التفسير المظهري - ج ١

محمد ثناء الله العثماني

التفسير المظهري - ج ١

المؤلف:

محمد ثناء الله العثماني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة رشيديّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

١

سورة الفاتحة

مكيّة وهي سبع آيات خمسة وعشرون كلمة مائة وثلثة وعشرون حرفا

ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فاتحة الكتاب وأم القران سميت بهما لانها اصل القران منها يبدا ـ وهى السبع المثاني لانها سبع آيات بالاتفاق وتثنى في الصلاة وقيل أنزلت مرتين ـ بمكة والمدينة ـ والأصح انها مكية قبل سورة حجر ـ روى ابن جرير عن ابى هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال هى أم القران وهى فاتحة الكتاب وهى السبع المثاني انتهى ـ وهى سورة الكنز روى إسحاق بن راهويه عن على رضى الله عنه قال حدثنا نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انها أنزلت من كنز تحت العرش ـ وهى سورة الشفاء لما سنذكر في الفضائل انها شفاء من كل داء (بِسْمِ) أسقطت الالف لكثرة استعمالها وطولت الباء عوضا ـ قال البغوي قال عمر بن عبد العزيز طولوا الباء واظهر والسين ودور والميم تعظيما لكتاب الله عزوجل ـ والاسم مشتق من السمو دون الوسم بدلالة سمى وسميت والمراد به المسمى او الاسم نفسه ـ والباء للمصاحبة او الاستعانة او التبرك ـ والاستعانة يكون بذكر الله متعلق بمقدر بعدها لما في قوله تعالى بسم الله مجريها ـ وليتحقق الابتداء بالتسمية تحقيقا ـ روى عبد القادر الرهاوي في الأربعين عن ابى هريرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل امر ذى بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم اقطع ـ يعنى بسم الله اقرأ (اللهِ) قيل جامد ـ والحق انه مشتق (١) من الله بمعنى المعبود حذفت الهمزة وعوضت عنها الالف واللام لزوما ومن أجل

__________________

(١) الاولى ان يقال مأخوذ من الله بمعنى المعبود فان الحذف والتعويض لا يسمى اشتقاقا في عرفهم ـ منه رحمه‌الله ـ الخطبة من الناشر

٢

التعويض (١) اللازم قيل يا الله ـ إذ لا معنى للاشتقاق إلا كون اللفظين شاركين في المعنى والتركيب ـ ثم جعل علما لذات الواجب الوجود المستجمع للكمالات المنزه عن الرذائل ولذا يوصف ولا يوصف به ـ ويقال للتوحيد لا الله الا الله وقد يطلق على الأصل فيقال وهو الله في السّموت وفي الأرض (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١) مشتقان من الرحمة بمعنى رقة القلب المقتضى للتفضل والإحسان ـ واسماء الله تعالى انما تؤخذ باعتبار الغايات دون المبادي فانها انفعالات ـ قيل هما للمبالغة بمعنى واحد ـ والحق ان الرحمن ابلغ لزيادة البناء ولذا اختص بالله دون الرحيم قال ابن عباس هما اسمان رقيقان أحدهما ارقّ من الاخر والزيادة قد يعتبر بالكمية فيقال رحمن الدنيا ورحيم الاخرة فان الرحمة في الاخرة للمتقين وقد يعتبر بالكيفية فيقال رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا فان نعم الاخرة في الاخرة للمتقين وقد يعتبر بالكيفية فيقال رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا فان نعم الاخرة كلّها جليلة ـ وفي الدنيا حقيرة وجليلة وقدّم الرحمن لاختصاصه بالله كالاعلام ولتقدم عموم الرحمة فى الدنيا وهى مقدم بالزمان ـ

ذهب قراء المدينة والبصرة وابو حنيفة وغيره من فقهاء الكوفة الى انها ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور والافتتاح بها للتيمن فقيل وليست من القران ـ والحق انها من القران أنزلت للفصل روى الحاكم وصححه على شرطهما عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يعرف فصل السورتين حتى ينزل بسم الله الرّحمن الرّحيم ورواه ابو داؤد مرسلا وقال والمرسل أصح وسئل محمد بن الحسن عنها فقال ما بين الدفتين كلام الله تعالى قلت ولو لم تكن من القران لما كتبوها في المصاحف مع المبالغة في تجريد القران كما لم يكتبوا أمين ـ والدليل على انها ليست من الفاتحة ما رواه الشيخان عن انس قال صليت خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلف ابى بكر وخلف عمر فلم يجهر أحد منهم ببسم الله الرحمن الرحيم ـ وما سنذكر من حديث ابى هريرة قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين في الفضائل وما رواه احمد ان عبد الله بن مغفل قال سمعنى ابى وانا فى الصلاة اقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العلمين فلما انصرف قال يا بنى إياك والحدث فى الإسلام فانى صليت خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابى بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يفتتحون القران ببسم الله الرحمن الرحيم ولم ار رجلا قط ابغض اليه الحدث منه ـ ورواه الترمذي فقال

__________________

(١) مجرد التعويض لا يصلح علة لذلك والا لا نتقض بالناس ونحوه فلا بد في تتميم الكلام من قيد اخر ـ منه رحمه‌الله

٣

فيه صليت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابى بكر وعمر وعثمان ولم يسمع منهم أحد يقولها ـ وذهب قراء مكة والكوفة واكثر فقهاء الحجاز الى انها من الفاتحة دون غيرها من السور وانما كتبت عليها للفصل لما روى الحاكم وقال اسناده صحيح عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) قال هى أم القران وقال بسم الله الرّحمن الرّحيم الاية السابعة قراها علىّ ابن عباس كما قراتها ثم قال بسم الرحمن الرحيم الاية السابعة ولما روى الترمذي عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم ـ قلت في الحديث الاول قول ابن عباس بسم الله الرحمن الرحيم الاية السابعة ظن (١) منه ليس بمرفوع وما رواه الترمذي ليس اسناده بقوى ـ وذهب جماعة الى انها من الفاتحة وكذا من كل سورة الا سورة التوبة وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي لانها كتبت فى المصحف بخط (٢) سائر القران ـ قلت وهذا يدل على انها من القران لا من السورة كيف وقد صح عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه قال سورة من القران ثلاثون اية في سورة الملك ـ وسنذكر هناك ان شاء الله تعالى ـ ولا يختلف العادون انه ثلاثون اية من غير بسملة.

(الْحَمْدُ) هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري نعمة كان او غيرها فهو أعم من الشكر فى المتعلق فان الشكر يخص النعمة وأخص منه في المورد فان الشكر من اللسان والقلب والجوارح ولذا قال عليه‌السلام الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده ـ رواه عبد الرزاق عن قتادة عن عبد الله بن عمرو ـ والمدح أعم من الحمد مطلقا لانه على مطلق الجميل ـ والتعريف للجنس اشارة الى ما يعرفه كل أحد ـ او للاستغراق إذ الحمد كله له تعالى وهو خالق افعال العباد (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) وفيه دليل على انه تعالى حىّ قادر مريد عالم حتى يستحق الحمد (لِلَّهِ) اللام للاختصاص يقال الدار لزيد ـ والجملة الخبرية الاسمية دالة على استمرار الاستحقاق قصد بها الثناء بمضمونها وفيه تعليم وتقديره قولوا الحمد لله حتى يناسب قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)(رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) الرّبّ بمعنى المالك يقال رب الدار لمالكه ويكون بمعنى التربية وهو التبليغ الى الكمال تدريجا وصف به كالصوم والعدل ولا يقال على غيره تعالى الا مقيدا كرب الدار وفيه دليل على ان العالم محتاج في البقاء ايضا ـ والعلمين جمع

__________________

(١) كون الآيات توقيفية لا مجال للعقل فيها امر مقرر عندهم فكيف يظن بابن عباس هذا الظن مع ان للموقوف حكم المرفوع فى أمثال ذلك ـ قلت المسألة إذا كانت روايات الصحابة فيها مختلفة لا يجوز هناك ان يقال للموقوف حكم المرفوع كذا في اصول القوم الطريق في أمثال ذلك ذكر الروايات ـ منه نور الله مرقده.

(٢) اى كتبت على كل سورة اولا بخط سائرها فهو يدل على انها جزؤ من كل سورة ـ منه رحمه‌الله

٤

عالم لا واحد له في الاستعمال من لفظه ـ والعالم اسم لما يعلم به الصانع كالخاتم وهو الممكنات بأسرها (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ) يعنى موسى (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) وجمع بملاحظة أجناس تحته وغلّب العقلاء ـ وقال وهب لله ثمانية عشر الف عالم الدنيا عالم منها وما العمران في الخراب الا كفسطاط في صحراء ـ وقال كعب الأحبار لا يحصى عدد العالمين (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) وقيل العالم اسم لذوى العلم من الملائكة والثقلين وتناول غيرهم استتباعا. (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣) أجاز القراء فيه الروم وقفا وكذا في كل مكسور ـ فيه دليل على ان البسملة ليست من الفاتحة كيلا يلزم التكرار (١) وقيل كرر للتعليل. ملك يوم الدّين (٤) قرا عاصم والكسائي ويعقوب مالك والآخرون ملك وقرا ابو عمرو الرّحيم ملك بإدغام الميم في الميم وكذالك يدغم كل حرفين متحركين من جنس واحد ـ او مخرج واحد ـ او قريبى المخرج ـ امّا إذا كانا مثلين في كلمتين فذلك واقع فى سبعة عشر حرفا ـ الا في مواضع عديدة وهى الباء والتاء والثاء والحاء المهملة والراء والسين المهملة والعين وعشرة أحرف بعدها نحو (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ثالِثُ ثَلاثَةٍ لا أَبْرَحُ حَتَّى فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ إِنَّكَ كُنْتَ بِنا جَعَلَ لَكُمُ يَعْلَمُ ما أَحْسَنُ نَدِيًّا إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ إِنَّهُ هُوَ) ولا تمنع صلة الهاء (نُودِيَ يا مُوسى) إذا لم يكن الحرف الاول تاء المتكلم او المخاطب ك (كُنْتُ تُراباً) ... (فَأَنْتَ تُكْرِهُ) ولا منونا نحو (واسِعٌ عَلِيمٌ) ولا مشددا نحو (فَتَمَّ مِيقاتُ) والمواضع العديدة المستثناة منها (يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) لا يدغم فيه ابو عمرو لاخفاء النون قبلها اتفاقا ـ ومنها كل موضع التقيا فيه مثلان بسبب حذف وقع في اخر الكلمة الاولى نحو (يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ إِنْ يَكُ كاذِباً يَخْلُ لَكُمْ) ففى هذه الكلمات لابى عمرو وجهان الإظهار والإدغام ومنها عند البعض (آلَ لُوطٍ) والصحيح ادغامه ومنها واو هو إذا كان الهاء مضموما على قراءة ابى عمرو ووقع بعده واو نحو (هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) وذلك في ثلاثة عشر موضعا فاختلف في ادغامه لكن رواية الإدغام أقوى ومنها واو هو إذا كان الهاء ساكنا على قراءته وهو ثلاثة (٢) مواضع (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ وَهُوَ واقِعٌ

__________________

(١) منقوض هو بنحو (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وغيرها من الآيات التي كرر تكرارها ـ قلت تكرار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبان) مما يستحسنه الفصحاء والشعراء كما يكون في الشعر ترجيعا واما التكرار بلا نسق فليس من هذا القبيل كما لا يخفى على من له ادنى تأمل ـ منه رحمه‌الله

(٢) الصحيح خمسة مواضع ـ ابو محمد عفا الله عنه وفي القران (وَما يَعْلَمُ) إلخ في الأصل الاحرف في الأصل لك.

٥

قال بعضهم فيها الإظهار بلا خلاف وقال بعضهم بخلاف والإظهار أقوى (١) ـ هذا إذا كان المثلان فى كلمتين واما إذا كانا في كلمة واحدة فلم يأت عنه الإدغام الا في موضعين مناسككم فى البقرة وما سلككم في المدثر هذا ادغام المثلين ـ واما ادغام المتقاربين في كلمة واحدة فالقاف تدغم في الكاف إذا كان قبلهما متحرك وبعدهما ميم نحو (يَرْزُقُكُمْ) بخلاف (مِيثاقَكُمْ) و (نَرْزُقُكَ) وحكى الخلاف في ادغام (طَلَّقَكُنَ) ولا يدغم غيره ـ وفي كلمتين تدغم ستة عشر حرفا إذ لم يكن منونا ولا تاء مخاطب ولا مجزوما ولا مشددا ـ الحاء تدغم في العين في (زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) وروى ادغامها في العين حيث التقيا (٢) نحو (ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) ... (الْمَسِيحُ عِيسَى) ... (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) والقاف في الكاف وبالعكس عند تحرك ما قبلهما نحو (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ... (لَكَ قُصُوراً) بخلاف (فَوْقَ كُلِ وَتَرَكُوكَ قائِماً) والجيم في التاء في كلمة (ذِي الْمَعارِجِ) تعرج وفي الشين فى (أَخْرَجَ شَطْأَهُ) والشين في السين في (ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) والضاد في الشين في (لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) والسين في الزاء في (إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) وفي الشين في (الرَّأْسُ شَيْباً) والدال تدغم في حروف عشرة حيث جاءت نحو (الْمَساجِدِ تِلْكَ عَدَدَ سِنِينَ الْقَلائِدَ ذلِكَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ يُرِيدُ ثَوابَ تُرِيدُ زِينَةَ نَفْقِدُ صُواعَ مِنْ بَعْدِ) ظلم (داوُدُ جالُوتَ) وفي (دارُ الْخُلْدِ جَزاءً) خلاف ولم يلق الدال طاء في القران ولم تدغم الدال مفتوحة بعد ساكن بحرف بغير التاء فلا تدغم (لِداوُدَ سُلَيْمانَ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ آلَ داوُدَ شُكْراً آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) بعد ظلم (بَعْدَ ثُبُوتِها) وتدغم كاد تزيغ بعد توليدها ولا ثالث لهما ـ والتاء تدغم في تلك العشرة الا في التاء من باب المثلين وقد مر ذكره وكذا في الطاء حيث جاءت ولم يلق التاء دالا الا والتاء ساكنة نحو (أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) وذلك واجب الإدغام ـ نحو (الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً الذَّارِياتِ ذَرْواً بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) ولا ثانى له والنّبوّة ثمّ يقول (إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً الْمَلائِكَةُ صَفًّا) و (الْمَلائِكَةُ ظالِمِي) فى النساء والنحل ليس غيرهما (عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ) والتاء لم تقع

__________________

(١) عند النحاة لا عند القراء ـ ابو محمد عفا الله عنه

(٢) وذلك شاذ.

٦

مفتوحة بعد ساكن الا وهو حرف خطاب ولا ادغام فيه الا في مواضع وقعت بعد الف فمنها لا خلاف في ادغامه وهو (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) وفي الباقي خلاف نحو (حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) ـ وايضا خلاف في بعض تاء مكسورة (آتِ ذَا الْقُرْبى) و (لْتَأْتِ طائِفَةٌ) وفي (جِئْتَ شَيْئاً) مكسور التاء خلاف في ادغامه مع انه تاء خطاب ولا خلاف في الإظهار إذا كانت مفتوحة (جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) والثاء تدغم في خمسة أحرف حيث جاءت نحو (حَيْثُ تُؤْمَرُونَ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ وَالْحَرْثِ ذلِكَ) وليس غيره و (حَيْثُ شِئْتُمْ) و (حَدِيثُ ضَيْفِ) وليس غيره والذال في السين والصاد (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ) فى الكهف في موضعين ـ (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً) ـ واللام تدغم في الراء وبالعكس الا إذا انفتحا بعد ساكن فتدغم نحو (كَمَثَلِ رِيحٍ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) لا نحو (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) لكن لام قال إذا كان الراء بعده تدغم وان كان مفتوحا بعد ساكن (قالَ رَبِّ قالَ رَجُلانِ قالَ رَبُّكُمْ) والنون تدغم في اللام والراء إذا تحرك ما قبلها نحو (إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ خَزائِنَ رَحْمَةِ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ تَبَيَّنَ لَهُمُ) لا إذا سكن ما قبلها نحو (يَخافُونَ رَبَّهُمْ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ) الا نون نحن تدغم في اللام حيث جاءت وان كانت بعد ساكن نحو (نَحْنُ لَهُ) و (فَما نَحْنُ لَكَ) وهو عشر مواضع والميم المتحرك ما قبلها إذا كان بعدها باء تسكن وتخفى ـ والباء في (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) حيث اتى تدغم في الميم وهى خمسة مواضع سوى ما فى البقرة فانه ساكن الباء في قراءة ابى عمرو وفيه الإدغام الصغير ـ وحيث ما يجوّز ابو عمرو الإدغام الكبير فله هناك ثلاثة أوجه اخر الإشمام والروم والإظهار غير ان الإشمام يقع في الحروف المضمومة فقط والروم في المضمومة والمكسورة دون المفتوحة والإشمام عبارة عن ضم الشفتين كقبلة المحبوب اشارة الى الضمة والروم عبارة عن الإخفاء والتلفظ ببعض الحركة لكن الإشمام والروم عنده في سائر الحروف غير الباء مع الميم وبالعكس نحو (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ يَعْلَمُ ما أَعْلَمُ بِما كانُوا) والإدغام لا يتاتى (١) إذا كان قبل الحرفين حرف ساكن صحيح نحو (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بَعْدِ ظُلْمِهِ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا دارُ الْخُلْدِ جَزاءُ) لاجتماع الساكنين فالادغام

__________________

(١) هذا عند المتأخرين والنحاة واما عند المتقدمين فالادغام المحض أصح قال المحقق والإدغام الصحيح هو الثابت عند قدماء الائمة من اهل الأداء والنصوص مجتمعة عليه ـ ابو محمد عفا الله عنه

٧

هناك بنطق بعض الحركة وهو الإخفاء والروم والتعبير هناك بالإدغام تجوز اما إذا كان الساكن حرف مد او لين صح الإدغام نحو (فِيهِ هُدىً) و (قالَ لَهُمْ) و (يَقُولُ رَبَّنا) و (قَوْمُ مُوسى) و (كَيْفَ فَعَلَ) و (اللهُ أَعْلَمُ) ـ الملك والمالك قيل معناهما واحد الرّبّ مثل فرهين وفارهين وحذرين وحاذرين والحق ان المالك من الملك بالكسر بمعنى الرب يقال مالك الدار ورب الدار والملك من الملك بالضم بمعنى السلطان هما صفتان له تعالى والقراءتان متواترتان فلا يجوز ان يقال الملك هو المختار ـ وقيل الملك والمالك بمعنى القادر على الاختراع من العدم الى الوجود فلا يطلق على غيره تعالى الا مجازا ـ ويوم الدّين يوم القيامة والدين الجزاء ومنه كما تدين تدان وهو مثل مشهور وحديث مرفوع رواه ابن عدى في الكامل بسند ضعيف وله شاهد مرسل عند البيهقي واخرج احمد عن مالك ابن دينار انه في التورية والديلمي عن فضالة بن عبيدة مرفوعا انه في الإنجيل وقال مجاهد يوم الدين اى الحساب (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) اى الحساب المستقيم وقيل القهر منه دنته فدان اى قهرته فذل او الإسلام او الطاعة فانه يوم لا ينفع فيه الا الإسلام والطاعة ـ وانما خص ذلك اليوم بالذكر لان في غيرها من الأيام قد يطلق الملك لغيره تعالى مجازا ـ ولان فيه إنذار ودعوة الى القول ب (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أضاف الصفة الى الظرف اجراء له مجرى المفعول به نحو يا سارق الليلة ومعناه الماضي على طريقة (نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) فان المتيقن كالواقع فصح وقوعها صفة للمعرفة واجراء هذه الصفات على الله تعالى للتعليل على انه الحقيق بالحمد ومن لم يتصف بتلك الصفات لا يستأهل الحمد فضلا ان يعبد والتمهيد لقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وقوله (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يدل على الاختيار وينفى الإيجاب بالذات والوجوب عليه قضية لسوابق الأعمال ثم لما ذكر الحقيق بالحمد ووصفه بصفات عظام مميزة عن سائر الذوات وتعلق العلم بمعلوم معين خاطب بذلك فقال. (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥) أجاز القراء فيه الروم والإشمام في حالة الوقف وكذا في كل

٨

مضموم ـ والمعنى يا من هو بالصفات المذكورة نخصك بالعبادة والاستعانة عليها وعلى جميع أمورنا ـ ومن عادة العرب التفنن في الكلام والالتفات من الغيبة الى الخطاب وبالعكس ومن التكلم إليهما وبالعكس تنشيطا للسامع ـ والعبادة أقصى الخضوع والتذلل ومنه طريق معبد اى مذلل والضمير في الفعلين للقارى ومن معه ـ وفيه اشعار على التزام الجماعة ـ وقدم المفعول للتعظيم والاهتمام والحصر قال ابن عباس معناه نعبدك ولا نعبد غيرك ـ رواه ابن جرير وابن ابى حاتم من طريق الضحاك عنه وقيل الواو في (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) للحال اى نعبدك مستعنين بك ـ.

(اهْدِنَا) اى أرشدنا بيان للمعونة المطلوب ـ او افراد لما هو المقصود الأعظم ـ والهداية دلالة بلطف ولذلك يستعمل في الخير ـ وأصله ان يعدى باللام او الى وقد يعدى بنفسه ـ وهذا الدعاء من المؤمنين ومن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع كونهم على الهداية لطلب التثبت او طلب مزيد الهداية فان الألطاف والهدايات من الله تعالى لا تتناهى على مذهب اهل السنة (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٦) قرأ ابن كثير برواية قنبل الصراط معرفا باللام ومضافا في الفاتحة وسائر القران وكذا منكرا حيث اتى بالسين على الأصل لانه من سرط الطّعام اى ابتلعه ـ والطريق يسرط السابلة والباقون بالصاد وهو لغة قريش ـ وقرا خلف كلها بين الصاد والزاء وكذا خلاد هاهنا خاصة ـ والمستقيم المستوي والمراد طريق الحق ـ وقيل ملة الإسلام (١) ـ والقولان أخرجهما ابن جرير عن ابن عباس. (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (٥) بدل من الاول بدل الكل وفائدته التوكيد والتنصيص على ان طريقهم هو المشهود عليه بالاستقامة والمراد بالذين أنعمت عليهم كل من ثبّته الله تعالى على الايمان والطاعة (مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) ـ قرأ حمزة عليهم ـ إليهم ـ لديهم ـ حيث وقع بضم الهاء وصلا ووقفا والباقون بكسرها ـ وضم ابن كثير كل ميم جمع مشبعا في الوصل إذا لم يلقها ساكن ـ وقالون يقول

__________________

(١) قال ابو العالية والحسن في تفسير (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) صراط رسول الله وصاحباه ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. وقال اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر وعمر ـ منه رحمه‌الله

٩

بالتخيير في الإشباع وعدمه لقيها ساكن اولا (١) ـ وورش يشبع عند الف القطع فقط ـ وإذا تلقته الف الوصل وقبل الهاء كسر او ياء ساكنة نحو (بِهِمُ الْأَسْبابُ) و (عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) ضم الهاء والميم حمزة والكسائي ـ وكسرهما ابو عمرو ـ وكذلك يعقوب إذا انكسر ما قبله ـ والآخرون ضموا الميم على الأصل وكسروا الهاء لاجل الياء والكسرة ـ وفي الوقف يكسر الهاء عند الكل لكسرة ما قبلها او الياء الا ما ذكرنا خلاف حمزة ويعقوب ابو محمد في الكلمات الثلث (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٧) بدل من (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ـ اى المنعم عليهم هم السالمون من الغضب والضلال ـ او صفة له مبينة او مقيدة ان اجرى الموصول مجرى النكرة إذا لم يقصد به معهود ـ كما في قول الشاعر ولقد امرّ على اللّئيم يسبّنى ـ او جعل غير معرفة لاضافته الى ماله ضد واحد فيتعين ـ يقال عليكم بالحركة غير السكون ـ وعليهم في محل الرفع نائب مناب الفاعل ـ ولا مزيدة لتأكيد ما في غير من معنى النفي ـ كانه قال لا المغضوب عليهم ـ والغضب ثوران النفس لارادة الانتقام وإذ أسند الى الله أريد به المنتهى ـ والضلالة ضد الهداية وهو العدول عن الطريق الموصل وله عرض عريض ـ اخرج احمد في مسنده ـ والترمذي وحسنه ـ وابن حبان في صحيحه وغيرهم عن عدى بن حاتم قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ان المغضوب عليهم اليهود وان الضالين النصارى ـ واخرج ابن مردوية عن ابى ذر نحوه ـ واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم التفسير بذلك عن ابن عباس ـ وابن مسعود ـ والربيع ابن انس ـ وزيد بن اسلم ـ قال ابن ابى حاتم ـ لا اعلم في ذلك خلافا بين المفسرين ـ واللفظ عام يعم الكفار والعصاة والمبتدعة ـ قال الله تعالى في القاتل عمدا ـ (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ) ـ وقال ـ (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) ـ وقال ـ (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ـ والسنة عند ختم الفاتحة ان يقول أمين مفصولا ـ وأمين مخفف غير مشدد ـ جاء ممدودا ومقصورا قال البغوي قال ابن عباس معناه اسمع واستجب ـ واخرج الثعلبي عنه قال سالت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنه فقال افعل ـ روى ابن ابى شيبة في مصنفه والبيهقي فى الدلائل عن ابى ميسرة ان جبرئيل عليه‌السلام اقرأ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفاتحة فلما قال (وَلَا الضَّالِّينَ) قال له قل أمين ـ وروى ابو داود في سننه عن ابى زهير أحد الصحابة

__________________

(١) هذا التعميم من سباق قلم او من الناسخ لان الإشباع قبل الساكن ممنوع ـ ابو محمد عفا الله عنه

١٠

قال ـ أمين مثل الطابع على الصحيفة خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة فاتينا على رجل قد ألح في المسألة فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوجب ان ختم ـ فقال رجل من القوم باىّ شىء يختم فقال أمين ـ واخرج ابو داود ـ والترمذي ـ والدارقطني ـ وصححه ابن حبان ـ كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قرا ولا الضّالّين قال أمين ـ وفي الصحيحين عن ابى هريرة ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إذا قال الامام (وَلَا الضَّالِّينَ) فقولوا أمين فان الملائكة تقول أمين ـ وان الامام يقول أمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. فصل فى فضائل الفاتحة عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذي نفسى بيده ما انزل في التورية ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القران مثلها ـ وانها لهى السبع المثاني التي أتاني الله عزوجل ـ رواه الترمذي وقال حسن صحيح ـ والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ـ وعن ابن عباس قال بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده جبرئيل إذ سمع نقيضا من فوقه فرفع جبرئيل عليه‌السلام بصره الى السماء فقال هذا باب فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فاتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ابشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرا حرفا منها الا أعطيته ـ رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الله تعالى ـ قسّمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين فنصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سال ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول العبد (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) يقول الله حمدنى عبدى ـ يقول العبد (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يقول الله اثنى علىّ عبدى ـ يقول العبد (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يقول الله تعالى مجدنى عبدى ـ يقول العبد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يقول الله هذه الاية بينى وبين عبدى ولعبدى ما سال ـ يقول العبد (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) يقول فهؤلاء لعبدى ولعبدى ما سال ـ رواه مسلم ـ وعن عبد الملك بن عمير مرسلا قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فاتحة الكتاب شفاء من كل داء ـ رواه الدارمي في مسنده والبيهقي في شعب الايمان بسند صحيح ـ وعن عبد الله بن جابر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الا أخبرك بأخير سورة نزلت في القران

١١

قلت بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فاتحة الكتاب واحسبه قال فيها شفاء من كل داء ـ وعنه ـ فاتحة الكتاب شفاء من كل شىء الا السام ـ والسام الموت ـ رواه الخلعي فى فوائده ـ وعن ابى سعيد بن المعلى ـ أعظم سورة في القران الحمد لله رب العلمين ـ رواه البخاري والبيهقي والحاكم من حديث انس ـ أفضل القران الحمد لله رب العلمين ـ وروى البخاري في مسنده من حديث ابن عباس ـ فاتحة الكتاب تعدل ثلثى القران ـ وعن ابى سليمان قال مر بعض اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض غزواتهم على رجل قد صرع فقرأ بعضهم في اذنه بام القران فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هى أم القران وهى شفاء من كل داء ـ رواه الثعلبي من طريق معاوية بن صالح عنه ـ وعن ابى سعيد الخدري مرفوعا ـ فاتحة الكتاب شفاء من السم ـ رواه سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب ـ وعنه قال ـ كنا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية فقالت ان سيد الحي سليم فهل معكم راق فقام معها رجل فرقاه بام الكتاب فبرىء فذكر للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال وما كان يدريه انها رقية ـ رواه البخاري ـ ورواه ابو الشيخ وابن حبان في الثواب عنه وعن ابى هريرة معا ـ وعن السائب بن يزيد قال ـ عوّذنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفاتحة الكتاب فىّ تفلا ـ رواه الطبراني في الأوسط ـ وعن انس ـ إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فقد امنت كل شىء الا الموت ـ رواه البزار.

سورة البقرة مدنيّة اخرج البخاري عن عائشة قالت ما نزلت سورة البقرة والنّساء الّا وانا عنده وهى مائتان وسبع (١) وثمانون اية وستة الف ومائة واحدى وعشرون كلمة وحروفها خمسة وعشرون الف وخمسمائة حرف (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (الم) (١) قيل في المقطعات في أوائل السور انها اسماء السور ـ وقيل هى مزيدة للتنبيه على انقطاع كلام واستيناف كلام اخر ـ وقيل هى اشارة الى كلمات منها اقتصرت عليها اقتصار الشاعر فقلت لها قفى فقالت لى قاف ـ اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن

__________________

(١) عند اهل البصرة اما عند اهل الكوفة فمائتان وست وثمان اية ـ ابو محمد عفا الله عنه

١٢

ابى العالية ـ الالف آلاء الله ـ واللام لطفه ـ والميم ملكه ـ واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عنه الر وحم ون مجموعها الرحمن ـ وعن ابن عباس ان الم معناه انا الله اعلم ـ وقال البغوي روى سعيد بن جبير عن ابن عباس (المص) انا الله اعلم وافصل والر انا الله ارى والمر انا الله اعلم وارى ـ وقيل اشارة الى مدد أقوام وآجال بحساب الجمل ـ روى البخاري في تاريخه وابن جرير من طريق ضعيف انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما اناه اليهود تلا عليهم (الم) البقرة فحسبوا فقالوا كيف ندخل في دين مدته احدى وسبعون سنة ـ فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا فهل غيره فقال (المص) و (الر) ـ و (المر) ـ فقالوا خلطت علينا فلا ندرى بايها نأخذ ـ ورد هذه الأقوال بان كونها اسماء السور مستلزم لوقوع الاشتراك في الاعلام من واضع واحد وذلك ينافى المقصود بالعلمية ـ وايضا التسمية بثلاثة اسماء فصاعدا مستنكر وايضا تسمية بعض السور دون بعض بعيد ـ وبان هذه الألفاظ لم تعهد مزيدة للدلالة على الفصل والاستيناف ـ وان كان كذلك كانت على كل سورة ـ وبان الاقتصار على بعض حروف الكلمة غير مستعمل واما الشعر فشاذ على ان في الشعر قوله قفى في السؤال قرينة على ان قولها قاف من وقفت بخلاف أوائل السور إذ لا قرينة هناك على ان الالف من الآء الله ـ واللام لطفه ونحو ذلك ـ وما روى عن بعض الصحابة والتابعين فمصروف عن الظاهر والا فهى اقوال متعارضة ـ وتخصيص حرف بكلمة من الكلمات المشتملة على تلك الحروف دون غيرها ترجيح بلا مرجح وبان تبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على فهم اليهودي ـ الظاهر انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعجب على جهله ـ وقيل انه مقسم بها لشرفها من حيث انها بسائط اسماء الله تعالى ـ ومادة خطابه وهذا التأويل يحوج الى إضمار أشياء لا دليل عليها واختار البيضاوي ان حروف التهجي لما كانت عنصر الكلام وبسائطه التي يتركب منها افتتحت السور بطائفة منها إيقاظا لمن يتحدى بالقران وتنبيها على ان المتلو عليهم كلام منظوم مما ينظمون منه كلامهم فلو كان من عند غير الله لما عجزوا عن الإتيان بمثله وليكون أول ما يقرع الاسماع مستقلا بنوع من الاعجاز ـ فان النطق بأسماء الحروف من الأمي معجزة كالكتابة سيما وقد روعى في ذلك ما يعجز عنه الأديب الفائق في فنه حيث أورد اربعة عشر اسماء نصف عدد أسامي الحروف في تسع وعشرين سورة بعدد الحروف

١٣

مشتملة على انصاف جميع أنواعها من المهموسة والمجهورة والشديدة والرخوة وغيرها كما ذكر تفصيله ـ وايضا الكلام غالبا يتركب من تلك الحروف الاربعة عشر دون البواقي ـ قال والمعنى ان هذا المتحدى به مؤلف من جنس هذه الحروف ـ والحق عندى انها من المتشابهات (١) وهى اسرار بين الله تعالى وبين رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقصد بها إفهام العامة بل إفهام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن شاء افهامه من كمل اتباعه قال البغوي قال ابو بكر الصديق رضى الله عنه في كل كتاب سر وسر الله تعالى في القران أوائل السور ـ وقال علىّ رضى الله عنه ان لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي ـ وحكاه الثعلبي عن ابى بكر وعن علىّ وكثير ـ وحكاه السمرقندي عن عمرو وعثمان وابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين وحكاه القرطبي عن سفيان الثوري ـ والربيع بن خثعم ـ وابى بكر ابن الأنباري ـ وابن ابى حاتم وجماعة من المحدثين ـ قال السجاوندى المروي عن الصدر الاول في الحروف التهجي انها سر بين الله وبين نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد يجرى بين المحرمين كلمات معميات يشير الى اسرار بينهما ـ وقيل انّ الله تعالى استأثر بعلم المقطعات والمتشابهات ما فهمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا أحد من اتباعه ـ وهذا بعيد جدّا فان الخطاب للافهام فلو لم يكن مفهمة كان الخطاب بها كالخطاب بالمهمل او الخطاب بالهندي مع العربي ـ ولم يكن القران باسره بيانا وهدى ـ ويلزم ايضا الخلف في الوعد بقوله تعالى ـ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) ـ فانه يقتضى ان بيان القران محكمه ومتشابهه من الله تعالى للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم واجب ضرورى ـ وروى عن ابن عباس انا من الراسخين في العلم وانا ممن يعلم تأويله ـ وكذا

__________________

(١) المتشابه فيه قولان أحدهما انه يرجى نيل المراد منه بضرب من التأويل والتأمل والثاني انه لا يرجى نيل المراد منه فعلى القول الاول الرسول وغيره في ذلك سواء والادلة التي ذكرت هاهنا يؤيد هذا القول وعلى القول الثاني هو مختار الحنفية رحمهم‌الله ايضا الرسول وغيره سواء والادلة المذكورة مخدوشة عندهم فينبغى تفصيل المذهبين وكذا دليل كل من الفريقين مع الجواب عن دليل المخالف حتى ينتظم الكلام ـ قلت المتشابه التي يشتبه على السامع العارف باللغة المراد بحيث لا يدرك بالطلب ولا بالتأمل الا بعد بيان من الشارع فان بينه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى ظهر المراد منه سميت مجملا على اصطلاح الأصوليين كالصلوة والزكوة والحج والعمرة واية الربوا ونحو ذلك وان لم يوجد البيان والتعليم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سميت متشابها على اصطلاحهم ـ والمتشابه بهذا المعنى أخص من المتشابه بالمعنى المذكور سابقا فالمقطعات واليد والوجه والاستواء على العرش من هذا القبيل ـ واختلف كلام العلماء في هذا النوع فقيل يمكن تأويله وقيل لا يمكن تأويله بل يجب الايمان به وتفويض المراد منه الى الله سبحانه فقيل استأثر الله سبحانه بعلمه ما فهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مراده ولا أحد من اتباعه وبه قال اكثر العلماء وقيل بل فهمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن شاء افهامه من اتباعه وهو سر بين الله وبين رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو المختار عندى وما يدل على هذا من اقوال الصحابة مذكور في الكتاب ـ منه برد الله مضجعه

١٤

عن مجاهد وادعى المجدد للالف الثاني رضى الله عنه (من الامة المرحومة التي لا يدرى أولها خير أم آخرها ولعل آخرها فوجا هى اعرضها عرضا وأعمقها عمقا وأحسنها حسنا) ان الله تعالى اظهر عليه تأويل المقطعات واسرارها لكنها مما لا يمكن بيانها للعامة فانه ينافى كونها سرّا من اسرار الله تعالى والله تعالى اعلم ـ وقيل انها اسماء الله تعالى أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية في الأسماء والصفات عن ابن عباس وسنده صحيح ـ وروى ابن ماجة عن على رضى الله عنه انه كان يقول يا (كهيعص) اغفر لى ـ وعن الربيع بن انس (كهيعص) معناه من يجير ولا يجار عليه ـ وقيل انها اسماء القران أخرجه عبد الرزاق عن قتادة قالوا ولذلك اخبر عنها بالكتاب والقران قلت ان كانت اسماء لله تعالى كانت دالة على بعض صفاته تعالى ـ كسائر اسماء الصفات ـ وكذا ان كانت اسماء للقران كانت دالة على بعض صفات القران كما ان لفظ القران والفرقان والنور والحيوة والروح والذكر والكتاب تدل على صفة من صفاته ـ وعلى كلا التقديرين فدلالة تلك الألفاظ ليست مما يفهمه العامة بل هى مختصة بفهم المخاطب ومن شاء الله تعالى تفهيمه ـ والحكم بانها من اسماء الله تعالى لا يتصور الا بعد فهم معناها ـ فهذان القولان على تقدير صحتهما راجعان الى ما حققناه انها اسرار بين الله تعالى وبين رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يفهمه غيره الا من شاء الله من كمل اتباعه وكذلك قوله تعالى ـ (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) ـ وقوله تعالى ـ (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ـ و (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) ـ ونحو ذلك مما يستحيل حملها على ظواهرها التي تتبعها الذين في قلوبهم زيغ من المجسمة ـ فان كلا منها تدل على صفة من صفات الله تعالى بحيث فهمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعض الكمل من اتباعه ـ وتوضيح ذلك ان لله تعالى صفاتا غير متناهية (١)

__________________

(١) قال البغوي انه قال ابن عباس قالت اليهود أتزعم انا قد أوتينا الحكمة وفي كتابك (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) ثم تقول (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) فانزل الله هذه الاية يعنى كلمات علمه وحكمته تعالى غير متناهية ومن هاهنا قال العلماء معلومات الله تعالى غير متناهية وكما ان علومه تعالى غير متناهية وان كان ذلك اللاتناهى بعدم تناهى تعلقاتها ـ فكذلك جزئيات سائر صفاته تعالى غير متناهية وايضا حصر الصفات فيما يعلمه الناس ممنوع كيف وما ذكر فى المتن من الحديث الصحيح يدل على ان من أسمائه تعالى ما استأثر بعلمه لم يعلّمه أحدا من خلقه فمن الجائز ان يعلم الله سبحانه رسوله من أسمائه وصفاته بالمقطعات ما لم يعلمه قبله غيره ـ عدم تناهى الصفات انما هو بمعنى عدم تناهى تعلقاتها وحمل الكلمات على الصفات مستبعد كل البعد ولا يجب وضع اللفظ بإزاء كل تعلق تعلق حيث يقدح تناهيها في ادراك الصفات بل اللفظ انما يوضع بإزاء معنى كلى تنطبق على جزئيات غير متناهية ـ ثم عدم وضع اللفظ بإزاء معنى من المعاني لا يوجب عدم درا ذلك المعنى لجواز ان يتصور المعنى من غير توسط اللفظ ولا امتناع التصور بالكنه يوجب عدم اللفظ إذ التصور بالوجه كاف ـ ان كان استفادة العلم الضروري بهذه الحروف بطريق الدلالة الوضعية عاد الاشكال بأصله إذ تلك الدلالة ليست موجودة لانها ليست بوضع العرب مع ان القران عربى وان كان لا بطريق الدلالة الوضعية بل بمجرد المقابلة ولزوم الروية يلزم الدرك من الحروف ما لها وضع وكلا الشقين محال قلت واضع الأسماء واللغات كلها هو الله سبحانه دون الناس ـ وكان ابتداء التعليم من الله سبحانه بالإلهام او البيان والا يلزم التسلسل فعلى هذا يمكن ان يكون هذه الحروف المقطعات في علم الله تعالى موضوعة للمعانى دالة عليها بالوضع فالهم الله سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم معنى تلك الحروف وصفتها كما الهم آدم عليه‌السلام معانى سائر الأسماء ـ منه رحمه‌الله

١٥

حيث قال الله تعالى ـ (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) ـ وقال عز من قائل ـ (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) ـ ولا شك ان الألفاظ الموضوعة بإزاء المعاني متناهية ـ والعقول قاصرة عن درك كنه ذات الله تعالى وكنه صفاته ـ وانما يتصور دركه بنوع من المعية الذاتية او الصفاتية الغير المتكيفة ـ هيهات هيهات عن فهم العوام بل الخواص مع دركهم لا يدركون ذلك الدرك في مرتبة الذات حيث قال رئيس الصديقين شعر ـ العجز عن درك الإدراك ادراك ـ والبحث عن سر الذات اشراك ـ غير ان بعض صفاته تعالى لما شارك صفات الممكنات في الغايات او بعض وجوه المشاكلات عبر عنها بالأسماء التي تدل على صفات في المخلوقات كالحيوة والعلم والسمع والبصر والارادة والرحمة والقهر وغيرها فزعم البشر انه فهمها وفي الحقيقة لم يفهم الا بعض وجوهها ـ وبعضها ليست بهذا المثابة ـ فمنها ما استأثر الله تعالى بعلمه ـ ومنها ما افهمه الخواص من خلقه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دعائه اللهم انى أسئلك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او أنزلته في كتابك او علمته أحدا من خلقك او استأثرت به في علم الغيب عندك ـ رواه ابن حبان فى صحيحه ـ والحاكم في المستدرك واحمد ـ وابو يعلى في حديث ابن مسعود لمن أصابه هم ـ والطبراني فى حديث ابى موسى فلعل الله سبحانه من ذلك الأسماء الخفية عن العامة التي لم يوضع بإذائها ألفاظ في لغاتهم علّم والهم بعضها لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن شاء من اتباعه بهذه الحروف وخلق فيهم علما ضروريا مستفادا من هذه الحروف كما علم آدم الأسماء وخلق فيه علما ضروريا من غير سبق علمه بوضع ذلك اللفظ لذلك المعنى كيلا يلزم التسلسل ـ ويتجلى تلك الأسماء والصفات على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتلاوة هذه الحروف ـ قال شيخى وامامى قدسنا الله بسره السامي انه يظهر بنظر الكشف القران كله كانه بحر ذخار للبركات الالهية ويظهر تلك الحروف في ذلك البحر كانها عيون فوارات تفور ويخرج منها البحر ـ فعلى هذه المكاشفة لا يبعد ان يجعل هذه الحروف اسماء للقران كانّ القران تفصيل لذلك الإجمال والله اعلم بمراده ـ وهذا التوجيه لا ينافى ما اختاره البيضاوي فان القران لكل اية منها ظهر وبطن ولكل حد مطلع ـ ويروى لكل حرف حد ولكل حد مطلع رواه البغوي من حديث ابن مسعود فكما ان هذه الحروف في الظاهر عنصر للقران وبسائطه وغالب

١٦

ما يتركب منه ـ وفيه لطائف الإيراد ووجوه الاعجاز ـ كذلك المراد من تلك الحروف إجمال للقران وعيون فوارات واسرار بين الله وبين رسوله لا يطلع عليه أحد الا المخاطب او من في معناه والله سبحانه اعلم ـ.

(ذلِكَ الْكِتابُ) ـ اى هذا الكتاب الذي يقرأه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويكذّب به المشركون فالمشار اليه ما سبق نزوله من القران على سورة البقرة او القران كله الذي سبق بعضه فذلك مبتدأ والكتاب خبره اى الكتاب المعهود الموعود ـ او الكتاب الكامل الذي يستأهل ان يسمى كتابا ـ او صفة وخبره ما بعده ـ وقيل هذا فيه مضمر اى هذا الذي يوحى إليك ذلك الكتاب الذي وعدنا انزاله في التورية والإنجيل ـ او وعدناك من قبل بقولنا ـ (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) ـ فذلك خبر مبتدأ محذوف والكتاب صفته ـ والكتاب مصدر بمعنى المكتوب واصل الكتب الضم والجمع يقال للجند كتيبة لاجتماعها سمى به لانه قد جمع في الكتاب حرف الى حرف ـ او لانه مما يكتب ـ والاشارة بذلك وهى للبعيد تعظيما لشأنه (لا رَيْبَ فِيهِ) لوضوحه وسطوع برهانه بحيث لا يرتاب فيه العاقل بعد النظر الصحيح في كونه وحيا ـ وقيل خبر بمعنى النهى اى لا ترتابوا فيه ـ ولا لنفى الجنس وفيه خبره ـ او فيه صفته وللمتقين خبره وهدى نصب على الحال ـ او الخبر محذوف كما في لا ضير ـ وفيه خبر هدى قدم عليه لتنكيره والتقدير لا ريب فيه فيه هدى والاولى ان يقال انها جمل متناسقات يقرر اللاحقة السابقة ولذا لم يعطف ـ ف (ذلِكَ الْكِتابُ) ملة تفيد انه الكتاب المنعوت بغاية الكمال حيث (لا رَيْبَ فِيهِ) ـ وكذا قوله (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ـ قرا ابن كثير فيه بالإشباع في الوصل وكذلك كل هاء ضمير الغائب قبلها ساكن يشبعها وصلا بالياء ان كان الساكن ياء والا بالواو نحو منه كما يشبع القراء كلهم كل هاء قبلها متحرك مكسور ياء نحو به او غير مكسور واوا نحو يضربه له ما لم يلقها ساكن فاذا لقيها ساكن سقط مدة الإشباع لاجتماع الساكنين اجماعا ـ نحو عليه الكتب وله الحكم غير ان الكلمة إذا كانت ناقصة حذف آخرها لاجل الجزم نحو يؤدّه ونولّه ـ ونصله ـ فالقه ـ ويتّقه ـ ويأته ـ ويرضه وبقي ما قبل الهاء متحركا ففيها خلاف القراء نذكرها في مواضعها ان شاء الله تعالى فقرا بعضهم بالإشباع نظرا الى تحرك ما قبلها وبعضهم بالاختلاس نظرا الى كون الحركة عارضية وتنبيها على الحرف المحذوف وبعضهم بالسكون لحلوله محل المحذوف (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢) اى هو هدى فهو جملة ثالثة يؤكد كونه حقا لا ريب فيه ـ او يكون كل جملة منها يستتبع السابقة اللاحقة استتباع الدليل للمدلول فانه لما كان بالغا حد الكمال

١٧

لا يسوغ فيه الريب فيكون البتة هدى ـ وهدى مصدر بمعنى الدلالة على الطريق الموصل او الدلالة الموصلة الى المقصود بمعنى الهادي ـ او ذكر مبالغة كزيد عدل ـ وتخصيص الهدى بالمتقين اما على المعنى الاول فلانهم هم المنتفعون به وان كانت الدلالة عامة ولذا قال ـ (هُدىً لِلنَّاسِ) ـ واما على الثاني فظاهر لانه لا يكون دلالة موصلة الا لمن صقل عقله كالغذاء الصالح ينفع الصحيح دون المريض ولذا قال ـ (شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) ـ والمتقى من يقى نفسه عما يضره في الاخرة من الشرك وذلك أدناه ـ ومن المعاصي وذلك أوسطه ـ ومن الاشتغال بما لا يعينه ويشغله عن ذكر الله تعالى وذلك أعلاه وهو المراد بقوله تعالى ـ (حَقَّ تُقاتِهِ) ـ وقال ابن عمر التقوى ان لا ترى نفسك خيرا من أحد ـ وقال شهر بن حوشب ـ المتقى الذي يترك ما لا بأس به ـ حذرا عما به بأس ـ روى الشيخان وابن عدى عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك ان يواقعه ـ الا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله في ارضه محارمه الا وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسدت الجسد كله الا وهى القلب ـ وروى الطبراني في الصغير الحلال بين والحرام بين فدع ما يريبك الى ما لا يريبك ـ قلت صلاح القلب المذكور في الحديث هو المعبّر باصطلاح الصوفية بفناء القلب وهو أول مراتب الولاية وهو المستلزم لصلاح الجسد والاتقاء عن المشتبهات حذرا من ارتكاب المحرمات ـ فالتقوى لازم للولاية قال الله تعالى ـ (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) وفي الاية سمى المشارف للتقوى متقيا مجازا على طريقة من قتل قتيلا ـ.

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ـ صفة مقيدة للمتقين ان فسر بالتقوى عن الشرك والا فموضحة مشتملة على اصول الأعمال من الايمان فانه رأس الأمر كله ـ والصلاة فانها عماد الدين ـ والزكوة فانها قنطرة الإسلام او مادحة ـ او مبتدأ وخبره (أُولئِكَ عَلى هُدىً) ـ قرا ابو جعفر وابو عمرو وورش يومنون بالواو بدلا عن الهمزة ـ وكذلك ابو جعفر يترك كل همزة ساكنة ويبدلها واوا بعد ضمة ـ وياء بعد كسرة الا في انبئهم ـ ونبّئهم ـ ونبّئنا ـ وابو عمرو كلها الا ما كان السكون فيه للجزم نحو يهيّئ او يكون فيه خروج من لغة الى لغة كالمؤصدة ـ ورءيا ـ

١٨

وورش كل همزة ساكنة في فاء الفعل الا تؤى ـ وتؤويه ـ ولا يترك الهمزة في عين الفعل الا باب الرّؤيا وما كان على وزن فعل مسكور العين ـ والايمان في اللغة التصديق كما في قوله تعالى (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ـ وذلك يكون بالقلب واللسان وفي الشرع التصديق بالقلب واللسان جميعا بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلم قطعا ـ ولا يعتبر التصديق بالقلب بدون اللسان الا في حالة الإكراه ـ قال الله تعالى (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) ـ وقال (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) ـ وقال (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ـ ولا يعتبر التصديق باللسان بدون القلب أصلا قال الله تعالى ـ (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) ـ واما الأعمال فغير داخلة في الايمان ولذا صح عطف (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) على (يُؤْمِنُونَ) وعطف (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ـ روى مسلم في الصحيح عن عمر بن الخطاب قال بينا نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام ـ قال الإسلام ان تشهد ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكوة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت اليه سبيلا ـ قال صدقت فعجبنا له يسئله ـ ويصدقه ـ قال أخبرني عن الايمان ـ قال ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ـ قال صدقت قال فاخبرنى عن الإحسان ـ قال ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ـ قال فاخبرنى عن الساعة ـ قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ـ قال فاخبرنى عن اماراتها ـ قال ان تلد الامة ربتها ـ وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ـ قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لى يا عمر أتدري من السائل ـ قلت الله ورسوله اعلم ـ قال فانه جبرئيل أتاكم يعلمكم دينكم ـ ورواه ابو هريرة مع اختلاف وفيه ـ إذا رايت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض في خمس لا يعلمهن الا الله ثم قرا (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) الاية ـ متفق عليه وهذا الحديث تدل على ان الإسلام اسم لما ظهر من الأعمال ـ وكذا قوله تعالى ـ (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ـ ويطلق الإسلام ايضا على الايمان

١٩

كما في قوله تعالى (قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) فهو في اصطلاح الشرع مشترك فى المعنيين ـ والغيب مصدر وصف به للمبالغة كالشهادة قال الله تعالى (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) والمراد به ما غاب عن أبصارهم من ذات الله وصفاته والملائكة والبعث والجنة والنار والصراط والميزان وعذاب القبر وغير ذلك فهو واقع موقع المفعول به للايمان والباء صلة ـ او بمعنى الفاعل وقع حالا من فاعل يؤمنون يعنى يؤمنون غائبين عنكم لا كالمنافقين في حضور المؤمنين خاصة دون الغيبة وقيل عن المؤمن به ـ روى عن ابن مسعود انه قال ان امر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بيّنا لمن راه والذي لا الله غيره ما من أحد قط أفضل ايمانا من ايمان بغيب ثم قرا (الم ذلِكَ الْكِتابُ) الى قوله (الْمُفْلِحُونَ) ـ (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) اى يحافظون على حدودها وشرائطها وأركانها وصفاتها الظاهرة من السنن والآداب والباطنة من الخشوع والإقبال ـ من اقام العود إذا قومه ـ او يديمونها ويواظبون عليها ـ من قامت السوق إذا نفقت وأقمتها إذا جعلتها نافقة والصلاة أصله الدعاء وسميت بها لاشتمالها عليه قرا ورش بتغليظ اللام إذا تحرك بالفتح بعد الصاد ـ او الطاء ـ والظاء ـ نحو الصّلوة ـ ومصلّى ـ وأظلم ـ والطّلاق ـ ومعطّلة ـ وبطل ـ ونحو ذلك وقرا الباقون بالترقيق الا في لفظه الله خاصة إذا انفتح او انضم ما قبله فيفخمونه (١) أجمعون ـ (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣) الرزق في اللغة الحظ قال الله تعالى (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) ـ ويطلق على كل ما ينتفع به الحيوان والانفاق في الأصل الإخراج عن اليد والملك ومنه نفاق السوق حيث يخرج فيه السلعة والمراد به صرف المال في سبيل الخير هذه الاية في المؤمنين من مشركى العرب ـ.

(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يعنى القران (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من التورية والإنجيل وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ـ هم المؤمنون من اهل الكتاب ـ كذا اخرج ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما ـ فعلى هذا الآيتان تفصيل للمتقين ـ او المراد بهم هم الأولون من قبيل قوله شعر الى الملك القوم وابن الهمام ـ وليت الكتيبة في المزدحم ـ على معنى انهم الجامعون بين الايمان بما يدركه العقل جملة وإتيان الشرائع وبين الايمان بما لا طريق اليه غير السمع او من قبيل عطف الخاص على العام

__________________

(١) فى الأصل فيفخمون ١٢

٢٠