تراثنا ـ العدد [ 123 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 123 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٠٢

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العددان الثالث [١٢٣]

السنة الواحد والثلاثون

محتويات العدد

* الأهمِّية التاريخية لإجازات علماء البحرين.

............................................................ وِسام عبّاس السَبع ٧

* يوميّات ومؤلّفات الشيخ آقا بزرك الطهراني.

..................................................... د. عبد الحسين الطالعي ٥٥

* إجازة الشّيخ الأردوآبادي للسيّد محمّد هادي الميلاني.

...................................................... الشّيخ ناصر الأنصاري ٨٩

٢

* عَلى ضِفافِ الذّريعَةِ.

................................................ محمّد حسين الواعظ النجفي ١٤٦

* من ذخائر التراث :

* مناسك الحجّ للعلاّمة الحلّي

....................................... تحقيق : الشيخ عبد الحليم عوض الحلّي ٢٤٩

* من أنباء التراث.

.............................................................. هيـئة التحرير ٢٨٦

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (مناسك الحجّ) للعلاّمة الحلّي (ت٧٢٦هـ) والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

الأهمِّية التاريخية لإجازات علماء البحرين

إجازة الشيخ السماهيجيّ أنموذجاً (١)

وِسام عبّاس السَبع

بسم الله الرحمن الرحيم

للإجازة العلمية عند فقهاء الإسلام وعلمائه مكانة عظيمة وتقدير كبير ، وعنايتهم بهذا النوع من أنواع التصنيف العلمي يأتي في إطار حرصهم البالغ بالسنّة النبوية الشريفة وخدمة علومها. فقد حرص علماء الإسلام منذ أقدم العصور على الاهتمام بهذا اللون من الأدب ، وصرفوا له الوقت واستفرغوا الجهد وتكبّدوا عناء السفر الطويل ووعثاء الطريق في سبيل الاستجازة وطلب العلم وأخذ الرخصة برواية الحديث من كبار العلماء ، بما أسهم في مراكمة تراث هائل من أدب الإجازات الروائية ظلّ يمثّل أزهى صور التاريخ العلمي

__________________

(١) بحث مقدّم لمؤتمر المئوية الثالثة لذكرى رحيل المحدّث الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي المنعقد في الفترة ١٧ ـ ١٨ أكتوبر ٢٠١٤م في مملكة البحرين.

٧

والاجتماعي لعلماء الإسلام في مختلف العصور ، وظلّ هذا الجانب من أكثر الجوانب إشراقاً في الحضارة الإسلامية.

وقد جاءت عناية علماء البحرين بالإجازات العلمية امتداداً لهذا التقليد الثقافي الراسخ في عمق الحضارة الإسلامية ، غير أنّ هذا الموروث العلمي الغزير لم تواكبه محاولات منظّمة لدراسته وإعادة فحصه بما يتناسب مع أهمّيته في التراث الإسلامي.

إنّ أدب الإجازات يتضمّن الكثير من الأبعاد والمضامين التاريخية والعلمية والاجتماعية ويساهم بشكل كبير في تزويد الباحث في تاريخ المجتمعات الإسلامية بخزين ضخم من المعطيات التاريخية التي تعين الباحث التاريخي على كتابة تاريخ تركيبي لطبيعة الحياة العلمية والفكرية في المجتمعات الإسلامية التي تمثّلها هذه الإجازات في حقب زمنية متعدّدة.

يهدف هذا البحث إلى الكشف عن القيمة التاريخية التي يتضمّنها أدب الإجازات العلمية عند علماء البحرين ، بادئين بتعريف الإجازة العلمية وفوائدها وأبرز هذه الإجازات البحرانية ، ثمّ نستجلي المضامين الفكرية والتاريخية لهذا النوع من الوثائق الإسلامية ومنافعه بالنسبة للباحث المعاصر في التاريخ الإسلامي عبر العصور.

من هنا سنحاول الإجابة على الأسئلة التالية :

ـ إلى أيّ مدى تحضر الإجازة العلمية لدى علماء البحرين في الأدبيّات

٨

التاريخية المحلّية؟

ـ ما هي المعطيات التاريخية التي توفّرها الإجازات العلمية لعلماء البحرين؟

ـ ما حجم ونوعية عناصر هذه المعطيات التاريخية التي تتضمّنها إجازات علماء البحرين العلمية؟

الإجازة العلمية : معناها وأقسامها :

الإجازة لغة : إعطاء الإذن(١) ، وأجاز له : سوّغ له(٢) ، والجواز هو : الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث(٣) ، وقال الزبيدي(٤) : «واستجاز رجل رجلاً [طلب الإجازة أي الإذن] في رواياته ومسموعاته وأجازه فهو مجاز والمجازات المرويّات».

وقال التستري : «وقيل استجزته فأجازني أي طلبت ماءً لأسقي به فأجازني أي أعطاني ذلك ، فالطالب للحديث يستجيز العالم علمه»(٥).

والإجازة في الأصل مصدر (أجاز) وأصله (إجواز) ، حذفت الواو فعوّضت عنها بالتاء ، كما في نظائره من المصادر المعتلّة العين من هذا الباب

__________________

(١) الإجازات العلمية : ٢١.

(٢) القاموس المحيط ٢/١٧٠ ، مجمع البحرين ٢/٤٥٥.

(٣) الصحاح ٣/٨٧١.

(٤) تاج العروس ٤/٢١.

(٥) التستري : الإجازة الكبيرة : ٥ ـ ٦.

٩

مثل : إجابة وإقالة ، وتعليل ذلك أنّه : «تحرّكت الواو [في إجواز] فتوهِّم انفتاح ما قبلها فانقلبت ألفاً ، فلقيت الألف الزائدة التي بعدها فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين»(١) فأصبحت إجازة.

وعرفت الإجازة العلمية بأنّها ـ بحسب مصطلح أهل الحديث والرواية ـ «الكلام الصادر عن المجيز المشتمل على إنشائه الإذن في رواية الحديث عنه بعد إخباره إجمالاً بمرويّاته ويطلق شايعاً على كتابة هذا الإذن المشتملة على ذكر الكتب والمصنّفات التي صدر الإذن في روايتها عن المجيز إجمالاً وتفصيلاً ، وعلى المشايخ الذين صدر للمجيز الإذن في الرواية عنهم ، وكذلك ذكر مشايخ كل واحد من هؤلاء المشايخ طبقة بعد طبقة إلى أن تنتهي الأسانيد إلى المعصومين عليهم‌السلام»(٢).

وهي أيضاً أن يجيز الشيخ لتلميذه التحديث عنه بعد أن يصبح قادراً على ذلك ، وقد سُمّيت بعض الشهادات التي منحت للعلماء بالإجازة(٣) ، وقال النوري : «وقد جرت عادة السلف أنّ الشيخ بعد القراءة عليه يجيزه رواية ما قرأه عليه يمناً وبركة»(٤).

في حين عرّف أحد الباحثين المعاصرين الإجازة : «هي التي يمنحها الأستاذ [الشيخ] إلى الطالب بعد انتهائه من دراسة مادّة من الموادّ وإتقانها

__________________

(١) المصدر نفسه : ٥.

(٢) بحار الأنوار ١٠٢/ ١٦٦ ـ ١٦٧ ، الذريعة ١/٢٦٤.

(٣) المجازات النبوية : ١٢.

(٤) خاتمة المستدرك ٢/٦ ـ ٧.

١٠

والتي تخوّل [الطالب] حقّ تدريس تلك المادّة»(١).

والإجازة نوعان شفوية وتحريرية ، أمّا الأولى فقد كانت تمنح في العصور الإسلامية الأولى أيّام الصحابة والتابعين ، وهي أقدم من الثانية.

قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام لأحد أصحابه ، في جواب على سؤاله : عمّن يرجع إليه إذا احتاج أو سئل عن مسألة ، فقال له : «فما يمنعك عن الثقفي [أحد أصحاب أبيه الإمام الباقر عليه‌السلام] فإنّه سمع من أحاديث أبي وكان عنده وجيهاً»(٢) ، وقوله عليه‌السلام لأبان بن عثمان ، أحد أصحابه : «إنّ أبان بن تغلب [أحد أصحاب الإمامين السجّاد والباقر عليهما‌السلام] قد روى عنّي رواية كثيرة ، فما رواه لك فاروه عنّي»(٣) ، وقوله عليه‌السلام لأحد أصحابه : «ما سمعته عنّي فاروه عن أبي»(٤).

أمّا الإجازة التحريرية فتقسّم على ثمانية أقسام ، سنتناول أربعة أقسام منها وهي التي توفّرت نماذج منها للدراسة خلال موضوع البحث.

أقسام الإجازة :

وتقسم الإجازة على ثلاثة أقسام هي : (الكبيرة أو المبسوطة ، والمتوسطة ، والمختصرة) ، وربّما يكون منشأ هذا التقسيم من حجم نصّ

__________________

(١) الدراسة في النجف ، (مجلة آفاق نجفية) ، العدد الأول ، النجف ٢٠٠٦ ، ص ١٠٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٨/١٠٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤/٤٣٥.

(٤) الكافي ١/٥١.

١١

الإجازة أو التوسّع في ذكر الأسانيد ، والإجازات بحسب حجمها ثلاثة أقسام هي :

١ ـ الإجازة الكبيرة :

أو يطلق عليها اسم (المبسوطة) : هذه الإجازة عبارة عن كتاب كبير مستقلّ ، وقد يكون لمثل هذه الإجازات عنوان مستقلّ بحدّ ذاته(١).

ومن الأمثلة على هذا النوع من الإجازة ، إجازة الشيخ يوسف بن أحمد البحراني لؤلؤة البحرين ، ومنها إجازة البحراني أيضاً للشيخ علي بن محمّد المقابي ، كتبها له في كربلاء في (٩ صفر ١١٦٩هـ)(٢) [١٤ نوفمبر / تشرين الثاني ١٧٥٥م] وهي إجازة كبيرة مبسوطة ابتدأها المجيز بالبسملة ، ثمّ الديباجة التي قد يطول فيها السرد أو يقصر ، مثال ذلك : «الحمد لله الذي جعلنا من أهل الرواية ، ونوّر قلوبنا بأنوار المعرفة والدراية ، وأوضح لنا سبيل الرشد والهداية ، ونجّانا من ظلمات الريب والغواية ، الذي رفع بالعلم درجات العلماء العاملين ، وجعلهم خلفاء سيّد المرسلين ، بعد أولاده الأئمّة المعصومين عليهم جميعاً صلوات ربِّ العالمين ، فهم حفظة الدين ، ومنار المهتدين ، وقدوة المقتدين ، حثّ العلماء على التمسّك بالثقلين ، وأوجب عليهم الأخذ بذينك الثقلين ، وأن لايتجاوزهما في البين ، إذ هما السبيلان

__________________

(١) الذريعة ١/٢٦٤.

(٢) الذريعة ٤/١٦٧.

١٢

اللذان لايضلّ سالكهما ، ولا تظلمّ مسالكهما ، والدليلان المنصوبان من مالكهما ، فمن تجاوزهما فقد وقع في تيه الضلالة ، ومن تخطّاهما فقد غرق في بحور الجهالة ، وربط شوارد الأخبار الواردة عن أولئك السادات القادات بسلاسل (الإجازات) لتؤمن فيها العثرات ، وتصفو من شوب الكدورات ، والصلاة والسلام على مؤسّس قواعد الدين وقامع شوكة المعتدين ، وآله البانين على ذلك والمشيّدين.

أمّا بعد ، فيقول الفقير إلى عفو ربّه الكريم ، والمتعطّش لفيض جوده الجسيم ، يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني ، أفاض الله تعالى عليه من رواشح جوده السبحاني ، وسوانح كرمه الربّاني ، وأصلح له أمر داريه ، وأذاقه حلاوة نشأتيه ، إنّه لمّا كان من نعمه سبحانه الجليلة التي لا تحصى ، وأياديه الجميلة التي لا تستقصى ، أن وفّقني الله وجملة إخواني وأولادنا بعد أبينا قدّس الله سرّه ، وبحضرة القدس سَرّه ، وقبل ذلك بعض أسلافنا ، وهو المحدّث الصالح الشيخ سليمان بن صالح ـ الآتي ذكره إن شاء الله ـ إلى اكتساب العلوم الفاخرة ، واقتناء فنونها الباهرة وإن تفاوتت في ذلك الأفراد ، واختلفت شدّة وضعفاً الأعداد ، أسأل الله تعالى بعميم جوده وأفضاله ، وجسيم منّه ونواله ، أن يديم ذلك في الذراري والأولاد إلى يوم المعاد وأن يجعل ذلك سارياً في الأعقاب متّصلاً إلى يوم المآب»(١).

وتلاحظ الدقّة في اختيار الجمل المعبّرة التي وظِّفت لتعطي المعنى

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٤ ـ ٥.

١٣

المراد لها ، فضلاً عن الدقّة النحوية واللغوية والصياغة ، كما يمكن ملاحظة السجع المحبوك الدالّ على المعنى المطلوب إيصاله ، وكذلك التوظيف الدقيق للنصّ القرآني الموجود واختيار المحلّ الصحيح له ؛ ليكون درساً وموعظة نحو الترغيب والترهيب ، والعقاب والثواب ، واختيار المحلّ الصحيح للأحاديث الشريفة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) لتكون درساً تستخلص منه العبر.

بعد المقدّمة يعرّف (المجيز) بـ : (المجاز) ويثني عليه ويمدحه بما يراه مناسباً مع المكانة العلمية التي حقّقها فقد ذكر البحراني :

«وحيث إنّ الولدين الأعزّين الفاضلين الكاملين ، نوري العين والناظر ، وبهجتي القلب والخاطر ، خلف ابن أخي المقدّس المبرور الشيخ عبد علي ، وحسين ابن خلّي الأمجد الأسعد الشيخ محمّد سلّمهما الله تعالى وأبقاهما ، وبعين عنايته حاطهما ورعاهما ، ممّن فازا بالمعلّى والرقيب من قِداح العلوم الفاخرة ، وحازا أوفر نصيب من سنا جواهره الزاهرة ، مضافاً إلى ما هما عليه من الورع والتقوى ، والتمسّك بتلك العروة الوثقى ، وفّقهما الله تعالى للصعود إلى غايتها العليا ، ونهايتها القصوى»(١).

ومن الملاحظ أنّه في كلّ الإجازات وبمختلف أنواعها عدم وجود أحد من المشايخ ذمّ التلميذ الذي أجاز له ، بل على العكس يكيل له المدح والثناء البليغ ، وتعليل ذلك على ما يبدو هو أنّ الشيخ لا يجيز الإجازة إلاّ لمن استحقّها ووصل إلى المرحلة التي يمكن ائتمانه على مرويّاته ، وإلاّ فلن

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٦.

١٤

يحصل الطالب على إجازة من أيّ شيخ من شيوخ الإجازة ؛ إلاّ إذا كان أهلاً لها.

ولا تمُنح الإجازة للتلميذ إلاّ بعد التماس يقدّمه لشيخه ، شفويّاً كان أم مكتوباً يطلب فيه إجازة أستاذه (شيخه) ، وممّا يدعم ذلك هو ما دوّنه الشيخ البحراني بالقول : «وقد استجازاني أمدّ الله لهما في العمر السعيد ، ومتّعهما بالعيش الرغيد قبل هذه الأيّام ، فأجزت لهما حيث رأيتهما أهلاً لذلك المقام»(١).

كما اتّضح التواضع الذي تحلّى به (المجيز) من خلال قوله : « .. وإن لم أكن من فرسان هذا الميدان ، ولا من مجلّي حلبة هذا الرهان ، فإن وُسمت بأهل الإجازات فقد ينظم مع الزبرجد الزجاجة ، وإن تطفّلت على أهل تلك الدّرج ، فقد ينظم مع اللؤلؤ السبج».

من خلال النصّ السابق يتّضح التواضع الذي اتّصف به الشيخ يوسف البحراني من جهة ومن جهة أخرى يبرز في النصّ مدى تشجيع ومحاولة تثبيت الثقة بالنفس لدى المجاز لتهيئته لتحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقه.

بعد ذلك ينتقل المجيز إلى (متن الإجازة) ؛ إذ يجيزهما على رواية ما كان الشيخ (المجيز) يرويه عن شيوخه بالسند المتّصل حيث قال : «وقد أجزت لهما ، أدام الله لهما ، وكثّر في الفرقة الناجية شرواهما ، جميع ما صحّت لي روايته عن مشايخي الأعلام وثبُت لدىّ دراسته عن أساتذتي

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٦ ـ ٧.

١٥

الكرام ، رفع الله أقدارهم في دار السلام ، من كتب أصحابنا في جميع العلوم ، ومرويّاتهم ومجازاتهم ومسموعاتهم في كلّ مفهوم منّا ومعلوم ، ولا سيّما في الحديث والفقه والتفسير والرجال والأصولين واللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان ، وكلّ ما دخل في حيّز هذا الشأن ، وارتبط بهذا المكان»(١).

وهكذا يتّصل له مرويّات ومجازات ومسموعات شيوخه عن شيوخ شيوخه وصولاً إلى أهل الدراية والحديث المنقول عن الرسول(صلى الله عليه وآله) أو الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، أو وصولاً إلى أحد العلماء الذين تعدّ سلسلة مرويّاتهم موثوقة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو عن آله عليهم‌السلام.

ثمّ ينتقل إلى إعطاء الإذن والإجازة بأن يروي عن مصنّفاته ومصنّفات شيوخه الذين أجازوه عليها ، كما في النصّ التالي : «وكذا أجزت لهما رواية ما جرى به قلمي في التصنيف ، وأفرغ منّي في قالب التأليف ، من كتب ورسائل وحواش وقيود وأجوبة مسائل ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر هذه الإجازة ذكره ، ويمرّ بسطه ونشره. ومن طرقي إلى المشايخ الأعلام ومصنّفاتهم المشار إليها في المقام ما أخبرني به قراءةً وسماعاً وإجازةً ...»(٢).

ومن لوازم الإجازات إباحة الشيخ للتلميذ رواية ما أجاز عليه ؛ إذ قال : «وقد أجزت لكما رواية جميع ذلك ..»(٣).

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٧.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٨.

(٣) لؤلؤة البحرين : ٤٣٣.

١٦

وقد يشترط (المجيز) على المجاز أن تكون هذه الإجازة بتنفيذ الشرط ، وغالباً ما كان الشرط متعلّقاً بالدعاء للشيخ كما في النصِّ الآتي : « ... مشترطاً عليكما دامت النعم الإلهية لديكما ـ ما اشترط علىّ من سلوك سبيل الاحتياط في العلم والعمل ، لتأمنا بذلك الوقوع في مهاوي الخلل والزلل ، وأن لا تنسياني من الدعاء في الحياة وبعد الممات ، سيّما في مظانّ الإجابات ، وأعقاب الصلوات ، وأن تتحفاني بعد الممات بإهداء القربات والطاعات كما كنتما في حال الحياة تمدّاني بالصلاة والعطيّات»(١).

من خلال النصّ السابق يتّضح مدى تركيز رجال الفكر في البحرين على الجانب الأخروي ؛ إذ أنّ اشتراط الدعاء ، تأكيد على الثواب الذي يرجو الشيخ الحصول عليه في الحياة الآخرة.

أمّا خاتمة الإجازة فالمعتاد أن يؤرّخ لهذه الإجازة بذكر اسمه وقد يذكر المكان الذي أجاز فيه ، وتأريخ الإجازة الذي قد يكون مثبتاً فيه اسم اليوم والشهر والسنة بالتاريخ الهجري ، كما في النصّ : «كتب العبد الفقير إلى ربّه الكريم يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني بتاريخ اليوم الحادي عشر من شهر ربيع المولود من السنة الثانية والثمانين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية [٢٦ يوليو / تموز ١٧٦٨م] ، على مهاجرها وآله أفضل الصلاة والسلام والتحية ، حامداً مصلّياً مسلّماً مستغفراً ، وكان ذلك في كربلاء المعلّى ، في جوار سيّد الشهداء ، وإمام السعداء ، عليه وعلى آبائه وأبنائه

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٤٣٣.

١٧

أفضل صلوات ذي العُلا ، والحمد لله وحده ، وصلّى الله على من لا نبيَّ بعده ، وآله الميامين ورحمة الله وبركاته»(١).

ومن الإجازات ما تكون منظومة ، ومثال ذلك إجازة العلاّمة الشيخ حسين بن محمّد العصفور (ت ١٢١٦ هـ / ١٨٠٢م) لتلميذه الشيخ مرزوق بن محمّد الشويكي البحراني ، حيث كتب الأخير بخطّه أبياتاً تتضمّن إجازة الشيخ حسين لتلميذه الشويكي برواية كتاب أستاذه الأنوار اللوامع من شرح مفاتيح الشرايع(٢) وهي قوله :

منَّ الإله بشرحي ملك كاتبه

مرزوق لا زال مرزوقاً فوائدهُ

قد جدّ في مثل ما أودعته كملاّ

ينال في غوصه القاصي فرائدهُ

وقد أجزتُ له يروي مسائله

للطالبين ومن يرجو عوائدهُ

لا زال في الجد ذا جدّ ينال له

تلك المطالب لازالت تعاضدهُ

ولقد كانت الإجازات تكتب على الكتب كالذي ذكره السيّد نعمة الله الجزائري من أعلام القرن الثاني عشر الهجري في إجازته أنّه رأى إجازة الشيخ السماهيجي بخطّه للشيخ محمّد بن عبد المطّلب على كتاب جواهر البحرين في أحكام الثقلين(٣).

وقد تتمّ هذه الإجازات ضمن مجالس متعدّدة وقد تستغرق مدّة

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٤٣٤.

(٢) منتظم الدرّين ٣/٣٠٣.

(٣) الجزائري ، الإجازة الكبيرة : ٢٠٤.

١٨

طويلة ، وبخاصّة وأنّ النصوص والإجازات أشارت إلى تعدّد المجالس ، والإجازة تكتب في آخر مجلس من هذه المجالس كما في إجازة الشيخ ابن فهد الحلّي للشيخ ناصر بن أحمد المتوّج البحراني سنة (٨٣٨ هـ/١٤٣٤م) ؛ وذلك في قوله : «أنهاه قراءة وكتابة وضبطاً في مجالس متعدّدة ، آخرها حادي عشر جمادى الآخرة من سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة هجرية [١٢ نوفمبر/كانون الثاني ١٤٣٤م]»(١).

وتكتب الإجازات غالباً في نهاية الكتاب المجاز عليه الطالب من قبل الشيخ ، وتسبّب هذا بأن تكون الإجازة المكتوبة في نهاية الكتاب مقرونة بما هو موجود من حيّز قليل ، ويعود سبب ذلك إلى المجال الموجود الذي يمكن الكتابة فيه ، لذلك فعلى الرغم من أنّ الإجازة من نوع الكبيرة (المبسوطة) لكن ما هو مكتوب عنها محدّد بما هو موجود من مجال في نهاية الكتاب. ومن الأمثلة على ذلك إجازة عليّ بن محمّد بن مكّي العاملي للشيخ أحمد بن فهد الحلّي على كتاب الأربعين للشهيد الأوّل(٢) وإجازة عبد الملك بن إسحاق القمّي الكاشاني لتلميذه عليّ بن الحسين بن الحسن السرابشنوي على كتاب قواعد الأحكام للعلاّمة الحلّي ، في مجالس متعدّدة آخرها في ٢٤ محرّم الحرام سنة ٨٥٠هـ (٢١ ابريل / نيسان ١٤٤٦م)(٣).

__________________

(١) الأفندي ، الفوائد الطريفة : ٤٦٠.

(٢) رياض العلماء ١/٦٤.

(٣) المصدر نفسه ٣/٣٩٨.

١٩

وقد تستغرق الإجازة على الكتاب الواحد أكثر من سنة ، كما في إجازة زين الدين عليّ بن الحسن بن الحسين بن محمّد الاسترابادي لتلميذه السيّد حسن ابن حمزة بن الحسن الحسيني ، الذي قرأ النصف الأوّل من كتاب رجال ابن داود المثبّت في آخره ما نصّه : «أنهاه السيّد حسن بن حمزة أيّده الله تعالى وأبقاه من أوّله إلى هنا قراءة مرضية ، وذلك في مجالس آخرها يوم العشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة [٢٠ مايو / أيار ١٤٢٤م] وكتبه العبد الفقير عليّ بن الحسن بن محمّد الإسترآبادي ، وصلّ الله على محمّد وآله».

وكتب على النصف الآخر من الكتاب نفسه فقال : «أنهاه أيّده الله وأسعده قراءة مرضية وذلك في مجالس آخرها يوم الثاني عشر من شهر رجب المرجّب سنة تسع وعشرين وثمانمائة [٢٠ مايو / أيار ١٤٢٥م.] وكتبه عليّ بن الحسين بن الاسترابادي»(١).

ومن الممكن حصول الطالب على إجازة من شيخه تخوّله رواية جزء من كتاب معيّن ، ولا يلزم الطالب قراءة الكتاب كاملاً ، بل يمكنه تقسيمه على مراحل متعدّدة بحسب إمكاناته.

٢ ـ الإجازة المتوسّطة :

وهذا النوع من الإجازات يقتصر به الشيخ على ذكر بعض الطرق

__________________

(١) رياض العلماء ٣/٤١٢.

٢٠