موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

فصل

[ في كيفيّة غسل الميِّت ]

يجب تغسيله ثلاثة أغسال (١) :

الأوّل : بماء السِّدر ، الثاني : بماء الكافور ، الثالث : بالماء القراح.

______________________________________________________

فصل في كيفيّة غسل الميِّت‌

(١) الكلام في ذلك يقع من جهات أربعة :

الجهة الاولى : في أن غسل الميِّت هل يعتبر فيه التعدّد بأن يغسل ثلاثة أغسال أو أنّ الواجب فيه هو الغسل الواحد؟

المعروف والمتسالم عليه بين الأصحاب هو التعدّد وقد نسب إلى سلاّر القول بوجوب الغسل الواحد (١) إلاّ أنّه مضافاً إلى شذوذه وكونه خلاف المتسالم عليه بين الأصحاب ممّا لا يمكن الالتزام به ، لأنّ الأخبار الواردة في الباب مصرحة بلزوم التعدّد في غسل الميِّت ، ومعه لا مجال لدعوى عدم اعتبار التعدّد أو إجراء البراءة عن وجوب الزائد على الواحد ، فإنّه مع الأدلّة الاجتهاديّة الدالّة على وجوب التعدّد لا مجال للأصل العملي.

وقد يستدل على ما ذهب إليه سلاّر بما ورد في الباب الواحد والثلاثين من أبواب غسل الميِّت (٢) من أنّ الميِّت إذا كان جنباً يغسل غسلاً واحداً ، بدعوى أنّ الميِّت‌

__________________

(١) نسبه إليه في المعتبر ١ : ٢٦٥ وراجع المراسم : ٤٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٣٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٣١.

١

المجنب إذا وجب فيه الغسل الواحد فيكفي الواحد في الميِّت غير المجنب بطريق أولى فلا يعتبر في تغسيله شي‌ء زائد عليه.

وفيه : أنّ الظاهر من الرواية أن غسل الجنابة وغسل الميِّت يتداخلان في الميِّت المجنب ولا يجب أن يغسل مرّة للجنابة ومرّة للموت ، وليست فيها دلالة على أنّ الواجب في غسل الميِّت هو الغسل الواحد لا المتعدّد ، وهذا ظاهر من الرواية بوضوح.

وأُخرى يستدل له بما ورد في الباب الثالث من أبواب غسل الميِّت من أن غسل الميِّت كغسل الجنابة فكما أنّه واحد فكذلك غسل الميِّت أيضاً واحد (١).

ويدفعه : أنّ الظاهر من التشبيه إنّما هو التشبيه في الكيفيّة ، وأنّه كما يعتبر في غسل الجنابة غسل الرأس أوّلاً ثمّ الجانب الأيمن ثمّ الأيسر ، فكذلك الحال في غسل الميِّت وليست دالّة على التشبيه في الكميّة والعدد ، هذا.

ثمّ لو سلمنا دلالة الروايتين على ما ادّعاه سلاّر فلا كلام في أن دلالتهما بالإطلاق فلا بدّ من تقييدهما بالأخبار المصرّحة بلزوم التعدّد.

اعتبار الخليط وعدمه

الجهة الثانية : في اعتبار الخليط وعدمه ، المعروف بين الأصحاب قدس‌سرهم هو اعتبار المزج بالسدر والكافور ، وأنّ الميِّت يغسل أوّلاً بماء السدر وأُخرى بماء الكافور وثالثة بالماء القراح.

وعن ابني حمزة (٢) وسعيد (٣) : عدم اعتبار الخليطين ، إلاّ أنّه ممّا لا يمكن المصير إليه ، لدلالة الأخبار المعتبرة على الخلط بالسدر في الغسلة الأُولى وبالكافور في الثانية.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٨٦ / أبواب غسل الميِّت ب ٣.

(٢) الوسيلة : ٦٤.

(٣) الجامع للشرائع : ٥١.

٢

نعم ، ورد في بعض الأخبار أنّ الميِّت يغسل بالماء والحُرُض أي الأشنان ثمّ بماء وكافور ثمّ بالماء القراح ، ومقتضى إطلاقها وسكوتها عن اعتبار الغسل بالسدر في مقام البيان عدم اعتبار الخلط به ، إلاّ أنّه لا بدّ من تقييده بما دلّ على اعتبار أن يكون الغسل في المرّة الأُولى بالسدر ، ففي صحيحة يعقوب بن يقطين قال : « سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن غسل الميِّت أفيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال : غسل الميِّت تبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض ثمّ يغسل وجهه ورأسه بالسدر ... » (١) ولا ينافي الأمر بتغسيل الميِّت بماء الحرض وجوب التغسيل بالسدر والكافور ، فهما ممّا لا بدّ منه في الخليط ، وليكن التغسيل بالحرض مأموراً به أيضاً.

وفي موثقة عمار بن موسى الساباطي بعد الأمر بالتغسيل بالسدر « وإن غسلت رأسه ولحيته بالخطمي فلا بأس » (٢) ولا يدل هذا على الغسل بالخطمي بدلاً عن الغسل بالسدر ، بل هو دفع لما قد يتوهّم من عدم جواز خلط الخطمي بالسدر في التغسيل بماء السدر كما هو المرسوم اليوم حيث يخلطون شيئاً من الخطمي في السدر فدفعه عليه‌السلام بأنّه لا بأس بخلط الخطمي في السدر أو بالتغسيل بالخطمي مستقلا ، فلا يوجب هذا الكلام خللاً في وجوب الغسل بالسدر.

وأمّا الغسل بالحرض فيحمل على الاستحباب ، وقد ورد ذلك في غير تلكم الروايات المتقدمة ففي بعضها : « تبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض » وفي آخر : « أمرني أبو عبد الله عليه‌السلام أن أعصر بطنه ثمّ أوضيه بالأشنان » (٣) وذلك لصراحة الأخبار الواردة في المقام في وجوب التغسيل بالسدر والكافور والماء القراح ، وهي مع كونها واردة في مقام البيان ساكتة عن اعتبار الغسل بالأشنان.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٨٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٧.

(٢) الوسائل ٢ / ٤٨٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١٠.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٨ ، والمنقول هنا في الوسائل موافق للإستبصار [ ١ : ٢٠٧ / ٧٢٩ ] ويأتي في ٤٩٣ / ب ٦ ح ٦ وفيه : ثمّ أوضيه ثمّ أغسله بالأشنان ... ، وهو الموافق لما في التهذيب [ ١ : ٣٠٣ / ٨٨٢ ].

٣

ويجب على هذا الترتيب ، ولو خولف أُعيد على وجه يحصل الترتيب (١) وكيفيّة كل من الأغسال المذكورة كما ذكر في الجنابة (٢)

______________________________________________________

اعتبار الترتيب بين الأغسال‌

(١) الجهة الثالثة : في اعتبار الترتيب بين الأغسال وعدمه.

المعروف المشهور بينهم أنّ الميِّت لا بدّ أن يغسل أوّلاً بماء السدر وأُخرى بماء الكافور وثالثة بماء القراح.

وقد نسب إلى ابن حمزة عدم اعتبار الترتيب بينها (١).

وفيه : أن بعض الأخبار الواردة في المقام وإن كانت مطلقة (٢) حيث دلّت على أنّ الميِّت يغسل ثلاثة أغسال ، مرّة بالسدر ومرّة بالماء يطرح فيه الكافور ومرّة بالماء القراح ، ولا دلالة لها على الترتيب ، إلاّ أن مقتضى جملة أُخرى من الأخبار المعتبرة الواردة في المقام هو اعتبار الترتيب بين الأغسال ، ففي صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن غسل الميِّت ، فقال : اغسله بماء وسدر ثمّ اغسله على أثر ذلك غسلة اخرى بماء وكافور وذريرة إن كانت واغسله الثالثة بماء قراح » (٣) وفي حسنة الحلبي « ... ثمّ تبدأ بكفيه ورأسه ثلاث مرّات بالسدر ... فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرّة أُخرى بماء وكافور ... ثمّ اغسله بماء بحت غسلة أُخرى » (٤) وغيرهما من الروايات الظاهرة بل المصرحة باعتبار الترتيب بين الأغسال ، ولا موجب لرفع اليد عنها بوجه.

كيفيّة تغسيل الميِّت‌

(٢) الجهة الرابعة : في كيفيّة تغسيل الميِّت.

__________________

(١) نقل الحكاية عنه في الجواهر ٤ : ١٢٣ وراجع الوسيلة : ٦٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٨١ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١.

(٤) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٢.

٤

فيجب أوّلاً غسل الرأس والرقبة وبعده الطرف الأيمن وبعده الأيسر ، والعورة تنصف أو تغسل مع كل من الطرفين ، وكذا السرة.

______________________________________________________

المعروف بل المتسالم عليه بين الأصحاب أن ترتيبه هو الترتيب المتقدم في غسل الجنابة ، فيغسل رأس الميِّت أوّلاً ، ثمّ جانبه الأيمن ثمّ الأيسر.

وتدل عليه موثقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ... ثمّ تبدأ فتغسل الرأس واللحية بسدر حتّى تنقيه ثمّ تبدأ بشقه الأيمن ثمّ بشقه الأيسر ... » (١).

ومصححة الحلبي : « ... ثمّ تبدأ بكفيه ورأسه ثلاث مرّات بالسدر ثمّ سائر جسده وابدأ بشقه الأيمن » (٢) إلى غير ذلك من الروايات (٣).

نعم ، ورد فيما رواه يونس عنهم عليهم‌السلام ما ظاهره أنّ الميِّت ينصّف في التغسيل من رأسه نصفين ، فيغسل أحد النصفين من رأسه إلى قدمه تارة ، والنصف الآخر إلى القدم تارة أُخرى حيث ورد فيها :

« إذا أردت غسل الميِّت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة ، فإن كان عليه قميص فاخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفعه عن رجليه إلى فوق الركبة وإن لم يكن عليه قميص فألق على عورته خرقة واعمد إلى السدر فصيّره في طشت وصب عليه الماء ، واضربه بيدك حتّى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شي‌ء وصب الآخر في الإجانة الّتي فيها الماء ، ثمّ اغسل يديه ثلاث مرّات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع ، ثمّ اغسل فرجه ونقّه ، ثمّ اغسل رأسه بالرغوة ، وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ، ثمّ أضجعه على جانبه الأيسر وصبّ الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرّات ، وأدلك بدنه دلكاً رفيقاً وكذلك ظهره وبطنه ، ثمّ أضجعه على جانبه الأيمن وافعل به مثل ذلك ... » إلخ (٤).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٨٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨١ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٥ ، ٤٨٦ / ب ٣ ح ١ ، ٢ ، ٨.

(٤) الوسائل ٢ : ٤٨٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٣.

٥

ذلك لأن قوله « ثمّ اغسل رأسه بالرغوة » ليس من الغسل المعتبر في الاغتسال حتّى يقال إنّ الرواية دلّت على الترتيب حيث أمرت بغسل الرأس أوّلاً ثمّ الجانبين فإنّ الرغوة ممّا لا يمكن الغسل به ، إذ يعتبر في الغسل أن يكون ما به الغسل ماءً أو مائعاً آخر فلا يتحقق الغسل بغير المائعات. والرغوة ليست بماء وإنّما يتحقق بها المسح لا الغسل ، فغسل الرأس بالرغوة مقدمة للغسل الواجب في التغسيل وليس معدوداً من أجزائه ، وبعد ذلك إذا لاحظت الرواية ترى أنّها دلّت على أنّ الميِّت ينصّف في التغسيل نصفين من رأسه إلى قدمه ، ويغسل مرّتين : مرّة هذا الجانب وأُخرى ذاك الجانب.

وكأنّ المحقق الهمداني قدس‌سره سلّم دلالة الرواية على ذلك إلاّ أنّه لم يلتزم بمضمونها من جهة أنّها مخالفة للظواهر وجملة من النصوص وفتاوى الأصحاب (١) هذا.

وقد يناقش في الرواية سنداً ويعبّر عنها بالمرسلة ، نظراً إلى أن إبراهيم بن هاشم يرويه عن رجاله عن يونس ، إلاّ أنّ الظاهر عدم المناقشة في سندها ، لأنّ التعبير بالرجال كالتعبير بعدّة من أصحابنا ظاهر في كون الرواية مروية عن جماعة وجملة منهم معتد بها ، لعدم صحّة مثل هذا التعبير إذا كانت مروية عن واحد أو اثنين أو ثلاث.

ومن البعيد جدّاً أن لا يكون بين الجمع والرجال من لا يوثق بروايته ، إذ لو كان الأمر كذلك لأسند الرواية إلى شخص معيّن أو رمز إليه على نحو يدل على عدم ثبوت الرواية عند الأصحاب كقوله عن بعض أصحابنا ونحوه ، فالرواية من حيث السند لا خدشة فيها.

وإنّما الكلام في دلالتها ، وذلك لأنّ الغسل بالرغوة كالغسل بالتراب والصابون فكما أنّ الغسل به عبارة عن مسح اليد أو غيرها بالصابون أو التراب أوّلاً ثمّ صبّ‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٧٩ السطر ٣٤.

٦

الماء عليه وإلاّ كان مسحاً لا غسلاً ، فكذلك الحال في الغسل بالرغوة ، فإن معناه مسح الرأس بها أوّلاً ثمّ صبّ الماء عليه وغسله به ، فالغسل بالرغوة غسل بالماء.

ويدلُّ على ذلك ما ذكره عليه‌السلام بعد ذلك بقوله « وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه » إذ لو لم يكن هناك ماء فما معنى أمره بالمبالغة في التحفظ عن دخول الماء منخريه أو مسامعه ، وعليه فالغسل بالرغوة يكفي في غسل الرأس بالماء.

ثمّ إنّ الماء الّذي يصبّه على الرأس بعد المسح بالرغوة هو ماء السدر ، إذ ليس في مفروض الرواية ماء غيره ، وذلك لقوله عليه‌السلام « واعمد إلى السدر فصيره في طشت وصب عليه الماء واضربه بيدك حتّى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شي‌ء وصب الآخر في الإجانة الّتي فيها الماء » وهذا هو ماء السدر وبه يغسل رأسه. وقوله بعد ذلك : « ثمّ أضجعه على جانبه الأيسر وصب الماء من نصف رأسه ... » فهو شروع في غسل الجانب الأيمن والأيسر.

وقوله : « من نصف رأسه » أيضاً لا ينافي ما ذكرناه ، لأنّه إنّما ينافيه إذا أُريد بالنصف النصف الطولي من الرأس وهو قد غسل ولا حاجة إلى تغسيله ثانياً ، إلاّ أن من المحتمل أن يراد به النصف العرضي من اذنه إلى اذنه مثلاً وذلك من باب المقدمة العلميّة في غسل الرقبة ، لأنّ الرأس هو ما فوق الرقبة فلو أُريد به تغسيل الرقبة على نحو يحصل العلم به لا مناص من أن يدخل شيئاً من الرأس في غسل كل من النصفين من باب المقدمة العلميّة ، فيدخل من كل جانب مقداراً من الرأس إلى الاذن أو فوقه ليحصل الجزم بتحقق الغسل في الجانبين.

فلو أبيت عن ذلك وقلت إنّه خلاف الظاهر من الرواية فنبقي تنصيف الرأس على ظاهره من النصف الطولي فيحمل ذلك على الاستحباب ، فيستحب بعد غسل الرأس عند غسل كل جانب غسل نصف الرأس معه ثانياً ، وهذا ممّا لا محذور فيه.

فتحصل : أنّ الرواية دلّت على غسل الرأس بماء السدر أوّلاً ثمّ الجانب الأيمن والأيسر.

٧

ويدلُّ على ذلك : مضافاً إلى ما تقدم تصريحه عليه‌السلام في الغسل بالكافور بغسل الرأس أوّلاً حيث قال : « ثمّ اغسل رأسه ثمّ أضجعه على جنبه الأيسر واغسل جنبه الأيمن وظهره وبطنه ، ثمّ أضجعه على جنبه الأيمن واغسل جنبه الأيسر ... ».

وأصرح من الجميع قوله عليه‌السلام في التغسيل بالماء القراح « واغسله بماء قراح كما غسلته في المرّتين الأوّلتين » أعني الغسل بالسدر والغسل بالكافور ، والوجه في صراحته : أنّه لو لم تكن المرّتان المتقدمتان بكيفيّة واحدة بأن تكون الغسلة الأُولى كالثانية لم يكن معنى لقوله « واغسله بماء قراح كما غسلته في المرّتين الأولتين » فلا بدّ من اتحادهما في الكيفيّة كي يشبه الثالث بهما.

فالإنصاف أنّ الرواية لا إشعار فيها فضلاً عن الدلالة على غسل نصف الرأس مع الجانب الأيمن ونصفه الآخر مع الأيسر.

تتمة : قد ذكرنا أنّ الواجب في غسل الميِّت هو الأغسال الثلاثة أعني الغسل بماء السدر وماء الكافور والماء القراح ولا يعتبر فيه شي‌ء زائد على ذلك.

وقد ورد في بعض الأخبار الأمر بغسل النصف الأيمن من الرأس واللحية أوّلاً ثمّ غسل النصف الأيسر من الرأس واللحية ثانياً في غسل الرأس ، كما في رواية الكاهلي حيث قال : « ثمّ تبدأ فتغسل الرأس واللحية بسدر حتّى تنقيه ثمّ تبدأ بشقه الأيمن ثمّ بشقه الأيسر » (١).

وفي بعضها الآخر الأمر بالنضح على صدر الميِّت وركبتيه حيث قال في موثقة عمّار : « ثمّ تنضح على صدره وركبتيه من الماء ... » (٢).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٨١ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٥. ولا يخفى عدم ورود هذه الجملة في رواية الكاهلي بل إنّما وردت في رواية عمّار المرويّة في الوسائل ٢ : ٤٨٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١٠ والوارد في رواية الكاهلي هو هذه الجملة « ثمّ تحوّل إلى رأسه وابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ثمّ ثن بشقّه الأيسر ».

(٢) الوسائل ٢ : ٤٨٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١٠.

٨

ولا يكفي الارتماس على الأحوط (*) في الأغسال الثلاثة مع التمكّن من الترتيب (١).

______________________________________________________

وفي ثالث : الأمر بغسل كفي الميِّت كما في حسنة الحلبي حيث قال : « ثمّ تبدأ بكفيه ورأسه » (٢).

وفي بعض آخر : الأمر بغسل مرافقه وميامنه كما في صحيحة يعقوب بن يقطين ومصححة الفضل بن عبد الملك (٣).

والصحيح عدم اعتبار شي‌ء من ذلك في غسل الميِّت ، غاية الأمر أن تحمل هذه الأوامر على الاستحباب ، وذلك لأن غسل الميِّت من الأُمور الّتي يبتلى بها كثيراً ، إذ لا يوجد بلد متعارف إلاّ ويموت فيه إنسان في كل يوم ، ولو كانت الأُمور المذكورة واجبة في غسل الميِّت لظهرت وشاعت وكانت من الأُمور المعلومة عند المسلمين. مع أنّه ممّا لم يقل فقيه بوجوبها ، والسيرة قائمة على عدم وجوب تلك الأُمور. إذن لا يعتبر في غسل الميِّت إلاّ الأغسال الثلاثة كما مرّ.

عدم كفاية الارتماس‌

(١) كما هو المشهور ، نظراً إلى أنّ الأخبار الواردة في غسل الميِّت كلّها اشتملت على الأمر بالترتيب وغسل الرأس أوّلاً ثمّ الجانبين.

وعن جماعة : كفاية الارتماس عن الترتيب ، بدعوى أنّ الأخبار الآمرة بالترتيب ناظرة إلى الغسل بالماء القليل ، وقد ورد في الأخبار أن غسل الميِّت كغسل الجنابة (٤) فكما أنّ الارتماس يكفي في الجنابة فكذلك يكفي في غسل الميِّت قضاءً للتشبيه والتنزيل.

__________________

(*) بل على الأظهر حتّى مع عدم التمكّن من الترتيب.

(١) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٨٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٧ ، ٩.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨٦ / أبواب غسل الميت ب ٣.

٩

بل غسل الميِّت هو بنفسه غسل الجنابة لا أنّه شي‌ء آخر ، لما ورد من أنّ الميِّت تخرج عنه النطفة الّتي خلق منها حين موته ، وبه يكون الميِّت جنباً ، وغسله هو غسل الجنابة بعينه (١) ، وغسل الجنابة على قسمين : ترتيبي وارتماسي ، ومن ثمة قوى شيخنا الأنصاري قدس‌سره جواز التغسيل بالارتماس (٢).

والصحيح هو ما ذهب إليه المشهور ، لأن كيفيّة غسل الجنابة هو الاغتسال ترتيباً على الكيفيّة المتقدمة في محلِّها ، حيث أمر في الأخبار بغسل الرأس أوّلاً ثمّ الجانب الأيمن ثمّ الجانب الأيسر أو من غير ترتيب بين الجانبين على الخلاف. وأمّا الغسل الارتماسي فهو مسقط للترتيب ومجزئ عنه ، لا أنّه المأمور به أو فرد منه في غسل الجنابة ، ومن ثمة ورد : « أنّ الجنب إذا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك » (٣). فإنّ الأجزاء يحتاج إلى شي‌ء يجزئ عنه وهو الغسل الترتيبي ، فوزانه وزان الجماعة المسقطة للقراءة الواجبة في الصلاة ، ومقتضى التشبيه والتنزيل أن غسل الميِّت كغسل الجنابة يجب أن يكون ترتيبياً ، وأمّا أن ما يجزئ عنه في غسل الجنابة يجزئ عنه في غسل الميِّت أيضاً ، فهو محتاج إلى الدليل ، فإنّ الأخبار الواردة في غسل الميِّت كلّها تدل على الترتيب كما مرّ ، ولم يرد في شي‌ء منها ما يدل على كفاية الارتماس من المتمكّن منه ، لوجود كر من الماء عندهم أو لكونهم قرب الغدران والنقيع أو في شطوط البحار والأنهار ، ولا سيما بلحاظ قوله عليه‌السلام « لو أن رجلاً جنباً ارتمس ... أجزأه ذلك » (٤) فإنّه أثبت الإجزاء على الارتماس الاختياري الصادر عن نفس الجنب وثبوت ذلك في ارتماس الغير للميت أي الارتماس غير الاختياري يتوقّف على دلالة الدليل وهو مفقود ، والتشبيه إنّما هو في كيفيّة التغسيل لا من جميع الجهات وإلاّ فقد اعتبر في غسل الميِّت الخليط والتعدّد وغيرهما ممّا لا يعتبر في الجنابة قطعاً.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) كتاب الطّهارة : ٢٩٠ السطر ٢٢ / في غسل الأموات.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٣٠ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٣٠ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥.

١٠

نعم ، يجوز في كل غسل رمس كل من الأعضاء الثلاثة مع مراعاة الترتيب في الماء الكثير (١).

[٨٧٦] مسألة ١ : الأحوط إزالة النجاسة (*) عن جميع جسده قبل الشروع في الغسل (٢).

______________________________________________________

في كفاية رمس الأعضاء عن غسلها‌

(١) ولا يعتبر فيه الغسل بالصب ، وذلك لإطلاق الأخبار وعدم تقييدها بغير الغسل الارتماسي مع التمكّن منه لوجود الكر عندهم أو لكونهم في أطراف البحار والأنهار أو النقيع والغدران.

ثمّ إنّه إذا تعذر الغسل ترتيباً فهل يجب تغسيل الميِّت ارتماساً؟

مقتضى ما صنعه الماتن قدس‌سره من عدم الجزم بتعين الترتيب عند التمكّن منه ، بل اختياره من باب الاحتياط ، تعين الارتماس عند تعذر الترتيب ، لأنّ الواجب حينئذ أحدهما كما في غسل الجنابة وإنّما اخترنا الترتيب للاحتياط ، فإذا تعذّر تعين الارتماس لا محالة.

وأمّا على ما ذكرناه من اشتراط الترتيب في غسل الميِّت فلا مناص من التيمم والاحتياط بالتغسيل ارتماساً ، وذلك لما ذكرناه غير مرّة من أنّ الأوامر الواردة في الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية غير مختصّة بحال القدرة والتمكّن ، ولازم الشرطية المطلقة سقوط الأمر بالغسل عند تعذّر الشرط وهو الغسل الترتيبي فتنتهي النوبة إلى التيمم ، إلاّ أنّه يحتاط بالتغسيل الارتماسي لئلاّ يفوته التغسيل ، فالاحتياط في الغسل الارتماسي لا الغسل الترتيبي كما ذكره الماتن عند التمكّن منه.

إزالة النجاسة عن جميع البدن‌

(٢) هل يعتبر في غسل الميِّت تطهير جميع جسده من النجاسات ، أو يكفي تطهير‌

__________________

(*) الحكم فيه كما تقدّم في الوضوء وسائر الأغسال [ في فصل شرائط الوضوء ، الشرط الثاني ، وفي المسألة ٦٦٦ ].

١١

كل عضو سابقاً على تغسيله وإن كانت بقية أعضائه باقية على نجاستها ، أو لا يعتبر سبق الطهارة على الغسل ، بل يكفي صب الماء للغسل والتطهير ويكفي ذلك عن الحدث والخبث ، بناءً على طهارة الغسالة كما في الغسلة المتعقبة بطهارة المحل؟.

الصحيح هو الأخير كما ذكرناه في الوضوء وغسل الجنابة (١) إذ أن تحصيل الإجماع التعبّدي على اعتبار سبق الطهارة غير ممكن من كلمات الأصحاب قدس‌سرهم لاختلافها وتشتتها ، بل لا يكاد يمكن تحصيل الشهرة منها في المسألة ، فلا مناص من الرجوع إلى النصوص الواردة في المسألة. وإذا راجعنا النصوص ظهر أن اعتبار الطهارة سابقاً على الغسل لا دليل عليه ، فانّ الأمر بغسل الفرج أو اليدين وإن ورد في الأخبار إلاّ أنّه من جهة استحباب ذلك تعبّداً ، وليس مستنداً إلى نجاسة الموضع واعتبار تطهيره في غسل الميِّت ، وذلك لإطلاق الأمر بالغسل ولو مع طهارة الفرج وغيره.

والّذي يدلّنا على ذلك ورود الأمر بغسل تلك المواضع في الغسلة الثانية والثالثة أعني الغسل بماء الكافور والقراح مع أنّه لو كان من جهة التطهير فقد فرض تطهيرها في الغسلة الأُولى كما عرفت ، فلا وجه له سوى استحباب ذلك تعبّداً.

كما ورد الأمر فيها بإزالة عين النجاسة الخارجية عن جسد الميِّت وتنقيته ولو بغير الماء كما في موثقة عمار : « ويكون على يديك خرقة تنقي بها دبره » (٢) وفي معتبرة يونس : « ثمّ اغسل فرجه ونقّه » وقوله فيها : « فان خرج منه شي‌ء فانقه » (٣) والوجه في اعتبار ذلك واضح ، وهو أنّه لو كانت على جسده عين نجاسة خارجية تنجس بها الماء ، والماء المتنجس بعين خارجية غير الميِّت لا يكفي في تغسيله ، ولكن لا دلالة له على اعتبار تطهير البدن عن النجاسة الخارجية ، وإنّما يدل على إزالة العين ولو بالخرقة ونحوها.

__________________

(١) شرح العروة ٥ : ٣٠٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٨٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١٠.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٣.

١٢

وإن كان الأقوى كفاية إزالتها عن كل عضو قبل الشروع فيه.

______________________________________________________

ونظيره ما دلّ على أنّ المقتول في معصية الله يغسل منه الدم (١) فإنّه من جهة عدم تنجّس ماء الغسل بالنجاسة الخارجية غير الميِّت ، لا لأجل اعتبار الطهارة في صحّة الغسل.

إذن لا دليل على اعتبار سبق الطهارة على غسل الميِّت ، بل مقتضى إطلاقات الأمر بالغسل كفاية الصب مرّة واحدة للتطهير والتغسيل ، أي في رفع الحدث والخبث معاً.

والّذي يدلّنا على ذلك : أنّ الميِّت غير قابل للتطهير من النجاسات الخارجية بحسب المرتكز في أذهان المتشرعة ، لأنّ الميِّت بنفسه من الأعيان النجسة ، والعين النجسة لا تنفك عنها النجاسة بالغسل لدى العرف ، وإن كان ذلك أمراً ممكناً عقلاً بأن تكون هناك نجاستان عرضية قابلة الارتفاع بالتطهير ، وذاتية لا تزول بالغسل ، إلاّ أن ذلك غير معهود في أذهان العامّة ، والمرتكز في أذهانهم أنّ العين النجسة غير قابلة للتطهير من النجاسة الخارجية.

وهذا ممّا يستأنس به لما ذكرناه ، وهو موجب لحمل ما ورد من الأمر بالغسل في يد الميِّت أو فرجه أو غيرهما على الاستحباب التعبّدي لا لتطهير المحل ، فلا دليل على اعتبار سبق الطهارة على الغسل ، بل الدليل دلّ على عدم اعتباره وهو الارتكاز المتشرعي ، ومقتضى الإطلاقات حينئذ كفاية الاجتزاء بالصبة الواحدة في رفع الحدث والخبث معاً كما ذكرناه في الوضوء وغسل الجنابة (٢) نعم ، هذا مبني على القول بطهارة الغسالة ، لأنّها لو كانت نجسة استلزمت تنجّس الأجزاء المتأخِّرة عن محل الغسل ، وبه يتنجّس ماء الغسل ولا يكفي في التغسيل.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥١١ / أبواب غسل الميِّت ب ١٥.

(٢) شرح العروة ٥ : ٣٠٦.

١٣

[٨٧٧] مسألة ٢ : يعتبر في كل من السدر والكافور أن لا يكون في طرف الكثرة بمقدار يوجب إضافته وخروجه عن الإطلاق (١)

______________________________________________________

ما يعتبر في كل من السدر والكافور‌

(١) الكلام في هذه المسألة يقع من جهات :

إطلاق الماء

الجهة الأُولى : هل يعتبر إطلاق الماء في الغسلتين الأوّلتين أو يجوز أن يكون مضافاً لكثرة السدر والكافور؟

المعروف بينهم اشتراط الإطلاق فيهما ، وعن بعضهم جواز كون الماء مضافاً فيهما لأنّ الغسل حقيقة هو الغسل الثالث وهو الّذي اعتبر فيه أن يكون بالماء القراح والغسلتان الأوّلتان مقدمة للغسل ، ولا بأس بكون الغسل فيهما بالمضاف.

والصحيح ما ذهب إليه المشهور ، ويدلُّ عليه ما ورد في صحيحتي ابن مسكان وسليمان بن خالد من أنّ الميِّت يغسل بماء وسدر ثمّ يغسل بماء وكافور (١) وفي صحيحة يعقوب بن يقطين : « ثمّ يفاض عليه الماء ثلاث مرّات ... ، ويجعل في الماء شي‌ء من السدر وشي‌ء من الكافور » (٢) ودلالتها على اعتبار الإطلاق في الغسلتين الأوّلتين ظاهرة.

وفي قبال تلك الأخبار رواية الحلبي وصحيحته حيث ورد فيهما : « أنّ الميِّت يغسل ثلاث غسلات ، مرّة بالسدر » (٣) أو أنّه « تبدأ بكفيه ورأسه ثلاث مرّات بالسدر » (٤)

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٧٩ ، ٤٨٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١ ، ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٨٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٧.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨١ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٢.

١٤

وفي موثقة عمار : « فتغسل الرأس واللحية بسدر حتّى تنقيه » (١) وظاهرها اعتبار كون الماء في الغسلتين على نحو يصدق عليه أنّه غسل بالسدر.

وفيه : أنّ الغسل بالسدر أمر لا معنى له ، لما مرّ من أنّ الغسل إنّما يتحقق بالماء أو بغيره من المائعات المزيلة للأثر ، ولا معنى للغسل بالجامد إلاّ الاستعانة به في الغسل نظير الغسل بالصابون والتراب ، فيمسح به الشي‌ء أوّلاً ثمّ يصب الماء عليه ، وهذا الصب هو الغسل. وأمّا المسح بالتراب أو الصابون أو الأشنان أو السدر قبل ذلك فهو استعانة به في الغسل ، لا أنّه غسل حقيقة ، فلا دلالة في تلك الروايات على اعتبار كون الغسلتين بالسدر والمضاف.

وهي نظير معتبرة يونس الدالّة على غسل رأس الميِّت بالرغوة (٢) حيث تقدم أنّ المراد به هو المسح بالرغوة أوّلاً ثمّ صب الماء عليه ، والغسل هو الصب ، والمسح بالرغوة أو غيرها محمول على الاستحباب.

نعم ، لو كنّا نحن وهذه الأخبار لقلنا باعتبار غسل الميِّت بالسدر ، بأن يمسح السدر على بدنه أوّلاً ثمّ يزال بالماء كما هو المتعارف في الغسل بالسدر في الأحياء ، إلاّ أنّ الأخبار المتقدمة دلّتنا على أنّ الغسلة الاولى لا بدّ أن تكون بالماء المطلق الّذي فيه السدر ، والثانية بماء فيه كافور ، فلا يعتبر فيه المسح بالسدر ثمّ غسله.

وفي رواية الكاهلي أنّه « يغسل بماء السدر وماء الكافور » (٣) وظاهرها اعتبار الإضافة في الغسلتين.

ويردّه : أنّ الرواية ضعيفة السند بمحمّد بن سنان وغير تامّة الدلالة على المدّعى لجواز أن يراد بماء السدر هو الماء المطلق الّذي فيه شي‌ء من السدر وإن لم يبلغ مرتبة الإضافة ، غاية الأمر أن تكون الرواية مطلقة ودالّة على جواز الغسل بالماء المضاف‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٨٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٨٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨١ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٥.

١٥

إلى السدر والماء المطلق الّذي فيه شي‌ء من السدر ، فيقيد بالأخبار المتقدمة الدالّة على اعتبار الإطلاق في الماء في الغسلتين الأوّلتين.

مقدار الخليط

الجهة الثانية : في مقدار الخليط من السدر والكافور.

مقتضى الأخبار الواردة في أنّ الميِّت يغسل بماء وسدر وبماء وكافور ، أنّ المعتبر في الغسلتين صدق الغسل بالماء والكافور أو بالماء والسدر ، ولا يجزئ المقدار القليل الّذي لا يصدق معه الغسل بالماء والسدر ، ولا يشترط فيهما كيفيّة أو كميّة خاصّة.

وقد نسب إلى المفيد قدس‌سره اعتبار كون السدر رطلاً ، وعن ابن البراج اعتبار أن يكون رطلاً ونصف رطل (١) كما نسب إليهما اعتبار كون الكافور نصف مثقال (٢) ولم يظهر أن مرادهما هو المثقال الشرعي الّذي هو ثمانية عشر حبّة ، أو المثقال الصيرفي الّذي هو أربعة وعشرون حبّة.

وكيف كان لا دليل على شي‌ء من التقديرين ، بل المدار على صدق الغسل بالماء والسدر وبالماء والكافور.

نعم ، ورد في موثقة عمار تقدير الكافور بنصف حبّة (٣) ، وفي معتبرة يونس بالحبّات (٤) وفي رواية مغيرة مؤذن بني عدي أنّه غسل علي بن أبي طالب عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدأه بالسدر والثانية بثلاثة مثاقيل من كافور (٥).

__________________

(١) نسبه إليهما في الجواهر ٤ : ١٢٦ وراجع المقنعة : ٧٤ والمهذّب ١ : ٥٦.

(٢) نسبه إلى المفيد في الجواهر ٤ : ١٣٠ وراجع المقنعة : ٧٥ وأمّا النسبة إلى ابن البراج فلم تثبت ولعلّه اشتبه على المصنّف بابن سعيد كما نسبه إليه في الجواهر.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١٠.

(٤) الوسائل ٢ : ٤٨٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٣.

(٥) الوسائل ٢ : ٤٨٥ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١١.

١٦

وفي طرف القلّة يعتبر أن يكون بمقدار يصدق أنّه مخلوط بالسدر أو الكافور.

______________________________________________________

ولكن فعله عليه‌السلام لا يمكن الاستدلال به على الوجوب ، لإمكان أن يكون ذلك من جهة الأكملية وكونه أرقى مراتب التغسيل.

وأمّا الروايتان الأُوليان فهما كذلك أيضاً ، لأنّ الحبّة أو الحبّات ليس لها كم معين في الخارج ، لأنّ الكافور قطعات ، والحبّة من القطعة الكبيرة أكثر من الحبّة من القطعة الصغيرة ، فالحبّة مختلفة الحكم ولا تعيين لكمها في الأخبار.

كما أنّه لا تعيين للماء الّذي تجعل فيه تلك الحبّة ، فإنّه لو كانت الحبّة بمقدار خاص كافية في صدق الغسل بالماء والكافور في كم معين من الماء كالكر مثلاً ، لكان المعتبر في صدق هذا العنوان عند كون الماء مثلي الأوّل كالكرين إلقاء حبّتين من الكافور ، كما أنّ الماء لو زاد على المثلين لا بدّ من زيادة الكافور أيضاً ، وإلاّ لم يصدق أنّ الغسل غسل بالماء والكافور لاستهلاك الكافور وانعدامه عند قلّته وكثرة الماء. وحيث لا تعيين لكم الحبّة ولا للماء الملقى فيه الحبّة ، فلا يمكن الاعتماد على شي‌ء من الروايتين لإجمالها من هذه الجهة.

ودعوى : إنّ الحبّة نصف مثقال فتنطبق الموثقة على مسلك المفيد وابن البرّاج قدس‌سرهما.

مندفعة : بأنّه لا دليل عليه ، إذ يمكن أن تكون الحبّة مثقالاً أو أقل أو أكثر ، فلا يعتبر في كم الخليطين وكيفيّته شي‌ء سوى صدق الغسل بالماء والسدر وبالماء والكافور.

وقد نسب إلى جماعة من المتقدمين أو أكثرهم اعتبار كون الكافور خاماً ، أي غير مطبوخ ، لأنّه على قسمين ، قطعات ، وناعم (١) يطبخ ثمّ يجمد.

ويدفعه : إطلاق الأخبار ، لصدق الغسل بالماء والكافور مع الطبخ أيضاً ، لأنّ‌

__________________

(١) وهو صغاره الّتي يقع في التراب ثمّ يؤخذ فيطبخ.

١٧

وفي الماء القراح يعتبر صدق الخلوص منهما ، وقدّر بعضهم السدر برطل والكافور بنصف مثقال تقريباً ، لكن المناط ما ذكرنا.

______________________________________________________

المطبوخ كغيره كافور حقيقة.

ودعوى : أنّ المطبوخ منه يتنجس ، لأنّه يطبخ بلبن الخنزيرة ليشتد بياضه ، أو أنّ الطابخ كافر فتصيبه يده أو رجله أو غيرهما من أعضاء بدنه فيتنجس.

مندفعة بعدم ثبوت شي‌ء من ذلك ، إذ من أين نحرز أنّه مطبوخ بلبن الخنزيرة أو أصابته يد الكافر أو رجله مثلاً ، بل حاله حال الأشياء المجلوبة من بلاد الكفار الّتي لا يعلم إصابة الكفار لها باليد أو بغيرها.

اعتبار الخلوص عزيمة أو رخصة؟

الجهة الثالثة : هل يعتبر الخلوص في الماء القراح بنحو العزيمة أو أنّه رخصة في قبال اعتبار الخليط في الغسلتين الأوّلتين ، فيجوز أن يكون الماء مخلوطاً بشي‌ء من السدر والكافور في الغسلة الثالثة أيضاً؟.

المعروف لزوم كون الماء في الغسلة الثالثة خالصاً من الخليطين ، وهذا هو الصحيح وتدلّ عليه الأخبار الواردة في أنّ الميِّت يغسل مرّة بالماء والسدر وثانية بالماء والكافور وثالثة بالماء القراح (١) فانّ التقييد بالقراح كالتقييد بالسدر والكافور ، فكما أنّهما لزوميين ولا يجزئ فاقدهما ، فكذلك الحال في القراح فلا يجزئ الماء المخلوط بالسدر أو الكافور في الغسلة الثالثة.

ويؤيّده بل يدل عليه ما ورد في معتبرة يونس : « ثمّ اغسل يديك إلى المرفقين والآنية وصب فيه ماء القراح » (٢) لدلالتها على اعتبار خلوص الماء في الغسلة الثالثة من السدر والكافور ، حيث أمر بغسل يديه والآنية لئلاّ يبقى فيهما من الخليطين ما‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٨٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٣.

١٨

[٨٧٨] مسألة ٣ : لا يجب مع غسل الميِّت الوضوء قبله أو بعده وإن كان مستحبّاً ، والأولى أن يكون قبله (١).

______________________________________________________

يضر بالخلوص في الماء في الغسلة الثالثة.

وهل يعتبر الخلوص من غير الخليطين بحيث لو كان الماء مخلوطاً بشي‌ء من السكر أو التراب لم يصح التغسيل به؟

الصحيح عدمه ، لأنّ الأخبار المقيدة للماء بالقراح في المرّة الثالثة بقرينة التقييد في الأوليتين بالسدر والكافور ، ظاهرة في إرادة الخلوص من الخليطين لا في إرادة الخلوص مطلقاً حتّى من غيرهما ، كيف ولا يوجد الخالص من الماء في تلك الأزمنة ، بل في الأزمنة المتأخّرة الّتي أدركناها إلاّ نادراً لاختلاطه بالطين على الأقل ، فلا بأس بالتغسيل بماء الشط ونحوه من المياه المخلوطة بالطين أو بغيره ممّا لا يخرجه عن الإطلاق.

وقد ورد في رواية معاوية بن عمار الأمر بطرح سبع ورقات سدر في الماء القراح (١) وكذا في رواية عبد الله بن عبيد مقيّداً بالصحاح حيث قال : « ثمّ بالماء القراح يطرح فيه سبع ورقات صحاح من ورق السدر في الماء » (٢) وظاهرهما الوجوب ، ولا يوجب ذلك خروج الماء عن الإطلاق والخلوص ، فإنّه إنّما يوجبه إذا امتزج واختلط مع الماء ، والورق لا يختلط معه.

إلاّ أنّه لا بدّ من حملهما على الاستحباب ، لما عرفت من نظائره من أنّ الحكم في المسائل الّتي يكثر الابتلاء بها لو كان موجوداً لاشتهر ، ومع عدمه يستكشف عدم ثبوته في الواقع ، فالوجوب غير محتمل ولا بدّ من حملهما على الاستحباب.

وجوب الوضوء مع غسل الميِّت‌

(١) يقع الكلام في هذه المسألة من جهات :

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٨٤ / أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٩٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٦ ح ٢.

١٩

هل الوضوء واجب مع غسل الميِّت؟

الجهة الأُولى : هل أنّ الوضوء مع غسل الميِّت واجب أو غير واجب؟

المعروف بينهم عدم الوجوب ، ونسب إلى المفيد وابن البرّاج وأبي الصلاح وجوبه (١) استناداً إلى الأخبار الآمرة بالوضوء في غسل الميِّت منها : صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الميِّت يبدأ بفرجه ثمّ يوضأ وضوء الصلاة ... » (٢) وليس بإزائها رواية صريحة في نفي الوجوب ، ولو كنّا نحن وهذه الأخبار لالتزمنا بوجوب الوضوء في غسل الميِّت إلاّ أن هناك وجوهاً تمنعنا عن حملها على الوجوب.

منها : ما قدّمناه من أنّ الحكم في مثل غسل الميِّت الّذي يبتلى به كثيراً لو كان لبان واشتهر ، ولم ينحصر قائله بثلاثة أشخاص كما في المقام ـ ، والسيرة جارية على خلاف ذلك ، فلا يمكن الالتزام بوجوب الوضوء في غسل الميِّت.

ومنها : المطلقات الدالّة على أنّه « أيّ وضوء أنقى من الغسل » (٣) فان غسل الميِّت أيضاً غسل فلا تصل النوبة معه إلى الوضوء ، وإنّما خرجنا عنها في غسل الاستحاضة حيث يجب فيها الوضوء مع الغسل.

ومنها : سكوت الأخبار البيانية عن وجوب الوضوء ، هذه صحيحة ابن مسكان سئل فيها عن غسل الميِّت فأجاب عليه‌السلام : « اغسله بماء وسدر » (٤) من دون تعرّض لوجوب الوضوء مع ورودها في مقام البيان ، فالسكوت في ذلك المقام دليل على عدم اعتبار الوضوء في غسل الميِّت ، وإلاّ كان السكوت إخلالاً لما هو المعتبر في الواجب.

__________________

(١) نسبه إليهما في الجواهر ٤ : ١٣٥ وراجع المقنعة : ٧٩ والمهذب ١ : ٥٩ وعبارتهما ليست صريحة في ذلك كما قاله صاحب الجواهر ، وأمّا النسبة إلى الحلبي فحكاها صاحب الجواهر عن كشف اللّثام وأيضاً نسبه إليه في الحدائق ٣ : ٤٤٤ وراجع الكافي في الفقه : ١٣٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٩١ / أبواب غسل الميت ب ٦ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٤٤ / أبواب الجنابة ب ٣٣ ، ٢٤٦ / ب ٣٤ خصوصاً ح ٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١.

٢٠