بداية الهداية - ج ١

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

بداية الهداية - ج ١

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


المحقق: محمّد علي الأنصاري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: نمونه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٥
الجزء ١ الجزء ٢

بداية الهداية

لآية الله الشيخ حر العاملي

الجزء الأوّل

١

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .

امتازت الشريعة الاسلامية على سائر الاديان والانظمة الوضعية بامور ثلاثة :

الاول - بالشمول .

الثاني - بموافقتها للفطرة الانسانية .

الثالث - بعمق الثقافة فيها .

اولا - الشمول :

ونقصد بالشمول شمولها :

- لجميع افراد الانسان .

٢ - لجميع احوال الانسان .

أما شمولها لجميع افراد الانسان فلانها شريعة أنزلها الله تعالى لجميع افراد الانسان « وما ارسلناك الاكافة للناس ) (۱) ولانها خاتمة الشرايع ومن طبيعة الخاتمية أن لا تختص بزمان دون زمان او بطبقة دون طبقة .

(۱) سبأ : ۲۸ .

٢

واما شمولها لجميع احوال الانسان ، فلانها لم تترك جانبا من جوانب حياته الا واستوعبته كمال الاستيعاب . فالانسان - طبقا لفلسفة التكوين - يمتاز ببعدين : بعد فكري وبعد عملي، والأول يكون معتقداته والثاني سلوكه العملي ، ولذلك يحتاج الى شريعة يستوعب بعده الفكري والعملي ، والشريعة الممتازة هي الشريعة القادرة على استيعاب هذين البعدين استيعا بأ كاملا صحيحاً بحيث لم يبق أي فراغ فيهما . والاسلام امتاز على سائر الشرايع بهذه الميزة ، فلو تتبعنا الشريعة نراها تتكون من بعدين :

البعد الاعتقادي : الذي يكون قسماً كبيراً من الشريعة الاسلامية ، كالاعتقاد بالمبدأ والمعاد وحاجة الانسان الى الهداية من طريق بعث الرسل ونصب الائمة والاعتقاد بكون الانسان مكلفا من قبل الله الملازم للاعتقاد بالاختيار وغير ذلك من الامور التي بينتها الشريعة كمعتقدات في القرآن الكريم والسنة .

البعد العملي أو البعد السلوكي : ويمكننا ان نقسم هذا البعد الى قسمين :

۱ - البعد السلوكي الاخلاقي : ونقصد بذلك مجموعة الأوامر والنواهي الواردة في الشريعة سواء في الكتاب العزيز أو السنة الشريفة المتضمنة للجانب الاخلاقي في الانسان كالتواضع ، والمحبة ، وعون الآخرين ، والحلم ، والصبر ، وترك الحسد ، والبهتان ، والغيبة ، والفحش ، والبطالة ، والكسل ، الى غير ذلك من الأمور الاخلاقية .

٢ - البعد السلوكي الحكمي : ونقصد بذلك مجموعة الأوامر والنواهي الواردة في الشريعة المتضمنة للجوانب العملية الأخرى مع غض النظر عن الاخلاق مثل احكام المياه والعبادات ، والمعاملات البيع ، والاجارة ، والهبات ...) والجهاد والنكاح والطلاق المواريث ، والحدود والقصاص . . . ففي هذا القسم تبين الشريعة مثلا الجرائم التي يستحق فاعلها حدا خاصا مثلا أو موارد القصاص

٣

والدية او شرائط صحة البيع او غير ذلك . فهذه كلها جهات عملية لكنها لا تتعنون بعناوين أخلاقية ، بل بعناوين حكمية .

اذن لم تترك الشريعة الاسلامية جانباً من جوانب الحياة الانسانية الا وقد استوعبته استيعاباً كاملا صحيحاً . هذا بخلاف الاديان والانظمة الوضعية فانها اما أخذت جانب الاعتقاد - بشكل ناقص او غير صحيح - وجانب الاخلاق - على نحو لا يتوافق مع كمالات الانسان - فحسب وتركت كثيراً من جانب البعد السلوكي الحكمي كالمسيحية واليهودية (المحرفتين واما اخذت الجانب الاعتقادي والسلوكي الحكمي وتركت البعد السلوكي الاخلاقي كالماركسية .

هذا كله مع غض النظر عن محتويات هذه الاديان والانظمة.

ثانياً موافقة الشريعة للفطرة :

حينما نلاحظ الاحكام الاسلامية نراها تتوافق مع فطرة الانسان فالاسلام يحرم القتل والزنا و السرقة والعدوان والظلم ويأمر بالعدل والاحسان والتقوى وعون الضعفاء. ويحترم كيان الانسان و شخصيته فيعترف بحقوقه الانسانية كاعترافه بالملكية الى الحد المعقول ، واعترافه بحرية العمل ما لم يوجب الفساد والضرر على نفسه او على المجتمع وامثال ذلك ، فأى حكم من هذه الاحكام مخالف للفطرة الانسانية؟ والى هذا الأمر أشار الذكر الحكيم بقوله تعالى : ( فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون (۱).

ثالثاً عمق الثقافة الاسلامية :

ويمكننا أن نعرف عمق الثقافة الاسلامية بدراسة الجوانب الثلاثة المتقدمة وهي : الجانب الاعتقادي ، والجانب السلوكي الاخلاقي ، والجانب السلوكي الحكمي في الشريعة الاسلامية ومقارنتها بالاديان والمدارس الوضعية الأخرى. وهذا

(١) الروم : ۳۰ .

٤

ما يحتاج الى مجال واسع ليس هنا محله وانما نذكر من كل منها نموذجاً واحداً على سبيل الايجاز .

فحينما ندرس مسألة «المبدأ مثلا في الشريعة الاسلامية ونقارنها مع سائر الاديان والمدارس نرى البون الشاسع بين فهم الاسلام لهذه المسألة وفهم غيره من الاديان والمدارس لها ، فان الله في القرآن هو :

۱ - «الله أحد ، الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد التوحيد .

۲ - ( الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم » الحديد ٫ ٣ .

- ( الله الذي لا اله هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم» (الحشر

. (۲۲ ٫

- « الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر » ( الحشر ٫ ٢٣ ) .

ه - « الخالق الباريء المصور له الاسماء الحسنى » ( الحشر (٢٤) .

- « الله يبدؤ الخلق ثم يعيده » (يونس ٫ (٣٤) .

والى غير ذلك من الآيات المبينة لهذا الأمر .

فان الله لم يلد كما توهمت المسيحية واليهود، ولم يولد حتى يكون جسماً يرى ويلمس فيفتش عنه الماديون ولا يجدونه، ولم يكن له شريك كما توهم المشركون.

هذا هو الله تعالى في القرآن، واما السنة فما اكثر ما ورد في ذلك ممن نزل القرآن في بيتهم وهم آل الرسول ، وكم لهم محاورات مع زنادقة عصرهم اثبتت تفوقهم العلمي في جميع الموارد ولسنا الآن بصدد بيان ذلك - كما أشرنا ـ ولكن تذكر كلام تلميذ الرسول والقرآن المجسد في هذا المجال حيث قال في بعض

خطبه :

اول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به و كمال التصديق به توحیده

٥

و کمال توحيده الاخلاص له ، وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار اليه ، ومن أشار اليه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال : فیم؟» فقد ضمنه ، ومن قال : « علام ؟ ) فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كل شيء لا بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير اذ لا منظور اليه من خلقه ، متوحد اذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده (۱).

فالذي يمعن النظر في هذه النصوص وامثالها الكثيرة وينصف من نفسه يجد الفرق الكثير بين الرؤية الاسلامية وسائر الرؤى في التوحيد ويلمس عمق الثقافة الاسلامية في هذا المجال. هذا بالنسبة الى البعد الاعتقادي في الاسلام ، وأما البعد السلوكي الاخلاقى فنرى ان الاسلام اعتنى بهذا البعد الى حد كبير بحيث صرح النبي الأمين في قوله : ( انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ، بأن للاخلاق بعداً سامياً في الشريعة الاسلامية ، وكان هو بأبي وامي امثولة للاخلاق السامية حتى قال فيه الذكر الحكيم : « وانك لعلى خلق عظيم ) (۲) وامرنا نحن المسلمون بأن نجعله اسوة في حياتنا حيث قال تعالى : « لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة » (۳) .

والاخلاق في الشريعة الاسلامية ليس شيئا يتطور مع الزمن بمعنى أن تتغير الحقائق الاخلاقية وان تغيرت الاساليب - كما يتوهمه الماركسيون، فليس الكذب قبيحاً في زمان وحسناً في زمان آخر بمجرد تطور الزمن ، وكذا ليس اشباع الشهوات

(۱) نهج البلاغة الخطبة رقم ١ .

(٢) القلم : ٤ .

(۳) الاحزاب : ۲۱ .

٦

بالطرق غير الشرعية قبيحا في زمان وحسناً في زمن آخر بمجرد التطور وهكذا سائر الامور الاخلاقية ، كما أن الاخلاق لا تستوعب جانبا محدوداً من الحياة كما تتوهمه بعض المذاهب بل تستوعب جميع الجوانب في حياة الانسان فهي تؤثر حتى في البعد السلوكي الحكمي أيضاً، فالنظام السياسي والنظام الاقتصادى في الاسلام مثلا لا يثمران النتائج المطلوبة لو أردنا تطبيقهما من دون مراعاة الجانب الاخلاقي الاسلامي فالاحتكار مثلا لا يمكن معالجته من دون غرس المثل الاخلاقية الاسلامية في المجتمع، وكذلك لا يمكن معالجة الطبقية بمعناها الممقوت الا بمعونة الاخلاق الاسلامية وقس على ذلك غيرهما

وأما بالنسبة الى البعد السلوكي الحكمى فنرى ان الشريعة ما تركت مجالا في حياة الانسان الفردية والاجتماعية الا وقد استوعبتها من هذه الجهة، فهي تراقب الانسان قبل تكوينه وحين تكوينه الى أن يموت وجعلت لكل حياته قوانين تتضمن الفعل او الترك ، ولسنا نبالغ اذا قلنا ان الشريعة الاسلامية انفردت في هذه الجهة على سائر الشرايع والانظمة . ومما امتازت به الشريعة في هذه الجهة ( أي البعد السلوكي الحكمي انها وضعت نوعين من القوانين :

١ - القوانين الثابتة .

- القوانين المتغيرة .

ونقصد بالقوانين الثابتة القوانين التي لا يطرأ عليها بالذات أي تغيير بمعنى لا يمكن رفعها أو تحديدها وذلك مثل وجوب الصلاة والصوم والحج واستحقاق الارث على ما رسمته الشريعة وأحكام الحدود والقصاص وامثال ذلك، فهذه احكام ثابتة لا يطرأ عليها أي تغيير بمعنى انه لا يجوز لاحد أن يقول يوما ما ان الانثى تستحق بمقدار ما يستحقه الذكر في الارث او يقول بعدم وجوب الزكاة أو بأن حكم السرقة ليس هو قطع اليد وأمثال ذلك .

٧

واما القوانين المتغيرة فنقصد بها القوانين التي يمكن تغييرها بحسب المصالح الزمانية والمكانية ويكون الحكم فيها لولي المسلمين الشرعي وذلك مثل القرارات والمعاهدات التي تنعقد بين المسلمين وغيرهم فرب قرار يكون مضرا بالمسلمين في زمان مخصوص فيكون حراماً وممنوعاً بينما يكون نفس القرار نافعاً لهم في زمان آخر فيجوز أو يجب اذا اقتضت الضرورة انعقاده .

ثم ان هناك قوانين أخرى حاكمة على كل القوانين الاسلامية مثل قاعدة لا ضرر ) وقاعدة « لا حرج » فلها حق الفيتو» على تلك القوانين . ومفاد القاعدة الأولى هو أنه متى ما كان قانون ما - من القوانين الاسلامية - مضراً بحال الفرد أو المجتمع فهو يرتفع مادام الضرر موجوداً فمثلا الصوم واجب ولكن لو كان الصوم مضراً بحال فرد فيرتفع وجوبه بالنسبة اليه ولكن لا نهائياً بل مادام الصوم مضراً فاذا ارتفع الضرر عاد الوجوب ، وكذلك لو صار الحكم الذي قرره ولي المسلمين عليهم مضراً بحالهم فيرتفع ذلك الحكم أيضاً .

والمصدر الشرعي لهذه القاعدة هو قول الرسول : « لا ضرر ولا ضرار في الاسلام » في قضية سمرة بن جندب مع رجل من الانصار لا يسعنا ذكرها الآن .

واما القاعدة الثانية فمفادها : ان كل قانون وحكم يكون حرجياً على الانسان أو على المجتمع، أي فيه مشقة كثيرة يرتفع مادام الحرج موجوداً فمثلا لو كان الانسان عاجزاً عن العمل بحيث يكون العمل شاقاً بالنسبة اليه فيسقط عنه وجوب التكسب للانفاق على من يعوله ، ويجب على أبيه أو ابنه أن ينفق عليه والا وجب الانفاق عليه من بيت مال المسلمين وذلك استناداً الى قاعدة « لا حرج » ويسقط وجوب التكسب مادام العجز أو المشقة موجودين وبمجرد ارتفاعهما يعود الوجوب، وكذا اذا صار حكم ولي المسلمين موجبا للعسر والحرج على المسلمين فيرتفع وجوب الاتباع مادام حرجياً ولا يصح الحكم منه ابتداءاً لو كان الحرج موجوداً

٨

من أول الأمر .

والمصدر الشرعي لهذه القاعدة هو قوله تعالى : « ما جعل عليكم في الدين من حرج ) (١) .

وقوله تعالى : ( انما يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ، (٢) .

وربما يطلق على الاحكام التي لم يطرأ عليها الضرورة والحرج ( الاحكام الأولية ، والاحكام التي تولدت بعد الضرورة والحرج ( الاحكام الثانوية » .

وهناك قواعد وقوانين عامة أخرى يبحث عنها في علم « اصول الفقه » تدل على مدى الظرافة والدقة الموجودين في الشريعة الاسلامية لا يسعنا التعرض لها الآن ، ويا حبذا لو قورنت هذه القوانين مع القوانين الوضعية مقارنة مستوعبة ، فاننا اليوم - والحمد لله - ببركة القيادة الحكيمة للامام الخميني (مدظله العالي) صرنا مطمحا لانظار العالم، فالعالم كله من علمائه وغيرهم يريدون أن يعرفوا حقيقة الاسلام ، وباعتقادي انه يمكن تفهيم الاسلام من الجانب العملي والسلوكي بطريق أقصر من الجانب الاعتقادي ، وذلك لان الانظمة الأخرى اثبتت عجزها من هذه الجهة عملياً، والقوانين الوضعية لاتقاس بالشريعة الاسلامية ابداً .

اضواء حول الكتاب :

والكتاب الحاضر فهو وان لم يكن كما نوهنا اليه لكنه يمتاز بمميزات منها : اولا - سهولة العبارات

ثانياً شموله واستيعابه لجميع الابواب الفقهية واشتماله على كثير من الاداب والاخلاق الاسلامية السامية .

(۱) الحج : ۷۸ .

(۲) البقرة : ١٨٥ .

٩

ثالثاً - تطعيمه بالروايات الواردة عن النبي وآله الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين وهذا الأمر اضفى الى الكتاب معنوية خاصة ، بل ان عبارات الكتاب هي الفاظ الروايات وان لم تنقل على نحو الروايات في بعض الموارد .

والكتاب في الواقع مؤلف من كتابين .

اولهما : ( بداية الهداية » للمحدث المتبحر الحجة آية الله الشيخ محمد ابن الحسن الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة ( قدس الله سره ) . قال عنه العلامة الطهراني ( قده ) في الذريعة :

بداية الهداية في الواجبات والمحرمات المنصوصة من أول كتب الفقه الى آخرها على سبيل الاختصار للشيخ المحدث محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى بالمشهد الرضوى سنة ١١٠٤ اختصره من كتابه «هداية الامة الى أحكام الائمة» الذي انتخبه من كتابه ( تفصيل وسائل الشيعة » بحذف الأسانيد والمكررات بحيث يكون حدا وسطا بين تفصيل الوسائل وفهرسه المختصر وجعله في مجلدين كما يأتي ثم الف البداية بعده لبيان ما هو الزبدة والخالص والنتيجة ، وقد حصر في آخره عدد الواجبات المنصوصة السف وخمسمائة وخمسة وثلاثين واجبا ، وعدد المحرمات المنصوصة في الف وأربعمائة وثمانية واربعين محرما وفرغ منه سنة ( ۱۰۹۱) ... الخ» (١) .

ثانيهما لب الوسائل الى تحصيل المسائل للعالم الورع والمحدث الجليل والمؤرخ الفاضل الحجة الحاج الشيخ عباس بن محمد رضا القمي (قدس الله سره). ولم يذكره العلامة الطهراني (قده) في جملة تاليفاته في « الطبقات » مع انه ذكر له نحوا من خميس كتاباً ولا على نحو مستقل في ( الذريعة » مع كثرة العلاقة التي كانت موجودة بينه وبين المؤلف ، وعلى اى حال فهو - في الواقع - استدراك للكتاب

(١) الذريعة ج ٣ ص ٥٩ .

١٠

الأول اعنى ( البداية ، لأن العلامة الحر ( قده ) اقتصر فيه على ذكر المحرمات والواجبات المنصوصة ولم يدخل فيه الا اليسير من المستحبات والمكروهات على ما صرح به في المقدمة ، ولكن العلامة القمي (قده) ذكر المستحبات والمكروهات ليتم الكتاب ويضم بين دفتيه كل واجب وحرام ومستحب ومكروه ، فاعطى هذا الامر روعة للكتاب .

ويمتاز الكتابان احدهما عن الآخر بالعناوين فعنوان كتاب « بداية الهداية » هو كلمة « فصل ، وعنوان كتاب «لب الوسائل » هو كلمة « وصل » .

و قد اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسخة مصورة من أصل بخط العلامة القمي ( قدس سره » ، قدمها لنا مشكوراً سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ مجتبى العراقي دام ظله .

ولكن الكتاب مع ما ذكرنا له من المميزات فيه بعض النقاط ينبغي التوقف عندها ونذكر على سبيل المثال نموذجاً واحداً منها وهو :

انه ذكر في ص ۲۸۲ : « أنه أتى رجل امير المؤمنين الا فقال له : جئتك مستشيراً : ان الحسن ، والحسين ، وعبد الله بن جعفر خطبوا الي ، فقال امير المؤمنين صلوات الله عليه) : « المستشار مؤتمن ، أما الحسن فانه مطلاق للنساء ، ولكن زوجها الحسين الله فانه خير لابنتك » . فان الانسان لتأخذه الدهشة من نقل هذه الأمور وذلك بيد علماء الشيعة ، أليس نقول : ان هذا من مخترعات الأمويين والعباسيين ليشنعوا به على أئمة الشيعة ؟! وكان بودنا أن نقوم بتحقيق هذا الموضوع ولكن لضيق المجال نتركه الى فرصة اخرى ان شاء الله تعالى .

عملنا في الكتاب

الكتاب - كما قلنا - مؤلف من كتابين مندمجين وهو في الاغلب مقتبس من

١١

النصوص الروائية اما مع التصريح بكونها رواية، واما بمجرد نقل النص من دون اشارة الى كونه رواية وقلما تجد عبارة لم تكن نصا لرواية او مضمونا لها . واما عملنا في الكتاب فيتمثل في الأمور التالية :

اولا باستخراج مصادر الآيات والاقوال والروايات المصرحة بكونها رواية وأما التي لم يصرح بكونها رواية فتركنا استخراجها مخافة التطويل، ولكن يمكن العثور على مصادرها من ضمن الروايات المصرحة التي تذكر في نفس الموضوع.

ثانياً - بشرح وتفسير بعض العبارات او المفردات .

ثالثاً - بالتعليق على بعض الموارد اذا دعت الحاجة لذلك .

رابعاً - بجعل العناوين للموضوعات اذا كانت فاقدة لها، وميزناها عن العناوين التي كانت موجودة في أصل الكتاب بأن جعلناها بين معقوفتين كبيرتين هكذا [

خامساً - كانت تدعو الحاجة إلى اضافة بعض الكلمات مثل يستحب ويكره وامثالهما جعلناها بين معقوفتين كبيرتين ايضا هكذا [ ] .

سادساً - كانت على الكتاب حواش من العلامة القمي ( قده ) وكان يقتضى الأمر ادخال بعضها في المتن ، وكتابة بعضها الآخر في التعليقة ففعلنا ذلك مراعين جودة الكتاب وحسن عبارته .

سابعاً ان العلامة القمي (قده) لم يذكر وصلا لبعض الفصول مثل « قواطع الصلاة » و«الزكاة » و « الخمس ) وقد جعل محلها بياضاً في الاصل. ونحن بدورنا أخذنا فصل «الزكاة » و « الخمس ) من نسخة أخرى من كتاب « بداية الهداية » ، وذلك من مخطوطات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي (دام ظله) وادرجناها في المتن ، وذكرنا لكل فصل وصلا وجعلناه في التعليقة حفظا على الأمانة مراعين في ذلك ذوق العلامة القمي (قده) وترتيبة مهما امكن ، ولكن فاتنا هذا الامر بالنسبة الى قواطع الصلاة سهوا منا ، والعصمة مختصة بأهلها .

١٢

ثامناً - فاتنا ذكر مصادر بعض الروايات والأقوال ولكنا استدر كناها في آخر الكتاب .

تاسعاً - حاولنا قلة وجود الاخطاء ولكن مع ذلك قد وقعت بعض الاغلاط يسهل على القارىء تصحيحها.

وبالتالي جاء الكتاب في مجلدين اسأل الله تعالى أن ينفع به المؤمنين من العلماء والطلبة الاجلاء خاصة المبلغين وغيرهم ؛ فان الكتاب يحمل بين طياته دورة فقهية واخلاقية مطعمة بكلمات معدن الحكمة آل الرسول الذين كلامهم نور وأمرهم رشد ، ووصيتهم التقوى (١) .

وأخيراً نتقدم بالشكر الجزيل الى مؤسسة آل البيت الاحياء هذا التراث القيم ، سائلا الله تعالى للعاملين فيها مزيد التوفيق .

والحمد لله اولا وآخرا وشاركنا في ثواب مؤلفي الكتاب (قدهما) .

(۱) زيارة الجامعة

١٣

ترجمة حياة المرحوم المحدث

آية الله الحر العاملي (قده)

اسمه واسرته :

هو الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين الحر العاملي المشغري نسبة الى ( مشغرة » - بالميم المفتوحة ثم الشين المعجمة المفتوحة ثم الغين المعجمة الساكنة ثم الراء والهاء أخيراً - قرية من قرى جبل عامل كما في لؤلؤة البحرين (۱) ، أو قرية من قرى دمشق من ناحية البقاع كما في معجم البلدان (۲).

ينسب الى اسرة بني الحر، وهى اسره علمية عريقة ينتهي نسبها الى « الحر ابن يزيد الرياحي (رض) المستشهد بأرض الطف مع الامام الحسين بن علي (۳)

مولده ووفاته :

ولد في قرية « مشغرة ) ليلة الجمعة ثامن رجب السنة الثالثة والثلاثين بعد

(١) لؤلؤة البحرين ٠٧٦

(۲) معجم البلدان ١٣٤٫٥ .

(۳) اعيان الشيعة ٤٨٢٫٨ كما في مقدمة أمل الأمل ۹ .

١٤

الالف (۱) ، وتسوفى في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك في السنة مائة وأربعة بعد الألف (۲) .

اسفاره :

أقام في بلاده أربعين سنة وحج فيها مرتين ثم سافر الى العراق فزار الائمة ، ثم سافر الى خراسان وزار الامام الرضا الله بطوس ، فجاورها الى أن توفى بها ، وفي هذه المدة حج مرتين ايضا ، وزار الائمة في العراق مرتين ايضاً (۳) .

ثم انه أعطى منصب قضاء القضاة وشيخوخة الاسلام في تلك الديار ، وصار بالتدريج من أعاظم علمائها الاعيان وأركانها المشار اليهم بالبنان (٤) .

ومر - في سفره الى المشهد الرضوي - باصفهان والتقى بجملة من العلماء الكبار ومن جملتهم العلامة المجلسي (قده) فأجاز كل منهما صاحبه بالرواية (٥) .

قال المحدث العاملي (قده) في الفائدة الخامسة من خاتمة الوسائل : . . . . ونرويها [ أي روايات الوسائل ] عن المولى الاجل الاكمل الورع المدقق مولانا محمد باقر ابن الأفضل الاكمل مولانا محمد تقي المجلسي ايده الله تعالى وهو آخر من أجازني وأجزت له عن أبيه . . . » (١) .

اساتذته وشيوخه في الرواية :

قرأ في بلده على أبيه ، وعمه الشيخ محمد الحر وجده لامه الشيخ عبد السلام

(۱) امل الأمل ١٤١٫١ .

(۲) مقدمة امل الأمل ٥٢ .

(۳) امل الأمل ١٤٢٫١ .

(٤) روضات الجنات ١٠٤٫٧ .

(٥) روضات الجنات ١٠٣٫٧.

(٦) الوسائل ٥١٫٢٠ .

١٥

ابن محمد الحر وخال أبيه الشيخ علي بن محمد وغيرهم . وقرأ في قرية « جبع » على عمه ايضا وعلى الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني) وعلى الشيخ حسين الظهيري وغيرهم (١) .

قال شيخنا المترجم له : « ... لنا طرق متعددة الى رواية المؤلفات الآتية مذكورة في آخر تفصيل وسائل الشيعة وفي الاجازات وغيرها . . . واما المعاصرون فانا نروي عن اكثرهم وكثير يروون عنا وبعضهم يروون عنا ونروى عنهم ... (٢).

ومن جملة شيوخه في الرواية :

١ - المولي محمد باقر المجلسي صاحب البحار (۳).

۲ - المولى محمد محسن الفيض الكاشاني صاحب الوافي (٤).

- السيد محمد بن علي بن نعمة الله الجزائري (٥) .

- الشيخ علي حفيد الشهيد الثاني صاحب الدر المنثور (٢).

ه - المحقق آقا حسين الخونساري شارح الدروس (۷).

٦ - السيد هاشم البحراني صاحب تفسير البرهان (۸) .

تلامذته :

و للمترجم له تلامذة كثيرون كما تقتضيه مكانته العلمية والاجتماعية . يقول السيد الأمين في ضمن ترجمته : « مما يلفت النظر في حياة المترجم ما ورد في كتاب روح الجنان » للشيخ محمد الجزائري فقد ذكر في هامشه أنه رأى المترجم في شيراز سنة الف ونيف وتسعين ، قال : ثم جاور المشهد فزرته بها سنة (۱۰۹۹) وله

(۱) امل الامل ١٤٢٫١ .

(۲) امل الامل ۲۰٫۱.

(۳) - (۸) مقدمة امل الامل ١٥ .

١٦

حلقة عظيمة للتدريس في كتابه وسائل الشيعة وكنت احضره مدة اقامتي في المشهد (۱)

اقوال العلماء فيه :

للعلماء المعاصرين لشيخنا المترجم له والمتأخرين عنه أقوال حول شخصيته تدل على عظمته وجلالة قدره قال عنه المحقق الاردبيلي (قده) :

... محمد بن الحسن الحر العاملي ساكن المشهد المقدس الرضوي على ساكنها من الصلوات افضلها ومن التحيات اكملها - الشيخ الامام العلامة المحقق المدقق جليل القدر رفيع المنزلة عظيم الشأن عالم فاضل كامل متبحر في العلوم لا يحصى فضائله ومناقبه مد الله تعالى في عمره وزاد الله في شرفه . . . » (۲) .

وقال عنه صاحب الروضات (قده) :

الشيخ المحدث الفقيه ، والعين المقدس الوجيه ، محمد بن الحسن بن علي ابن محمد المعروف بشيخنا الحر العاملي الاخباري » (٣) .

وقال عنه المحقق السيد علي خان الشيرازي شارح الصحيفة (قده) :

علم علم لا تباريه الاعلام ، وهضبة فضل لا يفصح عن وصفها الكلام ، أرجت انفاس فوائده أرجاء الاقطار وأحيت كل ارض نزلت بها فكأنها لبقاع الارض امطار، تصانيفه في جبهات الايام غرر، وكلماته في عقود السطور درر، وهو الان قاطن ببلاد العجم ينشد لسان حاله :

أنا ابن الذي لم يخزني في حياته ولم أخزه لما تغيب في الرجم » الى آخر ما قاله عنه (٤) .

(۱) اعيان الشيعة ٦٤٫٤٤ كما في مقدمة امل الامل ١٦ .

(۲) جامع الرواة ۰۹۰٫۲

(۳) روضات الجنات ٩٦٫٧.

(٤) سلافة العصر ٣٥٩ .

١٧

نقله شيخنا المترجم له في امل الأمل ثم عقبه بقوله : « وقد افرط في المدح في غير محله » (۱) تواضعا منه .

وقال عنه المحدث البحراني (قده) : «كان عالما، فاضلا، محدثا، اخبارياً» (۲). وقال عنه العلامة المامقاني (قده) : هو من أجلة المحدثين ومتقى الاخباريين (۳) وقال عنه المحدث القمي (قده) : « شيخ المحدثين وافضل المتبحرين الفقيه النبيه المحدث المتبحر الورع الثقة الجليل، ابو المكارم والفضائل صاحب المصنفات المفيدة . . . » (٤) .

الى آخر ما قيل عنه .

طريقته في الفقه والحديث :

كان شيخنا المترجم له يسلك مسلك الاخباريين والمحدثين في الفقه والحديث بل كبارهم ومشيدى مسلكهم ، ولذلك استدل في خاتمة الوسائل باثنين وعشرين وجها على صحة احاديث الكتب التي نقل منها روايات الوسائل فقال : « الفائدة التاسعة في ذكر الاستدلال على صحة احاديث الكتب التي نقلنا منها هذا الكتاب وأمثالها تفصيلا ووجوب العمل بها ، فقد عرفت الدليل على ذلك اجمالا ، ويظهر من ذلك ضعف الاصطلاح الجديد على تقسيم الحديث الى صحيح وحسن وموثق وضعيف ، الذي تجدد في زمن العلامة ، وشيخه احمد بن طاووس .. . » (٥) ثم ذكر الوجوه .

(۱) امل الأمل ١٤٦٫١ .

(۲) لؤلؤة البحرين ٧٦ .

(۳) مقباس الهداية ۱۲۱ .

(٤) الكنى والالقاب ١٥٨٫٢ .

(٥) الوسائل ٩٦٫٢٠ .

١٨

ومع انه كان كما قلنا من كبار الاخباريين فقد انتقده الاخباري الكبير الآخر المرحوم صاحب الحدائق ( قده ) فقال :

لا يخفى انه وان كثرت تصانيفه ( قدس سره ) كما ذكر الا أنها خالية عن التحقيق والتحبير، تحتاج الى تهذيب وتنقيح وتحرير كما لا يخفى على من راجعها ، وكذا غيره ممن كثرت تصانيفه كالعلامة وغيره ، ولهذا ان بعض متأخرى اصحابنا رجح الشهيد على العلامة، وقال: انه افضل لجودة تقريره، وحسن تحبيره، وكذلك مصنفات شيخنا الشهيد الثاني فانها مشتملة على مزيد التحقيق والتحرير ، والتنقيح والتحبير ) (١) .

و من الظريف ان صاحب الروضات (قده) بعد ما نقل هذه العبارة من المحدث البحراني (قده) قال :

واقول : بل الخلو عن التصرف والتحقيق ودقة النظر في مقام فهم النصوص والجمع بين متناقضات الاخبار انما هي علة توجد في غالب من كان على طريقة الاخبارية وهذا الرجل منهم كما ان الطاعن عليه بمثل هذه الخصلة الموهنة أيضا منهم... الى أن قال : - نعم ان من جملة مسلمات المتأخرين عن الرجلين جميعاً كونهما في غاية سلامة النفس وجلالة القدر، ومتانة الرأى ، ورزانة الطبع، والبراءة من التصلب في الطريقة، والتعصب على غير الحق والحقيقة، والملازمة في الفقه والفتوى الجادة المشهور من العلماء والمرازمة الصدق والتقوى . . . » (۲) .

مصنفاته و تآليفه :

واما مصنفاته وتأليفه فهي كثيرة اوردها في كتابه امل الأمل» عند ترجمة نفسه فقال : له كتب منها :

(١) لؤلؤة البحرين ۸۰.

(۲) روضات الجنات ۰۱۰۲٫۷

١٩

(١) الجواهر السنية في الاحاديث القدسية ، وهو اول ما ألفه .

(۲) الصحيفة الثانية من أدعيه علي بن الحسين العلا .

(۳) تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة [ وهو أحد الجوامع الحديثة المتأخرة الكبرى يقع في عشرين مجلداً ] .

(٤) هداية الامة الى احكام الأئمة الثلاث مجلدات صغيرة .

(ه) فهرست وسائل الشيعة سماه ( من لا يحضره الامام » .

(٦) الفوائد الطوسية .

(۷) اثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ، مجلدان يشتمل على اكثر من عشرين الف حديث، واسانيد تقارب سبعين الف سند منقولة من جميع كتب الخاصة والعامة

(۸) أمل الأمل في شرح احوال علماء جبل عامل يقع في مجلدين .

(۹) الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة .

(۱۰) رسالة في الرد على الصوفيه تشتمل على اثني عشر بابا واثنى عشر فصلا ، فيها نحو الف حديث في الرد عليهم عموما وخصوصا في كل ما اختصوا به .

(۱۱) كشف التعمية في حكم التسمية اى تسمية المهدى الله .

(۱۲) رسالة الجمعة .

(۱۳) نزهة الاسماع في حكم الاجماع .

(١٤) رسالة تواتر القرآن .

(١٥) رسالة الرجال .

(١٦) رسالة احوال الصحابة .

(۱۷) رسالة في تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان .

(۱۸) بداية الهداية في الواجبات والمحرمات المنصوصة وهو هذا الكتاب

٢٠