السّلطان المفرّج عن أهل الإيمان - المقدمة

السّلطان المفرّج عن أهل الإيمان - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ١١٣

١
٢

٣
٤

كلمة المكتبة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال حجّة الله عجّل الله فرجه :

« وأمّا وجه الانتفاع بي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب » (١)

إنّ الإمام الثاني عشر الحجّة بن الحسن العسكري عجّل الله تعالى فرجه الشريف وإن دعت الحكمة إلى استتاره عن الأبصار إلاّ أنّ اللطف ـ الّذي هو من أدلّة امتداد الإمامة ـ قد أوجب أن ينتفع الناس بوجوده عليه‌السلام بشكل من الأشكال ، وأشارت الروايات إلى أنّ الانتفاع به عليه‌السلام إنّما يحصل بطريقين :

الأوّل : عامّ لجميع الناس.

الثاني : خاصّ بجملة من الأخيار.

أمّا الانتفاع العامّ ؛ فقد جاء في عدّة من الروايات عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ومنهم ذاته المباركة عجّل الله تعالى فرجه الشريف فيما نقلناه في صدر الكلام ؛ إذ

__________________

(١) كمال الدين للصدوق : ٤٨٥ ، الغيبة للطوسي : ٢٩١ ، الاحتجاج للطبرسي ٢ : ٢٨٤ ، الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي ٣ : ١١١٥ ، الدرة الباهرة للشهيد الأوّل : ٤٨. وانظر : بحار الأنوار ٥٢ : ٩٢ / ٧ و ٥٣ : ١٨ / ١٠ و ٧٥ : ٣٨٠ / ١.

٥

شبّهت الروايات انتفاع الناس به عليه‌السلام في الغيبة الكبرى بالشمس إذا جلّلها السحاب.

روى جابر الجعفي ، عن جابر الأنصاري أنّه سأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : هل ينتفع الشيعة بالقائم عليه‌السلام؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إي والّذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم لينتفعون به ، ويستضيؤون بنور ولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب » (١).

قال العلاّمة الكبير والمحدّث الخبير مولانا محمّد باقر المجلسي رحمه‌الله ( ت ١١١١ ه‍ ) في بيان الحديث النبويّ : « التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب يومئ إلى أمور :

الأوّل : إنّ نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه عليه‌السلام ، إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائيّة لإيجاد الخلق ، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم ، وببركتهم والاستشفاع بهم والتوسّل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق ، ويكشف البلايا عنهم ، فلولاهم لاستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب ، كما قال تعالى : ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (٢) ، ولقد جرّبنا مرارا لا نحصيها أنّ عند انغلاق الأمور وإعضال المسائل ، والبعد عن جناب الحقّ تعالى ، وانسداد أبواب الفيض ، لمّا استشفعنا بهم ، وتوسّلنا بأنوارهم ، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت ، تنكشف تلك الأمور الصعبة ، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان.

الثاني : كما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كلّ

__________________

(١) كمال الدين : ٢٥٣ / ٣ ، كفاية الأثر للخزّاز : ٥٤ ـ ٥٥ ، إعلام الورى : ٣٧٥ ، تفسير روح الجنان لأبي الفتوح الرازي ٣ : ٤٢٣ ، قصص الأنبياء للراوندي : ٣٦٠. وانظر : بحار الأنوار ٣٦ : ٢٥٠ / ٦٧ و ٥٢ : ٩٢ / ٨.

(٢) الأنفال : ٣٣.

٦

آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته عليه‌السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره ، في كلّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه.

الثالث : أنّ منكر وجوده عليه‌السلام مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.

الرابع : أنّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب ، فكذلك غيبته عليه‌السلام أصلح لهم في تلك الأزمان ، فلذا غاب عنهم.

الخامس : أنّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب ، وربّما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها ، فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربّما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم ، ويكون سببا لعماهم عن الحقّ ، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته ، كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرّر بذلك.

السادس : أنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون واحد ، فكذلك يمكن أن يظهر عليه‌السلام في أيّام غيبته لبعض الخلق دون بعض.

السابع : أنّهم عليهم‌السلام كالشمس في عموم النفع ، وإنّما لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى : ( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (١).

الثامن : أنّ الشمس كما أنّ شعاعها يدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك ، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار

__________________

(١) الإسراء : ٧٢.

٧

هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم الّتي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانيّة ، والعلائق الجسمانيّة ، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانيّة إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب » (١).

وأمّا الانتفاع الخاصّ : فقد وردت الأخبار المتواترة الموثّقة بتشرّف جمع من الأولياء والأعيان والثقات بخدمته ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ وفازوا بشرف لقائه ، وسعدوا برؤية طلعته الرشيدة ، وغرّته الحميدة.

والفائزون بشرف اللقاء كثيرون ، وقد شاهدوه في كلا الغيبتين الصغرى والكبرى ، ومع الأخبار الكثيرة والمتواترة عن العلماء والفضلاء ، لا يمكن لأحد إنكار وجحود واستحالة مشاهدته عليه‌السلام في زمن الغيبة مطلقا.

هذا ؛ وقد دوّنت قضايا مشاهدته في كتب مستقلّة ، أو ذكرت ضمن كتب تعرّضت لإثبات وجوده المقدّس عليه‌السلام ، منها :

١ ـ إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب عليه‌السلام ( جزءان ) ، للشيخ عليّ الحائري اليزدي ( ١٣٣٣ ه‍ ) ـ الجزء الثاني منه.

٢ ـ بحار الأنوار ، للعلاّمة المجلسي ( ١١١١ ه‍ ) ، الجزء الثاني والخمسون.

٣ ـ بدائع الكلام فيمن اجتمع بالإمام عليه‌السلام ، للسيّد اليزدي الطباطبائي.

٤ ـ بغية الطالب فيمن رأى الإمام الغائب عليه‌السلام ، للشيخ محمّد باقر البيرجندي القائني ( ١٣٥٢ ه‍ ).

٥ ـ بهجة الأولياء فيمن فاز بلقاء الحجّة عليه‌السلام ، للشيخ محمّد تقي الألماسي ( ١١٥٩ ه‍ ).

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٢ : ٩٣ ـ ٩٤.

٨

٦ ـ تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي عليه‌السلام ، للسيّد هاشم بن سليمان الكتكاني التوبلي البحراني ( ١١٠٧ ه‍ ).

٧ ـ الجزيرة الخضراء ، لمجد الدين ، فضل بن يحيى بن عليّ بن مظفّر الطيّبي الكوفي ( من علماء القرن الثامن ).

٨ ـ جنّة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجّة ، للميرزا حسين النورىّ الطبرسيّ ( ١٣٢٠ ه‍ ).

٩ ـ دار السّلام فيمن فاز بسلام الإمام عليه‌السلام ، للشيخ الميثمي العراقي.

١٠ ـ العبقري الحسان في أحوال صاحب الزمان عليه‌السلام ( جزءان ) ، للشيخ علي أكبر النهاوندي ( ١٣٦٦ ه‍ ).

القسم الأوّل من جزئه الثاني بعنوان : « الياقوت الأحمر فيمن رأى الحجّة المنتظر ».

١١ ـ كمال الدين وتمام النعمة ، للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ( ٣٨١ ه‍ ).

١٢ ـ هداية الأنام فيمن لقي الحجّة في المنام ، للسيّد حسين اروميه اى ، المشهور بـ « عرب باغي ».

مضافا إلى الكثير من الكتب غير المطبوعة لحدّ الآن أو الّتي عبثت بها أيادي الدهر بين النقص والضياع.

ومن بين تلكم المدوّنات الّتي لم تر النور وبقيت لفترة طويلة مهجورة ، وتراكم عليها غبار الزمن ؛ من مصادر كتاب « بحار الأنوار » هذا الكتاب النفيس اللطيف الماثل بين يديك والمسمّى بـ « السلطان المفرّج عن أهل الإيمان » للسيّد الأجل الأكمل النحرير صاحب المقامات والكرامات النسّابة « بهاء الدين عليّ بن عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني النيلي النجفي » المتوفّى نحو ثمانمائة من الهجرة.

٩

إذ سعت مكتبتنا من أجل الحصول على صور لنسخه الخطّيّة ، ولكنّنا لم نحض إلاّ بنسخة مكتبة « الملك » في طهران ، وبعد أن تمّ المراد ، قام الأخ الفاضل الشيخ قيس بهجت العطّار ( دامت توفيقاته ) بتحقيقه على أحسن وجه ، وقد بذل جهده في كافّة مجالات التحقيق من مقابلة ، واستخراج المصادر ، وتقويم النصّ. وأيضا نقدّم شكرنا الجزيل لسماحة السيّد حسن الموسوي البروجردي ( دامت توفيقاته ) على مساعيه الدؤوبة في إحياء هذا السفر القيّم.

وندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا لتحقيق ونشر المزيد من التراث الشيعيّ الخالد ، راجين منه عزّ وجلّ أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه.

وختاما ، نقدّم هذا الجهد المتواضع بكلتا يدينا إلى صاحب العصر والزمان ، وإمام الإنس والجانّ ، الحجّة بن الحسن العسكريّ ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ.

والحمد لله أوّلا وآخرا ..

مكتبة العلاّمة المجلسيّ رحمه‌الله

المشهد المقدّس الرضوي عليه‌السلام

ربيع الأوّل ١٤٢٥

١٠

مقدّمة المحقّق

١١