معاني القرآن - ج ٢

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥

وقوله : (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) يعنى قتل رجالهم واستبقاء ذرارّيهم.

وقوله : (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) كلّ القرّاء قد اجتمعوا على كسر السين. وتأسرون لغة ولم (١) يقرأ بها أحد.

وقوله : (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) [٢٧] عنى خيبر ، ولم يكونوا نالوها ، فوعدهم إيّاها الله.

قوله : (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَ) [٣٠] اجتمعت القراء على قراءة (مَنْ يَأْتِ) بالياء واختلفوا فى قوله (٢) : (وَيَعْمَلْ صالِحاً) فقرأها عاصم والحسن وأهل المدينة بالتاء : وقرأها الأعمش (٣) وأبو عبد الرحمن السلمىّ بالياء. فالذين قرءوا بالياء اتبعوا الفعل الآخر ب (يَأْتِ) (٤) إذ كان مذكّرا. والذين أنّثوا قالوا لمّا جاء الفعل بعدهنّ (٥) علم أنه للأنثى ، فأخرجناه على التأويل. والعرب تقول : كم بيع لك جارية ، فإذا قالوا : كم جارية بيعت لك أنّثوا ، والفعل فى الوجهين جميعا لكم ، إلّا أن الفعل لمّا أتى بعد الجارية ذهب به إلى التأنيث ، ولو ذكّر كان صوابا ، لأنّ الجارية مفسّرة ليس الفعل لها ، وأنشدنى بعض العرب :

أيا أم عمرو من يكن عقر داره

جواء عدىّ يأكل الحشرات

ويسود من لفح السّموم جبينه

ويعرو إن كانوا ذوى بكرات (٦)

وجواء عدىّ.

قال الفراء : سمعتها أيضا نصبا ولو قال : (وإن كان) كان صوابا وكل حسن.

ومن يقنت [٣١] بالياء لم يختلف القراء فيها.

__________________

(١) فى البحر ٧ / ٢٢٥ أنه قرأ بها أبو حيوة.

(٢) أي فى الآية : ٣١.

(٣) وكذا حمزة والكسائي وخلف.

(٤) كذا. والأحسن : «يأت».

(٥) أي ما بعد من يدل على النساء كقوله : «منكن».

(٦) ا : «نكرات» في مكان «بكرات».

٣٤١

وقوله : (نُؤْتِها) قرأها أهل الحجاز بالنون. وقرأها يحيى (١) بن وثّاب والأعمش وأبو عبد الرحمن السلمىّ بالياء.

وقوله : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) [٣٢] يقول : لا تليّن (٢) القول (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي الفجور (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) : صحيحا لا يطمع فاجرا.

[قوله] : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) [٣٣] من الوقار. تقول للرّجل : قد وقر فى منزله يقر وقورا. وقرأ عاصم وأهل (٣) المدينة (وَقَرْنَ) بالفتح. ولا يكون ذلك من الوقار ، ولكنا (٤) نرى أنهم أرادوا : واقررن فى بيوتكنّ فحذفوا الرّاء الأولى ، فحوّلت فتحها فى القاف ؛ كما قالوا : هل أحست صاحبك ، وكما قال (فَظَلْتُمْ) (٥) يريد : فظللتم.

ومن العرب من يقول : واقررن فى بيوتكنّ ، فلو قال قائل : وقرن بكسر القاف يريد واقررن / ١٤٨ ب بكسر الراء فيحوّل كسرة الراء (إذا سقطت (٦)) إلى القاف كان وجها. ولم نجد ذلك فى الوجهين جميعا مستعملا فى كلام العرب إلّا فى فعلت وفعلتم وفعلن فأمّا فى الأمر والنهى المستقبل فلا. إلا أنا جوّزنا ذلك لأنّ اللام فى النسوة ساكنة فى فعلن ويفعلن فجاز ذلك (٧). وقد قال أعرابىّ من بنى نمير : ينحطن من الجبل يريد : ينحططن. فهذا يقوّى ذلك.

وقوله : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) قال (٨) : ذلك فى زمن ولد فيه إبراهيم النبىّ عليه‌السلام. كانت المرأة إذ ذاك تلبس الدّرع (٩) من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين. ويقال : كانت تلبس

__________________

(١) وكذا حمزة والكسائي وخلف.

(٢) ا ، ش كذا فى الأصول. وهو صحيح فإن الفعل يتعدى بالتضعيف والهمزة والصواب ما أثبت.

(٣) أي نافع وأبو جعفر.

(٤) ا : «لكنها».

(٥) الآية ٦٥ سورة الواقعة.

(٦) ضرب على هذه الجملة فى ا

(٧) ش : «لذلك» :

(٨) أي الفراء.

(٩) درع المرأة : قميصها.

٣٤٢

الثياب تبلغ (١) المال لا توارى جسدها ، فأمرن ألّا يفعلن مثل ذلك.

قوله : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) [٣٥] ويقول القائل : كيف ذكر المسلمين والمسلمات والمعنى بأحدهما كاف؟

وذلك أنّ امرأة قالت : يا رسول الله : ما الخير إلّا للرجال. هم الذين يؤمرون وينهون. وذكرت غير ذلك من الحجّ والجهاد. فذكرهن الله لذلك.

وقوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [٣٦] نزلت فى زينب بنت جحش الأسدية. أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يزوّجها زيد بن حارثة ، فذكر لها ذلك ، فقالت : لا لعمر الله ، أنا بنت عمّتك وأيّم نساء قريش. فتلا عليها هذه الآية ، فرضيت وسلّمت ، وتزوّجها زيد. ثم إن النبي عليه‌السلام أتى منزل زيد لحاجة ، فرأى زينب وهى فى درع وخمار ، فقال : سبحان مقلّب القلوب. فلمّا أتى زيد أهله أخبرته زينب الخبر ، فأتى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشكوها إليه. فقال : يا رسول الله إنّ فى زينب كبرا ، وإنها تؤذيني بلسانها فلا حاجة لى فيها. فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اتّق الله وأمسك عليك زوجك. فأبى ، فطلّقها ، وتزوّجها النبي عليه‌السلام بعد ذلك ، وكان الوجهان جميعا : تزوجها زيد والنبي عليه‌السلام من بعد ، لأن الناس كانوا يقولون : زيد بن محمد ؛ وإنما كان يتيما فى حجره. فأراهم الله أنه ليس له بأب ، لأنه قد كان حرّم أن ينكح الرجل امرأة أبيه ، أو أن ينكح الرجل امرأة ابنه إذا دخل بها.

وقوله : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) [٣٧] من تزويجها (مَا اللهُ) مظهره. (وَتَخْشَى النَّاسَ) يقول : تستحى من الناس (وَاللهُ أَحَقُّ) أن تستحى منه.

ثم قال : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ).

__________________

(١) كذا. وكأن المراد أنها تبلغ المال الكثير تشترى به. وقد يكون الأصل : تبلغ المآكم. والمآكم جمع المأكمة وهى العجيزة ، أو تبلغ المئات أي من الدنانير أو الدراهم.

٣٤٣

وقوله : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) [٣٨] من هذا ومن تسع النسوة ، ولم تحلّ لغيره وقوله : (سُنَّةَ اللهِ) يقول : هذه سنّة قد مضت أيضا لغيرك. كان لداوود وسليمان من النساء ما قد ذكرناه ، فضّلا به ، كذلك أنت.

ثم قال : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) [٣٩] فضّلناهم بذلك ، يعنى الأنبياء. و (الذين) فى موضع خفض إن رددته على قوله : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) وإن شئت رفعت على الاستئناف. ونصب (١) السنّة على القطع ، كقولك : فعل ذلك سنة. ومثله كثير فى القرآن. وفى قراءة عبد الله : (الذين بلّغوا رسالات الله ويخشونه) هذا مثل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا (٢) وَيَصُدُّونَ) يردّ يفعل على فعل ، وفعل على يفعل. وكلّ صواب.

وقوله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [٤٠] دليل على أمر تزوّج زينب (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) معناه : ولكن كان رسول الله. ولو رفعت على : ولكن هو رسول الله كان صوابا وقد قرئ به (٣). والوجه النصب.

وقوله : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) كسرها الأعمش وأهل الحجاز ، ونصبها ـ يعنى التاء ـ عاصم والحسن وهى فى قراءة عبد الله : (ولكن نبيّا ختم النبيّين) فهذه حجّة لمن قال (خاتم) بالكسر ، ومن قال (خاتم) أراد هو آخر النبيّين ، كما قرأ علقمة فيما ذكر (٤) عنه (خاتمه (٥) مسك) أي آخره مسك. حدثنا أبو العباس ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا الفراء ، قال : حدثنا أبو الأحوص سلّام ابن سليم عن الأشعث بن أبى الشعثاء المحاربىّ قال : كان علقمة يقرأ (خاتمه مسك) ويقول : أمّا سمعت المرأة تقول للعطّار : اجعل لى خاتمه مسكا أي آخره.

__________________

(١) ش : «نصبت».

(٢) الآية ٢٥ سورة الحج.

(٣) قرأ بذلك زيد بن على وابن أبى عبلة كما فى البحر ٧ / ٢٣٦.

(٤) ا : «ذكروا».

(٥) الآية ٢٦ من سورة المطففين. وهى فى قراءة الجمهور : «ختامه مسك».

٣٤٤

وقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) [٤٣] يغفر لكم ، ويستغفر لكم ملائكته.

قوله : (وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) [٥٠] وفى قراءة عبد الله (وبنات خالك وبنات خالاتك واللاتي هاجرن معك) فقد تكون المهاجرات من بنات الخال والخالة ، وإن كان (١) فيه الواو ، فقال : (واللاتي). والعرب تنعت بالواو وبغير الواو كما قال الشاعر :

فإنّ رشيدا وابن مروان لم يكن

ليفعل حتّى يصدر الأمر مصدرا

وأنت تقول فى الكلام : إن زرتنى زرت أخاك وابن عمّك القريب لك ، وإن قلت : والقريب لك كان صوابا.

وقوله (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) نصبتها ب (أحللنا) وفى قراءة عبد الله (وامرأة مؤمنة وهبت) ليس فيها (إن) ومعناهما واحد ؛ كقولك فى الكلام : لا بأس أن تسترقّ عبدا وهب لك ، وعبدا إن وهب لك ، سواء. وقرأ بعضهم (أن وهبت) بالفتح على قوله : لا جناح عليه أن ينكحها فى أن وهبت ، لا جناح عليه فى هبتها نفسها. ومن كسر جعله جزاء. وهو مثل قوله (لا يَجْرِمَنَّكُمْ (٢) شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ) و (إن صدّوكم) (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ) مكسورة لم يختلف فيها.

وقوله (خالِصَةً لَكَ) يقول : هذه الخصلة خالصة لك ورخصة دون المؤمنين ، فليس للمؤمنين أن يتزوّجوا امرأة بغير مهر. ولو رفعت (خالصة) لك على الاستئناف كان صوابا ؛ كما قال (لَمْ يَلْبَثُوا (٣) إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) أي هذا بلاغ : وما كان من سنّة الله ، وصبغة الله وشبهه فإنه منصوب لاتصاله بما قبله على مذهب حقّا وشبهه. والرفع جائز ؛ لأنه كالجواب ؛ ألا ترى

__________________

(١) ا : «كانت».

(٢) الآية ٢ سورة المائدة.

(٣) الآية ٣٥ سورة الأحقاف.

٣٤٥

أن الرجل يقول : قد قام عبد الله ، فتقول : حقّا إذا وصلته. وإذا نويت الاستئناف رفعته وقطعته ممّا قبله. وهذه محض القطع الذي تسمعه من النحويين.

وقوله : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) [٥١] بهمز وغير همز. وكلّ صواب (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) هذا أيضا ممّا خصّ به النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن يجعل لمن أحبّ منهنّ يوما أو أكثر أو أقلّ ، ويعطّل من شاء منهنّ فلا يأتيه (١). وقد كان قبل ذلك لكلّ امرأة من نسائه يوم وليلة.

وقوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ) يقول : إذا لم تجعل لواحدة منهنّ يوما وكنّ فى ذلك / ١٤٩ ب سواء ، كان أحرى أن تطيب أنفسهنّ ولا يحزنّ. ويقال : إذا علمن أن الله قد أباح لك ذلك رضين إذ كان من عند الله. ويقال : إنه أدنى أن تقرّ أعينهنّ إذا لم يحلّ لك غيرهنّ من النساء وكلّ حسن.

وقوله : (وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) رفع لا غير ، لأن المعنى : وترضى كلّ واحدة. ولا يجوز أن تجعل (كلّهن) نعتا للهاء فى الإيتاء ؛ لأنه لا معنى له ؛ ألا ترى أنك تقول : لأكرمنّ القوم ما (٢) أكرمونى أجمعين ، وليس لقولك (أجمعون) معنى. ولو كان له معنى لجاز نصبه.

وقوله : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) [٥٢] (أن) فى موضع رفع ؛ كقولك : لا يحلّ لك النّساء والاستبدال بهنّ. وقد اجتمعت القراء على (لا يَحِلُّ) بالياء. وذلك أنّ المعنى : لا يحلّ لك شىء من النساء ، فلذلك اختير تذكير الفعل. ولو كان المعنى للنساء جميعا لكان التّأنيث أجود فى العربيّة. والتاء جائزة لظهور النساء بغير من.

وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ). فغير منصوبة لأنها نعت للقوم ، وهم معرفة و (غير) نكرة فنصبت على الفعل ؛

__________________

(١) أي من شاء. وجاء التذكير مراعاة للفظ (من).

(٢) ا : «ما».

٣٤٦

كقوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ (١) غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) ولو خفضت (غَيْرَ ناظِرِينَ) كان صوابا ؛ لأنّ قبلها (طَعامٍ) (٢) وهو نكرة ، فتجعل فعلهم تابعا للطعام ؛ لرجوع ذكر الطعام فى (إِناهُ) كما تقول العرب : رأيت زيدا مع امرأة محسن إليها ، ومحسنا إليها. فمن قال : (محسنا) جعله من صفة زيد ، ومن خفضه فكأنه قال : رأيت زيدا مع التي يحسن إليها. فإذا صارت الصلة للنكرة أتبعتها ، وإن كان فعلا لغيرها. وقد قال الأعشى :

فقلت له هذه هاتها

فجاء بأدماء مقتادها

فجعل المقتاد تابعا لإعراب الأدماء ؛ لأنه بمنزلة قولك : دماء يقتادها ؛ فخفضته لأنه صلة لها.

وقد ينشد بأدماء مقتادها تخفض الأدماء لإضافتها إلى المقتاد. ومعناه : بملء يدى من اقتادها ومثله فى العربية أن تقول : إذا دعوت زيدا فقد استغثت بزيد مستغيثه. فمعنى زيد مدح أي أنه كافى مستغيثه. ولا يجوز أن تخفض على مثل قولك : مررت على رجل حسن وجهه ؛ لأن هذا لا يصلح حتى تسقط راجع ذكر الأول فتقول : حسن الوجه. وخطأ أن تقول : مررت على امرأة حسنة وجهها وحسنة الوجه صواب.

وقوله : (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) فى موضع خفض تتبعه الناظرين ؛ كما تقول : كنت غير قائم ولا قاعد ؛ وكقولك للوصىّ : كل من مال اليتيم بالمعروف غير متأثّل مالا ، ولا واق مالك بماله. ولو جعلت المستأنسين فى موضع نصب تتوهّم أن تتبعه بغير (٣) لمّا أن حلت بينهما بكلام. وكذلك كلّ معنى احتمل وجهين ثم فرّقت بينهما بكلام جاز أن يكون الآخر معربا بخلاف الأوّل. من ذلك قولك : ما أنت بمحسن إلى من أحسن إليك ولا مجملا ، تنصب المجمل وتخفضه : الخفض على

__________________

(١) الآية ١ سورة المائدة.

(٢) ا : «طعاما».

(٣) كذا. والأولى : «غير».

٣٤٧

إتباعه (١) المحسن والنصب أن تتوهم أنك قلت : ما أنت محسنا. وأنشدنى بعض العرب :

ولست بذي نيرب فى الصديق

ومنّاع خير وسبّابها

ولا من إذا كان فى جانب

أضاع العشيرة واغتابها (٢)

وأنشدنى أبو القمقام :

أجدّك لست الدهر رائى رامة

ولا عاقل إلّا وأنت جنيب

ولا مصعد فى المصعدين لمنعج

ولا هابطا ما عشت هضب شطيب (٣)

وينشد هذا البيت :

معاوى إننا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا (٤)

وينشد (الحديدا) خفضا ونصبا. وأكثر ما سمعته بالخفض. ويكون نصب المستأنسين على فعل مضمر ، كأنه قال : فادخلوا غير مستأنسين. ويكون مع الواو ضمير دخول ؛ كما تقول : قم ومطيعا لأبيك.

والمعنى فى تفسير الآية أنّ المسلمين كانوا يدخلون على النبىّ عليه‌السلام فى وقت الغداء ، فإذا طعموا أطالوا الجلوس ، وسألوا أزواجه الحوائج. فاشتدّ ذلك على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتّى

__________________

(١) ا : «إتباعها».

(٢) البيتان لعدى بن خزاعى كما فى اللسان (ترب). وفى ا : «فلست» والنيرب : الشر والنميمة. والهاء فى (سبابها) للعشيرة. وفى اللسان عن ابن برى أن صواب إنشاده :

ولست بذي نيرب فى الكلام

ومناع قومى وسبابها

ولا من إذا كان فى معشر

أضاع العشيرة واغتابها

ولكن أطاوع ساداتها

ولا أعلم الناس ألقابها

(٣) رامة وعاقل ومنعج وشطيب مواضع فى بلاد العرب. و (جنيب) من معانيه الأسير.

(٤) هو لعقيبة الأسدى ؛ كما فى كتاب سيبويه ١ / ٣٤. وأورد سيبويه بعده بيتا على النصب وهو :

أديروها بنى حرب عليكم

ولا ترموا بها الغرض البعيدا

وأورد الأعلم أن هناك رواية بالخفض وأن بعد البيت :

أكلتم أرضنا فجرزتموها

فهل من قائم أو من حصيد

٣٤٨

أنزل الله هذه الآية ، فتكلّم فى ذلك بعض الناس ، وقال : أننهى أن ندخل على بنات عمّنا إلّا بإذن ، أو من وراء حجاب. لئن مات محمد لأتزوّجنّ بعضهنّ. فقام (١) الآباء أبو بكر وذووه ، فقالوا : يا رسول الله ، ونحن أيضا لا ندخل عليهنّ إلّا بإذن ، ولا نسألهنّ الحوائج إلّا من وراء حجاب ، فأنزل الله (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ) (٢) إلى آخر الآية. وأنزل فى التزويج (وَما كانَ (٣) لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً).

وقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) [٥٨] نزلت فى أهل الفسق والفجور ، وكانوا يتّبعون الإماء بالمدينة فيفجرون بهنّ ، فكان المسلمون فى الأخبية لم يبنوا ولم يستقرّوا. وكانت المرأة من نساء المسلمين تتبرّز للحاجة ، فيعرض لها بعض الفجّار يرى أنها أمة ، فتصيح به ، فيذهب. وكان الزّىّ واحدا فأمر النبىّ عليه‌السلام (قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) (٤) والجلباب : الرداء.

حدّثنا أبو العبّاس قال حدثنا محمد قال : حدّثنا الفرّاء ، قال حدّثنى يحيى بن المهلّب أبو كدينة عن ابن عون عن ابن سيرين فى قوله : (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) [٥٩].

هكذا : قال تغطّى إحدى عينيها وجبهتها والشّقّ الآخر ، إلّا العين.

وقوله : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) [٦٠] المرجفون كانوا من المسلمين. وكان المؤلّفة قلوبهم يرجفون بأهل الصّفّة. كانوا يشنّعون على أهل الصّفّة أنهم هم الذين يتناولون النساء لأنهم عزّاب. وقوله (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي لنسلّطنّك عليهم ، ولنولعنّك بهم.

وقوله : (مَلْعُونِينَ) [٦١] منصوبة على الشتم ، وعلى الفعل أي لا يجاورونك فيها إلّا ملعونين.

__________________

(١) كذا. والأولى : وقام.

(٢) فى الآية ٥٥ سورة الأحزاب.

(٣) في الآية ٥٣ سورة الأحزاب.

(٤) فى الآية ٥٩ سورة الأحزاب.

٣٤٩

والشتم على الاستئناف ، كما قال : (وَامْرَأَتُهُ (١) حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) لمن نصبه. ثم قال (أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا) فاستأنف. فهذا جزاء.

وقوله. (إِلَّا قَلِيلاً) [٦٠].

حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال ١٥٠ ب حدّثنا الفرّاء قال : حدّثنى حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح قال قال ابن عبّاس : لا يجاورونك فيها إلا يسيرا ، حتّي يهلكوا. وقد يجوز أن تجعل القلّة من صفتهم صفة الملعونين ، كأنك قلت : إلا أقلّاء ملعونين ؛ لأنّ قوله (أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا) يدلّ على أنهم يقلّون ويتفرّقون.

قوله : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [٦٦] والقراء على (تُقَلَّبُ) ولو قرئت (تقلّب) (٢) و (نقلّب) (٣) كانا وجهين.

وقوله : (وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) [٦٦] يوقف عليها بالألف. وكذلك (فَأَضَلُّونَا (٤) السَّبِيلَا) و (الظُّنُونَا) (٥) يوقف على الألف ؛ لأنها مثبتة فيهنّ ، وهى مع آيات بالألف ، ورأيتها فى مصاحف عبد الله بغير ألف. وكان حمزة والأعمش يقفان على هؤلاء الأحرف بغير ألف فيهنّ. وأهل الحجاز يقفون بالألف. وقولهم أحبّ إلينا لاتّباع الكتاب. ولو وصلت بالألف لكان صوابا لأن العرب تفعل ذلك. وقد قرأ بعضهم (٦) بالألف فى الوصل والقطع (٧) وقوله : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا) [٦٧] واحدة منصوبة. وقرأ الحسن (ساداتنا) وهى فى موضع نصب.

__________________

(١) الآية ٤ سورة المسد.

(٢) قرأ بها الحسن وعيسى وأبو جعفر الرؤاسى كما فى البحر ٧ / ٢٥٢.

(٣) ضبطت فى ا بفتح حروفها كأنها فعل ماض ، وليس على اللام شدة. وما أثبت قراءة نسبها أبو حيان فى المرجع السابق إلى أبى حيوة وعيسى البصري.

(٤) فى الآية ٦٧ سورة الأحزاب.

(٥) فى الآية ١٠ سورة الأحزاب.

(٦) وهم نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر. ويريد بالقطع الوقف.

(٧) وهم نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر. ويريد بالقطع الوقف.

٣٥٠

وقوله : لعنا كثيرا [٦٨] قراءة العوامّ بالثاء (١) ، إلّا يحيى بن وثّاب فإنه قرأها (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) (٢) بالباء (٣). وهى فى قراءة (٤) عبد الله. قال الفراء : لا نجيزه. يعنى كثيرا.

وقوله : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَيَتُوبَ) [٧٣] بالنصب على الإتباع وإن نويت به الائتناف رفعتة ، كما قال (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) (٥) (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) إلا أن القراءة (وَيَتُوبَ) بالنصب.

سورة سبا

ومن سورة سبا : بسم الله الرحمن الرحيم

قوله : علّام الغيب [٣] قال رأيتها فى مصحف عبد الله (علّام) (٦) على قراءة أصحابه (٧).

وقد قرأها عاصم (عالِمِ الْغَيْبِ) خفضا فى الإعراب من صفة الله. وقرأ أهل الحجاز (عالم الغيب) رفعا على الائتناف إذ حال بينهما كلام ؛ كما قال : (رَبِ) (٨) السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ) فرفع. والاسم قبله مخفوض فى الإعراب. وكلّ صواب.

وقوله : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) و (يعزب) لغتان قد قرئ بهما. والكسر (٩) أحبّ إلىّ.

وقوله : (عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) [٥] قراءة القراء بالخفض (١٠). ولو جعل نعتا للعذاب فرفع (١١)

__________________

(١) كذا فى ا. وفى ش : «بالباء».

(٢) ش : «كثيرا».

(٣) ش : «بالثاء».

(٤) وهى قراءة عاصم.

(٥) الآية ٥ سورة الحج.

(٦) فى ش ، ب «ع لا م» مقطعة. وما أثبت من ا وكتب فوقها «هجا» وكأنه يريد أنه كتب فى الأصل بحروف الهجاء مقطعة كما فى ش.

(٧) وهى قراءة حمزة والكسائي.

(٨) الآية ٣٧ سورة النبأ. والقراءة التي أثبتها المؤلف قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٩) قرأ به الكسائي.

(١٠) الرفع لابن كثير وحفص ويعقوب. والخفض للباقين.

(١١) الرفع لابن كثير وحفص ويعقوب. والخفض للباقين.

٣٥١

لجاز ؛ كما قرأت القراء (عالِيَهُمْ (١) ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ) و (خضر) (٢) وقرءوا (فِي لَوْحٍ (٣) مَحْفُوظٍ) للّوح و (مَحْفُوظٍ) (٤) للقرآن. وكلّ صواب.

وقوله : (وَيَرَى الَّذِينَ) [٦] (يرى) فى موضع نصب. معناه : ليجزى الذين ، وليرى الذين (قرأ الآية (٥)) وإن شئت استأنفتها فرفعتها ، ويكون المعنى مستأنفا ليس بمردود على كى.

وقوله (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) نصبت (العلم) لخروجه ممّا لم نسمّ فاعله. ورفعت (الذين) ب (يرى). وإنما معناه : ويرى الذين أوتوا التوراة : عبد الله بن سلام وأصحابه من مسلمة أهل الكتاب. وقوله (هُوَ الْحَقَّ) (هو) عماد للذى. فتنصب (الحقّ) إذا جعلتها عمادا. ولو رفعت (الحقّ) على أن تجعل (هو) اسما كان صوابا. أنشدنى الكسائىّ :

ليت الشباب هو الرجيع على الفتى

والشيب كان هو البديء الأوّل (٦)

فرفع فى (كان) ونصب فى (ليت) ويجوز النصب فى كلّ ألف ولام ، وفى أفعل منك وجنسه. ويجوز فى الأسماء الموضوعة للمعرفة. إلا أنّ الرفع فى الأسماء أكثر. تقول : كان عبد الله هو أخوك ، أكثر من ، كان عبد الله هو أخاك. قال الفراء : يجيز هذا ولا يجيزه غيره من النحويّين. وكان أبو محمّد هو زيد كلام العرب الرفع. وإنما آثروا الرفع فى الأسماء لأن الألف واللام أحدثنا ١٥١ ا عمادا لما هى فيه. كما أحدثت (هو) عمادا للاسم الذي قبلها. فإذا لم يجدوا فى الاسم الذي بعدها ألفا ولاما اختاروا الرفع وشبّهوها بالنكرة ؛ لأنهم لا يقولون إلّا كان عبد الله هو قائم. وإنما أجازوا النصب فى أفضل منك وجنسه لأنه لا يوصل فيه إلى إدخال الألف واللام ، فاستجازوا إعمال معناهما وإن لم تظهر (٧). إذ لم يمكن إظهارها (٨). وأما قائم فإنك تقدر فيه على الألف

__________________

(١ ، ٢) الآية ٢١ سورة الإنسان ممن قرأ بالرفع نافع وحفص ، وممن قرأ بالخفض ابن كثير وأبو بكر.

(٣) الآية ٢٢ سورة البروج. والرفع لنافع والخفض للباقين.

(٤) الآية ٢٢ سورة البروج. والرفع لنافع والخفض للباقين.

(٥) هذه الزيادة فى ا. أي قرأ الفراء أو محمد بن الجهم الراوي الآية.

(٦) كأنه يريد بالرجيع الذي يرجع ويبقى.

(٧) كذا. والمناسب : «تظهر» و «إظهارهما» ولكنه اعتبر الألف واللام حرفا واحدا إذ كان مؤداهما واحدا.

(٨) كذا. والمناسب : «تظهر» و «إظهارهما» ولكنه اعتبر الألف واللام حرفا واحدا إذ كان مؤداهما واحدا.

٣٥٢

واللام ، فإذا لم تأت بهما جعلوا هو قبلها (١) اسما ليست بعماد إذ لم يعمد الفعل بالألف واللام قال الشاعر :

أجدّك لن تزال نجىّ همّ

تبيت الليل أنت له ضجيع

وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ) [٧] العرب تدغم اللام عند النون إذا سكنت اللام وتحركت النون. وذلك أنها قريبة المخرج منها. وهى كثيرة فى القراءة. ولا يقولون ذلك فى لام قد تتحرّك فى حال ؛ مثل ادخل وقل ؛ لأن (قل) قد كان يرفع (٢) وينصب ويدخل عليه الجزم ، وهل وبل وأجل مجزومات أبدا ، فشبّهن إذا أدغمن بقوله (النار) إذا أدغمت اللام من النار فى النون منها. وكذلك قوله (فَهَلْ تَرى (٣) لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) تدغم اللام عند التاء من بل وهل وأجل. ولا تدغم فى اللام التي قد تتحرّك فى حال. وإظهارهما (٤) جائز ؛ لأن اللام ليست بموصولة بما بعدها ؛ كاتّصال اللام من النار وأشباه ذلك. وإنما صرت أختار (هل (٥) تستطيع) و (بَلْ (٦) نَظُنُّكُمْ) فأظهر ؛ لأنّ القراءة من المولّدين مصنوعة لم يأخذوها بطباع الأعراب ، إنما أخذوها بالصنعة. فالأعرابىّ ذلك جائز له لما يجرى على لسانه من خفيف الكلام وثقيله. ولو اقتست فى القراءة على ما يخفّ على ألسن العرب فيخففون أو يدغمون (٧) لخفّفت قوله (قُلْ أَيُ (٨) شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) فقلت : أيش أكبر شهادة ، وهو كلام العرب. فليس القراءة على ذلك ، إنما القراءة على الإشباع والتمكين ؛ ولأن الحرف ليس بمتّصل مثل الألف واللام : ألا ترى أنك لا تقف على الألف

__________________

(١) كذا. والمناسب : «قبلهما» والعذر ما علمت.

(٢) يريد أن متصرفات مادة قل من الفعل ومنها المضارع ، فهو يرفع وينصب ويجزم.

(٣) الآية ٨ سورة الحاقة.

(٤) أي إظهار اللام والتاء.

(٥) الآية ١١٢ سورة المائدة. والقراءة بالتاء للكسائى. وقراءة غيره بالياء.

(٦) الآية ٢٧ سورة هود

(٧) فى ا عكس هذا الترتيب فى الذكر.

(٨) الآية ١٩ سورة الأنعام.

٣٥٣

واللام ممّا هى فيه. فلذلك لم أظهر اللام (١) عند التاء وأشباهها. وكذلك قوله : (اتَّخَذْتُمُ) (٢) و (عُذْتُ (٣) بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) تظهر وتدغم. والإدغام أحبّ إلىّ لأنها متّصلة بحرف لا يوقف على ما دونه. فأمّا قوله (بَلْ رانَ (٤) عَلى قُلُوبِهِمْ) فإن اللام تدخل فى الراء دخولا شديدا ، ويثقل على اللسان إظهارها فأدغمت. وكذلك فافعل بجميع الإدغام : فما ثقل على اللسان إظهاره فأدغم ، وما سهل لك فيه الإظهار فأظهر ولا تدغم.

وقوله : (لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [٧] أفترى على الله كذبا [٨] هذه الألف استفهام. فهى مقطوعة فى القطع (٥) والوصل ؛ لأنها ألف الاستفهام ، ذهبت الألف التي بعدها لأنها خفيفة زائدة تذهب فى اتّصال الكلام. وكذلك قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ (٦) أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) وقوله (أَسْتَكْبَرْتَ) (٧) قرأ (٨) الآية محمد بن الجهم ، وقوله (أَصْطَفَى) (٩) (الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) ولا يجوز أن تكسر الألف هاهنا ؛ لأن الاستفهام يذهب. فإن قلت : هلّا إذا اجتمعت ألفان طوّلت كما قال (آلذَّكَرَيْنِ) (١٠) (آلْآنَ) (١١) قلت : إنما طوّلت الألف فى الآن وشبهه لأن ألفها كانت مفتوحة ، فلو أذهبتها لم تجد بين الاستفهام والخبر / ١٥١ ب فرقا ، فجعل تطويل الألف فرقا بين الاستفهام والخبر ، وقوله (أَفْتَرى) كانت ألفها مكسورة وألف الاستفهام مفتوحة فافترقا ، ولم يحتاجا إلى تطويل الألف.

__________________

(١) أي لام أل.

(٢) هذا يتكرر فى القرآن. ومنه الآية ٥١ من سورة البقرة : «وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل» وكتب فى ا فوقه : «اتختم» تبيينا لصورة الإدغام.

(٣) الآية ٢٧ سورة غافر ، والآية ٢٠ سورة الدخان وكتب فى ا فوقه : «عت» تبيينا أيضا لصورة الإدغام :

(٤) الآية ١٤ سورة المطففين.

(٥) أي الواقف.

(٦) الآية ٦ سورة المنافقين.

(٧) الآية ٧٥ سورة ص

(٨) أي أتم الآية محمد بن الجهم الراوي للكتاب.

(٩) الآية ١٥٣ سورة الصافات.

(١٠) الآية ١٤٣ سورة الأنعام.

(١١) الآية ٩١ سورة يونس.

٣٥٤

وقوله : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [٩] يقول : أما يعلمون أنهم حيثما كانوا فهم يرون بين أيديهم من الأرض والسّماء مثل الذي خلفهم ، وأنهم لا يخرجون منها. فكيف يأمنون أن نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم من السّماء عذابا.

وقوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [١٠] اجتمعت القراء الذين يعرفون على تشديد (أَوِّبِي) ومعناه : سبّحى. وقرأ بعضهم (١) (أوبي معه) من آب يؤوب أي تصرّفى معه. و (الطَّيْرَ) منصوبة على جهتين : إحداهما أن تنصبها بالفعل بقوله : ولقد آتينا داود منّا فضلا. وسخّرنا له الطير.

فيكون مثل قولك : أطعمته طعاما وماء ، تريد : وسقيته ماء. فيجوز ذلك. والوجه الآخر بالنداء ، لأنك إذا قلت : يا عمرو والصلت أقبلا ، نصبت الصّلت لأنه إنما يدعى بيا أيّها ، فإذا فقدتها كان كالمعدول عن جهته فنصب. وقد يجوز رفعه على أن يتبع ما قبله. ويجوز رفعه على : أوّبى أنت (٢) والطير. وأنشدنى بعض العرب فى النداء إذا نصب لفقده يا أيّها :

ألا يا عمرو والضحّاك سيرا

فقد جاوزتما خمر الطريق

الخمر : ما سترك من الشجر وغيرها (وقد يجوز (٣)) نصب (الضحّاك) ورفعه. وقال الآخر :

يا طلحة الكامل وابن الكامل

والنعت يجرى فى الحرف المنادى ، كما يجرى المعطوف : ينصب ويرفع ، ألا ترى أنك تقول : إن أخاك قائم وزيد ، وإن أخاك قائم [و (٤)] زيدا (٥) فيجرى المعطوف فى إنّ بعد الفعل مجرى النعت بعد الفعل.

وقوله : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) أسيل له الحديد ، فكان يعمل به ما شاء. كما يعمل بالطين.

__________________

(١) هو الحسن كما فى الإتحاف.

(٢) أي بالعطف على الضمير المرفوع فى قوله : «أوبى».

(٣) ش ، ب : «فيجوز».

(٤) زيادة يقتضيها السياق. وقوله «زيدا» فى الأصول : «زيد» والمناسب ما أثبت.

(٥) زيادة يقتضيها السياق. وقوله «زيدا» فى الأصول : «زيد» والمناسب ما أثبت.

٣٥٥

وقوله ـ عزوجل ـ أن أعمل سابغات [١١] الدروع (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) يقول : لا تجعل مسمار الدرع دقيقا فيقلق ، ولا غليظا فيقصم الحلق.

وقوله : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) [١٢] منصوبة على : وسخّرنا لسليمان الريح. وهى منصوبة فى الأنبياء (١) (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) أضمر : وسخّرنا ـ والله أعلم ـ وقد رفع عاصم (٢) ـ فيما أعلم ـ (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) لمّا لم يظهر التسخير أنشدنى بعض العرب :

ورأيتم لمجاشع نعما

وبنى أبيه جامل رغب (٣)

يريد : ورأيتم لبنى أبيه ، فلمّا لم يظهر الفعل رفع باللام.

وقوله : (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) يقول : غدوّها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر وروحتها كذلك.

وقوله : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) مثل (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) والقطر : النحاس.

وقوله : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) [١٣] ذكر أنها صور الملائكة والأنبياء ، كانت تصوّر فى المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة. والمحاريب : المساجد.

وقوله : (وَجِفانٍ) وهى القصاع الكبار (كَالْجَوابِ) الحياض التي للإبل (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) يقول : عظام لا تنزل عن مواضعها.

وقوله : (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) [١٤] همزها عاصم والأعمش. وهى العصا العظيمة التي تكون مع الراعي : أخذت من نسأت البعير : زجرته ليزداد سيره ؛ كما يقال : نسأت اللبن إذا صببت عليه الماء وهو النّسىء. ونسئت المرأة إذا حبلت. ونسأ الله فى / ١٥٢ ا أجلك أي زاد الله فيه ، ولم يهمزها أهل الحجاز ولا الحسن. ولعلّهم أرادوا لغة قريش ؛ فإنهم يتركون الهمز. وزعم لى

__________________

(١) الآية ٨١.

(٢) أي فى رواية أبى بكر. فأمّا حفص عن عاصم فنصب.

(٣) الجامل جماعة الجمال. ورغب : ضخم واسع كثير.

٣٥٦

أبو جعفر الرؤاسىّ أنه سأل عنها أبا عمرو فقال (منساته) بغير همز ، فقال أبو عمرو : لأنى لا أعرفها فتركت همزها. ولو جاء فى القراءة : من ساته فتجعل (ساة) حرفا واحدا فتخفضه بمن. قال الفراء : وكذلك حدّثنى حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس أنه قال : تأكل من عصاه. والعرب تسمّى رأس القوس السّية ، فيكون من ذلك ، يجوز فتحها وكسرها ، يعنى فتح السين ، كما يقال : إنّ به لضعة وضعة ، وقحة وقحة من الوقاحة ولم يقرأ بها (١) أحد علمناه.

وقوله : (دَابَّةُ الْأَرْضِ) : الأرضة.

وقوله : (فَلَمَّا خَرَّ) سليمان. فيما ذكر أكلت العصا فخرّ. وقد كان الناس يرون أنّ الشياطين تعلم السرّ يكون بين اثنين فلمّا خرّ تبيّن أمر الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب ، ولو علموه ما عملوا بين يديه وهو ميّت. و (أن) فى موضع رفع : (تبيّن) أن لو كانوا. وذكر عن ابن عبّاس أنه قال : تبيّنت الإنس الجنّ ، ويكون المعنى : تبيّنت الإنس أمر الجن ، لأن الجنّ إذا تبيّن أمرها للإنس فقد تبيّنها الإنس ، ويكون (أن) حينئذ فى موضع نصب بتبيّنت. فلو قرأ قارئ تبيّنت الجنّ أن لو كانوا بجعل الفعل للإنس ويضمرهم فى فعلهم فينصب الجنّ يفعل الإنس وتكون (أن) مكرورة على الجنّ فتنصبها.

وقرأ قوله : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ) [١٥] يحيى (٢) (فِي مَسْكَنِهِمْ) وهى لغة يمانيّة فصيحة. وقرأ حمزة (٣) فى (مَسْكَنِهِمْ) وقراءة العوامّ (مساكنهم) يريدون : منازلهم. وكلّ صواب. والفراء يقرأ قراءة يحيى.

__________________

(١) قرأت بذلك فرقة منهم عمر بن ثابت عن ابن جبير كما البحر ٧ / ٢٦٧.

(٢) هى قراءة الكسائي وخلف.

(٣) وكذا حفص.

٣٥٧

وقوله : (آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) والمعنى : عن أيمانهم وشمائلهم. والجنتان مرفوعتان لأنهما تفسير للآية. ولو كان أحد الحرفين (١) منصوبا بكان لكان صوابا.

وقوله : (وَاشْكُرُوا لَهُ) انقطع هاهنا الكلام (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) هذه بلدة طيّبة ليست بسبخة.

وقوله : (سَيْلَ الْعَرِمِ) [١٦] كانت مسنّاة (٢) كانت تحبس الماء على ثلاثة أبواب منها ، فيسقون من ذلك الماء من الباب الأول ، ثم الثاني ، ثم الآخر ، فلا بنفد حتى يثوب الماء من السّنة المقبلة. وكانوا أنعم قوم عيشا. فلمّا أعرضوا وجحدوا الرسل بثق الله عليهم المسنّاة ، فغرّقت أرضهم ودفن بيوتهم الرمل ، ومزّقوا كل ممزّق ، حتى صاروا مثلا عند العرب. والعرب تقول : تفرقوا أيادى سبا وأيدى سبا قال الشاعر (٣) :

عينا ترى النّاس إليها نيسبا

من صادر ووارد أيدى سبا

يتركون همزها لكثرة ما جرى على ألسنتهم ويجرون سبا ، ولا يجرون : من لم يجر ذهب إلى البلدة. ومن أجرى جعل سبا رجلا أو جبلا ، ويهمز. وهو فى القراءة كثير بالهمز لا أعلم أحدا ترك همزه أنشدنى :

الواردون وتيم فى ذرى سبأ

قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس

وقوله (ذَواتَيْ أُكُلٍ) يثقّل الأكل. وخفّفه بعض (٤) أهل الحجاز. وقد يقرأ بالإضافة (٥)

__________________

(١) يريد آية وجنتان. وقد قرأ ابن أبى عبلة «جنتين» كما فى البحر ٧ / ٢٧٠.

(٢) بناء فى الوادي ليرد الماء ، وفيه مفاتح للماء بقدر ما يحتاج إليه.

(٣) هو دكين الراجز. والنيسب : الطريق المستقيم الواضح يريد سالكين هذا الطريق. وفى اللسان (نسب) عن ابن برى أن الذي فى رجز دكين :

ملكا ترى الناس إليه نيسبا

من داخل وخارج أيدى سبا

ويروى : من صادر أو وراد.

(٤) هما نافع وابن كثير مع التنوين.

(٥) هى قراءة أبى عمرو ويعقوب.

٣٥٨

وغير / ١٥٢ ب الإضافة. فأمّا الأعمش وعاصم (١) بن أبى النجود فثقّلا ولم يضيفا فنوّنا. وذكروا فى التفسير أنه (٢) البرير وهو ثمر الأراك. وأمّا الأثل فهو الذي يعرف ، شبيه بالطرفاء ، إلا أنه أعظم طولا.

وقوله : (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) قال الفراء ذكروا أنه السّمر واحدته سمرة.

وقوله : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [١٧] هكذا قرأه يحيى (٣) وأبو عبد الرحمن أيضا. والعوامّ (٤) : (وهل يجازى إلّا الكفور).

وقوله : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) موضع (ذلك) نصب ب (جزيناهم).

يقول القائل : كيف خصّ الكفور بالمجازاة والمجازاة للكافر وللمسلم وكلّ واحد؟ فيقال : إن جازيناه بمنزلة كافأناه ، والسّيئة للكافر بمثلها ، وأمّا المؤمن فيجزى لأنه يزاد ويتفضّل عليه ولا يجازى. وقد يقال : جازيت فى معنى جزيت ، إلا أنّ المعنى فى أبين الكلام على ما وصفت لك ؛ ألا ترى أنه قد قال (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) ولم يقل (جازيناهم) وقد سمعت جازيت فى معنى جزيت وهى مثل عاقبت وعقبت ، الفعل منك وحدك. و (بناؤها) (٥) ـ يعنى ـ فاعلت على أن تفعل ويفعل بك.

وقوله : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) [١٨] جعل ما بين القرية إلى القرية نصف يوم ، فذلك تقديره للسير.

وقوله : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) [١٩] قراءة العوامّ. وتقرأ على الخبر (ربّنا بعّد بين أسفارنا) و (باعِدْ) وتقرأ على الدعاء (ربّنا بعّد) وتقرأ (ربّنا بعد بين أسفارنا) تكون

__________________

(١) وكذا ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر.

(٢) أي الخمط.

(٣) القراءة الآخرة «يجازى» بالياء لنافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر. والقراءة الأولى «نجازى» بالنون للباقين

(٤) القراءة الآخرة «يجازى» بالياء لنافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر. والقراءة الأولى «نجازى» بالنون للباقين

(٥) ا : «بناء».

٣٥٩

(بين) فى موضع رفع وهى منصوبة. فمن رفعها جعلها بمنزلة قوله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ)

وقوله : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) [٢٠] نصبت الظن بوقوع التصديق عليه. ومعناه أنه قال (فَبِعِزَّتِكَ (١) لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) قال الله : صدّق عليهم ظنّه لأنه إنما قاله بظنّ لا بعلم. وتقرأ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) نصبت الظن على قوله : ولقد صدق عليهم فى ظنّه. ولو قلت : ولقد صدق عليهم إبليس ظنّه ترفع إبليس والظنّ كان صوابا على التكرير : صدق عليهم ظنّه ، كما قال (يَسْئَلُونَكَ (٢) عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) يريد : عن قتال فيه ، وكما قال (ثُمَ (٣) عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) ولو قرأ قارئ ولقد صدق عليهم إبليس ظنّه يريد : صدقه ظنّه عليهم كما تقول صدقك ظنّك والظنّ يخطىء ويصيب.

وقوله : (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) [٢١] يضلّهم به حجّة ، إلّا أنّا سلّطناه عليهم لنعلم من يؤمن بالآخرة.

فإن قال قائل : إنّ الله يعلم أمرهم بتسليط إبليس وبغير تسليطه. قلت : مثل هذا كثير فى القرآن. قال الله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ (٤) حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) وهو يعلم المجاهد والصّابر بغير ابتلاء ، ففيه وجهان. أحدهما أنّ العرب تشترط للجاهل إذا كلّمته بشبه هذا شرطا تسنده إلى أنفسها وهى عالمة ؛ ومخرج الكلام كأنه لمن لا يعلم. من ذلك أن يقول القائل : النّار تحرق الحطب فيقول الجاهل : بل الحطب يحرق النار ، ويقول العالم : سنأتى بحطب ونار لنعلم أيّهما يأكل صاحبه فهذا وجه بيّن. والوجه / ١٥٣ ا الآخر أن تقول (لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) معناه : حتى نعلم عندكم (٥) فكأن الفعل لهم فى الأصل. ومثله مما يدلّك عليه قوله (وَهُوَ الَّذِي (٦)

__________________

(١) الآيتان ٨٢ ، ٨٣ سورة ص

(٢) الآية ٢١٧ سورة البقرة.

(٣) الآية ٧١ سورة المائدة.

(٤) الآية ٣١ سورة محمد.

(٥) أي فى المتعارف عندكم أن العلم يكون بوسيلة تؤدى إليه.

(٦) الآية ٢٧ سورة الروم.

٣٦٠