إختيار معرفة الرّجال - ج ٢

السيّد محمّد باقر الحسيني الاسترآبادي

إختيار معرفة الرّجال - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد باقر الحسيني الاسترآبادي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

فبقي يضحك ابو عبد الله عليه‌السلام حتى بدت نواجذه.

______________________________________________________

وفي الصحاح : ما رمت فلانا ، وما رمت من عند فلان بمعنى (١).

« ولا يحلى » بضم ياء المضارعة من باب الافعال من الحلاوة.

وكذلك « ولا يمري » بضم الياء واسكان الميم والياء بعد الراء افعالا من المرارة ، وأصله لا يمر بكسر الميم وتشديد الراء ، فابدلت أخيرة الرائين ياء واسكنت الميم تحفظا لصنعة الازدواج والمشاكلة.

قال في القاموس : ما يمر وما يحلي ما يتكلم بمر ولا حلو ولا يفعل مرا ولا حلوا ، فان نفيت عنه أن يكون مرا مرة وحلوا أخرى (٢).

قلت : ما يمر ولا يحلو يعني تفتح فيهما حرف المضارعة ، وبكسر الميم في الاولى وتضم اللام في الثانية.

فاذن معنى الكلام : كلمه أبو الحكم هشام بن الحكم ، فأفحمه وتركه بحيث لا يرضى أن يدع المناظرة ويريم ويبرح عنها ، ولا يستطيع أن يتكلم بحلو ولا بمر أصلا ، فظل مخصوما ، مغلوبا متحيرا مبهوتا ، فهنا لك حصحص الحق فليعلم.

قوله : فبقى‌

اما بالباء الموحدة والقاف المفتوحة من بقاه يبقيه ، بمعنى انتظره وترصده وترقبه ، أو نظر اليه ورصده ورقبه ، ومنه في الحديث « بقينا رسول الله » بفتح القاف أي انتظرناه ورقبناه.

وفي حديث ابن عباس وصلاة الليل « فبقيت كيف يصلي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وفي رواية « كراهة أن يرى أني كنت أبقيه » بفتح همزة المتكلم أي أنظر اليه وأرصده قاله ابن الاثير وغيره (٣).

__________________

(١) الصحاح : ٥ / ١٩٣٩‌

(٢) القاموس : ٤ / ٣١٩‌

(٣) نهاية ابن الاثير : ١ / ١٤٧‌

١٤١

فقال الشامي : كأنك أردت أن تخبرني أن في شيعتك مثل هؤلاء الرجال؟ قال : هو ذاك ، ثم قال : يا أخا أهل الشام أما حمران : فحزقك فحرت له فغلبك بلسانه‌

______________________________________________________

فالمعنى : فانتظر أبا عبد الله عليه‌السلام وترصده وترقبه ما يقول.

واما بالتاء المثناة من فوق والغين المعجمة ، أي فأراد الشامي أن يضحك من التعجب فضبط نفسه وأخفى ضحكه ، فغلبه الضحك فضحك أبو عبد الله عليه‌السلام.

قال في القاموس : تغت الجارية الضحك اذا أرادت أن تخفيه ويغالبها والتغا ك‍ « الى » الضحك العالي (١).

قوله (ع) : أما حمران فحزقك فحرت له‌

اما بالحاء المهملة والقاف من حاشيتي الزاء ، أي شدك بحبل الجدل في المناظرة وضغتك وقطعك وضيق عليك المخرج.

قال في الصحاح : حزقته بالحبل أحزقه حزقا شددته ، والحازق الذي ضاق عليه خفه (٢).

وفي القاموس : حزق الرجل عصبه والشي‌ء عصره وضغطه وشده ، والحازق من ضاق عليه خفه فحزق رجله أي ضغطها فاعل بمعنى مفعول (٣).

واما باعجام الخاء قبل الراء والقاف بعدها من الخرق بالتحريك يعني بهتك وأعجزك.

في القاموس : الخرق محركة الدهش من خوف أو حياء ، أو أن يبهت فاتحا عينيه ينظر ، وأن يفرق الغزال فيعجز عن النهوض ، والطائر فلا يقدر على الطيران (٤).

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٣٠٦‌

(٢) الصحاح : ٤ / ١٤٥٩‌

(٣) القاموس : ٢ / ٢٢١‌

(٤) القاموس : ٣ / ٢٢٦‌

١٤٢

وسألك عن حرف من الحق فلم تعرفه ، وأما أبان بن تغلب : فمغث حقا بباطل فغلبك وأما زرارة : فقاسك فغلب قياسه قياسك ، واما الطيار : فكان كالطير يقع ويقوم ، وأنت كالطير المقصوص لا نهوض لك ، وأما هشام بن سالم : فاحس أن يقع ويطير وأما هشام بن الحكم : فتكلم بالحق فما سوغك بريقك.

يا أخا أهل الشام ان الله أخذ ضغثا من الحق وضغثا من الباطل فمغثهما ثم أخرجهما الى الناس ، ثم بعث أنبياء يفرقون بينهما ففرقها الانبياء والاوصياء ، وبعث‌

______________________________________________________

« فحرت له » بضم الحاء المهملة واسكان الراء وفتح التاء للخطاب ، من الحور بمعنى الرجوع ، والمحاورة والحوار مراجعة النطق والمجاوبة ، والتحاور التجاوب وتحاوروا تراجعوا الكلام ، والمحار المرجع ، وكلمته فما أحار إلي جوابا أي ما أرجع إلي. أو بكسر الحاء من الحيرة والتحير.

قال في المغرب : وفعلها من باب لبس.

قوله (ع) : فمغث حقا بباطل‌

باعجام الغين بين الميم والثاء المثلثة.

قال في مجمل اللغة : مغثت الدواء مثل مرثته ، وكذلك مرسته والاستراس الدنو من الشي‌ء واللزوق به ، وامترست الالسن في الخصومات اذا أخذ بعضها بعضا ، وتمرس بالشي‌ء احتك به ، ومرس الصبي ثدي أمه يمرسه.

قوله (ع) : فأحس أن يقع ويطير‌

بفتح الهمزة على صيغة المعلوم ، أي أحس من نفسه ذلك ، أو بضمها على البناء للمجهول ، أي أحس ذلك منه ، وفي التنزيل الكريم ( فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) (١).

__________________

(١) سورة آل عمران : ٥٢‌

١٤٣

الله الانبياء ليعرفوا ذلك ، وجعل الانبياء قبل الاوصياء ليعلم الناس من يفضل الله ومن يختص.

ولو كان الحق على حدة والباطل على حدة كل واحد منهما قائم بشأنه ما احتاج الناس الى نبي ولا وصي ، ولكن الله خلطهما وجعل تفريقهما الى الانبياء والائمة عليهم‌السلام من عباده ، فقال الشامي : قد أفلح من جالسك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجالسه جبرائيل وميكائيل واسرافيل يصعد الى السماء فيأتيه بالخبر من عند الجبار فان كان ذلك كذلك فهو كذلك.

فقال الشامي : اجعلني من شيعتك وعلمني! فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا هشام علمه فاني أحب أن يكون تلماذا لك.

قال علي بن منصور وأبو مالك الحضرمي : رأينا الشامي عند هشام بعد موت أبي عبد الله عليه‌السلام ، ويأتي الشامي بهدايا أهل الشام وهشام يزوده هدايا أهل العراق.

قال علي بن منصور : وكان الشامي ذكي القلب.

٤٩٥ ـ محمد بن مسعود العياشى ، قال : حدثني جعفر ، قال : حدثني العمركي قال : حدثني الحسين بن أبي لبابة ، عن داود أبي هشام الجعفري ، قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في هشام بن الحكم؟ فقال : رحمه‌الله ما كان أذبه عن هذه الناحية.

______________________________________________________

قوله : الحسين بن أبى لبابه‌

بخط السيد جمال الدين أحمد بن طاوس نور الله مرقده « أبي لبابه » باللام وباءين موحدتين من حاشيتي الالف. وكذلك حكاه بعض الشهداء المتأخرين في حاشية الخلاصة عن خطه.

والذي يقوى به الظن أن الحسين بن أبي لبابة هو الحسين بن اسكيب بالسين المهملة أو المعجمة بين الهمزة والكاف ، العالم الفاضل المتكلم المصنف الخراساني المروزي خادم القبر ، وهو من أصحاب مولانا العسكري عليه‌السلام.

١٤٤

٤٩٦ ـ محمد بن نصير ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين ابن سعيد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : أما كان لكم في أبي الحسن عليه‌السلام عظة ما ترى حال هشام بن الحكم؟ فهو الذي صنع بأبي الحسن ما صنع وقال لهم وأخبرهم ، أترى الله يغفر له ما ركب منا.

٤٩٧ ـ علي بن محمد ، قال : حدثني محمد بن أحمد ، عن العباس بن معروف عن أبي محمد الحجال ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضا عليه‌السلام قال : ذكر الرضا عليه‌السلام العباسي ، فقال : هو من غلمان أبي الحارث يعني يونس بن عبد الرحمن ، وأبو الحارث من غلمان هشام ، وهشام من غلمان أبي شاكر الديصاني ، وأبو شاكر زنديق.

______________________________________________________

قوله : العباسى‌

واسمه هشام أو هاشم بن ابراهيم على ما قد أسلفناه في الحواشي.

قوله (ع) : وهشام من غلمان أبى شاكر الديصانى‌

وحكى السيد جمال الدين بن طاوس رحمه الله تعالى أيضا عن كتاب أحمد ابن أبي عبد الله البرقي ، أنه قال : هشام بن الحكم مولى بني شيبان ، كوفي تحول من الكوفة الى بغداد ، وكنيته أبو محمد ، وفي كتاب سعد له كتاب ، وكان من غلمان أبي شاكر الزنديق ، وهو جسمي ردي.

قلت : كون أبي شاكر زنديقا وهو من تلاميذه لا يوجب غمزا فيه ، « فان الحكمة ضالة المؤمن تؤخذ حيث وجدت » كما أورده الحسن بن داود رحمه‌الله في كتابه (١) ونسبة القول بالتجسيم اليه مما ليس هو بثابت.

قال السيد الشريف المرتضى علم الهدى ذو المجدين رضوان الله تعالى عليه في كتابه الشافي ، ذابا عن هشام بن الحكم ما هذا أليفاظه.

فأما ما رمي به هشام بن الحكم رحمه‌الله من القول بالتجسيم ، فالظاهر من‌

__________________

(١) رجال ابن داود ص ٣٦٧‌

١٤٥

٤٩٨ ـ علي بن محمد ، قال : حدثني محمد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال ، قال أبو الحسن عليه‌السلام : ايت هشام بن الحكم فقل له : يقول لك أبو الحسن : أيسرك أن تشرك في دم امرء مسلم فاذا قال لا ، فقل له : ما بالك شركت في دمي؟

______________________________________________________

الحكاية عنه القول بجسم لا كالأجسام ، ولا خلاف في أن هذا القول ليس بتشبيه ولا ناقض لأصل ولا معترض على فرع ، وأنه غلط في عبارة يرجع في اثباتها ونفيها الى اللغة.

وأكثر أصحابنا يقولون أورد ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة ، فقال لهم : اذا قلتم ان القديم تعالى شي‌ء لا كالأشياء ، فقولوا أنه جسم لا كالأجسام ، وليس كل من عارض بشي‌ء وسأل عنه يكون معتقدا له ومتدينا به ، وقد يجوز أن يكون قصد به الى استخراج جوابهم عن هذه المسألة ومعرفة ما عندهم فيها ، أو الى أن يبين قصورهم عن ايراد المرضى في جوابها الى غير ذلك مما يتسع ذكره انتهى قوله بألفاظه.

ثم ذكر رضوان الله عليه عدة روايات يتضمن ثناء الصادق عليه‌السلام عليه ، ثم بعد ذلك قال. وما قدمناه من الاخبار المروية عن الصادق عليه‌السلام ، وما كان يظهر من اختصاصه به وتقريبه إياه واجتبائه من بين صحابته ، يبطل كل ذلك ويزيف ثقافة راويه انتهى.

وكذلك علامة الاقوام من علماء العامة محمد بن عبد الكريم الشهرستاني قال في كتاب الملل والنحل بهذه العبارة : الهشامية أصحاب هشام بن الحكم صاحب المقالة في التشبيه ، وهشام بن سالم الجواليقي الذمي نسيح على منواله في التشبيه. وكان هشام بن الحكم من متكلمي الشيعة ، وجرت بينه وبين أبي الهذيل مناظرات في علم الكلام ، منها في التشبيه ، ومنها في تعلق علم الباري تعالى.

حكى ابن الراوندي عن هشام أنه قال : ان بين معبوده وبين الاجسام تشابها‌

١٤٦

٤٩٩ ـ علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي علي بن راشد ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام قال ، قلت : جعلت فداك قد اختلف أصحابنا ، فأصلى خلف أصحاب هشام بن الحكم؟ قال : عليك بعلي بن حديد ، قلت : فآخذ بقوله؟ قال : نعم فلقيت علي بن حديد فقلت له : نصلي خلف أصحاب هشام بن الحكم؟ قال : لا.

______________________________________________________

ما بوجه من الوجوه ، ولو لا ذلك لما دلت عليه الدلائل.

وحكى الكعبي أنه قال : هو ذو جسم (١) ، له قدر من الاقدار ولكن لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شي‌ء.

ومن مذهب هشام أنه تعالى لم يزل عالما بنفسه ، ويعلم الاشياء بعد كونها بعلم ، لا يقال فيه : محدث أو قديم لأنه صفة والصفة لا توصف ، ولا يقال فيه : هو هو أو غيره أو بعضه.

وليس قوله في القدرة والحياة كقوله في العلم ، لأنه لا يقول بحدوثهما ، قال : ويريد الاشياء وارادته حركة ليست عين الله ولا هي غيره.

وقال في كلام الباري تعالى : أنه صفة لله تعالى لا يجوز ان يقال : هو مخلوق ولا غير مخلوق.

ثم قال : وهشام بن الحكم هذا صاحب غور في الاصول ، لا يجوزان يغفل عن الزاماته على المعتزلة ، فان الرجل وراء ما يلزم به على الخصم ودون ما يظهره من التشبيه.

وذلك أنه ألزم على العلاف فقال : انك تقول الباري تعالى عالم بعلم وعلمه ذاته ، فيشارك المحدثات في أنه عالم بعلم ، ويباينها في أن علمه ذاته ، فيكون عالما لا كالعالمين فلم لا تقول : هو جسم لا كالأجسام ، وصورة لا كالصور ، وله قدر لا كالأقدار الى غير ذلك انتهى كلامه (٢).

__________________

(١) وفي المصدر : هو جسم ذو أبعاض.

(٢) الملل والنحل : ١٨٥ ـ ١٨٦.

١٤٧

٥٠٠ ـ علي بن محمد ، قال : حدثني محمد بن موسى الهمداني ، عن الحسن ابن موسى الخشاب ، عن غيره ، عن جعفر بن محمد بن حكيم الخثعمي ، قال : اجتمع هشام بن سالم ، وهشام بن الحكم ، وجميل بن دراج ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، ومحمد بن حمران ، وسعيد بن غزوان ، ونحو من خمسة عشر رجلا من أصحابنا ، فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التوحيد وصفة الله عز وجل وغير ذلك لينظروا أيهما أقوى حجة.

فرضي هشام بن سالم أن يتكلم عند محمد بن أبي عمير ، ورضي هشام بن الحكم أن يتكلم عند محمد بن هشام ، فتكالما وساق ما جرى بينهما.

وقال ، قال عبد الرحمن بن الحجاج لهشام بن الحكم : كفرت والله بالله العظيم وألحدت فيه ، ويحك ما قدرت أن تشبه بكلام ربك الا العود يضرب به! قال جعفر ابن محمد بن حكيم ، فكتب الى أبي الحسن موسى عليه‌السلام يحكي له مخاطبتهم وكلامهم ويسأله أن يعلمه ما القول الذي ينبغى ندين الله به من صفه الجبار؟ فأجابه في عرض كتابه.

فهمت رحمك الله واعلم رحمك الله ان الله أجل وأعلى وأعظم من أن يبلغ كنه صفته فصفوه بما وصف به نفسه ، وكفوا عما سوى ذلك.

______________________________________________________

قوله : ما القول الذى ينبغى ندين الله به‌

« ندين » بفتح النون للمتكلم مع الغير وكسر الدال ، من دان بكذا يدين به ديانة ، اذا اعتقده واختاره واتخذه دينا وملة ومذهبا لنفسه من بين الاديان والملل.

ونصب « الله » على المفعولية أو على نزع الخافض ، اي ما القول الذي ينبغي أن نتخذه لنا دينا نعبد الله به من صفة الجبار ، أو الذي ينبغي لنا أن نخلصه ونجعله دينا خالصا لله وحده في صفة الجبار. ف « من » تبيينية ، أو بمعنى في ، أو عند ، او للغاية ، أو للبدل.

١٤٨

في هشام بن سالم‌

٥٠١ ـ مولى بشر بن مروان ، وكان من سبي الجوزجان كوفي ، ويقال له : الجواليقي ، ثم صار علافا.

محمد بن الحسن البراثي ، وعثمان بن حامد الكشيان ، قالا : حدثنا محمد ابن يزداد ، عن محمد بن الحسين ، عن الحجال ، عن هشام بن سالم ، قال : كلمت رجلا بالمدينة من بني مخزوم في الامامة ، قال ، فقال : فمن الامام اليوم؟ قال ، قلت : جعفر بن محمد. قال ، فقال : والله لأقولنها له ، قال : فغمني بذلك غما شديدا خوفا أن يلعني أبو عبد الله أو يتبرأ مني.

قال : فأتاه المخزومي فدخل عليه ، فجرى الحديث ، قال : فقال له مقالة هشام ، قال ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أفلا نظرت في قوله؟ فنحن لذلك أهل ، قال : فبقي الرجل لا يدري أيش يقول ، وقطع به.

قال ، فبلغ هشاما قول أبي عبد الله عليه‌السلام ففرح بذلك وانجلت غمته.

٥٠٢ ـ جعفر بن محمد ، قال : حدثني الحسن بن علي بن النعمان ، قال : حدثني أبو يحيى ، عن هشام بن سالم ، قال ، كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله عليه‌السلام أنا ومؤمن الطاق أبو جعفر ، قال ، والناس مجتمعون على أن عبد الله صاحب الامر بعد أبيه ، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس مجتمعون عند عبد الله ، وذلك أنهم رووا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن الأمر في الكبير ما لم يكن به عاهة.

فدخلنا نسأله عما كنا نسأل عنه أباه ، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ قال : في مائتين خمسة ، قلنا : ففي مائة؟ قال : درهمان ونصف درهم ، قال ، قلنا له : والله ما تقول المرجئة هذا ، فرفع يديه الى السماء ، فقال : لا والله ما ادري ما تقول المرجئة.

قال فخرجنا من عنده ضلالا لا ندري الى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الاحول ، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري الى من نقصد والى من نتوجه ،

١٤٩

نقول الى المرجئة ، الى القدرية ، الى الزيدية ، الى المعتزلة ، الى الخوارج.

قال : فنحن كذلك اذ رأيت رجلا شيخا لا اعرفه يومي إلي بيده ، فخفت أن يكون عينا من عيون أبي جعفر ، وذاك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون على من اتفق شيعة جعفر فيضربون عنقه ، فخفت أن يكون منهم.

فقلت لأبي جعفر : تنح فاني خائف على نفسى وعليك ، وانما يريدني ليس يريدك ، فتنح عني لا تهلك وتعين على نفسك ، فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ ، وذاك أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه.

فما زلت أتبعه حتى ورد بي على باب أبي الحسن موسى عليه‌السلام ثم خلاني ومضى ، فاذا خادم بالباب فقال لي : ادخل رحمك الله! قال : فدخلت فاذا ابو الحسن عليه‌السلام فقال لي ابتداء : لا الى المرجئة ، ولا الى القدرية ، ولا الى الزيدية ، ولا الى الخوارج ، إلي إلي إلي.

قال : فقلت له جعلت فداك مضى أبوك؟ قال : نعم ، قال ، قلت : جعلت فداك مضى في موت؟ قال : نعم ، قلت : جعلت فداك فمن لنا بعده؟ فقال : إن شاء الله يهديك هداك ، قلت جعلت فداك أن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه ، فقال : يريد عبد الله أن لا يعبد الله ، قال قلت له : جعلت فداك فمن لنا من بعده؟ فقال إن شاء الله أن يهديك هداك أيضا.

قلت : جعلت فداك أنت هو؟ قال : ما اقول ذلك ، قلت في نفسى : لم أصب طريق المسألة ، قال ، قلت : جعلت فداك عليك امام ، قال : لا ، فدخلني شي‌ء لا يعلمه الا الله اعظاما له وهيبة أكثر ما كان يحل بي من أبيه اذا دخلت عليه.

قلت : جعلت فداك اسألك عما كان يسأل أبوك؟ قال : سل تخبر ولا تذع ، فان اذعت فهو الذبح ، قال ، فسألته فاذا هو بحر ، قال ، قلت : جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضلال فالقي اليهم وأدعوهم إليك فقد أخذت علي بالكتمان؟ قال : من آنست منهم رشدا فألق اليهم وخذ عليهم بالكتمان ، فان اذاعوا فهو الذبح وأشار‌

١٥٠

بيده الى حلقه.

قال : فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر ، فقال لي ما وراك؟ قال : قلت الهدى ، قال ، فحدثته بالقصة ، قال : ثم لقيت المفضل بن عمر وأبا بصير ، قال : فدخلوا عليه ، فسمعوا كلامه وسألوه ، قال ثم قطعوا عليه‌السلام ثم قال : ثم لقينا الناس أفواجا ، قال : فكان كل من دخل عليه قطع عليه إلا طائفة مثل عمار وأصحابه ، فبقي عبد الله لا يدخل عليه أحد الا قليل من الناس.

قال : فلما رأي ذلك وسأل عن حال الناس ، قال : فأخبر أن هشام بن سالم صد عنه الناس ، قال : فقال هشام : فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني.

٥٠٣ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن محمد القمي ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، عن أبي عبد الله محمد بن موسى بن عيسى من أهل همدان ، قال : حدثني إشكيب بن عبدك الكسائي ، قال : حدثني عبد الملك ابن هشام الحناط ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام اسألك جعلني الله فداك؟ قال : سل يا جبلي عما ذا تسألني؟.

فقلت : جعلت فداك زعم هشام بن سالم أن الله عز وجل صورة ، وأن آدم خلق على مثال الرب ، ويصف هذا ويصف هذا وأو ميت الى جانبي وشعر رأسي ، وزعم يونس مولى آل يقطين وهشام بن الحكم : أن الله شي‌ء لا كالأشياء بائنة منه وهو بائن من الاشياء.

وزعما أن اثبات الشي‌ء ان يقال : جسم فهو جسم لا كالأجسام ، شي‌ء لا كالأشياء‌

______________________________________________________

في هشام بن سالم

قوله : وزعما أن اثبات الشى‌ء أن يقال جسم‌

يعني : وزعما أن الاثبات الذي هو الخروج عن حد الابطال والتعطيل في صفة الله تعالى ، مقتضاه أن يقال : انه تعالى جسم ، والسلب الذي هو الخروج عن‌

١٥١

ثابت موجود غير مفقود ولا معدوم ، خارج من الحدين حد الابطال وحد التشبيه ، فبأي القولين أقول؟

قال : فقال عليه‌السلام : أراد هذا الاثبات ، وهذا شبه ربه تعالى بمخلوق ، تعالى الله الذي ليس له شبيه ولا عدل ولا مثل ولا نظير ولا هو بصفة المخلوقين ، لا تقل بمثل ما قال هشام بن سالم ، وقل بما قال مولى آل يقطين وصاحبه ، قال ، قلت : فنعطي الزكاة من خالف هشاما في التوحيد؟ فقال برأسه : لا.

٥٠٤ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن محمد ، قال : حدثني أحمد ابن محمد ، عن محمد بن عيسى ، عن حماد بن عيسى ، رفع الحديث قال : كان أصحابنا يروون ويتحدثون انه كان يكسر خمسين ألف درهم.

______________________________________________________

حدا التشبيه في وصفه سبحانه ، مقتضاه أن يقال : لا كالأجسام ، وكذلك في جميع الاوصاف والصفات.

فبذلك تستتم المعرفة الخارجة عن الحدين اللذين هما الابطال والتشبيه ، على ما ورد في أحاديثهم صلوات الله عليهم ، وقام عليه البرهان في العلم الا على الذي هو الحكمة الالهية.

ولم يعلما أنه انما ذلك في صفات الكمال والالفاظ الكمالية ، ونعني بها الكمالات المطلقة ، أي كل ما هو كمال مطلق للموجود بما هو موجود على الاطلاق وليس شي‌ء من الجسمية والحركة ونظائرهما كما لا مطلقا للمتقرر بما هو متقرر والموجود بما هو موجود ، على ما أدريناك سابقا.

وتمام تحقيق ذلك على ذمة التقديسات ، وتقويم الايمان ، والرواشح السماوية.

قوله : انه كان يكسر خمسين ألف درهم‌

يقال كسر طسقه اذا استقله واستحقره ، وكسر الرجل اذا قل تعهد لماله ،

١٥٢

في السيد بن محمد الحميرى‌

٥٠٥ ـ حدثني نصر بن الصباح ، قال : حدثنا اسحاق بن محمد البصري ،

______________________________________________________

والكسر ـ بالكسر ـ القطعة من الشي‌ء المكسور ، والعظم الذي ليس عليه لحم ، والكسرة من كل شي‌ء الطفيف الحقير منه ، وكسر الطائر جناحيه كسرا وكسورا ضمهما للوقوع والسقوط ، وربما يطلق من غير ذكر المفعول ، ومنه عقاب كاسر.

قال في اساس البلاغة : وقد كسر كسورا اذا لم تذكر الجناحين ، وهذا يدل على أن الفعل اذا نسي مفعوله وقصد الحدث نفسه جرى مجرى الفعل غير المتعدي (١).

قلت : نعم ولكن لا يعلم هل ذلك قياس مطردا ، أو مقصورا على السماع.

في السيد بن محمد الحميرى‌

اسمه اسماعيل ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : اسماعيل بن محمد الحميري السيد الشاعر يكنى أبا عامر (٢).

وقال العلامة في الخلاصة : اسماعيل بن محمد الحميري بالحاء غير المعجمة المكسورة والميم الساكنة المنقطة تحتها نقطتين بعدها راء ، ثقة جليل القدر عظيم الشأن والمنزلة رحمه الله تعالى (٣).

وزعم الحسن بن داود أن اسمه السيد بن محمد (٤) ، كما يعلم من كلام الكشي ويظهر من قول الصادق عليه‌السلام.

وحمير كدرهم أبو قبيلة قاله في القاموس (٥).

__________________

(١) أساس البلاغة : ٥٤٣‌

(٢) رجال الشيخ : ١٤٨‌

(٣) الخلاصة : ١٠‌

(٤) رجال ابن داود : ١٨٢‌

(٥) القاموس : ٢ / ١٤‌

١٥٣

قال : حدثني علي بن اسماعيل ، قال : أخبرني فضيل الرسان ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام بعد ما قتل زيد بن علي رحمة الله عليه ، فأدخلت بيتا جوف بيت فقال لي : يا فضيل قتل عمي زيد؟ قلت : نعم جعلت فداك.

قال : رحمه‌الله أنه كان مؤمنا وكان عارفا وكان عالما وكان صادقا ، أما أنه لو ظفر لوفى ، أما أنه لو ملك لعرف كيف يضعها ، قلت : يا سيدي ألا أنشدك شعرا! قال : أمهل ، ثم أمر بستور فسدلت وبأبواب ففتحت ، ثم قال أنشد ، فأنشدته :

لأم عمرو باللوى مربع

طامسة أعلامه بلقع

لما وقفت العيس في رسمه

والعين من عرفانه تدمع

ذكرت من قد كنت أهوى به

فبت والقلب شج موجع

عجبت من قوم أتوا أحمدا

بخطة ليس لها مدفع

قالوا له لو شئت أخبرتنا

الى من الغاية والمفزع

اذا توليت وفارقتنا

ومنهم في الملك من يطمع

فقال لو أخبرتكم مفزعا

ما ذا عسيتم فيه أن تصنعوا

صنيع أهل العجل اذ فارقوا

هارون فالترك له أودع

فالناس يوم البعث راياتهم

خمس فمنها هالك أربع

قائدها العجل وفرعونها

وسامري الامة المفظع

ومخدع من دينه مارق

أخدع عبد لكع أوكع

وراية قائدها وجهه

كأنه الشمس اذا تطلع

قال : فسمعت نحيبا من وراء الستر ، فقال : من قال هذا الشعر؟ قلت : السيد ابن محمد الحميري ، فقال : رحمه‌الله ، قلت : اني رأيته يشرب النبيذ ، فقال : رحمه‌الله ، قلت : اني رأيته يشرب نبيذ الرستاق ، قال : تعني الخمر؟ قلت : نعم ، قال : رحمه‌الله وما ذلك على الله أن يغفر لمحب علي.

٥٠٦ ـ حدثني أبو سعيد محمد بن رشيد الهروي ، قال : حدثني السيد وسماه ،

١٥٤

وذكر أنه خيّر ، قال : سألته عن الخبر الذي يروى أن السيد أسود وجهه عند موته؟ فقال ذلك الشعر الذي يروى له في ذلك : ما حدثني أبو الحسين بن أبي أيوب المروزي قال : روى أن السيد بن محمد الشاعر أسود وجهه عند الموت ، فقال : هكذا يفعل بأوليائكم يا أمير المؤمنين ، قال : فأبيض وجهه كأنه القمر ليلة البدر ، فأنشأ يقول :

أحب الذي من مات من أهل وده

تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك

ومن مات يهوي غيره من عدوه

فليس له الا الى النار مسلك

أبا حسن تفديك نفسي وأسرتي

ومالي وما أصبحت في الارض أملك

أبا حسن اني بفضلك عارف

واني بحبل من هواك لممسك

وأنت وصي المصطفى وابن عمه

فانا نعادي مبغضيك ونترك

مواليك ناج مؤمن بين الهدى

وقاليك معروف الضلالة مشرك

ولاح لحاني في علي وحزبه

فقلت لحاك الله أنك أعفك

______________________________________________________

قوله : ولاح لحانى‌

أي ولايم شاتم لا مني وشتمني على محبة علي وحزبه وعترته وأهل بيته.

في الصحاح : لحيت الرجل ألحاه لحيا اذا لمته فهو ملحي ، ولا حيته ملاحاة ولحاء اذا نازعته ، وفي المثل من لاحاك فقد عاداك ، وتلاحوا أي تنازعوا ، وقولهم لحاه الله أي قبحه ولعنه (١).

وفي القاموس : لحاه يلحوه شتمه (٢).

و « أعفك » أفعل الصفة من العفك بالتحريك وهو الحمق والجهل يقال : رجل أعفك أي أحمق بين العفك والاعسر للفطانة ، ومن لا يحسن العمل قاله الصحاح‌

__________________

(١) الصحاح : ٦ / ٢٤٨١‌

(٢) القاموس : ٤ / ٣٨٥‌

١٥٥

٥٠٧ ـ وحدثني نصر بن الصباح ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد الله بن بكير ، عن محمد بن النعمان ، قال : دخلت على السيد بن محمد وهو لما به قد اسود وجهه ، وذرفت عيناه وعطش كبده وهو يومئذ يقول بمحمد بن الحنفية وهو من حشمه ، وكان ممن يشرب المسكر ، فجئت وكان أبو عبد الله عليه‌السلام قدم الكوفة ، لأنه كان انصرف من عند أبي جعفر المنصور.

فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك اني فارقت السيد بن محمد الحميري لما به قد اسود وجهه واذرفت عيناه ، وعطش كبده ، وسلب الكلام ، وانه كان يشرب المسكر.

______________________________________________________

والقاموس وغيرهما (١).

قوله : وهو لما به‌

أي متفرغ عن كل شي‌ء لما قد ألم وحل به من الحمام أو المرض.

قوله : ذرفت‌

بالذال المعجمة والفاء من حاشيتي الراء المفتوحة ، يقال : ذرفت العين اذا سال منها الدمع ، وذرف الدمع من العين أي سال.

وفي نسخة « زرقت » بالزاي مكان الذال والقاف مكان الفاء ، من قولهم زرقت عينه نحوي أي انقلبت بحيث ظهر بياضها.

قوله : واذرفت‌

النسخ مختلفة هنا أيضا بالذال والفاء بمعنى سال منهما الدمع ، والهمزة على هذا للوصل والفاء مشددة من باب الافعلال ، يقال : اذرف اذرفافا احمر احمرارا.

__________________

(١) الصحاح : ٤ / ١٦٠٠‌

١٥٦

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : اسرجوا حماري ، فاسرج له وركب ومضى ، ومضيت معه حتى دخلنا على السيد ، وأن جماعة محدقون به ، فقعد أبو عبد الله عليه‌السلام عند رأسه وقال : يا سيد! ففتح عينه ينظر الى أبي عبد الله عليه‌السلام ولا يمكنه الكلام ، وقد اسود وجهه ، فجعل يبكي وعينه الى أبي عبد الله عليه‌السلام ولا يمكنه الكلام ، وانا لنتبين فيه أنه يريد الكلام ولا يمكنه.

فرأينا أبا عبد الله عليه‌السلام حرك شفتيه ، فنطق السيد فقال : جعلني الله فداك أبأوليائك يفعل هذا! فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا سيد قل بالحق يكشف الله ما بك ويرحمك ويدخلك جنته التي وعد أوليائه ، فقال في ذلك : تجعفرت بسم الله والله اكبر. فلم يبرح أبو عبد الله عليه‌السلام حتى قعد السيد على استه.

وروى أن أبا عبد الله عليه‌السلام لقى السيد بن محمد الحميري ، فقال : سمتك أمك‌

______________________________________________________

أو بالزاي والقاف بمعنى انقلبتا ودارتا فظهر بياضهما مكان السواد ، اذا انقلبتا نحونا شاخصتين إلينا.

وعلى هذا فالهمزة تحتمل القطع من باب الافعال والوصل بتشديد القاف من باب الافعلال يقال : زرقت عينه نحوي بالفتح زرقا وأزرقت ازراقا وأزرقت ازرقاقا وأزراقت ازريقاقا ، انقلبت واشتد انقلابها.

وأما زرقت عينه من الزرقة فصار أزرق العين فذاك من باب فعل ـ بكسر العين ـ وهو غير متأت في هذا المقام فليعلم.

قوله : وانا لنتبين فيه‌

أي انا لنتعرف في وجهه أنه يريد الكلام. يقال : تبين الشي‌ء وأبان واستبان بمعنى ظهر واتضح. وبينته وأبنته واستبنته أيضا بمعنى تعرفته واستوضحته وأظهرته وأوضحته ، كلها جاءت لازمة ومتعدية. اتفق على ذلك أئمة اللغة جميعا.

١٥٧

سيدا ووفقت في ذلك وأنت سيد الشعراء ، ثم أنشد السيد في ذلك :

ولقد عجبت لقائل لي مرة

علامة فهم من الفقهاء

سماك قومك سيدا صدقوا به

أنت الموفق سيد الشعراء

ما أنت حين تخص آل محمد

بالمدح منك وشاعر بسواء

مدح الملوك ذوو الغناء لعطائهم

والمدح منك لهم لغير عطاء

أبشر فانك فائز في حبهم

لو قد وردت عليهم بجزاء

ما تعدل الدنيا جميعا كلها

من حوض أحمد شربة من ماء

في جعفر بن عفان الطائى‌

٥٠٨ ـ حدثني نصر بن الصباح ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، عن يحيى بن عمران ، قال : حدثنا محمد بن سنان ، عن زيد الشحام ، قال : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام ونحن جماعة من الكوفيين ، فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد الله عليه‌السلام فقربه وأدناه ثم قال : يا جعفر ، قال : لبيك جعلني الله فداك ، قال : بلغني أنك تقول الشعر في الحسين عليه‌السلام وتجيد ، فقال له : نعم ، جعلني الله فداك ، فقال : قل فأنشده عليه‌السلام ومن حوله حتى صارت له الدموع على وجهه ولحيته.

______________________________________________________

قوله : علامة فهم‌

« علامة فهم » بكسر الهاء واعرابهما الجر على الصفة لقائل ، والمراد به أبو عبد الله عليه‌السلام.

قوله : مدح الملوك ذوو (١) الغناء‌

بالفتح على صيغة المعلوم ونصب « الملوك » على المفعولية والفاعل شاعر في المصراع الاول ، أو بالضم على ما لم يسم فاعله ، ورفع الملوك للإقامة مقام الفاعل.

« وذوو » بواوين رفعا على صفة الملوك وهذا أظهر.

__________________

(١) وفي المطبوع من الرجال ذوى‌

١٥٨

ثم قال : يا جعفر والله لقد شهدك ملائكة الله المقربون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه‌السلام ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر ، ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعته الجنة بأسرها وغفر الله لك ، فقال : يا جعفر ألا أزيدك! قال : نعم يا سيدي ، قال : ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكي وأبكي به ألا أوجب الله له الجنة وغفر له.

ما روى في محمد بن أبى زينب اسمه مقلاص بن الخطاب البراد الاخدع الاسدى ويكنى أبا اسماعيل ويكنى أيضا أبا الخطاب وابا الظبيات‌

٤٠٩ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا : حدثنا الحسين بن موسى ، عن ابراهيم بن عبد الحميد ، عن عيسى بن أبي منصور ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام

______________________________________________________

في محمد بن أبى زينب‌

قد اختلف في اسم أبي الخطاب باهمال الطاء المشددة بعد الخاء المعجمة ، وفي اسم أبيه أيضا.

فالصدوق أبو جعفر بن بابويه رضوان الله تعالى عليه قال : اسم أبي الخطاب زيد.

والمشهور أن اسمه محمد ، وأبوه أبو زينب اسمه في المشهور « مقلاص » بكسر الميم واسكان القاف واهمال الصاد أخيرا.

والشيخ أبو جعفر الطوسي (١) رحمه‌الله اختار السين المهملة مكان الصاد.

وفي المغرب : الخطابية طائفة من الرافضية نسبوا الى أبي الخطاب محمد ابن أبي وهب الاخدع بالواو والهاء.

وعلى كل حال فهو الغالي الملعون ولقد كانت له حالة استقامة أولا ، والاصحاب ربما يروون ما قد رواه في حالة الاستقامة.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٠٢‌

١٥٩

وذكر أبا الخطاب فقال : اللهم العن أبا الخطاب فانه خوفني قائما وقاعدا وعلى فراشي ، اللهم أذقه حر الحديد.

٥١٠ ـ وبهذا الاسناد عن ابراهيم ، عن أبي اسامة ، قال : قال ، رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : اؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ قال ، فقال : خطابية ، ان جبريل أنزلها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين سقط القرص.

______________________________________________________

قال أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري في كتابه المعروف في الضعفاء وأرى ترك ما يقول أصحابنا : حدثنا أبو الخطاب في أيام استقامته (١).

قوله : البراد الاخدع‌

وفي طائفة من النسخ « الزراد » بالزاي المفتوحة مكان الباء الموحدة قبل الراء المشددة والدال أخيرا بعد الالف ، وفي نسخة بالسين المهملة مكان الزاي أو الباء.

و « الاخدع » باعجام الخاء واهمال الدال والعين بمعنى الاحمق ، وربما يضبط بالجيم (٢) مكان الخاء.

قوله : أبا الضبيات (٣)

بتحريك الظاء المعجمة والباء الموحدة والياء المثناة من تحت والتاء المثناة من فوق بعد الالف ، وقيل : أبو الظبيان باسكان الموحدة بعد المعجمة المفتوحة وقبل المثناة من تحت قبل الالف والنون بعدها.

قوله (ع) : خطابية‌

أي هذه تشريعة خطابية وبدعة اختلاقية ، افتعلها واختلقها أبو الخطاب افتراء على الله عز وجل واختلاقا علينا.

__________________

(١) الخلاصة : ٢٥٠‌

(٢) كما في المطبوع من الرجال.

(٣) وفي المطبوع من الرجال بجامعة مشهد : أبا الخطاب.

١٦٠