الأساس لعقائد الأكياس

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي

الأساس لعقائد الأكياس

المؤلف:

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي


المحقق: محمّد قاسم عبد الله الهاشمي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٠٦

مقدمة الطبعة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي وهب لنا العقول وهدانا إلى صراط مستقيم ومكننا بالقدرة والاختيار من اتباع الحق وتجنب الهلكة يوم يحاسب الخلق. العدل الحكيم الرءوف الرحيم.

والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.

وعلى آله الأئمة الأطهار العترة الأخيار.

وبعد

فهذا كتاب الأساس لعقائد الأكياس نقدمه للقارىء الكريم في ثوب جديد بعد أن جار عليه الزمن فكان حبيس الأدراج ثم تم طبعه طبعة أولى هي أقرب إلى المسخ منها إلى التحقيق وكان المقدم والمحقق هو الدكتور « البير نصري نادر » والطبعة صادرة عن « دار الطليعة » للطباعة والنشر بيروت سنة ١٩٨٠ م.

وكثيرا ما نشاهد كتبا تخرج محققة وخاصة من كتب الزيدية فيكون

١

فيها من الغلط والافتراءات على الزيدية أتباع أهل البيت الكثير وذلك يعود إلى : ـ

١ ـ توجهات المحقق وما يعتقده حيث يريد أن يكون التحقيق وفق هواه ومرغوبه.

٢ ـ معلومات مغلوطة عن الزيدية أخذت من مصادر الآخرين ولم تعتمد على مصادر الزيدية انفسهم.

٣ ـ دوافع كثيرة يعلمها الله حيث يكون المهم في هذه الحالة هو انجاز العمل من دون نظر وطلب للحقيقة والافادة.

وصف للطبعة الأولى :

لا أكاد أجد وصفا أصف به هذه الطبعة ومقدمة التحقيق فيها وما حملته من المفارقات والحقائق المغلوطة والافتراءات على الزيدية.

حتى أن نسب المؤلف عليه‌السلام لم يسلم فيها من المسخ والتحريف وإليكم نسبه كما ورد في هذه النسخة ص ١٠.

« المنصور القاسم بن محمد بن علي بن رسول الله الزيدي العلوي ـ المتوفى عام ١٠٢٩ ه‍ ١٦٢٠ م هو مؤسس آخر بيوت الأسرة الزيدية التي حكمت اليمن الحديث. وهو من بيت الإمام علي الهادي أبي جعفر محمد الجواد ـ الذي ولد سنة ٢١٢ ه‍ وتوفي عام ٢٥٤ ه‍ ودفن في سامراء بالعراق. والإمام الهادي هو الإمام العاشر عند الشيعة الاثني عشرية وهو من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء بنت رسول الله لذلك لقب بالمنصور القاسم بن محمد بن علي ب « ابن رسول الله ».

وهكذا تم التحقيق على هذا النمط والمنوال ولو كلف المحقق نفسه بالبحث لما وقع في غلطه ولعلم أنه من ذرية الإمام الحسن عليه‌السلام وأن

٢

الهادي المذكور في نسبه هو الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم‌السلام.

ولا أعتقد أنه يجد مصدرا يساعده على ما ذكر. وإنما هو تخمين فعند ما سمع بأنه من ذرية الإمام الهادي لم يتبادر إلى ذهنه إلا إلى الإمام علي الهادي الموجود بسامراء وهو لا يلتقي مع مؤلف هذا الكتاب إلّا عند الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ولقد كانت الطبعة الأولى مليئة بالأغلاط ولا تكاد تخلو صفحة من صفحاتها من عدة اغلاط أو نقص أو تحريف وهذا يعود إلى : ـ

١ ـ غلط في الاصول المنقول عليها.

٢ ـ عدم الاجادة لقراءة المخطوطات اليمنية كما يقع لكثير من الباحثين.

واللوم لا ينصب على المحققين بل يتوجه أولا وبالذات على ابناء الزيدية انفسهم فما داموا هكذا ينتظرون ما يقدمه الآخرون لهم من تراثهم وفكرهم من دون اجهاد لأنفسهم وتعاونهم في هذا المجال فلن يخرجوا مما هم فيه وما يرميهم به اعداؤهم.

فها هو الدكتور حسن محمد تقي الحكيم يقتطع الإمام زيد ويقتلعه من أوساط الزيدية ويجره بتأويل نصوصه الواضحة إلى حظيرة أخرى غير ما يدين به الإمام زيد عليه‌السلام ويعتقده.

وها هو الخطيب في كتابه (الإمام زيد المفترى عليه) يفتري على الإمام زيد افتراءات لا أول لها ولا آخر وينسب إليه أشياء قد تبرأ منها الإمام زيد علنا وعلى رءوس الأشهاد.

٣

ثم يطالعنا الدكتور ناجي حسن من العراق بكتاب الدعامة لأبي طالب عليه‌السلام فيطلق عليه نصرة مذاهب الزيدية وينسبه للصاحب بن عباد.

وأخيرا وليس آخرا يقوم الدكتور أحمد عطا الله عارف بدراسة وتحقيق لشرح هذا الكتاب الذي بين أيدينا ولا يكتفي بالخروقات التي ذكرها في المقدمة بل اقتطع جزءا منه ولم يكلف نفسه بإخراجه لأنه ليس على ما يعتقده. وهو الجزء الثالث (النبوة والإمامة).

فهل ينتظر ابناء الزيدية أفضل مما هو حاصل الآن؟

عملنا في هذه النسخة :

لا ندعي بأننا قد أتينا بما لم تستطعه الأوائل بل عملنا يتلخص بالآتي : ـ

١ ـ مقابلة النسخ التي بأيدينا والتي كانت تتمثل بالتالي : ـ أ ـ المطبوعة الأولى لهذا الكتاب ورمزنا لها ب (م ط) أي متن مطبوع.

ب ـ نسخة للمتن مخطوطة من خزانة والدي العلامة عبد الله بن اسماعيل الهاشمي (رحمه‌الله) ورمزنا لها ب (م خ) أي متن مخطوط.

جـ ـ نسخة الشرح المطبوع وهو الشرح الكبير الذي حققه الدكتور عطا الله عارف ورمزنا له ب (ش ط) أي شرح مطبوع.

د ـ نسخة للشرح الصغير مخطوطة وهي من خزانة شيخي ووالدي العلامة صلاح بن محمد الهاشمي حفظه الله وابقاه وهي نسخة خطية قديمة تعود إلى عصر المؤلف وقد جرت فيها قراءات كثيرة وتصحيحات وبعض التعليقات ورمزنا لها ب (ش خ).

٤

وقد اعتمدناها وكان المتن فيها باللون الاحمر والشرح باللون الأسود وحاولنا أن يكون اللفظ مشتملا على ما في المخطوطة الشرح وما في النسخ الاخرى إما بين أقواس زيادة [] أو في الحاشية مع ذكر المصدر.

٢ ـ تخريج الآيات.

٣ ـ ترجمة لأكثر الرجال الذين ذكروا وكذلك الفرق.

٤ ـ الشرح والتعليق لبعض الالفاظ اللغوية والشواهد.

٥ ـ توضيح بعض الفقرات التي قد يصعب فهمها بدون الرجوع إلى شروح هذا الكتاب.

٦ ـ الفهرسة.

نسأل الله التوفيق والهداية والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله.

بيروت في ٦ / ١٠ / ٩٤ م

محمد قاسم عبد الله الهاشمي

٥
٦

المؤلف في سطور

كنا نود أن نعمل ترجمة مستوفاة للإمام عليه‌السلام ولكن لصغر المتن ولوجود تراجم كثيرة مستوفاة للإمام منها النبذة المشيرة في سيرة الإمام القاسم وهناك أيضا دراسة متكاملة ـ عن الإمام لأميرة علي المداح وكثير من المؤرخين كتب حول هذا الموضوع ، فكان الاكتفاء بهذه الاسطر للتعريف الوجيز.

ترجمة المؤلف :

كما جاء في التحف شرح الزلف لسيدي العلامة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي صفحة ٢٢٩ ـ ٢٣٠ الطبعة الثانية.

هو الإمام الأجل المنصور بالله عزوجل أبو محمد القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن احمد بن الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحيى بن محمد بن يوسف الأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر احمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهم‌السلام قام بعد اياسه من خروج الإمام الناصر الحسن بن علي في المحرم سنة ست والف وطهر الأرض من

٧

الردى. ونشر فيها الايمان والهدى ولقد جدد الله بعلمه وسيفه الدين الحنيف واحيا بجهاده واجتهاده معالم الشرع الشريف وطلع عليه‌السلام من أيام الشدائد إلى الحسن المنيع جبل برط من بلد همدان بن زيد ـ.

قبضه الله ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وألف عن اثنتين وستين سنة.

أولاده :

محمد وعلي الشهيد ـ واحمد ـ والحسن ـ والحسين ـ واسماعيل واسحاق درج ـ ويحيى ـ وعبد الله ـ ويوسف.

مؤلفاته :

ومن مؤلفاته الاعتصام في السنة بلغ فيه إلى الحج وأتمه السيد العلامة أحمد بن يوسف زيارة المتوفى سنة ١٢٥٢ ه‍.

المرقاة ـ في اصول الفقه.

الارشاد والتحذير وغير ذلك.

والاساس في اصول الدين الذي يقول فيه الابيات البليغة من البحر الكامل.

هذا الأساس كرامة فتلقه

يا صاحبي بكرامة الانصاف

واحرز نفيسا من نفائس نثره

جمعت بغوص في خضم صاف

جمع المهيمن بيننا في دينه

جمعا يفي بإصابة وتصاف

وله شروح.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين

الناشر

٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فلق (١) إصباح (٢) العقول في قلوب أعلام بريته ، فأشعلها (٣) سبحانه بمصابيح الأنوار القاشعة (٤) لسدول (٥) الحنادس (٦) عن نهج (٧) حق معرفته ، فسلكته خواطر الأفكار (٨) تؤم (٩) إشراق شموس البديع (١٠) من عجيب صنعته ، فوافتها (١١) ناطقة بلسان تطريزها (١٢) المحكم (١٣) أنه تعالى المشيّئ لها (١٤) سبحانه بتقدير قدرته.

والصلاة والسلام على محمد النبي المختار لتبليغ الرسالة إلى الثقلين لاستيداء شكر نعمته ، وعلى أخيه ووصيه وباب مدينة علمه ، المنزل منزلة هارون من موسى إلا النبوة ، عهده وبعده في أمته ، وعلى سيدة النساء ، وخامسة أصحاب الكساء ،

__________________

(١) الفلق ـ بسكون اللام : الشق والكسر.

(٢) الإصباح : الإضاءة ، واسم الصبح ، وهو نور الفجر المنتشر.

(٣) أشعلها : أمها ، ومصابيح الأنوار : زيادة الهدى والنور.

(٤) القشع : كشف الشيء ، يقال : قشعت الريح السحاب ، أي : كشفته.

(٥) السدول : جمع سديل ، وهو ما أرخي على الهودج من الثياب.

(٦) الحنادس : جمع حندس ، هو الليل الشديد الظلمة.

(٧) النهج : الطريق.

(٨) خواطر الأفكار : أي الخواطر التي هي الأفكار ، فالإضافة فيه للبيان.

(٩) تؤم : تقصد.

(١٠) شموس البديع : تشبيه مؤكد ، أي : بديع كالشموس في الدلالة والهدى ، والإشراق : الإضاءة ، والبديع : بمعنى المبتدع المفطور ، والصنعة ـ بفتح الصاد ـ بمعنى : المصنوع.

(١١) وافتها : وحدتها.

(١٢) التطريز : الأعلام ، يقال : طرز الثوب : أعلمه ، أي جعل فيه العلم.

(١٣) المحكم : المتقن ، الممنوع من الفساد.

(١٤) وفي نسخة (المنشئ لها).

٩

وعلى ولديهما السيدين الإمامين الشهيدين ، وعلى سائر الطيبين من عترته ، وعلى أتباعهم الراشدين من الصحابة والتابعين ، وأتباعهم إلى يوم الدين من أهل ملته.

وبعد : فإنه لما كان علم الكلام هو أجل العلوم قدرا ، وأعظمها حظا ، وأكبرها خطرا (١) ، وأعمها وجوبا ، وأولاها إيثارا (٢) ، وأولها صدرا ، لكونه لبيان معرفة المليك البديع (٣) وتقديسا (٤) للعليم السميع ، من مشابهة الخلق الضعيف ، والجور القبيح السخيف ، وكثر في ذلك الخلاف والشقاق ، وقل فيه الائتلاف والاتفاق ، قال الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٥) أحببت (٦) أن أكشف المسوح (٧) عن ضئيل الأقوال في غيابات الظلم (٨) ، لإزاحته بإشراق ما حضرني من بدور أعلام خير الأمم ، وشموس احتجاج الذين وفقوا لإصابة الحق الأقوم من عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهادة (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٩) وخبري السفينة ، وإني تارك فيكم ، طالبا

__________________

(١) خطرا : أي قدرا ومنزلة ، قال في الصحاح : والخطر : الإشراف على الهلاك ، يقال : خاطر بنفسه ، والخطر : السبق الذي يتراهن عليه ، وقد أخطر المال ، أي : جعله خطرا بين المتراهنين ، وخطر الرجل أيضا : قدره ومنزلته ، وهذا خطر لهذا ، أو خطير له : أي : مثله في القدر.

(٢) أولاها إيثارا : أحقها بالإيثار ، وهو التقديم.

(٣) البديع : أي المبتدع للأشياء من غير أصول أزلية ، ومذوت للذوات بعد أن لم تكن.

(٤) التقديس : التنزيه.

(٥) الحج : ٨ ـ ٩.

(٦) أحببت : جواب لما.

(٧) المسوح : الثياب السود الكثيفة الظلمة ، لا يستضاء ما غطته وراءها ، والمراد هنا : جهل الجاهلين ، والشبه التي زعموا أنها حجج وأدلة على أقوالهم ، والضئيل : الضعيف ، والذي لا يكاد يعتبر.

(٨) غيابة الشيء : غوره ، وما غاب منه عن عين الناظر ، وأظلم من أسفله.

(٩) الأحزاب : ٣٣.

١٠

بذلك مرضاة الرحمن ، ومدحرة الشيطان ، ومنفعة الإخوان ، بريا من العصبية والعجب والرياء ، مستمسكا بعروة ممسك الأرض والسماء ، به ثقتي ، وعليه توكلت وهو رب العرش العظيم.

هذا الأساس كرامة (١) فتلقه

يا صاحبي بكرامة

واحرز نفيسا من نفائس نثره

جمعت بغوص (٢) في فرات صاف

جمع المهيمن بيننا في دينه

جمعا يفي بإصابة وتصاف

__________________

(١) كرامة الإنصاف : المراد هنا قبول صحيحه ، والتجاوز عن سقيمه بالعذر لصاحب الكتاب ، لأن غير المعصوم محل الخطأ ، ومعنى (جمعت بغوص) أي : بفكر ونظر صحيح ، والفرات والخضم : البحر. والحرز : الموضع الحصين ، والحرز : الحفظ ، يقال : حرزه بمعنى حفظه ، والأبيات للإمام القاسم بن محمد عليه‌السلام

(٢) في نسخة (جمعت بغوص في خضم صاف).

١١

مقدمة

علم الكلام : هو بيان كيفية الاستدلال على تحصيل عقائد صحيحة (١) حازمة ، تترتب صحة الشرائع عليها.

أو : الاستدلال على شرائع وعقائد مخصوصة (٢).

وجزؤه (٣) الكلام ، لغة : القول ، واصطلاحا : ما مر ؛ إذ يسمى هذا العلم كلاما والعلم ـ السيد حميدان (٤) وروايته (٥) عن أئمتنا عليهم‌السلام ، والبغدادية (٦) ، والجوينى (١) والرازى (٢) والغزالى (٣) : لا يحد ، لاختلاف المعلومات ذاتا وماهية عند السيد

__________________

(١) العقائد جمع عقيدة ، وهي ما انطوى عليه القلب ، والمراد هنا مسائل التوحيد ، وصدق المبلغ. صحيحة : ليخرج الجهل المركب والظن الفاسد. حازمة : ليخرج الظن صحيحه وفاسده. تترتب صحة الشرائع عليها : أي : الواجبات الشرعية كالصلاة.

(٢) العقائد : المراد بها هنا نحو شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخلود أهل الكبائر.

والشرائع : نحو الحكم بالإيمان ، واستحقاق التكفير والتفسيق.

(٣) هكذا في شرح الأساس الكبير المطبوع ، قال : (وجزؤه) أي : وجزء لفظ علم الكلام إذ هو مضاف إليه ، فحد المضاف إليه الذي هو الكلام (١ / ١٠٨) وفي بعض النسخ الخطية : (وجزءاه) أي : المضاف والمضاف إليه ، ثم حد المضاف إليه ، وهو الكلام.

(٤) السيد حميدان : هو السيد حميدان بن يحيي حميدان بن القاسم ، ينتهي نسبه إلى الإمام القاسم بن علي العياني عليه‌السلام ، ويعتبر أحد العلماء الكبار ، الذين حاولوا تأصيل المذهب الزيدي في علم الكلام ، وتنقيته من الكلام المعتزلي ، وله كتاب يسمى (مجموع السيد حميدان) فند فيه كثيرا من آراء المعتزلة ، توفي حوالي ٦٥٠ ه‍.

(٥) في نسخة (ورواية).

(٦) البغدادية : هم أحد فرعي المعتزلة ، وقد كانوا حتى عام ٢٥٥ ه‍ ـ مجموعة واحدة ، إلا أنه بعد وفاة الجاحظ في التاريخ الآنف انقسموا إلى فرعين بغدادية وبصرية ، ومن أهم أعلام البغدادية بشر بن المعتمر ، ونمامة بن الأشرس ، وأبو الحسين الخياط ، ومما يتميز به البغدادية عن البصرية هو ميلهم إلى التشيع. (ش ط ١ / ١٠٨).

١٢

حميدان ، نظرا منه إلى أنه يطلق عليها وجمعها متعذر ؛ ولجلائه عند البغدادية والرازي ؛ ولخفاء جنسه وفصله عند الجويني والغزالي.

__________________

(١) ـ الجويني ، والرازي ، والغزالي من المجبرة (هكذا في الشرح) ثم استدرك في حاشية خطية بقوله : (من الأشعرية لا من المجيرة) إلا ما روي عن الغزالي أنه مات شيعيا زيديا ، فقد ذكر ذلك الكثير.

والجويني : هو عبد الملك بن عبد الله الجويني ، أبو المعالي ، الأشعري المعروف عندهم بإمام الحرمين ، شيخ الأشعرية ومتكلمهم ، ولم يكن أشعريا ؛ لأنه كان يقول : فعل العبد بقدرة مستقلة ولا كسب ، فلهذا كانت نسبته إليهم دعوى ، وله كلام في إثبات القدرة ، وتضعيف قول الأشعرية تأوله ، له مصنفات مشهورة في الأصولين ، كالبرهان ، يذكره في الغاية ، والورقات ، والمنتخب ، وغيرها ، مولده سنة ٤١٧ ه‍ ـ وجاور بمكة أربع سنين وانتقل ، واشتهر له صيت عظيم ، وكان يحضر حلقته ما لا يحصى من الطلبة ، وقد ذكر الشرفي في مصابيحه رجوع الجويني إلى العدل ، وفي الحقيقة لم يدخل في مقالتهم ، كما يعرف من كلامهم عنه ، توفي الجويني سنة ٤٧٨ ه‍.

(٢) ـ الرازي : هو فخر الدين محمد بن عمر الرازي طبرستاني الأصل ، شافعي المذهب ، صاحب التصانيف المشهورة المعروفة ، منها التفسير الكبير ، وهو الذي يذكره علماء الأصول بالإمام ، ولد سنة ٥٤٥ ه‍ ، وهو أحد العلماء الذي جمعوا بين علمي الأصول والفروع وعلوم الفلسفة ، وله أكثر من ستين مؤلفا ، توفي بمدينة هراة (بإيران) سنة ٦٠٦ ه‍ مسموما ، وقد نقل عنه السيد العلامة علي بن محمد العجري في تفسيره الكثير ، وكذلك الإمام الهادي القاسمي ، وكذلك في المصابيح (تفسير أهل البيت عليهم‌السلام) وقوله في تنزيه الأنبياء عن المعاصي التي ينسبها أهل الحديث إليهم مشهور مذكور في تفسيره سورة البقرة ، وسورة يوسف.

(٣) ـ الغزالي : هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الأشعري ، ثم الزيدي ، الطوسي ، الملقب : حجة الإسلام ، قرأ على الجويني بطوس إلى أن توفي ، وانتقل إلى العراق ، وله المؤلفات المشهورة كالإحياء والمستصفى ، والمنتخب وغيرها مما يطول ذكرها ، وكان أشعري المذهب ، ثم انتقل إلى مذهب الزيدية ، وصح رجوه برواية الشيخ محي الدين الجيلاني ، ومثله قال الإمام الشرفي ، وله كتاب سر العالمين يشهد بذلك ، واشتغل آخر عمره بالزهد والعبادة ، وكان الناصر الري قد صحبه وأثنى عليه ، ولادته سنة ٤٥٠ ه‍ وقيل : سنة ٤٥١ ه‍ وتوفي في جمادى الآخرة سنة ٥٠٥ ه‍ مقبور بطوس خارج مدينة مشهد ، وقد زرته ، ويوجد بالقرب منه المطبق الذي بناه هارون الرشيد ، وكان يحبس فيه أهل البيت عليهم‌السلام.

١٣

صاحب (الفصول) (١) عن أئمتنا عليهم‌السلام ، والبصرية (٢) : بل يحد العلم فهو اعتقاد جازم مطابق.

قلت : وليس بجامع ؛ لأن علم الله سبحانه وتعالى ليس باعتقاد ، ويمكن أن يقال : هو إدراك تمييز مطابق بغير الحواس ، سواء توصل إليه بها أم لا.

وثمرته : بيان معرفة الله سبحانه وعدله ، وما يترتب عليهما. واستمداد بعضه من صنع الله تعالى باستعمال الفكر فيه ، و [بعضه] من السمع المثير لدفائن العقول ، وبعضه من السمع فقط (٣).

فصل (في ذكر العقل)

أئمتنا عليهم‌السلام والمعتزلة : والعقل عرض.

المطرفية : (٤) بل هو القلب.

بعض الفلاسفة : بل جوهر بسيط. بعضهم : بل جوهر لطيف.

بعض الطبائعية (٥) : بل طبيعة مخصوصة.

__________________

(١) هو السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى الوزير ، مولده في رمضان سنة ٨٣٤ ه‍ ، وقرأ بصنعاء وصعدة على يد جماعة من الشيوخ المبرزين في الأصول والعربية ، والفقه ، والحديث والتفسير ، حتى صار المرجع في عصره ، وله مؤلفات كثيرة في جميع العلوم ، توفي ليلة الأحد الثاني من شهر جمادى الآخرة سنة ٩١٤ ه‍ ودفن في جربة الروضة بصنعاء.

(٢) البصرية : أحد فروع المعتزلة ، رأسهم أبو الهذيل.

(٣) وذلك كالأخبار الدالة على الإيمان والكفر والإمامة ، وشفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٤) ـ المطرفية : يعدون من فرق الزيدية المنفصلة عنها ، وهم أصحاب مطرف بن شهاب ، وقد انقرضت هذه الفرقة ، وكانت تنحو في كثير من أقوالها منحى الطبائعية ، وقد ورد التعريف بهم ، وذكر بعض أقوالهم وتفنيدها في شرح الأساس المطبوع ١ / ١٣٧ ـ ١٤٢.

(٥) الطبائعية : كل من أضاف التأثير إلى الطبع ، منهم الفلاسفة ، فإنهم جعلوا العالم صادر عن علة قديمة بالطبع ، ومثل ذلك نقل عن الباطنية ، والمنجمية قالوا بقدم الأفلاك والعناصر ، وجعلوا الحوادث اليومية صادرة عنها بالطبع.

١٤

لنا : زواله عند نحو النوم وعوده عند النقيض ، فلو كان (العقل) (١) القلب أو جوهرا لم يزل ، والطبيعة إن أرادوا بها العرض فكقولنا ، وإلا فلا تحقق لها.

أئمتنا عليهم‌السلام ، والمعتزلة (٢) : ومحله القلب.

الفلاسفة : بل محله الدماغ.

قلنا : لا دليل عليه إلا قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) (٣) وقد صح بما يأتي إن شاء الله تعالى.

قالوا : كي دماغ متغير العقل وصلاحه به دليل كونه فيه.

قلنا : له من الدماغ مادة فالكي لإصلاحها ، ككي باطن العقب لبعض أوجاع البطن ، وكاللحية لها مادة من الذكر.

جمهور أئمتنا عليهم‌السلام ، والمعتزلة : والعقل معنى غير الضرورية.

__________________

(١) ـ ما بين القوسين غير موجود في نسخة الشرح المعتمدة إلا على سبيل الشرح ، وهو موجود في بعض النسخ كمتن

(٢) المعتزلة : هم أتباع واصل بن عطاء الغزال ، كان نادرة الزمان في فصاحته ، وكان يغشى مجلس الحسن ، ثم ناظره في المنزلة بين المنزلتين والحسن ينكرها ، واعتزل واصل وتبعه عمرو بن عبيد الزاهد ، فقال الحسن : ما فعلت المعتزلة؟ فسموا بذلك ، وأرسل واصل عثمان الطويل فتبعه سواد الكوفة ، واعترضه الإمام الصادق عليه‌السلام في مسائل ، ونسبه إلى الابتداع ، ثم انقسموا إلى بصرية شيخهم محمد بن الهذيل العلاف البصري ، صاحب الجدل والمناظرات ، وبغدادية شيخهم أبو الحسين الخياط وتلميذه أبو القاسم البلخي ، ويجمع مذهبهم القول بالعدل والتوحيد ، وتقديم أبي بكر في الإمامة ، واختلفوا في الفضيلة ، فمنهم من فضل عليا ، وهم غالب البغدادية ، وبعض البصرية ، ومنهم من فضل أبا بكر ، وهم غالب البصرية ، وقد أطلق هذا الاسم أولا على من اعتزل الحرب مع الإمام علي عليه‌السلام ، ثم غلب فيما بعد على من ذكرنا أولا.

(٣) الحج : ٤٦.

١٥

المهدي (١) عليه‌السلام ، والمعتزلة : بل هو الضرورية.

قلنا : لو كان هو الضرورية لكان من لم يحضرها دفعة في قلبه ، أو لم يحضرها بباله كذلك عند اشتغاله بنحو نظر ، أو بنحو تصور بعضها غير عاقل ، وذلك معلوم البطلان.

قالوا : لو كان غيرها لصح وجودها مع عدمه ، وعدمها مع وجوده.

قلنا لا يلزم صحة وجودها مع عدمه ؛ إذ هي إدراك مخصوص لا يحصل إلا به كالمشاهدة إدراك مخصوص لا يحصل إلا بمعنى ركبه الله في الحدق ، كما يأتي إنشاء الله تعالى وأما ذهابها غالبا عند نحو التفكر مع بقائه فملتزم غير قادح كذهاب المشاهدة عند غيبوبة المشاهد مع بقاء المعنى في الحدق.

فصل [في التحسين والتقبيح العقليين]

ويستقل العقل بإدراك الحسن والقبح باعتبارين اتفاقا.

[الأول] : بمعنى ملاءمته للطبع كالملاذ ، ومنافرته كالآلام.

__________________

(١) المهدي : هو الإمام المهدي أحمد بن يحي المرتضى الحسني ، ينتهي نسبه إلى الإمام الهادي عليه‌السلام ، قال السيد الحافظ : هو إمام الزيدية في كل فن ، وقال القاضي : ارتضع ثدي العلم ، وربي في حجر الحلم ، وقدره لا يحتاج إلى وصف واصف ، ومحله يغني عن تعريف عارف ، كما قال بعضهم : مهما باشرت علم الفقه وجدت الجم الغفير يغترفون من بحره ، وينتجعون من غيثه ، وزنينه ، فالدفاتر بعده وإن تعددت فشيخها أحمد ، أو عددت العلماء فهو واسطة عقدها المنضد ، أو خضت علم الكلام إلى الغايات وجدت من بعده يتداولون العبارات ، فكم من غائض في بحره قد التقط الدرر الفرائد ، وعاطل نحره قد حلاه بالجواهر واليواقيت والقلائد ، وسيرته مشهورة ، قال الشيخ العلامة صالح المقبلي : الإمام المهدي هو الذي أخرج مذهب الزيدية إلى حيز الوجود ، ولد بمدينة ذمار سنة ٧٦٤ ه‍ ودعا لنفسه بعد وفاة الإمام الناصر صلاح الدين سنة ٧٣٩ ه‍ إلا أنها لم تدم سوى شهور ، فقد حاربه الإمام علي بن صلاح ، ثم أسره وسجنه حوالي سبع سنين بصنعاء ، وقد تفرغ في سجنه للعلم فأفاد الأمة بمؤلفاته وتحقيقاته ، ولا تزال كتبه إلى الآن المصادر الأساسية للفقه الزيدي ، وقد جمع الإمام علم المتقدمين والمتأخرين ، ومؤلفاته تقدر بنيف وسبعين مؤلفا ، توفي الإمام عليه‌السلام سنة ٨٤٠ ه‍ وقبره بظفير حجة مشهور مزور مهمل ، ويوجد بمسجدة مكتبة فيها كتب قيمة ، نسأل الله أن يهيئ لها من يخرجها إلى النور.

١٦

[والثاني] : بمعنى كونه صفة كمال كالعلم ، وكونه صفة نقص كالجهل.

أئمتنا عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة (١) رضي الله عنهم ، والمعتزلة والحنفية (٢) ، والحنابلة (٣) وبعض الأشعرية (٤) : باعتبار كونه متعلقا للمدح والثواب عاجلين ، والذم والعقاب كذلك.

أئمتنا عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة ، والمعتزلة وغيرهم : وباعتبار كونه متعلقا للمدح عاجلا ، والثواب آجلا ، والذم عاجلا ، والعقاب آجلا.

جمهور الأشعرية : لا مجال للعقل في الأخيرين ، ووافقهم أقلهم ، والحنفية والحنابلة في آخرهما.

أئمتنا عليهم‌السلام ، والمعتزلة وغيرهم : وباعتبار كونه غير متعلق لأي الأربعة فهو من الحسن ، خلافا للأشعرية.

__________________

(١) صفوة الشيعة : هم الزيدية ، وكلما وردت هذه اللفظة فالمراد الزيدية.

(٢) الحنيفة : أتباع أبي حنيفة ، ومنهم أبو يوسف ، ومحمد ، والطحاوي ، وأبو بكر الرازي ، ويقال : إن أكثر المعتزلة حنفية.

(٣) الحنابلة : هم أتباع أحمد بن حنبل.

(٤) قال في شرح الأساس ١ / ١٥٨ : ولعلهم الغزالي ، والرازي المعروف بابن الخطيب.

وقال في ص ١٦٠ : والأشعرية : من انتسب إلى مذهب أبي الحسن علي بن أبي بشر بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري كذا ذكره ابن خلكان ، قال الحاكم : هو بصري قرأ على أبي علي ثم خالفه ، وأظهر القول بالجبر ، قال : وأخرج أهل الكلام ممن يوافقه أو يخالفه : أنه لم يتصل له إسناد بأحد من الأئمة ، ولا بفرقة من فرق المسلمين ؛ لأنه أخذ الكلام عن الشيخ أبي علي ، ثم خالفه وخالف المعتزلة وتبرأ منهم ، ولم يختلف إلى أحد منهم بعد ذلك ، واتصل بأصحاب الحديث داعيا مسترشدا ، قال : وهذه علامة ظاهرة في أنه ابتدع المذهب ، وإنما أحيا بعض مذهب جهم بعد أن كان اندرس لقتله ـ قتله سالم بن أحوز المازني في آخر ملك بني أمية. ومما أحدث من القول أنه تعالى مسموع ، وأنه أسمع نفسه موسى ، وأن صفات الله تعالى قديمة ، وأن الكلام صفة لله قائمة بذاته ، وأنه تعالى كلف ما لا يطاق ، وأنه تعالى يرضى الكفر ويحبه ، وأن عذاب الأنبياء وثواب الكفار يحسن منه تعالى ونحو ذلك من الأقوال الباطلة ، وهو أول من أظهر القول بأن الله سبحانه يكلف ما لا يطاق. تعالى الله عن ذلك.

١٧

لنا في جميع ذلك : تصويب العقلاء من مدح أو أحسن إلى المحسن ولو تراخى ، ومن ذم أو عاقب المسيء ولو تراخى ، ولنا عدم حكمهم بأيها في حق من استظل تحت شجرة لا مالك لها ، أو تناول شربة من ماء غير مجاز.

قالوا : لو سلم على التنزل لم يسلم في مسألتين :

الأولى : وجوب شكر المنعم ؛ لأن النعم عند الله حقيرة لسعة ملكه ، فيكون كمن تصدق عليه الملك بلقمة ، فإذا تحدث المنعم بالشكر لأجلها عد ساخرا لا شاكرا.

الثانية : حكم الأشياء قبل ورود الشرع (١) فلا يدرك العقل فيها جهة حسن ولا قبح ؛ إذ هو تصرف في ملك الغير بغير إذنه.

والجواب عن الأولى : أن اللقمة حقيرة عندهما والسامع فيكون ساخرا ، بخلاف نعم الله سبحانه وتعالى فإنها وإن كانت حقيرة عند الله سبحانه وتعالى لسعة ملكه فهي جليلة عند الشاكر والسامع ، فالمتحدث بالشكر عليها لا يعد ساخرا ، كمن أعطاه ملك قد ملك الأرض وجبالا من الذهب بدرة عين ، فإن البدرة عنده حقيرة ، وعندهما جليلة ، ولو سلمنا لزم أن يجعلوا لله تعالى علوا كبيرا صفة نقص ، حيث أمر أن يسخر به في قوله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (٢) إذ ذلك صفة نقص عند العقلاء ، مع أن استحقارهم لنعم الله تعالى رد منهم لقوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٣) وقوله تعالى : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (٤) ومن رد آية كفر بإجماع الأمة المعلوم ، بل ذلك معلوم من الدين ضرورة.

__________________

(١) في نسخة (قبل ورود الشرع بها).

(٢) الضحى : ١١.

(٣) النساء : ٥٤.

(٤) النساء : ١١٣.

١٨

وعن الثانية : التمكين من أملاكه مع خلق العقل المميز إذن ، كالممكن من أملاكه الناصب للعلامة فيما يؤخذ منها وما يترك (١) ، قال الله تعالى : (فَأَلْهَمَها) فُجُورَها وَتَقْواها (٢) أي : بما ركب فيها من العقول ولم يفصل. قالوا : قال الله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٣) فدلت أن لا استحقاق (٤) للعقاب قبل ورود الشرع (٥).

والجواب ـ والله الموفق ـ : أن الآية لا تنافي ما ذهبنا إليه ؛ لأن المعنى : وما كنا معذبين بعد استحقاق العذاب بارتكاب القبائح العقلية ، بدليل قوله تعالى : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) وَأَهْلُها غافِلُونَ (٦) فأخبر الله سبحانه أنهم قد ارتكبوا القبح الذي هو الظلم ، وهم غافلون عن السمع ، حيث لم تبلغهم الرسل ، فقال تعالى : (حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٧) بأن يقولوا : حصل العلم بالاستحقاق ، ولم نجزم بالوقوع لعدم معرفتهم لربهم ، كمن يقتل نفسا (٨) على غفلة فإنه يعلم أن القصاص مستحق عليه ، ولا يجزم بوقوعه لتجويز أن لا يطلع عليه أحد ، فيقولون : لو أنذرنا منذر لأصلحنا ، بدليل قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ

__________________

(١) نخ (وما يترك منها).

(٢) الشمس : ٨.

(٣) الإسراء : ١٥.

(٤) نخ (فدلت هذه الآية على أنه لا استحقاق).

(٥) نخ ش (السمع).

(٦) الأنعام : ١٣١.

(٧) النساء : ١٦٥.

(٨) ش (عدوانا).

١٩

آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (١) ونظيره في الشرعيات عدم جواز حد المرتد حتى يدعى إلى التوبة.

فصل [ما يدرك بالعقل]

وما يدرك بالعقل قد يكون بلا واسطة نظر كالضروريات (٢) ، وبواسطة نظر كالاستدلاليات (٣).

والإدراك به إن عري عن حكم فتصور (٤) وإن لم يعر فتصديق.

والتصديق جازم وغير جازم ، فالجازم مع المطابقة ، وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما ، أو الأول اعتقاد فاسد وجهل مركب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح.

وغير الجازم إن كان راجحا فظن ، وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشك والأول إن طابق فصحيح ، وإلا ففاسد. وقد يطلق الوهم على الغلط وعلى الشك.

__________________

(١) طه : ١٣٤.

(٢) الضروريات : هي التي تعرف بضرورة العقل وبديهته وفطرته ، والعلوم الضرورية عشرة ، وقد جمعها قول الشاعر

فعلم بحال النفس ثم بديهة

كذا خبرة ثم المشاهد رابع

ودائرة والقصد بعد تواتر

جلي أمور والتعلق تاسع

وعاشرها تمييز حسن وضده

فتلك علوم العقل مهما تراجع

(٣) في نسخة المتن الخطية زيادة (وقد عرف بذلك حداهما) وليس ذلك موجودا في الشرح المخطوط لا متنا ولا شرحا الاستدلاليات : هي ما يكون بواسطة نظر وترتيب مقدمات ، كمعرفة الله سبحانه.

(٤) التصور : هو أن يحصل في ذهن الإنسان صورة مطابقة لما في الخارج ، ذكر في الشرح : أن العلم والظن إن كانا بذات فتصور فيما يمكن تصوره ، وإلا فإيمان كالعلم بالله ، وإن كان بحكم فإيمان ، ويمكن تصور الأحكام فيكون تصورا أيضا.

٢٠