إختيار معرفة الرّجال - ج ٢

السيّد محمّد باقر الحسيني الاسترآبادي

إختيار معرفة الرّجال - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد باقر الحسيني الاسترآبادي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

منه سكن عنه.

فعاد الى أبي عبد الله عليه‌السلام فأخبره بوجعه وشربه ، فقال له : يا بن أبي يعفور لا تشربه فانه حرام ، انما هذا شيطان موكل بك فلو قد يئس منك ذهب.

فلما أن رجع الى الكوفة هاج به وجعه أشد ما كان ، فأقبل أهله عليه ، فقال لهم : لا والله لا أذوق منه قطرة أبدا ، فآيسوا منه ، وكان يهم على شي‌ء ولا يحلف ، فلما سمعوا أيسوا منه ، واشتد به الوجع أياما ثم أذهب الله به عنه ، فما عاد اليه حتى مات رحمة الله عليه.

٤٦٠ ـ حدثني حمدويه بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، ومحمد ابن مسعود ، قال : حدثنا محمد نصير ، قال : حدثنا محمد بن عيسى ، عن سعيد بن جناح ، عن عدة من أصحابنا. وقال العبيدي : حدثني به أيضا عن ابن عمير أن ابن ابي يعفور ومعلى بن خنيس كانا بالنيل على عهد أبي عبد الله عليه‌السلام فاختلفا في ذبايح‌

______________________________________________________

وفي الصحاح : حسوت المرق حسوا ، ويوم كحسو الطير أي قصير ، والحسو على فعول طعام معروف ، وكذلك الحساء بالفتح والمد ، تقول : شربت حساء وحسوا ويقال أيضا : رجل حسو للكثير الحسو ، وقد حسوت حسوة بالضم أي قدر ما يحسي مرة واحدة (١).

قوله : كانا بالنيل‌

كان النهر بالكوفة يسمى بالنيل ، لأنه كان يمر على قرية يقال لها النيل.

قال في المغرب : النيل نهر مصر وبالكوفة نهر يقال له النيل أيضا.

وفي القاموس : النيل بالكسر نهر مصر وقرية بالكوفة وأخرى بيزد وبلد بين بغداد وواسط (٢).

__________________

(١) الصحاح : ٦ / ٢٣١٢‌

(٢) القاموس : ٤ / ٦٢‌

١٠١

اليهود ، فأكل معلى ولم يأكل ابن أبي يعفور ، فلما صارا الى أبي عبد الله عليه‌السلام أخبره ، فرضي بفعل ابن أبي يعفور وخطأ المعلى في أكله اياه.

٤٦١ ـ حمدويه ، عن الحسن بن موسى ، عن علي بن حسان الواسطى الخزاز قال : حدثنا على بن الحسين العبيدي ، قال : كتب أبو عبد الله عليه‌السلام الى المفضل بن عمر الجعفي حين مضى عبد الله بن أبي يعفور : يا مفضل عهدت إليك عهدي كان الى عبد الله بن أبي يعفور صلوات الله عليه ، فمضى صلوات الله عليه موفيا لله عز وجل ولرسوله ولإمامه بالعهد المعهود لله ، وقبض صلوات الله على روحه محمود الاثر مشكور السعي مغفورا له مرحوما برضا الله ورسوله وامامه عنه ، فولادتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان في عصرنا أحد أطوع لله ولرسوله ولإمامه منه.

فما زال كذلك حتى قبضه الله اليه برحمته وصيره الى جنته ، مساكنا فيها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام أنزله الله بين المسكنين مسكن محمد وامير المؤمنين ( صلوات الله عليهما ) وان كانت المساكن واحدة فزاده الله رضى من عنده ومغفرة من فضلة برضاي عنه.

٤٦٢ ـ حمدويه ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين الثقفي ، قال : حدثني أبو حمزة معقل العجلي ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : والله لو فلقت رمانة بنصفين ، فقلت هذا حرام وهذا حلال ، لشهدت أن الذي قلت حلال حلال ، وان الذي قلت حرام حرام ، فقال : رحمك الله‌

______________________________________________________

قوله (ع) : مساكنا فيها مع رسول الله (ص)

« مساكنا » بضم الميم على اسم الفاعل من باب المفاعلة تقول : ساكنتك اذا شاركته في المأوى والمسكن.

قال في أساس البلاغة : وساكنه في دار واحدة وتساكنوا فيها (١).

__________________

(١) أساس البلاغة : ٣٠٤‌

١٠٢

رحمك الله.

٤٦٣ ـ ابو محمد الشامي الدمشقي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن زياد بن أبي الحلال ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ما احد أدى إلينا ما افترض الله عليه فينا الا عبد الله بن أبي يعفور.

٤٦٤ ـ حمدويه ، قال : حدثنا ايوب بن نوح ، عن محمد بن الفضيل ، عن ابي اسامة ، قال : دخلت على ابي عبد الله عليه‌السلام لأودعه ، فقال لي : يا زيد ما لكم وللناس قد حملتم الناس على ابي ، والله ما وجدت احدا يطيعني ويأخذ بقولي الا رجلا واحدا رحمه‌الله عبد الله بن ابي يعفور ، فاني امرته واوصيه بوصيته فاتبع امري واخذ بقولي.

في معتب‌

قال الشيخ : هو مولى الصادق عليه‌السلام.

٤٦٥ ـ حدثني حمدويه وابراهيم ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبد العزيز بن نافع ، انه سمع ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : هم عشرة يعني مواليه ، فخيرهم وافضلهم معتب ، وفيهم خائن فاحذروه وهو صغير.

٤٦٦ ـ علي بن محمد ، قال : حدثني محمد بن احمد ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن الحسن بن محبوب ، لا اعلمه الا عن اسحاق بن عمار ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : موالي عشرة ، خيرهم معتب ، وما يظن معتب الا اني اسحر من الناس.

١٠٣

في جميل بن دراج ونوح أخيه‌

٤٦٧ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا : حدثنا أيوب بن نوح ، عن عبد الله بن المغيرة ، قال : حدثنا محمد بن حسان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يتلوا هذه الاية ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ ) (١) ثم أهوى بيده إلينا ، ونحن جماعة فينا جميل بن دراج وغيره ، فقلنا : أجل والله جعلت فداك لا نكفر بها.

٤٦٨ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن محمد ، قال : حدثني أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد‌

______________________________________________________

في جميل بن دراج : ثم أهوى إلينا بيده‌

أي مديده أو رفعها مشيرا إلينا ، فكأنه عليه‌السلام قال لنا : أنتم ذلك القوم وكلكم الله بها ولستم بكافرين ، وهؤلاء الذين يكفرون بها هم عامة النابذين أهل بيت رسول الله عليه وعليهم السلام وراء ظهورهم.

قال في المغرب : هوى من الجبل وفي البئر سقط هويا بالفتح من باب ضرب ، ومنه فأقبل يهوي حتى وقع في الحصن أي يذهب في انحدار ، والاهواء التناول باليد ، ومنه أهوى بيده أي جافى يده ورفعها الى الهواء ، أو مدها حتى بقي بينها وبين الجنب هواء أي خلاء ، ومثله أهوى بخشبة فضربها.

وفي الصحاح : وأهوى بيده اليه ليأخذه قال الاصمعي : أهويت بالشي‌ء اذا أومأت به ويقال : أهويت له بالسيف (٢).

__________________

(١) سورة الانعام : ٨٩‌

(٢) الصحاح : ٦ / ٢٥٣٨‌

١٠٤

الله عليه‌السلام قال ، قال لي : يا جميل لا تحدث أصحابنا بما لم يجمعوا عليه فيكذبوك.

قال محمد بن مسعود : سألت أبا جعفر حمدان بن احمد الكوفي ، عن نوح ابن دراج؟ فقال : كان من الشيعة وكان قاضي الكوفة ، فقيل له : لم دخلت في أعمالهم فقال : لم أدخل في أعمال هؤلاء حتى سألت أخي جميلا يوما ، فقلت له : لم لا تحضر المسجد؟ فقال : ليس لي ازار.

وقال حمدان : مات جميل عن مائة الف.

وقال حمدان : كان دراج بقالا وكان نوح مخارجه من الذين يقتتلون في العصبية التي تقع بين المجالس ، قال : وكان يكتب الحديث وكان أبوه يقول :

______________________________________________________

قوله : فقال لم أدخل في أعمال هؤلاء حتى سألت أخي‌

يعني فدخلت في أعمال هؤلاء لتكون لي مقدرة فأصل أخي جميلا ، أو لئلا أفتقر كما افتقر أخي جميل.

قوله : فقال ليس لى ازار‌

وذلك يتضمن الدلالة على مدح جميل ، فانه لم يتول القضاء ولم يدخل في أعمال هؤلاء مع شدة احتياجه وفقره ، وأغناه الله تعالى من خزائن فضله وجوده حتى مات عن مائة ألف.

قوله : وكان نوح مخارجه‌

مخارجه بضم الميم على اسم الفاعل من باب المفاعلة ، أي كان نوح مخارج أبيه دراج في الذين.

وفي طائفة من النسخ « من الذين يقتتلون » أي يتعاركون ويتشاجرون في العصبية التي تقع بين الشركاء والخصماء في المجالس ، فيعارضهم ويساهمهم ويصالحهم على المساهمة من قبل أبيه.

١٠٥

لو ترك القضاء لنوح أي رجل كان ثقة.

٤٦٩ ـ نصر بن الصباح ، قال : حدثني الفضل بن شاذان ، قال : دخلت على محمد بن أبي عمير ، وهو ساجد فأطال السجود ، فلما رفع رأسه ذكر له الفضل طول سجوده ، فقال : كيف لو رأيت جميل بن دراج ، ثم حدثه انه دخل على جميل فوجده ساجدا فأطال السجود جدا ، فلما رفع رأسه قال له محمد بن أبي عمير : أطلت السجود فقال : كيف لو رأيت معروف بن خربوذ.

في معاذ بن مسلم الهراء النحوى‌

٤٧٠ ـ حدثني حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا : حدثنا يعقوب بن يزيد ،

______________________________________________________

وأصل المخارجة في اللغة : المناهدة ، أي المناهضة بالحرب والمناهدة أي المساهمة بالاصابع ، وذلك أن يخرج هذا من أصابعه ما يشاء والاخر أيضا ما يشاء.

والتخارج التناهد وهو اخراج كل واحد من الفرقة نفقة على قدر نفقة صاحبه قاله في الصحاح والقاموس (١).

وفي المغرب : عبد مخارج وقد خارجه سيده اذا اتفقا على ضريبة يردها عليه عند انقضاء كل شهر (٢).

قوله : لو ترك القضاء لنوح أى رجل كان‌

أي لو فوض اليه القضاء وترك له أي كارجل كان ، بالانتصاب على خبر كان أي كان أي رجل ، يعني لكان نعم الرجل في القضاء والحكومة والمحاكمة بين الناس.

ثم قوله « ثقة » من كلام حمدان ، فكأنه قال : كان نوح من الشيعة ، وكان قاضي الكوفة ، وهو مع ذلك ثقة.

في معاذ بن مسلم الهراء النحوى‌

معاذ بن مسلم الهراء بفتح الهاء وتشديد الراء وبالمد النحوي ، ذكره الشيخ‌

__________________

(١) الصحاح : ١ / ٣١٠ والقاموس : ١ / ١٨٥‌

(٢) المغرب : ١ / ١٥٤‌

١٠٦

عن ابن ابي عمير ، عن حسين بن معاذ ، عن أبيه معاذ بن مسلم النحوي ، عن أبي‌

______________________________________________________

في كتاب الرجال في أصحاب أبي جعفر الباقر عليه‌السلام (١).

ثم في أصحاب أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : معاذ بن مسلم الهراء الانصاري النحوي الكوفي أسند عنه (٢) ، وذكر أيضا معاذ بن مسلم الفراء النحوي.

وفي الكشاف : في قوله سبحانه وتعالى في سورة مريم ( أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا ) (٣) : وأيهم أشد بالنصب ، عن طلحة بن مصرف وعن معاذ بن مسلم الهراء استاذ الفراء (٤).

قال صاحب الكشف : قيل له الهراء لأنه كان يبيع الثياب الهروية ، ونقل عن الانباري أنه كان من موالي محمد بن كعب القرطي ، أخذ عنه الكسائي وأخذ الفراء عن الكسائي.

وفي الصحاح : وانما قيل معاذ الهراء لأنه كان يبيع الثياب الهروية (٥).

وفي القاموس : هراة بلد بخراسان ، وقرية بفارس ، والنسبة هروي محركة ، ومعاذ الهراء لبيعه الثياب الهروية (٦).

وقال صاحب المغرب في كتابيه : وتوب هروي بالتحريك ومروي بالسكون منسوب الى هراة ومرو ، وهما قريتان معروفتان بخراسان ، وعن خواهر زاده هما على شط الفرات ، ولم يسمع ذلك لغيره ، وفي الاشكال سوى هراة خراسان هراة أخرى هي بنواحي اصطخر من بلاد فارس انتهى كلامه.

__________________

(١) رجال الشيخ : ١٣٧‌

(٢) رجال الشيخ : ٣١٤‌

(٣) سورة مريم : ٦٩‌

(٤) الكشاف : ٢ / ٥٢٠‌

(٥) الصحاح : ٦ / ٢٥٣٥‌

(٦) القاموس : ٤ / ٤٠٣‌

١٠٧

عبد الله عليه‌السلام قال لي : بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتى الناس ، قال ، قلت : نعم وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج ، أني أقعد في المسجد فيجي‌ء الرجل يسألني عن الشي‌ء ، فاذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ، ويجي‌ء الرجل أعرفه بحبكم أو مودتكم فأخبره بما جاء عنكم ، ويجي‌ء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا ، فادخل قولكم فيما بين ذلك ، قال ، فقال لي : اصنع كذا فاني كذا أصنع.

معاذ وعمر ابنا مسلم كوفيان.

في عمار بن موسى الساباطى‌

٤٧١ ـ كان فطحيا ، وروى عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام أنه قال : استوهبت عمارا من ربي تعالى فوهبه لي.

نصر بن الصباح ، قال : حدثني الحسن بن علي بن ابى عثمان السجادة ، قال : حدثني قاسم الصحاف ، عن رجل من أهل المدائن يعرفه القاسم ، عن عمار الساباطي ، قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك أحب أن تخبرني باسم الله تعالى الاعظم.

فقال لي : انك لا تقوى على ذلك ، قال ، فلما الححت قال : فمكانك اذا ، ثم قام فدخل البيت هنيهة ، ثم صاح بي أدخل ، فدخلت ، فقال لي : ما ذلك؟ فقلت : أخبرني به جعلت فداك ، قال : فوضع يده على الارض فنظرت الى البيت يدور بي وأخذني أمر عظيم كدت أهلك ، فضحكت ، فقلت : جعلت فداك حسبي لا أريد ذا.

الفطحية‌

٤٧٢ ـ هم القائلون بامامة عبد الله بن جعفر بن محمد ، وسموا بذلك : لأنه قيل انه كان أفطح الرأس ، وقال بعضهم : كان أفطح الرجلين ، وقال بعضهم : انهم نسبوا الى رئيس من أهل الكوفة يقال له : عبد الله بن فطيح.

١٠٨

والذين قالوا بامامته عامة مشايخ العصابة وفقهاؤها مالوا الى هذه المقالة ، فدخلت عليهم الشبهة لما روي عنهم عليه‌السلام أنهم قالوا : الامامة في الاكبر من ولد الامام اذا مضى ، ثم منهم من رجع عن القول بامامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام لم يكن عنده فيها جواب ، ولما ظهر منه من الاشياء التي لا ينبغي أن يظهر من الامام.

ثم ان عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما ، فرجع الباقون إلا شذاذا منهم عن القول بامامته الى القول بامامة أبي الحسن موسى عليه‌السلام ورجعوا الى الخبر الذي روي : أن الامامة لا تكون في الاخوين بعد الحسن والحسين عليه‌السلام ، وبقي شذاذ منهم على القول بامامته ، وبعد أن مات قال بامامة أبي الحسن موسى عليه‌السلام.

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال لموسى يا بني : ان أخاك سيجلس مجلسي ويدعى الامامة بعدي ، فلا تنازعه بكلمة فانه أول اهلي لحوقا بي.

٤٧٣ ـ حمدويه بن نصير ، قال : حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى عن داود بن فرقد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان أصحابي أولو النهى والتقى فمن لم يكن من أهل النهى والتقى فليس من أصحابي.

٤٧٤ ـ ابن مسعود ، قال حدثني عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن محمد بن حمران ، عن أبي الصباح الكناني ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انا نعير بالكوفة فيقال لنا : جعفرية! قال : فغضب أبو عبد الله عليه‌السلام ثم قال : ان أصحاب جعفر منكم لقليل ، انما أصحاب جعفر من اشتد ورعه وعمل لخالقه.

١٠٩

في أبى محمد هشام بن الحكم‌

٤٧٥ ـ قال الفضل بن شاذان : هشام بن الحكم أصله كوفي ، ومولده ومنشؤه بواسط ، وقد رأيت داره بواسط ، وتجارته ببغداد في الكرخ ، وداره عند قصر وضاح في الطريق الذي يأخذ في بركة بني زرزر حيث تباع الطرائف والخلنج ، وعلي بن منصور من أهل الكوفة ، وهشام مولى كندة ، مات سنة تسع وسبعين ومائة بالكوفة في أيام الرشيد.

______________________________________________________

في أبى محمد هشام بن الحكم

قوله : عند قصر وضاح‌

في القاموس والصحاح : الوضاح بالتشديد ككتان الابيض اللون الحسنة والنهار ، ولقب جذيمة الابرش ومولى بربري لبني أمية ، واليه نسبت الوضاحية (١) ‌جذيمة الابرش هو جذيمة بن مالك بن فهم بن دوس من الازدكان ملك الحيرة.

قوله : في بركة بنى زرزر‌

في أكثر النسخ « بني زرزر » ، وفي بعضها ابن زرزر (٢) ، وهو بزاء مضمومة قبل راء ساكنة ثم راء أخرى مضمومة أيضا قبل الراء.

في القاموس : زرزر بن صهيب بالضم محدث ، والزرارة البطارقة : جمع زرزار وزربران قرية ببغداد ، والزرزار أيضا نبات يصبغ به ، والزرزور طائر ، وزرزر صوت والرجل دام على أكله (٣).

قوله : والخلنج‌

« الخلنج » باسكان اللام بين الخاء المعجمة والنون والجيم أخيرا.

__________________

(١) القاموس : ١ / ٢٥٥ والصحاح : ١ / ٤١٦‌

(٢) وفي المطبوع من الرجال بالنجف : بنى ذر.

(٣) القاموس : ٢ / ٣٨ ـ ٣٩.

١١٠

٤٧٦ ـ وقال أبو عمرو الكشي : روي عن عمر بن يزيد : كان ابن أخي هشام يذهب في الدين مذهب الجهمية خبيثا فيهم ، فسألني أن دخله على أبي عبد الله عليه‌السلام ليناظره ، فأعلمته أني لا أفعل ما لم أستأذنه فيه ، فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فاستأذنته في ادخال هشام عليه ، فاذن لي فيه.

فقمت من عنده وخطوت خطوات فذكرت رداءته وخبثه ، فانصرفت الى أبي عبد الله عليه‌السلام فحدثته رداءته وخبثه ، فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا عمر تتخوف علي ، فخجلت من قولي وعلمت أني قد عثرت ، فخرجت مستحيا الى هشام ، فسألته تأخير‌

______________________________________________________

في الصحاح شجر فارسي معرب قال الشاعر : « لبن البخت في قصاع الخلنج » والجمع الخلانج ومثله في القاموس (١).

وفي جامع البغدادي : خلنج شجر عظيم وديسيقور يدوس ، وعلماء المغرب يقولون : انه كالطرفاء عظما ، وصغيرة بقدر القامة ، وكأنه يعظم في بلاد الصين والروس وبلغار ، بحيث يعمل منه أواني وجفان وتحمل الى البلاد ، والنشاب المعمول أمنه في غاية الجودة.

ويسمى الخلنج باليوناني أريقي ، وأوراقه ، كورق الطرفاء هدبي (٢) معتدلة بين الخشونة والليونة ، ولها زهر صغير أحمر وأغبر ، يخلف حبا كالخردل ، ومنه صنف له زهر أبيض ، وبالجملة فالشجرة حارة محللة يابسة ، ثم ذكر مالها من الخواص والمنافع.

قوله : كان ابن أخي‌

هذا قول عمر بن يزيد وهو عم هشام يقول : وكان ابن أخي هشام يذهب في الدين مذهب الجهمية.

__________________

(١) الصحاح : ١ / ٣١٢ والقاموس : ١ / ١٨٦.

(٢) الهدب بالتحريك كل ورق ليس له عرض كورق السرو ، والطرفاء وهدب الشجر كفرح طالت أغصانه وأوراقه وتدلت وكذلك أهدبت فهي هدباء « منه ».

١١١

دخوله وأعلمته أنه قد أذن له بالدخول عليه.

فبادر هشام فاستأذن ودخل فدخلت معه ، فلما تمكن في مجلسه ، سأله أبو عبد الله عن مسألة فحار فيها هشام وبقي ، فسألت هشام أن يؤجله فيها ، فاجله أبو عبد الله عليه‌السلام فذهب هشام فاضطرب في طلب الجواب أيامه فلم يقف عليه ، فرجع الى أبي عبد الله عليه‌السلام فأخبره أبو عبد الله عليه‌السلام بها ، وسأله عن مسألة أخرى فيها فساد أصله وعقر مذهبه ، فخرج هشام من عنده مغتما متحيرا ، قال ، فبقيت أياما لا أفيق من حيرتي.

قال عمر بن يزيد : فسألني هشام أن أستأذن له على أبي عبد الله عليه‌السلام ثالثا ، فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فاستأذنت له ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لينتظرني في موضع سماه بالحيرة لألتقى معه فيه غدا إن شاء الله اذا راح النهار ، قال عمر : فخرجت الى هشام فأخبرته بمقالته وأمره ، فسر بذلك هشام واستبشر وسبقه الى الموضع الذي سماه.

______________________________________________________

قوله : وسأله عن مسألة أخرى‌

أي فسأل عليه‌السلام هشاما عن مسألة أخرى فيها فساد أصل هشام وعقر مذهبه. باسكان القاف بين المهملة المفتوحة والراء ، بمعنى قطعه وهدمه وابطاله ونقضه.

وفي نسخة « فسأل أجله وعقد مذهبه » (١) أي فهشام سأله عليه‌السلام أجله الذي أجله اياه في المسألة الاولى ، وعقد مذهبه وعدم نقضه وابطاله الى ذلك الاجل ، وكأنه تصحيف فاسد.

قوله (ع) : اذا راح النهار‌

أي اذا زالت الشمس.

في القاموس : الرواح العشي أو من الزوال الى الليل (٢).

وأكثر النسخ (٣) مصحفة النون بالياء والراء بالواو تسقيما وتحريفا.

__________________

(١) وفي المطبوع من الرجال : فساد أصله وعقد مذهبه.

(٢) القاموس : ١ / ٢٢٥‌

(٣) كما في المطبوع من الرجال.

١١٢

ثم رأيت هشاما بعد ذلك فسألته عما كان بينهما؟ فأخبرني أنه سبق أبا عبد الله عليه‌السلام الى الموضع الذي كان سماه له فبينا هو ، اذا بأبي عبد الله عليه‌السلام قد أقبل على بغلة له ، فلما بصرت به وقرب مني : هالني منظره وأرعبني حتى بقيت لا أجد شيئا اتفوه به ، ولا انطلق لسانى لما أردت من مناطقته.

ووقف علي أبو عبد الله عليه‌السلام مليا ينتظر ما أكلمه ، وكان وقوفه علي لا يزيدني الا تهيبا وتحيرا ، فلما رأى ذلك مني ضرب بغلته وسار حتى دخل بعض السكك في الحيرة.

وتيقنت أن ما أصابني من هيبته لم يكن الا من قبل الله عز وجل من عظم موقعه ومكانه من الرب الجليل.

قال عمر : فانصرف هشام الى أبي عبد الله عليه‌السلام وترك مذهبه ودان بدين الحق ، وفاق أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام كلهم ، والحمد لله.

______________________________________________________

قوله : هالنى منظره‌

من الهول يقال : أمر هائل ، وقد هالني يهولني هو لا وهولني تهويلا ، وهول الامر عندي جعله هائلا ، وفلان ركب أهوال البحر وتهاويله وأرعبني بهمزة القطع افعال من الرعب ، وهو الخوف والفزع والدهش.

قوله : مليا‌

أي زمانا طويلا غير قصير.

قوله : وتيقنت أن ما أصابنى من هيبته‌

ويقرب من ذلك أن أبا عبد الله الذهبي مع شدة عناده وكمال تبالغه في العتو والعصبية قال في ميزان الاعتدال وفي مختصره : جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الهاشمي الصادق أبو عبد الله ، احد الائمة الاعلام ، بر صادق كبير الشأن ، أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد.

١١٣

قال : فاعتل هشام بن الحكم علته التي قبض فيها ، فامتنع من الاستعانة بالاطباء ، فسألوه أن يفعل ذلك ، فأجابهم اليه ، فادخل عليه جماعة من الاطباء ، فكان اذا دخل الطبيب عليه وأمره بشى‌ء : سأله فقال يا هذا هل وقفت على علتي؟ فمن بين قائل يقول لا ، وبين قائل يقول : نعم ، فان استوصف ممن يقول نعم وصفها ، فاذا أخبره كذبه ويقول علتي غير هذه ، فيسأل عن علته ، فيقول : علتي قرح القلب مما أصابني من الخوف ، وقد كان قدم ليضرب عنقه فأقرح قلبه ذلك حتى مات رحمه‌الله.

٤٧٧ ـ أبو عمرو الكشي قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد الخالدي ، قال : أخبرني محمد بن همام البغدادي أبو علي ، عن اسحاق بن أحمد النخعي ، قال : حدثني أبو حفص الحداد وغيره ، عن يونس بن عبد الرحمن ، قال : كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام بن الحكم شيئا من طعنه على الفلاسفة ، وأحب أن يغرى به هارون ويضريه على القتل.

______________________________________________________

قال أبو حنيفة : ما رايت أفقه منه وقد دخلني له من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور في موكبه ، مات (١٤٨) وله ثمان وستون سنة انتهى كلامه.

قوله : قد وجد على هشام بن الحكم شيئا‌

أي غضب عليه يقال : وجد على فلان موجدة ووجدانا أيضا بمعنى غضب واشتد عليه في الغضب.

و « شيئا » مفعول مطلق لا من بابه ، أي شيئا من الموجدة غير طفيف ، و « من » الابتدائية بمدخولها متعلقة بقد وجد.

أي كانت موجدتة على هشام من جهة أن هشاما كان يطعن على الفلاسفة.

قوله : ويضريه‌

باعجام الضاد من باب الافعال ، او من باب التفعيل ، يقال : أضراه بكذا أو عليه إضراء ، وكذلك ضراه به أو عليه تضرية ، اذا أغراه به أشد الاغراء ، أي أولعه‌

١١٤

قال : وكان هارون لما بلغه عن هشام مال اليه ، وذلك أن هشاما تكلم يوما بكلام عند يحيى بن خالد في أرث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنقل الى هارون فأعجبه ، وقد كان قبل ذلك يحيى يشرف امره عند هارون ويرده عن أشياء كان يعزم عليها من آذائه ،

______________________________________________________

به غاية الولوع ، ويقال : سبع ضار وقد ضري الكلب بالصيد وعلى الصيد ضراوة تعوده ، وأضراه صاحبه إضراء وضراه تضرية.

قال في أساس البلاغة : ومن المجاز ضري فلان بكذا أو على كذا لهج به ، وأضريته به وضريته عليه (١).

وروى الصدوق أبو جعفر بن بابويه في الفقيه في باب ركوب بدنة الهدي وحلابها عن أبي عبد الله عليه‌السلام ان عليا عليه‌السلام قال : ان ضلت راحلة رجل ومعه بدنة ركبها غير مضر ولا مثقل (٢).

بتسكين الضاد المعجمة وتخفيف الراء من الاضراء ، أو بالضاد المفتوحة والراء المشددة من التضرية.

وقد فصلنا القول فيه في المعلقات على الفقيه وفي المعلقات على الدروس.

قوله : يشرف أمره‌

بالراء المشددة والفاء على التفعيل من الشرف ، وهو الرفعة والعلو أي يرفعه ويعليه ويفخمه ويعظمه ، أو بالقاف من الشروق بمعنى الظهور والطلوع والاضاءة والانارة ، أي يظهره ويكشفه ويجليه ويبينه.

قوله : يعزم عليها من اذائه‌

مدخول « من » المبينة أو المبعضة أو الاتصالية اذا تعلقت بالاشياء المعزوم عليها أو الابتدائية اذا تعلقت بالعزم عليها.

__________________

(١) أساس البلاغة : ٣٧٦‌

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٣٠٠‌

١١٥

فكان ميل هارون الى هشام أحد ما غير قلب يحيى على هشام‌

______________________________________________________

أما « أذاته » بفتح الهمزة قبل الذال المعجمة وتثنية التاء من فوق بعد الالف على المصدر أو على الاسم كالانائة ، يقال : اذاه يؤذيه أذى وأذاة وأذية.

قال في القاموس : ولا تقل ايذاء (١).

وأما أذائه بالهمزة مكان التاء والمد أولا وأخيرا على افعال في جمع أذى بالفتح ، كما الامعاء في جمع معى ، والاناء في جمع أنى ، بالفتح عند الاخفش.

قال في المغرب : الاذى ما يؤذيك وأصله المصدر ، وقوله تعالى ( عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً ) (٢) أي هو شي‌ء يستقذر (٣) ، كأنه يؤذي من يقربه نفرة وكراهة ، والتأذي أن يؤثر فيه الاذى (٤).

وفي الصحاح : وآناء الليل ساعاته ، قال الاخفش : واحدها انى مثال معى قال : وقال بعضهم : واحدها اني وانو ، يقال : مضى انيان من الليل وانوان (٥).

وفي القاموس : المعى بالفتح وكالي من أعناج البطن ، وقد يؤنث ، جمع أمعاء. (٦).

قوله : وكان ميل هارون الى هشام‌

يعني أن ميل هارون الى هشام وانعطاف قلبه اليه أحد الامور التي غيرت قلب يحيى على هشام ، حسدا عليه مخافة أن يستعمله هارون في الوزارة وتعدية « غيرت » بـ « على » لتضمين معنى الحقد والضغن اياه.

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٢٩٨‌

(٢) سورة البقرة : ٢٢٢‌

(٣) في المصدر : مستقذر‌

(٤) المغرب : ١ / ١٢‌

(٥) الصحاح : ٦ / ٢٢٧٣‌

(٦) القاموس : ٤ / ٣٩١.

١١٦

فشيعه عنده ، وقال له : يا امير المؤمنين اني قد استبطنت أمر هشام فاذا هو يزعم‌

______________________________________________________

قوله : فشيعه (١)

باعجام الشين وتشديد الياء واهمال العين من باب التفعيل والتشديد للنسبة ، أي نسبه الى التشيع ورماه بالرفض عند هارون.

وفي طائفة من النسخ « فشيئه » بالهمزة مكان العين ، يقال : شيأ الله وجهه اذا دعوت عليه بالقبح ، قاله في مجمل اللغة.

وفي أساس البلاغة : غلام مشيا مختلف الخلق كان فيه من كل شي‌ء شيئا ، وشيأ الله خلقه (٢).

وأما شيأ الله كذا فمن تشي‌ء الشى‌ء ، أي أبدعه وخلقه وجعله شيئا ، وقولهم شيأه على كذا معناه حمله على الاقدام به.

في القاموس : المشيأ كمعظم المختلف الخلق المختلة ، وشيأته على الامر حملته عليه ، والله وجهه قبحه (٣).

وفي نسخة عتيقة « فسيئه » باهمال السين تفعيلا من السي‌ء على ظاهر اللفظ ، وان كان أصله سيوءا على فيعل كما في حيز وصيب ، لا فعلا كبيع وخير.

قوله : قد استبطنت أمر هشام‌

أي تعرفت باطن أمره واستكشفت دخلة سره ، ويقال : بطنت هذا الامر عرفت باطنه ، واستبطنت بمعناه ، وفي أسماء الله الحسنى « الباطن » قيل : هو العالم بما بطن ، وقيل : المحتجب بكبرياء عزه وجلاله عن أبصار الخلائق وأوهامهم ، فلا يدركه البصر ولا يحيط به عقل ولا يبلغ الى طوار جنابه وهم وفطانة.

__________________

(١) وفي المطبوع من الرجال بجامعة مشهد : فسبه ، وبالنجف : فشنعه.

(٢) أساس البلاغة : ٣٤٢‌

(٣) القاموس : ١ / ٢٠‌

١١٧

أن لله في أرضه اماما غيرك مفروض الطاعة ، قال : سبحان الله ، قال : نعم ، ويزعم أنه لو أمره بالخروج لخرج ، وانما كنا نرى أنه ممن يرى الالباد بالارض.

فقال هارون ليحيى : فاجمع عندك المتكلمين وأكون أنا من وراء الستر بيني وبينهم ، لا يفطنون بي ، ولا يمتنع كل واحد منهم أن يأتي بأصله لهيبتي ، قال : فوجه يحيى فاشحن المجلس من المتكلمين ، وكان فيهم ضرار بن عمرو ، وسليمان بن جرير ، وعبد الله بن يزيد الاباضي ، وموبذان موبذ ، ورأس الجالوت.

قال ، فتسألوا وتكافوا وتناظروا وتناهوا الى شاذ من مشاذ الكلام ، كل يقول لصاحبه لم تجب ويقول قد أجبت ، وكان ذلك من يحيى حيلة على هشام ، اذ لم يعلم بذلك المجلس واغتنم ذلك لعلة كان أصابها هشام بن الحكم.

______________________________________________________

قوله : وانما كنا نرى أنه ممن يرى الخ‌

أي كنا نظن أن هشاما ممن رأيه الالباد بالارض ، يقال : ألبد بالمكان إلبادا أقام ، وألبد الرجل لا يفارق منزله ، وكذلك لبد بالارض لبودا ، قاله في مجمل اللغة.

وفي القاموس : لبد كنصر وفرح لبودا ولبدا أقام ولزق كالبد (١).

والمراد هنا القعود عن الخروج والمجاهدة ولزاق المقام ولزامه وأما الباد البصر في الصلاة فمعناه الزامه موضع السجود من الارض ، فان ذلك امارة خشوع القلب.

قوله : وتناهوا الى شاذ من مشاذ الكلام‌

مشاذ الكلام بفتح الميم واعجام الشين وتشديد الذال المعجمة ، تقال : لشواذ الاقوال ونوادرها ، كما تقال : مداق النكات لدقائقها وغوامضها.

تقول : كلمة شاذة وقول شاذ ورواية شاذة ، اذا كانت مخالفة لما تقتضيه الاصول والقوانين ، ويذهب اليه السواد الاعظم من العلماء المراجيح.

__________________

(١) القاموس : ١ / ٣٣٤‌

١١٨

فلما أن تناهوا الى هذا الموضع ، قال لهم يحيى بن خالد : ترضون فيما بينكم هشاما حكما؟ قالوا : قد رضينا أيها الوزير فانى لنا به وهو عليل ، قال يحيى : فأنا أوجه اليه فأسأله أن يتجشم المجي‌ء ، فوجه اليه فأخبره بحضورهم ، وأنه انما منعه أن يحضره أول المجلس اتقاء عليه من العلة ، فان القوم قد اختلفوا في المسائل والاجوبة ، وتراضوا بك حكما بينهم ، فان رأيت أن تتفضل وتحمل على نفسك فافعل.

فلما صار الرسول الى هشام : قال لي : يا يونس قلبي ينكر هذا القول ، ولست آمن أن يكون هاهنا أمر لا أقف عليه ، لان هذا الملعون يحيى بن خالد قد تغير علي لأمور شتى ، وقد كنت عزمت ان من الله علي بالخروج من هذه العلة أن أشخص الى الكوفة وأحرم الكلام بتة وألزم المسجد ، ليقطع عني مشاهدة هذا الملعون ـ يعني يحيى بن خالد ـ.

قال : فقلت : جعلت فداك لا يكون الا خيرا ، فتحرز ما أمكنك ، فقال لي : يا يونس أترى أتحرز من أمر يريد الله إظهاره على لساني أنى يكون ذلك ، ولكن قم بنا على حول الله وقوته.

فركب هشام بغلا كان مع رسوله ، وركبت أنا حمارا كان لهشام ، قال : فدخلنا المجلس فاذا هو مشحون بالمتكلمين ، قال : فمضى هشام نحو يحيى فسلم عليه وسلم على القوم وجلس قريبا منه ، وجلست أنا حيث انتهى بي المجلس.

قال : فأقبل يحيى على هشام بعد ساعة ، فقال : ان القوم حضروا وكنا مع حضورهم نحب أن تحضر ، لا لان تناظر بل لان نأنس بحضورك اذ كانت العلة تقطعك عن المناظرة وأنت بحمد الله صالح ليست علتك بقاطعة عن المناظرة ، وهؤلاء القوم قد تراضوا بك حكما بينهم.

______________________________________________________

وفي عضة من النسخ « مقال الكلام » (١) بتشديد اللام من القل بالكسر ، بمعنى النواة التي تنبت ضعيفة منفردة ، والاقلال بمعنى قلة الجدوى والجدة.

__________________

(١) كما في المطبوع من الرجال بجامعة مشهد.

١١٩

قال : فقال هشام للقوم : ما الموضع الذي تناهيتم به في المناظرة؟ فأخبره كل فريق منهم بموضع مقطعه ، فكان من ذلك أن حكم لبعض على بعض ، فكان من المحكومين عليه سليمان بن جرير فحقدها على هشام.

قال : ثم ان يحيى بن خالد قال لهشام : انا قد غرضنا من المناظرة والمجادلة منذ اليوم ، ولكن ان رأيت أن تبين عن فساد اختيار الناس لإمام ، وان الامامة في آل الرسول دون غيرهم؟ قال هشام : أيها الوزير العلة تقطعني عن ذلك ، ولعل معترضا يعترض فيكتسب المناظرة والخصومة.

______________________________________________________

قوله : انا قد غرضنا من المناظرة‌

باعجام الغين المفتوحة وكسر الراء قبل الضاد المعجمة من باب فرح ، من الغرض بالتحريك بمعنى القلق والضجر والملال أي تضجرنا ومللنا وتبرمنا من المناظرة والمجادلة.

ومن لم يعلم ذلك صحفها باهمال العين ، ثم حرفها بادخال همزة القطع عليها فضبطها « أعرضنا » (١) من باب الافعال ، فغشي هذا التسقيم في طائفة من النسخ.

قال في المغرب : وأما ما في المنتقى ، رجل قالت له امرأته أبغضتك وعرضت منك ، فالصواب غرضت بالغين المعجمة وكسر الراء ، من قولهم : غرض فلان من كذا ، اذا مله وضجر منه ، قال ابو العلاء :

اني غرضت من الدنيا فهل زمني

معط حياتي لغر بعد ما غرضا

والجوهري في الصحاح والفيروزآبادي في القاموس حسبا أنه قد جاء الغرض بمعنى الشوق أيضا ، فيقال غرضت اليه بمعنى اشتقت اليه ، كما يقال : غرض بالمقام يغرض غرضا ، اذا مل وتضجر وقلق (٢).

__________________

(١) كما في الرجال المطبوع بالنجف الاشرف.

(٢) الصحاح : ٣ / ١٠٩٣ والقاموس : ٢ / ٣٣٨.

١٢٠