عدّة الأصول

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

عدّة الأصول

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: محمد مهدي نجف
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

فان قيل : اذا كان العقل يجوز العمل بخبر الواحد، والشرع قدورد به، ما الذى حملكم على الفرق بين ما يرويه الطائفة المحقة وبين ما يرويه أصحاب الحديث من العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهلا عملتم بالجميع، أو منعتم من الكل .

قيل : العمل بخبر الواحد اذا كان دليلا شرعياً فينبغي أن نستعمله بحيث قررته الشريعة، والشرع يرى العمل بما يرويه طائفة مخصوصة فليس لنا أن نتعدى الى غيرها ، كما انه ليس لنا ان نتعدى (۱) من رواية العدل الى رواية الفاسق وان كان العقل مجوزاً لذلك أجمع على ان من شرط العمل بخبر الواحد، أن يكون راويه عدلا بلا خلاف (۲) وكل من اسند اليه ممن خالف الحق (۳) لم يثبت عدالته ،

____________________________________________

(۱) قوله ( كما انه ليس لنا أن نتعدى) المراد بالتعدي، ضم رواية الفاسق الى رواية العدل في جواز العمل بكل منهما . فالمراد بالفاسق ، الفاسق في الرواية ، والمراد ليس لنا على رأيكم . ويجوز أن يراد بالتعدي ترك رواية العدل ، والعمل برواية الفاسق حين التعارض . لكن كون العقل بمجردهما مجوزاً لذلك محل بحث .

(۲) قوله (أن يكون راويه عدلا بلا خلاف) المراد العدالة في الرواية ، أو المراد بلا خلاف لديكم .

(۳) قوله ( من اسند اليه ممن خالف الحق ) أي العامة الذين لم يدخل أحاديثهم في جملة أحاديث أصحابناً ، وأما من دخل حديثه فيها كحفص بن

٣٤١

بل ثبت فسقه، فلاجل ذلك لم يجيز العمل بخبره .

فان قيل : هذا القول يؤدى الى أن يكون الحق في جهتين (۱) مختلفتين اذا عملوا بخبرين مختلفين، والمعلوم من حال أئمتكم وشيوخكم خلاف ذلك .

قيل له : المعلوم (۲) من ذلك انه لا يكون الحق في جهتهم

____________________________________________

غياث (۳) ونظرائه ، فسيجي جواز العمل بروايته، لانه ثقة في الرواية .

(۱) قوله (أن يكون الحق في جهتين هذا هو القول بالتصويب ، وليس معنى التصويب هنا ما توهم بعض من ان الله تعالى حكمين في نفس الامر متناقضين كل بالنسبة الى واحد ، بل معناه ان الله تعالى حكماً واحداً في نفس الأمر من وجده كان محقاً ، ومن أخطأه كان مبطلا ، لكن المبطل معذور في بطلانه غير معاقب عليه ، بل ربما قالوا انه مأجور. فالتخطئة هو القول بأن من لم يجد حكم الله فليس بمعذور في جهله ، لان الادلة القطعية منصوبة في الأكثر وما ليس فيه دليل قطعي يجب عليه الاحتياط والارجاء حتى يلقى امامه ، الا في موضع الضرورة فليستبصر ، وسيجيء في الكلام في الاجتهاد التصريح من المصنف على هذا المعنى للتصويب والتخطئة .

(۲) قوله (قيل له المعلوم الخ) هذا قول بالتصويب باعتبار وبالتخطئة باعتبار آخر .

__________________

(۳) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية ، أبو عمرو النخعى ، القاضي الكوفي روى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، وولى القضاء ببغداد الشرقية لهارون ثم ولاه قضاء الكوفة ، ومات بها سنة أربع وتسعين ومائة ( ١٩٤ هـ ) .

٣٤٢

وجهة من خالفهم في الاعتقاد، فاما أن يكون المعلوم انه لا يكون الحق في جهتين، اذا كان ذلك صادراً من خبرين مختلفين، فقد بينا ان المعلوم خلافه ، والذى يكشف عن ذلك أيضاً ان من منع من العمل بخبر الواحد يقول : ان ها هنا أخباراً كثيرة (١) لا ترجيح (۲) لبعضها على بعض ، والانسان فيها مخير، فلو أن اثنين اختار كل واحد منهما العمل بواحد من الخبرين، أليس كانا يكونان مختلفين؟ وقو لهما حق على مذهب هذا القائل، فكيف يدعى أن المعلوم خلاف ذلك .

ويبين ذلك (۳) أيضاً انه قدروى عن الصادق عليه‌السلام انه سئل عن اختلاف أصحابه في المواقيت وغير ذلك، فقال عليه‌السلام: انا خالفت بينهم فترك الانكار لاختلافهم، ثم أضاف الاختلاف الى انه أمرهم به ، فلولا ان ذلك كان جائزاً لما جاز ذلك منه عليه‌السلام .

فان قيل : اعتباركم الطريقة التي ذكرتموها في وجوب العمل

____________________________________________

(۱) قوله ( أخباراً كثيرة) أي متواترة متعارضة .

(۲) قوله (لا ترجيح الخ) بأن لا يعلم ان التقية مثلا في أي المتعارضين .

(۳) قوله (ويبين ذلك الخ) هذا سند للمنع الورد على النقض مع استظهار، فلا يلزم المصادرة ، ولاحاجة الى دعوى تواتر هذه الرواية .

٣٤٣

بخبر الواحد يوجب عليكم قبولها فيما طريقه العلم، لان الذين اشرتم اليهم اذا قالوا قولا طريقه العلم من التوحيد ، والعدل، والنبوة ، والامامة، وغير ذلك فسألوا عن الدلالة على صحته، أحالوا على هذه الاخبار بعينها. فان كان هذا القدر حجة، فينبغي أن يكون حجة في وجوب قبولهما فيما طريقه العلم، وقد أقررتم بخلاف ذلك .

قيل له : نحن لا نسلم ان جميع الطائفة تحيل على أخبار الاحاد فيما طريقه العلم مما عددتموه، وكيف نسلم ذلك، وقد علمنا بالادلة الواضحة العقلية ان طريق هذه الامور العقل، أو ما يوجب العلم من أدلة الشرع، فيما يمكن ذلك فيه.

وعلمنا أيضاً ان الامام المعصوم لابد أن يكون قائلا به (۱) فنحن لا نجوز أن يكون المعصوم داخلا في قول العاملين في هذه المسائل بالاخبار، واذا لم يكن قوله داخلا في جملة أقوالهم، فلا اعتبار بها، وكانت أقوالهم في ذلك مطرحة، وليس كذلك القول في أخبار الاحاد، لانه لم يدل دليل على ان قول الامام داخل في جملة أقوال المنكرين لها ، بل بينا ان قوله عليه‌السلام داخل في جملة أقوال العاملين بها، وعلى هذا سقط السؤال .

على ان الذي ذكروه مجرد الدعوى من الذى (۲) اشير اليه،

____________________________________________

(۱) قوله (قائلا (به) أي بما قاله جميع الطائفة المحققة

(۲) قوله (من الذي) استفهام انكار .

٣٤٤

ممن يرجع الى الاخبار في هذه المسائل، فلا يمكن اسناد ذلك الى قوم علماء متميزين ، وان قال ذلك غفلة بعض أصحاب الحديث ، فذلك لا يلتفت اليه على ما بيناه .

فان قيل : كيف تعملون بهذه الاخبار، ونحن نعلم ان رواتها أكثرهم كمارووها رووا أيضاً أخبار الجبر (۱) والتشبيه، وغير ذلك من الغلو والتناسخ، وغير ذلك من المناكير، فكيف يجوز الاعتماد على ما يرويه أمثال هؤلاء؟

قيل لهم ليس كل الثقات (۲) نقل حديث الجبر والتشبيه وغير ذلك مما ذكر في السؤال، ولو صح انه نقله لم يدل على انه كان معتقداً لما تضمنه الخبر ولا يمتنع أن يكون انما رواه ليعلم انه لم يشذ عنه شيء من الروايات، لا لانه يعتقد ذلك. ونحن لم نعتمد على مجرد نقلهم، بل اعتمادنا على العمل الصادر من جهتهم، وارتفاع النزاع فيما بينهم، فأما مجرد الرواية فلاحجة فيه على حال .

____________________________________________

(۱) قوله (أخبار الجبر) الظاهر ان الجبر هنا مقابل اختيار العبد لما مر في كلامه رحمه‌الله من اطلاق المجبرة على ما يشمل الاشاعرة، ويحتمل بعيداً أن یراد به ما يقابل اختيار العبد وكسبه ، وأبعد منه أن يراد مقابل قدرة الله

(۲) قوله (قيل لهم : ليس كل الثقات) الظاهر ان (ليس كل) هاهنا مستعمل في السلب الكلي .

٣٤٥

فان قيل : كيف تعولون (۱) على هذه الاخبار وأكثر رواتها المجبرة، (۲) والمشبهة، (۳) والمقلدة، (٤) والغلاة، (۵) والواقفة (٦) والفطحية، (۷) وغير هؤلاء من فرق الشيعة المخالفة اعتقادهم للاعتقاد

____________________________________________

(۱) قوله (فان قيل : كيف تعولون الخ) الأولى درج السؤال المقدم عليه في هذا .

__________________

( ٢ ) المجبرة: الجبر هو نفى الفعل حقيقة عن العبد واضافته الى الله تعالى . والجبرية عدة فرق ذكرهم الشهرستاني في الملل والنحل .

(۳) المشبهة : هي فرقة ممن انتسبت الى الشيعة، القائلين بأن معبودهم على صورة ذات أعضاء وأبعاض ، اما روحانية ، واما جسمانية ، ويجوز عليه الانتقال والنزول و الصعود والاستقرار والتمكن ولكن الشيعة الامامية براء من هذه الافكار والعقائد .

(٤) لم نعثر على مصدر العقائد وأفكار هذه الفرقة على وجه الاستقلال ولعلهم قلدوا أحد الفرق المضلة في عقائدهم وأفكارهم والله العالم .

(٥) الغلاة: هم الذين غلوا في على وفى أئمتهم وقالوا فيهم قولا عظيماً، وقالت طائفة منهم ان محمداً عليه‌السلام هو الله تعالى ينسبون أنفسهم الى الشيعة ولكن الشيعة الامامية ينكرونهم ويلعنونهم . وتجمع الاهواء الغالية على تجسيد الألوهية في على والأئمة عليهم‌السلام ، فهم صور وأشكال يتمثل فيها الجوهر الالهى ذاته. قاله الاشعرى في كتاب المقالات والفرق .

(٦) الواقفة : سموا بذلك لوقوفهم على الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام ولم يأتموا بعده با مام ولم يتجاوزوه الى غيره ومنهم من قال انه مات، ومنهم من قال: انه لم يمت وانما هو حي لا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملاها عدلا كما ملئت جوراً وانه القائم المهدى .

(۷) وهي الفرقة القائلة بان الامامة بعد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام في ابنه عبد الله الافطح، وذلك انه كان عند مضى أبيه أكبر ولده سناً، وجلس مجلس أبيه وادعى الامامة ووصية أبيه .

٣٤٦

الصحيح . ومن شرط خبر الواحد أن يكون راويه عدلا عند من أوجب العمل به، وهذا مفقود فى هؤلاء. وان عولتم على عملهم دون روايتهم، فقد وجدناهم عملوا بما طريقه هؤلاء الذين ذكرناهم وهل ذلك لا يدل (۱) على جواز العمل بأخبار الكفار والفساق .

قيل لهم : لسنا نقول ان جميع أخبار الاحاد يجوز العمل بها ، بل لها شرائط نحن نذكرها فيما بعد (۲) ونشير هاهنا الى جملة من القول فيه .

فأما ما يرويه العلماء (۳) المعتقدون للحق ، فلاطعن على ذلك بهذا السؤال .

وأما ما يرويه قوم من المقلدة ، فالصحيح الذي اعتقده ان المقلد للحق وان كان مخطئاً (٤) في الاصل معفو عنه، ولا أحكم

____________________________________________

(۱) قوله (وذلك يدل) كذا في نسختين وكأنه بتقدير استفهام انكار ، أي وهل ذلك لا يدل ؟ .

( ۲ ) قوله ( نحن نذكرها فيما بعد ) عند ذكر الاخبار اذا تعارضت ، والعدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر .

(۳) قوله ( فأما ما يرويه العلماء ) هذا القسم لم يذكره السائل ، وانما ذكره المصنف لحصر الاقسام .

(٤) قوله (وان كان مخطئاً) سيجيء ان شاء الله تعالى تحقيق الحق، وبيان انه لا يلزم فيه الاغراء بالقبح في (فصل في ذكر صفات المفتي والمستفتي) .

٣٤٧

فيه بحكم الفساق. فلا يلزم على هذا ترك ما نقلوه، على ان من اشاروا اليه لا نسلم انهم كلهم (۱) مقلدة، بل لا يمتنع أن يكونوا عالمين بالدليل على سبيل الجملة، كما تقوله جماعة أهل العدل (۲) في كثير من أهل الاسواق والعامة، وليس من حيث يتعذر عليهم ايراد الحجج في ذلك، ينبغى أن يكونوا غير عالمين ، لان ايراد الحجج والمناظرة صناعة، وليس يقف حصول المعرفة على حصولها كما قلناه في أصحاب الجمل (۳) .

وليس لاحد أن يقول : أن هؤلاء ليسوا من أصحاب الجمل لانهم اذا سئلوا عن التوحيد أو العدل أوصفات الله تعالى أو صحة النبوة، قالوا: كذا روينا ويروون في ذلك كله الاخبار، وليس هذا طريقة أصحاب الجمل (٤) .

____________________________________________

(۱) قوله (لانسلم انهم كلهم) كأنه ينبغي أن يراد به السلب الكلي .

(۲) قوله (أهل العدل) هم القائلون بالتحسين والتقبيح العقليين .

(۳) قوله (أصحاب الجمل) الجمل بفتح الجيم وسكون الميم: الجمع ومعناه عدم التفصيل (٥) .

(٤) قوله (وليس هذا طريقة أصحاب الجمل) فان طريقتهم انهم عملوا الدليل الصحيح الدال على المطلوب وما قدروا على تفصيله، وهؤلاء يستدلون بدليل غير موصل الى المطلوب الذي هو القطع بالاصول .

__________________

(٥) الى هنا سقط من النسخة المطبوعة .

٣٤٨

وذلك انه لا يمتنع أن يكون هؤلاء أصحاب الجمل وقد حصلت لهم المعارف بالله تعالى ، غيرانهم لما تعذر عليهم ايراد الحجج في ذلك، أحالوا على ما كان سهلا عليهم، وليس يلزمهم (١) أن يعلموا ان ذلك لا يصح أن يكون دليلا الا بعد أن يتقدم المعرفة بالله، وانما الواجب عليهم أن يكونوا عالمين، وهم عالمون على الجملة كما قررناه ، فما يتفرع عليه الخطأ فيه (۲) لا يوجب التكفير ولا التضليل .

وأما الفرق الذين اشاروا اليهم من الواقفة، والفطحية، وغير ذلك، فعن ذلك جوابان (۳) :

____________________________________________

(۱) قوله ( وليس يلزمهم الخ ) يعني لا يشترط في كونهم مؤمنين و خارجين عن التقليد علمهم، بأن الاستدلال بالروايات على شيء انما يصح بعد المعرفة بالله على ما هو المشهور، فالاستدلال بها على المعرفة دور، وان كانت متواترة أو مشافهة .

( ۲ ) قوله ( فما يتفرع عليه الخطأ فيه ) أي فالاستدلال الذي يتفرع عليه الخطأ في ان ذلك لا يصح أن يكون دليلا الا بعد المعرفة لا يوجب تكفيرهم لانه ليس من الأصول .

(۳) قوله ( فعن ذلك جوابان ) لعل المراد ان الاصحاب مختلفون في الجواب عن ذلك، وكلام المصنف في آخر الدليل الثاني يدل على ان مرتضاه والجواب الثاني، وكلامه في بحث العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر، يدل على ان مرتضاه الجواب الأول فليتأمل فيه .

٣٤٩

أحدهما: ان ما يرويه هؤلاء يجوز العمل به اذا كانوا ثقات في النقل وان كانوا مخطئين في الاعتقاد، اذا علم من اعتقادهم تمسكهم بالدين ، وتحرجهم من الكذب ووضع الاحاديث، وهذه كانت طريقة جماعة عاصروا الأئمة عليهم‌السلام ، نحو عبد الله بن بكير (۱) وسماعة بن مهران (۲) ونحو بنى فضال من المتأخرين عنهم (۳) وبنى سماعة (٤) ومن شاكلهم، فاذا علمنا ان هؤلاء الذين أشرنا اليهم وان

____________________________________________

لا يقال: ان المانع لا يجب أن يكون معتقداً ، لانه يجب أن لا يكون منكراً ويمكن بعيداً أن يقال كل رواية من روايات هؤلاء لها معاضد من جهة الموثوقين، أو مخالف من جهتهم ، فعمل الطائفة بروايات هؤلاء، المجردة عن المعارض يحتمل الوجهين . وما سيجيء في الدليل الثاني وفي بحث العدالة مبني على الفرض والتقدير، وبيان للاحتمالين على هذا الفرض، ولا يجب أن يكون انفرادها عن المعاضد والمخالف واقعاً .

__________________

(۱) عبد الله بن بكير بن أعين بن سنسن أبو على الشيباني. مولاهم روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام. قال الشيخ الطوسي في الفهرست فطحى المذهب الا أنه ثقة .

( ۲ ) سماعة بن مهران بن عبد الرحمن الحضرمي ، مولى عبد بن وائل بن حجر الحضرمي يكنى أبا ناشرة وقيل : أبا محمد . روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ومات بالمدينة ثقة ثقة، وله بالكوفة مسجد. قاله النجاشي في رجاله

(۳) جماعة منهم: الحسن بن على بن فضال كوفى يكنى أبا محمد، قال النجاشي: وكان الحسن عمره كله فطحياً مشهوراً بذلك حتى حضره الموت فمات وقد قال بالحق. وقال الكشي : كان الحسن بن على فطحياً يقول بامامة عبد الله بن جعفر فرجع . مات سنة (٢٢٤هـ . ) .

(٤) عدة منهم : الحسن بن محمد بن سماعة أبو محمد الكندى الصيرفي من شيوخ

٣٥٠

كانوا مخطئين في الاعتقاد من القول بالوقف وغير ذلك، كانوا ثقات في النقل. فما يكون طريقه هؤلاء جاز العمل به .

والجواب الثاني: ان جميع ما يرويه هؤلاء اذا اختصوا بروايته لا يعمل به و انما يعمل به اذا انضاف الى روايتهم رواية من هو على الطريقة المستقية والاعتقاد الصحيح ، فحينئذ يجوز العمل به . فأما اذا انفرد ، فلا يجوز ذلك فيه على حال ، وعلى هذا سقط الاعتراض .

فأما ما رواه الغلاة، ومن هو مطعون عليه في روايته، ومتهم في وضع الاحاديث، فلا يجوز العمل (۱) بروايته اذا انفرد، فاذا انضاف الى روايته رواية بعض الثقات جاز ذلك، ويكون ذلك لاجل رواية الثقة دون روايته .

وأما المجبرة والمشبهة فأول ما فى ذلك ، انا لا نعلم انهم مجبرة ولا مشبهة، وأكثر ما معنا (۲) انهم كانوا يروون ما يتضمن الجبر و

____________________________________________

(۱) قوله (فلا يجوز العمل الخ) يعنى لا نسلم ان الطائفة عملوا بروايتهم اذا انفردت .

(۲) قوله (وأكثر ما معنا) اشارة الى انه يمكن أن يكون مع أحد من الذين عملت الطائفة برواياتهم روى ما يتضمن الجبر والتشبيه كمامر .

__________________

الواقفة ، كثير الحديث ثقه ثقة ، وكان يعاند فى الوقف ويتعصب . قاله النجاشي في رجاله .

٣٥١

التشبيه، وليس روايتهم لها دليلا على انهم كانوا معتقدين لصحتها، بل بينا الوجه (۱) في روايتهم لها ، وانه غير الاعتقاد المتضمنها ، ولو كانوا معتقدين للجبر والتشبيه، كان الكلام على ما يرونه كالكلام على ما ترويه الفرق المتقدم ذكرها (۲) وقد بينا ما عندنا في ذلك وهذه جملة كافية في ابطال هذا السؤال .

فان قيل : ما أنكرتم أن يكون الذين أشرتم اليهم لم يعملوا بهذه الاخبار بمجردها، بل انما عملوا بها لقرائن اقترنت بها دلتهم على صحتها، لاجلها عملوا بها. ولو تجردت لما عملوا بها واذا جاز ذلك لم يكن الاعتماد على عملهم بها .

قيل له : القرآئن التي تقترن بالخبر، وتدل على صحته أشياء مخصوصة، نذكرها فيما بعد من الكتاب (۳) والسنة، والاجماع والتواتر. ونحن نعلم انه ليس في جميع المسائل التي استعملوا فيها أخبار الاحاد ذلك، لانها أكثر من أن تحصى موجودة في كتبهم

____________________________________________

( ۱ ) قوله ( بل بينا الوجه ) هو العلم بأنه لم يشذ عنهم شيء من الروايات .

(۲) قوله ( الفرق المتقدم ذكرها ) الظاهر الحاقهم بالغلاة، وهو مطعون عليه في سند المنع، لانهم في الكفر نظراؤهم .

(۳) قوله ( من الكتاب الخ ) الأولى من الكتاب والسنة المتواترة والاجماع ودليل العقل.

٣٥٢

وتصانيفهم وفتاويهم ، لانه ليس (۱) في جميعها يمكن الاستدلال بالقرآن، لعدم ذكر ذلك في صريحه وفحواه، أو دليله ومعناه، ولا في السنة (۲) المتواترة لعدم ذلك في أكثر الاحكام (۳) بل لوجودها (٤) في مسائل معدودة ، ولا فى الاجماع (ه) لوجود الاختلاف في ذلك (٦) فعلم ان ادعاء القرائن في جميع هذه المسائل دعوى محالة (۷) .

ومن ادعى القرائن في جميع ما ذكرناه، وكان السبر بيننا وبينه بل كان معولا على ما يعلم ضرورة خلافه، مدافعاً لما يعلم من نفسه

____________________________________________

(۱) قوله ( لانه ليس ) الاولى وانه ليس ، وسيجيء في ( فصل في ذكر جملة ما يحتاج الى البيان وما لا يحتاج) تفسير صريح الخطاب وفحواه ودليله ومعناه .

(۲) قوله (ولا في السنة) الأولى ولا بالسنة ليكون عطفاً على (بالقرآن) .

(۳) قوله (في أكثر الاحكام ) أي الاحكام التي لم تذكر في القرآن .

(٤) قوله (بل لوجودها) الأولى بل وجودها .

(٥) قوله ( ولا في الاجماع ) الأولى ولا بالاجماع .

(٦) قوله (في ذلك أي في أكثر الاحكام التي لم يذكر في القرآن ولا

في السنة المتواترة، والمراد انه ليس في جميعها يمكن الاستدلال اما بالقرآن أو بالسنة المتواترة أو بالاجماع لعدم ذكر أكثر الاحكام في القرآن ولا في السنة المتواترة ولا في الاجماع .

(۷) قوله (دعوى محالة) مبالغة في كون المستدعى محالا .

٣٥٣

ضده (۱) ونقيضه، ومن قال عند ذلك انى متى عدمت شيئاً من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل (۲) ، يلزمه أن يترك أكثر الاخبار ، وأكثر الاحكام، ولا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به وهذا حد يرغب أهل العلم عنه، ومن صاراليه لا يحسن مكالمته ، لانه يكون معولا على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه .

ومما يدل أيضاً على جواز العمل بهذه الاخبار التي اشرنا اليها ما ظهر بين الفرقة المحقة من الاختلاف الصادر عن العمل بها فاني وجدتها مختلفة المذاهب فى الاحكام، يفتى أحدهم بما لا يفتي به صاحبه في جميع أبواب الفقه، من الطهارات الى باب الديات ، العبادات، والاحكام والمعاملات، والفرائض وغير ذلك، مثل

____________________________________________

(۱) قوله ( مدافعاً لما يعلم من نفسه ضده ) قد تكرر مثل هذه العبارة في هذا الكتاب كما في فصل في ذكر الشروط التي يحسن معها الأمر وفي (فصل في ان النهي يدل على فساد المنهي عنه أم لا ) ولا يخفى ما فيها. والاوجه أن يجعل (اللام) بمعنى باء السببية، ويمكن أن يجعل المدافعة أو الدفع بمعنى المكابرة و ( ما ) مصدرية .

(۲) قوله (بما كان يقتضيه العقل) أي الحظر أو الاباحة أو التوقف، وتوهم بعض المتاخرين ان المراد القرائن العقلية الدالة على صحة متضمن تلك الاخبار ، وقال مراده بقوله (يلزمه أن يترك أكثر الاحكام الخ ) انه يلزم من ذلك استقلال العقل بأكثر الفروع الفقهية ، وهذا مما لا يقول به أحد وفيه ما فيه .

٣٥٤

اختلافهم في العدد والرؤية (۱) في الصوم، واختلافهم في أن التلفظ بثلاث تطليقات هل يقع واحدة أم لا ؟ ومثل اختلافهم في باب الطهارة وفي مقدار الماء (۲) الذى لا ينجسه شيء، ونحو اختلافهم في حد الكر، ونحو اختلافهم في استيناف الماء (۳) الجديد لمسح الرأس والرجلين، واختلافهم في اعتبار أقصى مدة النفاس ، و اختلافهم في عدد فصول الاذان والاقامة (٤) وغير ذلك في سائر

__________________

(۱) قوله (في العدد والرؤية ) حيث ذهب بعض الاصحاب الى أن هلال رمضان يثبت بالرؤية لا بالعدد ، وبعضهم الى انه يثبت بكل منهما، واعتبار العدد له معنيان .

الاول: عد شعبان تسعة وعشرين أبداً، ورمضان ثلاثين أبداً .

والمعنى الثاني: عد خمسة من أيام رمضان الماضي وصوم الخامس من الحاضر .

(۲) قوله ( في مقدار الماء الخ ) حيث ذهب بعض الاصحاب الى أنه يشترط في عدم انفعال الماء مقدار يسمى بالكر . وذهب بعض آخر كابن أبي عقيل (٥) الى عدم الاشتراط ، وقال بأن القليل لا ينجس بالملاقاة والذاهبون الى الاشتراط اختلفوا في مقدار الكر .

(۳) قوله ( في استيناف الماء الخ ) حيث جوز بعضهم الاستيناف ولم يجوزه الأكثر .

(٤) قولة (في عدد فصول الاذان والاقامة ) حيث ذهب أكثر الاصحاب

__________________

(١) الحسن بن على بن أبى عقيل، أبو محمد العماني الحذا فقيه، متكلم، ثقة له

٣٥٥

أبواب الفقه حتى ان باباً منه لا يسلم الا وجدت العلماء من الطائفة مختلفة في مسائل منه أو مسألة متفاوتة الفتاوى .

وقد ذكرت ما ورد عنهم عليهم السلام من الاحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابى المعروف بالاستبصار ، وفي كتاب تهذيب الاحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث، وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها، وذلك أشهر من أن يخفى حتى انك لو تأملت اختلافهم في هذه الاحكام، وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة (۱)

____________________________________________

الى أن التكبير في أول الاذان أربع ، وفي آواخره اثنان . وذهب بعض الاصحاب الى تربيع التكبير في أواخره حكاه المصنف في الخلاف (۲) .

والمشهور في الاقامة انها كالاذان الا أن فصولها مثنى ، ويزاد فيها قد قامت الصلاة مرتين ، ويسقط التهليل من آخره مرة. وحكى المصنف في الخلاف عن بعض الاصحاب انه جعل فصول الاقامة مثل فصول الاذان ، ويزاد فيها قد قامت الصلاة مرتين (۲) .

(۱) قوله (يزيد على اختلاف أبي حنيفة الخ) ليس المقصود ان اختلاف الفرقة المحقة واختلاف مخالفيهم من قبيل واحد، وهو الاختلاف في الافتاء والقضاء الحقيقيين، وذلك لانه متضمن للقول على الله بغير علم ، وهو منهي

__________________

كتب في الفقه والكلام. قال الشيخ النجاشي في رجاله : ٣٦ ما لفظه: وسمعت شيخنا أبا عبد الله رحمه‌الله يكثر الثناء على هذا الرجل رحمه‌الله .

(۲) الخلاف ۱: ۹۱ مسألة ٢٠ .

(۳) المصدر السابق .

٣٥٦

عنه في محكمات كثيرة من الكتاب والسنة ، تدل على انه كان منهياً عنه في كل شريعة، فلم بصدر عن الفرقة المحقة ، بل المقصود ان اختلاف الفرقة المحقة في الافتاء والقضاء الغير الحقيقيين أكثر من اختلاف المخالفين في الافتاء والقضاء الحقيقيين .

والمراد بالافتاء بغير الحقيقي، رواية الحديث الجامع لشروط الصحة ليعمل به أحد في نفسه كما في العبادات .

والمراد بالقضاء الغير الحقيقي، رواية الحديث الجامع لشروط الصحة ليعمل به المتعاملان في دين أو ميراث أو نحوهما .

فاختلاف الفرقة المحقة يرجع الى الاختلاف في استجماع الحديث الشروط الصحة فقط كعدالة راويه، وهو ليس نفس حكم الله تعالى بل هو محل حكمه تعالى .

وأما اختلاف المخالفين لنا فيرجع الى الاختلاف في نفس حكمه تعالى وبهذا التحرير يندفع ما رأيت في رسالة من المخالفين مصنفة في مطاعن الشيعة الامامية، وهو ان من مطاعنهم انهم ينكرون علينا اختلاف الفقهاء الاربعة ، مع ان الاختلاف لا يدل على فساد . وفقهاؤهم أشد اختلافاً من الفقهاء الأربعة .

والجواب بعد التسليم ان الاختلافين من قبيل واحد ان اختلاف الفقهاء الاربعة مع قربهم من زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى يروى ان أبا حنيفة أدرك بعض الاصحاب يدل على عدم اتباع الاصحاب العمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واخفاء بعض الاصحاب الحق عمداً وسكوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما سطر في مواضعه .

كيف اختلفوا في عمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يختلف أصحاب أبي حنيفة أو غيره في عمله مع بعدهم من زمانه اختلافهم في عمل النبي هل كان النبي قصر ولم

٣٥٧

والشافعي، ومالك. ووجدتهم مع هذا الاختلاف العظيم لم يقطع أحد منهم موالاة صاحبه، ولم ينته الى تضليله وتفسيقه والبراءة من مخالفه ، فلولا ان العمل بهذه الاخبار كان جائزاً لما جاز ذلك، و

____________________________________________

يبين الاحكام كأبي حنيفة أو لم يقصر وبين واضاعها الاصحاب ، وهل اتكل على القرآن مع ان القرآن يتمسك به كل مخالف للحق ويجادل حتى كاد ان يغلب المحق، أو وصى أن يتمسك الناس بأهل بيته في بيان القرآن بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «اني تارك فيكم الثقلين ... الحديث » (۱) فلم يلتفت اليه الاصحاب وتاهوا في أودية الضلالة ، ورجعوا القهقرى ، ولم يقدروا أهل البيت وأصحابهم على قلتهم . ينبغي للعاقل أن لا يدخل نفسه النار لاتباع الاباء والملوك، أو ظاهر الرياسة، وكثرة الاعوان، أو كثرة فتح البلاد وادخال أهلها في الاسلام، فانه روى البخارى (۲) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : «ان الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» (۳) فهذا قدح في قولهم (الصحابة كلهم عدول) مع علمهم بأنهم تركوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذاهبين الى التجارة والى اللهو .

وأما اختلاف شيعة أهل البيت، فهو لاجل السابقين حيث كفوا أيدي أهل البيت عن التصرف في حقهم وقهروهم على الاختفاء ، واخفاء الاحكام و اختلاف الفتاوى. «ونعم الحكم الله ان يوم الفصل كان ميقاتا» (٢) .

__________________

(۱) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ١٤ و ١٧ .

(۲) أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة البخاري. روى عنه جمع كثير وصنف كثيراً، وأهم ما صنفه صحيحه الذى سمى باسمه مات سنة ( ٢٥٦هـ ) .

(۳) صحيح البخارى، كتاب الجهاد والسير ، باب ۱۸۳.

(٤) النباء : ١٧ .

٣٥٨

كان يكون من عمل بخبر عنده انه صحيح يكون مخالفه مخطئاً مرتكباً للقبيح (۱) يستحق التفسيق بذلك. وفى تركهم ذلك والعدول عنه، دليل على جواز العمل بما عملوا به من الاخبار .

فان تجاسر متجاسر الى أن يقول : كل مسألة مما اختلفوا فيه عليه دليل قاطع، ومن خالفه مخطىء فاسق. يلزمه أن يفسق الطائفة بأجمعها ، ويضلل الشيوخ المتقدمين كلهم، فانه لا يمكن أن يدعى على أحد موافقته في جميع أحكام الشرع، ومن بلغ الى هذا الحد لا يحسن مكالمته، ويجب التغافل عنه بالسكوت ، وان امتنع من تفسيقهم وتضليلهم ، فلا يمكنه الا أن العمل بما عملوا به كان حسناً جائزاً خاصه .

وعلى اصولنا (۲) ان كل خطأ وقبيح (۳) كبير، فلا يمكن أن

____________________________________________

(۱) قوله (مرتكباً للقبيح ) لانه مخالف للقاطع على هذا الفرض .

(۲) قوله (خاصة وعلى اصولنا الخ) اشارة الى انه على اصول المعتزلة أيضاً لا يمكن أن يقال ان خطأهم منخبط لانه وان كان صغيراً يصير مع الاصرار كبيراً عندهم ، ولاشك ان الاصرار فيما نحن فيه متحقق .

(۳) قوله (ان كل خطأ وقبيح الخ) قال الطبرسي في تفسير سورة النساء في قوله تعالى: ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) (٤) قال أصحابنا رضى الله عنهم المعاصي كلها كبيرة من حيث

__________________

(٤) النساء : ٣١ .

٣٥٩

كانت قبائح ، لكن بعضها أكبر من بعض وليس في الذنوب صغيرة وانما يكون صغيراً بالاضافة الى ما هو أكبر منه. ويستحق العقاب عليه أكثر .

و نحوه قول ابن عباس كل ما نهى الله عنه فهو كبير. ثم قال ومعنى الآية ان تجتنبوا كبائر ما نهيتم عنه في هذه السورة من المناكح وأكل الأموال بالباطل وغيره من المحرمات من أول السورة الى هذا الموضع. وتركتموها في المستقبل كفرنا عنكم ما كان منكم من ارتكابها فيما سلف . ويعضده قوله سبحانه « ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف » . ثم قال : وروي ان رجلا قال لابن عباس كم الكبائر ، سبع هي؟ فقال: هي الى سبعمائة أقرب منها الى سبع غير انه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع الاصرار (انتهى) (١) .

ويمكن ان يسمى على اصولنا ما تعلق به نهي التحريم الشرعي كبائر ما نهى عنه، وما تعلق به نهي التنزيه أو نهي التحريم العقلي فقط صغائر ما ينهى عنه ، أو سيئات مكفرة لا يقال تكفير المكروهات واجب ، سواء اجتنب عن المحرمات الشرعية أو لا، وكذا القبائح العقلية المحضة لقوله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ) (۲) .

فما معنى الشرط في الآية، لانا نقول : اطلاق السيئات ليس على المكروهات أو القبائح العقلية فقط، بل على القدر المشترك بينها وبين المحرمات الشرعية فمعنى الآية ان تجتنبوا المحرمات الشرعية فكان سيآتكم منحصرة في المكروهات أو القبائح العقلية، نكفر عنكم سيآتكم، لانحصارها حينئذ في المكروهات أو القبائح العقلية، وان لم تجتنبوا وكان من جملة سيئاتكم المحرمات الشرعية، فالتكفير متعلق بالمشية

__________________

(۱) مجمع البيان ۳: ۳۸ ـ ۳۹ .

(۲) الاسراء: ١٥ .

٣٦٠