عدّة الأصول

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

عدّة الأصول

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: محمد مهدي نجف
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) (۱) الى ما شاكل ذلك من الحقائق .

وأما المجاز (۲) فهو ما افيد به مالم يوضع له في اللغة ، ومن حقه أن يكون لفظه لا ينتظم معناه ، اما بزيادة، أو نقصان، أو بوضعه في غير موضعه، والمجاز الذي دخلته الزيادة نحو قوله تعالى: «ليس كمثله شيء لان معناه ليس مثله شيء» (۳)، فالكاف زائدة .

____________________________________________

حرمها الله بناء على أن يكون المراد بالتحريم جعل الشيء ذا حرمة ، نحو ( عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) (۴) أو معناه حرم قتلها بناء على أن يكون المراد بالتحريم الحظر والاستثناء ، على الاول متصل ، وعلى الثاني منقطع .

(۲) قوله (واما المجاز الخ) فيدخل في هذا التعريف المجاز العقلي واللغوي المشهور تعريفهما

(۳) قوله (لان معناه ليس مثله شيء) فيه مناقشة لانه انما يقال : ليس مثله شيء في المعروف بشخصه أو بذاته ، ويراد نفي الشريك له في ذاته أو أخص صفاته . وأما ما لم يعرف الاباخص صفاته كصانع شيء بقول كن ، فانما يقال فيه ليس كمثله شيء ، ويراد بـ (المثل أخص صفاته ، ويراد بـ (الكاف) الشبيه بماله هذه الصفة للاشعار بأنه غير معروف بشخصه ولا بذاته فليست (الكاف) زائدة

قال ابن هشام (٥) في مغني اللبيب في معاني الكاف والخامس التوكيد

__________________

(١) الانعام : ١٥١.

(٤) ابراهيم : ٣٧.

(٥) ابو محمد ، جمال الدين ، عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبدالله بن هشام الانصاري ، الحنبلي تفقه للشافعي ثم تحنبل ولدسنة (۷۰۸)(هـ) وتوفى سنة ( ٧٦١ هـ ) .

١٤١

والمجاز بالنقصان نحو قوله تعالى : ( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ) (۱) و ( اسئل العير ) (۲) لان معناه واسئل أهل القرية وأهل العير ، فحذف ذلك

____________________________________________

وهي الزائدة نحو (ليس كمثله شيء) قال الاكثرون التقدير ليس شيء مثله اذ لو لم تقدر زائدة صار المعنى : ليس شيء مثل مثله ، فيلزم المحال ، وهو اثبات المثل وانما زيدت لتوكيد نفي المثل لان زيادة الحرف بمنزلة اعادة الجملة ثانياً قاله ابن جني (۳) ولانهم اذا بالغوا في نفي الفعل عن أحد قالوا ( مثلك لا يفعل كذا) ومرادهم انما هوا النفي عن ذاته ولكنهم اذا نفوه عمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه .

وقيل : الكاف في الاية غير زائدة ثم اختلف فقيل : الزائد (مثل) كما زيدت في ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ ) (۴) قالوا : و انما زیدت هنا التفصل الكاف من الضمير ( انتهى ) (٥) .

ثم قال : [ وفي الآية الأولى قول ثالث : وهو أن (الكاف) و(مثلا) لازائد منهما ثم اختلف فقيل: مثل بمعنى الذات وقيل : بمعنى الصفة ، وقيل : الكاف اسم مؤكد بـ (مثل)] .

(۲) قوله (واسال العير) العير ـ بالكسر ـ الابل التي تحمل الميرة ، أي

__________________

(١و٢) یوسف : ۸۲.

(۳) عثمان بن جني بسكون الياء معرب كنى أبو الفتح النحوى . قال السيوطي في بغية الوعاة : ۳۲۲ : من أحذق أهل الادب وأعلمهم بالنحو والتصريف . وعلمه بالتصريف أقوى وأكمل من علمه بالنحو . توفى سنة (۳۹۲ هـ).

(٤) البقرة : ١٣٧.

(٥و٦) مغني اللبيب: ۱۷۹ – ۱۸۰.

١٤٢

اختصاراً ومجازاً ونحو قوله تعالى: ( إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (۱) على تأويل من قال الى ثواب ربها ناظرة، ( وَجَاءَ رَبُّكَ ) (۲) لان معناه وجاء أمر ربك وما أشبه ذلك .

والمجاز الثالث نحو قوله تعالى: ( وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) (۳) فنسبة اليه من حيث دعاهم وان كانوا هم ضلوا في الحقيقة ، لا انه فعل فيهم الضلال. ويجب حمل الحقيقة على ظاهرها ، ولا يتوقع في ذلك دليل يدل على ذلك، والمجاز لا يجوز حمله عليه الا ان يدل دليل على كونه مجازاً .

والحقيقة اذا عقل فائدتها (۴) ، فيجب حملها على ما عقل من

____________________________________________

الطعام الذي يمتاره الانسان ، ويجلبه من بلد الى بلد .

(٤) قوله ( والحقيقة اذا عقل فائدتها) المراد بالفائدة مجموع الوصف المعتبر في استعمال أهل اللغة له لا مجموع ما وضع له ، سواء كان وصفاً أوذاتاً ، والا فلا معنى لاستثناء نحو الخل ، والبلق وانما ذكر الفائدة مع انه لوذكر مجموع ما وضع له لما احتاج الى الاستثناء المذكور تلميحاً الى أن خصوصية الذات غير معتبرة في اكثر الالفاظ وهي المشقات وما يجري مجراها .

والاظهر ان العدول ، لان هذا لا يتحقق في المجاز ، انما المتحقق فيه الفائدة . مثلا ما استعمل فيه الاسد مجازاً الرجل الشجاع ، وفائدته هي كون

__________________

(۱) القيامة : ٢٣

(۲) الفجر : ۲۲ .

(۳) طه : ۸۵

١٤٣

المعنى ذا علاقة بالموضوع له ، بدون اعتبار خصوصية الموضوع له، ولا خصوصية العلاقة . فانهما لم يعتبرا في مصحح استعمال أهل اللغة ومقتضيه . ولا ينافي هذا كون الاستعمال السابق الصادر من أهل اللغة معتبراً في صحة استعمالنا كما سيجيء .

وكذا ما وضع له الضارب ، ما قام به الضرب وفائدته ما قام به المصدر بدون خصوصية المصدر . فعدم اطلاق السخي على الله تعالى لو كان لعدم المقتضي لدل على عدم اطراد الضارب الموضوع وضعاً نوعياً في فائدته ، وكذا عدم اطلاق النخلة على طويل غير الانسان ، يدل على عدم اطراد الاسد في فائدته تدبر . فاندفع ماقيل : من ان عدم الاطراد ان يستعمل لفظ في محل لوجود معنى ولا يستعمل ذلك اللفظ في محل آخر مع وجود ذلك المعنى فيه ، لان الايستعمل نظيره فيه (انتهى) .

و حاصل الفرق بين الحقيقة والمجاز في عدم الاطراد ، ان عدم اطراد الحقيقة انما يكون لوجود المانع ، وعدم اطراد المجاز قد يكون لعدم المقتضي فان مقتضي الاستعمال المجازي هو العلاقة مع استعمال أهل اللغة، وهذا مبني على وجوب النقل في أحاد المجازات كما يدل عليه قوله (وينبغي أن يقر حيث استعمل الخ) .

والظاهر انهما مبنيان على عدم كون المجاز موضوعاً بالوضع النوعي، فان الواضع لو وضع كل لفظ لمعناه ، ووضعه لما له علاقة بمعناه، وشرط أن لا يكون الاستعمال فيه الامع ملاحظة العلاقة ، ونصب القرينة لما وجب النقل في احاد المجازات ولكانت مطردة فيما ليس له مانع وسيجيء في هذا الفصل تحقيق كون عدم الاطراد علامة للمجازية .

١٤٤

فائدتها أين وجدت ولا يخص به موضع دون آخر ويطرد ذلك فيها الالمانع من سمع (۱) أو عرف (۲) أو غير ذلك، الا أن يكون وضعه ليفيد في معنى جنس دون جنس ، فحينئذ يجب أن يخص ذلك الجنس به نحو قولهم : خل (۳) انه يفيد الحموضة في جنس مخصوص وقولهم : بلق، يفيد. اجتماع اللونين في جنس دون جنس .

وعلى هذا المعنى يقال ان الحقائق يقاس عليها . واما المجاز فلايقاس عليه، وينبغى أن يقر حيث استعمل، ولذلك لا يقال: سل الحمير، ويراد مالكها كما قيل : سل القرية، واريد أهلها ، لان ذلك لم يتعارف فيه .

____________________________________________

(۱) قوله (من سمع) المراد به نص من الواضع أو أهل اللغة كما في اطلاق الرحمن على غير الله تعالى ، والمراد ورود الشرع بالمنع كما في اطلاق السخي على الله بناء على كون أسمائه تعالى توقيفية، أو المراد بالسمع عرف الشرع ، كما في لفظ الصلاة . ويؤيده ما سيذكره في بحث جعل عدم الاطرد علامة للمجازية .

(۲) قوله (أو عرف) المراد العرف العام الناقل للفظ عما وضع له الى معنى آخر كما في لفظة الدابة . والمراد بغير ذلك العرف الخاص، أو المراد بالعرف الاعم من الخاص والعام ، وبغير ذلك قبح الاستعمال لعارض ، كالخطاب للملوك بمساويك جمعاً للمسواك ونحو ذلك.

(۳) قوله: (نحو قولهم خل) الخل ما يتخذ من العنب أو التمر أو نحوهما من الحامض، ولا يطلق على الاجاص مثلا والبلق سواد والبياض في الفرس.

١٤٥

والحقيقة لا يمتنع أن يقل استعمالها (۱) فتصير كالمجاز مثل قولنا : الصلاة في الدعاء وغير ذلك. وكذلك لا يمتنع في المجاز أن يكثر استعماله فيصير حقيقة في العرف نحو قولنا : الغائط في الحدث المخصوص وقولنا : دابة فى الحيوان المخصوص . وما هذا حكمه حكم له بحكم الحقيقة .

والمفيد من الكلام لا يكون الاجملة من اسم واسم، أو فعل واسم. وما عداهما لا يفيد الابتقدير واحد من القسمين فيه ولاجل ذلك قلنا يازيد في النداء انما يفيد لان معنى (يا) ادعو فصار معنى هذا الحرف معنى الفعل فلاجل ذلك أفاد، فينقسم ذلك الى أقسام الى الأمر وما معناه (۲) معنى الأمر من السؤال والطلب والدعاء والى

____________________________________________

(۱) قوله : (والحقيقة لا يمتنع أن يقل الخ) ظاهره ان قلة استعمال الحقيقة بالنسبة الى المجاز ، وكثرته بالنسبة اليها يصير الحقيقة مجازاً . والمجاز حقيقة وهو محل بحث ، لان مجرد الكثره لا يصير المجاز مستغنياً في الاستعمال عن ملاحظة العلاقة . نعم قد يبلغ الكثرة والقلة الى هذا الحد ، وكان مراد المصنف بالقلة والكثرة اما هذا الحد أو المطلق ، ويجعل الفاء في (فيصير ) للتعقيب لا للتفريع .

(۲) قوله (الى الأمر وما معناه الخ) سيجيء في (فصل في ذكر حقيقة الأمر) ان هذه الصيغة التي هي قول القائل : ( افعل ) وضعها أهل اللغة لاستدعاء الفعل . وخالفوا بين معانيها باعتبار الرتبة فسموها اذا كان القائل فوق المقول له أمراً ، واذا كان دونه سؤالا وطلباً ودعاءاً ، ولم يذكرهنا ولائمة الالتماس

١٤٦

النهى والى الخبر. ويدخل في ذلك الجحود (۱)، والقسم، والامثال والتشبيه وما شاكله والاستخبار والاستفهام والتمنى والترجى شبهة بالاخبار ، هذا ما قسمه أهل اللغة وطول كثير من الفقهاء في اقسام الكلام .

وقال قوم: الاصل فى ذلك كله الخبر لان الامر معناه معنى الخبر ، لان معناه اريد منك أن تفعل وذلك خبر ، والنهي معناه اكره منك الفعل وذلك أيضاً خبر ، وكذلك القول في سائر الاقسام.

____________________________________________

وهو فيما كان القائل مساوياً للمقول له في الرتبة ، وارجاع ضمير دونه إلى الفوق ، وجعل الطلب بمعنى الالتماس بعيد .

(۱) قوله : ( ويدخل في ذلك الجحود) أي يدخل في الخبر النفي ، نحو ما ضرب زيد . و القسم أي الجملة المجاب بها القسم ، نحو (الافعلن كذا) في قوله ( والله لا فعلن كذا) أو الامثال جمع (مثل) بفتحتين ، وهو تشبيه هيأة منتزعة من جملة بهيأة اخرى مثلها ، واستعمال الجملة المشبهة بها في المشبهة نحو ( كل الصيد في جانب الفرا) والتشبيه ، نحو زيد كالاسد) وما شاكل ما ذكر مما يدل على أوصاف الخبر نحو المطابقة والجناس وغير ذلك مما هو مذكور في فن العربية ، والاستخبار والاستفهام بمعنى واحد ، وهو التمني و الترجي انشاات شبيهة بالاخبار ، لان أدواتها تدخل على الجمل الخبرية ، و تفيد معانيها ، ولم يذكر نفس القسم ، نحو (والله ) ولنداء نحو (يازيد) لعدم صر احتهما في كونهما جملة كمامر في النداء وفي النسخ هنا ، والى الاستخبار والظاهران لفظة (الى) من زيادة الكتاب ، والعلم عند الله .

١٤٧

والاسامي المفيدة على ضربين (۱) اما أن تكون مفيدة لعين واحدة ، أو تفيد أكثر من ذلك. فما أفاد الفائدة في عين واحدة، فهو أسماء الاجناس. وما أفاد أكثر من ذلك على ضربين :

أحدهما : نحو قولنا : لون، فانه لا يفيد في عين واحدة ، بل يفيد في أعيان فائدة واحدة .

والضرب الثاني : يفيد معاني مختلفة ، وهو جميع الاسماء المشتركة ، نحو قولنا : قرؤ ، وجون ، وعين، وغير ذلك . وفي الناس من دفع ذلك وقال: ليس فى اللغة اسم واحد لمعنيين مختلفين، وهذا خلاف حادث لا يلتفت اليه ، لان الظاهر من مذهب أهل اللغة خلافه .

ويدخل على الجمل حروف تغير معانيها وتحدث فيها فوائد لم تكن قبل ذلك وهي كثيرة ، قد ذكرها أهل اللغة، ولا نحتاج الى ذكر جميعها ، ونحن نذكر منها ماله تعلق بهذا الباب .

فمنها : (الواو فذهب قوم الى انها توجب الترتيب، وهو المحكى

__________________

(۱) قوله : (والاسامي المفيدة علي ضربين الخ) ظاهره الحصر ، وفيه مافيه الخروج نحو زيد ، والذي ، وهذا ونحوها فانها لا تسمى أسماء أجناس ، وسيجيء في فصل في ذكر الفاظ الجمع والجنس ما ظاهره ان المشتقات أيضاً خارجة عن أسماء الاجناس ، والمشهور ان اسم الجنس ما وضع للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية والتعدد، وهو غالب فيما يفرق بينه وبين واحده بالتاء ، كتمرة

١٤٨

عن الفراء (۱) وأبي عبيدة (۲) ، واحتج كثير من الفقهاء به (۳) و الصحيح انها لا تفيد الترتيب بمقتضى اللغة (٤) .

____________________________________________

وتمر ، وعكسه كمأة ، وجنأة ، كما في شرح ألفية ابن مالك لابن مصنفها (٥) في بحث الجمع المذكر السالم (۶) .

(۳) قوله (واحتج كثير من الفقهاء) به أي بكونه محكياً عن الفراء ، وأبي عبيدة على انها للترتيب ، أو بكونها للترتيب على الاحكام الشرعية المتفرعة عليه .

(٤) قوله (والصحيح انها لا تفيد الترتيب الخ) في مغني اللبيب:

(الواو المفردة) انتهى مجموع ما ذكر من أقسامها الى أحد عشر :

__________________

(١) أبوزكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلمي المعروف بالفراء. قيل له الفراء لانه كان يقرى الكلام . كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي . مات بطريق مكة سنة (۲۰۷ ه .) .

(۲) أبو عبيدة، معمر بن المثنى اللغوى البصرى ، مولى بنى تيم ، تيم قريش. وهو أول من صنف غريب الحديث، أخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلام. ولد سنة (۱۱۲ هـ. ) ومات سنة (۲۰۸ هـ. ) وقيل غير ذلك

(٥) الالفية لجمال الدين ، أبي عبد الله ، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الشافعي، النحوى امام النحاة، وحافظ اللغة. ولد سنة ( ٦٠٠هـ . ) أو ( ٦٠١ه. ) وتوفى سنة ( ٥٦٧٢. ) .

وشرحها لابنه محمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك بدر الدين الدمشقى . الشافعي النحوى مات بدمشق سنة (٥٦٨٦ ) .

(٦) شرح الالفیة : ٣٠٠ – ٣٠٢

١٤٩

الأول : العاطفة ، ومعناها مطلق الجمع، فتعطف الشيء على مصاحبه نحو ( فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ) (۱) وعلى سابقه نحو ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ ) (٢) وعلى لاحقه نحو ( كَذَٰلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ) (۳) وقد اجتمع هذان في ( وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (۴) فعلى هذا اذا قيل قام زيد وعمرو احتمل ثلاثة معان ، قال ابن مالك : وكونها للمعية راجح ، وللترتيب كثير ، ولعكسه قليل الخ .

ويجوز أن يكون بين متعاطفيها تقارب أو تراخ نحو ( إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (۵) فان الرد بعيد القائه في اليم والارسال على رأس أربعين سنة ، وقول بعضهم ان معناها الجمع المطلق غير سديد ، لتقييد الجمع بقيد الاطلاق ، وانما هي للجمع الا بقيد ، وقول السيرافي (۶) : ان النحويين واللغويين أجمعوا على انها لا تفيد الترتيب . مردود ، بل قال بافادتها اياه

__________________

(١) العنكبوت: ١٥ .

(٢) الحديد : ٢٦ .

(۳) الشورى ۳ .

(٤) الاحزاب : ٧ .

(٥) القصص : ٧ .

(٦) أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان ، القاضي السيرافي ، النحوى. قال ياقوت: كان أبوه مجوسياً اسمه بهزاد فسماه أبو سعيد عبد الله، أخذ النحو عن ابن السراج وولى القضاء ببغداد وأفتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة . مات سنة (٣٦٧ه.) .

١٥٠

قطرب (۱) والربعي (۲) والفراء ، وثعلب (۳) وأبو عمر والزاهد (۴) وهشام (۵) والشافعي (۶) ونقل الامام (۷) في البرهان عن بعض الحنفية أنها للمعية ـ (انتهى)] (۸) .

وظاهر قوله (وقوله بعضهم الخ) انها مشتركة لفظاً بين أفراد الجمع، فان الاشتراك اللغوى يصير معناه الجمع المطلق صيره مطلق كما الجمع ، كما لا يخفى وهو بعيد .

__________________

(١) أبو على محمد بن المستنير النحوى، المعروف بقطرب . لازم سيبويه ، وكان يدلج اليه فاذا خرج رآه على بابه فقال له : ما انت الا قطرب ليل ، فلقب به. كان يرى رأى المعتزلة النظامية. مات سنة (٢٠٦هـ) .

(٢) أبو الحسن ، على بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي ، الزهرى, أحد أئمة النحويين أخذ عن السيرافي، ورحل الى شيراز فلازم الفارسي عشر سنين .

(۳) ثعلب اثنان أشهرهما أبو العباس أحمد بن يحيى بن يسار الشيباني مولاهم البغدادي، امام الكوفيين في النحو واللغة. ولد سنة ( ۲۰۰ه. ) ومات سنة ( ٢٩١هـ.) .

(٤) أبو عمر محمد بن عبد الواحد البارودى غلام ثعلب، أحد أئمة اللغة المشاهير المكثرين، صحب أبا العباس ثعلباً زماناً فعرف به ونسب اليه، وأكثر من الاخذ عنه توفى ببغداد سنة ( ٣٤٥هـ. ) .

(٥) هشام مشترك بين عدة ، ولعله هو : هشام بن ابراهيم الكرنباي الانصاري ، أبو على جالس الاصمعي وأضرابه، وكان عالماً بأيام العرب ولغاتها .

(٦) أبو عبد الله محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب، امام المذهب مات سنة (٢٠٤هـ)

(۷) امام الحرمين أبو المعالى عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني الفقيه الشافعى استاذ الغزالي توفى بنيسابور سنة (٤٧٨ه. ) .

(۸) مغني اللبيب : ٣٥٤

١٥١

ولا يمتنع أن يقال انها تفيد ذلك بعرف الشرع بدلالة ماروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال لمن خطب فقال : من يطع الله ورسوله فقد هدى ومن يعصهما فقد غوى: «بئس خطيب القوم أنت» فقال : يا رسول الله كيف أقول؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى. فلولا الترتيب (١) لما كان لهذا الكلام معنى، ولكان يفيد قوله : ومن يعصهما ما أفاد ومن يعص الله ورسوله عند من قال بانها تفيد الجمع، وقد علمنا خلاف ذلك.

ومنها ان القائل اذا قال لزوجته التي لم يدخل بها : أنت طالق وطالق ، لا خلاف بين الفقهاء انه لا يقع الا طلقة واحدة، فلو كانت الواو (۲) تفيد الجمع لجرى مجرى قوله أنت طالق طلقتين، وقد علمنا خلاف ذلك

____________________________________________

(۱) قوله (فلولا الترتيب الخ) فيه ان المتنازع فيه الترتيب في الحكم لافي الذكر ، فانه لازم للو او قطعاً ، ومعنى كلامة كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه ينبغي أن يلاحظ الترتيب في الذكر لانه أقرب الى الأدب، كيف لا و معلوم ان معصية الله ورسوله اذا حصلنا على المعية أو على أي ترتيب، كان ان أمكن حصلت الغواية ، وكذا في اطاعة الله ورسوله .

(۲) قوله (فلو كانت الواو الخ) فيه ان الفرق بين قوله أنت طالق وطالق وبين قوله أنت طالق طلقتين، ان الأول في حكم جملتين، في كل منهما اسناد على حده، فوجب الترتيب الذكري كاف في صحة الأول ، وبطلان الثاني ، ولا حاجة الى الترتيب في الحكم . كيف لا والترتيب الغير الذكري في

١٥٢

وقال قوم: ان الواو تفيد الجمع والاشتراك ، (۱) وهو الظاهر في اللغة، نحو قولهم: رأيت زيداً وعمرواً، ومعناه رأيتهما.

وتستعمل بمعنى استيناف جملة من الكلام وان لم تكن معطوفة على الأول في الحكم نحو قوله تعالى: ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) (۲) على قول من قال: ان المراد به الاخبار عن الراسخين بانهم يقولون آمنا به، لانهم يعلمون تأويل ذلك .

وقد تستعمل بمعنى (أو) كقوله تعالى في وصف الملائكة: (۳) ( أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) (۴) وكقوله : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ

____________________________________________

الانشائيات لا يمكن، أو لغو افادته بخلاف أنت طالق طلقتين، فانها جملة واحدة لا تتم الا بعد ذكر طلقتين ، والاسناد بعد التقييد كما سيجيء في الاستثناء في فصل في أن العموم اذا خص كان (مجازاً) .

(۱) قوله : (تفيد الجمع والاشتراك) أي تفيدهما في اللغة بدون ترتيب.

(۳) قوله ( في وصف الملائكة ) الاقرب جعل الواو في آية الملائكة بمعناه الحقيقي، وجعل العطف انسحابياً ، فان الموصوف مجموع الملائكة. وكذا في آية النساء ، لان الأمر هنا بمعنى الاباحة ، وكل واحد من الثلاثة يجتمع اباحته مع اباحة الآخرين بالنسبة الى كل واحد من المخاطبين ، و اجتماع الاباحة لا يستلزم اباحة الجمع، ولا امكانه . ولو جعلت بمعنى (أو) لم يفهم منه جواز كل واحد بالنسبة الى كل واحد .

__________________

(۲) آل عمران: ۷ .

(٤) فاطر: ١.

١٥٣

لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) (۱) والمراد بذلك أو والاشبه في ذلك أن يكون مجازاً لانه لا يطرد في كل موضع (۲)

ومنها (الفاء) ومعناها الترتيب (۳) والتعقيب نحو قول القائل : رأيت زيداً فعمرواً ، فانه يفيدان رؤيته له عقيب رؤيته لزيد مع انه بعده .

ولذلك ادخل الفاء في جواب الشرط (۴) لما كان من حق

____________________________________________

(۲) قوله (لا يطرد في كل موضع) أي مع العلم بأنها انما استعملت في الايتين في معنى ، أو بدون اعتبار خصوصية يوجد فيهما دون غيرهما مما لم يستعمل فيه ، لعدم السماع من أهل اللغة ، كمامر تحقيقه في هذا الفصل عند قوله والحقيقة اذا عقل فائدتها الخ) وتبادر الغير أيضا علامة كونها مجازاً في ( أو ) .

(۳) قوله (ومعناها الترتيب ) أي افادة كون المعطوف بالفاء بعد المعطوف عليه بها، وهو على قسمين :

الأول : الزماني ، نحو شرب مريضي الدواء فصح .

الثاني: الذكرى، وهو في شيء من حقه أن يذكر بعد شيء آخر باعتبار ككونه مدلولا له نحو وجد زيد فاوجد و ككونه تفصيلا له نحو ، ( وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ ) (۵) فقال: و ككونه فرعاً عليه نحو (حرك اليد فتحرك المفتاح) .

(٤) قوله (ولذلك ادخل الفاء في جواب الشرط) لا تدخل الفاء في جواب

__________________

(۱) النساء: ٣ .

(٥) هود: ٤٥ .

١٥٤

الجزاء أن يلحق بالشرط من غير تراخ .

____________________________________________

الشرط وجوباً الا في ستة مواضع لربط ماليس جواباً حقيقة بالشرط ، ولا تفيد التعقيب.

الأول : أن يكون الجواب جملة اسمية ، نحو ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (۱)

الثاني: أن تكون جملة فعلية كالاسمية، وهي التي فعلها جامد ، نحو ( إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا *‏ فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ ) (٢)

الثالث: أن يكون فعلها انشائياً نحو ( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ) (۳) .

الرابع: أن يكون فعلها ماضياً لفظاً ومعناً ، اما حقيقة نحو ( إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ) (۴) واما مجازاً نحو ( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ) (۵) نزل هذا الفعل لتحقق وقوعه منزلة ما قد وقع .

الخامس : أن يقترن بحرف الاستقبال نحو ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ ) (۶)

السادس: أن يقترن بحرف له الصدر نحو ان ضربتني فرب ظالم ضرب مظلوماً» .

__________________

(۱) الانعام: ۱۷ .

(۲) الكهف: ٤٠، ٤١ .

(۳) آل عمران: ۳۱ .

(٤) يوسف: ٧٧

(٥) النمل: ٩٠ .

(٦) المائدة : ٥٤

١٥٥

وقلنا (۱): ان قوله تعالى: ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (۲) ان ظاهر الكلام يقتضى كون المكون عقيب (كن) لموضع الفاء . وهذا يوجب ان (كن) محدثة ، لان ما تقدم المحدث بوقت واحد لا يكون قديماً ، وذلك يدل على حدوث الكلام بالضد مما يتعلقون به (۳) .

وذهب المرتضى الى أنها تفيد الترتيب، وخالف في أنها تفيد التعقيب من غير تراخ، بل قال : ذلك موقوف على الدليل (۴)، ويجب

____________________________________________

(۱) قوله (وقلنا) عطف على (أدخل) والفاء في (فيكون) ليس داخلا على الجزاء بل هي على قرائة النصب للعطف على ( نقول ) وعلى قرائة الرفع للعطف على جملة (انما قلنا ) بتقدير فهو يكون وعلى التقديرين (الفاء) للتعقيب الذكري الذي لا ينافي أن لا يكون بين المعطوف والمعطوف عليه تقدم وتأخر أصلا، لا زماناً ولا ذاتاً. فلا ينافي مامر في الحاشية الأولى في ذيل الجواب عن الشك الرابع ، من عدم تقدم الايجاد على الوجود ، لا زماناً ولا ذاتاً .

(۳) قوله (بالضد مما يتعلقون به) الظاهر ان الاشاعرة تعلقوا به في أن كلامه تعالى قديم، لان قوله (كن) حين الارادة وهي قديمة بزعمهم، أو لان الكلام لو كان حادثاً لكان شيئاً مراداً مسبوقاً يقول (كن) ، ويلزم الدور أو التسلسل . وفي هذا الكلام اشارة الى أن ما ذكر ليس استدلالا مستقلا على حدوث الكلام، بل هو نقض اجمالي لتعلقهم به فلا يرد ان لا كلام هنا حقيقة ، بل هو استعارة تمثيلية لنفوذ ارادته تعالى .

(٤) قوله ( موقوف على الدليل) لانها موضوعة للقدر المشترك بين التعقيب

__________________

(٢) النحل: ٤٠ .

١٥٦

التوقف فيه، وخالف فى جميع ما يمثل به في هذا الباب .

وأما (ثم) فانها تفيد الترتيب والتراخي، فهي مشاركة للفاء في الترتيب، وتضادها فى التراخي. وقد استعملت (ثم) بمعنى الواو (۱) في قوله تعالى: ( فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ ) (۲) لان معناه والله شهيد، وذلك مجاز .

وأما (بعد) فانها تفيد الترتيب من غير تراخ ولا تعقيب .

وأما (الى) فهى للحد ، وقد يدخل الحد في المحدود تارة ، و تارة لا يدخل ، فهو موقوف على الدليل (۳) وان كان الاقوى انه لا

____________________________________________

والتراخي عنده بناءاً على انها استعملت فيهما بالقرائن، والاصل في الاستعمال الحقيقة بدون اشتراك لفظي .

(۱) قوله (بمعنى الواو) لا ينافي ذلك كونها للتراخي في الرتبة والتعجب لانه ليس معنى ( ثم) حقيقة. فهو علاقة استعمالها في معنى الواو .

وفي جوامع الجامع للطبرسي (۴) رحمه‌الله ذكر الشهادة، والمراد مقتضي الشهادة، وهو العقاب ، فكأنه قال : ثم الله معاقب على ما يفعلون (انتهى) (۵) و على هذا في (ثم) في معناه الحقيقي .

(۳) قوله (فهو موقوف على الدليل) أي باعتبار أصل الاستعمال ، بقرينة

__________________

(٢) يونس : ٤٦ .

(٤) أبو على الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، كان من أجلاء الطائفة الامامية عظيم الشأن له عدة تصانيف أشهرها مجمع البيان، توفى في سبزوار سنة (٥٤٨ه.) و حمل نعشه الى المشهد الرضوى سلام الله على مشرفه ودفن في مغتسل الرضا عليه‌السلام .

(٥) جوامع الجامع : ١٩٤ في تفسير الآية فالينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون .

١٥٧

يدخل فيه .

و أما (من) فان لها أربعة أقسام :

أحدها : التبعيض (۱) نحو قولهم أكلت من الخبز واللحم . يعنى أكلت بعضهما، ونحو قولهم : هذا باب من حديد ، وخاتم من فضة ، لان المراد به أنه من هذا الجنس .

وثانيها : معنى ابتداء الغاية (۲) نحو قولهم : هذا الكتاب من فلان الى فلان، أى ابتداء غايته منه، وعلى هذا حمل قوله تعالى: ( نُودِيَ

____________________________________________

الوصل وهو قوله (وان كان الأقوى الخ) .

وفي مغني اللبيب : [ اذ ادلت قرينة على دخول ما بعدها نحو (قرأت القرآن من أوله الى آخره أو خروجه نحو ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (۳) ونحو ( فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ) (۴) عمل بها، والا فقيل : يدخل ان كان من الجنس وقيل : مطلقاً وقيل: لا يدخل مطلقاً وهو الصحيح، لان الاكثر مع القرينة عدم الدخول فيجب الحمل عليه عند التردد ] (٥)

(۱) قوله (التبعيض أعم من أن يكون من البعض بمعنى الجزء ، كما في المثال الأول، أو بمعنى الجزئي كما في الباقي .

(۲) قوله (ابتداء الغاية) الغاية المدى، أي الامتداد، سواء كان زمانياً أو مكانياً

__________________

(۳) البقرة: ۱۸۷

(٤) البقرة: ۲۸۰ .

(٥) مغني اللبيب : ٧٤ ـ ٤٥ .

١٥٨

مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ ) (۱) وان معناه ان ابتداء النداء كان من الشجرة ، فذلك دلیل (۲) على حدوث النداء .

وثالثها: أن تكون زائدة مثل قولهم : ماجائني من أحد ، معناه ما جائني أحد .

ورابعها : أن تبين تبيين الصفة (۳) نحو قوله تعالى : ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ) (۴) معناه اجتنبوا الرجس الذي هو الاوثان . ذكر ذلك أبو على الفارسى النحوى (۵) ، وقال بعضهم ان معناها في جميع المواضع ابتداء الغاية، وأنكر ماعدا ذلك من الاقسام

وأما (الباء) فتستعمل على وجهين :

____________________________________________

(۲) قوله (فذلك دليل) لا خلاف بين القائلين بقدم الكلام، وبين القائلين بحدوثه في أن النداء بمعنى الصوت واللفظ حادث .

(۳) قوله تبيين الصفة هي لبيان الجنس [ وهي ومخفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال] قاله في المغنى (۶) .

__________________

(۱) القصص: ۳۰ .

(٤) الحج: ٣٠ .

(٥) أبو على الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفسوى النحوى الفارسي. ولد بمدينة فسا سنة (۲۸۸ه. وقدم بغداد واشتغل بها ، وكان امام وقته في علم النحو ، صنف كتباً حسنة لم يسبق الى مثلها، توفى سنة (۳۷۷ه. )

(٦) مغني اللبيب : ۳۱۹ .

١٥٩

أحدهما : التبعيض ، وهو اذا استعملت في موضع يتعدى (۱) الفعل الى المفعول به بنفسه ، ولاجل هذا (۲) قلنا : ان قوله : ( و امسحوا برؤسكم ) (۳) يقتضى المسح ببعض الرأس لانه لو كان

____________________________________________

(۱) قوله (في موضع يتعدى الأولى أن يقيد بما لا يحتمل افادة الالصاق لئلا يرد النقض بـ (أمسكته) أي منعته من التصرف، و (أمسكت به) أي قبضت على شيء من جسمه، أو على ما يحبسه من ثوب ونحوه .

(۲) قوله (ولاجل هذا الخ) فصله المصنف رحمه‌الله في تهذيب الاحكام بل هو ظاهر المروي عن الباقر عليه‌السلام في آية الوضوء، فلا عبرة بانكار سيبويه (۴) مجيء الباء للتبعيض في سبعة عشر موضعاً من الكتاب، ولا بتجويز كون الباء فيها، وفي قوله تعالى: «عيناً يشرب بها عباد الله (۵) للالصاق، أو للاستعانة بتضمين شرب معنى يروي ، ولا بقول الزمخشري (۶) ان معناه يشرب بها الخمر ، كما تقول شربت الماء بالعسل ، ويتكرر هذا في فصل فيما الحق بالمجمل وليس منه .

__________________

(۳) المائدة : ٦ .

(٤) أبو الحسن عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي البيضاوى، البصرى ، النحوى المعروف بسيبويه وقيل: أبو بشر. اشتهر كلامه وكتابه في الافاق توفى سنة (١٩٤ه. ) وقيل توفى حدود سنة ( ۱۸۰ هـ. ) .

(٥) الانسان : ٦

(٦) جار الله أبو القاسم، محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي المعتزلى ، صاحب المصنفات المعروفة أشهرها الكشاف ، وأساس البلاغة ، وأطواق الذهب والزمخشري نسبة الى زمخشر قرية بنواحي خوارزم توفى سنة (٥٣٨ه.) ...

١٦٠