معاني القرآن - ج ٢

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥

وقوله : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) [٢٥] يعنى يوسف وامرأة العزيز وجدا العزيز وابن عم لامرأته على الباب ، فقالت : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) فقال : هى راودتنى عن (١) [نفسى فذكروا أن ابن عمّها قال : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فلمّا رأوا القميص مقدودا من دبر قال ابن العمّ (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ثم إن ابن العمّ طلب إلى يوسف فقال : (أَعْرِضْ عَنْ هذا) أي اكتمه ، وقال للأخرى : (اسْتَغْفِرِي) زوجك (لِذَنْبِكِ).

قوله : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) [٢٦].

قال : حدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى قيس بن الربيع عن أبى حصين عن سعيد ابن جبير فى قوله : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) قال : صبىّ. قال : وحدّثنى قيس عن رجل عن مجاهد أنه رجل. قال : وحدّثنى معلّي بن هلال عن أبى يحيى عن مجاهد فى قوله : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) قال : حكم حاكم من أهلها.

ولو كان فى الكلام : (أن إن كان قميصه) لصلح ؛ لأن الشهادة تستقبل ب (أن) ولا يكتفى بالجزاء فإذا اكتفت فإنما ذهب بالشهادة إلى معنى القول كأنه قال : وقال قائل من أهلها ، كما قال : (يُوصِيكُمُ (٢) اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فذهب بالوصية إلى القول ، وأنشدنى الكسائىّ :

وخبّرتما أن إنّما بين بيشة

ونجران أحوى (٣) والمحلّ قريب

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ا

(٢) الآية ١١ سورة النساء.

(٣) أحوى وصف من الحوة ، وهو سواد يضرب إلى الخضرة ويوصف به الشجر الأخضر والنبات الأخضر ، وكأنه يريد أن ما بين بيشة ونجران كثير الشجر والنبات.

٤١

(والجناب (١) خصيب) فأدخل (أن) على (إنما) وهى بمنزلتها قال : وسمعت الفرّاء قال : زعم القاسم بن معن أن بئشة وزئنة أرضان مهموزتان.

وقوله : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) [٣٠] أي قد خرق شغاف (٢) قلبها وتقرأ (٣) (قد شعفها) بالعين وهو من قولك : شعف بها. كأنّه (٤) ذهب بها كلّ مذهب. والشعف : رءوس الجبال.

وقوله : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) يقال : اتخذت لهنّ مجلسا. ويقال : إنّ متكا غير مهموز ، فسمعت (٥) أنه الأترجّ. وحدّثنى شيخ من ثقات أهل البصرة أنه قال : الزّماورد (٦).

وقوله : وقطّعن أيديهنّ يقول : وخدشنها ولم يبنّ أيديهن ، من إعظامه ، وذلك قوله : (حاشَ لِلَّهِ) أعظمته أن يكون بشرا ، وقلن : هذا ملك. وفى قراءة (٧) عبد الله (حاشا لله) بالألف ، وهو فى معنى معاذ الله.

وقوله : (ما هذا بَشَراً) نصبت (بَشَراً) لأن الباء قد استعملت فيه فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء ، فلمّا حذفوها أحبّوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه فنصبوا على ذلك ؛ ألا ترى أن كلّ ما فى القرآن أتى بالباء إلّا هذا ، وقوله : (ما هُنَ (٨) أُمَّهاتِهِمْ) وأما أهل نجد فيتكلّمون بالباء وغير الباء فإذا أسقطوها رفعوا. وهو أقوى الوجهين فى العربية. أنشدنى بعضهم :

لشتّان ما أنوى وينوى بنو أبى

جميعا فما هذان مستويان

__________________

(١) هذه رواية أخرى فى تمام البيت فى مكان «والمحل قريب».

(٢) شغاف القلب غلافه.

(٣) ش : «يقرأ» وهى قراءة الحسن وابن محيصن.

(٤) هذا تفسير لقراءة العين فى الآية.

(٥) ا : «وسمعت».

(٦) هو طعام يتخذ من البيض واللحم.

(٧) قرأ أبو عمرو بالألف فى الوصل.

(٨) الآية ٢ سورة المجادلة.

٤٢

تمنّوا لى الموت الذي يشعب الفتى

وكلّ فتى والموت يلتقيان (١)

وأنشدونى :

ركاب حسيل أشهر الصيف بدّن

وناقة عمرو ما يحلّ لها رحل

ويزعم حسل أنه فرع قومه

وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل (٢)

وقال الفرزدق :

أما نحن راءو دارها بعد هذه

يد الدهر إلا أنّ يمرّ بها سفر (٣)

وإذا قدّمت الفعل قبل الاسم رفعت الفعل واسمه فقلت : ما سامع هذا وما قائم أخوك. وذلك أن الباء لم تستعمل هاهنا ولم تدخل ؛ ألا ترى أنه قبيح أن تقول : ما بقائم أخوك ؛ لأنها إنما تقع فى المنفىّ إذا سبق الاسم ، فلمّا لم يمكن فى (ما) ضمير الاسم قبح دخول الباء. وحسن ذلك فى (ليس) : أن تقول : ليس بقائم أخوك ؛ لأنّ (ليس) فعل يقبل المضمر ، كقولك : لست ولسنا ؛ ولم يمكن ذلك فى (ما).

فإن قلت : فإنى أراه لا يمكن فى (لا) وقد أدخلت العرب الباء فى الفعل التي تليها (٤) فقالوا (٥) :

لا بالحصور ولا فيها بسوّار

قلت : إن (لا) أشبه بليس من (ما) ألا ترى أنك تقول : عبد الله لا قائم ولا قاعد ، كما تقول : عبد الله ليس قاعدا ولا قائما ، ولا يجوز عبد الله ما قائم ولا قاعد فافترقتا هاهنا.

__________________

(١) ورد هذا البيت الثاني فى شواهد النحو فى مبحث المبتدأ ، ونسبه العيني إلى الفرزدق. ويشعب : يفرق.

(٢) فرع القوم : الشريف فيهم.

(٣) من قصيدة له في مدح بنى ضبة. وانظر ديوانه ٣١٥ : وقوله : «بها» فى ا : «لها» والسفر : المسافرون ويد الدهر : طول الدهر.

(٤) أراد بالفعل الكلمة فأنث اسم الموصول لها. وأراد ؛ بالفعل هنا الوصف وفى ب : «الفعل يليها»

(٥) الشطر من بيت تقدم للأخطل. ونسبه إلى العرب لما سمعهم ينشدونه هكذا ويقرونه

٤٣

ولو حملت الباء على (ما) إذا وليها الفعل تتوهّم فيها ما توهّمت فى (لا) لكان وجها ، أنشدتنى امرأة من غنىّ :

أما والله أن لو كنت حرّا

وما بالحرّ أنت ولا العتيق (١)

فأدخلت الباء فيما يلى (ما) فإن ألقيتها رفعت ولم يقو النصب لقلّة هذا. قال : وحدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى دعامة بن رجاء التّيمىّ ـ وكان غرّا ـ عن أبى الحويرث الحنفىّ أنه قال : (ما هذا بشرى) أي ما هذا بمشترى.

وقوله : (رَبِّ السِّجْنُ) [٣٣] السّجن : المحبس. وهو كالفعل. وكل موضع مشتقّ من فعل فهو يقوم مقام الفعل ؛ كما قالت العرب : طلعت الشمس مطلعا وغربت الشمس مغربا ، فجعلوهما خلفا من المصدر وهما اسمان ، كذلك السّجن. ولو فتحت السين لكان مصدرا بينا. وقد قرىء : (ربّ السّجن).

وقوله : (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ) [٣٤] ولم تكن منه مسألة إنما قال : (إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ) فجعله الله دعاء لأن فيه معنى الدعاء ، فلذلك قال : (فاستجاب له) ومثله فى الكلام أن تقول لعبدك : إلّا تطع تعاقب ، فيقول : إذا أطيعك كأنك قلت له : أطع فأجابك.

وقوله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) [٣٥] آيات البراءة قدّ القميص من دبر (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) فهذه اللام فى اليمين وفى كل ما ضارع القول. وقد ذكرناه. ألا ترى قوله : (وَظَنُّوا (٢) ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)(وَلَقَدْ (٣) عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) دخلت هذه اللام و (ما) مع الظنّ (والعلم) لأنهما فى معنى القول واليمين.

__________________

(١) انظر الخزانة ٢ / ١٣٣.

(٢) الآية ٤٨ سورة فصلت.

(٣) الآية ١٠٢ سورة البقرة.

٤٤

وقوله : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [٣٦] يقول : من العالمين قد أحسنت العلم. حدّثنا الفراء قال : حدّثنا ابن (١) الغسيل الأنصارىّ عن عكرمة قال : الحين حينان : حين لا يدرك وهو قوله عزوجل : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (قال (٢) الفرّاء فهذا يقلّ ويكثر) ليست له غاية. قال عكرمة : وحين يدرك وهو قوله : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) يعنى ستّة أشهر.

وقوله : (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) [٣٧] يقول : بسببه وألوانه. وقوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) العرب لا تجمع اسمين قد كنى عنهما ليس بينهما شىء إلّا أن ينووا التكرير وإفهام المكلّم ؛ فإذا أرادوا ذلك قالوا : أنت أنت فعلت ، وهو هو أخذها. ولا يجوز أن نجعل الآخرة توكيدا للأولى ، لأن لفظهما واحد. ولكنهم إذا وصلوا الأوّل بناصب أو خافض أو رافع أدخلوا له اسمه فكان توكيدا. أمّا المنصوب فقولك : ضربتك أنت ، والمخفوض : مررت بك أنت ، والمرفوع : قمت أنت. وإنما فعلوا ذلك لأن الأوّل قلّ واختلف لفظه ، فأدخلوا اسمه المبتدأ. فإذا قالوا : أنت فينا أنت راغب ففرقوا بينهما بصفة (٣) قالوا ذلك ، وكأنه فى مذهبه بمنزلة قوله : (كُتِبَ (٤) عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) كأنّ الأوّل ملغى والاتّكاء والخبر عن الثاني. وكذلك قوله : (أَيَعِدُكُمْ (٥) أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) ثم قال : (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) وهما جميعا فى معنى واحد ، إلا أن ذلك جاز حين فرق بينهما بإذا. ومثله : (وَهُمْ (٦) بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).

وقوله : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي) [٣٨] تهمز وتثبت فيها الياء. وأصحابنا يروون عن الأعمش

__________________

(١) فى الأصول : «العسيل» والظاهر ما أثبت. والغسيل حنظلة بن أبى عامر الأنصاري ، وأولاده ينسبون اليه. وانظر التاج فى غسل.

(٢) ما بين القوسين كتب فى ا بعد قوله. «ستة أشهر».

(٣) يريد الجار والمجرور : (فينا).

(٤) الآية ٤ سورة الحج.

(٥) الآية ٣٥ سورة المؤمنين.

(٦) الآية ٤ سورة لقمان.

٤٥

(ملّة آباي إبراهيم) و (دعاى (١) إلّا فرارا) بنصب الياء لأنه يترك الهمز ويقصر الممدود فيصير بمنزلة محياى وهداى.

وقوله : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ [٤١]) ذكروا أنه لما عبّر لهما الرؤيا فقال للآخر : تصلب رجعا عن الرؤيا ، فقالا : لم نر شيئا فقال يوسف : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).

وقوله : (فَأَنْساهُ [٤٢] الشَّيْطانُ).

يقول : أنسى الشيطان يوسف أن يجعل ذكره ومستغاثه إلى الله. ويقال : أنسى الشيطان الساقي أن يذكر أمر يوسف.

وقوله : (ذِكْرَ رَبِّهِ) يقول : ذكر يوسف لمولاه.

وقوله : (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) ذكروا أنه لبث سبعا بعد خمس والبضع ما دون العشرة.

وقوله : (إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ) [٤٣]

هو من كلام العرب : أن يقول الرجل : إنى أخرج إلى مكّة وغير ذلك ، فعلم أنّه للنوم ولو أراد الخبر لقال : إنى أفعل إنى أقوم فيستدلّ على أنها رؤيا (٢) لقوله : أرى ، وإن لم يذكر نوما. وقد بيّنها إبراهيم عليه‌السلام فقال : إنّى (٣) أرى في المنام أنّى أذبحك)

وقوله : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) [٤٤] رفع ، لأنهم أرادوا : ليس هذه بشى إنما هى أضغاث أحلام (٤). وهو كقوله : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٥)) كفروا فقالوا : لم ينزل شيئا ، إنما هى

__________________

(١) الآية ٦ سورة نوح (١)

(٢) كذا. والأولى : «بقوله».

(٣) الآية ١٠٢ سورة الصافات.

(٤) سقط فى ا.

(٥) الآية ٢٤ سورة النحل.

٤٦

أساطير الأولين. ولو كان (أضغاث أحلام) أي أنك (١) رأيت أضغاث أحلام كان صوابا.

وقوله : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [٤٥] الأمة : الحين من الدهر. وقد ذكر عن بعضهم (٢) (بعد أمه) وهو النسيان. يقال رجل مأموه كأنه الذي ليس معه عقله وقد أمه الرجل.

وقوله : (وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) [٤٦]

لو كان الخضر منصوبة تجعل نعتا للسّبع حسن ذلك. وهى إذ خفضت نعت للسنبلات. وقال الله عزوجل : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ (٣) خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) ولو كانت (طباق) كان صوابا وقوله : (دَأَباً) [٤٧] وقرأ بعض (٤) قرّائنا (سبع سنين دأبا) : فعلا. وكذلك كل حرف فتح أوّله وسكّن ثانيه فتثقيله جائز إذا كان ثانيه همزة أو عينا أو غينا أو حاء أو خاء أو هاء.

وقوله : (يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ) [٤٨] يقول ما تقدّمتم فيه لهنّ من الزرع.

وقوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) : [٥٢] قال ذلك يوسف لما رجع إليه الساقي فأخبره (٥) ببراءة النسوة إيّاه. فقال يوسف (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) وهو متّصل بقول امرأته (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذلِكَ) وربّما وصل الكلام بالكلام ، حتى كأنه قول واحد وهو كلام اثنين ، فهذا من ذلك. وقوله (مِنْ أَرْضِكُمْ) (٦) (بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) اتّصل قول فرعون بقول الملأ : وكذلك قوله (إِنَ (٧) الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا

__________________

(١) ش : «كأتك».

(٢) هو الحسن كما فى الإتحاف.

(٣) الآية ١٥ سورة نوح.

(٤) هو حفص.

(٥) كذا. والمناسب : «بتبرئة»

(٦) الآية ٣٥ سورة الشعراء. يريد الفراء ، أن قوله «يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره» من كلام فرعون ، وقوله : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) من خطاب الملأ لفرعون. ويرى جمهور المفسرين أن الكل من كلام فرعون ، وأنه غشيه الدهش حتى استأمر رعيته ونسى مكانه فيما يزعم فى الألوهية.

(٧) الآية ٣٤ سورة النمل.

٤٧

قَرْيَةً أَفْسَدُوها) إلى قوله (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) انقطع كلامها عند قوله (أَذِلَّةً) ثم قال عزوجل (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) ويقال : إنه من قول سليمان عليه‌السلام.

وقوله : (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) [٥١] لمّا دعا النسوة فبرّأته قالت : لم يبق إلا أن يقبل علىّ بالتقرير فأقرّت ، فذلك قوله : (حَصْحَصَ الْحَقُّ) يقول : ضاق الكذب وتبيّن الحقّ.

وقوله : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) [٥٣] (ما) فى موضع نصب. وهو استثناء منقطع ممّا قبله : ومثله (إِلَّا حاجَةً (١) فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) ومثله فى سورة يس (فَلا صَرِيخَ (٢) لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) إنما هو ـ والله أعلم ـ إلا أن يرحموا. و (أن) تضارع (ما) إذا كانتا فى معنى مصدر.

وقوله : (وَلا تَقْرَبُونِ) [٦٠] فى موضع جزم ، والنون فى موضع نصب حذفت ياؤها. ولو جعلتها رفعا فنصبت النون كان صوابا على معنى قوله ولستم تقربون بعد هذه كقوله (فَبِمَ (٣) تُبَشِّرُونَ) و (الَّذِينَ (٤) كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ).

وقوله : (وَقالَ لِفِتْيانِهِ) [٦٢] و (لفتيته) قراءتان (٥) مستفيضتان.

وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا) قيل فيها قولان : أحدهما أن يوسف خاف ألّا يكون عند أبيه دراهم ، فجعل البضاعة فى رحالهم ليرجعوا. وقيل إنهم إن عرفوا أنّها بضاعتهم وقد اكتالوا ردّوها على يوسف ولم يستحلّوا إمساكها.

__________________

(١) الآية ٦٨ سورة يوسف.

(٢) الآيتان ٤٣ ، ٤٤.

(٣) الآية ٥٤ سورة الحجر.

(٤) الآية ٢٧ سورة النحل.

(٥) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والثانية لغيرهم ، كما فى الاتحاف.

٤٨

قوله : (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) [٦٣] قرأ أصحاب (١) عبد الله (يكتل) وسائر الناس (نَكْتَلْ) كلاهما صواب من قال (نَكْتَلْ) جعله معهم فى الكيل. ومن قال (يكتل) يصيبه كيل لنفسه فجعل الفعل له خاصّة لأنهم يزادون به كيل بعير.

[قوله] : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) (٢) [٦٤] و (حفظا (٣) وهى فى قراءة عبد الله (والله خير الحافظين) وهذا شاهد للوجهين جميعا. وذلك أنك (٤) إذا أضفت أفضل إلى شىء فهو بعضه ، وحذف المخفوض يجوز وأنت تنويه. فإن شئت جعلته خيرهم حفظا فحذفت الهاء والميم وهى تنوى فى المعنى وإن شئت جعلت (حافِظاً) تفسيرا لأفضل. وهو كقولك : لك أفضلهم رجلا ثم تلغى الهاء والميم فتقول لك أفضل رجلا وخير رجلا. والعرب : تقول لك أفضلها كبشا ، وإنما هو تفسير الأفضل.

حدّثنا الفراء قال حدّثنا أبو ليلى السجستانىّ عن أبى حريز (٥) قاضى سجستان أن ابن مسعود قرأ (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) (٦) وقد أعلمتك أنها مكتوبة فى مصحف عبد الله (خير الحافظين) وكان هذا ـ يعنى أبا ليلى ـ معروفا بالخير. وحدّثنا بهذا الإسناد عن عبد الله أنه قرأ (فلا أقسم (٧) بموقع النّجوم) (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) (٨) يقولون : مؤدون فى السلاح آدى يؤدى.

وقوله : (يا أَبانا ما نَبْغِي) [٦٥] كقولك فى الكلام ماذا تبغى؟ ثم قال (هذِهِ بِضاعَتُنا) كأنهم طيّبوا بنفسه (٩). و (ما) استفهام فى موضع نصب. ويكون معناها جحدا كأنهم قالوا : لسنا نريد منك دراهم. والله أعلم بصواب ذلك.

__________________

(١) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٢) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والأخرى للباقين. لأ

(٣) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والأخرى للباقين. لأ

(٤) سقط فى ا.

(٥) ش : «جرير».

(٦) ش : «حفظا».

(٧) الآية ٧٥ سورة الواقعة. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٨) الآية ٥٦ سورة الشعراء. وهى قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان وهشام.

(٩) كذا. وكأن الباء زائدة.

٤٩

وقوله : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) [٦٦] يقول : إلّا أن يأتيكم من الله ما يعذركم.

وقوله : (يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ) [٦٧] يقول : لا تدخلوا مصر من طريق واحد. كانوا صباحا تأخذهم العين.

[وقوله] : (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) [٦٨]

يقول : إنه لذو علم لتعليمنا إيّاه ويقال : إنه لذو حفظ (١) لما علمناه.

وقوله : (فَلا تَبْتَئِسْ) [٦٩] معناه : لا تستكن من الحزن والبؤس. يقول : لا تحزن.

وقوله : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ) [٧٠] (٢) جواب وربّما أدخلت العرب فى مثلها الواو وهى جواب على (٣) حالها ؛ كقوله فى أول السورة (فَلَمَّا (٤) ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) والمعنى ـ والله أعلم ـ : أوحينا إليه. وهى فى قراءة عبد الله (فلمّا جهّزهم بجهازهم وجعل السّقاية) ومثله فى الكلام : لمّا أتانى وأثب عليه كأنه قال : وثبت عليه. وربما أدخلت العرب فى جواب لمّا لكن. فيقول الرجل : لمّا شتمنى لكن أثب عليه ، فكأنه استأنف الكلام استئنافا ، وتوهّم أنّ ما قبله فيه جوابه. وقد جاء (الشعر (٥) فى كل ذلك) قال امرؤ القيس :

فلمّا أجزنا ساحة الحىّ وانتحى

بنا بطن خبت ذى قفاف عقنقل (٦)

__________________

(١) ا : «حظ».

(٢) فى الأصول : «جوابا» ولا وجه للنصب.

(٣) ش : «فى».

(٤) الآية ١٠.

(٥) كذا. والأنسب : «فى الشعر كل ذلك».

(٦) البيت من معلقته. «انتحى» : اعترض. والخبت : المتسع من بطون الأرض. والقفاف جمع قف وهو ما ارتفع من الأرض. والعقنقل : المنعقد المتداخل.

٥٠

وقال الآخر :

حتّي إذا قملت بطونكم

ورأيتم أبناءكم شبّوا

وقلبتم ظهر المجنّ لنا

إنّ اللئيم العاجز الخبّ (١)

قملت : سمنت وكبرت.

قوله : (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) [٧٢].

وقوله : الصّواع ذكر. وهو الإناء الذي كان الملك يشرب فيه. والصاع يؤنّث ويذكّر. فمن أنّثه قال : ثلاث أصوع مثل ثلاث أدؤر. ومن ذكّره قال : ثلاثة أصواع مثل أبواب. وقوله (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) يقول : كفيل. وزعيم القوم سيّدهم.

وقوله : (تَاللهِ) [٧٣] العرب لا تقول تالرحمن ولا يجعلون مكان الواو تاء إلّا فى الله عزوجل. وذلك أنها أكثر الأيمان مجرى فى الكلام ؛ فتوهّموا أنّ الواو منها لكثرتها فى الكلام ، وأبدلوها تاء كما قالوا : التّراث ، وهو من ورث ، وكما قال : (رُسُلَنا) (٢) (تَتْرا) وهى من المواترة ، وكما قالوا : التّخمة وهى من الوخامة ، والتّجاه وهى من واجهك. وقوله (لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ) يقول القائل : وكيف علموا أنهم لم يأتوا للفساد ولا للسرقة؟ فذكر أنهم كانوا فى طريقهم لا ينزلون بأحد ظلما ، ولا ينزلون فى بساتين الناس فيفسدوها فذلك قوله (ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) يقول : لو كنّا سارقين ما رددنا عليكم البضاعة التي وجدناها فى رحالنا.

وقوله : (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) [٧٥] (من) فى معنى جزاء وموضعها رفع بالهاء التي عادت. وجواب الجزاء الفاء فى قوله : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) ويكون قوله (جَزاؤُهُ) الثانية

__________________

(١) المجن : الترس ، ويقال : قلب له ظهر المجن إذا كان ووادا له ثم تغير عن مودته. والخب : الخداع. وانظر الخزانة ٤ / ٤١٤.

(٢) الآية ٤٤ سورة المؤمنين.

٥١

مرتفعة بالمعنى المحمّل فى الجزاء وجوابه. ومثله فى الكلام أن تقول : ما ذا لى عندك؟ فيقول : لك عندى إن بشّرتنى فلك ألف درهم ، كأنه قال : لك عندى هذا. وإن شئت جعلت (من) فى مذهب (الذي) وتدخل الفاء فى خبر (من) إذا كانت على معنى (الذي) كما تقول : الذي يقوم فإنّا نقوم معه. وإن شئت جعلت الجزاء مرفوعا بمن خاصّة وصلتها ، كأنك قلت : جزاؤه الموجود فى رحله. كأنك قلت : ثوابه أن يسترقّ ، ثم تستأنف أيضا فتقول : هو جزاؤه. وكانت سنّتهم أن يسترقّوا من سرق.

ثم قال : (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها) [٧٦] ذهب إلى تأنيث السّرقة. وإن يكن الصّواع فى معنى الصّاع فلعلّ هذا التأنيث من ذلك. وإن شئت جعلته لتأنيث السّقاية.

وقوله (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) (من) فى موضع نصب ، أي نرفع من نشاء درجات. يقول : نفضّل من نشاء بالدرجات. ومن (١) قال (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) فيكون (من) فى موضع خفض.

وقوله (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يقول : ليس من عالم إلّا وفوقه أعلم منه.

وقوله : (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) [٧٧] أسرّ الكلمة. ولو قال : (فأسرّه) ذهب إلى تذكير الكلام كان صوابا ؛ كقوله (تِلْكَ (٢) مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و (ذلِكَ (٣) مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ)(وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) : أضمرها فى نفسه ولم يظهرها.

وقوله : (مَعاذَ اللهِ) [٧٩] نصب لأنه مصدر ، وكل مصدر تكلّمت العرب فى معناه بفعل أو يفعل فالنصب فيه جائز. ومن ذلك الحمد لله لأنك قد تقول فى موضعه يحمد الله. وكذلك أعوذ بالله تصلح فى معنى معاذ الله.

__________________

(١) هم غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف.

(٢) الآية ٤٩ سورة هود.

(٣) الآية ٤٤ سورة آل عمران

٥٢

وقوله : (خَلَصُوا نَجِيًّا) [٨٠] و [نجوى] قال الله عزوجل (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) وقوله : (قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ) (ما) التي مع (فرّطتم) فى موضع رفع كأنه قال : ومن قبل هذا تفريطكم فى يوسف.

فإن (١) شئت جعلتها نصبا ، أي ألم تعلموا هذا وتعلموا من قبل تفريطكم فى يوسف. وإن شئت جعلت (ما) صلة كأنه قال (٢) : ومن قبل فرّطتم فى يوسف.

وقوله : (إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) [٨١] ويقرأ (سرّق) ولا أشتهيها ؛ لأنها شاذّة. وكأنه ذهب إلى أنه لا يستحلّ أن يسرّق ولم يسرق : وذكر أن ميمون بن مهران لقى رجاء بن حيوة بمكّة ، وكان رجاء يقول : لا يصلح الكذب فى جد ولا هزل. وكان ميمون يقول : ربّ كذبة هى خير من صدق كثير. قال فقال ميمون لرجاء : من كان زميلك؟ قال : رجل من قيس. قال : فلو أنك إذ مررت بالبشر (٣) قالت لك تغلب : أنت الغاية فى الصدق فمن زميلك هذا؟ فإن كان من قيس قتلناة ، فقد علمت ما قتلت قيس منّا ، أكنت تقول : من قيس أم من غير قيس؟ قال : بل من غير قيس. قال : فهى كانت أفضل أم الصدق؟ قال الفراء : قد جعل الله عزوجل للأنبياء من المكايد ما هو أكثر من هذا. والله أعلم بتأويل ذلك.

وقوله : (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) يقول : لم نكن نحفظ غيب ابنك ولا ندرى ما يصنع إذا غاب عنا. ويقال : لو علمنا أن هذا يكون لم نخرجه معنا.

وقوله : (أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [٨٣] الصبر الجميل مرفوع لأنه عزّى نفسه وقال : ما هو إلا الصبر ، ولو أمرهم بالصبر لكان النصب أسهل ، كما قال الشاعر :

__________________

(١) كذا. والأولى : «وإن».

(٢) سقط فى ا.

(٣) البشر : جبل من منازل تغلب. وبين تغلب وقيس حروب وغارات.

٥٣

يشكو إلىّ جملى طول السّرى

صبرا جميلا فكلانا مبتلى (١)

وقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) يقول : لا شكوى فيه إلّا إلى الله جلّ وعزّ.

قالو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) : [٨٥] معناه لا تزال تذكر يوسف و (لا) قد تضمر مع الأيمان ؛ لأنها إذا كانت خبرا لا يضمر فيها (لا) لم تكن إلا بلام ؛ ألا ترى أنك تقول : والله لآتينّك ، ولا يجوز أن تقول : والله آتيك إلّا أن تكون تريد (لا) فلمّا تبيّن موضعها وقد فارقت الخبر أضمرت ، قال امرؤ القيس :

فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى (٢)

وأنشدنى بعضهم :

فلا وأبى دهماء زالت عزيزة

على قومها ما فتّل الزّند قادح

يريد : لا زالت. وقوله : (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً)] يقال : رجل حرض وامرأة حرض وقوم حرض ، يكون موحّدا على كلّ حال : الذكر والأنثى ، والجميع فيه سواء ، ومن العرب من يقول للذكر : حارض ، وللأنثى حارضة ، فيثّنى هاهنا ويجمع ؛ لأنه قد خرج على صورة فاعل وفاعل (٣) يجمع. والحارض : الفاسد فى جسمه أو عقله. ويقال للرجل : إنه لحارض أي أحمق. والفاسد فى عقله أيضا. وأمّا حرض فترك جمعه لأنه مصدر بمنزلة دنف وضنى (٤). والعرب تقول : قوم دنف ، وضنى وعدل ، ورضا ، وزور ، وعود ، وضيف. ولو ثنّى وجمع لكان صوابا ؛ كما قالوا : ضيف وأضياف. وقال عزوجل (أَنُؤْمِنُ) (٥) (لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) وقال فى موضع آخر : (ما أَنْتُمْ (٦) إِلَّا بَشَرٌ) والعرب إلى التثنية أسرع منهم إلى جمعه ؛ لأن الواحد قد يكون فى معنى

__________________

(١) ورد فى كتاب سيبويه ١ / ١٦٢.

(٢) من قصيدة له فى الديوان ٣٢.

(٣) ا : «الفاعل».

(٤) الضنى فى الأصل المرض المخامر كلما ظن برؤه نكس.

(٥) الآية ٤٧ سورة المؤمنين.

(٦) الآية ١٥ سورة يس.

٥٤

الجمع ولا يكون فى معنى اثنين ؛ ألا ترى أنك تقول : كم عندك من درهم ومن دراهم ، ولا يجوز : كم عندك من درهمين. فلذلك كثرت التثنية ولم يجمع.

وقوله : (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) [٨٨] ذكروا أنهم قدموا مصر ببضاعة ، فباعوها بدراهم لا تنفق فى الطعام إلّا بغير سعر الجياد ، فسألوا يوسف أن يأخذها منهم ولا ينقصهم. فذلك قوله : (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) بفضل ما بين السّعرين.

وقوله : (يَأْتِ بَصِيراً) [٩٣] أي يرجع بصيرا.

وقوله : (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) [٩٤] يقول : تكذبون وتعجّزون وتضعفون.

وقوله : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) [٩٨] قال : حدّثنا الفراء (١) (عن) شريك عن السّدّىّ فى هذه الآية أخّرهم (٢) إلى السّحر (قال أبو زكريا (٣) وزادنا حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس قال : أخّرهم إلى السحر) ليلة الجمعة.

وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [١٠٥] فآيات السّموات الشمس والقمر والنجوم. وآيات الأرض الجبال والأنهار وأشباه ذلك.

وقوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [١٠٦] يقول : إذا سألتهم من خلقكم؟ قالوا : الله ، أو من رزقكم؟ قالوا : الله ، وهم يشركون به فيعبدون الأصنام. فذلك قوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).

وقوله : (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [١٠٨] يقول : أنا ومن اتّبعنى ، فهو يدعو على بصيرة كما أدعو.

وقوله : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) [١٠٩] أضيفت الدار إلى الآخرة وهى الآخرة وقد تضيف العرب الشيء

__________________

(١) ا : «قال حدثنى».

(٢) أي أخر الاستغفار لهم.

(٣) سقط ما بين القوسين فى ا.

٥٥

إلى نفسه إذا اختلف لفظه كقوله (إِنَ (١) هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) والحقّ هو اليقين. ومثله أتيتك بارحة الأولى ، وعام الأوّل وليلة الأولى ويوم الخميس. وجميع الأيّام تضاف إلى أنفسها لاختلاف لفظها. وكذلك شهر ربيع. والعرب تقول فى كلامها ـ أنشدنى بعضهم ـ :

أتمدح فقعسا وتذمّ عبسا

ألا لله أمّك من هجين (٢)

ولو أقوت (٣) عليك ديار عبس

عرفت الذلّ عرفان اليقين

وإنما معناه عرفانا ويقينا.

وقوله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) [١١٠].

خفيف. وقرأها أهل المدينة بالتثقيل ، وقرأها ابن عباس بالتخفيف ، وفسّرها : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاءهم نصرنا. وحكيت عن عبد الله (كذّبوا) مشدّدة وقوله : (فنجى من نشاء) القراءة بنونين (٤) والكتاب أتى بنون واحدة. وقد قرأ عاصم (فنجّى من نشاء) فجعلها نونا ، كأنه كره زيادة نون ف (من) حينئذ فى موضع رفع. وأما الذين قرءوا بنونين فإن النون الثانية ، تخفى ولا تخرج من موضع الأولى ، فلمّا خفيت حذفت ، ألا ترى أنك لا تقول فننجى بالبيان. فلمّا خفيت الثانية حذفت واكتفى بالنون الأولى منها ، كما يكتفى بالحرف من الحرفين فيدغم ويكون كتابهما واحدا.

وقوله : (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ) [١١١] منصوب ، يراد به : ولكن كان تصديق ما بين يديه من الكتب : التوراة والإنجيل. ولو رفعت التصديق كان صوابا كما تقول : ما كان

__________________

(١) الآية ٩٥ سورة الواقعة.

(٢) الهجين : عربى ولد من أمة أو من أبوه خير من أمه.

(٣) أقوت : أقفرت وخلت.

(٤) قرأ «فتنجى» غير ابن عامر وعاصم ويعقوب. أما هؤلاء فقد قرءوا : «فنجى» على صيغة المبنى للمفعول من نجى.

٥٦

هذا قائما ولكن قاعدا وقاعد. وكذلك قوله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) و (رَسُولَ اللهِ) فمن رفع لم يضمر كان (١) أراد : ولكن هو رسول الله.

سورة الرعد

ومن سورة الرعد : بسم الله الرحمن الرحيم

قول الله جلّ وعزّ : (الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) (٢).

جاء فيه قولان. يقول : خلقها مرفوعة بلا عمد ، ترونها : لا تحتاجون مع الرؤية إلى خبر. ويقال : خلقها بعمد لا ترونها ، لا ترون تلك العمد. والعرب قد تقدم الحجة من آخر الكلمة إلى أوّلها : يكون ذلك جائزا. أنشدنى بعضهم :

إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ

فدعه وواكل حاله واللياليا

يجئن على ما كان من صالح به

وإن كان فيما لا يرى الناس آليا (٣)

معناه وإن كان (فيما يرى (٤)) الناس لا يألو. وقال الآخر :

ولا أراها تزال ظالمة

تحدث لى نكبة وتنكؤها (٥)

ومعناها : أراها لا تزال.

وقوله قبل هذه الآية : (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) [١] فموضع (الذي) رفع تستأنفه على الحقّ ، وترفع كلّ واحد بصاحبه. وإن شئت جعلت (الذي) فى موضع خفض تريد : تلك

__________________

(١) فى الأصول : «كأنه» والمناسب ما أثبت.

(٢) ورد الشعر فى شواهد العيتى فى مبحث المفعول معه على هامش الخزانة ٣ / ٩٩ من غير عزو.

(٣) فى الأصول : «فيما لا يرى» والصواب ما أثبت.

(٤) فى الأصول : «فيما لا يرى» والصواب ما أثبت.

(٥) هو إبراهيم بن هرمه.

٥٧

آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك من ربك فيكون خفضا ، ثم ترفع (الحقّ) أي ذلك الحق ، كقوله فى البقرة (وَإِنَ (١) فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فنرفع على إضمار ذلك الحقّ أو هو الحق. وإن شئت جعلت (الذي) خفضا فخفضت (الحقّ) فجعلته من صفة الذي ويكون (الذي) نعتا للكتاب مردودا عليه وإن كانت فيه الواو ؛ كما قال الشاعر :

إلى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة فى المزدحم (٢)

فعطف بالواو وهو يريد واحدا. ومثله فى الكلام : أتانا هذا الحديث عن أبى حفص والفاروق وأنت تريد عمر بن الخطّاب رحمه‌الله.

(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) [٣] أي بسط الأرض عرضا وطولا.

وقوله : (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) الزوجان اثنان الذكر والأنثى والضربان. يبيّن ذلك قوله (وَأَنَّهُ خَلَقَ) (٣) (الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) فتبيّن أنهما اثنان بتفسير الذكر والأنثى لهما.

(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) [٤] يقول : فيها اختلاف وهى متجاورات : هذه طيّبة تنبت وهذه سبخة لا تخرج شيئا.

ثم قال : (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ) فلك فى الزرع وما بعده الرفع. ولو خفضت كان صوابا. فمن رفع جعله مردودا على الجنّات ومن خفض جعله مردودا على الأعناب أي من أعناب ومن كذا وكذا.

وقوله : (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) الرفع فيه سهل ؛ لأنه تفسير لحال النخل. والقراءة بالخفض (٤) ولو كان رفعا كان صوابا. تريد : منه صنوان ومنه غير صنوان. والصّنوان النّخلات يكون

__________________

(١) الآيتان ١٤٦ ، ١٤٧ سورة البقرة.

(٢) سبق هذا الشعر فى ص ١٠٥ من الجزء الأول.

(٣) الآية ٤٥ سورة النجم.

(٤) قرأ بالرفع ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب. وقرأ بالخفض غيرهم ، كما فى الإتحاف.

٥٨

أصلهنّ واحدا. وجاء فى الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن عمّ الرجل صنو أبيه.

ثم قال : (تسقى بِماءٍ واحِدٍ) و (يُسْقى) (١) فمن قال بالتاء ذهب إلى تأنيث الزروع والجنّات والنخل. ومن ذكّر ذهب إلى النبت : ذلك كلّه يسقى بماء واحد ، كلّه مختلف : حامض وحلو. ففى هذه آية.

وقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) [٦] يقول : يستعجلونك بالعذاب وهم آمنون له ، وهم يرون العقوبات المثلات فى غيرهم ممّن قد مضى. هى المثلات وتميم تقول : المثلات ، وكذلك قوله : (وَآتُوا) (٢) (النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ) حجازية. وتميم : صدقات ، واحدها (٣) صدقة. قال الفراء : وأهل الحجاز يقولون : أعطها صدقتها ، وتميم نقول : أعطها صدقتها فى لغة تميم.

وقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) [٧] قال بعضهم : نبىّ. وقال بعضهم : لكل قوم هاد يتّبعونه ، إمّا بحق أو بباطل.

وقوله : (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) [٨](تَغِيضُ) يقول : فما تنقص من التسعة الأشهر التي هى وقت الحمل (وَما تَزْدادُ) أي تزيد على التسعة أو لا ترى أن العرب تقول : غاضت المياه أي نقصت. وفى الحديث (٤) : إذا كان الشتاء قيظا ، والولد غيظا ، وغاضت الكرام غيضا وفاضت اللئام فيضا. فقد تبيّن النقصان فى الغيض.

وقوله : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) [١٠]. (من) و (من) فى موضع

__________________

(١) هذه قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب.

(٢) الآية ٤ سورة النساء.

(٣) كذا. والأولى : «واحدتها»

(٤) هذا الحديث فى أشراط الساعة.

٥٩

رفع ، الذي رفعهما جميعا سواء ، ومعناهما : أن من أسرّ القول أو جهر به فهو يعلمه ، وكذلك قوله : (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أي ظاهر بالنهار. يقول : هو يعلم الظاهر والسرّ وكلّ عنده سواء.

وقوله : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) [١١] المعقّبات : الملائكة ، ملائكة الليل تعقّب ملائكة النهار (١) يحفظونه. والمعقّبات : ذكران إلّا أنه جميع جمع ملائكة معقّبة ، ثم جمعت معقّبة ، كما قال : أبناوات سعد (٢) ، ورجالات جمع رجال.

ثم قال عزوجل (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) فرجع إلى التذكير الذي أخبرتك وهو المعنى. والمعقّبات من أمر الله عزوجل يحفظونه ، وليس يحفظ من أمره إنما هو تقديم وتأخير والله أعلم ، ويكون (يَحْفَظُونَهُ) ذلك الحفظ من أمر الله وبأمره وبإذنه عزوجل ؛ كما تقول للرجل : أجيئك من دعائك إيّاى وبدعائك إيّاى والله أعلم بصواب ذلك.

وقوله : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) : [١٢] خوفا على المسافر وطمعا للحاضر.

وقوله : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) السحاب وإن كان لفظه واحدا فإنه جمع ، واحدته سحابة. جعل نعته على الجمع كقوله (مُتَّكِئِينَ) (٣) (عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) ولم يقل : أخضر ، ولا حسن ، ولا الثقيل ، للسحاب. ولو أتى بشىء من ذلك كان صوابا ؛ كقوله : (جَعَلَ لَكُمْ (٤) مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) فإذا كان نعت شىء من ذا يرجع إلى صغر أو كبر لم تقله إلّا على تأويل الجمع. فمن ذلك أن تقول : هذا تمر طيّب ، ولا تقول تمر

__________________

(١) بعده فى اللسان فى سوق عبارة الفراء : «وملائكة النهار تعقب ملائكة الليل».

(٢) اسم لأكثر من قبيلة فى العرب ، منهم سعد تميم وسعد قيس وسعد هذيل ، كما فى القاموس.

(٣) الآية ٧٦ سورة الرحمن.

(٤) الآية ٨٠ سورة يس.

٦٠