رسالة في حجية الظن

رسالة في حجية الظن

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢١

على كون المدار فى الفرق بين الشك فى التكليف والشك فى المكلف به على الشكّ فى مورد الابتلاء قلت انه ليس مورد الابتلاء الا الواقعة المتشخصة التى لا بد فيها من العمل وموضوع الظنّ لا يكون محل الحاجة للعمل بل المحل المحتاج اليه للعمل انّما هو الظنّ المتشخص كيف لا وليس حال موضوع الظنّ الا مثل الغناء ولا شك ان الشّكّ فى الصّوت المخصوص من باب الشك فى التكليف بناء على كون المدار فى الفرق بين الشكّ فى التكليف والشك فى المكلف على الشكّ فى مورد الابتلاء وليس الامر من باب الشك فى المكلف به بل نقول انه لو كان التكليف فى مورد الابتلاء مشكوكا فيه فالحق جريان اصل البراءة ولو كان الشك من باب الشك فى المكلف به بل نقول ان الحق جريان اصل البراءة فى الشك فى المكلف به مطلقا كما حرّرناه فى محلّه بل كتبت رسالة فى جريان اصل البراءة فى باب الشك فى المكلف به من باب دوران التكليف بين ماهيّتين مختلفتين ويمكن ان يقال ان الحق فى وجوب الاحتياط فى المقام بناء على كون الامر من باب الشك فى المكلّف به ولو قلنا بحكومة اصل البراءة فى باب الشك فى المكلف به فى المسائل الفقهيّة المتعارفة اذ المفروض هنا ثبوت اطراد الوجوب فى حالة الجهل ولم يعهد فى المسائل الفقهية ما ثبت فيه اطراد التكليف حالة الجهل فالمقام من نادر باب الشك فى المكلف به وقد جرى العلامة الخوانسارى مع حكمه بحكومة اصل البراءة فى باب الشك فى المكلف به فى اكثر كلماته وان كان مقتضى بعض كلماته القول بوجوب الاحتياط (١) فى مثل ما نحن فيه حيث حكم بانه لو ورد نص او اجماع على وجوب شيء معين فى الواقع مردّد فى نظرنا بين امور ونعلم ان ذلك التكليف غير مشروط بالعلم بذلك الشيء يجب الحكم بوجوب تلك الاشياء المردودة فيها فى نظرنا ولا يكفى الاتيان بشيء واحد منها فى سقوط التكليف وحكم المحقّق ايضا مع حكمه بحكومة اصل البراءة فى باب الشك فى المكلف به بوجوب الاحتياط فى مثل ما نحن فيه حيث حكم بانه لو فرض حصول الاجماع او ورد النص على وجوب شيء معيّن عند الله سبحانه مردّد فى نظرنا بين امور من دون اشتراط بالعلم بذلك الشيء لتمّ وجوب الاحتياط لكن من اين هذا الفرض وانّى يمكن اثباته بل نقول ان الحق وجوب البناء على الاحتياط وان كان الشك من باب الشك فى التكليف لفرض ثبوت اطراد التكليف فى حال الجهل نظير ما ذكره المحقّق القمى فى باب وجوب الفحص عن الشرط فى الواجب المشروط حيث ان مرجع مقالته الى ان شمول التكليف لحال الجهل قبل الفحص مشكوك فيه ولو كان التكليف شاملا لحال الجهل قبل الفحص فلا بد من الفحص وما اورد عليه من ان الشكّ فى الشرط يوجب الشكّ فى المشروط فيتاتى الشّك فى ثبوت التكليف والاصل عدمه مردود بانه لو فرض اطراد التكليف حال الجهل قبل الفحص لا مجال للتمسّك بالاصل ولا يكون الشكّ دافعا للتكليف وانّما الدافع للتكليف الشك بعد الفحص فالدّافع لكلامه منع شمول التكليف لحال الجهل قبل الفحص لا مجرد دعوى انّ الشك فى الشرط يوجب الشك فى المشروط لكن نقول ان الامر فى المقام يدور بين الاقل والاكثر بخلاف مورد كلام العلّامة الخوانسارى والمحقق القمى ممّا حكما فيه بوجوب الاحتياط فان الامر فيه دائر بين المتباينين وبهذا يختلف الحال ويتاتى الفرق اذ فى المقام لما كان الاقلّ هو القدر المتيقن فيجرى الاصل فى الزائد وان ثبت اطراد الوجوب حال الجهل بخلاف المتباينين فانه لا يكون مجال لجريان الاصل فيه وايضا بما ذكر يختلف حال المقام مع الواجب المشروط لو شك فى تحقق الشرط قبل الفحص مع فرض اطراد الوجوب حال الجهل قبل الفحص اذ لا مجال للعمل فيه بالاصل بخلاف المقام فانه يجرى فيه الاصل فى الزائد على القدر المتيقن فى الوجوب قضيّة دوران الامر بين الاقل والاكثر إلّا ان يقال ان القدر المتيقن فى الوجوب هو الخبر المزكى جميع رجاله بتزكية عدلين فلا يثبت حجيّة الظنون الخاصة لكنّه مدفوع بعد عدم النفع فى تزكية العدلين إلّا ان يثبت عدالة العدلين بتزكية العدلين وهذا مستلزم للتسلسل بان الغرض عدم تماميّة الاستدلال المتقدم كالاستدلال على حجية الظنون الخاصّة ويكفى فى عدم تمامية الاستدلال

__________________

(١) على القول بوجوب الاحتياط

٢٠١

وجود القدر المتيقن اىّ شيء كان القدر المتيقن ولو قيل ان الخبر المزكى بتزكية عدلين لا يكفى بعد امكانه فليس فى البين قدر متيقن فيتمّ الاستدلال المتقدم قلت ان هذا التمسك بامر خارج والكلام فى صحة الاستدلال المتقدم بنفسه هذا ما كتبته سابقا وتحرير المقالة المذكورة ان يقال انه لو ثبت اطراد التكليف بالشيء حال الجهل فان تردد الامر بين الاقل والاكثر مع عدم الارتباط بين الاقل والاكثر فالقدر الثابت من الاطراد انما هو اطراد التكليف بالاقل وامّا الزائد على الاقل فاطراد التكليف به فى حال الجهل مشكوك فيه فلا يجب الاحتياط لرجوع الامر الى الشك فى تكليف جديد نعم لو كان الامر مبنيّا على الارتباط يجب الاحتياط لعدم رجوع الامر الى الشك فى تكليف جديد ولزوم الاتيان بالزائد من باب المقدمة العلميّة لامتثال التكليف الثّابت لفرض وجوب الواجب حال الجهل نعم لزوم الاتيان بالمقدمة العلميّة مبنى على اطراد التكليف بذى المقدمة فى حال الجهل فيتاتى لزوم الاتيان بالمقدّمة العلميّة ولو من باب اللابدية بناء على عدم وجوب مقدمة الواجب واما بناء على ثبوت اطراد التكليف فى حال الجهل فلا يتاتى لزوم الاتيان بالمقدمة العلمية ولو بناء على وجوب مقدمة الواجب لابتناء وجوب المقدمة العلميّة على وجوب ذى المقدمة والمفروض عدم وجوب ذى المقدمة قضيّة عدم ثبوت اطراد التكليف حال الجهل بالفرض وعلى منوال تردّد الامر بين الاقل والاكثر مع عدم الارتباط الحال فى المتباينين فانه لم يثبت اطراد التكليف فى حال الجهل فلا يجب الاحتياط ونظير ما ذكر من عدم وجوب الاحتياط فى تردد الامر بين الاقل والاكثر مع عدم الارتباط عدم وجوب الاحتياط فى الشبهة المحصورة لو كان فى البين قدر متيقن عن مورد الاشتباه كما لو فرض ترشح الماء المغصوب مع اليقين بالورود الى جانب نصف الاوانى والشك فى الورود الى جانب النصف الآخر لرجوع الامر الى الشك فى اطراد التكليف فى الزائد على القدر المتيقن بخلاف ما لو لم يكن فى البين قدر متيقن من مورد الاشتباه كما لو شك فى ورود النجاسة على بعض اجزاء جميع البيت لكن نقول انه لو ثبت اطراد التكليف فى حال الجهل فلا مناص عن وجوب الاحتياط ولو تردد الامر بين الاقل والاكثر مع عدم الارتباط ودعوى ان القدر الثابت من الاطراد انما هو اطراد التكليف بالاقل وامّا الزّائد على ذلك فاطراد التكليف به فى حال الجهل مشكوك فيه فلا يجب الاحتياط تندفع بانّ منع اطراد التكليف بالزائد فى حال الجهل خلاف المفروض حيث ان المفروض ان الواقع مكلف به ولو اتفق فى جانب الزائد كيف لا وفى باب الشك فى التكليف قبل الفحص يجب الاحتياط ولا يتجاوز الامر فى الزائد عن الشّك فى التكليف وبوجه آخر المفروض اطراد التكليف فى حال الجهل على وجه الكليّة فلا محيص عن وجوب الاحتياط على وجه الكلية نعم لو فرض اطراد التكليف فى حال الجهل فى الجملة فيختص وجوب الاحتياط بما يتيقن اطراد التكليف فيه فى حال الجهل وما ذكر من التنظير بشبهة المحصورة مع ثبوت القدر المتيقّن مدفوع بان مرجع الامر فى الشبهة المشار اليها الى اجتماع الشبهة المحصورة والشبهة المنفردة والمفروض فى باب الشبهة المنفردة عدم ثبوت التكليف فى حال الجهل والمفروض فيما كنا بصدده ثبوت التكليف بالواقع ولو كان فى جانب الزائد وبوجه آخر المفروض فى باب الشبهة المشار اليها اختصاص اطراد التكليف فى حال الجهل بالقدر المتيقن من مورد الشبهة كنصف البيت فى المثال المتقدم والمفروض فى المقام عموم اطراد التكليف حال الجهل فما ابعد البول؟؟؟ سسس فى اصل البراءة الى عدم ثبوت التكليف فى حال الجهل ففى صورة ثبوت التكليف فى حال الجهل كليّة لا مسرح لاصل البراءة ولا معنى لدعوى ان القدر الثابت من اطراد التكليف فى حال الجهل انما هو الاطراد فى الاقل لكن التحقيق ان يقال ان العقل انما هو يحكم بوجوب العمل بالظن المعيّن فى الواقع المجهول فى الظاهر الاعم من البعض والكل ومقتضاه حكم العقل باطراد التكليف فى حال الجهل لكن غاية ما يحكم به العقل

٢٠٢

من الاطراد انما هى فى صورة انتشار الجهل واما لو كان فى البين قدر متيقن فلا يحكم العقل باطراد التكليف لو كان البعض فى جانب الزائد على القدر المتيقن فيتاتى اصل البراءة واين ذلك من صورة الشك فى التكليف قبل لفحص المفروض ثبوت اطراد التكليف فيه حال الجهل بحكم ظاهر الاطلاق بل لا فرق قطعا فى جريان اصل البراءة بين ما ذكر ومثل شرب التتن ونظير ما ذكر انه فى باب الشبهة المحصورة كالاوانى المحتمل تطرق الماء المغصوبة على بعضها يحكم العرف باطراد التكليف فيه فى حال الجهل والا فمقتضى عدم شمول اطلاقات التكاليف لحال امتناع العلم بالموضوعات العرفية كما هو الاظهر عدم اطراد التكليف وعدم وجوب الاجتناب عن المغضوب المشتبه لكن العرف انما يحكم بالاطراد فى صورة انتشار الشبهة واما لو اتفق العلم بتطرق المغصوب فى بعض الاوانى مع احتمال تطرق الماء المغصوب فيه فى بعض آخر فلا يحكم العرف باطراد التكليف فيما عد المعلوم تطرق الماء المغصوب فيه بل الامر فيما عدا المعلوم تطرق الماء المغصوب فيه من باب الشبهة المنفردة ويجرى ما دل على جواز العمل باصل البراءة فى الشبهة الموضوعيّة المنفردة كيف لا ولا فرق قطعا فى الشبهة المنفردة بين ما لو كان الاشتباه ابتداء او بعد تطرق الشبهة المحصورة وبما ذكر ظهر فساد دعوى ثبوت عموم اطراد التكليف فى حال الجهل فى المقام ويمكن ان يقال انّه لم يثبت اطراد التكليف فى حال الجهل ولو فى جانب الاقل كيف لا ومنشأ خيال الاطراد انما هو وجوب مقدمة بقاء التكاليف الواقعية فى زمان انسداد باب العلم والمقدمة المشار اليها انّما تحكم بذلك بناء على حملها على ظاهرها واما بناء على حملها على وجوب البناء على شيء فلا تحكم بذلك إلّا ان يقال انه بناء على حمل المقدمة المشار اليها على وجوب البناء على شيء بكون المفروض بطلان البناء على غير وجوب العمل بالظن فلا تردد الامرين بين الاقل والاكثر يجب الاحتياط غاية الامر ان وجوب الاحتياط على ذلك من باب الاحراز الواجب الظاهرى واما بناء على حملها على ظاهرها يكون وجوب الاحتياط من باب احراز التكاليف الواقعيّة ويمكن ان يقال ان مرجع الشّك فى المقام الى الشك فى الوجوب من باب الشبهة الموضوعيّة والظاهر انه لا يقول احد من الاخباريّين فى مثله بالوجوب فضلا عن المجتهدين كيف لا والاخباريّون لا يقولون بوجوب الاحتياط فى شبهة الوجوب من الشبهة الحكميّة ففى شبهة الوجوب من الشبهة الموضوعية لا يقولون بوجوب الاحتياط بالفحوى بملاحظة انهم يقولون بوجوب الاحتياط فى شبهة الحرمة من الشبهة الحكميّة ولا يقولون بوجوب الاحتياط فى شبهة الحرمة من الشّبهة الموضوعية نعم عن جماعة منهم الشيخ فيما لو كان للشخص فضة مغشوشة وعلم بلوغ الخالص نصابا القول بوجوب التصفية او الاحتياط وفصل فى الرياض بين ما لو كان الشك من باب الشّك فى التكليف كما لو شك فى بلوغ الخالص النصاب فيجرى اصل البراءة وما لو كان الشك من باب الشك فى المكلف به كما علم بلوغ الخالص النصاب لكن شك فى مقدار النصاب الا انّ اطلاق القول بوجوب الاحتياط والتفصيل المذكورين فى باب الشّكّ قبل الفحص لكن نقول ان الشبهة الموضوعيّة فيما مثل به وجوبا وحرمة من باب الشبهة المنفردة والشبهة فى المقام من باب الشبهة المحصورة من شبهة الوجوب والامر نظير قضاء الصّلاة الفائتة المعلومة عينا والمجهولة عددا والمشهور فيه القول بوجوب الاحتياط وان كان الاظهر عدم الوجوب نعم الشبهة فى المقام من باب الشبهة الحكمية والشبهة فى قضاء الصّلاة الفائدة المشار اليها من باب الشبهة الموضوعية لكنّه لا يوجب الفرق وبما سمعت يظهر امكان القدح فى الوجه المتقدم بعدم وجوب الاحتياط فى المقام إلّا ان يقال انه قد ثبت فى المقام اطراد التكليف حال الجهل لكنه يندفع بوجود القدر المتيقن فى البين كيف لا ولا يتاتى وجوب الاحتياط فى الشبهة المحصورة من شبهة الحرمة فى صورة وجود القدر المتيقن إلّا ان يقال انّ وجود القدر المتيقن فى المقام يوجب خروج الامر عن الشبهة المحصورة

٢٠٣

ورجوع الامر الى الشبهة المنفردة الحكميّة نظير قضاء الصّلاة الفائتة المسبوق ذكرها الا انّ الفرق باختلاف الشبهة حكميّة وموضوعيّة نعم فى مثال البيت الآتي يكون الامر من باب اجتماع الشبهة المحصورة والشبهة المنفردة وقد يورد بانّه لا يتاتى الاحتياط فى تعميم حجيّة الظنّ لاحتمال الحرمة فى العمل بما عدا الظنون الخاصّة لحرمة العمل بما لا يكون طريقا شرعا اقول ان الاحتياط وان لا يتاتى مع احتمال لحرمة حيث ان المدار فيه عرفا على الاتيان بفعل بداعى احتمال كونه مطلوبا للفاعل مع عدم احتمال كونه مبغوضا او بافعال بداعى احتمال كون الجميع او المجموع مطلوبا مع عدم احتمال المبغوضيّة او ترك امر بداعى احتمال كونه محذورا مع عدم احتمال كونه مطلوبا او ترك امور بداعى احتمال كون ترك الجميع او المجموع محذورا مع عدم احتمال مطلوبيّة شيء من الامور واليه يرجع كلمات اللغويين ومن ذلك عدم مجيء البدعة فى الاحتياط اذ المدار فى البدعة فى فعل الشخص وحده اى من دون تشريع للغير على الاتيان بالفعل بداعى استحبابه فى الواقع مثلا مع العلم بعدم استحبابه واقعا بناء على امكان هذا الفرض او بداعى الاستحباب واقعا من باب عدم الاجتهاد والتقليد بل الخرص والتخمين او من باب الاجتهاد الفاسد او التقليد الفاسد مع عدم الاستحباب واقعا فى شيء من الصّور الثلاثة والمدار فى الاحتياط على الاتيان بالفعل بداعى احتمال الاستحباب مثلا وكذا عدم ثبوت جواز التّسامح فى المستحب بحسن الاحتياط كما استدل به عليه اذ موضوع الخبر الضعيف هو الاستحباب واقعا وموضوع الاحتياط هو الاتيان بداعى احتمال الاستحباب فالموضوع مختلف ولذا لا يجوز للمجتهد الفتوى باستحباب نفس ما ورد الخبر الضعيف على استحبابه بل لا بدّ له من الفتوى باستحباب الفعل بانضمام داعى الاحتمال باعلام ورود الخبر الضعيف للمقلد حتى يكون فعله بداعى الاحتمال بناء على عدم جواز التسامح فى المندوبات كما هو الوجه لكن المدار فى الحرمة العمل بغير الطريق على البدعة ولا يتاتى البدعة فى فعل الشخص وحده اى من دون اظهار التشريع للغير الا فى صورة اعتقاد الشرعية بدون الاجتهاد والتقليد او الاجتهاد الفاسد او التقليد الفاسد بناء على امتناع الاعتقاد بالشرعيّة مع العلم بعدم الشرعية وعدم حرمة تصور الشرعية مع العلم بعدم الشرعية ولا افادة تصور الشرعية حرمة الفعل المقارن مع العلم بعدم الشرعية وتفصيل الحال موكول الى ما حرّرناه فى بحث التسامح فى المندوبات فلا يتاتى البدعة فى مورد الاحتياط ولا يجتمعان لتضادهما لابتناء البدعة فى فعل الشخص وحده على اعتقاد الشرعية مع عدم الشرعية وابتناء الاحتياط فى باب الفعل على احتمال الشرعية وممّا ذكرنا عدم ممانعة البدعة عن التّسامح فى المستحب وان توهم الممانعة من منع عن التسامح استدلالا بان احتمال الحرمة فى الفعل الذى تضمن الحديث الضعيف استحبابه حاصل كلما اتى المكلف بالفعل برجاء الثواب لانه لا يعتد به شرعا ولا يصير منشأ لاستحقاق الثواب إلّا اذا فعله المكلف بقصد القربة ولاحظ رجحان فعله شرعا فان الاعمال بالنيّات وفعله على هذا الوجه مردد بين كونه سنة ورد الحديث بها فى الجملة وكونه بدعة وتشريعا وادخالا لما ليس من الدين فى الدين ولا ريب ان ترك السنّة اولى من الوقوع فى البدعة فليس الفعل المذكور دائرا فى وقت من الاوقات بين الاباحة والاستحباب ولا بين الكراهة والاستحباب بل هو دائما دائر بين الحرمة والاستحباب فتاركه متيقن للسّلامة وفاعله متعرض للندامة لعدم اجتماع البدعة والاحتياط بناء على ما ذكرناه من مداخلة داعى احتمال الشرعية فى باب الفعل وابتناء البدعة فى فعل الشخص وحده على قصد الشرعية إلّا ان يقال ان المفروض عدم تمكن الاحتياط من اثبات جواز التسامح فى استحباب الفعل فيتاتى البدعة وكيف كان فلا مجال للبدعة فى مقامنا هذا لفرض كون العمل بالطريق بداعى احتمال الاعتبار فلا مانع عن مجيء

٢٠٤

الاحتياط بل حررنا فى بحث التسامح كما مر انه لو ورد خبر ضعيف دال على استحباب فعل معارضا بخبر ضعيف آخر يدل على الحرمة وان لا يتمكن الاحتياط من اثبات جواز التسامح فى الفعل لكن منشأ ترتب الثواب على الاحتياط هو مراعاة الاحتمال حبا او بغضا وهو يتأتى فى كل من الفعل والترك فلو اتى بالفعل بداعى احتمال الندب ثياب وكذا لو ترك الفعل بداعى احتمال الحرمة ثياب ايضا نظير ما لو ورد خبر معتبر باستحباب فعل وخبر ضعيف بحرمته فانّ الفقهاء يحكمون ح باستحباب الفعل وكون الترك احوط فالفعل مستحب حيث ان الجمع بانه ان قصد التقرب بالفعل فى الاول وبالترك فى الثانى يترتب الثواب وان قصد التقرب بالترك فى الاول وبالفعل بالثانى من باب داعى احتمال مبغوضية الفعل فى الاول ومبغوضيّة الترك فى الثانى يترتب الثواب لكن لا يجدى ذلك فى المقام اذ مدار الاستدلال على لزوم العمل بسائره يتطرق غير الظنون الخاصّة ومقتضى ما ذكر جواز ترك العمل بسائر الطرق المشار اليه من باب داعى احتمال حرمة العمل إلّا ان يقال ان المدار فى البدعة المحرّمة على ثبوت خلافها بالاجماع او الضرورة كيف لا ولو كان مجرب لمخالفة للواقع موجبا لتطرق البدعة للزم ان يكون ظنون المجتهدين من باب البدعة فى صورة المخالفة للواقع وكذا الاحتياط من باب الوجوب فى صورة الشك فى الجزئيّة والشرطية والمانعية فى صورة الجزئية والشرطية وعدم المانعيّة فى الواقع وسائر الطرق لم يثبت عدم اعتباره بالاجماع او الضرورة كيف الا وقد ادعى اشتهار اعتبار عموم الظنّ بل ظهور الاجماع عليه كما مر وكذا لم يثبت خلاف المظنون فى الفروع بالاجماع والضرورة نعم غاية الامر احتمال مخالفة الظنّ فى الفروع للواقع والا فمقتضى القول باعتبار مطلق الظنّ عدم احتمال عدم اعتباره لابتنائه على القطع لكن لما كان الواقع فى الفروع مستورا فلا يحتمل حرمة البناء على خلافه ويمكن ان يقال ان جهة حرمة العمل بغير الطريق المعتبر لا ينحصر فى البدعة بل يتاتى الحرمة من جهة استلزام العمل به طرح الاصول المعتبرة من غير حجة شرعية والعمل به ينافى الاحتياط لاحتمال عدم اعتباره وطرح الاصول المعتبرة بالعمل فلا يتم الاستدلال نعم ربما يكون العمل بغير الطريق المعتبر موافقا للاصول المعتبرة لكن مع هذا لا يتم الاستدلال اذ فى رفع الايجاب الكلى يكفى السّلب الجزئى وقد يورد بمعارضة قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية اعنى حجية الظنّ بقاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية كما لو اقتضى الظنّ المشكوك الاعتبار عدم وجوب جزء او شرط فى الصلاة مثلا حيث ان قاعدة الاشتغال تقتضى وجوب الاتيان بالجزء والشرط المذكورين مع اقتضاء الظنّ المشار اليه عدم وجوب الاتيان ويمكن ان يقال ان ارباب قاعدة الاشتغال ووجوب الاحتياط فى الشك فى المكلف به لا يحكمون بوجوب الاتيان بما قام الشهرة مثلا مع عدم اعتبارها على وجوبه فى الصّلاة فضلا عما قامت الشهرة مع عدم اعتبارها على عدم وجوبه ولم يعهد ذلك من احد كيف لا ولو كان الامر على ذلك يلزم الاتيان بما كان القياس يقتضى جزئيته او شرطيّته بل يلزم الاتيان بكل ما دل على وجوب الاتيان به خبر ضعيف ويرشد الى ما ذكرنا ما ذكره العلامة النجفى حيث انّه مع كونه من ارباب وجوب الاحتياط فى الشك فى المكلف به جرى على جريان الاصل فيما لم ينشأ الشك من خلاف معتد به بل خلاف شاذ او رواية لا تنهض حجة ولا تبلغ الى حد السقوط او لم يرد به نصّ ولا رواية ولا تعرض الاصحاب لذكر خلاف فيه او رسالة تعليلا بان فى الاخذ بكل احتمال التزام ما لا ينحصر والاجماع على عدم لزومه وبالجملة فلا عبرة بما يقتضيه قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية بالنسبة الى ما يقتضيه الظن المشكوك فيه ومع هذا تقول ان الظنّ المشكوك فيه فى المثال المسفور انّما يقتضى عدم وجوب الاتيان بالجزء والشرط اجتهادا ولا ينافيه وجوب الاتيان بالجزء والشرط المشكوك فيه عملا بملاحظة عدم ثبوت اعتبار الظن المشار اليه كيف لا والتناقض يشترط فيه وحدة الموضوع والموضوع هنا مختلف اذ موضوع عدم الوجوب

٢٠٥

هو الحكم الواقعى وموضوع الوجوب هو حكم الجاهل فلا مجال لمجيء التعارض بل اختلاف الموضوع يمانع عن التعاضد ايضا ومن هذا عدم معاضدة الاصل للاطلاق لكون موضوع الاطلاق هو الحكم الواقعى وموضوع الاصل هو حكم الجاهل وكذا عدم اعتبار عنوان الترجيح بالنقل والتقرير من اصله فى باب الترجيح فى تعارض الخبرين لكون موضوع الخبرين المتعارضين هو الحكم الواقعى فلا مجال لترجيح احد المتعارضين بكونه مقرر الحكم الشاك او ناقلا عنه فالموضوع مختلف كيف لا ولو لا ما ذكرنا لصحّ القول باعتضاد ما لو دل دليل على عدم اشتراط شيء فى الصّوم بما دل على عدم اشتراطه فى الحج بجامع الاشتراط اذ ليس المانع عن صحة الاعتضاد فى هذا المثال الا اختلاف الموضوع ولو كان اختلاف الموضوع غير مانع عن صحة الاعتضاد فلا مانع فى المثال المشار اليه غير اختلاف الموضوع فرضا فيصحّ الاعتضاد نعم يقع التّعارض فيما نحن فيه بين الظنّ المشار اليه وما لو دل دليل على الوجوب واقعا لاتحاد الموضوع اذ موضوع كل من الظنّ والدّليل المشار اليهما هو الحكم الواقعى ونظير ان اختلاف الموضوع مانع عن التعارض والتعاضد ان ارتفاع الموضوع مانع ايضا عن التعارض والتعاضد ومن هذا ان الاستصحاب الوارد لا يعارض الاستصحاب المورود وكذا لا يعاضده ولذا لو شك فى ورود النجاسة على الماء لا يعاضد استصحاب جواز الشرب استصحاب عدم الورود على ما حررناه فى محله ومع هذا نقول ان مثل ما نحن فيه ما لو قال زيد مات عمرو وقال بكر زيد غير معتبر القول حيث ان نسبة عدم اعتبار القول الى زيد من بكر لا ينافى نسبة الموت من زيد الى عمرو حيث ان بكرا ساكت عن موت عمرو وربّما يسلم موت عمر ولكن دعواه عدم الاعتبار بقول زيد ولو فرض عدم مطابقته للواقع فلا مجال للتعارض فكذا الحال فيما نحن فيه حيث ان مفاد الظنّ المشار اليه عدم الوجوب واقعا والاحتياط مبنىّ على عدم الاعتناء بالظن المشار اليه وكونه مساوقا للشك واين احد الامرين من معارضة الآخر وان قلت ان الظنّ المشار اليه لو اقتضى عدم الوجوب فى مقام الاجتهاد فهذا يتسرى فى مقام العمل ويمانع عن جريان القاعدة العملية اعنى الاحتياط كما انه لو كان مقتضيا للوجوب يتسرى الى مقام العمل ويمانع عن جريان اصل البراءة وليس المثال المذكور مطابقا للمقام قلت ان السّراية والممانعة عن جريان القاعدة العملية انما يتاتى فى صورة اعتبار الظنّ والا فحال الظنّ حال الشك فلا بد فى مقام العمل من العمل بمقتضى القاعدة العملية مع انه لو كان الامر على هذا لكان قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية مقدمة على قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية من باب رفع الموضوع اعنى رفع الشك كما هو الحال فى الادلة الاجتهاد بالنسبة الى القواعد العملية واين هذا من التعارض كما عليه مدار الايراد وبعد ما مر اقول ان ما ذكر فى المقالتين مبنى على ملاحظة التعارض بين نفس الظنّ المشار اليه وقاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعيّة ومدار قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية على لزوم العمل بالظن المشكوك فيه كما انّ مدار قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية على لزوم الاتيان بالمشكوك فيه اثباتا فى الجزء والشرط ونفيا فى المانع فالمدار فى الجزء والشرط على لزوم العمل فيتاتى التعارض فى الاتيان بالجزء والشّرط الاقتضاء قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية عدم وجوب العمل واقتضاء قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية لزوم العمل وبعد هذا اقول ان مرجع وجوب العمل بما يدل على الاباحة الى عدم جواز اظهار غير الاباحة او الاعتقاد بغير الاباحة بدون الاجتهاد والتقليد فالمرجع الى عدم جواز تعيين الواقع فى غير الاباحة وهذا مربوط بمقام الاجتهاد ولا ينافى ما دل على وجوب العمل بملاحظة عدم ثبوت اعتبار الظنّ المشار اليه وبوجه آخر قضية انسداد باب العلم تقتضى وجوب العمل بما يقتضى الوجوب والحرمة من الظنّ اجمالا ولا يقتضى الانسداد ووجوب العمل بما يقتضى الجواز ولا مجال لاقتضاء له نعم لو اقتضى انّما يقتضى حرمة مخالفة ما يقتضى الجواز فلم يتات وجوب العمل بما يقتضى عدم الوجوب من باب قاعدة الاشتغال حتى يتاتى معارضة مع ما يقتضى الوجوب فى المسألة الفرعية وبعد هذا اقول ان وجوب الاحتياط لا يجرى الا فى

٢٠٦

باب الشك فى المكلف به وجوبا لكن يختص جريانه فيه بما لو لم يثبت الغاء الشك وأما لو ثبت إلغاء الشك كما لو كان الشك ناشيا من القياس فلا مجال لوجوب الاحتياط والاحتياط فى المسألة الاصولية انما يقتضى اعتبار الظنّ والغاء احتمال عدم الوجوب فلا مجال لوجوب الاحتياط فى المسألة الفرعية كما انه لو تردد الواجب بين القصر والاتمام وثبت بظن مشكوك فيه كون الواجب احدهما فيتعين فيه المكلف به ولا مجال لوجوب الاحتياط بالجمع وبوجه آخر الاحتياط فى المسألة الاصولية يوجب خروج المسألة عن مورد الاحتياط فى المسألة الفرعية فلا بد من البناء على الاحتياط فى المسألة الاصولية قضية ان كل دليل يوجب خروج المورد عن مورد دليل آخر يعارضه او كان الامر فى حكم الخروج فلا بد من العمل بالدليل الاول ولا مجال للعمل بالدليل الثّانى والمعارضة بدوية ومن هذا تقديم الاستصحاب الوارد على الاستصحاب المورد وكذا تقديم الظنّ القائم على عدم حجية ظن يخالف الظنّ الاول فى النوع بناء على حجية مطلق الظنّ فى الفروع والاصول كما لو قام الشهرة على عدم حجية بعض اقسام خبر الواحد ومن قبيل الظنّ المشار اليه الاحتياط فى المسألة الاصولية فى المقام والوجه فى الكل قضية التبعيّة حيث ان التابع لا بد ان يعمل فيه على حسب ما يجرى عليه حال المتبوع نفيا واثباتا وهذا الحديث يجرى فى كل من الامور الثلاثة المذكورة اعنى الاستصحاب الوارد واخويه الا ان الشكّ فى الاستصحاب الوارد من باب الشك السّببى بالنّسبة الى الشك فى الاستصحاب المورود والا تقديم حكم الشّكّ السّببى على حكم الشكّ المسبّبى انما يتم بقضية التبعيّة ايضا حيث ان حكم الشك المسبّبى تابع لحكم الشك السببى واما الظنّ القائم على عدم حجية الظنّ مع اختلاف النوع كما ذكر فلا يكون الظنّ فى المسألة الاصولية سببا للظن فى المسألة الفرعيّة وكذا الحال فى الاحتياط فى المقام حيث ان الاحتياط فى المسألة الاصولية لا بكونه سببا لاحتمال الجزئية او الشرطية او المانعية نعم الظنّ بعدم الحجية فى المسألة الاصولية سبب للظن بعدم حجية الظنّ فى المسألة الفرعية كما ان الشكّ فى حجيّة الظنّ فى المسألة الاصولية سبب للشك فى حجية الظنّ فى المسألة الفرعيّة قضيّة انطباق حكم الكلى والافراد لكن ما ذكر من السّببيّة فى باب الظنّ القائم على عدم الحجيّة مع اختلاف النوع والاحتياط ليس نظير سببيته الشك فى الاستصحاب الوارد حيث ان الشك فيه انما هو سبب لتحقق مجرى الاستصحاب المورود بخلاف الظنّ القائم على عدم حجية الظنّ مع اختلاف النوع والاحتياط فان الظنّ فى المسألة الاصولية فى الاول والشك فى المسألة الاصولية فى الثانى بالنّسبة الى الظنّ والشك فى المسألة الفرعيّة من باب الكلى والفرد ويفترق الاستصحاب الوارد عن اخويه ايضا بان الشك فيه لا يخرج المورد عن مورد الاستصحاب المورود حقيقة بل الامر من باب الخروج حكما لكن الظنّ فى المسألة الاصولية يخرج المورد حقيقة فى المسألة الفرعية عن تحت دليل حجية مطلق الظنّ لاختصاصه بما لم يقم حجة على عدم حجية وكذا الاحتياط فى المسألة الاصولية يوجب خروج المورد حقيقة فى المسألة الفرعية عن مورد وجوب الاحتياط لاختصاصه بصورة عدم ثبوت الغاء الشك فلا يجرى فى صورة ثبوت إلغاء احتمال الجزئية او الشرطية او المانعيّة وان قلت ان اثبات الشيء لا يستلزم نفى ما عداه فوجوب القصر او الاتمام فى المثال المتقدم ذكره لا ينفى وجوب الآخر فالظن المشكوك فيه المقتضى لكون الواجب هو القصر او الاتمام لا يوجب تعين المكلف به فى القصر او الاتمام قلت ان المفروض عدم احتمال وجوب الجمع اجتهادا ولو احتمل الجمع اجتهادا فالامر خارج عن المفروض لعدم التعارض لاقتضاء قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية وجوب احد الامرين واقتضاء قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية وجوب الامرين معا واين هذا من التعارض بل جريان قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية يمانع عن جريانهما فى المسألة الفرعية مع كون الامر بصورة الاعتضاد كما لو اقتضى الظنّ المشكوك فيه وجوب السّورة مثلا حيث ان العمل به يمنع عن التمسك فى

٢٠٧

وجوب السّورة بقاعدة الاشتغال لكون الظن المشار اليه بعد الشك فى اعتباره كالرافع لموضوع قاعدة الاشتغال وهو عدم ثبوت حكم السّورة نظير عدم اعتضاد الاستصحاب الوارد بالمورود فيما لو شك فى ورود النجاسة على الماء مثلا حيث ان استصحاب عدم ورود النجاسة وارد بالنسبة الى استصحاب جواز الشرب ولذا يمانع عن جريانه فلا مجال للاعتضاد وان قلت انه قد يتاتى التعارض بين قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية وقاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية كما لو علمنا بحرمة شيء بين اشياء ودلت على وجوب كل منها امارات نعلم بحجية إحداها فان مقتضى هذا وجوب الاتيان بالجميع ومقتضى ذلك ترك الجميع قلت انه ان كان الغرض من العلم بحرمة شيء بين اشياء اجمالا هو العلم بالحرمة اجمالا من باب الشبهة الموضوعية يكون المقصود بالشيء هو الشى المتشخص فهو خارج عن مورد الكلام اذ الكلام فى تعارض قاعده الاشتغال فى المسألة الاصولية مع قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية من باب الشبهة الحكمية والتعارض هنا بين قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية وقاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية بواسطة الشبهة الموضوعية إلّا ان يقال ان المقصود بقاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية اعمّ مما لو كانت من جهة الشبهة الحكمية وما لو كانت من جهة الشبهة الموضوعية والمثال المذكور فى الايراد وان كان من باب الشبهة الحكمية الا ان المثال لا يخصص المقال وان كان الغرض العلم بالحرمة من باب الشك الموضوعية يكون المقصود بالشيء هو الشيء الكلى كما هو مقتضى قولك ودلت على وجوب كل منها اذ ليس المدلول عليه بالوجوب الا الشيء الكلى فالمرجع الى العلم بمخالفة بعض الظنون للواقع وحرمة العمل به اذ العلم بفساد النتيجة يستلزم العلم بفساد المدرك فالمرجع الى تعارض قاعدة الاشتغال وجوبا وحرمة فى العمل بالظنون المشكوك فيها للعلم الاجمالى بوجوب العمل ببعض الظنون وكذا العلم الاجمالى بحرمة العمل ببعض الظنون وقد يقال ان الاحتياط فى المسألة الفرعية لا ينافيه الاحتياط فى المسألة الاصولية لان الحكم الاصولى المعلوم بالاجمال وهو وجوب العمل بالظن القائم على عدم الوجوب معناه وجوب العمل على وجه ينطبق مع عدم الوجوب ويكفى فيه ان يقع الفعل لا على وجه الوجوب ولا تنافى بين الاحتياط وفعل السّورة لاحتمال الوجوب وكونه لا على وجه الوجوب الواقعى وتوضيح ذلك ان معنى وجوب العمل بالظن وجوب تطبيق عمله عليه فاذا فرضنا انه يدل على عدم وجوب شيء فليس معنى وجوب العمل به إلّا انه لا يتعين عليه ذلك الفعل فاذا اختار فعل ذلك فيجب ان يقع الفعل لا على وجه الوجوب كما لو لم يكن هذا الظنّ وكان غير واجب بمقتضى الاصل لا انه يجب ان يقع على وجه عدم الوجوب اذ لا يتعين فى الافعال الغير الواجبة قصد عدم الوجوب نعم يجب التشرع والتدين بعدم الوجوب سواء فعله او تركه من باب وجوب التديّن بجميع ما علم من الشرع وح فاذا تردد الظنّ الواجب العمل المذكور بين ظنون تعلقت بعدم وجوب امور فمعنى وجوب ملاحظة ذلك الظنّ المجمل المعلوم اجمالا وجوبه ان لا يكون فعله لهذه الامور على وجه الوجوب كما لو لم يكن هذه الظنون وكانت هذه الامور مباحة بحكم الاصل ولذا يستحبّ الاحتياط واتيان الفعل لاحتمال انه واجب ثم اذا فرض العلم الاجمالى من الخارج بوجوب احد هذه الاشياء على وجه يجب الاحتياط والجمع بين هذه الامور فيجب على المكلّف الالتزام بفعل كل واحد منها لاحتمال ان يكون هو الواجب وما اقتضاه الظنّ القائم على عدم وجوبه من وجوب ان يكون فعله لا على وجه الوجوب باق بحاله لان الاحتياط فى الجميع لا يقتضى اتيان كل منها بعنوان الوجوب الواقعى بل بعنوان انه محتمل الوجوب والظن القائم على عدم وجوبه لا يمنع من لزوم اتيانه على هذا الوجه كما انه لو فرضنا ظنا معتبرا معلوما بالتفصيل كظاهر الكتاب دل على عدم وجوب شيء لم يناف مؤداه لاستحباب الاتيان بهذا الشيء لاحتمال الوجوب اقول ان مدار المقالة المذكورة على رفع التعارض بين قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية وقاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية ولا يصلح الحال الا بكون الغرض رفع التعارض باختلاف الموضوع بتقريب ان مدار قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية على تطبيق العمل بالنسبة الى الجواز الواقعى ومدار قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية على الاتيان بالمشكوك فيه بداعى احتمال الوجوب

٢٠٨

على ما هو المفروض من كون الشك فى الوجوب وبوجه آخر وقاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية على الحكم الواقعى ومدار قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية على الحكم الظاهرى ويتطرق الايراد بان قاعدة الاشتغال لا تجرى فى المسألة الاصولية بناء على ما مر من عدم جريانه فيما يقتضى الجواز واما قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية فالمدار فى الاحتياط فى الامور الشرعية وان يكون على داعى احتمال الوجوب فى الاحتياط فى الفعل وداعى احتمال الحرمة فى الاحتياط فى الترك لكن ما ذكر انما يتاتى فيما لو كان الماخوذ فيه لفظ الاحتياط كما فى الاستدلال على جواز التسامح فى المندوبات بحسن الاحتياط واما فى باب الشك فى المكلف به وان ذكر لفظ الاحتياط فى كلمات القائلين بوجوب الاتيان بالمشكوك فيه جزئية او شرطية وترك المشكوك فيه من حيث الممانعة لكنّه من باب المسامحة اذ ليس الواجب الّا الاتيان بداعى احتمال الوجوب وليس للمجتهد اعلام المقلد بالشك فى الجزئية او الشرطية او المانعية والافتاء بوجوب الاتيان بالمشكوك فيه بداعى احتمال الجزئية والشرطية لو كان الشك فى الجزئية او الشرطية ووجوب ترك المشكوك فيه بداعى احتمال الممانعة لو كان الشك فى المانعية بل لم يقل به احد ولا يلتزم به احد وغرض ارباب الاحتياط انما هو مجرد وجوب الاتيان بالمشكوك فيه فى الشك فى الجزئية والشرطية ووجوب ترك المشكوك فيه فى الشك فى المانعية وليس النزاع فى باب الشك فى المكلف به الا فى مجرّد وجوب الاتيان فى الشك فى الجزئية والشرطية ووجوب الترك فى الشك فى المانعية وليس النزاع فى وجوب الاتيان بداعى احتمال الجزئية والشرطية ووجوب الترك بداعى احتمال المانعيّة وان قلت ان وجوب الاتيان بالمشكوك فيه فى الشك فى الجزئية والشرطية ووجوب الترك فى الشك فى الممانعة ليس الا من جهة احتمال الجزئيّة والشرطية فى الاول واحتمال الممانعة فى الثانى فالامر مبنى على داعى الاحتمال سواء اخذ لفظ الاحتياط ام لا بل الحكم اعنى وجوب الفعل فى الاول ووجوب الترك فى الثانى مصداق الاحتياط بلا ارتياب قلت ان جهة الاحتمال تعليلية اعنى ان الداعى على ايجاب المشكوك فيه وتحريمه هو احتمال كونه جزء او شرطا واحتمال كونه مانعا فى التحريم لا تقييديّة كما عليه مدار المقالة المذكورة وهو الحال فى باب التسامح فان الاستحباب عارض للفعل المقيد بداعى احتمال الثواب وبعبارة اخرى مجموع الفعل وداعى الاحتمال لا نفس الفعل كما زعمه ارباب التسامح وان قلت ان الاستدلال بقاعدة الاشتغال مبنى على ملاحظة داعى الاحتمال فالوجوب فى المسألة الفرعية من باب قاعدة الاشتغال يكون مبنيّا على ملاحظة داعى الاحتمال كما عليه مدار المقالة المذكورة قلت انه لو كان الامر على هذا للزم ملاحظة داعى الاحتمال فى المسألة الاصولية ولم يلاحظ فى المقالة المذكورة مع ان التعبير بقاعدة الاشتغال اشارة الى وجوب الاتيان بالمشكوك فيه فى الشك فى الجزئية والشّرطية ووجوب الترك فى الشك فى الممانعة ولا دلالة فيه على لزوم كون الاتيان والترك بداعى الاحتمال على انه لا ينحصر دليل القول بوجوب الاتيان بالمشكوك فيه فى قاعدة الاشتغال بل استدل بالاستصحاب ايضا ولا يكون الاستصحاب مقتضيا للزوم كون الفعل والترك بداعى الاحتمال بلا اشكال ولو فرضنا كون قاعدة الاشتغال مقتضية لمراعاة داعى الاحتمال مضافا الى ما سمعت من ان اصل وجوب الاتيان بالمشكوك فيه فى الشك فى الجزئية والشرطية ووجوب الترك فى الشك فى المانعية فى باب الشك فى المكلف به وان كان مبنيا على جهة الاحتمال لكن الجهة تعليلية لا تقييديّة وبعد هذا اقول ان المدار فى صدق الاحتياط على مداخلة جهة الاحتمال سواء كان الجهة تقييديّة او تعليلية مثلا لو امر المولى عبده بطبخ مطبوخ باحتمال ورود الضيف عليه او على العبد مع عدم اطلاع العبد على داعى الاحتمال من المولى فى شيء من الصّورتين ولا على ورود الضّيف عليه فى الصّورة الثانية يكون الطبخ مصداق الاحتياط وان كان العبد غير مطلع على الداعى بل كان كارها للطبخ وبوجه آخر المدار فى الاحتياط على مداخلة جهة داعى الاحتمال من الفاعل بلا واسطة او مع الواسطة وبوجه ثالث الاضافات يكفى فيها ادنى الملابسة كما هو حديث مشهور و

٢٠٩

الطبخ المذكور يصح نسبته الى المولى بملاحظة الامر به نظير ما يقال فتح السلطان البلد مع كون الفتح من العسكر والمفروض مداخلة داعى الاحتمال فى الامر فيصدق الاحتياط على الطبخ المسطور بملاحظة المولى وان لم يصدق بملاحظة العبد الا ان الاحتياط فى الصّورة الاولى من المولى لنفسه وفى الثانية من المولى للعبد ففى باب الشك فى المكلف به لما كان الداعى من الشارع على ايجاب الاتيان بالمشكوك فيه فى الشك فى الجزئية والشرطية وتحريمه فى الشك فى الممانعة هو احتمال الجزئية والشرطية والمانعيّة فيكفى فى صدق الاحتياط بعد الاغماض عن عدم اناطة الامر بصدق الاحتياط ولا يكون الاتيان بالمشكوك فيه من المقلد بداعى الاحتمال كما هو مقتضى المقالة المتقدمة فلا يتم تلك المقالة وان قلت انه لا بد من قصد القربة فى العبادة فلا بد ان يكون الاتيان بالسّورة مثلا من المقلد بداعى احتمال الوجوب كما هو الحال فى المجتهد حيث ان الاتيان منه بداعى احتمال الوجوب لفرض اطلاعه على حقيقة الحال قلت انه لا يلزم قصد القربة فى اجزاء الصّلاة مثلا بالخصوص وكذا الحال فى الشرائط الداخلة والخارجة ما عدا الطهارات عن الحدث بل يكفى قصد القربة بنفس الطبيعة المقصودة بالاتيان المقتضى لقصد القربة بالاجزاء والشرائط الداخلة اجمالا مع انه لا باس بقصد القربة بالسّورة لكون الشخص مكلفا بالاتيان بها من باب التكليف العملى كما ان العبد فى المثال المتقدم يجب عليه الطبخ والداعى على التكليف هو احتمال؟؟؟ فى الطبيعة واقعا من باب التكليف بالاتيان بكل ما شك فى جزئيته او شرطية للعبادة فلا باس بقصد القربة من المجتهد ولا من المقلد بملاحظة التكليف العملى ولا باس باعتقاد المقلد وجوب الفعل والترك لفرض الوجوب ظاهرا وعملا وبعد هذا اقول ان الاحتياط فى المسألة الاصولية وان لا ينافى الاحتياط فى المسألة الفرعية من حيث وجوب الفعل لان معنى وجوب الاحتياط فى المسألة الاصولية وجوب كون العمل لا على قصد الوجوب الواقعى فلا ينافى وجوب الاحتياط ان يقع الفعل لا على وجه الوجوب بل لاحتمال الوجوب لكن الاحتياط فى المسألة الاصولية ينافى الاحتياط فى المسألة الفرعية من حيث جواز الترك اذ مقتضى الاحتياط فى المسألة الاصولية جواز ترك الاحتياط فى المسألة الفرعية ولا مجال للجمع بين الوجوب وجواز الترك بابداء اختلاف المحلّ بكون الوجوب ظاهريّا وجواز الترك واقعيا اذ لا مجال لاجتماع الحكمين المتضادين الا فى صورة اختلاف الجهة التقييدية ولا مجال لاختلاف الجهة التقييدية فى المقام غاية الامر كون وجوب الاحتياط فى المسألة الفرعية فى مورد الشك الا ان جهة الشك من باب الجهة التعليلية ولا يكون من باب الجهة التقييدية لعدم ابتناء وجوب الاحتياط فى باب المشكوك فيه على كونه بداعى الشك وبعد هذا اقول ان مدار ذلك المقال على عدم المنافاة بين الظنّ القائم على الاباحة والاحتياط فى المسألة الاصولية ومدار الايراد على التعارض بين الاحتياط فى المسألة الاصولية والاحتياط فى المسألة الفرعية واين احد الامرين من الآخر إلّا ان يقال ان الغرض من المقال ان مقتضى الاحتياط فى المسألة الاصولية ففى الوجوب الواقعى بالظن القائم على الاباحة وعدم جواز قصد الوجوب فيتاتى الايراد بنفى المعارضة بين الاحتياط فى المسألة الاصولية والاحتياط فى المسألة الفرعية وبعد هذا اقول انه يمكن القول بان مدار ذلك المقال على ان المدار فى الاحتياط فى المسألة الاصولية على نفى الوجوب الواقعى مع احتمال الوجوب والمدار فى الاحتياط فى المسألة الفرعية على اثبات الوجوب فى محتمل الوجوب وهذا انما يتم لو كان احتمال الوجوب جزء الدعوى كما لو ذهب المشهور الى جواز الترك لا كيفية الدعوى كما ان اخذ الاحتمال فى جانب الاحتياط فى المسألة الفرعية لا يتم اذ المدار فى الاحتياط فى باب الشك فى المكلف به على مجرد وجوب الاتيان بالجزء المشكوك فيه والشرط المشكوك فيه وترك ما شك فى ممانعته ولم يقل احد بلزوم كون الفعل والترك بداعى احتمال الجزئية والشرطية والممانعة بخلاف باب التسامح فانّ

٢١٠

مقتضى حسن الاحتياط كون الاتيان بالفعل بداعى احتمال الاستحباب وهو خلاف مقاله المسامحين إلّا ان يقال ان مرجع ما ذكر الى كون جهة الشك من باب الجهة التعليلية لا الجهة التقييدية كما تقدم فليس هذه المقالة مقالة اخرى ويتطرق الايراد ايضا على المقالة المتقدمة بان الجواز الواقعى المستفاد من قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصوليّة ينافى وجوب الاتيان بالمشكوك فيه بداعى الاحتمال المستفاد من قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية فى باب الشك فى الجزئية والشرطية المفروض فيه الكلام فى الايراد المتقدم وكذا فى الجواب عنه بالمقالة المتقدمة وكذا ينافى وجوب الترك بداعى الاحتمال فى باب الشك فى الممانعة فى كل من الحكم الواقعى والحكم العملى اما الثانى فلان ما يقتضى حكم الواقعى يقتضى كونه هو الحكم فى مقام العمل ايضا فقاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية لمّا اقتضت الجواز الواقعى فمقتضى كون الحكم فى مقام العمل هو الجواز ايضا وقاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية تقتضى وجوب الفعل او الترك فى مقام العمل فيتاتى التعارض فى الحكم فى مقام العمل من حيث كون الحكم هو الجواز ووجوب الفعل او وجوب الترك غاية الامر مداخلة داعى الاحتمال فى الحكم المستفاد من قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعية لكن لا جدوى فيه بعد تسليمه فى رفع التعارض ولا خفاء واما الاول فلان مدار قاعدة الاشتغال فى المسألة الاصولية على انكشاف الواقع ومدار قاعدة الاشتغال فى المسألة الفرعيّة على اختفاء الواقع لعدم حجية الظنّ فيتاتى التعارض فى انكشاف الحكم الواقعى واختفائه نظير انه لو ورد خبر بان ليلة القدر مجهولة وورد خبر آخر بان ليلة القدر هى الليلة الثالثة والعشرون يتاتى التعارض بلا اشكال ويشبه المقام ما اورد على الآيات التى استدل بها على اصالة البراءة فى باب شبهة الحرمة من الشك فى التكليف وهى مورد النزاع المعروف بين المجتهدين والاخباريين من ان مفاد الآيات عدم لزوم امتثال الحكم الواقعى اى الحرمة الواقعية ومفاد ما دل على وجوب الاحتياط هو الحكم الظاهرى فلا تعارض ولا ارتباط لاحدهما بالآخر لاختلاف موضوع الحكمين من باب الواقع والظاهر واوردنا عليه بتطرق التعارض من باب نفى الملزوم واثبات اللازم حيث ان وجوب الاحتياط وان كان حكما ظاهريّا إلّا انه مبنى على وجوب امتثال الحرمة الواقعية (١) وقد يعمم بوجوه اخرى الاول الاجماعات المنقولة المتقدمة الدالة على قيام الظنّ مقام العلم عند انسداد باب العلم اقول انه لا وثوق لى بالاجماع المنقول غالبا من باب عدم الوثوق بتتالى الفتاوى غالبا كما يظهر مما حررناه فى بحث الاجماع مع ان الاجماعات المنقولة المشار اليهما ان كانت مبنية على بقاء التكليف فى الواقعة التى انسد فيها باب العلم لا مفيدة للبقاء فلا حاجة الى تلك الاجماعات المنقولة اذ بعد ثبوت البقاء يكفى ما تقدم فى قيام الظنّ مقام العلم اللهمّ إلّا ان يقال انه لو تم الاجماعات المنقولة فالتمسّك بها اسهل بمراتب شيء بالاضافة الى ما تقدم لاحتياجه الى ابطال وجوه متعدّدة غير العمل بالظن الثانى ان طريقة الناس جارية فى التجارات والصّناعات على العمل بالظن عند تعذره اقول ان التمسك بهذا الوجه لا يتم الا باعتبار التقرير بطريق غير متعارف بتقريب ان يقال انه لو لم يكن العمل بالظن فى الاحكام الشرعية مرضيّا عند ارباب العصمة لتطرق ردع الناس من ارباب العصمة عن تعميم طريقتهم فى الاحكام الشرعية مع علم ارباب العصمة بطريقة الناس بالاسباب العادية كما هو المفروض ولا مجال للكلام فيه وقد تقدم نظيره فى الاستدلال على حجية خبر الواحد لكن دون اطمينان النفس بذلك الاشكال الثالث الاجماع على حجيّة ظن المجتهد حيث ان الاجماع منعقد بل الضرورة قائمة على المجتهد اذا بذل الجهد فى طلب الحكم الشرعى وتحصل له الظنّ به فهو حجة فى حقه اقول ان الاجماع بحيث ينفع فى اثبات المقصود غير ثابت اذ القدر الثابت من الاجماع انما هو الاجماع على حجية الظنّ فى الجملة ولا جدوى فيه والامر فى باب الضرورة اوضح كيف لا والاخباريون يقولون بحجية الظنّ فى الجملة ايضا لكن ينكرون حجية الظن المستفاد من الاستقراء مثلا الا يقال انّ بناء

__________________

(١) لو كانت ثابتة فى الواقعة ولازم له فهو ينافى ما دل عليه الآيات من عدم وجوب امتثال الحرمة الواقعية

٢١١

الاخباريين فى اعتبار الكتاب على التفسير فى الاخبار وفى باب الاخبار على القطع سندا ودلالة كما ان بعض ارباب حجية مطلق الظنّ لا يقول بحجية الظنّ المستفاد من الشهرة بواسطة استلزام حجيتها عدم حجيتها بملاحظة قيام الشهرة على عدم حجية الشهرة وان كان هذا المقال فاسد الحال كما يظهر مما ياتى وبالجملة التمسك بالوجه المذكور فى غاية الضعف اذ الاجماع على حجية مطلق الظنّ غير ثابت وينكره القائل بحجية الظنون الخاصّة والاجماع على حجية الظن فى الجملة اى القدر المشترك بين القائل بحجية الظنون الخاصة والقائل بحجية مطلق الظنّ لا يسمن ولا يغنى من جوع بل مرجعه الى دعوى الاجماع على حجية الظنون الخاصّة وان امكن القدح فى الاجماع على القدر المشترك بملاحظة القول باعتبار الخبر المزكى بتزكية العدلين فلا يتاتى الاجماع على حجيّة الظنون الخاصّة بقى انه قرر السيّد السّند العلى نقلا الدليل المتقدم اعنى دليل الانسداد بانه لو لم يكن الظنّ حجة لزم احد الامور الثلاثة اما التكليف بما لا يطاق او الخروج عن الدين او الترجيح من غير مرجح واللوازم ظاهر البطلان اقول ان الترديد بين المحاذير الثلاثة من جهة انه لا يخلو الحال على تقدير عدم حجية مطلق الظنّ عن بقاء التكليف بالواقع فى الواقع فيلزم التكليف بما لا يطاق وارتفاع الحكم الواقعى فيجوز العمل باصل البراءة فيلزم الخروج عن الدين بل على هذا المنوال الحال فى لزوم التوقف والتخيير والبناء على حجية الظنون الخاصة فيلزم الترجيح من غير مرجح لكن يتطرق القدح فى التقرير المذكور بعدم اخذ بقاء التكليف وانسداد باب العلم غالبا الثانى ان فى مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبى او التحريمى مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون واجب اما المقدمة الاولى فلان الظنّ بالوجوب والحرمة يستلزم الظنّ باستحقاق العقاب فعلا فى الاول وتركا فى الثانى لان الظنّ بالملزوم يستلزم الظنّ باللازم كما ان العلم بالملزوم يستلزم العلم باللازم والوجوب يستلزم استحقاق العقاب على ترك الواجب والحرمة تستلزم استحقاق العقاب على فعل الحرام وذلك ضرر عظيم فى الغاية فان المضار الاخرويّة اشد واعظم من المضار الدنيويّة ولانه اذا ظن بوجوب شيء او بحرمته ظن باشتمال الفعل الاول على مصلحة عظيمة دنيويّة او اخرويّة استحقاق واشتمال الفعل فى الثانى على مفسدة عظيمة ايضا دنيوية او اخروية بناء على قول العدلية بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد ومن الظاهر ان فوت المنفعة وتطرق المفسدة من باب الضرر واما المقدمة الثانية فلانا نجد ان العقل لا يفرق بين الضرر المعلوم والضرر المظنون فى وجوب دفعه وفى انه لو لم يدفعه من غير عذر يكون مرتكبا للقبيح ومذموما عقلا ولذا يلزم بترك الطريق الذى يظن فيه السّبع واللص والحيات والعقارب وغير ذلك من الموذيات وكذا يلزم بترك الطعام والشراب الذى يظن بوجود السّمّ فيهما ويرشد الى ذلك انا نجد العقلاء قديما وحديثا على الالزام بدفع الضرر المظنون ومن تبتع احوالهم وما يحكى عن السلف منهم يقطع بما ذكر حيث انه ليس ذلك الا لحكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون بل صرّح المحققون بذلك ومن جملة ما فرعوا عليه وجوب معرفة البارى تعالى كما ذكر فى الكلام عند الكلام فى وجوب النظر فى معرفة الله سبحانه بل العقل يحكم بوجوب دفع الضرر الموهوم كما صرح به جماعة ولانا نعلم بالوجدان ان الظنّ بالوجوب والحرمة يستلزمان الظنّ باستحقاق العقاب كما ذكره فخر المحققين فى الايضاح ولنقل الاجماع من فخر المحققين على وجوب دفع الضرر المظنون ولانه لو لم يجب دفع الضرر المظنون لزم القاء النفس فى التهلكة وهو حرام بنص الكتاب اقول انّ الاستدلال بالوجه المذكور من باب حكم العقل مبنى على مراتب ياتى ذكرها فى الوجه الآتي وكيف كان ان كان المقصود بالعقل الحاكم بوجوب دفع الضّرر المظنون هو عقل متعارف الناس المحفوف بالشهوات فهم لا يبالون بترك المعلوم الوجوب وارتكاب معلوم الحرمة بل لا يبالون بالمضار الدنيويّة ويتحملونها لبعض الشهوات كما فى شرب بعض المشروبات المتعارف بين الناس لوضوح مضارها بحيث لا يحيط بها قلم ولا مداد وكذا اكل الاغذية

٢١٢

اللذيذة لحلوها ودهنها وان امكن القول بان عدم المبالاة فيما ذكر من باب مخالفة حكم العقل لا عدم الحكم وان كان المقصود العقل السالم عن مزاحمة الشهوات او المخلى والطبع عن المزاحمة فهو وان يحكم بوجوب دفع الضرر الاخروى لكنّه لا يحكم بوجوب دفع الضرر الدّنيوى المالى وان يحكم بوجوب دفع الضرر الدنيوى من حيث نقض الغرض ونقض العمل بل عقل متعارف الناس وان يحكم بوجوب الضرر المالى من باب فرط الميل بالمال والانغمار فى حب الدنيا لكنّه لا يحكم بوجوب دفع الضّرر شرعا واستحقاق العقاب على تركه ومقتضى اطلاق دعوى حكم العقل بوجوب دفع الضرر هو الحكم بوجوب دفع الضرر مطلقا سواء كان الضرر دنيويّا او اخرويّا بل لو حكم العقل بوجوب دفع الضرر المالى شرعا فانما يحكم به لو لم يكن فى البين احتمال نفع اخروى او مصلحة اخرى احتمالا مساويا ومن ذلك ان العقل لا يضايق عن تجويز ضرر دنيوى مقطوع به ولو كان نفسا كالجهاد لنفع اخروى او مصلحة اخرى بل حكم بعض عند الكلام فى قاعدة الضرر بعدم صدق الضرر مع وجود النفع الاخروى وعليه جرى الوالد الماجد ره قال فليس فى شيء من الحقوق الشرعية من الخمس والزكاة والقتل فى سبيل الله وغيرها ضرر بل مقتضى نقل الاتفاق فى السرائر والكفاية على جواز ان يحفر الشخص بالوعة او بئر كنيف فى الدار وان تأدّى الى تغيير ماء بئر الجار ونقل الوفاق منهما ايضا كالمبسوط والغنية على جواز حفر البئر فى الدّار وان تأدّى الى نقص ماء بئر الجار جواز الاضرار بالغير مالا فى الجملة فلو جاز الاضرار بالغير مالا فى الجملة يحكم العقل بجواز اضرار الشخص بماله بالاولويّة فيحكم العقل بعدم لزوم دفع الضرر المالى إلّا ان يقال ان جواز الاضرار بالغير مالا فيما ذكر انما هو بتوسط تصرف الشخص فى ملكه فلا يتاتى من ذلك حكم العقل بجواز الاضرار بالغير مالا بدون استناد الاضرار الى تصرف الشخص فى ملكه فلا يثبت حكم العقل بجواز اضرار الشخص بماله وبعد هذا اقول ان العقل السالم عن مزاحمة الشهوات او المخلى والطبع عن المزاحمة وان يلزم بدفع الضرر الاخروى لكن حكمه بالحكم الظاهرى اعنى الوجوب الشرعىّ الموجب لاستحقاق العقاب على ترك امتثاله محل الاشكال نعم مقتضى حكم العقل بقبح التجرى على المعصية واستحقاق العقاب عليه وجوب دفع الضرر المظنون الاخروى من باب الحكم الظاهرى لاطراد قبح التجرى فى صورة الظنّ والشك والوهم على اختلاف درجات القبح بالعلم والظنّ والشك والوهم إلّا ان يقال ان مقتضى هذا المقال تطرق استحقاق العقاب على ترك دفع الضرر المظنون من باب استحقاق العقاب على التجرى على المعصية لا مخالفة الظنّ بالضرر وفى ذلك الكفاية فى المدعى لكنك خبير بان الفرض عدم انتهاض الاستدلال والمفروض عدم الانتهاض وفيه الكفاية فى ابطال الاستدلال وبعد هذا اقول ان اضرار الشخص بماله الى حد غير منجر الى الفقر جائز عقلا واما شرعا فهو جائز ايضا بناء على اختصاص الاسراف ببذل جميع المال كما لعلّه يتجه القول به على ما حرّرناه فى الرّسالة المعمولة فى الاسراف بل جواز اضرار الشخص بماله فى الجملة مما يقضى به الاستقراء فى المسائل الفقهيّة ويظهر الحال بالرّجوع الى ما حرّرناه فى الاصول فى قاعدة الضرر وبعد هذا اقول ان الوجوب والحرمة المأخوذين فى دعوى استلزام الظنّ بالوجوب والحرمة للظن باستحقاق العقاب ان كان المقصود به الوجوب الفعلى فهو مع عدم قيام الدليل عليه من العلم او الظن المعتبر محل المنع وان كان المقصود به الوجوب الشانى اى ما من شانه ان يجب لمن اطلع عليه بالدّليل من العلم او الظنّ المعتبر فالظنّ بالوجوب المشار اليه لا يوجب الظنّ باستحقاق العقاب ويمكن الذب بانه بعد فرض سد باب العلم وبطلان الاحتمالات المتطرقة فى المقام من العمل بالاصل والاحتياط وغيرها يتاتى الظنّ بالوجوب الفعلى فيتاتى استحقاق العقاب فعلا لكن نقول انّ هذه مقدمة اخرى خارجة عن الاستدلال ولا تجدى فى اصلاح الحال مع ان الاستدلال على ذلك يرجع الى الاستدلال بدليل الانسداد ولا حاجة الى ذلك الاستدلال وبعد هذا اقول ان الظنّ بترتب المصلحة والمفسدة لا يجدى فى لزوم المتابعة فعلا فى المصلحة وتركا فى المفسدة كيف لا

٢١٣

ولا يجب الاحتياط فى شبهة الحرمة فى باب الشبهة الموضوعيّة المنفردة اتفاقا من الاخباريين وكذا فى شبهة الحرمة من الشبهة الحكميّة اتفاقا من المجتهدين وكذا فى الشبهة الغير المحصورة اتفاقا ممن عدا جماعة على ما حكى المحدث الجزائرى من جماعة من معاصريه كما مر من سكان المشهدين مشهد مولانا امير المؤمنين ومشهد سيّد الشهداء عليهما السلم حيث حكموا بعدم جواز مباشرة احد من المسلمين بالرّطوبة للقطع بان فى العالم بل فى البلد من لا يجتنب النجاسات ولا من مباشرة هؤلاء بالرطوبة فلو باشرنا احدا منهم باشرنا من ظن نجاسته او قطع بها وايضا كيف لا وفى الجزم بالاباحة او الاستحباب او الكراهة من باب الجهل المركب فى باب الوجوب والحرمة حكما او موضوعا يتاتى المصلحة والمفسدة الواقعية ولا مجال للمتابعة ولو من باب وجود المانع اعنى العلم بالحكم المخالف من باب الجهل المركب إلّا انه يكفى فى عدم استلزام ثبوت المصلحة والمفسدة للزوم المتابعة لتطرق احتمال حكمة مانعة عن لزوم المتابعة وبعد هذا اقول ان الضّرر بعد امكان منع صدقه على العقاب الاخروى بدعوى اختصاصه لغة بالمضرة الدنيويّة وان كان العقاب الاخروى اشد من المضار الدنيويّة بمراتب كثيرة يمكن منع صدقه على مجرد استحقاق العقاب مع قطع النظر عن العقاب وان كان نفس الاستحقاق أسوأ من السّوء ومن هذا وجوب التوبة عن المعصية المعفو عنها كما فى العزم على المعصية بناء على كونه معصية بل يمكن منع عموم صدقه على المفسدة ولو كانت المفسدة مقصورة على الدنيوية على حسب المقصود بها فى مفسدة الحرام لوضوح عدم صدق الضرر على بعض المفاسد الدنيوية بل كثير منها بل يمكن منع صدقه على فوت المنفعة فالاولى تبديل ظن الضرر بظنّ الامر المخوف وبعد هذا اقول ان من عدم جواز مخالفة الظنّ لا يلزم وجوب العمل بالظنّ لامكان وجوب الاحتياط او جواز العمل بالاصل لو كان الاحتياط او العمل بالاصل موافقا للعمل بالظن وكذا امكان تخلل الواسطة بغير ما ذكر ممّا تقدم فلا بد من سد الاحتمالات وبعد هذا اقول الدليل اخص من المدعى لاختصاصه بالوجوب والحرمة وعموم القول بحجية مطلق الظنّ للظن بالاستحباب والكراهة والظنّ بالاباحة والظنّ بالاحكام الوضعيّة الا أن يقال ان المدعى هو حجية الظنّ بالتكليف بناء على ما تقدم من اختصاص النزاع بالظن بالتكليف وكون الكلام فى حجية مطلق الظنّ فى غير ذلك من باب اطراد النزاع لا عموم المتنازع فيه كما تقدم فى بعض المقدمات نعم لا بد فى القول بتعميم حجية الظنّ للظن بغير التكليف من دعوى القطع بعدم الفرق او عدم الفارق وبعد هذا اقول ان دعوى حكم العقل بوجوب دفع الضرر الموهوم تندفع بان بناء العقلاء فى امور معاشهم كالتجارات والزراعات والاسفار فى البرارى والبحار على ما احتمل فيه الضّرر موهوما ولا سيّما المسافرة فى البحار فانها محل احتمال الهلاكة إلّا ان يقال انه فيما لا يتم امرهم بدونه ولا محيص لهم عن ارتكابه واما ما عده كشرب الجائع مما احتمل السمّ فيه ولو موهوما ومسافرة المسافرين طريق يحتمل فيه اللص وغيره من الموذيات فلا مجال لانكار التزامهم التجنّب عنه والزامهم به وذمهم من يرتكبه لكن نقول انه قد تقدم ان الانسان لا يبالى بارتكاب مظنون الضرر لبعض الشهوات فكيف ظنك بالموهوم وبعد هذا اقول انه لو كان العقل حاكما بوجوب دفع الضرر الموهوم كما هو المصرّح به فى الاستدلال فيجب الاحتياط فى باب الظنّ بالاستحباب او الكراهة او الاباحة مع احتمال الوجوب او الحرمة فالدليل اخص من المدعى إلّا ان يقال ان النزاع يختص بالظن بالتكليف والكلام فى الظنّ بغير التكليف من باب اطراد النزاع كما مر نعم لا بد فى تعميم القول بحجية مطلق الظنّ للظن بغير التكليف عن دفع احتمال وجوب الاحتياط بالقطع بعدم الفرق او عدم الفارق كما سمعت او يقال ان وجوب دفع الضرر الموهوم انما يتاتى لو لم يثبت اعتبار جانب الظنّ واما لو ثبت اعتبار جانب الظنّ بالاستحباب او احد من اخويه من باب القطع بعدم الفرق او عدم الفارق فلا يتاتى وجوب الاحتياط وبعد هذا اقول انّ نسبة دعوى كون استحقاق العقاب وجدانيا الى فخر المحققين مدفوعة بان مقتضى كلام فخر المحققين انه كلما تحصل الظنّ بالضّرر فحصول الظنّ بالضّرر وجدانىّ

٢١٤

واين هذا من دعوى وجدان حصول الظنّ بالضرر واستحقاق العقاب فى الباب اللهم إلّا ان يقال ان الغرض من النسبة هو مجرد مناسبتها لدعوى وجدان الضرر باستحقاق العقاب فى الباب لا نسبة الدعوى المشار اليها الى فخر المحققين وبعد هذا اقول ان التمسك بآية التهلكة فى باب اثبات المقدّمة الثانية بعد عدم اعتبار اطلاقات الكتاب وعموماته يستلزم الدّور لعدم ثبوت اعتبار ظواهر الكتاب بغير هذا الاستدلال إلّا ان يقال ان اعتبار ظواهر الكتاب مورد الاجماع واورد ايضا بوجوه اخرى احدها ما صنعه الحاجبيان حيث انّهما بعد تسليم استقلال العقل بالحسن والقبح كما يبتنى عليه الاستدلال حكما بان دفع الضّرر المظنون احتياط مستحسن ولا ينتهى الى الوجوب وظاهر الفاضل الخوانسارى قبوله إلّا انه خص الاحتياط بدفع الضرر بصورة عدم احتمال الحرمة ويندفع بما يظهر مما تقدم من استقلال العقل السالم عن مزاحمة الشهوات او المخلى وطبعه عن المزاحمة بوجوب دفع الضرر الاخروى او تاتى الوجوب فى دفع الضرر المظنون الاخروى من باب قبح التجرى على المعصية واما بالنسبة الى الضرر المالى فالعقول ملزمة بدفع الضرر إلّا انه لا يكون من باب الوجوب الشرعى بل لا يحكم العقل بحسن الدفع شرعا فدفع الضرر الاخروى واجب عقلا لا مستحسن احتياطا واما دفع الضرر المالى لا يتصف بالوجوب الشرعى عقلا بل ولا يتصف بالحسن الشرعى من باب الاحتياط واورد عليه ايضا بان جعل الاستدلال مبنيّا على استقلال العقل غير ظاهر لان تحريم تعرض النفس للمهالك والمضارّ الدنيوية والاخروية ممّا دل عليه الكتاب والسنّة مثل التعليل فى آية النبإ وقوله سبحانه ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة (١) وقوله سبحانه ويحذركم الله نفسه وقوله سبحانه أفامن الذين مكروا السيئات وانت خبير بانّ الغرض اعتبار ظاهر الكتاب وغيره بالاستدلال والمفروض عدم ثبوت اعتبار ظاهر الكتاب بوجه آخر فالاستدلال على وجوب دفع الضرر بالآيات يستلزم الدّور اللهمّ إلّا ان يقال ان اعتبار ظواهر الكتاب مورد الاجماع او يقال انه يحصل العلم من الآيات المذكورة وغيرها بحرمة تعريض النفس للمهالك والمضار ثانيها ما ذكره الحاجبيان ايضا من ان غاية ما يسلم من حكم العقل بوجوب دفع الضرر وانما هى فى العقليات واما الشرعيّات فحكم العقل بوجوب دفع الضرر فيها غير ثابت وقد ذكر الفاضل الخوانسارى ان المقصود بالعقليات هو ما يحكم به العقل من امور المعاش والمقصود بالشرعيات هو المسائل الشرعية المتعلقة بامر المعاد كقبول خبر الواحد ووجوب العمل به حذرا عن ترتب العقاب على تركه ومقتضى سكوته عن تزييفه القول به والمرجع الى تسليم حكم العقل بوجوب دفع الضرر فى مضار الدنيوية دون المضار الاخروية كما استظهر من العدة والغنية واما احتمال كون الغرض حصول الظنّ بالضرر فى الامور الدنيوية دون الامور الاخروية فهو بعد كونه خلاف المفروض اذ المفروض حصول الظنّ بالضرر فى الامور الدينيّة خلاف ظاهر العبارة بل غير مراد بلا كلام كما ان احتمال كون الغرض حجية حكم العقل فى الامور الدنيوية دون الامور الشرعية خلاف ظاهر العبارة ايضا بل غير مراد بلا اشكال بل حجية حكم العقل فى الامور الدنيوية لا يرجع الى محصّل وقد حررنا المقال فى حجيّة حكم العقل فى محله وعلى اىّ حال فضعف الفرق على ما حرّرناه واضح لفرض الظنّ وتعقبه بحكم العقل مع ان المضارّ الاخرويّة اعظم وربما يحتمل كون الفرق من جهة خيال كون العقاب مامونا عنه فى الشرعيات مع فرض عدم الدليل فيها على الحكم لابتناء تعلّق الحكم فيها على العلم والاعلام فلا يتطرق الظنّ بالضرر مع عدم الدليل المعتبر على الحكم بخلاف العقليات وهو خلاف ظاهر العبارة بلا اشكال بل يتطرق الايراد عليه بما يظهر مما مر ثالثها ان الدليل اخص من المدعى اذ غاية ما يتمشى من الاستدلال انما هى وجوب العمل بالظن بالوجوب او الحرمة واما الظنّ بالاستحباب او الكراهة او الاباحة فلا دليل على حجية الظنّ فى الموارد المذكورة ولا يتم الاستدلال فيها ويمكن دفعه بانه يطرد حجية الظنّ فى باب الاستحباب واخويه بالاجماع المركب والقطع بعدم الفرق بل قد تقدم ان مورد الكلام فى المقام انه انما هو الظنّ بالوجوب والحرمة وحجية الظنّ فيما عداهما بناء على حجية مطلق الظنّ من باب الاجماع المركب والقطع بعدم الفرق رابعها ان مجرد

__________________

(١) وقوله سبحانه (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وقوله سبحانه (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)

٢١٥

استحقاق العقاب لا يكون ضرر الجواز العفو والمغفرة من الله سبحانه واجيب بان مجرد استحقاق العقاب ضرر عظيم وجواز العفو لا يخرجه عن كونه ضررا وإلّا فلا يتاتى الضرر فى العلم باستحقاق العقاب ايضا وفيه انه قد تقدم امكان منع صدق الضرر على مجرد استحقاق العقاب والنقض بالعلم بالضرر باستحقاق العقاب مدفوع بان من يمنع عن صدق الضرر على استحقاق العقاب يمنع عن صدقه على العلم باستحقاق العقاب ايضا ولا توحش فيه نعم يصدق الضرر فى صورة العلم بالعقاب لكن الصدق انما هو على نفس العقاب بعد صدق الضّرر على العقاب باعتبار ثبوت العقاب بمرآة العلم وربّما يقال ان جواز العفو لا ينافى الظنّ بالعقاب فيتاتى الظنّ بالضرر نعم لو احتمل العفو احتمالا مساويا لا يتاتى الظنّ بالضرر لكن بعد وجود المقتضى يتحصل الظنّ بترتب المقتضى بناء على اصالة عدم المانع مع ان مقتضى الآيات والاخبار الدالة على الوعد والوعيد ترتب الثواب والعقاب على الاعمال ويرده عدم اعتبار اصالة عدم المانع على الاظهر بناء على عدم اعتبار اصالة العدم مع ان اصالة عدم المانع لا تجدى فى الظنّ بترتب المقتضى الا بناء على كون المقصود بالاصل هو الظاهر لكن الظهور غير ثابت والآيات والاخبار الدالة على الوعد والوعيد مقيدة بانتفاع المانع لا محالة والمفروض عدم ثبوت انتفاء المانع لا واقعا ولا عملا الا باعتبار اصالة عدم المانع وهو غير ثابت ومع هذا نقول ان احتمال الموازنة بالاحتمال المساوى ولا يبعد القول بالموازنة يتاتى فى الباب ويمنع عن الظنّ بترتب العقاب خامسها ان القدر المسلم من لزوم استحقاق العقاب بترك الواجب وفعل الحرام انما هو اللزوم عند العلم بالوجوب والحرمة واما عند الظنّ والشك فاللزوم ممنوع ودعوى ان الظن بالملزوم يستلزم الظنّ باللازم انما يتم فيما لو كان اللازم لازما لذات الملزوم من حيث انه هو واستحقاق العقاب ليس لازما لترك الواجب وفعل الحرام والا لاطرد اللزوم عند الشك والجهل والحاصل ان استحقاق العقاب اما ان يكون لازما للوجوب والحرمة عند العلم بهما او عند الفهم الاعم من العلم والظنّ او يكون لازما لترك الواجب وفعل الحرام من حيث انهما هما اما الاول فهو مسلم لكنّه لا يجدى نفعا بل يضر بالمقصود واما الثانى فهو موقوف على ثبوت حجية الظنّ ومقتضاه هو العلم بالضرر عند الظنّ بالوجوب والحرمة واما الثالث فهو وان كان مثبتا للدعوى لكنه ممنوع لعدم التلازم بين ترك الواجب وفعل الحرام واستحقاق العقاب لا عقلا ولا شرعا ولا عادة مضافا الى ان لازم الذات لا ينفك عنه الا على سبيل الاعجاز وخرق العادة كانفكاك الحرارة من النار مع انا نرى ونعلم عدم تاتى استحقاق العقاب فى كثير من الموارد كمورد اصل البراءة من الشك فى الوجوب والحرمة من باب اشتباه الحكم او الموضوع من باب الشبهة المنفردة اذا اتفق ثبوت الوجوب والحرمة فى الواقع وكذلك موارد خطاء المجتهد عند عدم التقصير وعلى هذا فكيف يمكن جعل استحقاق العقاب لازما ذاتيا لترك الواجب وفعل الحرام وان قيل ان تخلف استحقاق العقاب عن الوجوب والحرمة فيما ذكر مستند الى وجود المانع لا الى عدم المقتضى فلا ينافى الذاتية قلت هذا مجرد الدعوى ولا شاهد لها ونحن نقول انه من باب عدم المقتضى فعلى من يدعى الذاتية الاثبات مضافا الى انه اعتراف بان مجرد الوجوب والحرمة لا يؤثر فى استحقاق العقاب الا بعد انضمام اصالة عدم المانع فمجرد الظنّ بالوجوب والحرمة لا يستلزم الظن باستحقاق العقاب الا بعد الظن بعدم المانع واصل عدم المانع غير جار فى الباب لان نفس عدم حصول العلم يصلح مانعا مضافا الى معارضته باصالة عدم تحقق اللازم ويرد عليه انه كان المناسب الترديد فى الوجوب والحرمة المأخوذين فى دعوى استلزام الظن بالوجوب والحرمة للظن باستحقاق العقاب بان المقصود هو الوجوب والحرمة فعلا او الوجوب والحرمة شأنا والايراد على كل من الوجهين بما تقدم اذ الوجوب والحرمة من باب الاصل بالنسبة الى الاستحقاق ونشر الكلام فى الاصل اولى من نشر الكلام فى الفرع وبعد هذا اقول ان المناسب فى المقام نشر الكلام فى ان استحقاق العقاب على فعل الحرام او ترك الواجب بشرط العلم تفصيلا حكما او موضوعا عقلا او شرعا او بنفسهما والجهل مانع فى الجملة او بالكلية حكما او موضوعا عقلا او شرعا أو لا استحقاق للعقاب على الفعل والترك وانما يتاتى الاستحقاق على ترك امتثال الامر

٢١٦

والنهى اى ترك الاطاعة باشتراط العلم وممانعة الجهل اقول انه لا ينبغى الارتياب فى استحقاق العقاب على فعل الحرام لنفسه بناء على كون الحسن والقبح عقليين وعلى هذا الحال حال ترك الواجب بناء على اشتماله على المفسدة واما بناء على خلوه عنها وكون حرمته تبعا لوجوب الفعل كما هو الاظهر كما ياتى فيمكن القول باستحقاق العقاب على تقويت المصلحة بناء على ما حررناه فى محله من كون تكاليف الشّارع من باب تكاليف ارباب التربية اى مبنية على المصالح والمفاسد مع استدعاء الوقوع واما لو قلنا بخلو ترك الواجب عن المفسدة مع كون تكاليف الشّارع من باب دستورات الاطباء فلا مجال للعقاب على ترك الواجب وينحصر العقاب فى جهة التمرد ولا ينبغى الارتياب فى عدم اشتراط العلم بالفعل فى استحقاق العقاب لا عقلا ولا شرعا ولا ممانعة الجهل عن تقصير والا لكان الجاهل المقصر معذورا فالكلام فى اشتراط العلم بالقوة اى امكان العلم وممانعة الجهل عن القصور ولا ينبغى الارتياب فى استحقاق العقاب على نفس التمرد عن اوامر الشارع ونواهيه كالثواب على نفس الاطاعة والانقياد وهكذا الحال فى تمرد كل مطيع بالنسبة الى المطاع واطاعته ومن ذلك استحقاق العقاب على التجرى على المعصية وكذا استحقاق العقاب لو فرض نهى الشارع او المطاع عن شيء حسن لكن لا مجال لانحصار استحقاق العقاب فى جهة التمرد والا لما اختلف العقاب على المحرّمات ضعفا وشدة لاتحاد جهة التمرد مع انه ينافى القول بكون الحسن والقبح عقليين والمدار فى اشتراط الشيء فى اقتضاء شيء بشيء وممانعة ضده عن الاقتضاء وان توهم بعض ان عدم المانع من باب الشّرط وذكر المحقق القمى ره فى بعض كلماته فى الغنائم انّ عدم المانع شرط من الشروط على اصلاح حال الاقتضاء فى الشرط بعدم اقتضاء الشيء بنفسه للشيء ومداخلة الشرط فى الاقتضاء وممانعة الشىء عن الاقتضاء فى المانع باقتضاء الشيء بنفسه للشيء وتمانع المانع عن الاقتضاء فلو امكن اطراد الاقتضاء مع وجود المانع لاطرد الاقتضاء مثلا إضاءة فتيلة السّراج يشترط بوصول الدهن ولا مجال لخيال استعداد الفتيلة للاضاءة وممانعة عدم وصول الدهن مع ان المانع اصطلاحا لا بد من كونه وجوديّا واما هبوب الريح فهو مانع عن الإضاءة فانّ الفتيلة الموصول اليها الدهن يكون مستعدة للاضاءة ومقتضية له بلا شبهة فالامر فى هبوب الريح من باب الممانعة كيف لا ولا اشكال فى ان عدم الهبوب لا يصلح حال اقتضاء الفتيلة الموصول اليها الدهن للاضاءة الا ان وجوده يوجب فساد الإضاءة فالعلم لا يصلح به حال استحقاق العقاب لكن الجهل يفسد الاستحقاق ولو امكن اطراد الاستحقاق مع الجهل لاطرد الاستحقاق نظير ان العالم مستحق للتعظيم الا ان الجهل من باب الجهل بالموضوع مانع عن التقصير فى التعظيم ومن هذا انه لو امكن استحقاق الملامة فى حق الجاهل التارك للتعظيم لاطرد الاستحقاق بخلاف ما لو كان الاستحقاق بشرط علم العالم فانه لو امكن اطراد الاستحقاق فى حق الجاهل لم يطرد فقد علمت ان استحقاق العقاب على فعل الحرام بنفسه لكن الجهل مانع الا ان ممانعة الجهل بالحكم يتاتى على الاطلاق واما ممانعة الجهل بالموضوع فقد يتاتى كما فى الشبهة المنفردة من الشبهة الموضوعية وقد لا يتاتى كما فى الشبهة المحصورة بناء على القول بوجوب الاحتياط فيها من باب شمول اطلاقات التكاليف لحال الجهل او شمول اطلاقات النواهى للشبهة المحصورة بالخصوص كما هو الاظهر لكن عدم الممانعة فى الشبهة المحصورة على حسب العرف اعنى شمول اطلاقات النواهى والا فالعقل لا يضايق عن وجوب الاحتياط بثبوت الممانعة فى الشبهة المحصورة ايضا لكن جرى المحقق القمى على مضايقة العقل عن وجوب الاحتياط فى الشبهة المحصورة لكون الامر على تقدير وجوب الاحتياط فى الشّبهة المذكورة من قبيل تاخير البيان عن وقت الحاجة فلا مجال عقلا لوجوب الاحتياط واطراد الممانعة فى تلك الشبهة لكن زيفناه فى محله وكما يقتضى العلم التفصيلى لثبوت استحقاق العقاب فى فعل الحرام او ترك الواجب فكذا الحال فى العلم الاجمالى ويرشد الى ما ذكرنا من كون الامر من باب ممانعة الجهل عن استحقاق العقاب باستحقاق العقاب على نفس فعل الحرام او نفس ترك الواجب لا اشتراط العلم فى استحقاق العقاب امور احدها ان مقتضى تعريف الواجب بما يستحق تاركه للعقاب وتعريف الحرام بما

٢١٧

يستحق فاعله العقاب كون ترك الواجب وفعل الحرام موجبا كل منهما بنفسه لاستحقاق العقاب من دون مداخلة العلم فى الاستحقاق لكن يمكن ان يقال بعد الاغماض عن الكلام فى استحقاق العقاب على ترك الواجب ان استحقاق تارك الواجب للعقاب لا ينافى اشتراط الاستحقاق بالعلم اذ الغرض استحقاق تارك الذات المتصف بالوجوب فعلا لا الذات فقط اى الذات المتصف بالوجوب شأنا وعلى تقدير اشتراط الاستحقاق بالعلم لا يتاتى ترك الواجب الا فى صورة ترك ما علم وجوبه لعدم الوجوب بدون العلم ومما ذكرنا عدم انتقاض تعريف الواجب والحرام بالجاهل القاصر لتركه الذات مع عدم استحقاقه العقاب ولا حاجة الى التقييد بالعلم كما ربما يتوهم وان قلت انه على ما ذكرت من اشتراط الوجوب بالعلم يلزم الدّور قلت ان لزوم الدور على تقدير كون المقصود بالعلم هو العلم بالفعل وامّا لو كان المقصود بالعلم هو العلم بالقوة اى امكان العلم وقد تقدم ان الكلام فى اشتراط العلم بالقوة فلا مجال للدّور نعم يلزم الدّور بناء على اشتراط العلم فى صحة التكليف لظهور العلم فى العلم بالفعل ثانيها ان الاصوليّين منا ومن المعتزلة ذكروا عند الكلام فى الحسن والقبح ان النزاع فى الحسن والقبح بمعنى ما يستحق فاعله المدح والثواب وما يستحق فاعله الذم والعقاب من دون ذكر اشتراط العلم فى استحقاق الثواب والعقاب لكن يمكن ان يقال انّ هذا المقال قبال مقالة الاشاعرة من كون الحسن والقبح شرعيين اى تابعين للامر والنهى بمعنى كون حسن الفعل بكونه مامورا به وكون قبح الفعل بكونه منهيّا عنه والغرض من التعريفين المذكورين اناطة الثواب والعقاب بحسن الفعل وقبحه فى الجملة ثالثها ان مقتضى الاتفاق على حسن الاحتياط فيما شك فى وجوبه او حرمته بالفعل فى الاول والترك فى الثانى كون المدار فى استحقاق العقاب على نفس الترك والفعل اذ لو كان المدار على العلم بالوجوب والحرمة فلا مجال للوجوب والحرمة بعد فرض الشك فلا مجال للاحتياط اذ لا مجال للاحتياط فى الوجوب فيما لا مجال لغير الوجوب فيه ولا مجال للاحتياط فى الحرمة فيما لا مجال لغير الحرمة فيه لكن يمكن ان يقال ان الاتيان بما شك فى وجوبه وترك ما شك فى حرمته من باب الاحتياط ليس من جهة الفرار عن عروض استحقاق العقاب ترك الواجب وفعل الحرام بل من جهة الفرار عن فوت المصلحة الواقعية فى ترك الواجب ومصادقة المفسدة الواقعية فى فعل الحرام رابعها لزوم التصويب على تقدير اشتراط استحقاق العقاب بالعلم لكنه يندفع بانه انّما يتم على تقدير اشتراط استحقاق العقاب بالعلم بالفعل واما على تقدير الاشتراط بالعلم بالقوّة فلا يتم ذلك خامسها اصالة عدم اشتراط استحقاق العقاب بالعلم وهو مدفوع بعد عدم اعتبار اصالة العدم بان الكلام فى مقام الاجتهاد والتمسك باصل العدم انّما يتم فى مقام العمل مع ان التمسّك باصالة فى دفع الاشتراط انما يتم فى دفع الاشتراط شرعا واما الاشتراط عقلا فلا مجال للتمسك بها فى دفعه ومقتضى ما تقدم عموم الكلام فى المقام للاشتراط عقلا وشرعا إلّا ان يقال ان اصل العدم بعد اعتباره يعم كل ما شك فيه على ان اصالة عدم اشتراط العلم معارضة باصالة عدم ممانعة الجهل اذا عرفت ما تقدم فنقول ان مقتضى ما سمعت كفاية العلم الاجمالى فى استحقاق العقاب بعد اشتراط العلم فيه فبعد سد باب العلم وبقاء التكليف وبطلان سائر الاحتمالات يتاتى حكم العقل باعتبار مطلق الظنّ بواسطة وجوب دفع الامر المخوف والضرر المظنون إلّا ان يقال ان هذه مقدمة خارجة عن الاستدلال مع ان الامر على ذلك يرجع الى دليل الانسداد ولا حاجة الى ذلك الاستدلال وايضا ما ذكر فى الاستدلال فى تزييف دعوى استناد تخلف استحقاق العقاب فى الموارد المتقدمة الى وجود المانع من انه مجرد دعوى لا شاهد لها مدفوع بانه بمجرده لا يبطل به تلك الدعوى ولا بد فى ابطالها من ذكر مستند له كما انّ ما ذكره من ان التخلف من جهة عدم المقتضى مجرد دعوى ايضا لا شاهد لها فى كلامه لكن ظهر بما مر مناط تشخيص الاشتراط عن الممانعة وكون الامر فى الواجبات والمحرّمات من باب ممانعة الجهل لا اشتراط العلم سادسها ان الضرر وان كان مظنونا الا ان حكم الشارع قطعا او ظنا بالرّجوع فى مورد الظنّ الى البراءة والاستصحاب وترخيصه لترك مراعاة الظن اوجب القطع او الظنّ بتدارك ذلك الضرر المظنون والا لكان ترخيص العمل بالاصل المخالف للظن العام فى

٢١٨

مفسدة ترك الواجب وفعل الحرام فاصل البراءة والاستصحاب ان قام عليهما الدليل القطعى بحيث يدل على وجوب الرجوع اليهما فى صورة عدم العلم ولو مع وجود الظنّ الغير المعتبر فلا اشكال فى عدم وجوب مراعاة ظن الضرر وعدم وجوب الترك والفعل بمجرد ظن الوجوب او الحرمة لما عرفت من ان ترخيص الشارع الحكيم للاقدام على ما فيه ظن الضرر لا يكون الا لمصلحة يتدارك بها الضرر المظنون على تقدير ثبوته واقعا وان منعنا عن قيام الدليل القطعى على الاصول وقلنا ان الدليل القطعى لم يثبت على اعتبار الاستصحاب خصوصا فى الاحكام الشرعية وخصوصا مع الظنّ بالخلاف وكذلك الدليل لم يثبت على الرجوع الى البراءة حتى مع الظنّ بالتكليف لان العمدة فى دليل البراءة الاجماع والعقل المختصان بصورة عدم الظنّ بالتكليف فنقول لا اقل من ثبوت بعض الاخبار الظنية على الاستصحاب والبراءة عند عدم العلم الشامل لصورة الظنّ فيحصل الظن بترخيص الشارع لنا فى ترك مراعاة الظنّ بالضرر وهذا القدر يكفى فى عدم الظنّ بالضرر وتوهم ان تلك الاخبار الظنّية لا تعارض العقل المستقل بدفع الضرر المظنون مدفوع بان المفروض ان الشارع لا يحكم يجوز الاقتحام فى مظان الضرر الا عن مصلحة يتدارك بها الضرر المظنون على تقدير ثبوته فحكم الشارع ليس مخالفا للعقل فلا وجه لا طراح الاخبار الظنية الدالة على هذا الحكم الغير المنافى لحكم العقل اقول انه بعد ضد باب العلم فالعمل باصل البراءة او الاستصحاب يستلزم الخروج عن الدين نعم هذه مقدمة خارجة عن الاستدلال ويوجب رجوع الاستدلال الى الاستدلال بدليل الانسداد ومع هذا اقول ان حكم الشارع بالرجوع الى البراءة فى مورد الظن لا يستلزم التدارك لاحتمال مخالفة الظنّ للواقع نعم يستلزم التدارك فى مورد موافقة الظنّ للواقع ومع هذا اقول ان قيام الدّليل القطعى بحيث يدل على وجوب الرّجوع الى اصل البراءة والاستصحاب فى موارد الظنّ بالتكليف محل المنع والتمسك ببعض الاخبار الظنّية على الاستصحاب والبراءة عند عدم العلم الشامل لصورة الظن يستلزم الدور اذ عمدة ما يثبت حجية بواسطة حجية مطلق الظنّ انما هى حجية خبر الواحد فالتمسك بخبر الواحد فى مورد الظن عجيب ومع هذا اقول ان قيام بعض الاخبار المعتبرة على اعتبار اصالة البراءة فى مورد الشك فى الحكم الشرعى محل الاشكال ومع هذا اقول البناء على كون الامر من باب التدارك انما يتاتى فيما ذكره من دلالة بعض الاخبار الظنية على الاستصحاب والبراءة عند عدم العلم لو ثبت العموم لموارد الظنّ من موارد انسداد باب العلم وهو مشكوك فيه اللهمّ إلّا ان يكون التمسك بالعموم مبنيا على اعتبار الظنّ النوعى سابقها ما اورد به فى غير موضع من المعارج نقلا وتحريره ان النواهى الدالة على حرمة العمل بالظن قد صيرتنا مامونين مطمئنين فى مخالفة الظنّ عن الضرر وليس فى مخالفة الظنّ بعد ملاحظتها مظنة للضرر اصلا كما اذا امر الطبيب الحاذق الحكيم عبده بوضع يده على العقرب فانه يزيل الظنّ بالضرر ولا يكون فى ترك العمل بالظن مظنة للضرر والمرجع الى ان النواهى المشار اليها يرفع الموضوع اعنى الظنّ بالضرر ويمكن تقريره بان مقتضى النواهى المشار اليها عدم اعتبار الظنّ فمقتضاه عدم وجوب دفع الضرر المظنون والمرجع الى ان النواهى المشار اليها يرفع الحكم اى يوجب تخصيص وجوب دفع الضرر المظنون ويمكن تقريره بان مقتضى النواهى المشار اليها تطرق الضرر على العمل بالظن فلو وجب دفع الضرر المظنون لوجب ترك العمل بالظن والمرجع الى المعارضة والاستدلال يلزم دفع الضرر المظنون على عدم جواز العمل بالظن اقول انه بعد عدم اعتبار اطلاقات الكتاب وعموماته يكون الظاهر ان المقصود بالظن هو ما كان غير مربوط بالدليل الدالة على اعتباره الموجب لاطمينان النفس وسكونها لا مطلق الاعتقاد الراجح الغير المانع عن النقيض وان كان مربوطا بالدليل المذكور ونظيره ما حرّرناه فى الاصول فى جواز نقض الحكم بالحكم من ان الظاهر مما دل على حرمة الردّ على الحاكم انما هو الرد بدون المدرك من باب عدم التمكين عن الحكم وميل الطبيعة ولا يشمل الردّ مستند الى المدرك والدليل وبعد هذا اقول انه لا بد من تخصيص تلك النواهى بصورة التمكن من العلم لا بازمنة الحضور كما ربّما يتوهم بعدم التمكن من تحصيل العلم للاكثر فى اعصار الحضور غالبا اذ لو لا ارتكاب التخصيص يلزم البناء على الاصل او

٢١٩

الاحتياط او غيرهما من الوجوه المتقدمة بالبطلان والتخصيص امر سهل ولا سيّما بالنّسبة الى عمومات الكتاب بعد اعتبارها نعم الاستدلال فيه اختلال الحال من جهة عدم سد ما يتطرق فى المقام من وجوه الاحتمال وبوجه آخر لا مجال للعمل بالثواب المشار اليها فى زمان انسداد باب العلم وبطلان الاحتمالات المتطرقة المتقدمة الا ان هذه مقدّمة خارجة عن الاستدلال والمرجع الى الاستدلال بدليل الانسداد وبعد هذا اقول ان دلالة تلك النواهى على حرمة العمل بالظن ظنية ايضا ولا يتم اعتبارها الا باعتبار مطلق الظنّ فالتمسك بها يستلزم الدّور إلّا ان يقال ان حجية ظاهر الكتاب معلومة بالاجماع او يقال ان كثرة النواهى المشار اليها توجب العلم فى الباب فقد تحصل ان النواهى المشار اليها لا مجال لافادتها الا من من الضرر ولا افادة عدم وجوب دفع الضرر ولا افادة تطرق الضرر على تقدير العمل بالظن بل وجوب دفع الضرر على تقدير ثبوته قطعى مستفاد من حكم العقل فعلا وعدم وجوب الدفع المستفاد من تلك النواهى ظنى فلا بد من تخصيص تلك النواهى بصورة انفتاح باب العلم وما يقال ان القطعى لا يقاومه الظنى ليس بالوجه اذ لو اخذ الفعلية فى كل من القطعى والظنى فلا مجال للتعارض وان اخذ الشأنية فى كل منهما فليس احدهما راجحا بالنسبة الى الآخر لكن الظاهر بل بلا اشكال ان المقالة المشار اليها مبنية على ما جرى عليه الاصوليّون من اعتبار الفعلية فى جانب القطعى واعتبار الشأنية فى جانب الظنى وربما يقال ان الظنّ المستفاد (١) من الامارات فيقدم الظنّ الثانى وفيه ان الامر من باب قيام الظنّ على عدم حجية الظنّ والظنّ الاول بالنسبة الى الظن الثانى من قبيل الاستصحاب الوارد بالنسبة الى المورود فلا بد من تقديم الاول فلا مجال لملاحظة القوة هذا بناء على عدم شمول النواهى لنفسها والا فيسقط النواهى عن درجة الاعتبار وتعمل بالامارات ويظهر الحال بما ياتى من الكلام فيما لو قام بعض الظنون مما لم يثبت اعتباره نفيا واثباتا بناء على عدم حجية بعض الظنون بما لم يثبت اعتباره نفيا واثباتا ثامنها النقض بامثال القياس واجيب بعدم التزام حرمة العمل بالقياس عند انسداد باب العلم وانت خبير بان دونه خرط القتاد وقد اجاد من قال انه خلاف مذهب الشيعة ولا اقل من كونه مخالفا لاجماعاتهم المنقولة المستفيضة بل المتواترة كما يعلم مما ذكروه فى باب القياس واجيب ايضا بان الشارع اذا القى ظنا تبين ان فى العمل به ضررا اعظم من ضرر ترك العمل به وفيه انه لا مجال لترتب العقاب على الفعل والترك مع كون استحقاق العقاب على الفعل ازيد بناء على كون المقصود بالضرر استحقاق العقاب كما هو مقتضى الوجه الاول من الوجهين المذكورين فى بيان مقدمة الاولى مع انه لو كان المقصود بالضرر هو استحقاق العقاب فالنهى عن العمل بالقياس لا يوجب رفع الظنّ لانه امر قهرى لا يختلف حاله بالنهى عن العمل به وعدمه واعترض عليه بما تلخيصه ان العمل بالقياس مثلا ليس الا على سبيل العمل بالشهرة من حيث تطرق الضرر على العمل به حيث انه كما يجوز العمل بالشهرة من باب الاحتياط كذا يجوز العمل بالقياس من باب الاحتياط وكما لا يجوز الفتوى بمقتضى القياس لا يجوز الفتوى بمقتضى الشهرة للزوم التشريع فليس الامر بحيث يترتب الضرر على العمل بالقياس دون العمل بالشهرة او يكون الضرر المترتب على القياس اشد من الضرر المترتب على الشهرة ويتطرق الاعتراض عليه بان جواز الاحتياط بالقياس مبنى على عدم اقتضاء الاخبار الناهية عن العمل بالقياس عدم جواز مطلق الاعتناء بالقياس وإلّا فلا مجال للاحتياط بالقياس كما انه لا مجال على ذلك للعمل بالاصل لو ارتفع الظنّ من الخبر بواسطة القياس بناء على اعتبار الظنّ الشخصى وكذا لا مجال للترجيح فى الخبرين المتعارضين بالقياس بناء على كون الظنّ فى طرف الراجح مستندا الى الخبر بشرط المرجح لا الى المرجح ولا الى المجموع المركب اعنى مجموع الخبر والقياس وإلّا فلا اشكال فى عدم جواز الترجيح بالقياس لاستقلاله فى افادة الظنّ بالحكم على تقدير كون الظنّ مستندا الى المرجح ومداخلته فى الظنّ بالحكم على تقدير استناد الظنّ الى المجموع المركب وايضا عدم جواز الفتوى بمقتضى الشهرة من جهة التشريع والا فلم يثبت حرمة العمل بالشهرة قضية ان المفروض ان الشهرة مما لا دليل على عدم جواز العمل بها واما القياس فلا يجوز الفتوى بطبقه بحكم الاخبار النّاهية عن العمل بالقياس ولو فرضنا جواز التشريع فعدم جواز الفتوى بمفاد الشهرة من قبيل عدم الجواز العملى وعدم جواز الفتوى بمقتضى القياس من باب عدم

__________________

(١) من النواهى ادنى من الظنّ المستفاد

٢٢٠