم الغد » .. العالم الذي تطمح اليه الانسانية وتسعى في الوصول اليه ..

الناشر

٨

لن أهديه الى أحد ..

لأن البطل الأخضر ..

ما يزال يجوب المدن الخائفة ..

وما تزال الشمس محاصرة ..

بالسحب الجليد ..

كمال السيّد

٩

فجر السلام

« وينفلق عمود الفجر عندما تشتد

الظلمات في الهزيع الأخير من الليل ».

في ذلك الزمن العصيب

بعد أن ذبح الضمير

وقد هوت ..

* * *

فيه الحضارةُ للمغيب

يا أيها القلب الكسير

واجتاحت الوطن الخصيب

حتّام هذا الانتظار؟

في الليلة الظلماء

يا أيها البدر المنير

ألاف الذئاب

إلام هذا الانتظار؟!

فإذا الكواكب في انطفاء

فجّر مسافات الغياب

واذا السلام...

وأزح بكفيّك الضباب

مسمّر فوق الصليب

وأطلّ من حجب الغيوم

* * *

أطلّ من خلف السحاب

في ذلك الزمن المرير

هذي مدائننا الحزينة ..

فقدت سواقينا الخرير

يلفها ذلّ الأسار

وتهافتت فيه النسائم ..

وغشى مساجدنا الغبار

بعد عنف الزمهرير

تبكي المآذن ..

وتراجع الحبّ الكبير

ألف قنديل يضي ء الدرب

أمام عربدة الغرائز ..

في زمن التتار

١٠

هجرتْ حمائمها القبابْ

هبطت الى الأرض الحزينة ..

وعوت حواليها الذئابْ

وهي تبكي ..

وتهشّمت فيها مصابيح النهار

في الظلام

وغدا الفرات بلا مياه ..

هبطت ملائكة السماء

وغاب دجلة في السراب

هبطت كأسراب الحمام

* * *

ونسائم من جنّة الفردوس

ومضى الزمان يلفّه عام وعام

تهمس : يا نيام!

وأطلّ بدر في الفضاء

هبّوا فقد ولد الإمام (١)

أطلّ من خلل الغمام

ويا بذور ..

ولاح نجم في السماء

مدّي جذورك في القبورْ

كأنه قلب ..

وتأمّلي وجه السماء

توهّج في هيام

تطلعي نحو الإمامْ

ما بالها الملّوية السمراء

الشمس تبعث دفئها ..

تصدع بالأذان؟!

من خلف أكوام الغمام (٢)

قبل انفلاق الفجر ..

وترقّبي زمن الربيع

قبل حلوله ..

ترقبي فجر السلام

قبل الأوان

* * *

وتكاد تهتف : يا نيام!

هبّوا .. فقد ولد السلام

* * *

في ذلك البيت المضيء

في ظلمة الزمن الرديء

__________________

(١) وقبيل الفجر في منتصف شعبان ولد الامام المنتظر.

(٢) الامام المهدي : ( وامّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا غيّبتها عن الابصار السحب). إكمال الدين ٢/ ٤٨٣.

١١

ارهاصات الفجر

١٢
١٣

١

هلال شوال ما يزال مبتسماً فقد اشرق زمن الحرية ، وانتهى الى أمد ليل الطاغية الطويل ..

الخليفة الجديد يتخذ قرارات تنم عن ارادة في أن يسود الخير والسلام ربوع البلاد..

ولكن لعنة غامضة ما تزال تطارد الشاب الذي أقدم على اغتيال والده في تلك الليلة الخريفية من سنة ٨٦١ م.

عمت الفرحة انحاء البلاد وكان أكثر الناس فرحاً العلويون الذين ابتهجوا بالسياسة الجديدة ..

فقد الغيت الاجراءات التعسفية كما اطلقت جميع أموالهم المجمدة وافرج عن السجناء الذين اعتقلوا لتهم واهية ، أو بسبب زيارة مرقدي الإمام علي في النجف ونجله سبط النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمالامام الحسين في كربلاء.

وخلال فترة وجيزة تم بناء مرقد الامام الحسين الذي ظل طوال عقد من السنين ارضاً زراعية وتكربها وتجوسها ثيران الحراثة كل عام.

١٤

احدث سقوط الطاغية دوياً كبيراً هز المجتمع الاسلامي وكانت سامراء التي هي مركز الزلزال في طليعة المدن التي هزها الحادث.

على أن الدفء الذي غمر الأرض بعد شتاء قارس لم يدم طويلاً فلقد اسفر المشهد الجديد عن وجود قوى تريد كسب المزيد من الثراء والنفوذ والسلطان.

فقد وجد « محمد المنتصر » نفسه محاصراً في قصره بسامراء ..

كل ما استطاع فعله حتى الآن أنه أمر باخلاء العاصمة الجديدة « المتوكلية » بل وهدم جميع منشآتها ونقل مواد البناء الى سامراء فالمتوكلية مشروع فاشل ولد ميتاً لأن مشروع النهر الذي يعد شريان حياتها كان فاشلاً فتحققت نبوءة الرجل المبارك « علي بن محمد ».

نحن ، الآن في نهايات عام ٢٤٧ هـ مطلع العام الميلادي الجديد ٨٦٢ م .. وزعماء الحركة الانقلابية من ضباط الحرس والجيش الاتراك قد بلغوا ذروة نفوذهم ويريدون الآن تحقيق اكبر ما يمكن من التسلط « وصيف » « بغا الشرابي » « أوتامش » و « باغرا » ، وقد ظهرت شخصية انتهازية ظهور النباتات المتسلقة تلك هي شخصية رئيس الوزراء الجديد « احمد بن الخصيب » وقد بدا واضحاً أنه قد كسب ثقة الاتراك.

١٥

المشهد الآن داخل القصر .. خليفة شاب في الخامسة والعشرين من العمر ، يمتاز برجاحة عقل وحسن تدبير انه يفكر بانقاذ الخلافة من براثن النفوذ التركي المتسلط .. واستعادة المجد العباسي ..

أربعة ضباط اتراك يضمر كل منهم للآخر الكيد ويحاول افتراس صاحبه قبل أن يفترسه ، فيما ظهر ابن الخصيب حرباء تتلون حسب الظروف وأفعى تنفث سمها وحقدها في كل اتجاه.

أما بغا الكبير فقد كان يخطو خطواته الأخيرة نحو القبر بعد أن ذرف على التسعين .. لقد اكتفى بمساندة الاتراك وتأييد الحركة الانقلابية فقط .. ما دام ابنه بغا الصغير المعروف بالشرابي أحد قادتها ومنفذيها.

شعر المنتصر أنه ارتكب خطأ فادحاً بتعيينه أحمد بن الخصيب رئيساً للوزراء ، خاصة بعد أن تناهت اليه حادثة مؤلمة (١) أثارت استياء الناس.

كان المنتصر قد كسب شعبية ومحبوبية بين الناس بسبب سياسته المعتدلة وتخفيفه من محنة العلويين ولكن ثمة أشياء كانت تلقي ظلالها على وجه المنتصر أنه في كل الاحوال قاتل أبيه ، وقاتل الأب لكن يكون طيباً في نظر الناس مهما تفانى في طيبته! ان سياسة رئيس الوزراء ونفوذ الزعامات التركية قد اصبح واقعاً مريراً يحس بوطأته الشعب ، وكان المنتصر يدرك ذلك جيداً ،

١٦

ولذا اجتاحته مشاعر الندم المريرة منذ بدء العام الهجري الجديد الذي أطل مع ربيع سنة ٨٦٢ هـ.

واضحى قصر « المحدث » بؤرة للمؤامرات والدسائس من جديد ، وما أثار مخاوف الاتراك ان المنتصر قد اصبح كئيباً يعاني من موجات حزن تنتابه بين فترة وأخرى.

كان قمر محرم الحرام بدراً بهياً ، ولم تفلح نسائم آذار المنعشة في أن تدخل البهجة على النفس المعذبة ... « المنتصر » يعيش احزانه وحيداً تحاصره مشاعر الندم .. ما الذي فعله؟! .. ان كل شيء كان يحلم في تحقيقه يتحطم على صخرة التعسف التركي البغيض .. هؤلاء القتلة الذين مزقوا أبي إرباً ارباً فعلوا ذلك لكي تصبح الخلافة العوبة بايديهم .. ها أنا اصبح دمية في أيديهم .. واجتاحته موجة من الغضب فغمغم ولكن باصرار :

ـ سوف أمزقهم جميعاً .. قتلني الله ان لم اقتلهم وافرق جمعهم (٢)!

لكنه يشعر باليأس .. اليأس من الاصلاح وكيف يمكنه مقاومة العاصفة المجنونة ..

ان هؤلاء الاجلاف قد استعذبوا التسلط .. سيوفهم في أيديهم .. والخناجر ؛ واسهل ما عندهم ذبح الانسان من الوريد الى الوريد .. الذين يعرفون « المنتصر » يعرفون مأساة الذي اكتشف أنه لم يحصد سوى الريح ..

١٧

في المساء امتطى المنتصر حصانه والهبه بالسياط فانطلق به نحو الافق البعيد لكأنه يريد الهرب لا يدري الى أين؟! وعندما عاد الى القصر كان يتصبب عرقاً (٣) فألقى بنفسه في إيوان كانت تهب خلاله نسائم باردة.

القصر يكاد يكون مهجوراً ذلك المساء .. ولم يكن أحد يستطيع الاقتراب من المنتصر هيبة له .. انه يفضل أن يكون وحيداً مع احزانه وعذاباته ..

لم يغف المنتصر طويلاً حتى هبّ من نومه مرعوباً .. يبكي .. تطارده اشباح مخيفة..

ونهض من مكانه يدور في أروقة القصر لكأنه يبحث عن شيء وعندما وقعت عيناه على أحد موظفي القصر قال له بحزن :

ـ اين ذلك البساط (٤)؟

وأدرك أيوب قصد الخليفة :

ـ عليه آثار دماء فاحشة .. وقد عزمت أن لا أفرشه من ليلة الحادثة.

قال المنتصر :

ـ لم لا تغسله وتطويه؟

ـ اخشى أن يشيع الخبر عندما نفرشه؟

قال المنتصر بمراراة :

ـ وهل تظن ان الحادثة بقيت سراً .. ان الأمر اشهر من ذلك ..

١٨

٢

تنفس العلويون الصعداء .. في الحجاز .. والعراق .. ولأول مرة ومنذ اكثر من ربع قرن زالت عنهم هواجس الخوف والتشرد ، وذاقوا حلاوة الأمن والحرية .. وفي هذه الفترة الوجيزة تحسنت اوضاعهم المعيشية ، وشد بعضهم الرحال الى العاصمة سامراء .. خاصة بعد إعادة « فدك » تلك الأرض الزراعية الخصيبة وكانت « حكيمة » شقيقة الامام علي الهادي في طليعة الوافدين وقد جاءت مصطحبة معها ابن الامام الاكبر محمد الذي يكنى بأبي جعفر وله من العمر ثمانية عشر عاماً.

وتمكنت السيدة حكيمة من شراء بيت قريب من بيت شقيقها الحبيب .. وبدا للكثير منهم أن الزمن يبتسم لأبناء علي بعد عبوس طويل .. ولكن الى حين.

فلقد بدا واضحاً أن القادة الاتراك يمسكون بقبضات فولاذية على مقاليد الحكم ، وسكنت حمى النفوذ وشهوة الحكم نفوسهم.

فقد تستحيل همسة في البلاط الى هاجس مخيف ، وكان المنتصر يدرك سوء الاوضاع فاقدم على خطوة جريئة ، عندما

١٩

وصلته انباء مؤكدة عن تحركات عسكرية بقيادة الامبراطور تيفوئيل تستهدف اجتياح مدن مصر الساحلية ..

ولذا استدعى وصيف قائلاً له :

ـ ان طاغية الروم يهدد حدودنا بغزو وشيك .. وليس هناك من يستطيع صده إلا أنا أو أنت فما رأيك .. فاما أن تتوجه أنت أو أنا!!

قال وصيف :

ـ بل أنا!

وهكذا بدأت الاستعداد على قدم وساق في تجهيز حملة عسكرية لصد الغزو الرومي القادم.

وقد ورد في وثيقة الحملة إجراء اثار هواجس « وصيف » وهو ضرورة مرابطة وصيف في الجبهة الشمالية مدة أربع سنين وستكون عودته بتصريح من الخليفة نفسه (٥).

وقد لقيت هذه الخطوة ترحيباً من قبل ابن الخصيب بسبب عداء شخصي مع وصيف (٦).

ولكن حالة المنتصر النفسية فيما يبدو كانت تتدهور نحو الأسوأ .. واستحالت لياليه الى كوابيس.

وكان دائم النظر الى السجادة التي شهدت مصرع أبيه يتأمل في بقع الدماء التي لم تفلح المياه في ازالتها تماماً ..

وما ضاعف فجيعته صور ونقوش بالفارسية أثارت اهتمامه وفي إحدى دوائر السجادة الفارسية فارس متوج تحيطه كتابة

٢٠