مجمع الفرائد في الأصول

الشيخ علي فريدة الإسلام الكاشاني

مجمع الفرائد في الأصول

المؤلف:

الشيخ علي فريدة الإسلام الكاشاني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢١٧

الإنسانية وإلا لكان يقول أكرم إنسانا وحيث إن الوصف المذكور في الآية الشريفة هو كون المخبر والجائي بالنبإ فاسقا لا كون خبره خبرا واحدا فلا محالة يستفاد منها أن العلة لوجوب التبين فسق المخبر لا كونه جائيا بالخبر الواحد فلو جاء به وكان عادلا لم يجب التبين عن نبئه لانتفاء الوصف الموجب له (ولا يخفى ما في هذا التقريب أيضا من الفساد) فإنه قد ذكرنا في مبحث المفاهيم عدم كون القضية الوصفية ذات مفهوم خصوصا إذا لم يكن الوصف معتمدا على الموصوف وإلا لكان القضية المشتملة على اللقب أيضا كذلك إذا كان اللقب مشتقا بل وإن لم يكن كذلك إذ لا يوجب مجرد الجامدية والاشتقاق بنظر العرف تفاوتا في ذلك ومن الممكن أن يكون ذكر الوصف في القضية لإفادة غرض آخر غير عليته للحكم مثل أن يكون ذكر وصف الفاسقية في الآية الشريفة للتنبيه على فسق الوليد الذي هو المخبر في مورد نزول الآية لكون فسقه مغفولا عنه عند الصحابة وإلا لما كانوا يركنون إلى إخباره بارتداد بني المصطلق وكذلك ذكر وصف العالمية في المثال يمكن أن يكون لأجل أهمية العالم في نظر المتكلم من سائر أفراد الإنسان وإن كان المنشأ لإكرامه أيضا إنسانيته «وبالجملة فليس» حال القضية الشرطية المذكورة في الآية إلا كحال قولك إن شهد عندك عالم بشيء فصدقه فكما لا وجه لاستكشاف المفهوم من هذه القضية بأحد من الوجهين فكذلك تلك وليس الفرق بينهما إلا من غير فارق (ثالثها) من جهة استفادة العلية من الآية وتقريبها أنها نزلت في مقام ردع الصحابة عن مثل ما تصدوا له من العمل من تجهيز الجيش لقتال بني المصطلق بمجرد إخبار الوليد بامتناعهم من إعطاء الصدقة وارتدادهم ومن المعلوم أن بناء الصحابة كسائر العقلاء إنما كان على قبول خبر العادل ومن تطمئن بقوله النفس لا على قبول خبر كل من أخبر بشيء ولو كان فاسقا وأما عملهم

١٤١

بخبر مثل الوليد فهو ما كان لأجل عدم علمهم بفسقه لشهادة ظاهر حاله على خلافه ولأجل غفلتهم عنه وعدم التفاتهم إليه ومع ذلك فلم تردع الآية الشريفة عما كان عليه أصل بنائهم وإنما ردعتهم عن مثل هذا الاشتباه الذي صدر منهم فيستفاد من ذلك أن العلة لوجوب التبين عن الخبر في نظر الشارع ليس إلا فسق المخبر به فإذا انتفت هذه العلة وكان المخبر به عادلا لم يجب التبين عنه بمقتضى ظاهر الآية وأنت خبير بما في هذا الوجه أيضا من الوهن فإنه إن كان استفادة علية الفسق للتبين من جهة تقيد موضوع شخص الحكم في الآية بوصف الفاسقية واختصاص الردع الفعلي المستفاد منها بما صدر عن الصحابة غفلة واشتباها فقد عرفت أنه يمكن أن يكون ذكر الوصف وتقييد موضوع الحكم به بجهة أخرى غير ذلك فلا يدل على أزيد من انتفاء شخص هذا الحكم في غير الموصوف به وإن كان من جهة عدم ردع الشارع عما كان عليه سيرة العقلاء وبناؤهم ودلالة ذلك على إمضائه له فذلك يرجع إلى الاستدلال ببناء العقلاء في المقام وليس من باب التمسك بظهور الآية بشيء ثم إن هذه إشكالات أخر ربما تورد في المقام بعضها مختص بالاستدلال بهذه الآية الشريفة وبعضها لا يختص به بل يعم الاستدلال بغيرها مما سيتلى عليك إن شاء الله تعالى من الأدلة (أما ما يختص) بالاستدلال بهذه الآية من الإشكالات (فمهمها أمران الأول) أنه لو تم وسلم كون الآية ذات مفهوم وأغمض عما ذكرنا لكان مفهومها معارضا مع عموم التعليل في ذيلها وهو قوله أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين فإن المراد بالجهالة فيه عدم العلم بصدق الخبر وكذبه وعليه فالتعليل يشمل خبر العادل أيضا ويكون التبين عن خبره واجبا مثل خبر الفاسق فظهور الجملة التعليلية في العموم متعارض مع ظهور صدرها في المفهوم ومعلوم أن الترجيح بجانب عموم التعليل فإن ظهور الجملة التعليلية يكون مانعا عن انعقاد الظهور للجملة المعللة ودليلا على أن ذكر الخصوصية المقتضية

١٤٢

للمفهوم فيها إنما هو لأجل أمر آخر غير تخصيص الحكم للمتخصص بها فإذا قيل أكرم العالم لكونه عالما أو لا تشرب مائعا كان خمرا لكونه مسكرا كان عموم التعليل لا محالة مانعا عن الأخذ بمقتضى التقييد بالوصف في ذلك بل هو في الحقيقة قرينة على اقتضائه شيئا وعلى ذلك فيكون الجملة التعليلية في الآية قرينة على عدم انعقاد ظهور الجملة المعللة فيها رأسا كما هو الحال في كل قرينة بالنسبة إلى ذيها ويكون المتعين الأخذ بمقتضى عموم التعليل فيها من غير أن يبقى مجال لملاحظة حال النسبة بينه وبين المفهوم كي يقال بأن مقتضى القاعدة حينئذ تخصيص عمومه به لكونه شاملا لخبر الفاسق أيضا بخلاف المفهوم هذا كله مع إباء عموم التعليل في الآية عن طرو التخصيص عليه كما هو واضح «ويمكن الجواب عن أصل الإشكال» فإن الظاهر أن الجهالة في الآية بمعنى عدم العلم كي يكون التعليل مشتركا بين خبر العادل وخبر الفاسق بل هي بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل والاعتماد على ما ليس الاعتماد عليه من طريقة العقلاء وكما في نظائر هذه الآية من الآيات القرآنية مثل قوله تعالى (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) وقوله (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ومعلوم أن هذا المعنى مختص بالاعتماد على خبر الفاسق ولا يكاد يشمل الاعتماد على خبر العادل الذي يكون الاعتماد عليه من طريقة العقلاء وديدنهم في أمورهم وقد ذكرنا أن عمل الصحابة بخبر الوليد إنما كان لأجل عدم معرفتهم بحالة واغترارهم بمقتضى ظاهر إسلامه لا مع علمه بفسقه وعدم وقوفهم بقوله كما زعمه الشيخ «قدس‌سره» كي يكون منافيا مع ما ذكرنا و(بالجملة) فليس الاعتماد على خبر العادل ومن يوثق بقوله من السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره ولو أغمض عن حجيته وكونه طريقا محرزا شرعا (فانقدح) أنه لا وجه للإشكال على هذا الجواب بما ربما

١٤٣

يظهر من بعض المحققين «في حاشيته على الكفاية» من أن خروج خبر العادل عن عموم التعليل موضوعا بهذا الوجه يوجب حجيته مع قطع النظر عن هذه الآية وكون الآية كاشفة عنها الاثنينية لها كما هو غرض من يتمسك بها وقد يجاب عن أصل الإشكال بجواب آخر وحاصله على ما في تقريرات بعض مقرري مجلس بحث المجيب أن الجهالة وإن كانت بمعنى عدم العلم بمطابقة الخبر للواقع إلا أن المفهوم متقدم على عموم التعليل لحكومته عليه إذ هو يوجب كون خبر العادل محرزا وكاشفا عن الواقع وخارجا عن عدم العلم إلى العلم تنزيلا وحينئذ فلا يشمله موضوع عموم التعليل أصلا لتضييقه بمقتضى حكومة لسان المفهوم عليه (وفيه) أن ذلك إنما يتم فيما إذا كان العموم من جملة أخرى غير متصلة بمنطوق الجملة الشرطية مثل عمومات الأدلة الناهية عن اتباع غير العلم لا في مثل المقام مما يكون العموم فيه مانعا لأصل انعقاد ظهور الجملة في المفهوم وقرينة على عدم كونها دالة عليه فإنه حينئذ لا يكون حاكما على العموم إلا على وجه دائر كما هو واضح (الثاني) أنه لو كان للآية الشريفة مفهوم للزم خروج المورد عن تحت عمومه فإن مورد الآية هو الإخبار بالارتداد الذي هو من الموضوعات التي لا تثبت إلا بقيام البينة عليه وحجة الخبر الواحد مخصوصة بالأحكام ولا تعم المورد أصلا و(فيه أن) غاية ما يلزم هي تقييد العمل بخبر العدل في المورد بانضمامه مع مثله من غير أن يجب التبين عن واحد منهما وقبح ذلك غير معلوم بل وعدم قبحه معلوم هذا إذا جعل أصل المورد الخبر بالارتداد و(أما لو جعل إخبار الوليد) الفاسق به فلا يكون واردا في مورد أصلا وكون منشإ استفادته هو الخصوصية الموجودة في المنطوق لا يوجب أن يكون واردا مورده كما لا يخفى وهذا كله فيما يختص بالآية من الإشكالات وأما ما يعم غيرها فأمور (منها أنه) لو دل الدليل على حجية خبر العادل لدل

١٤٤

على حجية مثل (خبر السيد في دعواه الإجماع) على عدم حجية خبر الواحد غير السيد في خصوص هذه الدعوى (وفيه مضافا) إلى ما مر من عدم شمول أدلة حجية الخبر الواحد لنقل الإجماع وإلى ما سيجيء من وجه الجمع بينه وبين (الإجماع المدعى من الشيخ أن عموم) الكلام لا يكاد يشمل ما لو شمله لكان لغوا ويسقط عن الاعتبار والحجية فإذا قال المتكلم كل ما أمرك به العدل فاعمل به ثم أمر عدل بعدم العمل بكل ما أخبر به العدل فلا ريب من العقلاء في عدم شمول عموم الكلام لمثل هذا الأمر وإلا للزم لغويته وخروجه عن الاعتبار «هذا مع أن دخول مثل» هذا الفرد تحت عمومه يستلزم خروجه عنه حيث إنه بلفظه أو بمناطه يشمل نفسه أيضا وما يستلزم وجوده عدمه محال (وقد يجاب عنه ثالثا بأن) الأمر دائر هنا بعد قيام الإجماع على أن ما كان حجة للأولين فهو حجة للآخرين أيضا وأنه لا تفاوت في الحجية وعدمها بين الأزمنة بين خروج خير السيد عن تحت العموم مع بقاء سائر الأفراد من الأخبار الصادرة من العدول في كل عصر وبين العكس ولا ريب أن المتعين هو الأول وإلا يلزم أن يكون الكلام الملقى على وجه يدل على عموم حجية خبر الواحد لبيان عدم حجيته وذلك فضيح إلى الغاية وقبيح إلى النهاية ولا يخفى أنه على هذا التقرير لا يرد عليه أنه يمكن أن يكون المراد من الأدلة حجية خبر العادل مطلقا إلى زمان خبر السيد وأن بشمولها له ينتهي الحكم رأسا «نعم» مرجع هذا الجواب هو إلى الجواب الأول فليس بجواب ثالث لهذا الإشكال «ومنها» وقوع التعارض بين أدلة الحجية وبين الآيات الناهية عن العمل بالظن وبما أن النسبة بينهما هي العموم من وجه حيث إن مفاد الآيات عام من جهة شموله لغير الخبر من أفراد الظنون وخاص من جهة اختصاص النهي بمورد التمكن من العلم وعدم شموله لمورد عدم التمكن ومفاد الأدلة عكس ذلك يكون

١٤٥

المرجع أصالة عدم الحجية (وفيه ما عرفت) في أول هذا المبحث من أن مورد الآيات أجنبي عن الظنون المبحوث عنها في المقام بالمرة والمراد بالظن فيها بحسب الظاهر والله العالم هو التخمين والخرص بما لا دليل عليه وعليه فالخبر الواحد خارج عن تحتها بالتخصيص (ولو أغمض النظر عن ذلك وقيل) بأن المراد منه ما عدا العلم أيا ما كان فلا إشكال في انصرافها عن الظن الخبري الذي هو مثل العلم عرفا «ومنها» أن الأدلة لا تشمل الأخبار الحاكية لقول الإمام عليه‌السلام بواسطة أو وسائط كما هي الحال في الأخبار التي بأيدينا مثل إخبار الشيخ عن المفيد عن الصدوق عن الصفار عن العسكري عليه‌السلام «ويمكن تقريب هذا الإشكال بوجهين الأول» أن دليل الحجة لا يكاد يشمل خبرا إلا فيما كان هناك أثر شرعي يقع التعبد بلحاظه وإلا لخرجت الحجية من الجعل التشريعي إلى الجعل التكويني وحينئذ فإذا كان الخبر بلا واسطة كما إذا أخبر زرارة عن الصادق عليه‌السلام بوجوب شيء أو حرمته فحيث إن المخبر به حكم شرعي يكون التعبد بالخبر بلحاظه ممكنا وأما إذا كان مع واسطة أو وسائط فلا محالة يكون المخبر به للوسائط من الموضوعات ويحتاج التعبد بالإخبار به إلى ترتب أثر شرعي عليه يكون هو المصحح للتعبد إذ لا يصح التعبد بالأمارة القائمة على موضوع من الموضوعات إلا مع ترتب الأثر الشرعي عليه وحيث إن المخبر به لكل من الوسائط ليس إلا قول سابقه وإخباره فإن المخبر به بخبر الشيخ هو إخبار المفيد والمخبر به له هو إخبار الصدوق وهكذا إلى أن ينتهي إلى أول السلسلة فليس في البين أثر شرعي مصحح للتعبد إلا وجوب التصديق وهو غير معقول لاستلزامه اتحاد الحكم والموضوع بمعنى الأثر فإن أثر الحكم يوجب تصديق كل من الوسائط في إخباره ليس حينئذ إلا نفس هذا الحكم هذا مضافا إلى أن نفس وجوب التصديق لا يصلح لكونه أثرا شرعيا

١٤٦

بكون الحكم بوجوب التصديق بلحاظه إذ بعد القطع بعدم إرادة وجوب التصديق الجناني الذي هو المطلوب بالذات في باب الاعتقاديات منه لا معنى له إلا وجوب ترتيب الآثار الشرعية على إخباره وهذا وإن كان حكما إلا أنه حكم أصولي طريقي لا حكم فرعي عملي كي يمكن أن يكون مصححا للتعبد «وبالجملة» فالمراد بالأثر المصحح له هو الحكم الشرعي المتعلق بالعمل بلا واسطة ووجوب التصديق حكم بترتيب مثل هذا الأثر ولا يكاد يكون نفسه «فانقدح» من ذلك أن انحلال قضية صدق العادل هنا إلى أحكام متعددة حسب تعدد الأخبار في السلسلة لا يكاد يفيد في التفصي عن هذا الإشكال شيئا كما أن «ما أفاده المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره في مقام» الجواب عنه من أن الملحوظ في هذه القضية يعني قضية صدق العادل هو طبيعة الأثر لا أفراده كي لا يمكن شموله لنفس هذا الحكم أو أن الأثر الملحوظ فيها وإن لم يشمل نفس الحكم بلفظه إلا أنه يشمله بتنقيح المناط أو بعدم الفصل بينه وبين سائر الآثار كذلك فإن الإشكال غير منحصر بلزوم اتحاد الحكم الموضوع كي يندفع بهذه الوجوه بل في البين إشكال آخر غير مندفع بها أصلا (ولكن لا يخفى أن أصل الإشكال) إنما يبتني وروده على القول بأن المجعول في باب الطرق والأمارات هو منشأ انتزاع الحجية وأما بناء على ما قربناه من كون المجعول فيها هو نفس الطريقية والكاشفية فلا يبقى مجال للإيراد به أصلا فإنه على هذا جعل لكل واحد من أخبار السلسلة الكشف والطريقية إلى قول سابقه فقول الشيخ طريق إلى قول المفيد وهو طريق إلى قول الصدوق وهكذا ولا يحتاج جعل الطريقية لكل منها إلى ترتب أثر شرعي على نفس مؤداها بل يكفي انتهاؤها إلى الحكم الشرعي ولو بوسائط كثيرة فإن إثبات حكم الإمام عليه‌السلام حينئذ يتوقف على أن يكون قول كل واحد من الوسائط طريقا

١٤٧

إلى قول سابقه كما يتوقف إثبات أمر عرفي كذلك على أن يكون كل واحد منها طريقا إلى الآخر عرفا (الثاني) أنه يلزم في الوسائط إثبات الموضوع بالحكم حيث إن إخبار المفيد للشيخ وإخبار الصدوق للمفيد وإخبار الصفار للصدوق ليس محرزا بالوجدان بل المحرز بالوجدان هو إخبار الشيخ فقط وإنما يراد إحراز إخبار من سواه من الوسائط بالحكم بوجوب تصديق العادل فهذا الحكم هو محرز إخبار كل من الوسائط مع إن إخبار كل منها موضوع لنفس هذا الحكم وليس هذا إلا دورا واضح «ولا يخفى أن» هذا الإشكال لا يرتفع بالالتزام بجعل نفس الطريقية والكاشفية مثل الإشكال السابق فإنه عليه أيضا يكون الحكم بالطريقية مثبتا لأخبار الوسائط الذي هو موضوع لنفس هذا الحكم (نعم يرتفع الإشكال) بأن يقال إن المحال إنما هو إثبات الحكم موضوع شخصه وأما إثبات حكم مترتب على موضوع موضوعا آخر يترتب عليه حكم آخر كما في المقام فهو بمكان من الإمكان «والحاصل» أن هنا أحكام متعددة حسب تعدد الأخبار في السلسة ويكون بعض تلك الأحكام مثبتا لموضوع بعض آخر منها ولا إشكال في ذلك أصلا «هذا تمام الكلام فيما يتعلق» بآية النبإ من بيان وجه الاستدلال بها وما يتوجه عليه من الإشكالات ومن جملة الآيات المستدل بها في المقام قوله تعالى (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) «ولا يخفى أن» الاستدلال بها على حجية خبر الواحد يتوقف على «أمور الأول» أن يكون المراد من النفر فيها النفر للتفقه وأخذ المسائل الشرعية بأن يكون العلة الغائية لوجوبه ذلك فلو كان المراد منه النفر إلى الجهاد وكان معنى التفقه في الدين مشاهدة آيات الله تعالى فيه من ظهور غلبة المسلمين مع قلة عددهم على أعداء الله في

١٤٨

كثرتهم وغير ذلك وكان ترتبه على النفر بواسطة اللام من باب ترتب مطلق الفائدة على ذيها لا من باب ترتب خصوص ما هو العلة الغائية له عليه كما تم الاستدلال بالآية ولكن الظاهر تمامية هذا الأمر فإن النفر من الأفعال التي تحتاج إلى المفعول بواسطة اللام لعدم كونه مطلوبا نفسيا فلو لم يكن المفعول المتعلق به هو التفقه بل كان هو الجهاد للزم أن يكون في الآية حذف وتقدير «الثاني» أن لا يكون المراد بالإنذار فيها ما هو ظاهر لفظه من إنشاء التخويف بحسب الفهم بحيث يكون لاجتهاد المنذر وإعمال نظره دخل فيه فإنه على هذا المعنى لا يكاد يعم نقل الخبر أصلا سواء كان متعلقا بالعذاب صراحة أو بالحكم كذلك وبالعذاب ضمنا ولا يخفى أن الظاهر من الآية أن يكون المراد بالإنذار ذلك فإن الإنذار إنما حكم بوجوبه فيها من حيث إنه إنذار لا من حيث إنه حكاية لقول الإمام عليه‌السلام ونقل له كما أن الظاهر أن التحذر أيضا إنما يجب بما هو هو لا بما هو تصديق وعلى ذلك فليس المراد بالإنذار إلا هو من شئون من لا يكتفي بصرف النقل مثل بعض أصحاب الأئمة عليهم‌السلام كمحمد بن مسلم وفضيل بن يسار وزكريا بن آدم وغيرهم حيث كانوا يرجعون إلى بلادهم بعد تحصيل الوسع فيحثون الناس إلى الطاعات ويبثون الأحكام بينهم بحسب ما كان لهم من الاجتهادات وأما شموله لمثل نقل صفوان الجمال ومن شابهه فغير معلوم «فانقدح أنه لا مجال» حينئذ لما ذكره بعض الأعاظم قدس‌سره من وجود الإنذار في جميع الأخبار ولو ضمنا كما لا مجال للقول بشموله لغير ما نقل فيه العذاب صراحة من الإخبار بعدم الفصل فإن كل ذلك فرع صدق الإنذار على نقل العذاب صرفا من دون دخالة لفهم الناقل فيه وقد عرفت الإشكال في ذلك «الثالث» كون المراد من قوله تعالى (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) حصول الحذر من المتخلفين بمجرد إنذار النافرين لهم تعبدا

١٤٩

لقولهم وتصديقا لهم فإنه حينئذ يتم الاستدلال ويقال إن ظاهر الآية هو كون ذلك علة غائية لوجوب الإنذار إذ ليس الإنذار بنفسه واجبا من دون ملاحظة ترتب أمر آخر عليه وغائيته له تستلزم وجوبه ولا يحتاج تتميمه إلى تجشم القول بأن كلمة لعل موضوعة للترجي الإيقاعي الإنشائي ويكون داعيه في حقه تعالى مجرد المحبوبية التي لا تنفك هنا عن الوجوب إذ لا معنى لندبية التعبد بقول المنذر بل هو إما يجب أو يحرم مع إمكان أن يقال إن وضع كلمة لعل للترجي غير معلوم فإنه لو كان كذلك للزم تخلفها عن استعمالها فيه في كثير من الموارد مثل قوله تعالى (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) وقوله (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) وقوله (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) وقوله عليه‌السلام لعلك وجدتني في مقام الكاذبين وقوله أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطالين وقولك لعل زيدا يموت أو لعله عدوك وغير ذلك من الموارد الكثيرة التي يكون مدخول كلمة لعل فيها مكروها للنفس ولا يعقل إنشاء الترجي بالنسبة إليه بل الظاهر أنها موضوعة لإبداء الاحتمال وجعل مدخولها واقعا موقعه ويرادفها في الفارسية كلمة شايد (ولقد وافقنا في ذلك ما من الصحاح من) أن لعل كلمة الشك ولعل ما أوقع مخالفينا في الاشتباه مطلوبية مدخولها في كثير من الموارد ومحبوبية وقوعه للنفس والغفلة عن أن ذلك لا يوجب وضع كلمة لعل لإفادته وإظهاره وإلا فمن الواضح استعمالها في إبداء الاحتمال للمدخول ورفع الاستبعاد عن وقوعه في جملة من الموارد التي يكون المدخول فيها محبوبا للنفس أيضا مثل قولك لا تدري لعل الله يرحمك أو لعله يجيب دعوتك أو لعل زيدا يحبك وغير ذلك مما تقع كلمة لعل بعد كلمة لا تدري وما بمعناها مثل لا تعلم «هذا ولكن لا يخفى» أن صحة الاستدلال بالآية وتماميته لا تتوقف على شيء من ذلك بعد ما كان المراد من قوله لعلهم

١٥٠

يحذرون حصول الحذر منهم تعبدا وتصديقا للنافرين لما ذكرنا من دلالة سياق الآية على أن ذلك هو الغرض والعلة الغائية لوجوب الإنذار فيكون واجبا ولو كانت كلمة لعل موضوعة لإفادة احتمال ترتبه على الإنذار وأما لو كان المراد منه تحقق الحذر منهم بحسب طبعهم بعد تأثير الإنذار لهم وكان الغرض من لفظة لعل جعل هذا المعنى واردا مورد الاحتمال كما هو الظاهر منه ومن نظائره في الآيات مثل قوله تعالى لعلهم يتذكرون أو لعلهم بآيات ربهم يؤمنون أو لعلهم يتقون وغير ذلك فلا مجال للاستدلال بالآية أصلا فإن الطبع إنما يقتضي العمل بقول المنذر بعد تبين صدقه من جهة التواتر أو وجود القرائن لا تعبدا ولو احتمل كذبه في دعواه «ومما يدل على إرادة هذا المعنى استشهاد الإمام عليه‌السلام بالآية على وجوب معرفة الإمام على الناس في كثير من الروايات الواردة في تفسير الآية مع أن الإمامة مما لا يثبت إلا بالعلم «ومن جملة الآيات» قوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وتقريب الاستدلال بها واضح بعد استلزام حرمة الكتمان لوجوب القبول ولا يخفى أن ظاهر الكتمان فيها بقرينة قوله من بعد ما بيناه للناس في الكتاب هو إخفاء الواضح وتستيره لا عدم الإظهار وعدم رفع الستر عن الأمر الخفي ومقابل الكتمان إبقاء الواضح على حاله لا إظهار الأمر الخفي ورفع الستر والنقاب عن وجهه وعليه فالآية أجنبية عن مقام الاستدلال بها بالمرة «ومن الآيات أيضا» آية السؤال وآية الإذن ولا يخفى على المتأمل ما في الاستدلال لكل منهما من الفساد فإن الأمر في الآية الأولى إرشادي مسوق بحسب الظاهر لبيان طريق التعلم وأنه يحصل بالرجوع إلى أهل الذكر وليست في مقام إيجاب التعبد بقولهم أصلا هذا مع أن الظاهر منها هو السؤال عمن لعلمه

١٥١

وفقهه دخل في جوابه ويكون جوابه مستندا إلى تأمله وتفقهه فلا تكاد تشمل مثل جواب الراوي الذي لا يكون لعلمه دخل فيه بنحو ولو كان الراوي من أهل الذكر والعلم بملاحظة نفسه ومع قطع النظر عن جوابه فتتميم الاستدلال بها لعدم الفصل بين الرواة من أهل الذكر منهم وغيرهم كما في الكفاية لا مجال له «وأما الآية الثانية» فالمراد بتصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله للمؤمنين هو ترتيب خصوص ما ينفعهم ولا يضر غيرهم من الآثار لا جعل المخبر به واقعا وترتيب جميع ما له من الآثار عليه وذلك بقرينة كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله أذن خير للمؤمنين كما عن الصادق عليه‌السلام قال يصدق المؤمنين لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان رءوفا رحيما بالمؤمنين لا من جهة تعدية الإيمان باللام الدال على معنى النفع أحيانا وذلك لأن الإيمان بمقتضى طبعه يتعدى دائما بالباء بالإضافة إلى متعلقه وباللام بالإضافة إلى من يدعو إليه قال تعالى (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) و (ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) و (آمَنْتُمْ لَهُ) و (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) و (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) ففي جميع هذه الموارد وفي غيرها من الآيات يكون الإيمان متعديا باللام بالنسبة إلى غيره تعالى دائما هذا كله في الآيات التي استدلوا بها على حجية أخبار الآحاد وقد عرفت عدم تمامية الاستدلال بواحد منها و «أما السنة فطوائف من الأخبار» منها ما ورد في مقام علاج الخبرين المتعارضين من الرجوع إلى المرجحات أو التخيير حيث يدل على حجية الخبر الموثوق به في الجملة لو لا التعارض إذ لو لا حجيته بنفسه لما كان لعلاج تعارضه وجه وفرض كون كلا الخبرين قطعيين ينافي ما في بعض تلك الأخبار من الترجيح بالأوثقية والأعدلية مع وضوح وحدة المورد في جميعها ومنها الروايات الكثيرة المستفيضة الواردة في مقام إرجاع آحاد الرواة إلى آحاد أصحابهم والظاهر من جملة منها أن الرجوع إلى الثقة وقبول قوله كان أمرا مفروغا عنه عند الرواة وكان غرضهم إحراز الصغرى والسؤال عن وثاقة شخص معين

١٥٢

لتطبيق الكبرى الكلية عليه وقد ذكر كثيرا من أخبار هذه الطائفة شيخ المشايخ الأنصاري قدس‌سره في رسالته فراجع ومنها ما ورد في الرجوع إلى الرواة والثقات بنحو العموم مثل قول الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف لإسحاق بن يعقوب على ما في بعض الكتب وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم وقوله على ما حكي عن الكشي في التوقيع على القاسم بن علاء الآذربايجاني لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا وغير ذلك من الروايات المذكورة كثيرة منها أيضا في الرسالة التي منها ما ورد في شأن كتب بني فضال والرجوع إليها ومنها الأخبار التي أمر فيها الإمام عليه‌السلام واحدا من أصحابه بتبليغ حكم إلى غيره مثل ما ورود من أمره عليه‌السلام محمد بن مسلم بتبليغ جواب مسألة زرارة عن وقت الظهر والعصر إليه بقوله إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر وهذه الطائفة من الأخبار وإن كانت كثيرة إلا أن جمعها يحتاج إلى التتبع التام في الروايات الواردة في دورة الفقه والمجال غير واسع به ومنها الروايات الكثيرة الواردة في مقام الرد على بعض فقهاء العامة مثل أبي حنيفة وقتادة وابن أبي ليلى وفي مقام الجواب عن قولهم نعمل أو نفتي بكتاب الله وسنة نبيه حيث اقتصر الإمام عليه‌السلام فيها بأخذهم في عملهم بالكتاب من دون الرجوع فيه إلى معادن علمه وخزان معانيه ولم يأخذهم في علمهم بالسنة المحكية بأخبار الآحاد ومنها الأخبار الحاكية عن عمل الراوي بخبر غيره مثل خبر علي بن حديد في مواضع التخيير من السفر قال سألت الرضا عليه‌السلام فقلت إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يقصر وبعضهم يتم وأنا ممن يتم على رواية أصحابنا في التمام وذكرت عبد الله بن جندب أنه كان يتم فقال رحم الله ابن جندب ثم قال لي لا يكون الإتمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام وغير ذلك من الأخبار

١٥٣

الكثيرة التي يطلع عليها المتتبع في روايات أبواب الفقه ومنها الأخبار المستفيضة الواردة في مقامات مختلفة غير داخلة تحت ضابط معين وقد ذكر جملة منها الشيخ قدس‌سره في رسالته في طائفة مستقلة فراجع والإنصاف أن الأخبار الدالة على حجية أخبار الآحاد بطوائفها السبع ربما تبلغ إلى ضعفي حد التواتر بل أضعافه والحمد لله (وأما الإجماع) فقد يقرر بوجوه أربعة أحدها الإجماع القولي على الحجية في مقابل السيد وأتباعه وطريق تحصيله إما بتتبع الآراء والفتاوى من زماننا إلى زمان الشيخين وإما بتتبع الإجماعات المنقولة في ذلك مثل ما نقله الشيخ قدس‌سره في العدة والعلامة في النهاية والمجلسي في بعض رسائله والسيد رضي الدين بن طاوس في جملة كلام له يطعن فيها على السيد قدس‌سره على ما حكى جميع ذلك الشيخ قدس‌سره في الرسالة فيضم تلك الدعاوي منهم إلى كلمات علماء الرجال في ترجمة بعض الرواة وأصحاب السند مع ما يستظهر من كلمات بعض أصحابنا في جملة من المقامات من أن العمل بالأخبار الموثوق بصدورها كان معروفا بين الأصحاب من غير أن ينكره أحد منهم على غيره فيحصل بذلك القطع برضاء الإمام عليه‌السلام به ولا يعتنى بخلاف السيد وأتباعه لكونهم معلومي النسب أو لعدم اعتبار اتفاق الكل في الإجماع على ما سلكه المتأخرون في وجه حجيته من ابتنائه على الحدس أو لغير ذلك من الجهات هذا ولكن لا يخفى عدم تمامية هذا الوجه بوجه فإنه كيف يمكن استكشاف رأي الإمام في المسألة مع ذهاب جملة من أصحابنا إلى عدم الحجية بل نقل البهائي قدس‌سره أن ذلك مختار أكثر قدماء أصحابنا حيث قال في الوجيزة ما هذه عبارته الصدق في المتواتر مقطوع والمنازع مكابر وفي الآحاد الصحاح مظنون وقد عمل بها المتأخرون وردها المرتضى وابن زهرة وابن البراج وابن إدريس وأكثر قدمائنا ومضمار البحث من الجانبين وسيع ولعل كلام المتأخرين

١٥٤

عند التأمل أقرب انتهى فإذا كانت هذه حال المسألة فدعوى الإجماع القولي فيها على الحجية تكون في غاية الوهن وأما ما نقله هؤلاء الأعلام فليس من الإجماع القولي في شيء بل الظاهر من محكي عباراتهم في الرسالة هو دعوى استقراء عمل الأصحاب عليه فإن محكي عبارة الشيخ قدس‌سره في العدة هكذا والذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقة فإني وجدتها مجتمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصنيفاتهم ودونوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعون حتى واحدا منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور وكان رواية ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلموا الأمر وقبلوا قوله هذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده من الأئمة صلوات الله عليهم إلى زمان جعفر بن محمد الذي انتشر عنه العلم وكثرت الرواية من جهته انتهى المقصود من عبارته بل ظاهر محكي عبارة السيد ابن طاوس قدس‌سره إرادة الإجماع العملي من الشيعة بل المسلمين عليه حيث قال ومن اطلع على التواريخ والأخبار وشاهد ذوي الاعتبار وجد المسلمين والمرتضى وعلماء الشيعة الماضين عالمين بأخبار الآحاد فالإنصاف أن دعوى الإجماع من الفتاوى والأقوال في المسألة موهونة جدا ثانيهما دعوى الإجماع العملي منهم على الأخذ بالأخبار ويمكن تقريب هذه الدعوى بوجهين الأول أن يقال إن عمل جميع علماء الإمامية في استنباط أحكام الشرع إنما هو على الرجوع إلى الأخبار المودعة في أصول الشيعة وكتبهم الموجودة فيما بأيدينا من الكتب مثل الكتب الأربعة التي يدور عليها اليوم رحى الاستنباط والاجتهاد الثاني أن يقال إن الإجماع وقع من جميع العلماء في جميع الأعصار على العمل بالخبر الموثوق بصدوره المطمئن به النفس ولم يعهد من أحد منهم رده حتى من السيد وأتباعه فإنه يمكن أن يكون

١٥٥

المراد باحتفاف الخبر بالقرينة العلمية عندهم هو كونه بمثابة يوجب وثوق النفس واطمئنانها بصدوره وقد حكي عن السيد قدس‌سره تفسير العلم بأنه ما اقتضى سكون النفس كما حكي عن بعض الأخباريين أنه ادعى أن مرادنا بالعلم بصدور الأخبار هو هذا المعنى اليقيني الذي لا يقبل الاحتمال رأسا وبذلك ربما يحصل وجه الجمع بين دعوى السيد إجماع الطائفة على عدم الحجية وبين دعوى الشيخ تلميذه المطلع على كلماته ببواطنها إجماعهم على الحجية فإن الظاهر من محكي العدة أن القرائن التي أنكر الشيخ احتفاف جميع الأخبار بها هي خصوص موافقة الكتاب والسنة المتواترة والإجماع لا مطلق ما يوجب الوثوق والاطمئنان بصدور الخبر من الأمور التي لا تدخل تحت الإحصاء فمراده من الخبر الواحد الذي قام إجماع الفرقة على الأخذ به هو الخبر المطمئن بصدوره الذي هو بالنظر العرفي المسامحي من أفراد العلم لا مطلق الخبر ولو لم يكن بهذه المثابة من القوة إذ لا دليل على حجيته كذلك ولم يقم بناء من العقلاء والعلماء على الأخذ به بدون ذلك بل الخبر الذي تطابقت الأدلة على حجيته إنما خصوص ما يعد من أفراد العلم عرفا ويكون الظن منصرفا عنه كذلك ولا يظن بالسيد وأتباعه رد مثله بل لو ظهر من واحد منهم الفتوى بعدم حجيته لكان عمله مخالفا مع فتواه جدا وليس مراد السيد من الأخبار التي ادعى كون الأخذ بها مثل القياس في أنه متروك بين الشيعة ما كان كذلك من الأخبار قطعا بل الظاهر منه إرادة أخبار المخالفين التي ربما يكون عدم صدور أكثرها موثوقا به للنفس وإلا فلا يظن به ولا بغيره من أصحابنا إذا عرض عليهم الخبر الواصل بطرقنا الموثوق بصدورها من المعصوم إلا التسلم له والأخذ به هذا ولكن ليعلم أن الظاهر أن إجماعهم على ذلك ليس بما أنهم فقهاء أهل

١٥٦

البيت عليهم‌السلام ومطلعون على أحكامهم كي يكون من الإجماعات الكاشفة عن رأيهم وفتواهم عليهم‌السلام في الواقعة بل بما أنهم عقلاء كغيرهم من الناس إذ من الواضح أن عملهم لم يكن لأجل تعبد يكون في البين بل كان لأجل وثوقهم بصدوره وكونه محرزا وكاشفا عن الواقع فكانوا على ما كان عليه الناس قبل الشرع وكان عليه أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه فإن الظاهر من الروايات التي استشهدنا بها في مقام الاستشهاد بالسنة بطوائفها أن أصحاب الأئمة عليهم‌السلام كانوا يعملون بأخبار الثقات بحسب طبعهم من دون أن يكونوا يحتملون وجود تعبد عليه في البين فكذلك كان حال الأصحاب الذين كانوا من بعدهم مثل الصدوقين والشيخين والسيدين وغيرهم وعلى هذا فدعوى إجماعهم على العمل بها بما أنهم فقهاء الفرقة ورؤساؤهم بعيدة جدا هذا كله في دعوى الإجماع العملي بالتقريب الثاني وأما دعواه بالتقريب الأول ففسادها غني عن البيان بعد ما عرفت في أول المسألة أن أصحابنا العالمين بالأخبار المودعة في أصولنا بين من يعمل بها لكونه قطعية الصدور وبين من يعمل بها من جهة كونها من أفراد مطلق الظن وبين من يقول باعتبارها من جهة اعتبار خبر الثقة وحجيته عنده فموضوع الحكم بالحجية والاعتبار عند كل غير ما هو موضوعه عند الآخر وليس في البين موضوع يكون الحكم مترتبا عليه عند نظر الجميع كي يكون الإجماع دليلا عليه ثالثها دعوى استقرار سيرة المسلمين على استفادة الأحكام من أخبار الثقات فإذا أخبرهم الثقة عن قول الإمام عليه‌السلام أو رأي المجتهد يترتبون عليه آثار الواقع ولا يتوقفون حتى يثبت حجية الخبر الواحد ولا يخفى أن السيرة وإن استقرت على ذلك إلا أن ذلك ليس من جهة التزامهم بالإسلام وتعبدهم بدين خاص بل من جهة حصول الوثوق لهم بمؤداه وكونه طريقا عقلائيا يسلكه جميع

١٥٧

العقلاء في محاوراتهم بل ربما يدور عليه رحى نظام أمورهم وعلى ذلك فيكون مرجع هذا الوجه إلى الوجه الرابع من وجوه تقرير الإجماع في المسألة الذي هو دعوى استقرار سيرة العقلاء وبنائهم في أمورهم عليه ولا يخفى أن ذلك عمدة الأدلة في المسألة بل قد عرفت رجوع سائر الأدلة إليه فيقال إن هذه السيرة من العقلاء حيث كانت بمرأى ومنظر من الشارع وكانت مورد اتباع جميع الناس من المتدينين وغيرهم ومع ذلك فقد وكلهم إلى حالهم ولم يردعهم عنها يعلم قطعا برضائه بها وموافقته معهم فيها وأنه ليس له في تبليغ أحكامه إلى الناس طريق مخترع من عنده بل الطريق عنده هو الطريق عندهم وأما توهم كفاية الآيات الناهية عن العمل بالظن في الردع عنها ففي غاية الوهن والفساد وقد ظهر لك وجهه فيما تقدم فلا نعيد (وأما العقل) فقد ذكر في دلالته أيضا وجوه الأول ما اعتمد عليه الشيخ قدس‌سره سابقا وهو ترتيب مقدمات الانسداد الصغير في الأخبار المودعة في الكتب التي بأيدينا بأن يقال إنا نعلم إجمالا بصدور كثير منها بل أكثرها عن أئمتنا عليهم‌السلام وإنكار ذلك بعد ملاحظة حال الرواة وسابقي علمائنا في كيفية أخذ الأخبار وضبطها والتزامهم بتحصيل الحديث المطمئن بصدوره مكابرة ولا ريب في أنا مكلفون بما يتضمنها تلك الأخبار المعلوم صدورها إجمالا وأنه لا يجوز لنا إهمالها ولا الرجوع إلى الأصول الجارية في مواردها فلا بد إما من الاحتياط بالأخذ بجميع الأخبار والأخذ بمظنون الصدور منها فقط حسب ما يأتي إن شاء الله بيانه مشروحا في ذكر مقدمات الانسداد الكبير ولكن يرد عليه أولا أن أطراف العلم الإجمالي بوجود الأحكام ليست هي خصوص الأخبار التي بأيدينا بل تعم سائر الأمارات الظنية من الشهرة الفتوائية والإجماع المنقول والأولوية الظنية أيضا وتوضيح ذلك أن للعلم الإجمالي هنا ثلاث مراتب الأولى العلم

١٥٨

الإجمالي بوجود الأحكام في جميع الوقائع المشتبهة الثانية العلم الإجمالي بوجودها في ما بين الأخبار وسائر الأمارات الظنية الثالثة العلم الإجمالي بوجودها في الأخبار الموجودة في أيدينا ولكل من هذه المراتب أثر من الاحتياط يخصها ولكن العلم الإجمالي بالمرتبة الأولى ينحل بالعلم الإجمالي بالمرتبة الثانية فإن الأحكام المعلومة إجمالا في جميع الوقائع المشتبهة ليست بأزيد عددا من الأحكام المعلومة في جميع الأمارات ولذا لو عزلنا الأمارات بقدر المعلوم بالإجمال من الأحكام فيها بحيث لا يكون الباقي منها موردا للعلم الإجمالي ثم ضممنا إليه الوقائع المشتبهة الخالية عن وجود الأمارة فيها لما كان هنا علم إجمالي أصلا كما هو واضح بأدنى تأمل وأما العلم الإجمالي بالمرتبة الثانية فلا يكاد ينحل بالعلم الإجمالي بالمرتبة الثالثة فإن المقدار المعلوم إجمالا من الأحكام في جميع الأمارات الظنية يزيد عددا على المقدار المعلوم منها في خصوص الأخبار ولذا لو عزلنا عن الأخبار بمقدار المعلوم بالإجمال فيها ثم ضممنا إلى الباقي سائر الأمارات يكون العلم الإجمالي باقيا على حاله ودعوى استقلال ما سوى الأخبار من الأمارات بنفسها بعلم إجمالي غير بعيدة بل قريبة جدا فإن دعوى عدم العلم بمطابقة بعض الشهرات الفتوائية والإجماعات المنقولة للواقع خلاف الإنصاف نعم يمكن أن يقال إن مجرد العلم بمطابقة بعض الشهرات والإجماعات المنقولة للواقع لا يجدي في إثبات لزوم الاحتياط فيها زائدا على الاحتياط اللازم في الأخبار لاحتمال انطباق المعلوم بالإجمال فيها مع القدر الموافق منها لبعض الأخبار فيكون صرف الاحتياط في الأخبار كافيا للأخذ بقدر المعلوم بالإجمال في الشهرات والإجماعات المنقولة وليس المقدار الغير الموافق منها لمضامين بعض الأخبار بنفسه متعلقا لعلم إجمالي كي يجب الاحتياط فيه أيضا وبالجملة فما لم يعلم بوجود تكليف زائد على التكاليف

١٥٩

التي تتضمنها الأخبار في نفس الشهرات والإجماعات لا يكاد يحب الاحتياط فيها والعلم بذلك مشكل بعد ملاحظة مطابقة كثير منها لما في جملة من الأخبار فراجع إلى الفقه تطلع على ذلك وثانيا أن العمل بالأخبار من باب الاحتياط لا يوجب حجيتها بحيث تنهض للورود أو الحكومة على الأصول اللفظية والعملية فلا تخصص بها العمومات ولا تقيد بها المطلقات ولا يعمل بالنافي منها لو كان في مورده أصل مثبت للتكليف بل ولو لم يكن في مورده ذلك فإن دفع احتمال التكليف حينئذ إنما هو من جهة عدم وصوله وقبح العقاب على مخالفته بدون بيانه لا من جهة وجود الحجة والبيان على عدمه كما هو واضح الثاني ما حكي عن بعض أئمة الفن وحاصله أنه قام الإجماع والضرورة على وجوب الرجوع بالكتاب والسنة وحيث لا يمكن الرجوع إليهما على نحو العلم والظن المعتبر وجب الرجوع إلى ما ظن أنه منهما ومنه الخبر المظنون الصدور فيجب الأخذ به (وفيه) أنه إن كان المراد من السنة ما هو المصطلح عليه منها من قول المعصوم أو فعله أو تقريره كان اللازم عند عدم إمكان الرجوع إلى الكتاب والسنة بهذا المعنى علما أو ظنا معتبرا الأخذ بما يظن أنه مدلول الكتاب أو الحكم الموجود عند المعصوم عليه‌السلام ولو كان الظن بذلك ناشئا من الإجماع المنقول أو الشهرة أو غيرهما من الأمارات الظنية فلا يكون هذا الوجه وجها بحجية الأخبار بل هو عبارة أخرى عن دليل الانسداد المستدل به على حجية مطلق الظن بحذف بعض مقدماته وإن كان المراد من السنة الأخبار الحاكية لها على خلاف ما هو الاصطلاح فيها فيرجع هذا الوجه إلى الوجه الأول ويرد عليه ما أورد عليه أولا من أن العلم بوجود التكليف لا ينحصر أطرافه في الأخبار بل يكون غيرها من الأمارات أيضا من أطرافه إلا أن يقال بالانحلال كما شرحناه في الوجه الأول وثانيا من أن الرجوع إلى مظنون الصدور

١٦٠