عدّة الأصول

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

عدّة الأصول

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: محمد مهدي نجف
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

وأما الكلام فى الحظر والاباحة (۱) ، فعندنا وعند أكثر من خالفنا، طريقه العقل. فهو أيضاً خارج من هذا الباب.

____________________________________________

بالشهادة، لم تكن الشهادة مقبولة (٢) (انتهى) .

فطريق ذلك العقل كما مر في الاجماع .

وعند مخالفينا ومن تبعهم ان المفتي: هو المجتهد والمستفتى : هو المقلد للمجتهد. وطريق ذلك عندهم السمع، أي الخطاب ولا طريق له عندنا أصلا، كمامر في القياس والاجتهاد .

(۱) قوله : (وأما الكلام فى الحظر والاباحة الخ) يعني ان الكلام فيهما قبل ورود الشرع بخصوص شيء أو بعمومه، هو المتنازع فيه . والمعركة بين الآراء فهو خارج عن القسم الثالث، لان دليله . حينئذ العقل لا الخطاب

ولا يخفى أنه اذا خرج عن هذا القسم ، خرج عن اصول الفقه مطلقاً لان محموله الحكم العقلي الواصلي، لمامر من أن العقل لا يستقل الا به .

ومحمول اصول الفقه الحكم الشرعي. اما الواقعي أو الواصلي، كمامر. والاقلون من المخالفين ، هم الذين سيشير المصنف ، الى انهم خرجوا عن المتنازع فيه، في أواخر (فصل في ذكر بيان الاشياء التي يقال انها على الحظر أو الاباحة ) بقوله : ونحن لا نمنع ان يدل دليل السمع على ان الاشياء على الاباحة، بعد ان كانت على الوقف بل عندنا الأمر على ذلك، واليه نذهب و على هذا سقطت المعارضة بالايات (۳) (انتهى) .

ويظهر بما ذكرنا ان ما ذهب اليه بعض المتأخرين، من أن الكلام في حظر

__________________

(۲) اصول الکافی ۰۷:۱

(۳) ياتي في الجزء الثاني ان شاء الله تعالى

٤١

والاولى في تقديم هذه الاصول (۱) ، الكلام في الاخبار، و بيان أحكامها ، وكيفية أقسامها . لانها الطريق الى اثبات الخطاب ثم الكلام فى أقسام الخطاب ، ثم الكلام في الافعال، لانها متأخرة عن العلم بالخطاب. ثم الكلام فى تتبع ما عده المخالف أصلا و ليس منه .

ولما كان المبتغى (۲) بهذه الاصول العلم ، فلا بد من أن نبين فصلا يتضمن بيان حقيقته، والفرق بينه وبين الظن وغيره .

____________________________________________

الاشياء واباحتها، قبل ورود الشرع لغو ، كلام في محله. لكن لا لما ذكره من أنه بحث على تقدير غير واقع بناء على ان كل حكم فيه خطاب يعلمه أهله، لانه يحتمل أن يراد بالورود البلوغ .

وأيضاً التقدير واقع في غير المكلفين ، نحو الاطفال المميزين ، بل لانه خارج عن اصول الفقه . فينبغي أن يقتصر في البحث عنهما على اثبات الخروج .

ويظهر أيضاً انه ينبغي أن يبحث عن الاباحة بالشرع العام . ويلحق بهذا القسم من اصول الفقه ، وان أمكن تركه لظهوره ، وعدم كثرة مباحثه أو دقتها

( ۱ ) قوله . ( والأولى في تقديم هذه الأصول ) الأولى في ترتيب هذه الاصول .

(۲) قوله : ( ولما كان المبتغى الخ) هذا شروع في بيان الاحتياج الى ذكر الفصول الخمسة، بعد الفصل الأول، وقبل الشروع في المقاصد على سبيل البداية ، و

٤٢

وما يصح من ذلك أن يكون مطلوباً (۱) ومالا يصح

____________________________________________

هو معطوف على قوله (أبدأ في أول الكتاب) والاولى بيان الاحتياج الى ما في ( فصل في ذكر أقسام أفعال المكلف ) . لانه ذكره على سبيل المبدأية. و كأن رأي المصنف فيه كان أولا أن لا يذكره في المبادىء، لانه ذكره في الكلام في الافعال، ثم ذكر بعضه في الكلام في الحظر والاباحة .

والأولى أيضاً بيان الاحتياج الى ما في فصل في ذكر الوجه الذي يجب أن يحمل عليه مراد الله بخطابه لانه ذكره على سبيل المبدأية . وكأن راي المصنف فيه أيضاً كان أولا أن لا يذكره، ويكتفي فيه بماذكره في أواخر (فصل في حقيقة الكلام) .

ثم يحتمل ان يراد بقوله المبتغى بهذه الأصول العلم ان المقصود بيان مسائل الاصول العلم بتلك المسائل .

ويحتمل أن يراد أن المقصود باثبات مسائل الاصول، العلم بالفقه. وهذا يدل على ان جل الفقه الذي هو نتيجة مسائل الاصول، محموله الاحكام الفقهية الواصلية، اذ العلم بالواقعية غير مترتب على هذه المسائل ، في هذا الزمان. الا الشاذ النادر، كما يظهر على المتتبع .

(۱) قوله: (وما يصح من ذلك أن يكون مطلوباً ) المراد بكونه مطلوباً، أمر الشارع به. فيحتمل أن يكون ذلك اشارة به، فيحتمل الى العلم، أوالى الظن، أو الى كليهما، والعلم الذي يصح أن يكون مطلوباً للشارع هو المكتسب لانه من فعل العالم .

وقدمر أن ما يتوقف عليه ثبوت الشرع من العلوم المكتسبة ، لا يصح أن يكون مطلوباً للشارع . فما لا يصح هو ، والضروري أيضاً ، لانه من فعل غير

٤٣

ولابد أيضاً من بيان ما لا يتم العلم الا به (۱) من حقيقة النظر ، و شرائط الناظر ، وما يجب أن يكون عليه (۲) وبيان معنى الدلالة و سایر متصرفاته واختلاف العبارة عنه .

ولما كان الاصل في هذا الباب الخطاب ، وكان ذلك كلاماً فلا بد من بيان فصل يتضمن معنى الكلام، وبيان الحقيقة منه، والمجاز وانقسام انواعه .

ولما كان الكلام صادراً من متكلم ، فلابد من بيان من يصح الاستدلال بكلامه ومن لا يصح ، ويدخل في ذلك الكلام فيما يجب أن يعرف من صفات الله تعالى وما لا يجب. وصفات النبي (ص) وصفات الأئمة عليهم‌السلام القائمين مقامه ، الذين يجرى قولهم مجرى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله . ونحن نبين جميع ذلك في أبوابه على غاية من

____________________________________________

العالم . وألا تكليف ، الا لفعل المكلف ، والظن الذي يصح أن يكون مطلوباً ما يكون في محل الحكم ، ومالا يصح ما يكون في نفس الحكم ، كما سيذكره في الفصل الثاني بقوله ( وأما الظن فعندنا وان لم يكن أصلا الخ) .

(۱) قوله : ( ما لا يتم العلم الابه) اللام للعهد والمراد اما العلم الذي يصح أن يكون مطلوباً ، وهو المكتسب . واما علم اصول الفقه. أو اللام للجنس، وحينئذ يراد بالتمام الكمال .

(۲) قوله: ( وما يجب أن يكون عليه) عطف تفسير بشرايط الناظر، والضمير في (يكون) للناظر ، وفي (عليه) لما .

٤٤

الاختصار حسب ما تقتضيه الحاجة اليه (۱) .

ونتقصر فيما نذكره على الاشارة الى ذكر ما ينبغي أن يعتمد عليه ويحصل العلم به دون أن يقترن ذلك بالادلة المفضية اليه ، لان لشرح ذلك موضعاً غير هذا . والمطلوب من هذا الكتاب بيان ما يختصه من تصحيح اصول الفقه التي ذكرناها، وبيان الصحيح منها، والفاسد ان شاء الله تعالى .

فصل

في بيان حقيقية العلم (۲) وأقسامه ومعنى الدلالة

وما يتصرف منها

__________________

(۱) قوله ( حسب ما تقتضيه الحاجة اليه) الضمير الأول لـ (ما) والثاني لـ (الجميع) .

قوله ( ويحصل العلم به منصوب معطوف على يعتمد) وضمير المفضية اليه راجع الى (العلم) .

(۲) قوله قدس سره ( فصل في بيان حقيقة العلم ) المشهور ان الصورة الحاصلة في الذهن، ان كان اذعاناً ، وقبولا للنسبة ، يسمى تصديقاً ، والاتصوراً والتصديق ان كان مع تجويز نقيضه يسمى ظناً، سواء كان مطابقاً للواقع ، أم لا . وان لم يكن مع تجويز ، يسمى جزماً واعتقاداً .

وقد يطلاق الاعتقاد على التصديق مطلقاً ، والجزم ان لم يكن مطابقاً للواقع يسمى جهلا مركباً . وان كان مطابقاً له ، فان كان ثابتاً ، أي ممتنع الزوال ،

٤٥

حد العلم ما اقتضى سكون النفس (۱)

____________________________________________

يسمى يقيناً . ومرادهم امتناع الزوال، بشرط بقاء كمال العقل . وتذكر ما حصل عنه من البرهان ، أو المشاهدة ، أو نحوهما على الوجه الذي حصل عنه .

وقد يطلق اليقين على أخص من هذا ، وهو أن يكون المعلوم بهذا العلم منظوراً للعالم . كأنه يشاهده ، فيعمل به ، ولا يخالفه أصلا كما يظهر من الكافي في كتاب الايمان والكفر ، في باب حقيقة الايمان واليقين (٢) .

وقد يطلق العلم على هذا ، ويمكن أن يحمل عليه قوله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ ) (۳) وان لم يكن ثابتاً يسمى تقليد .

و قد يطلق التقليد على العمل بقول الغير مطلقاً ، كما سيظهر بقول المصنف

( وأما المقلد الخ) . والعلم يطلق على ثلاثة معان :

الأول : عند المنطقيين ، وهو الصورة الحاصلة في الذهن .

الثاني : عند المتكلمين ، وهو ما يتناول اليقين والتصور مطلقاً . قال في التجريد ، في بحث الكيفيات النفسانية : منها العلم ، وهو اما تصور أو تصديق جازم مطابق ثابت (۴) (انتهى) .

الثالث : عند الاصوليين، وأهل اللغة ، وهو اليقين. وعليه مبنى الاطلاقات في الكتاب والسنة ، مع عدم القرينة الصارفة . واليه يرجع حد المصنف .

(۱) قوله (حد العلم ما اقتضى سكون النفس) السكون أمر عدمي ، والعلم وجودي . فلا يتوهم اتحاد المقتضي والمقتضى ، ولم يقل ( ما اقتضى تمييزاً لا

__________________

(۲) اصول الكافي ٢ : ٥٢

(۳) سورة محمد : ۱۹

(٤) كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد : ۱۷۲

٤٦

وهذا الحد أولى (۱) من قول من قال: انه اعتقاد للشيء

____________________________________________

يحتمل النقيض ) كما قيل: للزوم الاتحاد.

ولان ضمير لا يحتمل ان رجع الى التمييز حقيقة ، كما هو الظاهر يرد أنه لا نقيض للتمييز، أوله نقيض محتمل وان رجع الى متعلقه ، يخرج عنه العلم بما عد القضايا الضرورية . فلابد أن يرجع الى التمييز مجازاً .

ويراد عدم احتمال متعلقه باعتبار تعلقه به ويرجع الى عدم تحقق احتمال نقيض متعلق التمييز في ظرف التمييز وهو تكلف يجب الاحتراز عنه في صناعة التعريف

(۱) قوله (وهذا الحد أولى الخ) كأن ذكر الاعتقاد أولى من عدمه . ليندفع النقض باللذة ، على تقدير عدم كون اللذة والالم نوعين من العلم . فان ارتكاب ان المراد بالسكون ، عدم تجويز النقيض ، أو ما هو أخص منه ، تكلف لعدم دلالة اللفظ عليه. وكون اللذة والالم نوعين من العلم ، لا يغني عن قيد يخرج اللذة ، لاختلاف الحيثية باختلاف السكونين

وأما قوله (على ما هو به) فغير محتاج اليه للتمييز .

وفي شرح رسالة العلم : (۲) ان المراد بما اقتضى سكون النفس ، الاعتقاد الذي اقتضي سكون النفس . (انتهى) .

__________________

(۲) رسالة العلم: وهي مجموعة مشتملة على مسائل من مباحث علم الله تعالى وما يناسبها ومجموعها أربع وعشرون مسألة للشيخ المحقق المتكلم كمال الدين أبي جعفر أحمد بن على ابن سعيد بن سعاده .

وشرحها المحقق المتكلم الخواجه نصیر الدین ، محمد بن محمد بن الحسن الطوسى المتوفى سنة ٦٧٢ هـ . الذريعة ١٥ : ٣١٥ .

٤٧

على ما هو به مع سكون النفس لان الذي يبين (۱) به العلم من غيره من الاجناس، هو سكون النفس دون كونه اعتقاداً، لان الجهل أيضاً اعتقاد ، وكذلك التقليد (۲) ، ولا يبين أيضاً، بقولنا للشيء على ما هو به لانه يشاركه فيه التقليد أيضاً . اذا كان معتقده على ما هو به والذي يبين به هوسكون النفس .

____________________________________________

لا يقال فيخرج حينئذ علم الله تعالى ، اذ لا يسمى اعتقاداً . ولا يخرج عن حد المصنف ، لانه يطلق على ذاته تعالى النفس . كقوله تعالى: ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) (۳) .

ويتحقق فيه السكون لانا نقول : علمه تعالى خارج عن المحدود . اذهو علم الحادث المنقسم الى الضروري والمكتسب الذين لا يتحققان في علمه تعالى واطلاق النفس عليه تعالى مجاز من باب المشاكلة ، على انه لاسكون فيه . اذ ليس من شأنه الاضطراب .

وبهذا خرج التصور عن حد المصنف ، اذليس من شأن النفس الاضطراب فيه . وهذا كما ان من يحيل حركت الجسم في شيء يحيل اتصافه بالسكون فيه.

(۱) قوله (لان الذي يبين الخ) حاصله ان مقصود المعرفين للعلم ، ليس الا البيان، أي التمييز. فذكر الاعتقاد لغو . وان سلم كونه جنساً أيضاً . ولا يمكن المناقشة بان التدرج في البيان أدخل فيه . لانهم لم يعتبروا العرض العام في التعريفات .

(۲) قوله ( و كذلك التقليد) المراد بالتقليد اعتقاد الشيء على ما هو به ، لامع

__________________

(٣) سورة المائدة : ١١٦

٤٨

فينبغي أن يقتصر عليه وليس من حيث (۱) ان ما اقتضى سكون النفس لا يكون الا اعتقاداً للشيء على ما هو به ينبغي أن يذكر (۲) في الحد كما انه لابد من أن يكون عرضاً ، وموجوداً ، ومحدثاً ، وحالا في المحل . ولا يجب (۳) ذكر ذلك في الحد من حيث لا يبين به ، فكذلك ما قلناه. ولا يجوز أن يحد العلم بانه المعرفة، لان المعرفة هي العلم بعينه. فلا يجوز أن يحد الشى (۴) بنفسه. ولا يجوز أن يحد بانه اثبات، لان الاثبات فى اللغة : هو الايجاب (۵) .

_____________________________________________

سكون النفس .

(۱) قوله (وليس من حيث الخ) هذا منع معارضة مع سند هو قوله ( كما أنه الخ) ولو جعل هذا السند دليلا على المدعي يمكن المناقشة فيه ، بالفرق بكون الاعتقاد جنساً بخلاف البواقي . وبان ما اقتضى سكون النفس أعم من الاعتقاد . فكان ينبغي أن يذكر في الحد كما مر .

(۲) قوله (ينبغي أن يذكر ) اشارة الى أن ما لا ينبغي فعدمه أولى .

(۳) وقوله (ولا يجب) المراد الوجوب الاستحساني أي لا ينبغي، واياه أراد من قال بدله (لا يجوز) .

(٤) قوله (فلا يجوز أن يحد الشيء الخ) وذلك لان التعريف بالمرادف غير جائز الافي اللفظي اذا كان أجلى ، وكلاهما منتف فيما نحن فيه . وان امكن المناقشة في الأول .

(٥) قوله لان الاثبات في اللغة هو الايجاب يفهم من هذا الحصر ان مراده ان الاثبات حقيقة في الايجاب فقط مجاز في غيره ، ولا يجوز استعمال

٤٩

ولاجل ذلك يقولون: أثبت السهم في القرطاس. أي: أوجبته فيه .

ويعبر أيضاً في الخبر عن وجوب الشيء كما يقال في المجبرة (۱) انهم مثبتة (٢) .

ثم ان ذلك ينتقض بالتقليد لانه أيضاً اثبات للمشيء على ما هو به (۳)، ان اريد بهذه اللفظة الاعتقاد، وان اريد بها العلم، فقد حد الشيء بنفسه .

والعلوم على ضربين : ضروری و مكتسب . فحد الضرورى ما كان من فعل غير العالم به (۴) ، وهو انما يكون

____________________________________________

الالفاظ المجازية في الحد ، الامع القرينة القوية . وهي منتفية هنا

والسهم : النبل ، والقرطاس : بكسر القاف ، كل أديم ينصب للنصال

(۱) قوله ( كما يقال في المجبرة) هو بالجيم والباء الموحدة . انما سميت المجبرة مثبتة ، لاخبارهم في كل فعل من أفعال العباد ، انه واجب ، لا يمكن لهم دفعه عن انفسهم . وهو خلاف الواقع كما فصل في المقدمة الثانية ، من مقدمات بيان الحاجة .

(۳) قوله (اثبات للشيء على ما هو )به الاولى اسقاط قوله (على ما هو به) ونقضه بالجهل أيضاً .

(٤) قوله ( ما كان من فعل غير العالم به) أي ما كان باجراء الله تعالى عادته

__________________

(۲) الملل والنحل ١ : ٨٥

٥٠

على وجه لا يمكنه (۱) دفعه عن نفسه بشك أو شبهة وهذا الحد أولى

____________________________________________

بفعله بحسب ما يعلمه الله من المصلحة بدون سبب موجب يكون من فعلنا. كما يفهم مما سيجيء في بحث الخبر المتواتر من قول المصنف (وأما الشرط الذي يختص بمراعاته الخ) وسيجيء معنى العادة .

فان قيل : الادراك من فعلنا وهو موجب للعلم الضروري بالمدرك ، كما سيجيء في قول المصنف : (والضرب الثاني ما يقف على شرط الخ) .

قلنا : الادراك ليس بكاف لاشتراط ارتفاع اللبس ، وهو ليس من فعلنا. أولاشتراط العقل ، فانه يحصل في البهيمة ، والعلم مرتفع . ولو كان مولداً الحصل على كل حال . والجارفي فيه متعلق بفعل ، وضميره للعالم .

(۱) قوله (على وجه لا يمكنه الخ) الاولى اسقاطه ، أو زيادة ما يشعر بانه خارج عن الحد . كأن يقال : وهو انما يكون على وجه الى آخره .

اما (أولا) فلعدم مدخليته في التمييز ، ولذا لم يذكره في حد المكتسب كما سيجيء .

واما (ثانياً) فلئلا يتوجه على هذا الحد أيضاً ، ما سيذكره في العلاوة ، وان كان مندفعاً أولا

واما (ثالثاً) فلانه سيظهر في معنى امكان الدفع ، ان المراد عدم امكان الدفع عن نفس العالم الكامل العقل . والعلوم الضرورية مأخوذة في تفسير العقل في الجملة ، كما سيجيء ، فيلزم الدور .

والمراد بالشك هنا هوى النفس المذكور في سورة النازعات : (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ،‏ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ) (۲) . والمراد بالشبهة بالضم : ما

__________________

(٢) سورة النازعات : ٤٠ ـ ٤١

٥١

مما قاله بعضهم (۱) من أنه ما لا يمكن العالم به دفعه عن نفسه بشك

____________________________________________

شابه البرهان وليس برهان كالمغالطة ، والخطابة ، والشعر.

(۱) قوله (وهذا الحد أولى مما قاله بعضهم الخ) حاصله ان القوم، اختلفوا في العلم بالبلدان ، والوقايع ، وما جرى مجراهما . هل هو من الضرورية ، أو المكتسبة ، أو على الوقف .

وهو انما يكون بعد الاتفاق على معناهما ، لئلا يكون النزاع لفظياً بأحد المعنيين . فانه معلوم البطلان فيما نحن فيه .

فالاولى تفسيرهما بما يصلح للنزاع ، وما قاله بعضهم لا يقبل النزاع، لانه على هذا المعنى ضروري ، ضرورة . فان العقل يجد عدم الفرق بين العلم بالبلدان ، والضروريات في ذلك ضرورة . وقس على ذلك ما ذكره في العلاوة.

هذا ويرد مثل ذلك على حد المصنف أيضاً ، لان الفلاسفة ذهبوا الى أن فاعلي العلوم ضروريها ، ومكتسبها ، هو المبدأ الفياض ، لاجل الاستعداد .

والاشاعرة (٢) ذهبوا الى أن الجميع باجراء الله تعالى عادته به ، فحد الضروري غير مطرد ، وحد المكتسب على العكس ، وفوق عدم الانعكاس .

اللهم الا أن الانبياء بخلافهم ، لان مسألة ايجاد العباد للافعال المنسوبة اليهم بالمباشرة ، أو التوليد ، معركة مفروغ عنها هنا. لانها من فن الكلام المقدم على فن اصول الفقه .

ومعلوم ان الحركة الذهنية حين النظر ، المنتهية الى النتيجة ، كساير أفعال العباد ، والاختيارية ، والعلم الحادث بالنتيجة ، مولد عنه كما سيجيء

__________________

(۲) هم أصحاب أبي الحسن على بن اسماعيل الاشعرى المتوفى سنة ٣٢٤ . و اليه تنسب الفرقة . الملل والنحل ١ : ٩٤ .

٥٢

أو شبهة اذا انفرد (۱) لان ذلك تحرز (۲) لمن اعتقد بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان زيداً في الدار ، ثم شاهده ، فانه لا يمكنه أن يدفع ذلك عن نفسه ، ومع هذا فهو اكتساب (۳) .

____________________________________________

تحقيقه عند قول المصنف ( والنظر في الدليل من الوجه الذي يدل يوجب العلم) .

ويمكن أن يقال في وجه الأولوية : ان المقصود من بيان حقيقة العلم و اقسامه ، أن يظهر ما يصح من ذلك . أن يكون مكلفاً به . وما لا يصح كما ذكره سابقاً . وانما يظهر ذلك بحد المصنف ، لانه لا تكليف الا بفعل المكلف.

(۱) قوله (اذا انفرد) يعني ان انفرد والمراد بالانفراد : الانفراد عن غيرما أوجبه ، مما يوجب علماً لا يمكن دفعه عن نفسه . أو مما يوجب العلم مطلقاً أو من جميع ما عداه . والعلم الحاصل بالبرهان اذا انضمت اليه براهين كثيرة دالة على ما تعلق به ، منفرد على الأول ، دون الثانيين .

(۲) قوله (لان ذلك تحرز الخ) يعنى ان قيد اذا انفرد ، فائدته ليست الا الاحتراز عن علم من اعتقد بقول النبي ، أي البرهان شيئاً . ثم شاهده ، أي حصل ما يوجب علماً غير ممكن الدفع . واذا لم يكن فائدته الا هذا ، فلا ينفع في دفع ما يورد .

(۳) قوله (ومع هذا فهو اكتساب) ظاهره دعوى ضرورية ان العلم الحاصل من جهة الاكتساب ، لا يزول بالرؤية موافقاً لما روي عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام، في الكافي، في كتاب التوحيد ، في ثالث باب (في ابطال الرؤية) (۴)

وينبه عليه ان العلم من الصفات المشتركة معنى بين الله تعالى وبين خلقه

__________________

(٤) اصول الکافی ١ : ٩٥ .

٥٣

وهذا لا يصح عندنا ، لان العلم بالبلدان والوقائع وماجري مجراهما. هذا الحد موجود فيه (۱) .

وعند كثير من أصحابنا انه مكتسب قطعاً، وعند بعضهم هو على الوقف .

____________________________________________

فليس له افراد حقيقة . انما له الحصص المتميز بعضها عن بعض باعتبار المحل والمتعلق فقط . كما حققناه في الحاشية الأولى ، في ذيل الجواب عن الشك الثاني في المقام الأول من المقامات الثلاثة . لبيان عينية صفات ذاته تعالى ، لذاته تعالى .

فلا يمكن أن يزول فرد منه ، ويحدث بدله فرد آخر ، مع اتحاد المحل والمتعلق

(۱) قوله (هذا الحد موجود فيه لا يقال العلم بالبلدان مثلا ، يمكن دفعه عند اخبار أقل عدد التواتر ، وعدم امكان دفعه ، بعد انضمام الاخبار الزائدة ، لا ينفع ، لانه ليس بمنفرد .

لانا نجيب عنه اما (أولا) : فبان مادة النقض هو العلم بالبلدان ، الحادث بعد الاخبار الزائدة ، كما جوزته ، وهو غير ممكن الدفع للعاقل .

واما (ثانياً) : فبأن بنائه على ان اخبار البلدان اذا صدرت عن أقل عدد التواتر ، جامعة لباقي شروطه ، لم يختص العلم بها بسامع دون سامع . و سيصرح المصنف به في بيان اشتراط كون عدد التواتر أكثر من أربعة و سيجينه تحقيقه ثمة .

واما (ثالثاً) : فبأنه سيصرح المصنف . في بحث الخبر المتواتر ، بأن أخبار البلدان لا داعى للعقلاء على الشبهة فيها . فلا يمكن دفعها بشبهة ، وفيه

٥٤

فلا يصح ذلك على الوجهين معاً (١) على ان ذلك انما يصح على مذهب من يقول ببقاء العلوم. فأما من قال: ان العلم لا يبقى فلا معنى لهذا الكلام عنده .

____________________________________________

تأمل . لان المتبادر من هذا الحد ، عدم امكان الدفع على تقدير وقوع الشبهة ولا يكفي في صدقه على شيء ، مجرد عدم امكان الشبهة .

واما ( رابعاً) : فبان بناء كلامه على أن معنى الانفراد ، هو الأول من الثلاثة السابقة ، مع عدم اشتراك المتغايرين . في جزء . وفيه انه يمكن تغيير البحث فانه يمكن دفعه قبل الاخبار الزائدة . والمتبادر من الحد عدم امكان الدفع في شيء من صور الانفراد ، وما ذكرناه من صوره .

(۱) قوله (فلا يصح ذلك على الوجهين معاً على ما وجهنا به كلامه ، عند قوله وهذا الحد أولى مما قاله بعضهم الخ) لا يرد على هذا ، ان مذهب المصنف فيه الوقف ، على ما سيجيء في بحث الخبر المتواتر. فعدم صحته على القول بانه مكتسب قطعاً غير مضر . ولو سلم فعدم صحته على الوقف محل بحث ، لما اشتهر من أن المعرف بالتعريف الحقيقي في حكم المانع . فما لم يعلم تحقق مادة النقض لم يمكن الرد عليه .

ولا حاجة في الجواب عن الثاني الى جعله تعريفاً لفظياً ، فانه بعيد . و أبعد منه الجواب عنه ، يجعل البحث عن المعرف ، لا من حيث انه معرف . بل من انه مدع بالعرض . وكذا الجواب عن أحدهما ، بان المراد نفي أن يكون صحيحاً على كل واحد منهما .

وأما الجواب عنهما ، بان المقصود ليس الرد على ما قاله بعضهم . بل أولوية ما ذكره المصنف . ويكفي فيها تحقق مادة النقض على مذهب ، ولو

٥٥

لانه لا يبقى وقتين، فيصح (۱) طرو الشبهة في ذلك أو الشك ، فيعتبر (۲) صحة انتفائه بهما أولا (۳) وانما يتجدد حالا بعد حال اللهم (۴) الا أن يراد بذلك (۵) انه لا يصح أن يمنع منه ابتداءاً .

____________________________________________

كان غير مرضى .

وكذا احتمال مادة النقض على المذهب المرضى ، سواء كان معنى الوقف الحكم بعدم الترجيح بالبرهان من احد ، وكونه من المغيبات ، كما هو ظاهر عبارة المصنف ، فيما سيجيء .

أو كان معناه ، الحكم بعدم كون ما نقل عن القوم في الاستدلال دليلا . اذ المعرف بهذا التعريف منهم ، ففيه أنه يأبى عن هذا التوجيه ، لفظ لا يصح.

والأولى ابطال ما قاله بعضهم بالنقض بكثير من القضايا الحسابية ، و الهندسية النظرية ، القليلة المقدمات ، والترتيب . كقولنا : الثلاثة عاد الثمانية عشر، وأمثال ذلك . فانها نظرية ، ولا يمكن دفعها بشك أو شبهة .

(۱) قوله (فيصح منصوب بان القدرة بعد النفي . وهو لا يبقى .

(۲) وقوله (فيعتبر) منصوب معطوف على (فيصح) .

(۳) وقوله (أولا) عطف على صحة انتفائه، لا على ( يعتبر) كما هو الظاهر .

والمراد به ، أو يعتبر عدم صحة انتفائهما به .

(٤) قوله (اللهم الخ) في لفظة اللهم هنا وفيما بعد، اشعار بأن المتبادر من عدم امكان دفعه ، أن لا يمكن دفعه بعد حصوله . فهذا التوجيه ان تم ، فلا ينافي أولوية ما ذكرنا . وفيه ان هذا دفع ، لا دفع هذا . وعدم تكرير هذا البحث المذكور في العلاوة في المكتسب ، يشعر برجوعه عنه تدبر .

(٥) قوله الا ان يراد بذلك ذلك هنا وفي نظيره فيما بعد ، اشارة الى

٥٦

فان اريد به ذلك، فذلك يوجد في العلم الاستدلالي الذي لم يقارنه الضرورى (۱) ، لانه في حال حصول العلم أيضاً لا يمكنه دفعه عن نفسه ، وان لم يكن ضرورياً . وانما يصح أن يدخل الشبهة أو الشك عليه فيمنعا من وجود مثله في الثاني (۲) أو يدخلا في طريقه قبل حصوله فيمنعا من توليده .

فأما حال حصوله فلا يصح على حال، فعلم بذلك ان الصحيح ما قلناه. اللهم الا أن يراد بذلك ما أمكن (۳) ذلك فيه على وجه .

____________________________________________

صحة انتفائه بهما. المنفية في حد الضروري، وفي قوله (فذلك) يوجد اشارة الى عدم الصحة . ففي العبارة تفكيك الاشارة .

(۱) قوله ( الذي لم يقارنه الضروري أي لم يقارنه ما يقتضي العلم الضروري وانما قيده به ، مع انه يوجد في الذي قارنه الضروري أيضاً . لان ما قارنه الضروري ان كان كسبياً ، فيتوهم خروجه عنه ، بقيد اذا انفرد . لو لا دخول ما لم يقارنه فيه . وان كان ضرورياً فلا يصلح للنقض. وضمير عليه راجع الى العلم الاستدلالي .

والمراد بدخولهما عليه ان يكونا بعد حصوله ونسيانه بالكلية .

(۲) قوله فيمنعا من وجود مثله في الثاني لم يقل فيمنعا من وجوده ، أو وجود مثله في الثاني. فانه بعد النسيان بالكلية، لا يعود الا مثله، على القول ببقاء العلوم أيضاً .

(۳) قوله (ما أمكن ذلك فيه على وجه أي أمكن دخول الشبهة، أو الشك فيه. سواء كان حال حصوله، أي بعد تمام النظر الصحيح في دليله ، وبعد حصول

٥٧

فان اريد ذلك كان صحيحاً على مذهبه ، ولا يصح ذلك على مذهبنا لما قلناه من العلم الحاصل بالبلدان والوقائع (۱) .

____________________________________________

شروط توليده العلم . أو كان في طريقه قبل حصوله. أي بعد تمام النظر الصحيح في دليله ، قبل حصول بعض شروط توليد النظر الصحيح للعلم. كالخلو عن اعتقاد الضد، أو كان بعد حصوله ونسيانه بالكلية . واستيناف استدلال عليه، بجواز حدوث مانع عن توليده حينئذ. كاعتقاد الضد والممكن من الشقوق ، ماعدا الأول. ولما كان المقصود هنا دفع العلاوة فقط، لا يضر كون هذا منافياً لما سيجيء من قول المصنف وللنظر في الدليل من الوجه الذي يدل يوجب العلم، وسنوضحه .

(۱) قوله (فان اريد ذلك كان صحيحاً على مذهبه، ولا يصح ذلك على مذهبنا، لما قلناه من العلم الحاصل بالبلدان والوقائع) المراد انه يصح على مذهب من قال: ان العلم لا يبقى أيضاً، في الخلاف الثاني . ولا يصح على مذهب أصحابنا أيضاً، في الخلاف الأول. ففي كلام المصنف هناك التفكيك .

وبالجملة حاصله على ما سيصرح به أيضاً في قوله : (والعلوم الضرورية على ضربين الخ) ان الضروري بعد حصول مقتضية من المشاهدة المخصوصة ونحوها ، لا يمكن أن يندفع عن كامل العقل. أي من لم يكن اقص الغريزة، كالبله، والصبيان بالهوى أو بالعقائد المضادة الحاصلة عن الشبهة. أي ليس انتفاء الهوى .

واعتقاد الضد شرطاً لايجاب مقتضيه له . فلا يجب انتفاء هما قبله ، بل انما ينتفيان في مرتبة حصوله ان كانا متحققين. لان مقتضى الضروري كما يوجبه يوجب انتفائهما. بخلاف المكتسب، فانه قد يندفع بهما. كما في ظاهر عبارة

٥٨

والعلوم الضرورية على ضربين (۱) ضرب منهما يحصل (۲) في العاقل ابتداءاً، وهو مثل العلم بان الموجود لا يخلو من أن يكون قديماً ، أو غير قديم ، وان الجسم الواحد لا يخلو من أن يكون في مكان، أو لا يكون فيه، وان الذات لابد من أن يكون على صفة، أو لا يكون عليها .

____________________________________________

المصنف هنا. وهو فيما اذا كان المكتسب كثير المقدمات والترتيب . كما في القياسات المركبة الطويلة، فانه قد يتوسط شك في اثناء النظر فيها ، في حصول بعض اجزائه السابق ، أو شبهة نعتقد معها عدم حصوله . فيتم جميع أجزائه في النظر الصحيح، ولا يحصل العلم لعدم تذكره بعض أجزائه حين تمامه ، وهو شرط في توليده العلم .

(۱) قوله : (والعلوم الضرورية على ضربين) ذكر هذا التقسيم هنا ، لبيان معنى عدم امكان الدفع وتفصيله

(۲) قوله (يحصل في العاقل ابتداءاً) المراد بحصوله ابتداءاً أن لا يتوقف على الادراك بقرينة المقابلة ، ولا ينافي ذلك توقفه على تصور النسبة ، أو عليه وعلى الواسطة اللازمة على القول بضرورية المتوقف عليها .

والمراد (بالادراك) ادراك الحواس الظاهرة والباطنة. فيدخل فيه البديهات والفطريات عند القائل بضروريتها ، والوجدانيات من الغير ، المتوقفة على ادراك الحواس الباطنة . وهي ما نجده لا بالالات البدنية ، كشعورنا بذواتنا وأحوالنا ، كالعلم بالعلم وغيره .

هذا وظاهر عبارة شارح المطالع (۳) وغيره ان الوجدانيات مطلقاً ، متوقفة

__________________

(۳) مطالع الانوار : القاضی سراج الدين محمود بن أبي بكر الارموى، المتوفى

٥٩

وتعلق الكتابة (١) بالكاتب والبناء بالباني، وما يجرى مجرى ذلك مما نعده فى كمال العقل وهي كثيرة .

والضرب الثاني: ما يقف على شرط، وهو العلم بالمدركات (۲) لان العلم بها ضرورى ، الا أنه واقف على شرط ، وهو الادراك .

____________________________________________

على ادراك الحواس الباطنة تدبر .

والانسب أن لا تدخل الحدسيات مطلقاً على القول بكونها ضرورية في شيء من القسمين ، لان القسم الأول كما يفهم من الاقتصاد ، يجب أن يكون مما هو مركوز في أول العقل . وهى غير متوقفة على الادراك.

(۱) قوله (وتعلق الكتابة الخ) أي العلم بأن لها محدثاً بعد العلم بحدوثها والحاصل احتياج الحادث الى محدث . وليس المراد كوننا فاعلين لافعالنا الاختيارية . وان العلم به ضروري كما قال في التجريد : ( والضرورة قاضية باستناد افعالنا الينا ) (۳) . لان المسألة معركة لاراء العقلاء وخفاء الضروري عليهم غير جائز كذا قال المصنف في الاقتصاد .

ويمكن أن يقال ، ان النزاع لاجل الاحكام الوهمية ، لا ينافي الاذعان والضرورة كما مر في الوسواسي في النية .

(۲) قوله (وهو العلم بالمدركات أي العلم بوجودها في الخارج . لا يقال هو عين الادراك . فكيف جعل مشروطاً به ؟ لانا نقول : الادراك الحاصل في البهيمة ، ولا علم لها ، فهو غير الادراك .

__________________

سنة ٦٨٩ هـ .

شرحه قطب الدين ، محمد بن محمد الرازي التحتاني المتوفى سنة ٧٦٦ هـ . (لوامع الاسرار) :

(۱) كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد : ۳۳۲ .

٦٠