مختصر نهج البيان

محمّد بن علي النقي الشيباني

مختصر نهج البيان

المؤلف:

محمّد بن علي النقي الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢)

[٢٤٩] (فَلَمَّا فَصَلَ) : خرج (طالُوتُ) الملك (بِالْجُنُودِ) : العسكر ؛ وكانوا ثمانين ألفا. (مُبْتَلِيكُمْ) : مختبركم (بِنَهَرٍ) من الأردن. وقيل : من فلسطين. (فَلَيْسَ مِنِّي) : من أهل طاعتي. (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي). كان علامة المؤمن والكافر. وكان الكافر يشرب منه فلا يروى. (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) : ثلاثمائة وثلاثة عشر عدّة أصحاب بدر مع نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ). سمّي بذلك لكثرة جولانه في الحرب. وهو ملك العمالقة ؛ ضرب الجزية على بني إسرائيل وأذلّهم وأخذ التوراة منهم. (وَجُنُودِهِ). كانوا جمعا عظيما. (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) ؛ أي : يوقنون.

[٢٥٠] (أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) : صبّ وألق. (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) عند اللّقاء.

[٢٥١] (وَقَتَلَ داوُدُ). هو النبيّ عليه‌السلام. كان في عسكر طالوت وبيده قذّافة فأخذ ثلاثة أحجار ، فرمى بأحدها في ميمنة عسكر جالوت ، وبآخر في الميسرة ، فانهزموا بإذن الله. وقصده بالثالث ففلق درّة كانت في تاجه وفلق رأسه. فزوّج طالوت داود بابنته وأعطاه خاتم ملكه. فمال إليه العسكر ، فحسده طالوت وهمّ بقتله. فهرب منه. ثمّ ندم طالوت على ذلك وجاء إلى شمويل وقال : هل يقبل الله توبتي؟ فقال : نعم ؛ إذا قاتلت أنت وبنوك تحت التابوت إلى أن تموت. ففعل ، وأورث الله داود ملكه. (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) : ملك طالوت بعد موته. (وَالْحِكْمَةَ) : العقل. وأعطاه النبوّة وملك اثني عشر سبطا. وألان له الحديد كالشّمع. (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) : فهّمه منطق الطّير. وكان إذا سبّح ، سبّح معه الطّير والجبال والشّجر والدّوابّ. وأعطى ابنه سليمان أعظم من ملكه. (بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ). يدفع الله بالمطيع عن العاصي الهلاك. وقيل : يدفع الله بالسلطان ما لا يدفع بالقرآن.

٤١

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥) لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)

[٢٥٣] (وَأَيَّدْناهُ) : قوّيناه. (بِرُوحِ الْقُدُسِ) : جبرئيل عليه‌السلام.

[٢٥٤] (وَلا خُلَّةٌ) : ولا صداقة ولا مودّة.

[٢٥٥] (الْحَيُّ) : الّذي لا يموت. (الْقَيُّومُ) : الدائم القائم على كلّ نفس بما كسبت ، القائم لأصناف الخلق بأرزاقهم. (سِنَةٌ) : نعاس ؛ لا خفيف ولا ثقيل. وقيل : إغفال. (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : تحت ملكه وتصرّفه وتدبيره. (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ). كقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)(١). (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) : ما مضى من أمر الدّنيا. (وَما خَلْفَهُمْ) : وما يكون بعدهم ، وما يأتي من أمر الآخرة. (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) : من الغائبات ، (إِلَّا بِما شاءَ) أن يطلع عليه ملائكته ورسله وأنبياءه. (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) : علمه. ويقال للعلماء : الكراسيّ ، لأنّه يعتمد على قولهم كالاعتماد على الكرسيّ. وقيل : العرش أعظم مخلوقات الله تعالى. والكرسيّ أعظم منه. وقيل : عرشه وكرسيّه علمه. (وَلا يَؤُدُهُ) : يثقله.

[٢٥٦] (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) لأهل الذّمّة ، بل تؤخذ منهم الجزية. وقيل : منسوخة. ويجاب المعترض على ذلك بأنّ الكافر يقتل على الدّين بأنّ المراد لا إكراه فيما هو دين على الحقيقة ، أمّا دين المكره ، فليس بدين على الحقيقة. (قَدْ تَبَيَّنَ) : ظهر. (الرُّشْدُ) : الهدى. (مِنَ الْغَيِّ) : ضدّ الرشد. (بِالطَّاغُوتِ) : الشّيطان. وقيل : الكاهن. وقيل : رئيس النصارى. وقيل : الصنم. (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) : الإيمان بالله. (لَا انْفِصامَ لَها) : لا زوال لها ولا انقطاع. وقيل : لا انكسار لها. (وَاللهُ سَمِيعٌ) لمن دعا ، (عَلِيمٌ) بإخلاصه.

__________________

(١) ـ الأنبياء (٢١) / ٢٨

٤٢

اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩)

[٢٥٧] (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا). الوليّ ضدّ العدوّ. وكلّ من ولي أمر واحد ، فهو وليّه. (مِنَ الظُّلُماتِ) : الكفر. (إِلَى النُّورِ) : نور الإيمان. (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) : الشّيطان وأعوانه. (يُخْرِجُونَهُمْ) من نور الإيمان (إِلَى الظُّلُماتِ) : الكفر.

[٢٥٨] (حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ). هو نمرود بن كنعان أوّل جبّار كان في الأرض ؛ جادل الخليل لأن آتى الله الخليل عليه‌السلام الملك ؛ وهي النبوّة. (قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ). وأخرج من حبسه رجلين قتل أحدهما وأطلق الآخر. (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) : انقطعت حجّته.

[٢٥٩] (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ). هو عزيز بن شرخيا. وقيل : نبيّ اسمه إرميا. (عَلى قَرْيَةٍ) : سراباد. وقيل : بيت المقدس ، لمّا خربها بخت نصّر. وكان ذلك المارّ راكبا حماره. (خاوِيَةٌ) : خالية ساقطة. (عَلى عُرُوشِها) : سقوفها. (أَنَّى يُحْيِي) : كيف يحيي؟! وقيل : رأى في القرية عظاما بالية فقال ذلك. (ثُمَّ بَعَثَهُ) : أحياه وقيل له : هكذا يحيي الله الموتى. قيل : أحياه الله في مثل اليوم الّذي أماته فيه في آخره. (طَعامِكَ). قيل : كان عنبا وتينا. (لَمْ يَتَسَنَّهْ) : لم تغيّره السّنون. (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) أيضا لم يتغيّر. (نُنْشِزُها) : نرفعها إلى مواضعها.

٤٣

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠) مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤)

[٢٦٠] (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي). لم يكن ـ عليه‌السلام ـ شاكّا ، بل أراد أن يعلمه على طريق المشاهدة كما علمه بالدليل فيزداد يقينا. (أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) : الطّاوس والديك والبطّ والغراب. وقيل : الطّاوس والديك والحمام والهدهد. (فَصُرْهُنَّ) بالضمّ : أملهنّ. وبالكسر : قطّعهنّ وشقّقهنّ. (عَلى كُلِّ جَبَلٍ). قيل : كانت عشرة. وقيل : كانت سبعة. وقيل : أربعة. (سَعْياً) : مشيا. قيل : ذبحهنّ ونحرهنّ في الهاون إلّا رءوسهنّ ، فاختلطت لحومهنّ. فجعل عشرة أجزاء على عشرة جبال. ثمّ جعل مناقيرهنّ بين أصابعه. ثمّ دعاهنّ فأتين سعيا يتطاير اللّحم إلى اللّحم والجلد إلى الجلد والريش إلى الريش. وقيل له : هكذا يحيي الله الموتى.

[٢٦٣] (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) : ردّ جميل ؛ كقوله : يسّر الله لك. (وَمَغْفِرَةٌ) : غفر الله لك. (أَذىً) : منّ من المعطي وتضجّر فيؤذيه بذلك. [٢٦٤] (صَفْوانٍ) : حجر أملس. (وابِلٌ) : مطر شديد كثير. (صَلْداً) : لا شيء عليه من التّراب والغبار. كذلك أفعال المرائي في الآخرة لم يستحقّ عليها ثوابا.

٤٤

وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)

[٢٦٥] (تَثْبِيتاً) : تحقيقا. يضعونها في وجهها المأمور به شرعا. (جَنَّةٍ) : بستان. (بِرَبْوَةٍ) : مكان عال. والجنّة أحسن ما يكون نباتها في موضع عال. (وابِلٌ) : مطر كثير. (ضِعْفَيْنِ) : مثلين. (فَطَلٌّ) : مطر ضعيف. كذلك أفعال المخلصين لله وصدقاتهم.

[٢٦٦] (أَيَوَدُّ) : أيحبّ. (إِعْصارٌ) : ريح عاصف. (فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) جنّته ففقدها أحوج ما يكون إليها. وكذلك المنافق بأفعاله يفقد الجزاء أحوج ما يكون إليه.

[٢٦٧] (أَنْفِقُوا) : تصدّقوا. (مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) : من أجود الحلال. (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) : من الثمار والزروع. (وَلا تَيَمَّمُوا) : تعمدوا. (الْخَبِيثَ مِنْهُ) : الحرام والرديء من الزرع والثمرة. نزلت فيمن يدخل الحشف والرديء من الثمرة في ثمرة الزكاة. (تُغْمِضُوا فِيهِ) : تغضّوا عن عيبه. أي : لا تؤدّوا في حقّ الله ما لا ترضونه لأنفسكم إلّا على إغماض ومسامحة.

[٢٦٨] (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) : يخوّفكم الفقر والحاجة فيثبّطكم عن الصّدقة. (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) : الإمساك والبخل. (مَغْفِرَةً) في الآخرة. (وَفَضْلاً) في الدّنيا ؛ [أي :] بركة وزيادة.

[٢٦٩] (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ) : علم القرآن. وقيل : علم الدّين. وقيل : الفقه. وقيل : النبوّة. وقيل : العلم بالفقه والقرآن. وقيل : الإصابة بالقول. (أُولُوا الْأَلْبابِ) : أصحاب العقول.

٤٥

وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)

[٢٧١] (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ). لأنّ منهم من يكره استظهار ذلك عليه. وقيل : إذا خاف أن يتّهم بأنّه لا يتصدّق ، أو كان قصده أن ينشّط الغير ، انعكس.

[٢٧٢] (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) : يرجع إليكم ثوابه.

[٢٧٣] (أُحْصِرُوا) ؛ أي : أحصرهم المرض ؛ أي : منعهم. (ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) : سفرا. (مِنَ التَّعَفُّفِ) عمّا في أيدي النّاس. (إِلْحافاً) ؛ أي : إلحاحا في السّؤال.

[٢٧٤] (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. كانت معه أربعة دراهم ، فتصدّق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرّا ، وبدرهم علانية. فنزلت هذه الآية فيه.

٤٦

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١)

[٢٧٥] (مِنَ الْمَسِّ) : من الجنون. قيل : هذا لهم عند قيام السّاعة من قبورهم ليعرفهم النّاس أنّهم كانوا يأكلون الربا في الدّنيا. الربا في اللّغة : الزيادة. وفي الشّرع : زيادة مخصوصة على وجه مخصوص. (مَوْعِظَةٌ) : زجر عن الربا ، (فَانْتَهى) عن الربا ، (فَلَهُ ما سَلَفَ) : رأس ماله بغير زيادة. (وَمَنْ عادَ) إلى الربا بعد الإسلام.

[٢٧٦] (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) : ينقصه حالا بعد حال ، وصاحبه بسقوط عدالته. وفي الآخرة ينقص حسناته. (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) : يزيد في الثواب عليها واحدة بعشرة. (كَفَّارٍ) : ذو كفر عظيم. (أَثِيمٍ) : ذو ذنب. والإثم : الذنب ، ومن أسماء الخمر.

[٢٧٨] (وَذَرُوا) ؛ أي : اتركوا. (ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا). بقيّة كانت لناس منه على غيرهم في الجاهليّة فطالبوهم بها مسلمين ، فأبوا ، فنزلت الآية.

[٢٨٠] (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) ؛ أي : إن وجدت صاحب عسرة ؛ أي : فقير. (فَنَظِرَةٌ) : تأخير وصبر. (إِلى مَيْسَرَةٍ) : إلى غنى.

[٢٨١] (وَاتَّقُوا يَوْماً) : احذروا يوم القيامة. (تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ). قيل : هذه آخر ما نزلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من القرآن ؛ وبقي بعدها ثلاث ساعات وتوفّي إلى دار الكرامة. وقيل : تسع ليال. وقيل : سبع ليال.

٤٧

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢)

[٢٨٢] (أَجَلٍ مُسَمًّى) : وقت معلوم. (وَلا يَأْبَ) : يمتنع. (وَلْيُمْلِلِ) ؛ أي : يملي على الكاتب. (وَلا يَبْخَسْ) ؛ أي : ينقص. (سَفِيهاً) ؛ أي : جاهلا. (ضَعِيفاً) : صبيّا. (بِالْعَدْلِ) : من غير زيادة ولا نقصان. (وَلا يَأْبَ) : يمتنع. (الشُّهَداءِ) : الشّهود. (إِذا ما دُعُوا) للتحمّل. وقيل : في الأداء. وقيل : فيهما. (وَلا تَسْئَمُوا). من السأمة ؛ وهي : الملل. (أَنْ تَكْتُبُوهُ) ؛ يعني : الحقّ. (أَقْسَطُ) : أعدل. (وَأَقْوَمُ) : أعدل أيضا. (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) : تشكّوا. أي : أقرب لنفي الشكّ عنكم. (جُناحٌ) : إثم. (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) ؛ خوفا من السّهو والاختلاف. (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ). هو أن يعمد إليهما ولهما شغل وحاجة. أي : دعهما واطلب غيرهما. (وَإِنْ تَفْعَلُوا) الإضرار ، (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) : معصية فيكم. (وَاتَّقُوا اللهَ) : احذروه فيما أمركم به ونهاكم عنه. (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) مصالحكم.

٤٨

وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦)

[٢٨٤] (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) يوم القيامة. (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) إلّا المشرك.

[٢٨٥] (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ؛ أي : لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، بل نؤمن بالكلّ. (غُفْرانَكَ) ؛ أي : نسألك. (الْمَصِيرُ) : المرجع.

[٢٨٦] (ما كَسَبَتْ) من الخير كثيرا أو قليلا. (مَا اكْتَسَبَتْ) من الشرّ مهما أخذت فيه بجدّ وكثرة. وقيل : هذه من آيات الرّحمة. (إِصْراً) : ثقلا. (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) من بني إسرائيل ؛ من قتل النفس في التوبة ـ قال الله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(١) ـ ومن أنّ الصّلوات المفروضات لا تقبل منهم إلّا في المساجد ، ومن أنّ الصّوم عليهم من العتمة إلى المغرب وإذا أذنب أحدهم ذنبا ، أصبح مكتوبا على باب داره ، وغير ذلك. (ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) : لا تبتلنا ببلاء يقلّ معه صبرنا. (أَنْتَ مَوْلانا) : سيّدنا وناصرنا. وسنذكر المولى في الدخان إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) ـ البقرة (٢) / ٥٤.

٤٩

ومن سورة آل عمران

مدنيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤) إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩)

[٢] (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). تعليم لنا بالإقرار بالوحدانيّة. (الْحَيُّ الْقَيُّومُ). قيل : هو اسم الله الأعظم. وقد شرح في آية الكرسيّ.

[٣] (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) : القرآن. (بِالْحَقِّ) : بالصّدق. (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) : لما قبله من الصّحف والتوراة والإنجيل والزبور ومصدّقا لها يشهد بصدقها.

[٤] (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ). نزل جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدّنيا وفرّق في ثلاث وعشرين سنة بحسب الحاجة. وسمّي فرقانا لأنّه يفرق بين الحقّ والباطل.

[٦] (يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) من قصر وطول وبياض وسواد وحسن وقبح ، وفي صور الآباء والأجداد والأعمام والأخوال.

[٧] (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ). وهو ما علم المراد بظاهره بدون قرينة أو دلالة ؛ كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ). وقيل : ما لا يدخله النسخ : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) : أصله ؛ أي : لم تنسخ. (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ). وهو ما لا يعلم المراد بظاهره حتّى يقرن به ما يدلّ عليه ؛ كقوله تعالى : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ)(١) ؛ أي : عاقبة. وقيل : هو ما يدخله النسخ. والمتشابه كقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ)(٢) ؛ أي : أعلم وأوجب. (زَيْغٌ) : ميل وشكّ وكفر. (تَأْوِيلِهِ) : معناه. وقيل : مرجعه. وقيل : معنى الحروف المقطّعة فيه ؛ مثل (الم) و (الر) و (ص) و (المص) ونحو ذلك. كان اليهود قد تعاطوا معرفتها من حساب الجمّل فأنزل الله الآية. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) : الثابتون فيه. وهم النبيّ وآله الطاهرون عليهم‌السلام. وقيل : البالغون في علم التوراة ؛ كعبد الله بن سلام.

[٨] (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) : لا تملها عن ثوابك ورحمتك. وقيل : لا تمنعنا لطفك فنضلّ.

__________________

(١) ـ الجاثية (٤٥) / ٢٣.

(٢) ـ الإسراء (١٧) / ٢٣.

٥٠

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥)

[١١] (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) : كسنّتهم وعادتهم. وقيل : كشبهتهم (١).

[١٢] (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) : أبي جهل وأبي سفيان وأصحابهما. (الْمِهادُ) : الفراش.

[١٣] (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) يوم بدر ؛ جماعة النبيّ وجماعة أبي جهل وأبي سفيان. (فِئَةٌ) : جماعة (تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ). وهي جماعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. (وَأُخْرى كافِرَةٌ). وهي جماعة أبي جهل وأبي سفيان. (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ). كان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر ، والمشركون تسعمائة وخمسين. فقلّل الله المشركين في أعين المسلمين ، لتقوى قلوبهم على القتال. وقلّل المسلمين في أعين المشركين ليطمعوا فينفذ فيهم حكمه بملائكته. (يُؤَيِّدُ) : يقوّي. (لَعِبْرَةً) : اعتبارا.

[١٤] (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) : لأبي جهل والوليد بن المغيرة وأبي سفيان وأمثالهم من الرؤساء. (وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ). كقولك : دراهم مدرهمة. وقيل : القنطار اثنا عشر ألف دينار. وقيل : ملء مسك ثور من ذهب أو فضّة. (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) : الرواتع. وقيل : المعلّمة المهيّأة للحرب. وقيل : الّتي كلّ شيء منها حسن. (وَالْأَنْعامِ) : الإبل والبقر والغنم. (وَالْحَرْثِ) : الزرع على اختلاف ألوانه وأنواعه. (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ينقطع بخلاف متاع الآخرة. (حُسْنُ الْمَآبِ) : المرجع في الجنّة.

[١٥] (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) من الحيض والمنيّ والحبل والقذر.

__________________

(١) ـ ل : «كشبههم».

٥١

الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧) شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢)

[١٧] (وَالْقانِتِينَ) : الدّاعين المطيعين.

[١٨] (شَهِدَ اللهُ) : علم. (بِالْقِسْطِ) : بالعدل.

[١٩] (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) : الإخلاص.

[٢٠] (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ) : أخلصت ديني وعملي. (أُوتُوا الْكِتابَ) : اليهود والنصارى. (وَالْأُمِّيِّينَ) : مشركي العرب.

[٢٢] (حَبِطَتْ) : بطلت.

٥٢

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥) قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)

[٢٤] (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) : أربعين يوما. (يَفْتَرُونَ) : يكذبون.

[٢٦] (مالِكَ الْمُلْكِ) في الدّنيا والآخرة. (تُؤْتِي الْمُلْكَ) : النبوّة. وقيل : نزلت لمّا قيل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه يملك ملك فارس والروم ، قال المنافقون : من أين يحصل له ذلك؟! أما يكفيه مكّة والمدينة؟! (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ) ؛ أي : تنقل النبوّة من قوم إلى قوم.

[٢٧] (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) : تدخله بدلا منه. (وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) كذلك. وقيل : يجعل ما نقص من أحدهما زيادة في الآخر. (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) : من النطفة وهي ميتة. (وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) : النطفة من الحيّ. وقيل : المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن. وقيل : السّنبلة من الحبّة ، والحبّة من السّنبلة.

[٢٨] (تُقاةً) ؛ أي : تقيّة. (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) : عقاب مخالفتكم أمره ونهيه.

٥٣

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢) إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)

[٣٠] (مُحْضَراً) ؛ أي : محضرا ثوابه. (تَوَدُّ) : تحبّ. (أَمَداً) : غاية.

[٣١] (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ). يعني اليهود لمّا قالوا : نحن أبناء الله وأحبّاؤه. وقيل : في وفد نصارى نجران لمّا قالوا : إنّ الّذي قلناه في عيسى ، يحبّه الله تعالى.

[٣٣] (اصْطَفى) : اختار. (وَآلَ إِبْراهِيمَ) : أهل إبراهيم. وقيل : هم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) لنبوّته وتدبير رعيّته وتبليغ أوامره ونواهيه. وقيل : الآل أعمّ من الأهل ؛ لقوله تعالى : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ)(١) ؛ أي : قومه وأتباعه وأهله. وآل عمران موسى وهارون.

[٣٥] (نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) ؛ أي : غلاما محرّرا لخدمة بيت المقدس متفرّغا لطاعتك. وسبب نذرها أنّها كانت عاقرا.

[٣٦] (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) ، والنذر كان للذكر.

[٣٧] (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) ؛ لعلمه بصلاحها وعاقبة أمرها بولادة عيسى عليه‌السلام. (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) في العبادة. (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) : ضمّها. كانت أمّها قد ماتت وخالتها عند زكريّا. (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) : الغرفة. وقيل : الصّومعة الّتي بنيت لها في وسط بيت المقدس تصلّي فيها وتتعبّد. (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً). قيل : كان يجد فاكهة الصّيف في الشّتاء وبالعكس. وقيل : عنبا وطعاما وفاكهة في غير زمانها. (أَنَّى لَكِ) : من أين لك؟

__________________

(١) ـ غافر (٤٠) / ٤٦.

٥٤

هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١) وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥)

[٣٨] (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) : مطيعة مسلمة.

[٣٩] (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) : بعيسى أنّه كلمة الله وروحه. سمّي كلمة لأنّه صار بكلمة الله ، وروحه لأنّ الله يحيي به الرّوح. (وَسَيِّداً). قيل : لحليم. وقيل : التقيّ. وقيل : الكريم على الله. وقيل : الحسن الخلق. (وَحَصُوراً) : لا يأتي النساء ، من غير عجز. من : حصر : منع نفسه عنهنّ وعن الشّهوات.

[٤٠] (عاقِرٌ) : لا تحيض ولا تحبل خلقة.

[٤١] (اجْعَلْ لِي آيَةً) : علامة لاستجابة دعائي. (إِلَّا رَمْزاً) : بالإشارة والإيماء بتحويل اليدين والعينين والشّفتين والحاجبين. وهذا علامة له حين سأل الولد أنّه استجيب له. (وَسَبِّحْ) : صلّ. (بِالْعَشِيِّ) : من حيث تزول الشّمس إلى المغيب. (وَالْإِبْكارِ) : من طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس.

[٤٢] (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ). قيل : جبرئيل وحده. (اصْطَفاكِ) : اختارك لولادة عيسى عليه‌السلام. (وَطَهَّرَكِ) من الحيض والنّفاس. وقيل : من الفواحش والإثم. وقيل : من ملامسة الرّجال. (عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) : عالمي زمانك.

[٤٣] (اقْنُتِي) : ادعي وأطيعي.

[٤٤] (يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) : سهامهم في النهر. وهي سهام كانت لهم قد أعدّوها للقرعة. (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ). فمن تلقّت عصاه جريان الماء ، كان الكافل. فتلقّت عصى زكريّا جريان الماء. وقيل : الأقلام الّتي كتبوا بها التوراة.

[٤٥] (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ). لأنّ الله تعالى قال لعيسى عليه‌السلام : كن ، فكان. فعيسى كلمة الله سبحانه. (الْمَسِيحُ). لأنّه مسح بالبركة. وقيل : بالتطهير من الذنوب. وقيل : إنّه لم يمسح بيده على ذي عاهة أو مرض ، إلّا شفاه الله تعالى. وقيل : إنّه ولد ممسوحا بالدهن. وقيل : إنه ولد ممسوح الرجلين لا أخمص لهما. وقيل : إنّه مسح الأرض بالسّياحة فيها. (وَجِيهاً). من الجاه والرفعة.

٥٥

وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢)

[٤٦] (الْمَهْدِ) : الفراش. وقيل : حجر أمّه. وكلامه فيه : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) ـ الآيات (١). (وَكَهْلاً) : ابن اثنين وثلاثين سنة. وكلامه : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ)(٢). وقيل : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ـ الآيات.

[٤٨] (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ). هي الدين والفقه والإصابة بالقول.

[٤٩] (أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ) ؛ أي : أدعو الله فيخلقه. (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) : الّذي يولد أعمى ، (وَالْأَبْرَصَ) : والمجذوم ؛ أدعو الله فيبرئهم. (بِما تَأْكُلُونَ). قيل : من المائدة. (وَما تَدَّخِرُونَ) منها. (لَآيَةً) : لعلامة. (مُؤْمِنِينَ) : مصدّقين.

[٥٠] (بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) ؛ من السّبت والشحوم.

[٥٢] (أَحَسَّ عِيسى) : علم ووجد. (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) : مع الله ؛ أي : حتّى أقوم بتبليغ الدعوة إليهم. (قالَ الْحَوارِيُّونَ) : صفوة عيسى. كانوا اثني عشر رجلا. سمّوا بذلك لأنّهم كانوا غسّالين الثياب. وقيل : لبياض ثيابهم ونقاء قلوبهم. وقيل : هم الوزراء وكانوا صيّادين. (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) على أعدائه.

__________________

(١) ـ مريم (١٩) / ٣٠ ـ ٣٣.

(٢) ـ الصفّ (٦١) / ٦.

٥٦

رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤) إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١)

[٥٤] (وَمَكَرُوا) : أرادوا قتل عيسى. (وَمَكَرَ اللهُ) : أراد الله قتل صاحبهم الّذي دلّ على عيسى لمّا هرب من طاغية اليهود ، فألقى الله شبه عيسى عليه. فصلبوه وهو يقول : ما أنا عيسى. فلم يقبلوا.

[٥٥] (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) على عهد الدجّال. وقيل : على عهد القائم من آل محمّد عليهم‌السلام. (وَرافِعُكَ إِلَيَّ) : إلى السّماء موضع كرامتي وجنّتي. وهذا على سبيل التعظيم والإكرام.

[٥٨] (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) : القرآن المحكم من الباطل.

[٥٩] (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ) ـ الآية. السّبب أنّ النصارى لمّا قالوا : إن لم يكن المسيح ولد الله فمن أبوه؟ فنزلت الآية ، فظهرت حجّته عليهم. فعند ذلك دعوا إلى المباهلة ، فأجابهم.

[٦٠] (الْمُمْتَرِينَ) : الشاكّين.

[٦١] (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ). الآية نزلت في نصارى نجران. كانوا ستّين راكبا قدموا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ويؤول أمرهم إلى ثلاثة : السيد والعاقب وعبد المسيح. فحاجّوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في عيسى فقالوا إنّه ولد الله فنزلت : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ) ـ الآية. (أَبْناءَنا) : الحسن والحسين عليهما‌السلام. (وَنِساءَنا) : فاطمة عليها‌السلام. (وَأَنْفُسَنا) : النبيّ وعليّ عليهما‌السلام. (ثُمَّ نَبْتَهِلْ). المباهلة في سنّتهم أنّ كلّ من كان كاذبا في ادّعائه أكلته النّار والصّادق ينجو. فخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأهله لمباهلتهم في زيّ الفقراء ، وخرجوا في زيّ الملوك. فلمّا رأوهم رجعوا ؛ لأنّ أحبارهم قالوا : إن باهلكم محمّد بأهله خاصّة ، فكفّوا. وإن باهلكم بأصحابه ، فباهلوه. قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي بعثني بالحقّ نبيّا ، لو باهلوني ، لاضطرم عليهم الوادي نارا.

٥٧

إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٥) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٦٦) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨) وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠)

[٦٤] (كَلِمَةٍ سَواءٍ) : نصف ؛ وهي : لا إله إلّا الله. محمّد رسول الله. عيسى عبد الله ونبيّه مخلوق كآدم عليه‌السلام.

[٦٦] (فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) من التوراة والإنجيل. (لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ). وهو قولهم : إبراهيم يهوديّ أو نصرانيّ ، ونحن أولى النّاس به.

[٦٧] (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا). نفي قول اليهود. (وَلا نَصْرانِيًّا). نفي قول النصارى. (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً). من قولك : حنف ؛ أي : عدل ومال عن عبادة الله وقومه.

[٦٨] (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ) أيضا أولى به من أهل الكتاب حيث زعموا أنّهم أولى به. (وَالَّذِينَ آمَنُوا). لأنّهم على ملّة إبراهيم. وقيل : المعنى : كيف يكون إبراهيم يهوديّا أو نصرانيّا وملّته سابقة لهما ومتقدّمة عليهما؟!

[٦٩] (وَدَّتْ) : أحبّت (طائِفَةٌ) : جماعة (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ). قالوا لعمّار بن ياسر وصهيب الروميّ : اتّبعوا ديننا ، تهتدوا.

٥٨

يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧)

[٧٢] (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ) : صلّوا إلى البيت الحرام أوّل النّهار. وقيل : صدّقوا بالقرآن وبما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أوّل النهار. (وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) : صلّوا إلى بيت المقدس آخر النهار واكفروا بما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالقرآن وقولوا : وجدنا محمّدا مبعوثا إلى العرب. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) : لعلّ المسلمين يرجعون إلى دينكم.

[٧٣] (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) : دين الإسلام هو الدين.

[٧٥] (بِقِنْطارٍ). قيل : مائة ألف دينار. وقيل : تسعون ألفا. وقيل : ملء مسك ثور ذهبا.

(يُؤَدِّهِ). كعبد الله بن سلّام هو ومن أسلم معه.

(لا يُؤَدِّهِ). هو كعب بن الأشرف وأمثاله من اليهود. (عَلَيْهِ قائِماً) : ملحّا. (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) ؛ أي : في حبس أموال العرب حرج ولا إثم.

[٧٧] (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً). هو كلّ ما يأخذونه على تغيير التوراة وتحريف ما فيها من صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والبشارة به. (لا خَلاقَ) : لا نصيب.

٥٩

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨) ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠) وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)

[٧٨] (لَفَرِيقاً) : جماعة. (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) : يحرّفون التوراة.

[٧٩] (ما كانَ لِبَشَرٍ). نزلت في جماعة من النصارى حيث قالوا : إنّا أمرنا بعيسى أن نعبده. (رَبَّانِيِّينَ) : متعبّدين لله. وقيل : علماء عاملين بالعلم.

[٨١] (مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) : إقرارهم وعهدهم أن يبيّنوا للنّاس نعت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وصفته وأمرهم باتّباعه ونصره. (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) ؛ أي : قبلتم على الايمان عهدي. (قالُوا أَقْرَرْنا) : قبلنا. (قالَ فَاشْهَدُوا) يا ملائكة.

[٨٣] (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) : يطلبون. نزلت في الكفّار من أهل الكتاب والمشركين حيث قالوا : لا نرضى بقضاء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وحكمه ودينه. (طَوْعاً) : إسلام أهل السّماء. وقيل : إسلام المؤمن المخلص. (وَكَرْهاً) : إسلام أهل النبيّ وعشيرته من أهل الأرض. وقيل : إسلام الكافر عند موته.

٦٠