مختصر نهج البيان

محمّد بن علي النقي الشيباني

مختصر نهج البيان

المؤلف:

محمّد بن علي النقي الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢)

[٢٣] (اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) : الحارث بن قيس. كان يعبد شيئا فإذا استحسن غيره طرح الأوّل وعبد الثاني (١). (وَأَضَلَّهُ اللهُ) : عاقبه (عَلى عِلْمٍ) منه أنّه لا يؤمن. (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) : شهد عليه بأنّه لا يهتدي ولا يؤمن. من قولهم : اختم على ما يقوله فلان ؛ أي : اشهد. (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) : حكم عليه بأنّه لا يختار الإيمان.

[٢٤] (نَمُوتُ وَنَحْيا). مقلوب. أي : نحيى ونموت. (إِلَّا الدَّهْرُ) : العمر الطويل ومرّ اللّيالي والأيّام.

[٢٨] (جاثِيَةً) : قائمة على الركب ، مجتمعة للحساب.

[٢٩] (نَسْتَنْسِخُ) الملائكة الكتبة من الحفظة فتكتبه في اللّوح المحفوظ.

__________________

(١) ـ ل : «عبد الذي استحسنه».

٥٠١

وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)

[٣٣] (وَحاقَ بِهِمْ) : أحاط بهم.

[٣٤] (نَنْساكُمْ) : نترككم. (كَما نَسِيتُمْ) : تركتم أمرنا ونهينا. (مِنْ ناصِرِينَ) ينقذونكم من النّار.

[٣٥] (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) : لا يردّون إلى الدّنيا لاستيناف عمل يوجب الرضى عنهم.

[٣٧] (الْكِبْرِياءُ) : العظمة.

ومن سورة الأحقاف

مكّيّة. وقيل : مدنيّة. وقيل : بعضها.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥)

[١] (حم). مرّ تفسيره.

[٣] (أَجَلٍ مُسَمًّى) : يوم القيامة. (مُعْرِضُونَ) : لا يتفكّرون ولا يرجعون.

[٤] (ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الآلهة. (أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) : بقيّة تؤثر ورواية وخطّ. وقيل : أراد علم الرمل.

[٥] (مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) إذا دعاه وهي الأصنام والشّياطين.

٥٠٢

وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤)

[٨] (افْتَراهُ). الافتراء : أسوأ الكذب. (تُفِيضُونَ) : تخوضون.

[٩] (بِدْعاً) : أوّلا. أي : ما كنت أوّل من أرسله الله. (ما يُفْعَلُ بِي) من الموت. وقيل : ما يأمرني به الله فيكم من حرب أو سلم ، أو تعجيل عقابكم أو تأخيره. (وَلا بِكُمْ) من العذاب وغيره.

[١٠] (وَشَهِدَ شاهِدٌ) : عبد الله بن سلام. (عَلى مِثْلِهِ) : على مثل شهادة ابن يامين. وهما من علماء التوراة وشهدا أنّ القرآن من عند الله. وقيل : الشاهد موسى عليه‌السلام شهد على مثل القرآن.

[١١] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا). هاهنا هم أسد وغطفان. (لِلَّذِينَ آمَنُوا). هم مزينة وجهينة. (لَوْ كانَ) القرآن والإيمان (خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) ؛ لأنّهم فقراء ونحن أغنياء. (إِفْكٌ قَدِيمٌ) : كذب متقدّم.

[١٢] (إِماماً) يؤتمّ.

[١٣] (ثُمَّ اسْتَقامُوا) على اتّباع كلمة الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٥٠٣

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦) وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠)

[١٥] (بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) ؛ أي : أن يحسن إليهما إحسانا. و «حسنا» (١) ؛ أي : أن يفعل بهما فعلا حسنا. (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً) ؛ أي : مشقّة على مشقّة. (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً). الأعلى من الحمل والأسفل من الفطام ، أو بالعكس. (بَلَغَ أَشُدَّهُ) : ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين. أو : ما بين الثلاثين إلى الأربعين. (رَبِّ أَوْزِعْنِي) : ألهمني ووفّقني. (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) : وفّقهم للعمل الصّالح.

[١٧] (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) ـ الآية. نزلت في عبد الرّحمن بن أبي بكر. وقيل : في أبيه قبل إسلامه. (أَنْ أُخْرَجَ) بعد الموت للبعث والحساب والنشور ، (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ) : مضوا ولم يخرجوا. أي : الأمم السّالفة. (يَسْتَغِيثانِ اللهَ) ؛ أي : بالله. (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) : أحاديثهم.

[٢٠] (الْهُونِ) : الهوان.

__________________

(١) ـ هذا قراءة أخرى.

٥٠٤

وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨)

[٢١] (أَخا عادٍ) في النّسب ؛ وهو هود عليه‌السلام. (بِالْأَحْقافِ) : ما بين عمّان إلى حضرموت. (النُّذُرُ). أي : خوّفهم العذاب فلم يؤمنوا. وقد مضى شرح قصّته مع قومه.

[٢٢] (لِتَأْفِكَنا) : لتلفتنا.

[٢٤] (عارِضاً) : سحابا. جاءتهم سحابة سوداء ظنّوها ممطرة ـ بعد حبسه عنهم ثلاث سنين ـ بدعائه عليهم ، فاستبشروا بها بعد المحل. (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ). قول هود عليه‌السلام. (رِيحٌ) شديدة باردة سبع ليال وثمانية أيّام متتابعة. واعتزل هود عليه‌السلام ومن آمن معه فقصدوا حضر موت ، فمات بها بعد سنين. وقيل : بمكّة.

[٢٥] (تُدَمِّرُ) : تهلك.

[٢٦] (فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) ؛ أي : في الّذي مكّنّاكم فيه. و (إِنْ) بمعنى ما. (وَحاقَ بِهِمْ) : أحاط بهم.

[٢٨] (إِفْكُهُمْ) : أسوأ الكذب.

٥٠٥

وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥)

[٢٩] (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ) : تسعة من أشراف الجنّ من جنّ نصيبين. وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ الرّحمن في صلاة الفجر في بطن نخلة ، فجاءوه في أمر قتيل. قيل : فحكم بينهم بما أمر الله لمّا فرغ من صلاته ، فرجعوا. (أَنْصِتُوا) : اسكتوا.

[٣٠] (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) : بالكتب المتقدّمة يشهد بصدقه.

[٣١] (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ). (مِنْ) صلة. أي : ذنوبكم الّتي بينكم وبينه دون ما بينكم وبين العباد.

[٣٥] (أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ). قيل : كلّ من لم يؤمر بالقتال وأمر بالصّبر. وقيل : هم اثنا عشر ابتلاهم بالصّبر فصبروا. وهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأيّوب ويونس ونوح ولوط وهود وصالح وشعيب ومحمّد صلّى الله عليهم. وأولو العزم أصحاب الصبر. وقيل : هم خمسة. وهم الّذين عمّت شريعتهم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد عليهم‌السلام. (بَلاغٌ) ؛ أي : هذا بلاغ. من الإبلاغ والتبليغ ، أو بمعنى الكفاية.

٥٠٦

ومن سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله

مكّيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١)

[١] (وَصَدُّوا) : أعرضوا ومنعوا. (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : طريق الحقّ. (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) : أحبطها ؛ أي : أبطلها.

[٢] (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) : غطّاها وغفرها بالتّوبة. (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) : قلبهم للإيمان.

[٤] (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : عبدة الأوثان خاصّة. (أَثْخَنْتُمُوهُمْ) : غلبتموهم وجرحتموهم.

(فَشُدُّوا الْوَثاقَ) : فشدّوهم فيه. (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) ؛ أي : تمنّون عليهم بأنفسهم منّا. (وَإِمَّا فِداءً) ؛ أي : يفدون أنفسهم منكم فداء. (أَوْزارَها) : سلاحها. ومنه قوله تعالى : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ)(١). أي : مئونة الحرب وثقلها. (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) : لن يبطلها.

[٥] (سَيَهْدِيهِمْ) : يثبّتهم. (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ). البال : الخاطر.

[٦] (عَرَّفَها لَهُمْ) : طيّبها. وقيل : بيّنها.

[٨] (فَتَعْساً لَهُمْ) : هوانا وعثارا. وقيل : التعس أن يجرّ على وجهه. والنكس أن يجرّ على رأسه.

[١٠] (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) : أهلكهم ولم ير لهم أثر. (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) : لمشركي قريش أمثال ما فعل بالأمم الخالية.

[١١] (مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) : وليّهم وناصرهم.

__________________

(١) ـ الشرح (٩٤) / ٢.

٥٠٧

إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)

[١٢] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ) : يتلذّذون. (الْأَنْعامُ) : الإبل والدّوابّ. (مَثْوىً) : منزل.

[١٣] (وَكَأَيِّنْ) : وكم. (مِنْ قَرْيَةٍ) : مكّة.

[١٤] (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) : محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) : أبو جهل بن هشام وأصحابه.

[١٥] (آسِنٍ) متغيّر الطّعم والرائحة. (ماءً حَمِيماً) : حارّا جدّا.

[١٦] (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) في خطبة الجمعة. (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) من أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (قالَ آنِفاً) : من ساعته بعد خروجنا من عنده. (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) : ختم عليها بأنّها لا تؤمن.

[١٨] (بَغْتَةً) : فجأة. (جاءَ أَشْراطُها) : قربت علاماتها ؛ كالدخان وانشقاق القمر والدجّال ونزول عيسى من السّماء. (فَأَنَّى لَهُمْ) : فكيف لهم ومن أين لهم (إِذا جاءَتْهُمْ) السّاعة (ذِكْراهُمْ) : التوبة؟! وقيل : ذلك عند ظهور القائم عليه‌السلام لا تقبل توبتهم.

٥٠٨

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩)

[٢٠] (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : نفاق.

[٢١] (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ؛ أي : أمرنا بالطاعة. (وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ؛ أي : طيّب من النفاق. (عَزَمَ الْأَمْرُ) : جدّ وأمر بالقتال. (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) في القتال.

[٢٢] (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ). نزلت في المرتدّين. وقيل : في بني أميّة ومن شابههم من قريش ؛ تغلّبوا على آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقتلوهم وقهروهم وشرّدوهم.

[٢٤] (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ). فيه دليل على وجوب تدبّره ووعيد على تركه.

[٢٥] (سَوَّلَ) : زيّن. (وَأَمْلى لَهُمْ) : طوّل وأدام بالتزيين والغرور.

[٢٩] (أَضْغانَكُمْ) : أحقادكم.

٥٠٩

وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)

[٣٠] (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ) : المنافقين. (فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) : في معاريضه وفحواه إذا تكلّموا. قيل : لم يخف عليه بعد هذه الآية منافق.

[٣١] (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) : نختبركم. (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) : نعرّفكم أسراركم.

[٣٢] (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) : عادوه.

[٣٥] (تَهِنُوا) : تضعفوا. (السَّلْمِ) : الصّلح. (الْأَعْلَوْنَ) : الغالبون. (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) : لن ينقصكم ثوابها.

[٣٧] (فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) : يبالغ في المسألة لكم بما فيها من حقّ ، فتبخلوا عند ذلك.

[٣٨] (فِي سَبِيلِ اللهِ) : الجهاد وغيره من الحقوق الّتي عليكم. (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إلى الله في كلّ أموركم. (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) : تعرضوا.

٥١٠

ومن سورة الفتح

مدنيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩)

[١] (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ). فتح يوم الحديبيّة. وقيل : وعده بفتح مكّة. وقيل : الفتح يكون بالقتال ، ويكون بالصّلح.

[٢] (ما تَقَدَّمَ) في زمانك (مِنْ ذَنْبِكَ) : من ذنب أمّتك. (وَما تَأَخَّرَ) من ذنوبهم بعدك. وقيل : ما تقدّم من ذنب أبيك آدم عليه‌السلام ، وما تأخّر من ذنوب أمّتك. وقيل : الذنب هنا صدّ الكافرين له من المسجد الحرام. لأنّهم كانوا يعتقدون ذلك ذنبا له ، فغفره الله بفتح مكّة ودخوله إليها في العام الآخر.

[٤] (السَّكِينَةَ) : السّكون والطّمأنينة. (جُنُودُ السَّماواتِ) : الملائكة. (وَالْأَرْضِ). أراد المؤمنين.

[٨] (شاهِداً) عليهم ، (وَمُبَشِّراً) بالثواب للمؤمنين ، (وَنَذِيراً) بالعقاب للكافرين.

[٩] (وَتُعَزِّرُوهُ) : تعظّموه. (وَتُوَقِّرُوهُ). كذلك. (بُكْرَةً وَأَصِيلاً). الأصيل : ما بين العصر إلى اللّيل.

٥١١

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥)

[١٠] (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) يوم الحديبيّة في الحرم بيعة الرضوان. كانوا ألفا وأربعمائة. بايعوه أن لا يفرّوا ولا ينهزموا ولا يسلموه كما فعلوا يوم أحد وحنين فما بقي إلّا تسعة وكانوا اثني عشر ألفا. (يَدُ اللهِ) بالوفاء. وقيل : بالعهد. (فَمَنْ نَكَثَ) : نقض العهد منهم ، (يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) : إلى نفسه أساء. (فَسَيُؤْتِيهِ) في الآخرة (أَجْراً عَظِيماً) : الجنّة.

[١١] (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ) عن غزاة الحديبيّة ؛ وكانوا مزينة وجهينة وأسلم وغفار.

[١٢] (بُوراً) : هلكى.

[١٥] (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) يوم الحديبيّة أيضا.

(إِلى مَغانِمَ) : خيبر. (يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) الّذي أمر به نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ان لا يصير معه أحد من المخلّفين.

٥١٢

قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧) لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣)

[١٦] (مِنَ الْأَعْرابِ). هم سكّان البادية. (إِلى قَوْمٍ). قيل : أهل فارس. وقيل : هوازن وثقيف. (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) : أصحاب شدّة في الحرب.

[١٧] (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ). كان إذا خرجوا إلى الجهاد والغزو ، تخلّف عنهم العمي والعرج والمرضى فيتركونهم في منازلهم. فخاف أولو العلّة الحرج ـ وهو الإثم ـ فنزلت الآية لرفعه.

[١٨] (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) بيعة الرضوان. (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من الوفاء بالعهد. (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) : السّكون والطّمأنينة. (وَأَثابَهُمْ) : جزاهم. (فَتْحاً قَرِيباً). يعني فتح خيبر.

[٢٠] (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً) من فارس والروم. (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) : غنيمة خيبر. (وَكَفَّ) : منع ودفع (أَيْدِيَ النَّاسِ) : قوّتهم. وهم حلفاء أهل خيبر من أسد وغطفان. (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ). هو عليّ عليه‌السلام. لأنّ فتح خيبر كان على يده. وقيل : عامّ.

[٢١] (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) : فتح مكّة. وقيل : فتح فارس والرّوم. (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) : علم أنّها لهم.

[٢٢] (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : أهل مكّة. وقيل : حلفاء خيبر.

[٢٣] (سُنَّةَ اللهِ). السنّة : السّيرة. (خَلَتْ) : مضت.

٥١٣

وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦) لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨)

[٢٤] (بِبَطْنِ مَكَّةَ) يوم الحديبيّة.

[٢٥] (مَعْكُوفاً) : محبوسا. (مَحِلَّهُ) : وقته ومنحره. وقيل : المحلّ بكسر الحاء : الوقت ، وبفتحها : المكان. (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ) يكتمون إيمانهم بمكّة. (وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ). كذلك. (أَنْ تَطَؤُهُمْ) : تقتلوهم. (مَعَرَّةٌ) : عيب وألم. وقيل : جناية. وقيل : الديات. (لَوْ تَزَيَّلُوا) : تميّز المؤمنون ، (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالسّيف.

[٢٦] (فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ). قالوا يوم الحديبيّة : إنّ محمّدا قتل آباءنا وإخواننا ، ثمّ إنّه يريد أن يدخل علينا في منازلنا ونسائنا! والله لا يدخلها علينا أبدا! (سَكِينَتَهُ) : السّكون والطّمأنينة. (كَلِمَةَ التَّقْوى) : «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. له الملك. وله الحمد. يحيي ويميت. ويميت ويحيي. وهو حيّ لا يموت. بيده الخير. وهو على كلّ شيء قدير».

[٢٧] (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ) ـ الآية. رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل خروجه إلى الحديبيّة فأخبر أصحابه بها. فلمّا ردّه الله إلى خيبر ، قال المنافقون : والله ما حلقنا ولا قصّرنا! فحقّقها الله له في السّنة المقبلة حتّى أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قلت لكم في عامكم هذا حتّى لا تشكّوا. (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) من أطراف الشّعر قدر الأنملة. (فَتْحاً قَرِيباً) : فتح خيبر.

[٢٨] (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) : يجعل شريعته ناسخة لجميع الشرائع.

٥١٤

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩)

[٢٩] (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) أي : رحماء بعضهم لبعض أي رحمة وعطفا. (سِيماهُمْ) : علامتهم. (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) : صفتهم. (شَطْأَهُ) : فراخه وصغاره. (فَآزَرَهُ) : أعانه وقوّاه. (عَلى سُوقِهِ). جمع ساق. أي : قصبه. (الْكُفَّارِ) : الزّرّاع. لأنّهم يغطّون الحبّ تحت الأرض في الزراعة. مثل ضربه تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في تقويته بأصحابه المؤمنين حتّى أذلّ الكافرين وأقام الدين.

ومن سورة الحجرات

مدنيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤)

[١] (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) : لا تقولوا قبل أن يقول. وقيل : لا تقدّموا بأمر ولا نهي ولا فعل. وقيل : لا تعجلوا بالأمر والنهي.

[٢] (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ). نزلت في ثابت بن قيس. كان يرفع صوته بحضرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. (أَنْ تَحْبَطَ) : لئلّا تبطل. (لا تَشْعُرُونَ) : لا تعلمون.

[٣] (يَغُضُّونَ) : يخفضون أصواتهم تعظيما للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. (امْتَحَنَ) : اختبر.

[٤] (يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) : جمع حجرة : الدّار. كانوا يقولون من ورائها : يا محمّد ، اخرج إلينا.

٥١٥

وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)

[٥] (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) : كان أحسن.

[٦] (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) : فتّشوا وابحثوا عن قوله أهو صادق أم لا. وقرئ : «فتثبّتوا» ؛ أي : لا تعجلوا بذمّ وقول سيّئ. نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط. بعثه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بني المصطلق وخزاعة ليقبض زكاة أموالهم وصدقاتهم. فخاف منهم ولم يأتهم ورجع وقال : طردوني وارتدّوا. فأراد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبعث إليهم سريّة ويقاتلهم ويغنمهم. فنزلت الآية بكذب الوليد.

[٧] (لَعَنِتُّمْ) : لهلكتم.

[٩] (فَإِنْ بَغَتْ) : تعدّت. (حَتَّى تَفِيءَ) : ترجع. نزلت في عبد الله بن أبيّ المنافق ؛ قاتل عبد الله بن رواحة الأنصاريّ رحمه‌الله. (وَأَقْسِطُوا) : اعدلوا. المقسطة : المعدلة.

[١١] (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ). سخر خالد ابن الوليد وثابت بن قيس من عمّار بن ياسر ورجل آخر. (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ). سخرت عائشة من زينب بنت خزيمة زوجة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) : لا تعتبوا إخوانكم من المسلمين. كقوله تعالى : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ)(١) ؛ أي : إخوانكم. (وَلا تَنابَزُوا) : لا تداعوا (بِالْأَلْقابِ) المكروهة والمتضمّنة للذمّ. (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ). لا تقولوا لمن أسلم من أهل الكتاب يا يهوديّ ويا نصرانيّ ويا مجوسيّ.

__________________

(١) ـ النور (٢٤) / ٦١.

٥١٦

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)

[١٢] (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) : لا ترموا النّاس بالتهمة بشيء لم تحقّقوه. (وَلا تَجَسَّسُوا) : لا تبحثوا عن عيب أحدكم فيبحث عن عيبكم. (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً). هو أن يقال في حال غيبته ما هو فيه. فإذا استقبل به ، فتلك المجاهرة. وإذا قيل ما ليس فيه ، فذلك البهت.

[١٣] (مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) : آدم وحوّاء. (شُعُوباً وَقَبائِلَ). الشّعوب أعظم من القبائل ـ واحدها شعب بفتح الشين ـ ؛ ثمّ القبائل ؛ ثمّ العمائر ؛ ثمّ البطون ؛ ثمّ الأفخاذ ؛ ثمّ الفصائل ؛ ثمّ العشائر. وليس بعد العشيرة حيّ يوصف. (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ). لمّا زوّج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المقداد بن الأسود مولى كندة من ضباعة بنت عمّه الزبير ـ وقيل : بنت عمّه حمزة ـ أكبره الرؤساء من قريش وعظّموه وأكثروا الخوض فيه وقالوا : قد صارت بنات السّادات والأشراف تزوّج من الموالي! فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. فخرج إلى المسجد فأمر فنودي : الصّلاة جامعة! فاجتمع النّاس. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال : أيّها النّاس! اعلموا أنّه ليس لعربيّ فضل على أعجميّ ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لحرّ على عبد ، إلّا بالإيمان والتقوى. وتلا عليهم الآية. فكفّ الرؤساء عن الخوض في ذلك.

[١٤] (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) ؛ خوفا من السّيف. وهم مزينة وجهينة. (قُولُوا أَسْلَمْنا) : خضعنا واستسلمنا. (لا يَلِتْكُمْ) : لا ينقصكم.

٥١٧

ومن سورة ق

مكّيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)

[١] (ق). قيل : قسم ـ وهو من أسماء الله تعالى ـ وجوابه : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ). وقيل : جبل محيط بالدّنيا من زمرّدة خضراء ، وخضرة السّماء منه. (الْمَجِيدِ) : الشّريف الكريم على الله تعالى.

[٢] (مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) : محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (فَقالَ الْكافِرُونَ) : كفّار مكّة.

[٣] (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ). إنكار منهم للبعث والنشور.

[٤] (كِتابٌ حَفِيظٌ) : اللّوح المحفوظ الّذي فيه علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.

[٥] (أَمْرٍ مَرِيجٍ) : مختلط. (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ) : بالدّين والقرآن.

[٦] (بَنَيْناها) : رفعناها. (وَزَيَّنَّاها) بالكواكب. (فُرُوجٍ) : فتوق.

[٧] (مَدَدْناها) : بسطناها. (رَواسِيَ) : جبال ثوابت. (زَوْجٍ بَهِيجٍ) : صنف حسن المنظر والمطعم.

[٨] (مُنِيبٍ) : تائب.

[٩] (جَنَّاتٍ) : بساتين. (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) : المحصود.

[١٠] (باسِقاتٍ) : عاليات. (نَضِيدٌ) : منضود بعضه فوق بعض.

[١١] (رِزْقاً لِلْعِبادِ) : قوتا لهم. (وَأَحْيَيْنا بِهِ) : بماء السّحاب. (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) للبعث والنشور بعد الموت.

[١٢] (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) : قبل أهل مكّة. (وَأَصْحابُ الرَّسِّ) : البئر الّذي رسّوا نبيّهم فيه. وقد مضى شرحه في سورة يس.

[١٤] (الْأَيْكَةِ) : الشّجرة أو الغيضة ـ على القولين ـ الّتي كانوا يعبدونها. وهم قوم شعيب. (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) : أهل اليمن الّذين تبعوا عادا على كفرهم. (فَحَقَّ وَعِيدِ) : عقابي عليهم.

[١٥] (أَفَعَيِينا). عيّ بأمره ؛ إذا لم يهتد لوجهه. (فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) : في شكّ من الإعادة.

٥١٨

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥)

[١٦] (تُوَسْوِسُ) : تحدّثه. (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) : عرق في العنق. وهما وريدان عن يمين وشمال.

[١٧] (الْمُتَلَقِّيانِ) : الملكان الكاتبان. (قَعِيدٌ) : قاعد ملازم.

[١٨] (رَقِيبٌ) : شاهد حفيظ. (عَتِيدٌ) : حاضر ملازم.

[١٩] (تَحِيدُ) : تفرّ وتميل وتكره.

[٢١] (مَعَها سائِقٌ) : الملك الّذي يكتب الحسنات. وقيل : ملك يسوقه من ورائه بسوطه. (وَشَهِيدٌ). هو الملك الكاتب السّيّئات. وقيل : العمل. وقيل : ملك يشهد عليه بسيّئاته.

[٢٢] (حَدِيدٌ). حادّ جدّا نافذ. وهذا خطاب للكافر.

[٢٣] (وَقالَ قَرِينُهُ) : الملك الّذي يكتب سيّئاته. وقيل : الشّيطان. (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) : هذا ما وكلتني به وحفظته حاضرا محضرا.

[٢٤] (عَنِيدٍ) : معاند للحقّ.

[٢٥] (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) : بخيل. (مُعْتَدٍ) : حائر عن الدّين والحقّ. (مُرِيبٍ) : مرتاب ذي شكّ في الله وفيما أنزله.

[٢٦] (فَأَلْقِياهُ) ؛ أي : ألق ألق. وقيل : يعني الملكين السائق والشّهيد.

[٢٧] (قالَ قَرِينُهُ) : الشّيطان. (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) عن الحقّ.

[٢٨] (تَخْتَصِمُوا). يعني الشّيطان والعاصي. (بِالْوَعِيدِ). لا يكون الوعيد إلّا بالشّرّ.

[٢٩] (لَدَيَّ) : عندي.

[٣١] (وَأُزْلِفَتِ) : قرّبت. (غَيْرَ بَعِيدٍ) ؛ أي : قريبا.

[٣٢] (أَوَّابٍ) : مسبّح تائب مستغفر. (حَفِيظٍ) : محافظ على الطّاعات.

[٣٣] (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) : وقت خلوّه بالمعاصي مستترا عن النّاس ، فيتركها خوفا من الله. (بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) : تائب.

[٣٤] (ادْخُلُوها) ؛ أي : الجنّة. (بِسَلامٍ) : بسلامة. (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) : لا انقطاع لنعيمها. (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) من التفضّل على ما استحقّوا.

٥١٩

وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥)

[٣٦] (قَبْلَهُمْ) : قبل أهل مكّة. (مِنْ قَرْنٍ) : من أمّة. (بَطْشاً) : قوّة. (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) : وذهبوا في الأسفار وبالغوا فيها. وقيل : جالوا. وقيل : طافوا. وقيل : تباعدوا. (مَحِيصٍ) : معدل عن الموت والعذاب.

[٣٧] (لَهُ قَلْبٌ) : عقل ولبّ. (وَهُوَ شَهِيدٌ) : شاهد حاضر بقلبه لا يسمع غير ذلك ولا يلهو عنه.

[٣٨] (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من أيّام الأسبوع. (لُغُوبٍ) : إعياء ونصب (١).

[٣٩] (وَسَبِّحْ) : صلّ. (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) : صلاة الصّبح. (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) : صلاة الظّهر والعصر.

[٤٠] (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) : صلاة المغرب والعشاء الآخرة. (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) : المرغّبات من الصّلوات. وقيل : التسبيح في أدبار الصلوات المكتوبات. قيل : ذلك تسبيح الزهراء عليها‌السلام المائة من التكبير والتحميد والتسبيح.

[٤٢] (الصَّيْحَةَ) : النفخة في الصّور.

[٤٥] (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) تقابل لهم على الغضب. وقيل : مسلّط. (وَعِيدِ) : عقابي.

ومن سورة الذّاريات

مكّيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦)

[١] (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) : الرياح تذرو التراب.

[٢] (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) : السّحاب تحمل الماء.

[٣] (فَالْجارِياتِ يُسْراً) : السّفن تجري سيرا سهلا.

[٤] (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) : الملائكة الّذين يقسمون الأمر بين خلق الله تعالى ؛ مثل جبرئيل صاحب الغلظة ، وميكائيل صاحب الرّحمة ، وإسرافيل صاحب النفخة ، وعزرائيل صاحب القبضة. وقيل : معناه في الكلّ : وربّ.

[٥] (إِنَّ ما تُوعَدُونَ) من البعث والنشور.

[٦] (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) : الجزاء على الأعمال.

__________________

(١) ـ في النسخ زيادة : «مكر قلب».

٥٢٠