تراثنا ـ العددان [ 113 و 114 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 113 و 114 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العدد الثالث والرابع [١١٣ ـ ١١٤]

السنة التاسعة والعشرون

محتـويات العـدد

* كلمة العدد :

المحتدم الفكري والنيل من المقدّسات

................................................................. هيئة التحرير ٧

* مزار المفيد بين نسختي الكبير والصغير منه؟!

.............................................. السيّد حسن الموسوي البروجردي ١٠

* (المصابيح في تفسير القرآن) كنزٌ من تراث التفسير الشيعي

........................................................... مرتضى كريمي نيا ٥٥

* الذكر المحفوظ قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن وما روي في تحريفه (١).

.................................................... السيّد علي الشهرستاني ١٠١

* النظرية الحديثية في المدرسة الإمامية (١)

................................................ السـيّد زهير طالب الأعرجي ١٨٤

٢

محرّم الحرام ـ جمادى الآخرة

١٤٣٤ هـ

* الغدير بين الأدب والتأريخ

............................................  السيّد محمّد علي راضي الحكيم ٢٠٤

* دراسة في سند الزيارة الجامعة الكبيرة

...................................................... حميد ستودة الخراساني ٢٤٢

* من ذخائر التراث :

* (شرح القصيدة العينيّة للسيّد الحميريّ) للملاّ حبيب الله الكاشاني (١٣٤٠ هـ)

................................................. تحقيق : فارس حسّون كريم ٢٦٩

* (كتاب صغير) رواية أبي الفتح الحائري (كان حيّاً سنة ٥٧٣ هـ)

...................................... تحقيق : الشيخ عبد الحليم عوض الحلّي ٤١٧

* من أنباء التراث.

............................................................. هيـئة التحرير ٤٥٦

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (شرح القصيدة العينيّة للسيّد الحميريّ) للملاّحبيب الله الكاشاني (١٢٦٢ ـ ١٣٤٠ هـ) والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

كلمة العـدد :

المحتدم الفكري

والنيل من المقدّسات

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى أنّ بادية العرب على جدوبة أرضها وشظف عيشها وفضاضة خلق قاطنيها إلاّ أنّها كانت تحظى بحضارة إنسانية لعلّها تفرّدت بهاآنذاك بين الأمم ، فبينما كانت ولا زالت الحضارات تعتدّ بوفور المال وجمع السلاح والكراع والزهرجة والبهرجة واقتحام البلاد وسفك دماء العباد والتبختر على أشلاء الضحايا ، فقد شهدت البادية لأبنائها أيّاماً سجّلت على رمالها معنىً سامياً للكرامة والنبل والإباء والسخاء وإكرام الضيف وإيوائه واستجارة المستجير وخير شاهد على ذلك حلف الفضول في الجاهلية والذي أقرّه الرسول(صلى الله عليه وآله) ، كما رعت صحاريها ما شخصوا به من مهاراتهم في عذوبة البيان وسجالة الكلام وقوّة الفصاحة والبلاغة حيث يعدّ هذا الأخير هو العذب الفرات الذي نقل لنا من ذاك الرفات الخلق النبيل والمنطق الأصيل والتراث

٧

الأثيل من مفاخر ومآثر ومواقف خلّدتها هذه الحضارة الثرّة ، فتلك نواديها وأسواق المعرفة فيها نقشت على صفحات التاريخ للبادية أيّامها ورفعت لها مرّ القرون أعلامها وحقّقت لأهل الكرامة أحلامها بعد أن تركت جاهليّتها واعتنقت إسلامها ، وتنفّست السماء لتحكي عن أنبائها وصفّقت أجنحة جبرئيل في أرجائها وخفق الوحي على جبال بكّةوبطحائها وهبط من بين تلك الفجاج على حرائها ليُقرىء أفصح من نطق بالضاد قرآناً من ربّ العباد يتلوه نبيّ منذرٌ ومبشّر هاد ، (إقرأ) إنّها الكلمة التي انهدّت من دونها الأصنام واهتدت لها أفئدة الأنام ورفعت للبرية راية الأمن والسّلام ، وأسلمت لها يثرب والبطحاء وطأطأ لها أسود الصحراء ووجم بها الفصحاء والبلغاء ، واندحرت بها الآثام والموبقات وسجدت لها من أعلى جدران الكعبة المعلّقات وحملت في طيّها السبع المثاني والعاديات وحاميم والصافّات وطه والمرسلات والنجم والذاريات وما إلى ذلك من آيات باهرات.

وانحدر النبيّ من شاهق الجبل وفي رشحات جبينه ومضات الأمل وهويرتّل الآيات ويتلو الجمل لينذر أمّ القرى ومن حولها من الملل ، يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة يرشدهم إلى الهدى ويتمّ عليهم مننه ليستمعوا القول فيتّبعوا أحسنه ، فكان لهم سراجاً وهّاجاً حيث جعل لهم من الدين شرعة ومنهاجاً فمنهم من آمن ومنهم من ازداد لجاجاً ، فجادلهم بالتي هي أحسن نهجاً وأقام لهم فيما دعاهم إليه حججاً وأراهم طريقاً بلجا لم يرو فيه أمتاً ولا عوجاً ، فغذا بحديثه العقول وابتنت على حججه الأصول ومضت عليه قوافل المعقول والمنقول ، فخطّ للكرامة مشرعاً وللإباء طريقاًمهيعاً ولتراث العلم والقلم مربعاً.

فأيّ منهج أسمى من الرسول إنسانية حيث كان لها أساساً ، وأيّ خلق أشفى للصدور إذ كان له نبراساً ، وأيّ سيرة كانت أكثر منه أمناً ودعة واحتراساً ، (ادْعُ إلى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة) هي آية الرشاد ، (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيْم) اللطف بالعباد ، (إنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدَاً وَمُبَشِّراً وَنَذِيْراً وَدَاعِياً إلى اللهِ بِإذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيْراً) آية أشرت بها الوهاد واستقرّت لها المهاد ، (حَرِيْصَ عَلَيْكُمْ مَا عَنِتُّمْ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوفٌ رَحِيْمٌ)

٨

هرعت لها القلوب من كلّ فجٍّ عميق ومن كلّ واد ، وكلّ آية رتّلها من الكتاب كانت رحمة وشفقة ونهج سداد.

أعاد للمرأة كرامتها من بعد ذلٍّ ووأد ، وصار الأسود في ملّته كالأبيض دون كراهية وصد ، وانتزع الغلّ من الصدور بلا رعب وحد. أشبع المسكين الفقير وآوى اليتيم والأسير وعفى عن الآبق المستجير وانتظرت مبعثه كلّ صومعة ودير.

لا تسبّوا آلهة من كفر ، ولا تزيلوا حجراً عن حجر ، لا تهلكوا النسل والحرث من نبت وشجر ، ولا تجهزوا على جريح من بعد كرٍّ وفرّ ذلك هو جيشه الأغرّ وشعاره الأبر الذي ملأ به الوجود حكمةً وعبر في سالف غبر وحال حضر.

فإن كُذّب كان الصّدق سيفه وسنانه وإن صُدّ كان الخلق سجّيته وإحسانه ، وإن حورب كان العفو منطقه وأمانه ، فليهجر بضغنه كلّ متكتّم هامسوليجرأ عليه كلّ متكلّم نابس وليمتلىء عليه غيضاً كلّ متكبّر عابس هجس فنبس واربدّ وعبس ونسب إلى ساحة الرسول الأعظم كلّ رجس وإفكودنس دحراً للحسنات والتزاماً بالسيّئات.

فليس من العجب أنّنا اليوم نرى حملة هوجاء تستهدف الرسول(صلى الله عليه وآله)لتنال من قدسيّته وعظيم شخصيّته. وممّا زاد في الطين بلّة أنّ هناك بين المسلمين وجوهاً لا تُرى إلاّ عند كلّ سوءة ، غوغاء إذا اجتمعوا غلبوا وضرّوا وإذا تفرّقوا لم يعرفوا ونفعوا ، يحرقون الأخضر واليابس ، ويخلطون الحابل بالنابل ، نفوس مريضة تتستّر بأسماء برّاقة وزخرف القول ، جهّال متنسّكون ، ضلّوا وأضلّوا ومضوا في طخية عمياء حيث لم ترسم للرسول ورسالته السمحاء إلاّ صورة شوهاء عجفاءمتعسّفة هزيلة عشواء ، قوم كانوا لمدار الفتن كالقطب من الرحى أمروابالمنكر ونهوا عن المعروف فلبئس المنتحى ، لبسوا الحقّ بالباطل وقتلوا النفس التي حرّم الله.

هيئة التحرير

٩

مزار المفيد بين نسختي الكبير والصغير منه؟!

السيّد حسن الموسوي البروجردي

بسم الله الرحمن الرحيم

العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الأكرمين ، واللعن الدائم على أعدائهم من الآن إلى يوم الدين.

وبعد ..

كرّم الإسلام بل الأديان السماويّة كلّها الإنسان حيّاً وميّتاً ، فتراه حرّم المثلة ولو بالكلب العقور ، وحرّم حرق الأموات ـ كما تصنعه بعض الأُمم ـ ونبش القبور. وغيرها من الانتهاكات التي يطول سردها ، وأوجب احترام الأموات من وجوب الغسل والتكفين والصلاة على الميّت والدفن ، وكلّ هذه الممارسات وصلت إلينا من خلال سيرة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن طريق الأخبار والأحاديث ـ في كتب الخاصّة والعامّة ـ وتلقّاها عنه الصحابة ومنها البكاء والرثاء والحزن ، وزيارة القبور ، وذكر محاسن الميّت ، وتأبينه ، والدعاء له ،

١٠

وفي هذا السلك تنتظم زيارة النبىّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ؛ فإنّ المُزار كلّما كان عظيم الشأن قريباً من الله كانت معطيات زيارته أكثر ؛ إذ ليس المقصود منها الوقوف على ركام من الأحجار والتراب ـ وإن كانت لهما قدسيّتهما كالحجر الأسود وتراب قبر الإمام الحسين الشهيد عليه‌السلام ـ بقدر ما هو وقوف على معالم الإيمان والكرامة والفكر.

فيكون من قبيل قولهم :

أمرُّ عَلَى الدِّيارِ ديارِ ليلى

أُقَبِّلُ ذَا الجِدارَ وذا الجِدارا

وما حُبُّ الدِّيارِ شَغَفْنَ قَلبِي

ولكن حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيارا

وبالجملة قد رُوِيت أحاديث كثيرة ـ في كتب الفريقين ـ عن النبىّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين عليهم‌السلام في حياتهم الإلهيّة على ضرورة زيارة قبورهم الشريفة بعد وفاتهم ، ووعدوا من ربّهم (عزّ وجلّ) على ذلك الثواب الجزيل والآثار العظيمة في الدنيا والآخرة ، لِمَا للزيارة من معان سامية ودلالات لائحة على علاقة المؤمن بنبيّه وأوصيائه وبما جاؤوا بها في حياته وبعد وفاته.

وإلى أن رويت سلسلة من الأعمال والمراسيم عند الزيارة من الطهارة والذكر والدعاء والصلاة والخضوع والخلوص والالتفات إلى العظمة الروحيّة للمُزار .. وغيرها من الأعمال؛ وقد جمعها العلاّمة المحدّث الميرزا حسين ابن محمّد تقي النوري (ت ١٣٢٠ هـ) في كرّاسة لطيفة من كتب المزار والفقه والحديث ، وأنهاها إلى ثلاث وأربعين أدباً ، وسمّاها بـ : (آداب الزيارة) ، وجعلها إحدى مقامات الفصل الرابع من كتابه تحيّة الزائر ، إذ قال تلميذه

١١

العلاّمة الطهراني (١٣٨٩ هـ) عن هذه الرسالة : «ما رأيتُ من سبقه في هذا الجمع ، فحريّ بأن يعدّ تصنيفاً مستقلاًّ له» (١).

ومن تلك الآداب التي علّمها الأئمّة الهداة عليهم‌السلام لشيعتهم عند الزيارة ووصلت إلينا هي قراءة نصوص يردّدها الزائر عند قبورهم عليهم‌السلام تحتوي على أهمّ أركان الإسلام وأُصول الدين وقواعد الأخلاق وأُسس المعارف ، وقد قام أصحابنا ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ في عهد أئمّتهم وبعدهم بجمع هذه النصوص وتدوينها في كتب خاصّة سمّوها بكتب المزار.

ومن الحريّ أن نشير هنا ـ استطراداً للموضوع ـ إلى الباب الخشبي العتيق الرائع لضريح المرقد الشريف لهانئ بن عروة المرادي ـ صلوات الله عليه ـ الذي يعدّ بحقّ من التحف الخشبيّة في العالم ، المزدان بزخارف منقوشة ، والمصنوع في البلاد الإيرانيّة في محرّم سنة ٥٤٣ هـ / ١١٤٨ م ، والمحفوظ في متحف جاير أندرسون (بيت الكرتيليّة) بحيّ طولون بالقاهرة(٢) ، والمهمّ هنا أنّ هذا الباب يحتوي على زيارة هانئ بن عروة ، وكلمات النصوص الكتابيّة المنقوشة عليه يطابق تماماً كلمات زيارة هانئ الموجودة في كتابنا الذي نحن بصدده وغيره من الكتب كمزار ابن المشهدي وابن طاوس والشهيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الذريعة ١ : ٢٠/ ٩٣.

(٢) كتب الأُستاذ الدكتور عبد الرحمن فهمي أُستاذ جامعة القاهرة مقالاً ممتعاً عن هذا الباب ، وطبعه في مجلّة (سومر) العدد : ٢٦ ، الصفحة : ٢٦٣ ـ ٢٧٦.

١٢

ومن خلال ما كتب على هذا الباب ترى أنّ شيعة الحسين بن عليّ عليهما‌السلامفي النصف الأوّل من القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي لم تنس لناصر الحسين عليه‌السلام والبطل الشهيد هانئ بن عروة ـ الذي كان من القرّاءالأشراف ـ جهاده وموقفه مع الحسين عليه‌السلام حيث إنّه كان ممّن يأمل فيهم الحسين عليه‌السلام في نشر دعوته الإلهيّة وتوطئة الأُمور له بالكوفة قبل انتقاله إليها ، فأقامت له ضريحاً يُزار بجانب مسجد الكوفة فوق جثمانه الشريف ، بقي من آثار هذا الضريح هذا الباب النفيس والذي يحمل تاريخاً يقوم دليلاً على وجود ضريح هانئ في ذلك العصر ، وتعدّ هذه الكتابة التي عليه هي أقدم نصٍّ وصل إلينا لزيارة ابن عروة المرادي رضي‌الله‌عنه ، وقد ذُكر في مزارالمشهدي (ق ٦).

كما أنّ الزيارات التي زارها أئمّةُ أهل البيت عليهم‌السلام آباءَهم عليهم‌السلام جعلها أصحابهم ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ في كتب مستقلّة عنونت باسم المزار ، وأوّل كتاب أُلّف في موضوع المزار في العالم الإسلامي بحسب ما وصل إلينا هو : كتاب مزار أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ للشيخ الثقة الجليل معاوية بن عمّار الدُّهني الكوفي (ت ١٧٥ هـ) الذي كان من خواصّ أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام(١) ، وذلك في بداية إظهار الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام قبرَ جدّهم أميرِالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لشيعتهم لاسيّما الإمام أبي عبد الله جعفر بن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الفهرست للنجاشي : ٤١٢/ ١٠٩٦.

١٣

محمّد الصادق عليهما‌السلام (المستشهد سنة ١٤٨ هـ) الذي كان له دور كبير في إظهار قبر جدّه وترغيب الناس إلى زيارته ، وقد يومئ تأليفُ كتاب ـ المزار ـ في بدايات ظهور المرقد الشريف من أحد تلامذة الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلامالثقاة القريبين إليهما إلى حثّ من قبلهما صلوات الله عليهما لجمع هذه النصوص ، ولرغبة المؤمنين إلى زيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام واحتياجهم إلى آداب زيارته ، كما أنّ الكتب تؤلّف عادةً لتلبية احتياج المجتمع.

وكذا كتاب المزار ؛ لأبي سليمان داود بن كثير الرقّي (ت بعد ٢٠٠هـ) ، وهو من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم‌السلام(١) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الثقة أبي الحسن علي بن أسباط بن سالم بيّاع الزُّطِّي ، المقرئ الكوفي (حيّاً سنة٢٣٠ هـ) ، وهو من أصحاب الرضا والجواد عليهما‌السلام ، وكان أوثق الناس وأصدقهم لهجةً(٢) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الفقيه أبي الحسن علي بن مهزيار الأهوازي الدورقي ، وهو من أوثق أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ، وكان وكيلهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الفهرست للنجاشي : ١٥٦/ ٤١٠ ، رواه النجاشي بهذا الطريق : أخبرنا أبو الحسن ابن الجندي ، قال : حدّثنا أبو علي ابن همّام ، قال : حدّثنا الحسين بن أحمد المالكي ، قال : حدّثنا محمّد بن الوليد المعروف بشباب الصيرفي الرقّي ، عن أبيه ، عن داود بكتاب المزار.

(٢) الفهرست للنجاشي : ٢٥٣/ ٦٦٣ ، روى كتاب المزار هذا النجاشي في فهرسته بهذا الطريق : أخبرنا أحمد بن عبد الواحد بن أحمد ، قال : حدّثنا علي بن محمّد ، قال : حدّثناعلي بن الحسن بن فضّال ، قال : حدّثنا علي بن أسباط بكتابه المزار.

١٤

في بعض النواحي(١) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الثقة الحسين بن سعيد بن حمّاد الكوفي الأهوازي ، وهو من أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ، وهذا المزار من جملة كتبه الثلاثينيّة في أبواب الفقه المعتمدة عندعلمائنا(٢) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الثقة أبي جعفر محمّد بن الحسن الصفّار(ت ٢٩٠ هـ)(٣) ، من أصحاب الإمام العسكري عليه‌السلام.

وهذه جملة ممّا كتبها قدماء الأصحاب في عهد الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ممّا سمعوها أو جمعوها من ألفاظهم الشريفة ثمّ دوّنوها في كتب مستقلّة ، ثمّ انعكست هذه الأخبار والروايات في كتب متأخّريهم أمثال : كتاب المزار ؛ لشيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي أبو القاسم (ت ٢٩٩ أو ٣٠٠ أو ٣٠١ هـ)(٤) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الثقة الجليل أبي جعفر محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي(٥) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الثقة الصدوق أبي النضر محمّد ابن مسعود العيّاشي السمرقندي (أواخر ق٣هـ)(٦).

وفي أواسط القرن الرابع أُلِّفَتْ عدّة مزارات كبيرة؛ والتي كانت تتداول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الفهرست للنجاشي : ٢٥٣/ ٦٦٤.

(٢) الفهرست للنجاشي : ٦٠/ ١٣٦ ـ ١٣٧ ، الفهرست للطوسي ٥٨/ ٢٢٠.

(٣) الفهرست للنجاشي : ٣٥٤/ ٩٤٨.

(٤) الفهرست للنجاشي : ١٧٨ ـ ١٧٩/ ٤٦٧.

(٥) الفهرست للنجاشي : ٣٤٩ ـ ٣٥٠/ ٩٣٩.

(٦) الفهرست للنجاشي : ٣٥٠ ـ ٣٥٣/ ٩٤٤.

١٥

بين الفقهاء والمحدّثين ؛ منها : كتاب الزيارات ـ على تعبير النجاشي في فهرسته ـ والذي عُرِف وطبع باسم : كامل الزيارات ؛ للشيخ الثقة الجليل أبي القاسم جعفر بن محمّد ابن قولويه (المتوفّى ٣٦٨ هـ) ، قال عنه النجاشي : عليه قرأ شيخنا أبوعبد الله [المفيد] الفقه ومنه حمل ، وكلّ ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه ، ووصف كتبه بأنّها : حسان(١).

وكذا كتاب المزار الكبير ؛ لشيخ هذه الطائفة وعالمها ، وشيخ القمّيّين فيوقته وفقيههم أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود بن عليّ القمّي (ت٣٧٨هـ) (٢) ، والذي حكى أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري أنّه لم ير أحداً أحفظ منه ولا أفقه ولا أعرف بالحديث ، وقد وصف الشيخ الطوسي هذا المزار بأنّه : حسن(٣).

وبعد هذا وذاك ؛ جاء الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (ت ٤١٣ هـ) الذي كان من أصحاب الشيخين الجليلين ابن داود القمّي وابن قولويه وألّف كتاب المزار الصغير ـ على تعبير النجاشي(٤) أو كتاب مناسك الزيارات على تعبير الشيخ الطوسي وابن طاوس(٥).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الفهرست النجاشي : ١٢٣/ ٣١٨.

(٢) الفهرست للنجاشي : ٣٨٤/ ١٠٤٥.

(٣) الفهرست للشيخ الطوسي : ٢١١/ ٦٠٣.

(٤) الفهرست للنجاشي : ٣٩٩ ـ ٤٠٠/ ١٠٦٧ ، معالم العلماء لابن شهر آشوب : ١٤٩.

(٥) تهذيب الأحكام ٦ : ٥٦ ، محاسبة النفس لابن طاوس : ٣٧ ، عدّه الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٦٥ ممّا نقل عنه بالواسطة.

١٦

ويروي المفيد ـ رضوان الله تعالى عليه ـ عن هذين المزارين ـ أي مزار ابن داود وكامل الزيارات لابن قولويه ـ في كتابه المزار الصغير ، وهما المصدران الرئيسيّان لكتاب مزار المفيد ، وكذا في قسم المزار من كتابه المقنعة ؛ ونقل عن مزار ابن داود بعنوان : كتاب الزيارات(١) ، كما وقد أورد عدّة روايات وزيارات في مزاره بدون الإسناد إلى شيخه ابن داود القمّي ولا إلى شيخه الآخر ابن قولويه القمّي ، ويظهر لنا مصدر هذه الزيارات بعد الرجوع إلى كتاب تهذيب الأحكام ؛ حيث أورد الشيخ الطوسي (٤٦٠ هـ) جملةً من تلك الزيارات عن الشيخ المفيد ، عن ابن داود القمّي ... فهذه الأخبار كلّها مأخوذة عن كتاب شيخه ابن داود القمّي.

واقتدى به تلميذه الشيخ الطوسي (٤٦٠ هـ) بل مشايخ الشيعة كالحسين بن سعيد الأهوازي (ق ٣) الذي اختصّ في كتبه الثلاثينيّة كتاباً خاصّاًبعنوان كتاب المزار ، فعقد الطوسي كتاباً خاصّاً في كتاب تهذيب الأحكام بعنوان كتاب المزار ونقل كثيراً من أخبار كتابَي المزار لابن داود وابن قولويه القمِّيَّين عن طريق الشيخ المفيد(٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) وهي هذه المواضع : المزار للشيخ المفيد : ١٧٨/ ٧ ، و ١٩١/ ٢ ، و ١٩٢/ ٤ ، و ٢٠١/ ٤ ، و ٢٠٧/ ١ ، و ٢٢٢/ ٣ ، و ٢٢٤/ ٥ ، و ٢٢٥/ ٧ ، و ٢٢٦/ ٨ ـ ٩ ، و ٢٢٨/ ١٢.

(٢) انظر : تهذيب الأحكام ٢ : ٢٢٨/ ١٠٦ ، و ٥ : ٤٣١/ ١٤٥ ، و ٦ : ٣/ ١ ، و ٩/ ١١



١٧

وفي القرن السادس جاء الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر الحائري ، المعروف بابن المشهدي وألّف المزار الكبير ، ثمّ في القرن السابع ألّف السيّدعليّ ابن طاوس الحلّي (٦٦٤ هـ) مصباح الزائر ، ثمّ في القرن الثامن ألّف الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (٧٨٦ هـ) كتابه المزار والذي نسب إليه ، وأودعوا في هذه الكتب زيارات شتّى للمشاهد المقدّسة ، ولكنّهم أخرجوا الأخبار والزيارات وأعمالها بشكل مرسل بحذف الأسانيد غالباً ، وكذالم يهتمّوا فيها بذكر مصادر الزيارات ، ومن هذه الجهة يصعب علينا جدّاً تعيين مصادرهم ، ومن المهمّ أنّ بين مزاري ابن طاوس والشهيد اشتراكات كثيرة في المنقولات ، وكأنّهما أخذا مطالبهما من مصدر واحد ، وهذابحث مهمّ في هذا المقام وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

وينتهي الأمر في القرن الحادي عشر إلى العلاّمة المجلسي (١١١٠ هـ) ـ رحمة الله عليه رحمةً واسعةً ـ فجمع ما في كتب المزار في موسوعته الحديثيّة بحار الأنوار وخصّص مجلّداً خاصّاً ضخماً لتدوين الزيارات في كتابه ، وأورد فيه الزيارات المنقولة في المصادر المعروفة وغير المعروفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ ١٢ ، و ٢٠/٣ ، و ٢٤/ ٩ ، و ٢٥/ ١ ، و ٣٣/ ١٠ ، و ٤٠/ ١ ، و ٤٢/ ١ ، و ٤٥/ ١١ ، و ٤٦/ ١٤ ، و ٤٧/١٧ ، و ٥٠/ ٣٠ ، و ٥١ ـ ٥٢/ ٣٦ و ٣٧ و ٣٨ و ١ ، و ٥٣/ ٥ ، و ٥٣/ ٧ ، و ٥٤/ ٧ ، و ٧٢/٥ ، و ٧٤/ ١٥ ، و ٧٥/ ١٦ ، و ٧٦/ ٢٠ ، و ٧٨/ ٣ ، و ٨١/ ١ ، و ٨٣/ ٢ ، و ٨٥/ ٤ ، و ٩٣/٢ ، و ١٠٦/ ٢ ـ ٣ ، و ١٠٩/ ١٠ ، و ١١٠ ـ ١١١/ ١٢ إلى ١١٦ ، و ١١٥/ ٢٠. ولاحظ : خاتمة المستدرك ٣ : ٢٤٠.

١٨

المجلسي ومزار المفيد :

نرى ـ كثيراً ما ـ في نُقُول العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في كتاب المزار من البحارأنّه يُورِد زيارات عديدةً متتابعةً بهذه العبارات وغيرها(١) :

* «ثمّ أقول : لمّا ذكرنا ما وصل إلينا من الروايات الواردة في كيفية زيارته(صلى الله عليه وآله) نختم الباب بإيرادما ألّفه وأورده الشيخ الجليل المفيد ، والسيّد النقيب علي ابن طاوس ، والشيخ السعيد الشهيد ومؤلّف المزار الكبير وغيرهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ، واللفظ للمفيد ..»(٢).

* «زيارة أُخرى رواها المفيد والسيّد والشهيد وغيرهم ـ رضي الله عنهم ـ عن صفوان ، واللفظ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) انظر لنقول العلاّمة المجلسي عن المزار للمفيد ومصباح الزائر لابن طاوس والمزار للشهيد والمزار الكبير لابن المشهدي : بحار الأنوار ٩٧ : ١٨٣ و ٢١٧ و ٢٧١ و ٢٨١ و ٢٩١و ٣٠٥ و ٣١٠ و ٣١١ و ٣٥٩ و ٣٧٢ و ٣٧٣ و ٣٧٧ و ٤٠٧ ، وج ٩٨ : ٢٠٢ و ٢٠٦ و ٢٥١ و ٢٧٤ و ٢٧٦ و ٢٧٨ و ٢٧٩ و ٢٨٣ و ٢٨٦ و ٣٠٣ و ٣٠٥ و ٣١٧ و ٣٢٨ و ٣٣٢ و ٣٣٦ و ٣٣٧ و ٣٤٥ و ٣٥٠ و ٣٥٢ و ٣٥٩ و ٣٦٢ و ٣٦٣ ، ج ٩٩ : ١١ و ٥٧ و ٦٢ و ٧٢ و ١١٦و ١١٩ و ١٧٣ و ١٩٨ و ٢٧٣.

(٢) بحار الأنوار ٩٧ : ١٦٠.

١٩

للمفيد ، قال ..»(١).

* «وقال الشيخ المفيد والشهيد ومؤلّف المزار الكبير(رحمهم الله) في وصف زيارته عليه‌السلام : فإذا فرغت من زيارة جدّه وأبيه فقف على باب حرمه فقل ..»(٢).

* «ثمّ قال المفيد والشهيد ـ رحمهما الله ـ : ثمّ عدإلى العسكريّين صلوات الله عليهما فزر أُمّ الحجّة وذكراها مثل ما تقدّم»(٣).

ومن المعلوم أنّ مراده رحمه‌الله من السيّد والشهيد هو قولهما في كتابيهما مصباح الزائر والمزار ، ونعلم أنّ المزار الصغير لشيخنا المفيد ـ أعلى الله مقامه ـ المقطوعة نسبته إليه من خلال أسانيده ـ والمطبوع مرّةً بتحقيق مؤسّسة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) بقم المقدّسة ، وعنه في موسوعة مؤلّفات الشيخ المفيد ـ لم يصل إلى العلاّمة المجلسي رحمه‌الله؛ إذ :

أ) لم ترد أكثر الزيارات المروية في البحار عن مزار الشيخ المفيد في المزار الصغير المطبوع.

ب) وكذا أنّ جملة كثيرة من الزيارات المروية في المزار الصغير مسندة بطرق الشيخ المفيد عن الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام بينما المروي في البحار من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ٩٧ : ٢٨١.

(٢) بحار الأنوار ٩٩ : ١١٦.

(٣) بحار الأنوار ٩٩ : ١١٩.

٢٠