تراثنا ـ العدد [ 143 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 143 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1019-4030
الصفحات: ٢٨٦

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

السنـة السادسة والثلاثون

العدد الثالث [١٤٣]

محتـويات العـدد

* تاريخ الحوزات العلمية والمدارس الدينية عند الشيعة الإمامية (٢).

...................................................  الشيخ عدنان فرحان القاسم ٧

* (الفَوائِدُ الحِسانُ الغَرائِبُ) روايةُ (ابنِ الجندي) (٣٠٥ ـ ٣٩٦هـ) (٥).

....................................................  الشيخ أمين حسين پوري ٤٩

* المنهج الموسوعي في الفقه الإمامي (الحدائق والجواهر أنموذجاً) (٥).

.......................................................  الشيخ مهدي البرهاني ٨٥

٢

رجب ـ رمضان

١٤٤١ هـ

* من ذخائر التراث :

* رسالة في حرمة الربا لآية الله الميرزا أبو الهدى الكلباسي (١٢٧٨ ـ ١٣٥٦هـ).

....................................  تحقيق : الشيخ حسين حلبيان الإصفهاني ١٣٩

* من ذخائر التراث :

* ولاية الوصي على نكاح الصغيرين لمحمّد جعفر بن عبد الله الكمرئي (١١١٥هـ).

......................................  تحقيق : السيّد أحمد آل محمود الموسوي ٢٣١

* من أنباء التراث.

.............................................................  هيـئة التحرير ٢٧٧

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (رسالة في حرمة الربا لآية الله الميرزا أبو الهدى الكلباسي ١٢٧٨ ـ ١٣٥٦هـ) والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

تاريخ الحوزات العلمية

والمدارس الدينية عند الشيعة الإمامية

(تاريخ الحوزة العلمية في إصفهان)

(٢)

الشيخ عدنان فرحان القاسم

بسم الله الرحمن الرحیم

تناولنا في العدد السابق معطيات حوزة إصفهان وأعلام المدرسة الفقهية والأصولية فيها ومميّزاتها وتناولنا كذلك المدرسة الفلسفية ومميّزاتها وأعلامها ونستأنف البحث هنا

١٩ ـ المولى محمّد صادق الأردستاني (ت ١١٣٤ هـ) :

وهو أحد المحقّقين والحكماء والمتألّهين في العصر الصفوي ، وكان وحيد عصره في العلوم العقلية والنقلية ، ومن نوادر عصره في الزهد والورع والتقوى والإعراض عن الدنيا وهوى النفس ومشتهياتها ، والتوجّه إلى الحقّ تعالى بالعبادة والطاعة والانقياد والتسليم المطلق.

٧

ابتلي بحاكم زمانه فكُفِّر وعوقب ، حيث أبعدوه عن إصفهان إلى نجف آباد في فصل الشتاء القارص ، ممّا أدّى إلى وفاة ولد صغير له ، ولهذا الابتلاء قصّة حزينة محيّرة ، وأسباب خفية لم يطّلع عليها إلاّ القليل من الخواصّ(١).

إلاّ أنّه ـ رغم كلّ هذه الابتلاءات ـ بقي راسخ العقيدة ، صلب الإيمان ، لم يتراجع عمّا يعتقده ، ولم يظهر عليه الانكسار والضعف والتراجع ، فكان ـ وبحقّ ـ أبو ذر زمانه.

له من الآثار الفلسفية مجموعة من الرسائل بقلم تلامذته ، من أهمّها : رسالة الحكمة الصادقية بقلم الملاّ حمزة الكيلاني ، وتقريراً لدرس أستاذه الأقدم الملاّ محمّد صادق الأردستاني (٢).

والملاّ حمزة الكيلاني ، مقرّر درس الأردستاني ، كان أيضاً من الحكماء والعارفين ، وله آثار ورسائل كثيرة في الفلسفة منها : حواشي على كتاب الشفا لابن سينا ، وغيرها(٣).

٢٠ ـ المولى إسماعيل بن محمّد حسين المازندراني الإصفهاني المعروف بـ : (الخواجوئي) (ت ١١٧٣ هـ) :

قال القزويني في التتميم : «مولانا إسماعيل المازندراني ، الساكن من

__________________

(١) انظر : المرجع نفسه ٤ / ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) المنتخبات ٤ / ٥٩ وما بعدها.

(٣) المنتخبات ٤ / ٥٥ ـ ٥٧.

٨

محلاّت إصفهان في محلّة (خاجو) وكان من العلماء الغائصين في الأغوار ، والمتعمّقين في العلوم بالأسبار ، واشتهر بالفضل ، وملك التحقيق حتّى اعترف به كلّ فاضل ، وكان من فرسان الكلام ، ومن فحول أهل العلم .. حكى عنه الثقات أنّه مرّ على كتاب الشفاء ثلاثين مرّة إمّا بإقرائه ، أو بالتدريس ، أو بالمطالعة ، وكان رحمه الله مع ذلك ذا بسطة في الفقه والتفسير والحديث ، مع كمال التحقيق فيها .. وله تآليف كثيرة وحواش على كتب العلوم ، والذي وصلنا منها رسالة في الرد على العلاّمة الخوانساري في الزمان الموهوم(١).

عاصر المولى إسماعيل زمن فتنة الأفغان ، وكان في وقتها من المحصّلين للعلوم الدينية ، واحتمل الآشتياني أنّه تتلمذ في المعقول والمنقول على يد الفاضل الهندي ، ومن الممكن أنّه قد حضر درس الأردستاني ، والملاّ حمزة ..(٢).

وقد ترك آثاراً علمية كثيرة ، منها شروح ورسائل وحواش منها : رسالة ثمرة الفؤاد في نُبذ من مسائل المعاد ، والتي حقّقها ونشرها الآشتياني في المنتخبات(٣).

٢١ ـ محمّد بن محمّد رفيع الجيلاني المشهور بالبيدآبادي الإصفهاني (ت ١١٩٨ هـ) :

«كان من أعظم حكماء هذه الأواخر ، ماهراً في العقليّات ، مصنّفاً في

__________________

(١) تتميم أمل الآمل : ٦٧ ـ ٦٨.

(٢) المنتخبات ٤ / ٢٢٠.

(٣) انظر : المنتخبات ٤ / ٢٢٣ وما بعدها.

٩

المعارف الحقّة من الإلهيّات ، معلّقاً على كثير من كتب المحقّقين ، محقّقاً في مراتب الحكمة والكلام ، مدرّساً بدار السلطنة بإصفهان ، ومربّياً لجماعة من علمائها الأعيان.

كان من تلامذة المحدّث الجليل الميرزا محمّد تقي الألماسي ، بل إدراكه لفيض صحبته مولانا إسماعيل الخواجوئي غير بعيد.

وقد تلمّذ لديه جماعة أجلاّء من علماء هذه الطبقة ومن قبلها ، منهم : الميرزا أبو القاسم الحسيني الإصفهاني المشتهر بالمدرّس ، والمولى علي النوري ، ومولانا الحاج محمّد إبراهيم الكلباسي ..»(١).

له على كتاب الأسفار للملاّ صدرا مجموعة من الحواشي ، كما له في التفسير منتخب تفسير النيسابوري للقرآن الكريم ، ويعدّ من كبار علماء الأخلاق والعرفان ، وتنتهي إليه سلسلة كبار العلماء العارفين ، وكان راسخ القدم في العرفان ومدرّساً للحكمة المشّائية وحكمة الإشراق ، ومحشّياً لأسفار الملاّ صدرا ، كما أنّه كان بارعاً في العلوم النقلية أيضاً.

هذا وقد انتخب ونشر له الآشتياني رسالة مختصرة في السلوك والعرفان ، ورسالة المبدأ والمعاد(٢).

٢٢ ـ المولى محمّد مهدي النراقي (ت ١٢٠٩ هـ) :

وهو أحد أعلام المجتهدين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر من

__________________

(١) روضات الجنّات ٧ / ١٢٢ ، وانظر : أعيان الشيعة ٩ / ٤٠٤.

(٢) المنتخبات ٤ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤ و٣٧٣ وما بعدها : وانظر : دانشمندان وبزركان إصفهان ٢ / ٩٠١ ـ ٩٠٢.

١٠

الهجرة ، ومن أصحاب التأليفات القيّمة ، ولا يُعرف عن والده (أبي ذر) شيء ، وهو والد المولى أحمد النراقي المتوفّى (١٢٤٤ هـ) ، صاحب مستند الشيعة وكفاه فخراً أنّه أحد أساتذة الشيخ العظيم المولى مرتضى الأنصاري المتوفّى (١٢٨١ هـ).

ولد في قرية من قرى كاشان ، وتتلمذ في إصفهان عند المولى إسماعيل الخاجوئي ، ولمدّة ثلاثين سنة ، فتكون نشأته ومبدأ تحصيله في إصفهان على هذا الشيخ الجليل ، والظاهر أنّه عليه قرأ الفلسفة ، لأنّ هذا الشيخ من أساتذة الفلسفة المعروفين ، الذين تنتهي تلمذتهم في ذلك العصر إلى المولى صدر الدين الشيرازي صاحب الأسفار ، ودرس أيضاً في إصفهان على العالِمَين الكبيرين الشيخ محمّد ابن الحكيم محمّد زمان ، والشيخ محمّد مهدي الهرندي ، وهما من أساتذة الفلسفة على ما يظهر.

ثمّ انتقل إلى كربلاء والنجف ، فدرس عند الأعلام الثلاثة : الوحيد البهبهاني ، وهو آخر أساتذته وأعظمهم ، وتخريجه كان على يديه ، والفقيه العالم صاحب الحدائق الشيخ يوسف البحراني (ت ١١٨٦ هـ) ، والمحقّق الجليل الشيخ مهدي الفتوني (ت ١١٨٣ هـ).

فجملة أساتذته سبعة ، سمّاهم ولده في بعض إجازاته بـ : (الكواكب السبعة) وهم خيرة علماء ذلك العصر.

ولمّا فرغ من التحصيل في كربلاء ، رجع إلى بلاده وأقام في كاشان ، وهناك أسّس له مركزاً علمياً تشدّ إليه الرحال ، بعد أن كانت كاشان مقفرة من العلم والعلماء ، ثمّ رجع إلى العراق ـ زائراً ـ وتوفّي في النجف الأشرف ، ودفن فيها

١١

رحمه الله.

وللشيخ النراقي آثار علمية كثيرة تجاوزت في عددها الثلاثين أثراً ؛ توزّعت على العلوم الإسلامية في الفقه والأصول ، والحكمة والكلام ، والرياضيّات والأخلاق والمواعظ ، فله في الفقه : لوامع الأحكام ومعتمد الشيعة والتحفة الرضوية وأنيس التجّار وغيرها. وفي علم أصول الفقه : تجريد الأصول وأنيس المجتهدين وغيرها.

وفي الحكمة والكلام : جامع الأفكار وقرّة العيون واللمعات العرشية وأنيس الحكماء وغيرها.

وله في الأخلاق والمواعظ : جامع السعادات وهو من أشهر المؤلّفات ومن الآثار الخالدة ، واختصّ بمنهجية فريدة لم يسبق إليها أحد من علماء الأخلاق(١).

هذا وقد نشر المحقّق الحكيم الآشتياني رسالة قرّة العيون بعد تحقيقها والتعليق عليها ، وهي رسالة فلسفية مطوّلة تجاوزت عدد صفحاتها (١٨٠) صفحة بالعربية(٢).

٢٣ ـ المولى علي بن جمشيد النوري المازندراني ثمّ الإصفهاني (ت ١٢٤٦ هـ) :

وهو من المشاهير في الفلسفة والحكمة والكلام والفقه وغيرها.

وصفه صاحب الروضات بـ : «الحكيم الربّاني والفهيم الإيماني والنور

__________________

(١) انظر : مقدّمة جامع السعادات ١ / أ ـ خ.

(٢) انظر : المنتخبات ٤ / ٤٢٥ ـ ٦٠٦.

١٢

الشعشعاني ، كان رحمه الله معروفاً بالحكمة الإلهية الحقّة في زمانه ، مقدّماً في المراتب الحكمية على جميع أمثاله .. قرأ طرفاً من العلوم في أوائل أمره على بعض أفاضل مازندران وقزوين ، ثمّ انتقل إلى إصفهان ، وتلمّذ بها في فنون الحكمة والكلام عند مولانا محمّد البيدآبادي ، وسيّدنا الميرزا أبي القاسم المدرّس الإصفهاني ، وكثير من حكماء ذلك الزمان والعلماء والأعيان ، وكان بينه وبين مولانا الميرزا أبي القاسم القمّي صاحب القوانين مراسلات جمّة ، ومكاتبات كثيرة في مطالب مهمّة .. وله تعليقات شريفة في الحكمة والكلام ، وتحقيقات طريفة في المعارف الحقّة وأصول الإسلام ، ورسائل شتّى ، وفوائد لا تحصى ، منها تفسيره المعروف لسورة التوحيد ، وله كتاب في الردّ على القادري النصراني ...

توفّي في رجب سنة ستّ وأربعين ومائتين بعد الألف ببلدة إصفهان ، ثمّ حمل نعشه إلى النجف الأشرف ، فدفن في عتبة باب الطوسي من الحرم المطهّر ..»(١).

ووصفه السيّد الآشتياني بـ : (صدر المتألّهين) ، بل اعتبره من المحيين لطريقة الملاّ صدرا ، ولولاه لما عرف الملاّ صدرا ، فهو من الشارحين والمروّجين والمدرّسين ـ ولسنين طوال ـ لكتب الملاّ صدرا ، والذي يطالع في الآثار المكتوبة للنوري والتي كتبها في سنيّ دون الثلاثين من عمره ، وعلى طريقة الملاّ صدرا

__________________

(١) روضات الجنّات ٤ / ٤٠٨ ـ ٤٠٩ وعنه عبد الله نعمة ، فلاسفة الشيعة : ٣٥٣.

١٣

يجدها لا تقلّ شأناً عن آثار مؤسّس هذه الحكمة ، إن لم نقل إنّها أعمق وأكثر إحاطة برموزها ودقائقها ، إلاّ أنّ النوري كان يرى صدر المتألّهين في الإلهيّات والفلسفة كأكبر حكيم وفيلسوف ومحقّق في أمّهات المباحث الفلسفية(١).

هذا وقد نشر له الآشتياني رسالة بسيط الحقيقة ووحدة الوجود(٢).

وللنوري ـ بالإضافة إلى آثاره المكتوبة ـ الفضل الفضيل في تربية وتعليم الفضلاء والفلاسفة الكبار ، ولا يوجد عندنا فيلسوف في الأدوار الأخيرة أكثر فيضاً وبركة كالآخوند النوري ، ولهذا تجد كبار الحكماء والعرفاء والمحقّقين المتخصّصين في فلسفة الملاّ صدرا قد نهلوا من فيض نمير هذا الفيلسوف العارف.

ومن أولئك السيّد الرضي اللاريجاني ، والآخوند المولى القزويني ، والآخوند المولى عبد الله الزنوزي ، والمولى محمّد جعفر اللنگرودي اللاهيجي ، والآخوند المولى إسماعيل دركوشكي ، والحكيم السبزواري ملاّ هادي ، والمولى زين العابدين النوري ، والميرزا حسن چيني ، والميرزا حسن النوري (ولده) ، والآخوند المولى رضا التبريزي ، والآخوند المولى مصطفى القمشئي ، وكثير من الأكابر قد تربّوا في حوزة درس هذا العلم الفيّاض(٣).

٢٤ ـ الآخوند المولى نظر علي بن محسن الجيلاني :

وهو من تلامذة العارف الربّاني والحكيم المحقّق ، وأستاذ عصره في العلوم

__________________

(١) المنتخبات ٤ / ٦٠٦ وما بعدها.

(٢) المرجع نفسه ٤ / ٦١٥ وما بعدها.

(٣) المرجع نفسه ٤ / ٦١٠ ـ ٦١١.

١٤

العقلية والنقلية المولى محمّد بيدآبادي الإصفهاني ، درس في حوزة إصفهان العلمية حتّى ارتقى إلى درجات الكمال ، وفي الإلهيّات استفاد من درس البيدآبادي. له آثار علمية منها : كتاب نفيس باللغة العربية أسماه التحفة وتقع في أكثر من (٢٠٠) صفحة حقّقها ونشرها العلاّمة الآشتياني (١) ، كذلك له تلخيص لكتاب المبدأ والمعاد للملاّ صدرا(٢).

٢٥ ـ جهانگيرخان قشقائي (ت ١٣٢٨ هـ) :

وهو الحكيم الزاهد ، ومن الحكماء الكبار في أوائل القرن الرابع عشر الهجري وجامع للمعقول والمنقول ، وكان من المدرّسين لدروس الحكمة للمبتغين للعلوم العقلية ، وهو من مفاخر مدرسة الصدر في إصفهان والتي اتّخذها سكناً ومدرساً لنفسه(٣).

درس المعقول والمنقول في إصفهان عند السيّد محمّد رضا حكيم القمشئي ، والميرزا محمّد حسن النجفي وغيرهم ، كما ودرس لديه جمع كبير من علماء إصفهان ، من آثاره العلمية شرح نهج البلاغة ، وديوان أشعار(٤). ولم يصلنا شيء من آثاره في الحكمة والفلسفة.

__________________

(١) انظر : المرجع نفسه ٤ / ٦٧٥ ـ ٨٨٤.

(٢) لم نجد للآخوند نظر علي ترجمة في كتب التراجم.

(٣) حوزه علميه إصفهان ٢ / ٣٠٤.

(٤) دانشمندان وبزركان إصفهان ١ / ٤٦٨ ، وانظر : كزيده دانشوران ورجال إصفهان : ١١٨ وما بعدها.

١٥

٢٦ ـ الآخوند المولى محمّد الكاشاني (ت ١٣٣٣ هـ) :

وهو من نوادر العصر ، عالم فاضل محقّق ومن أهل العرفان والمكاشفة ، درّس الفقه والأصول والتفسير .. إلاّ أنّه تخصّص في تدريس الحكمة والأخلاق النظرية وحازت حلقة درسه على اهتمام كبار العلماء في إصفهان. سكن في مدرسة جدّه ثمّ انتقل إلى مدرسة الصدر(١).

ويعدّ الكاشاني في مشايخ الإجازة ومن أساتذة الحكمة ، تتلمذ عند مجموعة كبيرة من علماء عصره ، من أمثال : مير محمّد حسن الخاتون سبط العلاّمة المجلسي ، والشيخ حسين بن محمّد الماحوزي وغيرهما من الأعلام ، له من المؤلّفات والآثار العلمية : ١ ـ الاثنا عشرية في تحديد القبلة. ٢ ـ صيغ العقود. ٣ ـ المبسوط. ٤ ـ القول السديد. ٥ ـ مرآة الأزمان ، ٦ ـ نور الهدى ، ٧ ـ هداية المسترشدين(٢).

٢٧ ـ المولى هادي السبزواري (ت ١٢٨٩ هـ) :

وهو الفيلسوف والحكيم المعروف ، صاحب الكتاب الذي اشتهر باسمه منظومة السبزواري ، ولد سنة (١٢٠٢ هـ) في مسقط رأسه سبزوار ، وبدأ دراسته الأولية في مسقط رأسه ، وهو ما بين السابعة والثامنة من عمره ، فدرس في مسقط رأسه مبادئ علوم النحو والصرف ، ثمّ انتقل إلى مدينة مشهد ، ومكث فيها إلى سنة (١٢٢٥ هـ) ، حضر خلالها دروساً في اللغة وآدابها ، والفقه والأصول والمنطق

__________________

(١) حوزه علميه إصفهان ٢ / ٣٠٤.

(٢) دانشمندان إصفهان ٢ / ٩٠٨ ـ ٩٠٩.

١٦

والفلسفة والرياضيّات ، ثمّ انتقل إلى إصفهان ، فحضر درس الحكمة والفلسفة عند الآخوند المولى إسماعيل واحد العين ، وفي نفس الوقت درس الفقه عند محمّد علي النجفي ، ثمّ سكن في مدرسة (كاسه كران) ، وحضر درس الآخوند المولى علي النوري ، في الفلسفة والحكمة ؛ وكانت مجموع المدّة التي قضاها في إصفهان وحوزتها العلمية ثمان سنوات ، عاد بعدها إلى مدينة مشهد وقام بمهمّة تدريس الحكمة والفقه والأصول ولمدّة خمس سنوات متتالية.

ثمّ مكث في كرمان مدّة ثلاث سنوات ، انتقل بعدها إلى سبزوار ، وشكّل فيها حلقة درس كبيرة في المدرسة الفصيحية ، والتي عرفت بعد ذلك بمدرسة (الحاج المولى هادي السبزواري) ، وكان يدرّس فيها دروس الحكمة من خلال كتب صدر المتألّهين الشيرازي ، وغالباً ما كان يعتمد في تدريسه على كتاب الأسفار وفي بعض الأحيان يعتمد على كتاب المبدأ والمعاد ، أو كتاب الشواهد الربوبية بالإضافة إلى كتبه المصنّفة ، والتي كان يقوم بتدريسها قبل انتشارها ، وكان له أسلوب جذّاب في التدريس والإفادة ، تشدُّ طلاّبه إليه وتجذبهم نحوه.

له من الآثار العلمية القيّمة كتب ورسائل ذكر بعض المترجمين سبعة وثلاثين أثراً له ، توزّعت على مختلف المناحي العلمية الفلسفية ، والفقهية ، بل والنحوية والبلاغية ، إلاّ أنّ ما كتبه في العلوم العقلية ، والحكمة والفلسفة والمنطق ، لها قدم السبق في قائمة مؤلّفاته. فهو صاحب غرر الفوائد في الحكمة الإلهية والتي يفتتحها بقوله الجميل :

١٧

يا واهب العقل لك المَحَامِدُ

إلى جنابكَ انتهى المَقَاصِدُ

يا من هو اختفى لفرط نورهِ

الظاهر الباطن في ظهورهِ

كذلك أرجوزته في المنطق المعروفة بـ : اللآلي المنتظمة ، والتي مطلعها :

نحمدُ من علّمنا البيانا

وقارن الكتاب والميزانا(١)

ثالثاً : مدرسة الحديث وعلومه في إصفهان :

عرفت إصفهان من بين المدن الإسلامية بعنايتها بالحديث وعلومه «.. ونبغ فيها جماعة من العلماء والمحدّثين .. وكانوا يرحلون لأخذ العلم وطلب الحديث من بلد إلى بلد ، ويحضرون مجالس العلماء والمحدّثين»(٢).

ولو عدنا إلى كتاب ذكر أخبار إصفهان ؛ لأبي نعيم الإصفهاني (ت ٤٣٠ هـ) لوجدناه يعرِّف بما يقارب لألفي شخص من محدّثي إصبهان والقادمين عليها من المحدّثين ، وقد سبقه في ذلك كلّ من محمّد بن يحيى بن منده (ت ٣١٠ هـ) في كتابه تاريخ إصفهان ـ والذي لم يصلنا وللأسف الشديد ـ ومحمّد بن عبد الله بن محمّد بن جعفر بن حيّان المعروف بأبي الشيخ الأنصاري (ت ٣٦٩ هـ) في كتابه طبقات المحدّثين بإصبهان والواردين عليها ، والذي قسّم المحدّثين في كتابه إلى إحدى عشرة طبقة(٣).

__________________

(١) انظر : مكارم الآثار في أحوال الرجال ٢ / ٤٥٠ وما بعدها.

(٢) تذكرة القبور يا دانشمندان وبزرگان إصفهان ١ / المقدّمة.

(٣) انظر : طبقات المحدّثين بأصبهان والواردين عليها.

١٨

وقد فات أولئك المؤرّخين ذكر الكثير من علماء عصرهم .. لم ترد أسماؤهم في هذه الموسوعات لأسباب كثيرة ، وكذلك من جاء إلى إصفهان من المحدّثين بعد النصف الثاني من القرن الخامس.

ولهذا يقول ياقوت (ت ٦٢٦ هـ) في معجمه : «خرج من إصبهان من العلماء والأئمّة في كلّ فنّ ما لم يخرج من مدينة من المدن ، وعلى الخصوص علو الإسناد ، فإنّ أعمار أهلها تطول ، ولهم مع ذلك عناية وافرة بسماع الحديث ، وبها من الحفّاظ خَلق لا يُحصَونَ .. ومَن نُسِبَ إلى إصبهان من العلماء لا يحصون»(١).

وقال السخاوي : «... وإصبهان تضاهي بغداد في العلوّ والكثرة»(٢).

ولم يقتصر هذا النشاط الحديثي في إصفهان على مذهب دون آخر ، وإنّما اشترك علماء المذاهب الإسلامية ـ كلّ بحسبه ـ في هذا النشاط فكانت لهم إسهاماتهم في تدوين المسانيد والكتب الروائية.

فمن مشاهير المحدّثين الحفّاظ الذين قدموا إلى إصبهان واستوطنوها : أبو مسعود الرازي الذي أقام بإصبهان (٤٥) سنة .. وقد صنّف المسند والكتب(٣).

وأحمد بن مهدي بن رستم أبو جعفر المديني (ت ٢٧٢ هـ) ، ولم يحدّث

__________________

(١) معجم البلدان ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.

(٢) الإعلان بالتوبيخ لمن ذمَّ أهل التاريخ : ٢٨٥.

(٣) انظر : ترجمته عند أبي الشيخ في طبقات المحدّثين بإصبهان ، برقم ١٦٨ ، وأخبار إصبهان ١ / ٨٢.

١٩

في وقته من الإصبهانيّين أوثق منه ، وأكثر حديثاً ، صنّف المسند(١).

وقد أقام الطبراني بإصبهان في ستّين سنة يحدّث بها ، وتوفّي بها سنة (٣٦٠ هـ)(٢) ، وكذا الحافظ أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني ، قدم إصبهان فقال : «حدّثت من حفظي بإصبهان ستّة وثلاثين ألفاً .. وتوفّي سنة (٣١٦ هـ)»(٣).

وكذا أبو داود الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود ، قدم أصبهان ، وحدّث بها .. وهو صاحب المسند(٤) ، وغيرهم الكثير ؛ ممّا يدلّ على اهتمام الإصفهانيّين بالحديث(٥).

* إسهامات علماء الشيعة في تدوين الحديث ونشره في إصفهان :

لقد كانت الصبغة المذهبية السائدة في إصفهان لأهل السنّة والجماعة ، ويغلب عليها المذهب الشافعي والحنفي ، وقد كان بينهما خلاف مذهبي ، ولم يسجّل للحنابلة أو الحنفية حضور يذكر في هذه المدينة ، وكان هنالك حضور قليل للشيعة الاثني عشرية ، والشيعة الزيدية ، وخاصّة في عصر الدولة البويهية الذين ادّعوا مذهب التشيّع .. والذين حكموا باسم الخلفاء العبّاسيّين .. إلاّ أنّ سيطرة أهل السنّة على أصبهان كانت هي الغالبة منذ فتحها وإلى بداية القرن العاشر الهجري ، وبظهور الدولة الصفوية سنة (٩٠٨ هـ) بقيادة الشاه إسماعيل ،

__________________

(١) المرجع نفسه ، برقم ٢٥٣ ، وأخبار إصبهان ١ / ٨٥.

(٢) أخبار أصبهان ١ / ٣٣٥ ، وتذكرة الحفّاظ ٣ / ٩١٥.

(٣) تذكرة الحفّاظ ٣ / ٩١٥.

(٤) أخبار أصبهان ١ / ٣٣٢.

(٥) انظر : كتاب طبقات المحدّثين في أصبهان ١ / ٤٤ ـ ٤٥ ، المقدّمة التحقيقية للكتاب.

٢٠