السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣١
يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكك ، وعُذيقها المرجّب ، وتوعّد من لجأ إلى دار فاطمة عليهاالسلام من الهاشميين ، وأخرجهم منها ، ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ، ولا قامت له قائمة.
أقول : إذن كيف يقول العمريون انّ بيعة أبي بكر كانت بالاختيار والإجماع ، وهذا قول أحدهم وهو يذكر الإكراه لمن كان في السقيفة أو كان خارجها حتى ولو كان في بيت فاطمة عليهاالسلام ، فأين الإجماع المزعوم ؟!
النص الثاني : قال (١) : اختلفت الروايات في قصة السقيفة ، فالذي تقوله الشيعة ـ وقد قال قوم من المحدّثين بعضه ورووا كثيراً منه ـ : إنّ علياً عليهالسلام امتنع من البيعة حتى أخرج كُرهاً ، وإنّ الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال : لا أبايع إلّا علياً عليهالسلام ، وكذلك أبو سفيان بن حرب ، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، والعباس بن عبد المطلب وبنوه ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وجميع بني هاشم.
وقالوا : إنّ الزبير شهر سيفه ، فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم ، قال في جملة ما قال : خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر ، ويقال : إنه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به حجراً فكسره ، وساقهم كلهم بين يديه إلى أبي بكر ، فحملهم على بيعته ، ولم يتخلّف إلّا علي عليهالسلام وحده ، فإنّه اعتصم ببيت فاطمة عليهاالسلام ، فتحاموا إخراجه منه قسراً وقامت فاطمة عليهاالسلام إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه ، فتفرقوا وعلموا أنه بمفرده لا يضرّ شيئاً فتركوه.
وقيل : إنّهم أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي بكر فبايعه ، وقد روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري كثيراً من هذا (٢).
_____________________
١ ـ المصدر نفسه ٢ : ٢١.
٢ ـ تاريخ الطبري ٣ : ١٩٩ ، وما بعده.
فأمّا حديث التحريق وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة ، وقول من قال إنهم أخذوا علياً عليهالسلام يقاد بعمامته والناس حوله ، فأمر بعيد والشيعة تنفرد به ، على أنّ جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه ، وسنذكر ذلك.
النص الثالث : قال (١) : فأما امتناع علي عليهالسلام من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه ، فقد ذكره المحدثون ورواه أهل السير ، وقد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب ، وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين ، وقد ذكر غيره من هذا النحو ما لا يحصى كثرة.
فأمّا الأمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من إرسال قنفذ إلى بيت فاطمة عليهاالسلام ، وأنّه ضربها بالسوط فصار في عضدها كالدملج وبقي أثره إلى أن ماتت ، وأنّ عمر أضغطها بين الباب والجدار ، فصاحت يا أبتاه يا رسول الله ، وألقت جنيناً ميتاً ، وجُعل في عنق علي عليهالسلام حبل يقاد به وهو يعتلّ ، وفاطمة خلفه تصرخ وتنادي بالويل والثبور ، وابناه حسن وحسين معهما يبكيان ، وأنّ علياً لما أحضر ساموه البيعة فامتنع فتهدد بالقتل ، فقال : اذن تقتلون عبد الله وأخا رسول الله ، فقالوا : أما عبد الله فنعم وأما أخو رسول الله فلا ، وأنّه طعن فيهم في أوجههم بالنفاق ، وسطر صحيفة الغدر التي اجتمعوا عليها ، وبأنّهم أرادوا أن ينفروا ناقة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة العقبة ، فكلّه لا أصل له عند أصحابنا ، ولا يثبته أحد منهم ، ولا رواه أهل الحديث ولا يعرفونه ، وإنما هو شيء تنفرد الشيعة بنقله.
النص الرابع : قال (٢) وهو يذكر خبر السقيفة عن الجوهري إلى أن قال : وكثر الناس على أبي بكر ، فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم ، واجتمعت بنو هاشم
_____________________
١ ـ شرح النهج ٢ : ٥٩ ـ ٦٠.
٢ ـ المصدر نفسه ٦ : ١١ ـ ١٣.
إلى بيت علي بن أبي طالب ، ومعهم الزبير ، وكان يعدّ نفسه رجلاً من بني هاشم ، كان علي يقول : ما زال الزبير منّا أهل البيت حتى نشأ بنوه فصرفوه عنّا.
واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان ، واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبد الرحمن ، فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة ، فقال : ما لي أراكم ملتاثين ؟ قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايع له الناس وبايعه الأنصار ، فقام عثمان ومن معه ، وقام سعد وعبد الرحمن ومن معهما فبايعوا أبا بكر.
وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة ، منهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم فقال لهم : انطلقوا فبايعوا ، فأبوا عليه ، وخرج إليهم الزبير بسيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب ، فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ، ثم انطلقوا به وبعلي ومعهما بنو هاشم ، وعلي يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله حتى انتهوا به إلى أبي بكر ، فقيل له : بايع ، فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله ، فأعطوكم المقادة ، وسلّموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ، وإلا فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال عمر : إنّك لست متروكاً حتى تبايع ، فقال له علي : احلب يا عمر حلباً لك شطره ، أشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غداً ، ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه ، فقال أبو بكر : فإن لم تبايعني لم أكرهك ، فقال أبو عبيدة : يا أبا الحسن إنك حديث السن ، وهؤلاء مشيخة قريش قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالاً له واضطلاعاً به ، فسلّم له هذا الأمر وارض به ، فإنّك إن تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الامر خليق وبه حقيق ، في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك.
فقال علي : يا معشر المهاجرين ، الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن ـ أهل البيت ـ أحق بهذا الأمر منكم ، أما كان منّا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بالسنّة ، المضطلع بأمر الرعية ، والله إنه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بُعداً.
فقال بشير بن سعد : لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان ، ولكنهم قد بايعوا ، وانصرف علي إلى منزله ولم يبايع ، ولزم بيته حتى ماتت فاطمة فبايع.
قلت : ـ والقائل هو ابن أبي الحديد ـ : هذا الحديث يدل على بطلان ما يدعى من النص على أمير المؤمنين وغيره ، لأنه لو كان هناك نص صريح لاحتج به ، ولم يجر للنص ذكر ، وإنما كان الاحتجاج منه ومن أبي بكر ومن الأنصار بالسوابق والفضائل والقرب ، فلو كان هناك نص على أمير المؤمنين أو على أبي بكر لاحتج به أبو بكر أيضاً على الأنصار ، ولاحتج به أمير المؤمنين على أبي بكر ، فإنّ هذا الخبر وغيره من الأخبار المستفيضة ، يدل على أنه قد كان كاشفهم وهتك القناع بينه وبينهم ، ألا تراه كيف نسبهم إلى التعدي عليه وظلمه ، وتمنّع من طاعتهم وأسمعهم من الكلام أشده وأغلظه ، فلو كان هناك نص لذكره أو ذكره بعض من كان من شيعته وحزبه ، لأنّه لا عطر بعد عروس.
وهذا أيضاً يدل على أنّ الخبر المروي في أبي بكر في صحيحي البخاري ومسلم غير صحيح ، وهو ما روي من قوله عليهالسلام لعائشة في مرضه : ( ادعي لي أباك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً فإنّي أخاف أن يقول قائل ، أو يتمنى متمنٍ ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ) وهذا هو نص المعتزلة.
النص الخامس : قال (١) : ويقال : انّه عليهالسلام لما استنجد بالمسلمين عقيب يوم السقيفة وما جرى فيه ، وكان يحمل فاطمة عليهاالسلام ليلاً على حمار ، وابناها بين يدي الحمار ، وهو عليهالسلام يسوقه ، فيطرق بيوت الأنصار وغيرهم ، ويسألهم النصرة والمعونة ، أجابه أربعون رجلاً فبايعهم على الموت ، وأمرهم أن يصبحوا بكرة محلّقي رؤوسهم ومعهم سلاحهم ، فأصبح لم يوافقه منهم إلّا أربعة : الزبير والمقداد وأبو ذر وسلمان.
ثم أتاهم من الليل فناشدهم ، فقالوا : نصبّحك غدوة ، فما جاء منهم إلّا الأربعة ، وكذلك في الليلة الثالثة ، وكان الزبير أشدهم له نصرة ، وأنفذهم في طاعته بصيرة ، حلق رأسه وجاء مراراً وفي عنقه سيفه ، وكذلك الثلاثة الباقون ، إلّا أنّ الزبير هو كان الرأس فيهم.
النص السادس : قال (٢) : في شرح قول الإمام عليهالسلام :
« اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْش ، فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي ، وَأَكْفَأُوا إِنَائِي ، وَأجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي ، وَقَالُوا : أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ ، وَفِي الحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً ، أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً. فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ ، وَلاَ ذَابٌّ وَلَا مُسَاعِدٌ ، إلَّا أَهْلَ بَيْتِي ، فَضَنْنتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ ، فَأَغْضَيْتُ عَلَى القَذى ، وَجَرعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا ، وَصَبَرْتُ مِنْ كَظْم الغَيْظِ عَلى أَمَرَّ مِنَ العَلْقَمِ ، وَآلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْز ِالشِّفَار ».
واعلم أنّ هذا الكلام قد نُقل عن أمير المؤمنين عليهالسلام ما يناسبه ، ويجري مجراه ، ولم يؤرّخ الوقت الذي قاله فيه ، ولا الحال التي عناها به ، وأصحابنا يحملون ذلك على أنّه عليهالسلام قاله عَقِيب الشّورى وبيعة عثمان ، فإنه ليس يرتاب أحدٌ من
_____________________
١ ـ المصدر نفسه ١١ : ١٤.
٢ ـ المصدر نفسه ١١ : ١٠٩ ـ ١١٤.
أصحابنا على أنّه تظلّم وتألّم حينئذٍ ، ويكره أكثر أصحابنا حمل أمثال هذا الكلام على التألّم من يوم السقيفة.
ولقائل أن يقول لهم : أتقولون إنّ بيعة عثمان لم تكن صحيحة ؟ فيقولون : لا ، فيقال لهم : فعلى ماذا تحملون كلامه عليهالسلام ، مع تعظيمكم له وتصديقكم لأقواله ؟ فيقولون : نحمل ذلك على تألّمه منهم إذ تركوا الأولى والأفضل. فيقال لهم : فلا تكرهوا قول مَنْ يقول من الشيعة وغيرهم : إنّ هذا الكلام وأمثاله صدر عنه عقيب السقيفة ، وحملوه على أنّه تألم وتظلّم من كونهم تركوا الأولى والأفضل ، فإنكم لستم تنكرون أنّه كان الأفضل والأحق بالأمر ، بل تعترفون بذلك ، وتقولون : ساغت إمامة غيره ، وصحّت لمانع كان فيه عليهالسلام ، وهو ما غلب على ظنون العاقدين للأمر من أنّ العرب لا تطيعه ، فإنّه يخاف من فتنة عظيمة تحدث إن ولي الخلافة ؛ لأسباب يذكرونها ويعدّونها.
وقد روى كثير من المحدّثين أنّه عقيب يوم السقيفة تألّم وتظلّم ، واستنجد واستصرخ ، حيث ساموه الحضور والبيعة ، وأنّه قال وهو يشير إلى القبر : يـ ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) وأنّه قال : وا جعفراه ! ولا جعفر لي اليوم ! وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم !
وقد ذكرنا من هذا المعنى جملة صالحة فيما تقدّم ، وكلّ ذلك محمول عندنا على أنّه طلب الأمر من جهة الفضل والقرابة ، وليس بدالٍّ عندنا على وجود النصّ ، لأنّه لو كان هناك نصّ لكان أقلّ كلفةً وأسهل طريقاً ، وأيسر لما يريد تناولاً أن يقول : يا هؤلاء إنّ العهد لم يطل ، وإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمركم بطاعتي ، واستخلفني عليكم بعده ، ولم يقع منه عليهالسلام بعد ما علمتموه نصّ ينسخ ذلك ولا يرفعه ، فما الموجب لتركي ، والعدول عني !
_____________________
١ ـ الأعراف : ١٥٠.
فإن قالت الإمامية : كان يخاف القتل لو ذكر ذلك ، قيل لهم : فهلا يخاف القتل وهو يعتلّ ويدفع ليبايع ، وهو يمتنع ، ويستصرخ تارة بقبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتارة بعمّه حمزة وأخيه جعفر ـ وهما ميّتان ـ وتارة بالأنصار ، وتارة ببني عبد مناف ، ويجمع الجموع في داره ، ويبث الرسل والدعاة ليلاً ونهاراً إلى الناس ، يذكّرهم فضله وقرابته ، ويقول للمهاجرين : خَصَمْتُم الأنصار بكونكم أقرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنا أخصِمكم بما خَصَمْتُم به الأنصار ، لأنّ القرابة إن كانت هي المعتبرة ، فأنا أقرب منكم.
وهلا خاف من هذا الامتناع ، ومن هذا الاحتجاج ، ومن الخلوة في داره بأصحابه ، ومِنْ تنفير الناس عن البيعة التي عقدت حينئذٍ لمن عقدت له !
وكلّ هذا إذا تأمّله المنصِف علم أنّ الشيعة أصابت في أمرٍ ، وأخطأت في أمرٍ ، أمّا الأمرُ الذي أصابت فيه فقولها : إنه امتنع وتلكّأ ، وأراد الأمر لنفسه ، وأمّا الأمرُ الذي أخطأت فيه ، فقولها : إنّه كان منصوصاً عليه نصّاً جليّاً بالخلافة ، تعلمه الصحابة كلّها أو أكثرها ، وإنّ ذلك النص خولف طلباً للرئاسة الدنيويّة ، وإيثاراً للعاجلة ، وإنّ حال المخالفين للنصّ لا تعدو أحد أمرين : إمّا الكفر أو الفسق.
فإنّ قرائن الأحوال وأماراتها لا تدلّ على ذلك ، وإنّما تدلّ وتشهد بخلافه ، وهذا يقتضي أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان في مبدأ الأمر يظنّ أنّ العقد لغيره كان عن غير نظر في المصلحة ، وأنّه لم يقصد به إلّا صرف الأمر عنه ، والاستئثار عليه ، فظهر منه ما ظهر من الامتناع والقعود في بيته ، إلى أن صحّ عنده ، وثبت في نفسه ، أنهم أصابوا فيما فعلوه ، وأنّهم لم يميلوا إلى هوىً ، ولا أرادوا الدنيا ، وإنما فعلوا الأصلح في ظنونهم ، لأنّه رأى من بغض الناس له ، وانحرافهم عنه ، وميلهم عليه ، وثوران الأحقاد التي كانت في أنفسهم ، واحتدام النيران التي كانت في قلوبهم ، وتذكروا الترات التي وترهم فيما قبل بها ، والدماء التي سفكها منهم وأراقها.
وتعلّل طائفة أخرى منهم للعدول عنه بصغر سنّه ، واستهجانهم تقديم الشباب على الكهول والشيوخ.
وتعلّل طائفة أخرى منهم بكراهية الجمع بين النبوّة والخلافة في بيت واحد ، فيجفَخُون (١) على الناس كما قاله من قاله. واستصعاب قوم منهم شكيمته وخوفهم تعديه وشدته ، وعلمهم بأنّه لا يداجي ولا يحابي ، ولا يراقب ولا يجامل في الدين ، وأن الخلافة تحتاج إلى من يجتهد برأيه ، ويعمل بموجب استصلاحه.
وانحراف قوم آخرين عنه للحسد الذي كان عندهم له في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لشدّة اختصاصه له ، وتعظيمه إياه ، وما قال فيه فأكثر من النصوص الدالّة على رفعة شأنه وعلوّ مكانه ، وما اختصّ به من مصاهرته وإخوّته ، ونحو ذلك من أحواله معه.
وتنكر قوم آخرين له لنسبتهم إليه العُجب والتيه ، كما زعموا ، واحتقاره العرب ، واستصغاره الناس كما عددوه عليه ، وإن كانوا عندنا كاذبين ، ولكنّه قول قيل ، وأمر ذُكر ، وحال نُسبت إليه ، وأعانهم عليها ما كان يصدر عنه من أقوال تُوهم مثل هذا ، نحو قوله : « فإنّا صنائعُ ربّنا ، والناس بعد صنائع لنا » ، وما صحّ به عنده أنّ الأمر لم يكن ليستقيم له يوماً واحداً ، ولا ينتظم ولا يستمرّ ، وأنه لو ولي الأمر لفتقت العرب عليه فتقاً يكون فيه استئصال شأفة الإسلام ، وهدم أركانه ، فأذعن بالبيعة ، وجنح إلى الطاعة ، وأمسك عن طلب الإمرة ، وإن كان على مضض ورَمَضَ.
وقد روي عنه عليهالسلام أنّ فاطمة عليهاالسلام حرضته يوماً على النهوض والوثوب ، فسمع صوت المؤذّن : « أشهد أنّ محمداً رسول الله » فقال لها : « أيسرّكِ زوال هذا النداء من الأرض ! قالت : « لا » ، قال : « فإنّه ما أقول لكِ ».
_____________________
١ ـ يجفخون : يفخرون ويتكبرون ، وهذا ما صرّح به عمر في محاورة له مع ابن عباس.
وهذا المذهب هو أقصد المذاهب وأصحّها ، وإليه يذهب أصحابنا المتأخّرون من البغداديين ، وبه نقول.
واعلم أنّ حال علي عليهالسلام في هذا المعنى أشهر من أن يحتاج في الدلالة عليها إلى الاسهاب والإطناب ، فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها حين بويع بالخلافة بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بخمسٍ وعشرين سنة ، وفي دون هذه المدّة تنسى الأحقاد ، وتموت الترات ، وتبرد الأكباد الحامية ، وتسلو القلوب الواجدة ، ويعدم قرن من الناس ، ويوجد قرن ، ولا يبقى من أرباب تلك الشحناء والبغضاء إلّا الأقل.
فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش كأنّها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من إظهار ما في النفوس ، وهيجان ما في القلوب ، حتى إنّ الاخلاف من قريش ، والأحداث والفتيان اللذين لم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهم وآبائهم ، فعلوا به ما لو كانت الأسلاف أحياءً لقصرت عن فعله ، وتقاعست عن بلوغ شأوِه ، فكيف كانت تكون حاله لو جلس على منبر الخلافة ، وسيفه بعد يقطر دماً من مهج العرب ، لا سيما قريش الذين بهم كان ينبغي ـ لو دهمه خطب ـ أن يعتضد ، وعليهم كان يجب أن يعتمد ! إذن كانت تدرس أعلام الملة وتنعفي رسوم الشريعة ، وتعود الجاهلية الجهلاء على حالها ، ويفسد ما أصلحه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ثلاث وعشرين سنة في شهر واحد ، فكان من عناية الله تعالى بهذا الدين أن ألهم الصحابة ما فعلوه ، والله متمّ نوره ولو كره المشركون.
أقول : رحم الله من قال عن ابن أبي الحديد : لو أوقف خصوم أمير المؤمنين عليهالسلام بين يدي الله للحساب ، ما استطاعوا أن يعتذروا عن أنفسهم كما اعتذر عنهم ابن أبي الحديد.
وهذا غيض من فيض مما
ملأ به كتابه شرح نهج البلاغة ، وهو بحق نعم الشرح ، فهو موسوعة من خيرة الموسوعات التاريخية والأدبية بل وحتى الكلامية ،
والكتاب على حد قول المرحوم الشيخ كاشف الغطاء كما كتبه بخطه على نسخته الطبعة الحجرية : ( نعم المؤلَّف لولا عناد المؤلِّف ).
النص السابع : قال ابن أبي الحديد (١) ما يلي ـ وهذا النص حكى فيه ما قاله قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي ورد الشريف المرتضى ـ رحمهالله ـ عليه كما ساق في أوله عدّة نصوص من كتاب السقيفة للجوهري ، ونحن نذكر جميع ما ذكره بطوله لغرض اطلاع القارئ على مدى تفانيه في الدفاع عن الشيخين بما لا فائدة معه ـ فقال في شرح كلام الإمام عليهالسلام :
« بَلَى ! كَانَتْ في أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّماءُ ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ ، وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَك وَغَيْرِ فَدَك ، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَد جَدَثٌ ، تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا ، وَتَغِيبُ أخْبَارُهَا ، وَحُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا ، وَأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا ، لاَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَالْمَدَرُ ، وَسَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ ، وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْاَكْبَرِ ، وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ ».
واعلم أنّا نتكلّم في شرح هذه الكلمات بثلاثة أقسام :
القسم الأوّل : فيما ورد في الحديث والسّيَر من أمرِ فَدَك ، والقسم الثاني : في هل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يورّث أم لا ؟ ، والقسم الثالث : في أنّ فَدَك هل صحّ كونها نِحْلة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة أم لا ؟
القسم الأول : فيما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم ، لا مِنْ كتب الشيعة ورجالهم ، لأنّا مشترطون على أنفسنا ألّا نحفل بذلك ،
_____________________
١ ـ المصدر نفسه ١٦ : ٢٠٨ ـ ٢٨٥.
وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة وفَدَك ، وما وقع من الاختلاف والاضطراب عَقِب وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ وأبو بكر الجوهري هذا عالم مُحدِّث كثير الأدب ، ثقة ورع ، أثنى عليه المحدّثون ورووا عنه مصنّفاته.
قال أبو بكر : حدّثني أبو زيد عمر بن شبّة قال : حدّثنا حيّان بن بشر ، قال : حدّثنا يحيى بن آدم ، قال : أخبرنا ابن أبي زائدة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري قال : بقيت بقيّة من أهل خيبر تحصّنوا ، فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يحقن دماءهم ويُسيِّرهم ، ففعل ، فسمع ذلك أهل فَدَك فنزلوا على مثل ذلك ، وكانت للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصة ، لأنّه لم يُوجِف عليها بخيلٍ ولا رِكاب.
قال أبو بكر : وروى محمد بن إسحاق أيضاً أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهلِ فَدَك ، فبعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فصالحوه على النّصف من فَدَك ، فقَدِمتْ عليه رسلُهم بخيبر أو بالطريق ، أو بعد ما أقام بالمدينة ، فقبل ذلك منهم ، وكانت فَدَك لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خالصةً له ، لأنّه لم يوجِف عليها بخيلٍ ولا رِكاب.
قال : وقد روى أنّه صالحهم عليها كلّها ، الله أعلم أيُّ الأمرين كان.
قال : وكان مالك بن أنس يحدّث عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حَزْم أنّه صالحهم على النصف ، فلم يزل الأمر كذلك حتى أخرجهم عمر بن الخطاب وأجلاهم بعد أن عوّضهم عن النصف الذي كان لهم عوضاً من إبل وغيرها.
وقال غير مالك بن أنس : لمّا أجلاهم عمر بعث إليهم من يقوّم الأموال ، بعث أبا الهيثم بن التيهان ، وفَرْوة بن عمرو ، وحُباب بن صَخْر ، وزيد بن ثابت ، فقَوّموا أرض فَدَك ونخلَها ، فأخذها عمر ، ودفع إليهم قيمةَ النصف الذي لهم ، وكان مبلغ ذلك خمسين ألف درهم ، أعطاهم إيّاها من مالٍ أتاه من العراق ، وأجلاهم إلى الشام.
قال أبو بكر : فحدّثني محمد بن زكريا قال : حدّثني جعفر بن محمد بن عُمارة الكندي قال : حدّثني أبي ، عن الحسين بن صالح بن حيّ ، قال : حدّثني رجلان من بني هاشم ، عن زينب بنت علي بن أبي طالب عليهالسلام.
قال : وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ، قال أبو بكر : وحدّثني عثمان بن عمران العجيفي ، عن نائل بن نجيج بن عمير بن شَمِر ، عن جابر الجُعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهالسلام.
قال أبو بكر : وحدّثني أحمد بن محمد بن يزيد ، عن عبد الله بن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن عبد الله بن حسن بن الحسن ، قالوا جميعاً :
لمّا بلغ فاطمة عليهاالسلام إجماع أبي بكر على منعها فَدَك ، لاثتْ خِمارَها ، وأقبلت في لُمّةٍ من حَفَدَتِها ونساءِ قومها ، تطأ في ذيولها ، ما تخرم مِشْيتها مِشْية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار ، فضرب بينها وبينهم رَيْطةً بيضاء ـ وقال بعضهم : قِبْطيّة ، وقالوا : قُبْطية بالكسر والضمّ ـ ثم أنّت أنّةً أجْهَش لها القوم بالبكاء.
ثم أمهلتْ طويلاً حتى سكنوا من فورتهم ، ثم قالت : « أبتدئُ بحمْدِ مَن هو أولى بالحمد والطَّوْل والمجد ، الحمد لله على ما أنعَم ، وله الشكر بما ألهَم ». وذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها : « فاتّقوا الله حقّ تُقاتِه ، وأطيعوه فيما أمرَكم به ، فإنّما يَخشَى الله مِن عباده العلماء ، واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره من يَبتغِي في السماوات والأرض إليه الوسيلة ، ونحن وسيلتُه في خلقه ، ونحن خاصّته ، ومحلّ قدسه ، ونحن حجّته في غيبه ، ونحن ورثة أنبيائه ».
ثم قالت : « أنا فاطمة ابنة محمد ، أقول عَوْداً على بدء ، وما أقول ذلك سَرَفاً ولا شَطَطاً ، فاسمعوا بأسماع واعية ، وقلوبٍ راعية » ، ثم قالت : « ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (١) فإن تَعْزُوه تجدوه أبي دون آبائكم ، وأخا ابن عمّي دون رجالكم ».
_____________________
١ ـ التوبة : ١٢٨.
ثم ذكرت كلاماً طويلاً سنذكره فيما بعد في الفصل الثاني ، تقول في آخره : « ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (١) إيهاً معاشرَ المسلمين ، ابتُزّ إرث أبي ، أبى الله أن تَرِث يا بن أبي قُحافة أباك ولا إرِث أبي ، لقد جئت شيئاً فَرِيّاً ! فدونَكَها مخطومةً مرحولةً تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يَخسَر المُبطِلون ، ولكل نباءٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم ! ».
ثم التفتت إلى قبر أبيها ، فتمثّلت بقول هند بنت أثاثة :
قد كان بعدك أنباءٌ وهَيْنمةٌ |
|
لو كنتَ شاهدَها لم تَكثُرِ الخطبُ |
أبدتْ رجالٌ لنا نجوى صدورِهمُ |
|
لمّا قضيتَ وحالت دونَكَ الكُتُبُ |
تَجَهّمتْنا رجالٌ واستُخِفّ بنا |
|
إذ غبتَ عنّا فنحن اليومَ نُغتصَبُ |
قال : ولم ير الناس أكثر باك ولا باكيةً منهم يومئذ ، ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت : « يا معشر البقيّة ، وأعضاد الملّة ، وحَضَنة الإسلام ، ما هذه الفَتْرة عن نُصْرتي ، والوَنْية عن معونتي ، والغمزة في حقّي ، والسَّنة عن ظُلامَتي ! أما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : المرء يُحفَظ في ولده ! سرعانَ ما أحدثتم ، وعجلانَ ما أتيتم ، ألآن مات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمتّم دينه ! ها إنّ موته لَعمري خطبٌ جليلٌ استوسع وَهنُه ، واستبهم فتقُه ، وفُقِد راتقُه ، وأظلمت الأرض له ، وخَشَعت الجبال ، وأكْدَت الآمال ، اُضِيع بعدَه الحريم ، وهُتِكت الحرمة ، واُذيلت المصونة ، وتلك نازِلة أعلن بها كتاب الله قبل موته ، وأنبأكم بها قبل وفاته ، فقال : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
_____________________
١ ـ المائدة : ٥٠.
قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) (١).
إيهاً بني قَيْلة ! اهتضم تُراث أبي ، وأنتم بمرأى ومَسمَع ، تبلغكم الدعوة ، ويشملكم الصوت ، وفيكم العُدّة والعدد ، ولكم الدار والجنَن ، وأنتم نخبة الله الّتي انتخب ، وخِيرته الّتي اختار ! باديتم العَرَب ، وبادهتم الأمور ، وكافحتم البهم حتى دارت بكم رحَى الإسلام ، ودرّ حلبه ، وخبَتْ نيران الحرب ، وسكنتْ فَوْرة الشّرك ، وهدأتْ دعوة الهَرْج ، واستوثق نظام الدين ، أفتأخّرتم بعد الإقدام ، ونَكَصْتم بعد الشّدة ، وجُبنتم بعد الشجاعة ، عن قوم ( نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) (٢).
ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، ورَكَنْتم إلى الدّعة ، فجحدتم الذي وعيتم ، وسُغْتم الذي سوّغتم و ( إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) (٣) ألا وقد قلتُ لكم ما قلت على معرفة منّي بالخذْلة التي خامرتْكم ، وخَوَر القناة ، وضعف اليقين ، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ، ناقبة الخف ، باقية العار ، موسومة الشعار ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطّلع على الأفئدة ، فبعين الله ما تعملون : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (٤) ».
قال : وحدّثني محمد بن زكريا ، قال : حدّثنا محمد بن الضحّاك ، قال : حدّثنا هشام بن محمد ، عن عوانة بن الحكم قال : لمّا كلّمت فاطمة عليهاالسلام أبا بكر بما كلّمته به ، حَمِد أبو بكر الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله ثم قال : يا خَيرَة النساء ،
_____________________
١ ـ آل عمران : ١٤٤.
٢ ـ التوبة : ١٢.
٣ ـ إبراهيم : ٨.
٤ ـ الشعراء : ٢٢٧.
وابنة خير الآباء ، واللهِ ما عدوتُ رأيَ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما عملتُ إلّا بأمره ، وإنّ الرائد لا يَكذِب أهلَه ، وقد قلتِ فأبلغتِ ، وأغلظتِ فأهجرتِ ، فغَفَر الله لنا ولكِ. أمّا بعد ، فقد دفعت آلةَ رسول الله ودابّته وحذاءَه إلى علي ، وأمّا ما سوى ذلك فإنّي سمعتُ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « إنّا معاشر الأنبياء لا نُورِث ذهباً ولا فضّة ولا أرضاً ولا عَقاراً ولا داراً ، ولكنّا نورث الإيمان والحكمة والعِلم والسنّة » فقد عملت بما أمرني ، ونصحت له وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب.
قال أبو بكر : وروى هشام بن محمد ، عن ابيه قال : قالت فاطمة لأبي بكر : إنّ أمّ أيمن تشهد لي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطاني فَدَك ، فقال لها : يا ابنة رسول الله ، والله ما خلق الله خلقاً أحب إليّ من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبيك ، ولوددت أنّ السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك ، والله لإن تفتقر عائشة أحبّ إليّ من أن تفتقري ، أتراني أعطي الأحمر والأبيض حقّه وأظلمكِ حقّكِ ، وأنت بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إنّ هذا المال لم يكن للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنّما كان مالاً من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال ، وينفقه في سبيل الله ، فلما توفي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وليته كما كان يليه.
قالت : والله لا كلّمتكَ أبداً ! قال : والله لا هجرتكِ أبداً ؛ قالت : والله لأدعونّ الله عليكَ ؛ قال : والله لأدعون الله لكِ ، فلمّا حضرتها الوفاة أوصت ألّا يصلّي عليها ، فدفنت ليلاً ، وصلى عليها عباس بن عبد المطلب ، وكان بين وفاتها ووفاة أبيها اثنتان وسبعون ليلة.
قال أبو بكر :
وحدّثني محمد بن زكريا قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول قال : فلما سمع أبو بكر خطبتها شقّ عليه مقالتها ، فصعد المنبر
وقال : أيّها الناس ، ما هذه الرّعة إلى كل قالة ! أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألا مَن سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلّم
، إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه ، مُرِبٌّ لكلّ فتنة ، هو الذي يقول : كرّوها جذعة بعد ما هرمت ، يستعينون بالضعفة ، ويستنصرون
بالنساء ، كأمّ طِحال أحبّ أهلها إليها البغي ، ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقُلتُ ، ولو قلتُ لبحتُ ، إني ساكت ما تركت ، ثم التفت إلى الأنصار فقال : قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم ، وأحق من لزم عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، ألا إنّي لستُ باسطاً يداً ولا لساناً على مَنْ لم يستحقّ ذلك منّا.
ثم نزل ؛ فانصرفت فاطمة عليهاالسلام إلى منزلها.
قال ابن أبي الحديد : قلت : قرأتُ هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له : بمن يعرض ؟ فقال : بل يصرّح ، قلتُ : لو صرّح لم أسألك ، فضحك وقال : بعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، قلت : هذا الكلام كله لعليّ يقول ؟! قال : نعم ، إنّه المُلك يا بنيّ.
قلت : فما مقالة الأنصار ؟ قال : هتفوا بذكر عليٍّ فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم.
قال أبو بكر : وحدّثني محمد بن زكريا ، قال : حدّثني ابن عائشة ، قال : حدّثني أبي ، عن عمّه قال : لمّا كلمت فاطمة أبا بكر بكى ثم قال : يا ابنة رسول الله ، والله ما ورّث أبوك ديناراً ولا درهماً ، وإنّه قال : انّ الأنبياء لا يورّثون ، فقالت : إنّ فَدَك وهبها لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : فمن يشهد بذلك ؟
فجاء علي بن أبي طالب عليهالسلام فشهد ، وجاءت أمّ أيمن فشهدت أيضاً ، فجاء عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف فشهدا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقسمها ، قال أبو بكر : صدقتِ يا ابنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وصدق علي ، وصدقت أم أيمن ، وصدق عمر ، وصدق عبد الرحمن بن عوف ، وذلك أن مالك لأبيك ، كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأخذ من فَدَك قوتكم ، ويقسم الباقي ، ويحمل منه في سبيل الله ، فما تصنعين بها ؟ قالت : أصنع بها كما يصنع بها أبي ؛ قال : فلك عليَّ الله أن أصنع فيها كما يصنع فيها أبوك ، قالت : الله لتفعلنّ ؟ قال : الله لأفعلنّ ، قالت : اللّهمّ اشهد.
وكان أبو بكر يأخذ غلّتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم ، ويقسم الباقي ، وكان عمر كذلك ، ثم كان عثمان كذلك ، ثم كان علي كذلك ، فلمّا ولي الأمر معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثها ، وأقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها ، وأقطع يزيد بن معاوية ثلثها ، وذلك بعد موت الحسن بن علي عليهالسلام ؛ فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلّها لمروان بن الحكم أيام خلافته ، فوهبها لعبد العزيز ابنه ، فوهبها عبد العزيز لابنه عمر بن عبد العزيز ، فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ، كانت أوّل ظُلامة ردّها دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام ـ وقيل : بل دعا علي بن الحسين عليهالسلام ـ فردّها عليه.
وكانت بيد أولاد فاطمة عليهاالسلام مدّة ولاية عمر بن عبد العزيز ، فلمّا ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم ، فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها ، حتى انتقلت الخلافة عنهم ، فلمّا ولي أبو العباس السفّاح ردّها على عبد الله بن الحسن بن الحسن ، ثم قبضها أبو جعفر لمّا حدث من بني حسن ما حدث ، ثم ردّها المهدي ابنه على ولد فاطمة عليهاالسلام ، ثم قبضها موسى بن المهدي وهارون أخوه ، فلم تزل في أيديهم حتى ولي المأمون ، فردّها على الفاطميين.
قال أبو بكر : حدّثني محمد بن زكريا قال : حدّثني مهدي بن سابق قال : جلس المأمون للمظالم ، فأوّل رقعة وقعت في يده نظر فيها وبكى ، وقال للذي على رأسه : ناد أين وكيل فاطمة ؟ فقام شيخ عليه دُرّاعة وعمامة وخفّ تِعزّي ، فتقدّم فجعل يناظره في فدك والمأمون يحتج عليه وهو يحتج على المأمون ، ثم أمر أن يسجل لهم بها ، فكتب السجل وقرئ عليه ، فأنفذه ، فقام دِعْبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أوّلها :
أصبَحَ وجهُ الزّمان قد ضَحِكا |
|
بردّ مأمونِ هاشم فَدَكَا |
فلم تزل في أيديهم
حتى كان في أيام المتوكل ، فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار ، وكان فيها إحدى عشرة نخلةً غرسها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيده ، فكان بنو فاطمة
يأخذون ثمرها ، فإذا قدم الحُجاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم ، فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل ، فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر ، وجّه رجلاً يقال له بشران بن أبي أميّة الثقفي إلى المدينة فصرمه ، ثم عاد إلى البصرة ففلج.
قال أبو بكر : أخبرنا أبو زيد عمر بن شبّة قال : حدّثنا سويد بن سعيد والحسن بن عثمان قالا : حدّثنا الوليد بن محمد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهي حينئذٍ تطلب ما كان لرسول الله بالمدينة وفَدَك ، وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : « لا نُورَث ما تركناه صدقة » ، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال ، وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته فلم تكلمه حتى توفّيت ، وعاشت بعد أبيها ستة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها علي عليهالسلام ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر.
قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد قال : حدّثنا إسحاق بن إدريس ، قال : حدّثنا محمد بن أحمد ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهما حينئذٍ يطلبان أرضه بفدك وسهمه بخيبر ، فقال لهما أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : « لا نورث ، ما تركنا صدقة » ، إنّما يأكل آل محمد صلىاللهعليهوسلم من هذا المال ، وإنّي والله لا أغيّر أمراً رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصنعه إلّا صنعته ، قال : فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتى ماتت.
قال أبو بكر :
وأخبرنا أبو زيد قال : حدّثنا عمر بن عاصم ، وموسى بن إسماعيل قال : حدّثنا حماد بن سلمة ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن أمّ هانئ ، أنّ فاطمة
قالت لأبي بكر : من يرثك إذا متّ ؟ قال : ولدي وأهلي ؛ قالت : فما لك ترث رسول الله صلىاللهعليهوسلم دوننا ؟ قال : يا ابنة رسول الله ، ما ورث أبوك داراً ولا مالاً ولا ذهباً ولا فضة ، قالت : بلى سهم الله الذي جعله لنا ، وصار فيئنا الذي بيدك ، فقال لها : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : « إنّما هي طعمة أطعمناها الله ، فإذا متّ كانت بين المسلمين ».
قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدّثنا محمد بن الفضل ، عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل قال : أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أم أهله ؟ قال : بل أهله ؛ قالت : فما بال سهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؟ قال : إنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : « إنّ الله أطعم نبيّه طعمة » ، ثم قبضه ، وجعله للذي يقوم بعده ، فوليت أنا بعده ، أن أرده على المسلمين ، قالت : أنت وما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعلم.
قلت : في هذا الحديث عجب ، لأنّها قالت له : أنت ورثت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أم أهله ؟ قال : بل أهله ؛ وهذا تصريح بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم موروث يرثه أهله ، وهو خلاف قوله : « لا نورث ». وأيضاً فإنّه يدل على أنّ أبا بكر استنبط من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الله أطعم نبياً طعمة أن يُجرى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند وفاته مجرى ذلك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو يكون قد فهم أنه عني بذلك النبي المنكر لفظاً نفسه ، كما فهم من قوله في خطبته : إنّ عبداً خيّره الله بين الدنيا وما عند ربه ، فاختار ما عند ربه ، فقال أبو بكر : بل نفديك بأنفسنا.
قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد قال : أخبرنا القعنبي قال : حدّثنا عبد العزيز بن محمد ، عن محمد بن عمر ، عن أبي سلمة ، أنّ فاطمة طلبت فَدَك من أبي بكر ، فقال : إنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : « إنّ النبي لا يورث » ، من كان النبي يعوله فأنا أعوله ، ومن كان النبي صلىاللهعليهوسلم ينفق عليه فأنا أنفق عليه ، فقالت : يا أبا بكر ، أيرثك بناتك ولا يرث رسول الله صلىاللهعليهوسلم بناته ؟ فقال : هو ذاك.
قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن الزبير قال : حدّثنا فضيل بن مرزوق قال : حدّثنا البحتري بن حسان قال : قلت لزيد بن علي عليهالسلام وأنا أريد أن أهجّن أمر أبي بكر : إن أبا بكر انتزع فَدَك من فاطمة عليهاالسلام ، فقال : إنّ أبا بكر كان رجلاً رحيماً ، وكان يكره أن يغيّر شيئاً فعله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأتته فاطمة فقالت : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطاني فَدَك ، فقال لها : هل لك على هذا بيّنة ؟ فجاءت بعلي عليهالسلام ، فشهد لها ، ثم جاءت أم أيمن فقالت : ألستما تشهدان أنّي من أهل الجنة ؟ قالا : بلى ـ قال أبو زيد : يعني أنّها قالت لأبي بكر وعمر ـ قالت : فأنا أشهد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطاها فَدَك ، فقال أبو بكر : فرجل آخر أو امرأة أخرى لتستحقي بها القضيّة ، ثم قال أبو زيد : وأيم الله لو رجع الأمر إليّ لقضيت فيها بقضاء أبي بكر.
قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد قال : حدّثنا محمد بن الصباح قال : حدّثنا يحيى بن المتوكل أبو عقيل ، عن كثير النوال قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي عليهالسلام : جعلني الله فداك ! أرأيت أبا بكر وعمر ، هل ظلماكم من حقّكم شيئاً ـ أو قال : ذهبا من حقّكم بشيء ؟ ـ فقال : لا ، والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، ما ظلمنا من حقنا مثقال حبّة من خردل ؛ قلت : جعلت فداك أفأتولاهما ؟ قال : نعم ويحك ، تولّهما في الدنيا والآخرة ، وما أصابك ففي عنقي ، ثم قال : فعل الله بالمغيرة وبُنَان ، فإنّهما كذبا علينا أهل البيت.
قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد قال : حدّثنا عبد الله بن نافع والقعنبيّ ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أردن لمّا توفي أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهنّ ـ أو قال ثمنهنّ ـ قالت : فقلت لهنّ : أليس قد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا نورث ، ما تركنا صدقة ».
قال أبو بكر :
وأخبرنا أبو زيد ، قال : حدّثنا عبد الله بن نافع والقعنبي وبشر بن عمر ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : قال :