عدّة الأصول

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

عدّة الأصول

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: محمد مهدي نجف
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

أللهم الا أن يفرض المسألة فيقال: ان النبي المتقدم، ينص على صفة من يدعى النبوة ويقول : من كان عليها ، وادعى النبوة فاعلموا انه صادق، فان ذلك جائز ، ويكون ذلك نصاً على نبوته ، ومادل على صدقه دال على تصديق هذا ، وان كان بواسطة فبطل بهذا التجويز جميع ما تعلق به في هذا الباب .

فان قالوا: لو جاز قبول خبر الواحد في الفروع لجاز ذلك في الاصول (۱) وفى ثبوت القرآن، لان جميع ذلك من مصالح الدين، فاذا لم يصح ذلك في بعضه، لم يصح في سائره .

قيل له: انه ما كان يمتنع ان يتعبد بقبول خبر الواحد في اصول الدين كما تعبدنا الان بقبوله في فروعه، وان كان لابد من قيام الحجة ببعض الشرائع (۲)

فأما اثبات القرآن ، فان كان ما يرد على مثل القرآن وعلى صفته في الاعجاز ، صح أن يتعبد به، لان كونه على هذه الصفة

____________________________________________

(۱) قوله (لجاز ذلك في الأصول الخ) هذا قياس مع الفارق ، لان شأن الأصول أرفع، وتسليم المصنف في الجواب كونه غير ممتنع التعبد فيه بخبر الواحد، مشعر باعتقاده صحة دليله على جواز العمل بخبر الواحد في الفروع مع جريانه في غيرها أيضاً من الاصول والقرآن وفيه مامر .

(۲) قوله (ببعض الشرائع )كتصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي يستند اليه باقي اصول الدين بعد اثبات الواجب وعلمه وقدرته بالعقل

٣٠١

يوجب العلم وان كان ما يرد لا يكون بصفة القرآن في الاعجاز، فانه لا يمتنع أيضاً

وورود العبادة بالعمل به من غير قطع على انه قرآن مثل ما قلناه في خبر الواحد ، وكذلك ما كان يمتنع أن يتعبد بتخصيص عموم القرآن ونسخه بخبر الواحد، وان كان لم يقع ذلك أصلا، لان الكلام فيما يجوز من ذلك، وما لا يجوز .

فليس لاحد أن يقول : أوجبوا العمل به كما أجزتموه، لان ايجاب العمل يحتاج الى دليل منفصل من دليل الجواز .

فأما من ذهب الى أن العبادة لم ترد به، فان أراد انها لم ترد به بالاطلاق، فهو مذهبنا الذي اخترناه .

وان أراد انها لم ترد على التفصيل الذي فصلناه، فسندل نحن

فيما بعد على ورود العبادة به اذا انتهينا الى الدلالة على صحة ما اخترناه .

وأما من قال: ان العبادة منعت منه وتعلقهم في ذلك بقوله : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (۱) وبقوله : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (۲) وما أشبه ذلك من الايات. فقد بينا تأويل الآية الأولى .

__________________

(۱) الاعراف: ۳۳ ۰

(٢) الاسراء: ٣٦ .

٣٠٢

فأما قوله تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (۱) فلايدل على ذلك أيضاً ، لان من عمل بخبر الواحد، فانما يعمل به اذا دله دلیل (۲) على وجوب العمل به . اما من الكتاب أو السنة أو

____________________________________________

(۲) قوله (فانما يعمل به اذا دله دليل يريد أن يبين انه لا تنافي بين ظاهر الآية وبين العمل بخبر الواحد ، بناءاً على أن الباء في ( به ) للسببية كما هو الاظهر. أو صلة علم .

وعلى الأول ظاهر الآية المنهى عن اتباع القرائن المفيدة للظن دون الادلة المفيدة للعلم ، ومن يعمل بخبر الواحد لا يجب عليه أن يجعل مناط العمل به حصول الظن بمضمونه عن القرائن .

وعلى الثاني ظاهر الآية النهي عن ارتكاب ما لا يعلم جواز ارتكابه جوازاً عقلياً واصلياً، أو جوازاً شرعياً واصلياً. ويرجع حينئذ الى ماذكرنا في بيان الحاجة من أن كل عامل أو تارك يجب عليه أن يعلم ان فعله أو تركه مما يجوز له بالجواز الشرعي الواصلي .

واذا دل الدليل على جواز العمل بخبر الواحد بشروط مقررة عند الاخباريين، وهم النافون للاجتهاد، بمعنى استفراغ الوسع في تحصيل الظن بحكم شرعي. أو بشروط مقررة عند الاصوليين، وهم المثبتون للاجتهاد. كان العمل به قفوا لما علم جواز قفوه وسيكرره المصنف في (فصل في أن القياس في الشرع لا يجوز استعماله) بقوله ( وللمخالف أن يقول ما قلنا بالقياس الا بالعلم وعن العلم الخ ) .

__________________

(١) الاسراء: ٣٦ .

٣٠٣

الاجماع ، فلا يكون قد عمل بغير علم ، وانما الآية مانعة من العمل بغير علم أصلا (۲) ، وقد بينا انا لا نقول ذلك ، لان من علم وجوب العمل بخبر الواحد، فهو عالم بما يعمل به ، فسقط التعلق بهذه الاية أيضاً.

وأما من أوجب العمل به عقلا ، فالذي يدل على بطلان قوله انه ليس في العقل ما يدل على وجوب ذلك وقدسبرنا أدلة العقل، فلم نجد (۱) فيها ما يدل على وجوبه فينبغي أن لا يكون واجباً وأن

____________________________________________

ويندفع بهذا التحرير ماقيل في مسألة مجهول الحال لنا ، الادلة نحو ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (۳) دلت على المنع من اتباع الظن في المعلوم عدالته وفسقه والمجهول، فخولف في المعلوم عدالته بدليل هو الاجماع، فيبقى فيما عداه معمولا به (انتهى) .

فانه لا يوافق مذهب الاخباريين ولا مذهب الاصوليين، ويمكن العلم عند الله تعالى وأهله، أن يستدل بهذه الآية على وجوب كون الامام منصوصاً ، فانه لولاه لكان بينه أول المبايعين له، قفوا لما لم يعلم جواز قفوه ، لانه لم ينقطع بعد احتمال كونه منافقاً أو مرتداً أو فاسقاً أو نحو ذلك، فكذا بيعة الباقين .

(۲) قوله ( أصلا ) أي لا بالحكم الواقعي ولا بالحكم الواصلي .

(۳) قوله (فلم نجد الخ) عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، ثم لا نسلم ان عدم الدليل دليل العدم، فالذي ينبغي هو أن لا يكون معلوم الوجوب، لا أن

__________________

(٣) الاسراء : ٢٦ .

٣٠٤

يكون مبقى على ما كان عليه.

وأيضاً (۱) فان الشريعة مبنية على المصالح، فاذا لم نجد ما يدل على قبول خبر الواحد في العقل، فينبغي أن يكون مبقى على ما كان عليه في العقل، من الحظر أو الاباحة (۲).

وليس لاحد أن يقول (۳): ان فى العقل وجوب التحرز من

____________________________________________

لا يكون واجباً الا أن يراد بالثاني الأول .

(١) قوله (وأيضاً كذا في النسخة) وهو لا يزيد على ما تقدمه الا بما ليس له مزيد دخل فيما نحن فيه .

(۲) قوله ( من الحظر أو الاباحة ) لم يذكر التوقف لرجوعه الى الحظر.

(۳) قوله (وليس لاحد أن يقول الخ ) لا يخفى ان هذا دليل عقلى على وجوب العمل بخبر الواحد المفيد للظن بحكم الله الواقعي فيما استفرغ الوسع فيه ، ولا يجرى فيه الاحتياط الخالي عن الضرر بحيث يعارض، سواء كان في الاصول أو الفروع ، وسواء كان في الأمور الاخروية أو الدنيوية .

وتقريره ان العقل يحكم بأن الاقدام على ما فيه ضرر مظنون قبيح، فيجب اما تحصيل القطع والعمل بمقتضاه ، أو الاحتياط ان لم يسكن فيه ظن ضرر يساوي ما في ترك العمل بخبر الواحد ظناً وضرراً، أو يكون أزيد. وقوله (كما انه يجب علينا تمثيل ) للتوضيح لا انه قياس ، اذيتم الدليل بدونه . ولواراد المستدل اثبات وجوب العمل بخبر الواحد كما يذهب اليه المخالفون ، أو كما ذهب اليه المصنف لم يتم ، لانهم لا يوجبون الاحتياط فيما يمكن .

بقي الكلام في ان هذا يوجب جواز العمل بالقياس في الجملة، ولا بأس

٣٠٥

المضار، واذا لم نأ من عند خبر الواحد، أن يكون الامر على ما تضمنه الخبر، يجب علينا التحرز منه ، والعمل بموجبه. كما انه يجب علينا اذا أردنا سلوك طريق، أو تجارة وغير ذلك، فخبرنا مخبر أن في الطريق سبعاً أو لصاً، أو يخبرنا بالخسران الظاهر، وجب علينا أن نتوقف فيه ونمتنع من السلوك فيه، فحكم خبر الواحد في الشريعة هذا الحكم .

وذلك ان الذي ذكروه غير صحيح من وجوه :

أحدها : ان الاعتبار الذي اعتبروه يوجب عليهم قبول خبر من يدعى النبوة (١) من غير علم يدل على نبوته ، لان العلة قائمة فيه ، وهي وجوب التحرز من المضار، فأى فرق فرقوا في ذلك، فرقنا بمثله في خبر الواحد.

والثاني: ان الذي ذكروه انما يسوغ فيما طريقه (۲) المنافع

____________________________________________

به مع وجوب الاحتياط فيما يمكن .

(۱) قوله (يوجب عليهم قبول خبر من يدعي النبوة الخ ) لقائل أن يقول لعل مادة النقض غير متحققة ، لان كل من يدعي النبوة ولا يظهر المعجزة بعد الطلب يعلم كذبه قطعاً. ولو فرضنا جواز تحققها فنلتزم وجوب الاتباع ان لم يكن تحصيل القطع فيها بأحد الطرفين .

(۲) قوله ( انما يسوغ فيما طريقه الخ) لا فرق بين الدنيوية والأخروية في ان الاقدام على مظنون الضر رقبيح، وفي انه اذا امكن تحصيل القطع أو الاحتياط

٣٠٦

والمضار الدنيوية، فأما ما يتعلق بالمصالح الدينية، فلا يجوز أن يسلك فيها الا طريق العلم (۱) ولهذه العلة أوجبنا بعثة الانبياء واظهار الاعلام (۲) على أيديهم، ولولا ذلك لما وجب ذلك كله

والثالث: ان خبر الواحد لا يخلو أن يكون وارداً بالحظر أو الاباحة، فان ورد بالحظر لا نأ من أن يكون المصلحة (۳) في اباحته وان كونه محظوراً يكون مفسدة لنا ، وكذلك ان ورد بالاباحة جوزنا أن يكون المصلحة تقتضى حظره، وأن تكون اباحته مفسدة لنا ، فنقدم على ما لا نأ من أن يكون مفسدة لنا، لان الخبر ليس بموجب العلم، فنقطع به على أحد الامرين، وذلك لا يجوز في العقول .

____________________________________________

بشروطه فالعمل بالمظنون قبيح ، لانه اقدام على ما لا يؤمن ضرره وهو قبيح ، وان كان انتفاء الضرر مظنوناً .

(۱) قوله (فلا يجوز أن يسلك فيها الاطريق العلم) هذا مسلم بحسب أصل الشرع ، لوجوب نصب الانبياء أو الاوصياء المعصومين في لطف الله تعالى وأما مع التقية وفقد العلم والاحتياط فالجواز معلوم .

ولا يخفى ان هذا الكلام من المصنف على سبيل المنع ، والافلا يطابق اعتقاده من جواز العمل بخبر الواحد في الفروع على التحصيل الذي ذكره اذ غاية ما يفيده الظن تدبر .

(۲) قوله ( واظهار الاعلام) أي المعجزات .

(۳) قوله (لا نأمن أن يكون المصلحة الخ) هذا مندفع فيما لا يمكن تحصيل القطع فيه ، ولا الاحتياط بشروطه ، لان الاقدام على مظنون الضرر قبح ، من

٣٠٧

وليس لاحد أن يقول : اذا لم يكن فى السمع (۱) دلالة على الحادثة الاما تضمنه خبر الواحد، وجب العمل به بحكم العقل. لانا متى لم نعمل به أدى الى أن تكون الحادثة لاحكم لها، وذلك لا يجوز. لانه اذا لم يكن في الشرع دليل على حكم تلك الحادثة وجب تبقيتها على مقتضى العقل (۲) من الحظر، أو الاباحة، أو الوقف. ولا يحتاج الى خبر الواحد، فعلم بهذه الجملة بطلان هذا المذهب .

وأما من أوجب العمل به على ما يذهب اليه مخالفونا في الاحكام فالذي يبطله أن نقول : اذا لم يكن فى العقل ما يدل على ذلك ، فالطريق الى ايجابه السمع، وليس فى السمع دليل على وجوب العمل بخبر الواحد على ما يذهبون اليه، لان جميع ما يدعونه دليلا ليس في شيء منه دليل على وجه ونحن نذكر شبههم في ذلك

____________________________________________

الاقدام على مالا يؤمن ضرره بحسب العقل وارتكاب أقل القبحين واجب في نظر العقل .

(۱) قوله (اذا لم يكن في السمع) هذا يدل على ان مطلوب المستدل اثبات التعبد به فيما لا يمكن تحصيل القطع لا مطلقاً .

(۲) قوله ( وجب تبقيتها على مقتضى العقل الخ ) لا يخفى ان العقل انما يحكم بالاباحة أو الحظر أو الوقف فيما لا يترجح عنده أحد الطرفين بحسب الظن ، كما سيجيء ان شاء الله تعالى في مبحثه ، لكن المصنف انما ذكر هذا سنداً لمنع خلو الحادثة عن الحكم وهو متوجه .

٣٠٨

ونتكلم عليها بموجز من القول .

أحدها : استدلوا به على وجوب العمل بخبر الواحد قوله تعالى ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (۱) قالوا فحث الله تعالى كل طائفة على التفقه، وأوجب عليهم الانذار. والطائفة يعبر بها (۲) عن عدد قليل لا يوجب خبرهم العلم، فلولا أنه يجب العمل بخبرهم لما أوجب عليهم الانذار، لانه لا فائدة فيه .

وربما قووا ذلك بأن قالوا: لما أوجب الله تعالى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الانذار، وجب علينا القبول. ولو لم يجب علينا القبول لما وجب عليه الانذار

____________________________________________

(۲) قوله (والطائفة يعبر بها الخ) قال سيدنا المرتضى في الذريعة (۳) : و ربما قالوا : ان معنى الآية ( ولينذر كل واحد منهم قومه ) واذا صح لهم ذلك استغنوا عن التشاغل ، بان اسم الطائفة يقع على الواحد كما يقع على الجماعة وتعقلهم في ذلك بقوله تعالى ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (۴) وقوله تعالى ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) (٥) .

__________________

(۱) التوبة : ۱۲۲ .

(۲) الذريعة : ٥٣١ .

(۳) النور : ٢ .

(٤) الحجرات : ٩ .

٣٠٩

وهذه الآية لادلالة فيها (۱) لان الذى يقتضيه ظاهر الآية

____________________________________________

(۱) قوله (وهذه الآية لادلالة فيها) قيل لان المراد الفتوى في الفروع سلمنا لكنه ظاهر، فلا يجدي في الاصول. وفيه ان لفظ الانذار والتحذير لا يجريان في الفتوى في الفروع الا بتأويل بعيد .

وأما كونه ظاهراً في أصل فعند المصنف ان ظاهر القرآن يفيد القطع ان لم ينصب قرينة على خلافه . هذا ونحن بينا انه لا فرق بين الاصول والفروع في وجوب اتباع الظن لولا الادلة المانعة من اتباع الظن في شيء منهما، كما هو عند هذا القائل في غير العامي .

ثم الصواب في هذا المقام أن يقال ان ظاهر هذه الآية في سورة التوبة عدم جواز العمل بخبر الواحد على ما يذهب اليه فخالفونا، وهو أن يكون مناط العمل الظن بحكم الله الواقعي .

وأن يكون هذا الظن مجوزاً للافتاء والقضاء، وذلك لان الآية تدل على ان كل فرقة من الاعراب المذكورين في سابق الآية بقوله ( الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ) (۱) تواتر اليهم المحكمات القرآنية الناهية عن اتباع الظن والتفرق في الدين بالاجتهادات الظنية ونحوذلك، ودخلت في قلوبهم الشبهة والمعارضة الوهمية، وهو ان ذلك تكليف بما لا يطاق . فيجب عليهم ان يبعثوا الى دار الهجرة والفقه ، طائفة لدفع هذه الشبهة كما فعله مؤمنوا الاعراب المذكورون في سابق الآية، بقوله ( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ ) (۲) وهم المراد بقوله في صدر

__________________

(١) التوبة : ۹۷.

(۲) التوبة : ۹۹ .

٣١٠

وجوب الانذار على الطائفة وليس في وجوب الانذار عليهم وجوب

____________________________________________

الآية : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ ) (۱) ويظهر بذلك ان قوله : فلولا » لتوبيخ منافقي الاعراب بأن مؤمني الاعراب ما نفروا كافة لدفع هذه الشبهة حتى يتوهم لزوم الحرج والتكليف بما لا يطاق ، بل نفر طائفة منهم و دفعوا عن الباقين الشبهة .

ويكفى في هذا الدفع اظهار الاحتمال ، فضلا عن الاستدلال بالايات القرآنية المتواترة الدالة على وجود الامام العالم بجميع نفس أحكام الله تعالى جليلها ودقيقها في كل زمان ، الى انقراض الدنيا .

فالمراد بالتفقه في الدين تفهم ما يجتنب به عن اتباع الظن في طاعة الله تعالى مثل التصديق اليقين بوجود الاوصياء العالمين المصححين لتلك الآيات المحكمات الى انقراض الدنيا ، وبأنهم أهل الذكر المأمور بسؤالهم لقوله في سورة النحل، والانبياء : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٢) وبأنه كيف يصنع في الاجتناب عن اتباع الظن من كان غائبا عن الامام في زمان غيبة الامام أو زمان ظهوره ، مع عدم تيسر السؤال بلاواسطة .

فالمراد بالانذار التخوف من العذاب المذكور في القرآن المتواتر على مخالفة تلك المحكمات ، والمراد بالحذر الاجتناب في يوم القيامة عن ذلك العذاب المترتب على مخالفة تلك المحكمات .

__________________

(۱) التوبة : ۱۲۲ .

(٢) النحل : ٤٣ .

٣١١

القبول منهم ، لانه غير ممتنع (۱) ان تتعلق المصلحة بوجوب الانذار عليهم، ولا تتعلق بوجوب القبول منهم، الا اذا انضاف اليه شيء آخر. ألا ترى انه قد يجب التحذير (۲) والانذار من ترك معرفة الله ، ومعرفة صفاته. وان لم يجب القبول من المخبر في ذلك، بل يجب الرجوع الى أدلة العقل وما يقتضيه.

وكذلك يجب على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله الانذار، وان لم يجب القبول منه الا اذا دل العلم المعجز على صدقه، فيجب حينئذ القبول منه .

فكذلك القول في تحذير الطائفة انه يجب عليهم التحذير، ويجب على المنذر الرجوع الى طرق العلم.

وأيضاً يجب على أحد الشاهدين اقامة الشهادة، ولا يجب على الحاكم تنفيذ الحكم بشهادته الا اذا انضاف اليه من يتكامل الشهادة به. ثم يعتبر أيضاً بعد تكاملهم صفاتهم، وهل هم عدول أولا؟ حتى يجب عليه الحكم بشهادتهم .

وكذلك يجب على آحاد المتواترين النقل فيما طريقه العلم ،

____________________________________________

(۱) قوله : (لانه غير ممتنع الخ) هذا كما اذا تعلقت المصلحة بالتدريس ولا تتعلق المصلحة بقبول التلميذ ، قول المدرس بدون دليل .

(۲) قوله : ( ألا ترى انه قد يجب التحذير الخ ) لولم يجب طلب المعرفة عقلا لما أمكن التحذير والانذار من تركه .

٣١٢

وان كان لا يحصل العلم بخبره، ولا يجب علينا أن نعتقد صحة ما أخبر به الا بعد أن ينضاف من يتكامل به التواتر اليهم. فحينئذ يوجب العلم، ولذلك نظائر كثيرة في العقليات (۱) .

ألا ترى انه قد يجب على الواحد منا العطية الى غيره، وان كان ذلك الغير لا يجوز له أخذها ، ألا ترى ان من ألجاء غيره ظلماً بتخويف القتل الى اعطائه المال أو الثياب، يجب عليه اعطائه بحكم العقل خوفاً من القتل، ولا يجوز للظالم الملجيء أخذ ذلك على وجه من الوجوه .

وليس لاحد أن يقول : ان هذا يبطل فائدة الانذار، لانه متى لم يجب القبول فلا وجه لوجوب الانذار عليهم. وذلك انا قدبينا انه قد يجب الانذار في مواضع ذكرناها، وان لم يجب القبول من المنذر لما بيناه، فكذلك القول فيما قالوه .

فأما حملهم (۲) ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فذلك دليلنا (۳) لانا قدبينا أنه لا يجب القبول منه الا بعد أن يدل العلم

____________________________________________

(۱) قوله : (في العقليات ) المراد بالعقليات ما يعلم ترتب ضرر دنیوی أو نفع دنيوى عليه بالعادة، من حيث هو كذلك . أو الأمور التي يعلم وجوبها أو حرمتها بالعقل ، بدون اخبار الشارع من حيث هي كذلك .

(۲) قوله : ( فأما حملهم ) أي قياسهم .

(۳) قوله : (دليلنا ) المراد سند لمنعنا ، يمكننا أن نستدل به على بطلان

٣١٣

المعجز على صدقه، فحينئذ يجب القول منه. فنظير هذا (١) أن يدل دليل على وجوب العمل بما انذروا به حتى يجب علينا العمل به. وفي هذا القدر كفاية فى ابطال التعلق بهذه الآية .

واستدلوا أيضاً بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (۲) قالوا : أوجب علينا التوقف عند خبر الفاسق، فينبغي أن يكون خبر العدل بخلافه، وأن يجب العمل به وترك التوقف فيه .

وهذا أيضاً لا دلالة فيه لان هذا أولا استدلال بدليل الخطاب (۳) ومن أصحابنا من قال ان دليل الخطاب ليس بدليل ، فعلى هذا المذهب لا يمكن الاستدلال بالاية. وأما من قال بدليل الخطاب فانه

____________________________________________

المقدمة الممنوعة تبرعاً واستظهاراً .

(۱) قوله : ( فنظير هذا الخ ) أي انما كان ما نحن فيه نظيراً لهذا ، أي النبي لو كان فيما نحن فيه دليل يدل على وجوب العمل بما أنذر الطائفة به حتى يجب على الفرقة العمل به وهو مفقود فيما نحن فيه ، لانه عين المتنازع فيه ، فلا يمكن القياس عليه عند مجوزي القياس لعدم التماثل .

(۳) قوله : (استدلال بدليل الخطاب) دليل الخطاب مفهوم المخالفة، وهو فيما نحن فيه مفهوم الصفة ، وربما يقال : انه مفهوم الشرط . بأن يقال مفهومه ان جاءكم عادل بنباء فلا تتبينوا .

__________________

(٢) الحجرات : ٦ .

٣١٤

يقول لا يصح أيضاً الاستدلال بها من وجوه (۱)

أحدها : ان هذه الآية نزلت في فاسق أخبر بردة قوم (۲) وذلك

____________________________________________

(۱) قوله : ( لا يصح أيضاً الاستدلال بها من وجوه ) اشارة الى انه يمكن الدفع بوجه آخر غير الوجهين المذكورين في الكتاب ويمكن بيانه بأن من شرط حجية دليل الخطاب ، ان لا يعلم من الخارج بدليل مساواة المسكوت عنه المذكور في الحكم . وهاهنا ليس كذلك ، لان التبين هو التعرف ، وتطلب البيان ، أي العلم الحادث عن دليل كما سيجيء في ( فصل في ذكر حقيقة البيان ) .

فلو كان خبر الفاسق موجباً لطلب العلم ، والتوقف مالم يحصل علم دون خبر العدل ، لكان خبر العدل على طبق خبر الفاسق وبعده غير مسموع ، وكان قبله مسموعاً مع ان الأول أقوى من الثاني، ولعله لم يذكر المصنف هذا الوجه صريحاً ، لانه مما يمكن ان يستنبط من الوجه الثاني .

وها هنا وجه رابع هو الاستدلال على المساوات بين المسكوت عنه والمذكور بقوله : ( فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (۳) لان جواز الندم حاصل في خبر العدل أيضاً، وهو أيضاً مثل الثالث في أنه يمكن أن يستنبط من الثاني .

(۲) قوله : ( في فاسق أخبر بردة قوم ) نزلت في الوليد بن عقبة (۴) كما قال الزمخشري وغيره في تفسير سورة الحجرات قال : بعث رسول الله صلى

__________________

(٣) الحجرات : ٦ .

(٤) الوليد بن عقبة بن أبان بن ذكوان بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف . قال ابن عبد البرفي الاستيعاب : لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت ان قوله عز وجل: « ان جاءكم فاسق بنبأ » نزلت في الوليد بن عقبة .

٣١٥

الله عليه وآله وسلم الوليد بن عقبة أخا عثمان (۱) لامه، وهو الذي ولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص (۲) ، فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعاً ، ثم قال : هل ازيدكم ؟ فعزله عثمان عنهم مصدقاً الى بني المصطلق ، و كانت بينه وبينهم احنة ، فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له فحسبهم مقاتليه ، فرجع وقال الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد ارتدوا ومنعوا الزكاة فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم أن يغزوهم فباغ القوم ، فوردوا وقالوا : نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم . فقال : لتنتهن أولا بعثن اليكم رجلا هو عندي كنفسي ، يقاتل مقاتليكم ، ويسبي ذراريكم . ثم ضرب بيده على كتف علي رضی الله عنه ( انتهى .) (۳)

والظاهر مما بعد هذان الأمران الغضب والهم بالغزو، انما صدر عن بعض من في ظاهر الايمان ممن يحامي الوليد ، وان الآية نزلت لدفعهم عن رسول الله في حثهم اياه على من يغزوهم.

وحاصل كلام المصنف ، ان من شرط حجية دليل الخطاب عند القائلين به ، أن لا يعلم بدليل خارج مساواة المسكوت عنه للمذكور في الحكم المعلق به .

والمساواة فيما نحن فيه معلوم في المورد ، أي فيما نزلت الآية فيه بين خبر الفاسق ، وخبر العدل في جزئي مفهوم وجوب التبين ، أعني التوقف ،

__________________

(۱) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن اميه بن عبد شمس بن عبد مناف . ثالث من ولى الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(۲) سعد بن أبي وقاص ، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وروى عنه .

(۳) الكشاف ٣ : ٥٥٩ .

٣١٦

وتطلب البيان والمساواة في المورد في الحكم ، في حكم المساواة مطلقاً .

أما المساواة في التوقف فلما ذكره المصنف من أنه لاخلاف انه لا يقبل فيه أيضاً خبر العدل الخ .

واما المساواة في وجوب تطلب البيان لانه تجسس عن عيب فيما نحن فيه وهو مخصص لاية النهي عن التجسس ووجوبه ، لاجل ان التغافل عنه مخل بحفظ بيضة الاسلام ، فلو وجب التجسس بخبر الفاسق ، ولا يجب بخبر العدل لكان خبر الفاسق أشد اعتباراً من خبر العدل وأقوى .

ويظهر بذلك ان الامر بالتبين قرينة باعتبار جزئه الثاني، على ان الحكم في المسكوت عنه أولى من المذكور في المورد .

فان قلت : فما فائدة التعليق على صفة الفسق ؟

قلت : يمكن أن يكون خارجاً مخرج الغالب ، كما قيل في قوله تعالى : ( وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ) (۱) .

ويمكن أن يكون لبيان الحكم في المدعى ، بأن يجيب الحكم بحسب الظاهر بفسق من يخبر عن غيره من المسلمين بسوء حاله، وان كان صادقاً في نفس الامر. فانه فاسق ظاهراً وفي حكم الله، كما قالوا في قوله تعالى: ( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) (٢).

ويمكن أن يكون للتنصيص على فسق الوليد بن عقبة ليظهر حال من يوليه على المسلمين ، مع انه مطلع على حاله ومعاشر له ، لانه أخوه لامه عكس ما ذكرنا في آية التطهير، في الفصل الأول عند قول المصنف : لا يجوز عليه الخطاء ولا يخلو الزمان منه .

__________________

(۱) النساء : ٢٣

(۲) النور : ۱۳

٣١٧

لا خلاف انه لا يقبل فيه أيضاً خبر العدل، لانه لا يجوز أن يحكم بارتداد أقوام بخبر الواحد العدل .

والثاني: ان تعليل الآية (۱) يمنع من الاستدلال بها، لان الله تعالى علل خبر الفاسق، فقال: ( أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ) (۲) وذلك قائم في خبر العدل، لان خبره اذا كان لا يوجب العلم، فالتجويز في خبره حاصل مثل التجويز في خبر الفاسق .

وليس لاحد أن يقول : اني أمنع من تجويز ذلك في العدل ، لانه لو كان ذلك جائزاً لما علق تجويز الجهالة بالفاسق، لان ذلك لا يصح من وجهين :

أحدهما : ان هذا يقتضى أن يقطع على انه يعلم بخبر العدل، لان الجهل لا يرتفع الا ويحصل العلم، وذلك لا يقوله أحد .

____________________________________________

(۱) قوله (والثاني ان تعليل الآية الخ) حاصله ان الجهالة في الآية مقابل للعلم كما هو ظاهر اللغة وعرف الاصوليين ، وبقرينة قوله : ( فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (۳) وليس مقابلا للاعم من العلم والظن . ولا يخفى انه لو جعلت مقابلا للاعم أيضاً لتم الجواب بأن خبر العدل ليس مفيداً للظن كلياً ولاخبر الفاسق مما لا يفيد الظن كلياً .

__________________

(٢) الحجرات : ٦ .

(٣) الحجرات : ٦ .

٣١٨

والثاني: انه ليس من يمنع (۱) من تجويز الجهالة في خبر العدل من حيث علق الحكم بخبر الفاسق بأولى ممن قال: أنا أمنع بحكم التعليل من دليل الخطاب في تعليق الحكم بخبر الفاسق ، لانه لا يمتنع ترك دليل الخطاب لدليل، والتعليل دليل، فيسقط على كل حال التعلق بالاية.

واستدل قوم بقوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ ) (۲) الآية وقالوا حظر الكتمان يقتضى وجوب الاظهار ، ووجوب ذلك يقتضى وجوب القبول والا فلا فائدة في الآية .

وهذه الآية أيضاً لا دلالة فيها من وجوه :

منها : ما قدمناه في الآية الأولى من ان ها هنا مواضع كثيرة يجب الانذار فيها والتخويف، وان لم يجب القبول على المنذر الا أن ينضاف اليه امر آخر فكذلك القول في الاظهار .

ومنها انه ليس في الآية الا تحريم كتمان ما أنزله الله تعالى في الكتاب، وظاهر ذلك يقتضى ان المراد به القرآن، وذلك يوجب

__________________

(۱) قوله (والثاني انه ليس من يمنع الخ) حاصله لوجو زنا حصول العلم بخير العدل، لا نجعله أقرب من المنع من دليل الخطاب ، قلنا المنع للمعارض.

__________________

(٢) البقرة : ١٥٩ .

٣١٩

العلم (۱) دون خبر الواحد الذي لا يوجبه

____________________________________________

(۱) قوله (وذلك يوجب العلم) للتواتر ويحتمل أن يراد انه يوجب العلم بظاهره ، بناءاً على ما مر من مذهبه . ثم الصواب في هذا المقام أيضاً أن يقال ان قوله تعالى في سورة البقرة : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ *‏ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (۲) يدل بظاهره على عدم جواز العمل بخبر الواحد على ما يذهب اليه مخالفونا وهو أن يكون مناط العمل الظن بحكم الله الواقعي، وذلك بأن يكون المراد بالبينات المحكمات الناهية صريحاً عن اتباع الظن ، وعن الاختلاف عن الظن أو الاعم منها ومن سائر المحكمات. وعلى الأول من بيانه، وعلى الثاني تبعيضه .

والمراد بكتمان ما أنزل الله من البينات تأويله أو تخصيصه اتباعاً للهوى وحبا للاجتهاد الظني ، كما هو دأب المفسرين المخالفين .

والهدى عطف على (ما) والمراد به الامام العالم بجميع أحكام الله تعالى المعصوم عن الخطاء . ذلك ذكر الله ، ذلك هدى الله يهدى به من يشاء، ومن يضلل الله فماله من هاد.

وضمير بيتناه للهدى ، والمراد ان تلك البينات صريحة الدلالة للناس على وجود الهدى في كل زمان الى انقراض الدنيا ، فمن كتمه كان مكابر النفسه كما في قوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) (۳) .

__________________

(۲) البقرة : ١٥٩ ـ ١٦٠ .

(٣) النمل : ١٤ .

٣٢٠