معاني القرآن - ج ٢

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥

وذلك أنه فى المعنى : وإذا نفخ فى الصّور ففزع ؛ ألا ترى أن قولك. أقوم يوم تقوم كقولك : أقوم إذا تقوم ، فأجيبت بفعل ، لأن فعل ويفعل تصلحان مع إذا. فإن قلت فأين جواب قوله (ويوم ينفخ فى الصّور)؟ قلت : قد يكون فى فعل مضمر مع الواو كأنه قال : وذلك يوم ينفخ فى الصور. وإن شئت قلت : جوابه متروك كما قال (وَلَوْ تَرى (١) إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ).

وقوله (وَلَوْ يَرَى (٢) الَّذِينَ ظَلَمُوا) [٨٧] قد ترك جوابه. والله أعلم.

وقوله (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) القرّاء على تطويل الألف يريدون : فاعلوه. وقصرها (٣) حمزة حدّثنا أبو العبّاس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء حدثنى عدة منهم المفضل الضبي وقيس وأبو بكر كلهم عن جحش بن زياد الضبىّ عن تميم بن حذلم قال : قرأت على عبد الله بن مسعود (وكلّ آتوه داخرين) بتطويل الألف. فقال (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) بغير تطويل الألف وهو وجه حسن مردود على قوله (فَفَزِعَ) كما تقول فى الكلام : رآنى ففرّ وعاد وهو صاغر. فكان ردّ فعل على مثلها أعجب إلىّ مع قراءة عبد الله. حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال وحدثنى عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن تميم عن عبد الله بمثل حديث أبى بكر وأصحابه.

وقوله : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) [٨٩] قراءة القراء بالإضافة. فقالوا (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) و (يَوْمَئِذٍ) وقرأ عبد الله بن مسعود فى إسناد بعضهم بعض الذي حدثتك (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) قرأها عليهم تميم هكذا (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) فأخذها بالتنوين والنصب. والإضافة أعجب إلىّ وإن كنت أقرأ بالنصب لأنه فزع معلوم ، ألا ترى أنه قال (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) فصيّره ١٣٩ ا معرفة. فأن أضيفه فيكون معرفة أعجب إلىّ. وهو صواب.

وقوله : (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) [٩٢] وفى إحدى القراءتين (وأن اتل) بغير واو مجزومة على جهة

__________________

(١) الآية ٥١ سورة سبأ.

(٢) الآية ١٦٥ سورة البقرة.

(٣) وكذا حفص وخلف ، وافقهم الأعمش.

٣٠١

الأمر. قد أسقطت منها الواو للجزم على جهة الأمر ؛ كما قال (قُلْ إِنِّي (١) أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ) فجعل الواو مردودة بالنهى على حرف قد نصب بأن ؛ لأن المعنى يأتى فى (أمرت) بالوجهين جميعا ، ألا ترى أنك تقول : أمرت عبد الله أن يقوم ، وأن قم. وقال الله (وَأُمِرْنا (٢) لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) فهذا مثل قوله (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ).

سورة القصص

ومن سورة القصص بسم الله الرحمن الرحيم

قوله : ويرى (فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) [٦] هكذا قراءة أصحاب (٣) عبد الله بالياء والرفع.

والناس بعد يقرءونها (٤) بالنّون : (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) بالنصب. ولو قرئت بالياء ونصب فرعون ، يريد : ويرى الله فرعون كان الفعل لله. ولم أسمع أحدا قرأ به.

وقوله : (عَدُوًّا وَحَزَناً) [٨] هذه لأصحاب (٥) عبد الله والعوامّ (حزنا) وكأن الحزن الاسم والغمّ وما أشبهه ، وكأنّ الحزن مصدر. وهما بمنزلة العدم والعدم.

وقوله : (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) [٩] رفعت (قُرَّتُ عَيْنٍ) بإضمار (هو) ومثله فى القرآن كثير يرفع بالضمير.

وقوله : (لا تَقْتُلُوهُ) وفى قراءة عبد الله (لا تقتلوه قرّة عين لى ولك) وإنما ذكرت هذا لأنى سمعت الذي يقال له ابن مروان السّدّىّ يذكر عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس أنه قال : إنها قالت (قرة عين لى ولك لا) وهو لحن (٦). ويقوّيك على ردّه قراءة عبد الله.

__________________

(١) الآية ١٤ سورة الأنعام

(٢) الآية ٧١ سورة الأنعام

(٣) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش

(٤) ا : «يقرءون»

(٥) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش.

(٦) أي لمخالفته رسم المصحف

٣٠٢

وقوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يعنى بنى إسرائيل. فهذا وجه (١). ويجوز أن يكون هذا من قول الله. وهم لا يشعرون بأن موسى هو الذي يسلبهم ملكهم.

وقوله : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) [١٠] قد فرغ لهمّه ، فليس يخلط همّ موسى شىء وقوله (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) يعنى باسم موسى أنه ابنها وذلك أن صدرها ضاق بقول آل فرعون : هو ابن فرعون ، فكادت تبدى [به] أي تظهره. وفى قراءة عبد الله (إن كادت لتشعر به) وحدّثنا أبو العبّاس قال حدّثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال : حدّثنى ابن أبى يحيى بإسناد له أن فضالة بن عبيد الأنصارىّ من أصحاب النبىّ عليه‌السلام قرأ (وأصبح فؤاد أمّ موسى فزعا (٢)) من الفزع.

وقوله : (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) [١١] قصّى أثره. (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ). يقول : كانت على شاطىء البحر حتّى رأت آل فرعون قد التقطوه. وقوله (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يعنى آل فرعون لا يشعرون بأخته.

وقوله : وحرّمنا عليه المراضع يقول : منعناه من قبول ثدى إلّا ثدى أمّه.

وقوله : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) [١٥] وإنما قال (على) ولم يقل : ودخل المدينة حين غفلة ، وأنت تقول : دخلت المدينة حين غفل أهلها ، ولا تقول : دخلتها على حين غفل أهلها. وذلك أنّ الغفلة كانت تجزئ من الحين ، ألا ترى أنك تقول : دخلت على غفلة وجئت على غفلة ، فلمّا كان (حين) كالفضل فى الكلام ، والمعنى : فى غفلة أدخلت فيه (على) ولو لم تكن كان صوابا. ومثله قول الله (عَلى فَتْرَةٍ (٣) مِنَ الرُّسُلِ) ولو كان على حين فترة من الرسل لكان بمنزلة هذا. ومثله قوله العجير :

 ..... ومن يكن

فتى عام عام الماء فهو كبير (٤)

__________________

(١) ا ، ب : «وجهه»

(٢) في الطبري : «فازعا»

(٣) الآية ١٩ سورة المائدة

(٤) البيت بتمامه ـ كما فى اللسان ـ :

رأتنى تحادبت الغداة ومن يكن

فتى عام عام الماء فهو كبير

٣٠٣

كذلك أنشدنى العقيلىّ. فالعام الأول فضل.

وقوله : (فَوَكَزَهُ مُوسى) يريد : فلكزه (١). وفى قراءة عبد الله (فنكزه) ووهزه أيضا لغة. كلّ سواء. وقوله (فَقَضى عَلَيْهِ) يعنى قتله.

وندم (٢) موسى فاستغفر الله فغفر له.

وقوله : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) [١٧] قال ابن عبّاس : لم يستثن فابتلى ، فجعل (لن) خبرا لموسى. وفى قراءة عبد الله (فلا تجعلنى ظهيرا) فقد تكون (لن أكون) على هذا المعنى دعاء من موسى : اللهمّ لن أكون لهم ظهيرا فيكون دعاء وذلك أنّ الذي من شيعته لقيه رجل بعد قتله الأوّل فتسخّر الذي من شيعة موسى ، فمرّ به موسى على تلك الحال فاستصرخه ـ يعنى استغاثه ـ فقال له موسى : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي قد قتلت بالأمس رجلا فتدعونى (٣) إلى آخر. وأقبل إليهما فظنّ الذي من شيعته أنه يريده. فقال (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) ولم يكن فرعون علم من قتل القبطىّ الأوّل. فترك القبطي الثاني صاحب موسى من يده وأخبر بأن موسى القاتل. فذلك قول ابن عبّاس : فابتلى بأن صاحبه الذي دلّ عليه.

وقوله : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) [٢٢] يريد : قصد ماء مدين. ومدين لم تصرف لأنها اسم لتلك البلدة. وقال الشاعر (٤)

رهبان مدين لو رأوك تنزّلوا

والعصم من شعف العقول الفادر

وقوله (أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) : الطريق إلى مدين ولم يكن هاديا (٥) لطريقها.

__________________

(١) هو الضرب بجمع الكف

(٢) هذا تفسير للآية ١٦ (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ)

(٣) ا : «وتدعونى»

(٤) هو كثير كما فى معجم البلدان (مدين). والعصم جمع الأعصم وهو الوعل. والعقول جمع عقل وهو الملجأ.

وشعف العقول رءوسها وأعاليها. والفادر : الوعل المسن أو الشاب. وكأنه من صفة العصم فيكون مرفوعا. وقد جاء صفة للجمع لما كان الجمع على زنة المفرد.

(٥) أي مهتديا

٣٠٤

وقوله عزوجل. ووجد من دونهم امرأتين تذودان [٢٣] : تحبسان غنمهما. ولا يجوز أن تقول ذدت الرجل : حبسته. وإنما كان الذّياد حبسا للغنم لأن الغنم والإبل إذا أراد شىء منها أن يشذّ ويذهب فرددته فذلك ذود ، وهو الحبس. وفى قراءة عبد الله (ودونهم امرأتان حابستان) فسألهما عن حبسهما فقالتا : لا نقوى على السقي مع الناس حتى يصدروا. فأتى أهل الماء فاستوهبهم دلوا فقالوا : استق إن قويت ، وكانت الدلو يحملها الأربعون ونحوهم. فاستقى هو وحده ، فسقى غنمهما ، فذلك قول إحدى الجاريتين (إِنَّ خَيْرَ (١) مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فقوّته إخراجه الدلو وحده ، وأمانته أنّ إحدى الجاريتين قالت : إن أبى يدعوك ، فقام معها فمرّت بين يديه ، فطارت الريح بثيابها فألصقتها بجسدها ، فقال لها : تأخّرى فإن ضللت فدلّينى. فمشت خلفه فتلك أمانته.

وقوله : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) [٢٧] يقول : أن تجعل ثوابى أن ترعى علىّ غنمى ثمانى حجج (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) يقول : فهو تطوّع. فذكر ابن عباس أنه قضى أكثر الأجلين وأطيبهما.

وقوله : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) [٢٨] فجعل (ما) وهى صلة من صلات الجزاء مع (أىّ) وهى فى قراءة عبد الله (أىّ الأجلين ما قضيت فلا عدوان علىّ) وهذا أكثر فى كلام العرب من الأوّل.

وقال الشاعر :

وأيّهما ما أتبعنّ فإننى

حريص على إثر الذي أنا تابع

وسمع الكسائىّ أعرابيّا يقول : فأيّهم ما أخذها ركب على أيّهم ، يريد فى لعبة لهم. وذلك جائز أيضا حسن.

وقوله : (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ) [٢٩] قرأها عاصم (أو جذوة) بالفتح والقراءة بكسر (٢) الجيم

__________________

(١) فى الآية ٢٦ سورة القصص

(٢) الرفع لحمزة وخلف وافقهما الأعمش. والكسر لغير عاصم وهؤلاء.

٣٠٥

أو ١٤٠ ا برفعها. وهى مثل أوطأتك عشوة وعشوة وعشوة والرّغوة والرّغوة والرّغوة. ومنه ربوة وربوة وربوة.

وقوله : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) [٣٢] و (الرّهب) قرأها أهل المدينة (الرّهب) وعاصم (١) والأعمش (الرّهب).

وقوله : (رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) [٣٤] تقرأ جزما ورفعا (٢). من رفعها جعلها صلة للردء ومن جزم فعلى الشرط. والرّدء : العون. تقول : أردأت الرجل : أعنته. وأهل المدينة يقولون (ردا يصدّقنى) بغير همز والجزم على الشرط : أرسله معى يصدّقنى مثل (يَرِثُنِي (٣) وَيَرِثُ).

وقوله : (فَذانِكَ بُرْهانانِ) [٣٢] اجتمع القراء (٤) على تخفيف النون من (ذانك) وكثير من العرب يقول (فذانّك) و (هذانّ) قائمان (وَالَّذانِ (٥) يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) فيشدّدون النون.

وقوله : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) يريد عصاه فى هذا الموضع. والجناح فى الموضع الآخر : ما بين أسفل العضد إلى الرّفع وهو الإبط.

وقوله : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) [٣٨] يقول : اطبخ لى الآجر وهو الأجور والآجرّ. وأنشد :

كأنّ عينيه من الغوّور

قلتان فى جوف صفا منقور

عولى بالطين وبالأجور (٦)

وقوله : قالوا سحران تظاهر [٤٨] يعنون التوراة والقرآن ، ويقال (ساحران تظاهرا) يعنون محمّدا وموسى صلى الله عليهما وسلم. وقرأ عاصم (٧) والأعمش (سِحْرانِ).

__________________

(١) أي فى رواية أبى بكر. فأما فى رواية حفص فيفتح الراء وسكون الهاء

(٢) الرفع لحمزة وعاصم. والجزم للباقين

(٣) الآية ٦ سورة مريم

(٤) هذا فيما يلغه. وقد قرأ بالتشديد ابن كثير وأبو عمر ورويس راوى يعقوب

(٥) الآية ١٦ سورة النساء وقد قرأ بالتشديد ابن كثير

(٦) هذا الرجز فى وصف بعير. والقلت : النقرة فى الجبل تمسك الماء. والصفا : الحجر الصلد الضخم لا ينبت

(٧) وكذا حمزة والكسائي

٣٠٦

حدّثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال حدثنا الفراء ، قال وحدّثنى غير واحد عن إسماعيل ابن أبى خالد عن أبى رزين أنه قرأ (سحران تظاهرا).

قال : وقال سفيان بن عيينة عن حميد قال : قال مجاهد : سألت ابن عباس وعنده عكرمة فلم يجبنى ، فلمّا كانت (١) فى الثالثة قال عكرمة أكثرت عليه (ساحران تظاهرا) فلم ينكر ابن عباس ، أو قال : فلو أنكرها لغيّرها. وكان عكرمة يقرأ (سِحْرانِ) بغير ألف ويحتجّ بقوله : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ) وقرأها أهل المدينة والحسن (ساحران تظاهرا).

وقوله : (أَتَّبِعْهُ) [٤٩] رفع (٢) لأنها صلة للكتاب لأنه نكرة وإذا جزمت (٣) ـ وهو الوجه ـ جعلته شرطا للأمر.

وقوله : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) [٥١] يقول : أنزلنا عليهم القرآن يتبع بعضه بعضا.

وقوله : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) [٥٣] يقال : كيف أسلموا قبل القرآن وقبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ وذلك (٤) أنهم كانوا يجدون صفة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كتابهم فصدّقوا به. فذلك إسلامهم.

و (مِنْ قَبْلِهِ) هذه الهاء للنبى عليه‌السلام. ولو كانت الهاء كناية عن القرآن كان صوابا ، لأنهم قد قالوا : إنه الحقّ من ربّنا ، فالهاء هاهنا أيضا تكون للقرآن ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [٥٦] يكون الحبّ على جهتين هاهنا :

إحداهما : إنك لا تهدى من تحبّه للقرابة.

والوجه الآخر يريد : إنك لا تهدى من أحببت أن يهتدى ؛ كقولك : إنك لا تهدى من تريد ، كما تراه كثيرا فى التنزيل (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أن يهديه.

__________________

(١) كأنه يريد : فلما كانت المسألة.

(٢) هذا فى الآية التالية ٤٩. وفى ا بعد تلاوة الآية : «جزم» يريد الجزم فى «أتبعه»

(٣) الرفع قراءة زيد بن على كما فى البحر المحيط. وهى قراءة شاذة. والجزم هو القراءة المعول عليها.

(٤) هذا شروع فى الجواب عن السؤال

٣٠٧

وقوله : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) [٥٧] قالت قريش : يا محمد ما يمنعنا أن نؤمن بك ونصدّقك إلّا أن العرب على ديننا ، فنخاف أن نصطلم (١) إذا آمنّا بك. فأنزل الله (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) نسكنهم (حَرَماً آمِناً) لا يخاف من دخله أن يقام عليه حدّ ولا قصاص فكيف يخافون أن تستحلّ العرب قتالهم فيه.

وقوله : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) و (تجبى (٢)) ذكّرت يجبى ، وإن كانت الثمرات مؤنثة لأنك فرقت بينهما بإليه ، كما قال الشاعر :

١٤٠ ب إنّ امرأ غرّه منكنّ واحدة

بعدي وبعدك فى الدنيا لمغرور

وقال آخر (٣) :

لقد ولد الأخيطل أمّ سوء

على قمع استها صلب وشام

وقوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [٥٨] بطرتها : كفرتها وخسرتها ونصبك المعيشة من جهة قوله (إِلَّا مَنْ (٤) سَفِهَ نَفْسَهُ) إنما المعنى والله أعلم ـ أبطرتها معيشتها ؛ كما تقول :

أبطرك مالك وبطرته ، وأسفهك رأيك فسفهته. فذكرت المعيشة لأن الفعل كان لها فى الأصل ، فحوّل إلى ما أضيفت (٥) إليه. وكأنّ نصبه كنصب قوله (فَإِنْ طِبْنَ (٦) لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) ألا ترى أن الطيب كان للنفس ، فلمّا حوّلته إلى صاحب النفس خرجت النفس منصوبة لتفسّر معنى الطيب. وكذلك ضقنا به ذرعا إنما كان المعنى : ضاق به ذرعنا.

__________________

(١) الاصطلام : الاستئصال.

(٢) هى قراءة نافع وأبى جعفر ورويس راوى يعقوب

(٣) هو جرير يهجو الأخطل. والقمع بزنة عتب وضرب : ما يوضع فى فم السقاء ونحوه ثم يصب فيه الماء والشراب ، استعاره لفرجة الاست. والصلب جمع صليب. والشام جمع شامة وهى علامة تخالف البدن وكانت أم الأخطل كالأخطل نصرانية

(٤) الآية ١٣٠ سورة البقرة

(٥) ا «أضيف»

(٦) الآية ٤ سورة النساء

٣٠٨

وقوله : (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً) معناه : خربت من بعدهم فلم يعمر منها إلّا القليل ، وسائرها خراب. وأنت ترى اللفظ كأنها سكنت قليلا ثم تركت ، والمعنى على ما أنبأتك به مثله : ما أعطيتك دراهمك إلّا قليلا ، إنما تريد : إلّا قليلا منها.

وقوله : (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) [٥٩] أمّ القرى مكّة. وإنما سمّيت أمّ القرى لأن الأرض ـ فيما ذكروا ـ دحيت من تحتها.

وقوله : (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) (١) [٦٦] يقول القائل : قال الله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) كيف قال هنا : (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) فإن التفسير يقول : عميت عليهم الحجج يومئذ فسكتوا فذلك قوله (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) فى تلك السّاعة ، وهم لا يتكلّمون.

قوله : (فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) [٦٧] وكلّ شىء فى القرآن من (عسى) فذكر لنا أنها واجبة.

وقوله : (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [٦٨] يقال (٢) الخيرة والخيرة والطّيرة والطّيرة. والعرب تقول : أعطنى الخيرة منهن والخيرة منهن والخيرة وكلّ ذلك الشيء المختار من رجل أو امرأة أو بهيمة ، يصلح إحدى هؤلاء الثلاث فيه.

وقوله : (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) [٧١] دائما لانهار معه. ويقولون : تركته سرمدا سمدا ، إتباع.

وقوله : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) [٧٣]. إن شئت جعلت الهاء راجعة على الليل خاصّة وأضمرت للابتغاء هاء أخرى تكون للنهار ، فذلك جائز. وإن شئت جعلت الليل والنهار كالفعلين لأنهما ظلمة وضوء ، فرجعت الهاء فى (فيه) عليهما جميعا ، كما تقول :

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة الصافات ، والآية ٢٥ سورة الطور

(٢) فى اللسان فى نقل عبارة الفراء. قبل هذا الكلام : «أي ليس لهم أن يختاروا على الله» وكان هذا من نسخة غير ما وقع لنا.

٣٠٩

إقبالك وإدبارك يؤذينى ؛ لأنهما فعل والفعل يردّ كثيره وتثنيته إلى التوحيد ، فيكون ذلك صوابا.

وقوله : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ) [٧٦] وكان ابن عمّه (فَبَغى عَلَيْهِمْ) وبغيه عليهم أنه قال : إذا كانت النبوّة لموسى ، وكان المذبح والقربان الذي يقرّب فى يد هارون فما لى؟

وقوله : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) نوؤها بالعصبة أن تثقلهم ، والعصبة هاهنا أربعون رجلا ومفاتحه : خزائنه. والمعنى : ما إن مفاتحه لتنىء العصبة أي تميلهم من ثقلها فإذا أدخلت الباء قلت : تنوء بهم وتنىء بهم ، كما قال (آتُونِي (١) أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) والمعنى : ائتوني بقطر أفرغ عليه ، فإذا حذفت الباء زدت فى الفعل ألفا فى أوّله. ومثله (فَأَجاءَهَا (٢) الْمَخاضُ) معناه : فجاء بها المخاض. وقد قال رجل من أهل العربيّة : إن المعنى (٣) : ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه فحوّل الفعل إلى المفاتح كما قال الشاعر :

إن سراجا لكريم مفخره

تحلى به العين إذا ما تجهره (٤)

وهو الذي يحلى بالعين. فان كان سمع بهذا أثرا فهو وجه. وإلّا فإنّ الرجل جهل المعنى. ولقد أنشدنى بعض العرب :

حتى إذا ما التأمت مواصله

وناء فى شقّ الثّمال كاهله

يعنى الرامي لمّا أخذ القوس ونزع مال على شقّه. فذلك نوؤه عليها. ونرى أن قول العرب : ما ساءك وناءك من ذلك ، ومعناه ما ساءك وأناءك ، إلّا أنّه ألقى الألف ؛ لأنه متبع لساءك ، كما قالت العرب : أكلت طعاما فهنأنى ومرأنى ، ومعناه ، إذا أفردت : وامرأني ، فحذفت منه الألف لمّا أن أتبع ما لا ألف فيه.

__________________

(١) الآية ٩٦ سورة الكهف.

(٢) الآية ٢٣ سورة مريم.

(٣) انظر ص ٩٩ ، ١٣١ من الجزء الأول.

(٤) يريد أنه خرجه على القلب.

٣١٠

وقوله : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ) ذكروا أن موسى الذي قال له ذلك ؛ لأنه من قومه وإن كان على غير دينه. وجمعه هاهنا وهو واحد كقول الله (الَّذِينَ (١) قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) وإنما كان رجلا من أشجع وقوله (الْفَرِحِينَ) ولو قيل : الفارحين كان صوابا ، كأنّ الفارحين : الذين يفرحون فيما يستقبلون ، والفرحين الذين هم فيه السّاعة ، مثل الطامع والطمع ، والمائت والميّت ، والسّالس والسّلس. أنشدنى بعض بنى دبير ، وهم فصحاء بنى أسد :

ممكورة غرثى الوشاح السّالس

تضحك عن ذى أشر عضارس (٢)

العضارس البارد وهو مأخوذ من العضرس وهو البرد. يقال : سالس وسلس.

وقوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [٧٨] : على فضل عندى ، أي كنت أهله ومستحقّا له ، إذ أعطيته لفضل علمى. ويقال : (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) ثم قال (عِنْدِي) أي كذاك أرى كما قال (إِنَّما أُوتِيتُهُ (٣) عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ).

وقوله : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) يقول : لا يسأل المجرم عن ذنبه. الهاء والميم للمجرمين. يقول : يعرفون بسيماهم. وهو كقوله : (فَيَوْمَئِذٍ (٤) لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) ثم بيّن فقال : (يُعْرَفُ (٥) الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ)

وقوله : (وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) [٨٠] يقول : ولا يلقّى أن يقول ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا إلّا الصابرون. ولو كانت : ولا يلقّاه لكان صوابا ؛ لأنه كلام والكلام يذهب به إلى التأنيث والتذكير. وفى قراءة عبد الله (بل هى آيات بيّنات) وفى قراءتنا (بل هو (٦) آيات) فمن قال

__________________

(١) الآية ١٧٣ سورة آل عمران.

(٢) الممكورة : الحسنة الساقين. وغرثى الوشاح : «خميصة البطن دقيقة الخصر». والسالس : اللين. والأشر : تحزيز الأسنان. ويريد بذي أشر ثغرها.

(٣) الآية ٤٩ سورة الزمر.

(٤) الآية ٣٩ سورة الرحمن.

(٥) الآية ٤١ سورة الرحمن.

(٦) الآية ٤٩ سورة العنكبوت.

٣١١

(هى) ذهب إلى الآيات ، ومن قال (هو) ذهب إلى القرآن. وكذلك (تِلْكَ (١) مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ (٢)) ومثله فى الكلام : قد غمّنى ذاك وغمّتنى تلك منك.

وقوله : (وَيْكَأَنَّ اللهَ) [٨٢] فى كلام العرب تقرير. كقول الرجل : أما ترى إلى صنع الله.

وأنشدنى :

ويكأن من يكن له نشب يح

بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (٣)

قال الفراء : وأخبرنى شيخ من أهل البصرة قال : سمعت أعرابيّة تقول لزوجها : أين ابنك ويلك؟ فقال : ويكأنّه وراء البيت. معناه : أما ترينه وراء البيت. وقد يذهب بعض النحويّين إلى أنهما كلمتان يريد ويك أنّه ، أراد ويلك ، فحذف اللام وجعل (أنّ) مفتوحة بفعل مضمر ، كأنه قال : ويلك أعلم أنه وراء البيت ، فأضمر (اعلم). ولم نجد العرب تعمل الظنّ والعلم بإضمار مضمر فى أنّ. وذلك أنه يبطل إذا كان بين الكلمتين أو فى آخر ١٤١ ب الكلمة ، فلمّا أضمره جرى مجرى الترك ؛ ألا ترى أنه لا يجوز فى الابتداء أن تقول : يا هذا أنك قائم ، ولا يا هذا أن قمت تريد : علمت أو أعلم أو ظننت أو أظنّ. وأمّا حذف اللام من (ويلك) حتى تصير (ويك) فقد تقوله العرب لكثرتها فى الكلام قال عنترة :

ولقد شفى نفسى وأبرأ سقمها

قول الفوارس ويك عنتر أقدم (٤)

وقد قال آخرون : إن معنى (وَيْكَأَنَّ) أنّ (وى) منفصلة من (كأنّ) كقولك للرجل : وى ، أما ترى ما بين يديك ، فقال : وى ، ثم استأنف (كأنّ) يعنى (كأن الله يبسط الرزق) وهى تعجّب ، و (كأنّ) فى مذهب الظنّ والعلم. فهذا وجه مستقيم. ولم تكتبها العرب منفصلة ،

__________________

(١) الآية ٤٩ سورة هود.

(٢) الآية ٤٤ سورة آل عمران.

(٣) فى اللسان (وى) أنه لزيد بن عمرو بن نفيل. ويقال لنبيه بن الحجاج. والنشب : المال والعقار.

(٤) هذا من معلقته.

٣١٢

ولو كانت على هذا لكتبوها منفصلة. وقد يجوز أن تكون كثر (١) بها الكلام فوصلت بما ليست منه ؛ كما اجتمعت العرب على كتاب (يا بن أمّ) (يا بنؤمّ) (٢) قال : وكذا رأيتها فى مصحف عبد الله. وهى فى مصاحفنا أيضا.

وقوله : (لَخَسَفَ بِنا) [٨٢] قراءة العامة (لَخَسَفَ) وقد قرأها شيبة (٣) والحسن ـ فيما أعلم ـ (لَخَسَفَ بِنا) وهى فى قراءة عبد الله (لا نخسف بنا) فهذا حجّة لمن قرأ (لخسف).

وقوله : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ) [٨٥].

يقول : أنزل عليك القرآن (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) ذكروا أن جبريل قال يا محمّد أشتقت إلى مولدك ووطنك؟ قال : نعم. قال فقال له ما أنزل عليه (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) يعنى إلى مكّة. والمعاد هاهنا إنما أراد به حيث ولدت وليس من العود (٤). وقد يكون أن يجعل قوله (لَرادُّكَ) لمصيرك إلى أن تعود إلى مكّة مفتوحة لك فيكون المعاد تعجّبا (إِلى مَعادٍ) أيّما معاد! لما وعده من فتح مكّة.

وقوله : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [٨٦] : إلّا أن ربّك رحمك (فأنزل (٥) عليك) فهو استثناء منقطع. ومعناه : وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولين وقصصهم تتلوها على أهل مكّة ولم تحضرها ولم تشهدها. والشاهد على ذلك قوله فى هذه السّورة (وَما كُنْتَ ثاوِياً (٦) فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي إنك تتلو على أهل مكّة قصص مدين وموسى ولم تكن هنالك ثاويا مقيما فنراه وتسمعه. وكذلك قوله (وَما كُنْتَ (٧) بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ) وهأنت ذا تتلو قصصهم وأمرهم. فهذه الرّحمة من ربّه.

__________________

(١) ش : «أكثر».

(٢) فى الآية ٩٤ سورة طه.

(٣) وهى قراءة حفص ويعقوب.

(٤) فى الطبري أنّه على هذا من العادة أي لرادك إلى عادتك من الموت أو حيث ولدت.

(٥) سقط فى ا :

(٦) الآية ٤٥.

(٧) الآية ٤٤.

٣١٣

وقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [٨٨] إلّا هو.

وقال الشاعر :

أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل

أي إليه أوجّه عملى.

سورة العنكبوت

ومن سورة العنكبوت : بسم الله الرحمن الرحيم

قوله : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [٢] (يتركوا) (١) يقع فيها لام الخفض ، فإذا نزعتها منها كانت منصوبة. وقلّما يقولون : تركتك أن تذهب ، إنما يقولون : تركتك تذهب. ولكنها جعلت مكتفية بوقوعها على الناس وحدهم. وإن جعلت (حَسِبَ) مكرورة عليها كان صوابا ؛ كأنّ المعنى : أحسب الناس أن يتركوا ، أحسبوا (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ).

وقوله : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ) [١٢] هو أمر فيه تأويل جزاء ، كما أن قوله (ادْخُلُوا (٢) مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) نهى فيه تأويل الجزاء. وهو كثير فى كلام العرب.

قال الشاعر (٣) :

فقلت ادعى وأدع فإنّ أندى

لصوت أن ينادى داعيان

أراد : ادعى ولأدع فإن أندى. فكأنه قال : إن دعوت دعوت.

وقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) [١٣] يعنى أوزارهم ١٤٢ ا (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) يقول : أوزار من أضلّوا.

__________________

(١) كذا. والصواب : «أن يقولوا». والأصل : «لأن يقولوا».

(٢) الآية ١٨ سورة النمل.

(٣) هو مدثار بن شيبان النمري. وقبله.

تقول خليلتى لما اشتكينا

سيدركنا بنو القرم الهجان

ويقال فلان : أندى صوتا أي أبعد مذهبا وأرفع صوتا وانظر اللسان (ندى).

٣١٤

وقوله : (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [١٧] (إنّما) فى هذا الموضع حرف واحد ، وليست على معنى (الذي) (وتخلقون إفكا) مردودة على (إنّما) كقولك : إنما تفعلون كذا ، وإنما تفعلون كذا. وقد اجتمعوا على تخفيف (تَخْلُقُونَ) إلّا أبا عبد الرحمن السّلمىّ فإنه قرأ (وتخلّقون إفكا) ينصب التاء ويشدّد اللام وهما فى المعنى سواء.

وقوله : (النَّشْأَةَ) [٢٠] القراء مجتمعون على جزم الشين وقصرها ، إلا الحسن (١) البصرىّ فإنه مدّها فى كل القرآن فقال (النشاءة) ومثلها مما تقوله العرب الرأفة ، والرآفة ، والكأبة والكآبة كلّ صواب.

وقوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [٢٢] يقول : القائل : وكيف وصفهم أنهم لا يعجزون فى الأرض ولا فى السماء ، وليسوا من أهل السّماء؟ فالمعنى ـ والله أعلم ـ ما أنتم بمعجزين فى الأرض ولا من فى السّماء بمعجز. وهو من غامض العربيّة للضمير الذي لم يظهر فى الثاني.

ومثله قول حسّان :

أمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء (٢)

أراد : ومن ينصره ويمدحه فأضمر (من) وقد يقع فى وهم السّامع أن المدح والنصر لمن هذه الظاهرة. ومثله فى الكلام : أكرم من أتاك وأتى أباك ، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدا ، تريد : ومن لم يأت زيدا.

وقوله : (وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) [٢٥] نصبها حمزة (٣) وأضافها ؛ ونصبها عاصم (٤) وأهل المدينة ، ونوّنوا فيها (أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) ورفع ناس منهم الكسائىّ بإضافة. وقرأ الحسن (مودّة بينكم) يرفع ولا يضيف. وهى فى قراءة أبىّ (إنّما مودّة بينهم

__________________

(١) وكذا قرأ بالمد ابن كثير وأبو عمر ، وافقهما ابن محيصن واليزيدي.

(٢) ش : ب «فمن» فى مكان» أمن».

(٣) وكذا حفص عن عاصم ، ورسح عن يعقوب.

(٤) أي فى رواية أبى بكر.

٣١٥

فى الحياة الدّنيا) وفى قراءة عبد الله (إنّما مودّة بينكم) وهما شاهدان لمن رفع. فمن رفع فإنما يرفع بالصفة بقوله (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وينقطع الكلام عند قوله (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) ثم قال : ليست مودّتكم تلك الأوثان ولا عبادتكم إيّاها بشىء ، إنّما مودّة ما بينكم فى الحياة الدنيا ثم تنقطع. ومن نصب أوقع عليها الاتّخاذ : إنّما اتّخذتموها مودّة بينكم فى الحياة الدنيا. وقد تكون رفعا على أن تجعلها خبرا لما وتجعل (ما) على جهة (الذي) كأنك قلت : إن الذين اتخذتموهم أوثانا مودّة بينكم فتكون المودّة كالخبر ، ويكون (١) رفعها على ضمير (هي) كقوله (لَمْ يَلْبَثُوا (٢) إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) ثم قال (بَلاغٌ) أي هذا بلاغ ، ذلك بلاغ. ومثله (إِنَ (٣) الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) ثم قال (مَتاعٌ) (٤) (فِي الدُّنْيا) أي ذلك متاع فى الحياة الدنيا وقوله (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) : يتبرّأ بعضكم من بعض والعابد والمعبود فى النار.

وقوله : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) [٢٦] هذا من قيل إبراهيم. وكان مهاجره من حرّان إلى فلسطين.

وقوله : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) [٢٧] الثناء الحسن وأن أهل الأديان كلّهم يتولّونه. ومن أجره أن جعلت النبوّة والكتاب فى ذرّيته.

وقوله : (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) [٢٩] قطعه : أنهم كانوا يعترضون الناس من الطرق بعلمهم الخبيث ، يعنى اللواط. ويقال : وتقطعون السّبيل : تقطعون سبيل الولد بتعطيلكم / ١٤٢ النساء وقوله (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) فى مجالسكم. والمنكر منه الحذف (٥) ، والصفير ، ومضغ

__________________

(١) هذا وجه آخر للرفع :

(٢) الآية ٣٥ سورة الأحقاف.

(٣) الآية ٦٩ سورة يونس.

(٤) الآية ٧٠ سورة يونس.

(٥) هو الرمي بحصاة أو نوى أو نحوهما ، تأخذ بين سبابتيك تحذف به أو بمخذفة من خشب.

٣١٦

العلك ، وحلّ أزرار الأقبية والقمص ، والرمي بالبندق (١). ويقال (٢) : هى ثمانى عشرة خصلة من قول الكلبىّ لا أحفظها. وقال غيره : هى عشر.

وقوله : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [٣٨] فى دينهم. يقول : ذوو بصائر.

وقوله : (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) [٤١] ضربه مثلا لمن اتّخذ من دون الله وليّا أنه لا ينفعه ولا يضرّه ، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرّا ولا بردا. والعنكبوت أنثى. وقد يذكّرها بعض العرب. قال الشاعر :

على هطّالهم منهم بيوت

كأنّ العنكبوت هو ابتناها (٣)

وقوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) [٤٥]. يقول : ولذكر الله إيّاكم بالثواب خير من ذكركم إيّاه إذا انتهيتم. ويكون : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر وأحقّ أن ينهى.

وقوله : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [٤٧] بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ويقال : إنه عبد الله بن سلام (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) يعنى الذين آمنوا من أهل مكّة.

وقوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ) [٤٨] من قبل القرآن (مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) ولو كنت كذلك (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) يعنى النصارى الذين وجدوا صفته ويكون (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي لكان أشدّ لريبة من كذّب من أهل مكّة وغيرهم.

ثم قال : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ) [٤٩] يريد القرآن وفى قراءة عبد الله (بل هى آيات) يريد : بل آيات القرآن آيات بيّنات : ومثله (هذا بَصائِرُ (٤) لِلنَّاسِ) ولو كانت هذه بصائر للناس كان صوابا.

ومثله (هذا (٥) رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) لو كان : هذه رحمة لجاز.

__________________

(١) البندق كرات من طين يرمى بها.

(٢) ش : «قال» أي الفراء.

(٣) هطال : جبل. وقد كتب فى ا فوق (هطالهم) : «جبلهم».

(٤) الآية ٢٠ سورة الجاثية.

(٥) الآية ٩٨ سورة الكهف.

٣١٧

وقوله : (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) [٥٣] يقول : لو لا أن الله جعل عذاب هذه الأمّة مؤخّرا إلى يوم القيامة ـ وهو الأجل ـ لجاءهم العذاب. ثم قال (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) يعنى القيامة فذكّر لأنه يريد عذاب القيامة. وإن شئت ذكّرته على تذكير الأجل. ولو كانت ولتأتينّهم كان صوابا يريد القيامة والسّاعة.

وقوله : (وَيَقُولُ ذُوقُوا) [٥٥] وهى فى قراءة عبد الله (ويقال ذوقوا) وقد قرأ بعضهم (١) (ونقول) بالنون وكلّ صواب.

وقوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) [٥٦] هذا لمسلمة أهل مكّة الذين كانوا مقيمين مع المشركين. يقول (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) يعنى المدينة أي فلا تجاوروا أهل الكفر.

وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) [٥٨] قرأها العوام (لنبوّئنّهم) وحدّثنى قيس عن أبى إسحاق أن ابن مسعود قرأها (لنثوينّهم) وقرأها كذلك يحيى (٢) بن وثّاب وكلّ حسن بوّأته منزلا وأثويته منزلا.

وقولوا : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) [٦٠] نزلت فى مؤمنى أهل مكّة ، لمّا أمروا بالتحوّل عنها والخروج إلى المدينة قالوا : يا رسول الله ليس لنا بالمدينة منازل ولا أموال فمن أين المعاش؟ فأنزل الله (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) لا تدّخر رزقها ولا تجمعه ، أي كذلك جميع هوامّ الأرض كلّها إلّا النملة فإنها تدّخر رزقها لسنتها.

وقوله : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) [٦٤] حياة لا موت فيها.

وقوله : (إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [٦٥] يقول : يخلصون الدعاء والتوحيد إلى الله فى البحر ، فإذا نجّاهم صاروا إلى عبادة الأوثان.

__________________

(١) هم غير نافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف أما هؤلاء فقد قرءوا بالياء.

(٢) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.

٣١٨

وقوله : (وَلِيَتَمَتَّعُوا) [٦٦] قرأها عاصم والأعمش على جهة الأمر والتوبيخ بجزم اللام وقرأها أهل الحجاز (وليتمتّعوا) مكسورة على جهة كى.

سورة الروم

ومن سورة الروم : بسم الله الرحمن الرحيم

[قوله : (غُلِبَتِ الرُّومُ) [٢] القراء مجتمعون على (غُلِبَتِ) إلّا ابن عمر فإنه قرأها (غلبت الرّوم) فقيل له : علام [١٤٣] غلبوا؟ فقال : على أدنى ريف الشام. والتفسير يردّ قول ابن عمر. وذلك أن فارس ظفرت بالروم فحزن لذلك المسلمون ، وفرح مشركو أهل مكّة ؛ لأن أهل فارس يعبدون الأوثان ولا كتاب لهم ، فأحبّهم المشركون لذلك ، ومال المسلمون إلى الروم ، لأنهم ذوو كتاب ونبوّة. والدليل على ذلك قول الله (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ثم قال بعد ذلك : ويوم يغلبون يفرح المؤمنون إذا غلبوا. وقد كان ذلك كلّه.

وقوله : (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) كلام العرب غلبته غلبة ، فإذا أضافوا أسقطوا الهاء كما أسقطوها فى قوله (وَإِقامَ (١) الصَّلاةِ) والكلام إقامة الصّلاة.

وقوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [٤] القراءة بالرفع بغير تنوين ؛ لأنهما فى المعنى يراد بهما الإضافة إلى شىء لا محالة. فلمّا أدّتا عن معنى ما أضيفتا إليه وسموهما بالرفع وهما مخفوضتان ؛ ليكون الرفع دليلا على ما سقط ممّا أضفتهما إليه. وكذلك ما أشبههما ، كقول الشاعر :

إن تأت من تحت أجئها من عل (٢)

__________________

(١) الآية ٣٧ سورة النور.

(٢) الرواية فى اللسان (يعد) :

إن يأت من تحت أجئه من عل

٣١٩

ومثله قول الشاعر (١) :

إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن

لقاؤك إلّا من وراء وراء

ترفع إذا جعلته غاية ولم تذكر بعده الذي أضفته إليه فإن نويت أن تظهره أو أظهرته قلت : لله الأمر من قبل ومن بعد : كأنك أظهرت المخفوض الذي أسندت إليه (قبل) و (بعد). وسمع الكسائىّ بعض بنى أسد يقرؤها (لله الأمر من قبل ومن بعد) يخفض (قبل) ويرفع بعد) على ما نوى وأنشدنى (هو يعنى) (٢) الكسائي :

أكابدها حتى أعرّس بعد ما

يكون سحيرا أو بعيد فأهجعا

أراد بعيد السّحر فأضمره. ولو لم يرد ضمير الإضافة لرفع فقال : بعيد. ومثله قول الشّاعر (٣) :

لعمرك ما أدرى وإنى لأوجل

على أيّنا تعدو المنيّة أوّل

رفعت (أوّل) لأنه غاية ؛ ألا ترى أنها مسندة إلى شىء هى أوّله ؛ كما تعرف أنّ (قبل) لا يكون إلّا قبل شىء ، وأنّ (بعد) كذلك. ولو أطلقتهما بالعربيّة فنوّنت وفيهما معنى الإضافة فخفضت فى الخفض ونوّنت فى النصب والرفع (٤) لكان صوابا ، قد سمع ذلك من العرب ، وجاء فى أشعارها ، فقال بعضهم :

وساغ لى الشراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الحميم (٥)

فنوّن وكذلك تقول : جئتك من قبل فرأيتك. وكذلك قوله :

__________________

(١) هو عتى بن مالك العقيلي وانظر اللسان (ورى).

(٢) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٣) هو معن بن أوس المزني.

(٤) سيأتى له أن التنوين فى الرفع خاص بضرورة الشعر.

(٥) فى التصريح فى مبحث الإضافة أنه لعبد الله بن يعرب. وفى البيت رواية أخرى : «الفرات» بدل «الحميم» ومن يثبت الرواية الأخيرة يفسر الحميم بالبارد ، وإن كان المشهور فيه الحار فهو على هذا من الأضداد.

٣٢٠