مختصر نهج البيان

محمّد بن علي النقي الشيباني

مختصر نهج البيان

المؤلف:

محمّد بن علي النقي الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)

[٧٣] (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام والآلهة والأوثان ، (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) وهو أقلّ مخلوقات الله. (لا يَسْتَنْقِذُوهُ) : لا يخلّصوه. (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) من النّاس والذّباب.

[٧٤] (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) : ما عرفوه حقّ معرفته.

[٧٧] (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) : تظفرون بالجنّة. ولعلّ من الله واقع.

[٧٨] (اجْتَباكُمْ) : اصطفاكم. (مِنْ حَرَجٍ) : من ضيق. (مِلَّةَ أَبِيكُمْ) : دينه. (وَفِي هذا) ؛ أي : وفي القرآن. (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) بالبلاغ. (وَاعْتَصِمُوا) : امتنعوا. (مَوْلاكُمْ) : ناصركم.

٣٤١

ومن سورة المؤمنون

مكّيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧)

[١] (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) : ظفروا وسعدوا بثواب الله تعالى.

[٢] (خاشِعُونَ) : ذليلون خاضعون.

[٣] (اللَّغْوِ) : باطل الكلام والمزاح. وقيل : الحلف الكاذب.

[٤] (لِلزَّكاةِ) : للطّهارة. وقيل : لزكاة الأموال.

[٥] (لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) عمّا حرّم الله عليهم.

[٦] (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ). تدخل ذات المتعة فيه.

[٨] (لِأَماناتِهِمْ). قيل : الوضوء والغسل.

وقيل : جميع ما كلّفهم الله به. (راعُونَ) : حافظون.

[١١] (الْفِرْدَوْسَ) : جنّة العنب والأشجار بلغة الرّوم ؛ وهي أوسط الجنان. (خالِدُونَ) : باقون ببقاء الله تعالى.

[١٢] (الْإِنْسانَ) : آدم. (مِنْ سُلالَةٍ). هي ما استلّ.

[١٣] (مَكِينٍ) في الرّحم.

[١٤] (الْمُضْغَةَ عِظاماً)(١) : صلبه. (خَلْقاً آخَرَ) : حيّا كاملا مصوّرا. (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) : المقدّرين.

[١٦] (تُبْعَثُونَ) للجزاء على الأعمال.

[١٧] (سَبْعَ طَرائِقَ) : سبع سماوات. ومنه : ريش طراق ؛ أي : بعضه فوق بعض. وقيل : سبعة أفلاك.

__________________

(١) ـ هذا على قراءة ابن عامر وأبي بكر. انظر : أنوار التنزيل ٢ / ١٠٣.

٣٤٢

وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧)

[١٨] (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) فتفجّرت منه العيون وتدفّقت منه الأنهار.

[١٩] (جَنَّاتٍ) : بساتين.

[٢٠] (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ). هي الزيتونة. (مِنْ طُورِ سَيْناءَ) : الجبل الّذي كلّم الله عليه موسى عليه‌السلام. وقيل : سينا وسينين جبلان معروفان. وقيل : كلّ جبل عليه شجر. (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) ؛ أي : تنبته. (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ). يريد الزيت والزيتون. والاصطباغ هو أن يغمس فيه الطّعام ويؤكل ؛ أي : يؤتدم به.

[٢١] (فِي الْأَنْعامِ) : الإبل والبقر والغنم. وقيل : يخصّ في مواضع بالإبل كهنا. (لَعِبْرَةً) : معتبرا ومتفكّرا. (مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) من أوبارها وحملها والأكل منها.

[٢٥] (فَتَرَبَّصُوا بِهِ) : انتظروا له دائرة سوء.

[٢٧] (بِأَعْيُنِنا) : بوحي منّا وعلم. (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) لهلاكهم. (وَفارَ التَّنُّورُ) : تنّور الخابزة. وقيل غيره. ومضى شرحه في سورة هود.

(فَاسْلُكْ فِيها) : فأدخل في السّفينة. (وَأَهْلَكَ) : الّذين وعدتك بنجاتهم. (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) : ابنك كنعان وامرأتك والقة ـ وقيل : والهة ـ والّذين كفروا من قومك الّذين سبق القول بأنّهم لا يؤمنون.

٣٤٣

فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢)

[٢٨] (وَمَنْ مَعَكَ) من المؤمنين.

[٣٠] (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) ؛ أي : وما كنّا إلّا مختبرين.

[٣١] (قَرْناً آخَرِينَ) : أمّة أخرى.

[٣٣] (أَتْرَفْناهُمْ) : نعّمناهم.

[٣٦] (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) : بعدا بعدا.

[٤١] (غُثاءً) : هلكى. وهو ما يحمله السّيل على رأس الماء.

٣٤٤

ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩)

[٤٤] (تَتْرا) : تتتابع وتترادف. (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) في الهلاك. (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) : علامات وعبرا يتحدّث بها ويعتبر. (فَبُعْداً) : هلاكا.

[٤٥] (بِآياتِنا) بمعجزاتنا. (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) : حجّة بيّنة ودليل واضح.

[٤٦] (وَمَلَائِهِ) : أشرافه. (عالِينَ) : متكبّرين.

[٤٩] (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) : التوراة.

[٥٠] (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ) : لها ساحة واسعة يقرّ فيها. وقيل : أرض الرملة وفلسطين. وقيل : دمشق. وقيل : الحيرة والكوفة. (وَمَعِينٍ) : فرات الكوفة. ومعين : ماء كثير طاهر.

[٥٣] (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً) : أحزابا في دينهم كاليهود والنصارى.

[٥٤] (غَمْرَتِهِمْ) : غيّهم وغفلتهم وضلالهم الّذي غطّى قلوبهم وعلاها. وغمرات الموت : شدائده.

[٥٧] (مُشْفِقُونَ) : حذرون.

٣٤٥

وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤)

[٦٠] (يُؤْتُونَ ما آتَوْا) من الصّدقة وغيرها. و (بِما أَتَوْا) ـ بالقصر ـ : يركبون ما ركبوا من الذنوب والخطايا. (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) : خائفة. فالأوّلون ألّا يقبل منهم والآخرون ألّا يقبل توبتهم.

[٦١] (فِي الْخَيْراتِ) : الصّدقة والطّاعة. (لَها سابِقُونَ) : يبادرون إليها.

[٦٣] (فِي غَمْرَةٍ) : غفلة. (وَلَهُمْ أَعْمالٌ) من المعاصي (هُمْ لَها عامِلُونَ) ويضيفونها إلى الله تعالى.

[٦٤] (مُتْرَفِيهِمْ) : منعّميهم. (بِالْعَذابِ) : القحط والجدب سبع سنين بدعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم. (يَجْأَرُونَ) : يستغيثون ويصيحون كما يجأر الثور. يعني أهل مكّة.

[٦٦] (أَعْقابِكُمْ) : أدباركم. (تَنْكِصُونَ) : ترجعون إلى الشرك.

[٦٧] (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) : بالبيت الحرام ؛ يفتخرون به على النّاس. (سامِراً تَهْجُرُونَ) : تتحدّثون به في ظلّ القمر والشّمس. وقيل : حديث اللّيلة المقمرة. و (تَهْجُرُونَ) : تهذون وتلغون مع الضّمّ. وبالفتح ، من الهجران.

[٦٨] (يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) : القرآن. (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) من النذر.

[٦٩] (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) : أمانته ونسبه. وكانوا يعرفونه قبل النبوّة بالأمين ، فلمّا دعاهم إلى الإسلام أنكروه.

[٧٠] (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) : جنون.

[٧١] (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) هو الله باتّفاق وجعل معه شريكا ، (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) بجعل الشريك. (بِذِكْرِهِمْ) : بشرفهم.

[٧٢] (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) على أداء الرّسالة؟! (فَخَراجُ رَبِّكَ) : ثوابه. والخرج على الرءوس ، والخراج على الأرضين.

[٧٤] (عَنِ الصِّراطِ) : طريق الحق. (لَناكِبُونَ) : عادلون. نكب عن الطّريق ؛ أي : عدل عنها.

٣٤٦

وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩)

[٧٥] (يَعْمَهُونَ) : يتحيّرون.

[٧٦] (فَمَا اسْتَكانُوا) : خضعوا وذلّوا.

[٧٧] (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ) : الجوع سبع سنين لأهل مكّة. وقيل : القتل ببدر.

(مُبْلِسُونَ) : يئسون.

[٧٩] (ذَرَأَكُمْ) : خلقكم.

[٨٣] (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). ذكر في الأنعام.

[٨٨] (يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) : يؤمن ولا يؤمن عليه.

[٨٩] (تُسْحَرُونَ) : تصرفون.

٣٤٧

بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤)

[٩١] (لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) : اعتزل كلّ إله بما يخلقه. وقيل : استولى كلّ إله على خلقه دون صاحبه. (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) كملوك الدّنيا.

[٩٥] (ما نَعِدُهُمْ) من العذاب.

[٩٦] (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ). قيل : التقيّة. وقيل : المداراة.

[٩٧] (هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) : غمزاتهم وطمعهم فيه.

[١٠٠] (وَمِنْ وَرائِهِمْ) : قدّامهم. (بَرْزَخٌ).

هو القبر من حين الموت إلى البعث حاجز بين الدّنيا والآخرة.

[١٠٤] (كالِحُونَ). من الكلوح وهو تكشّر في عبوس.

٣٤٨

أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)

[١٠٨] (اخْسَؤُا) : تباعدوا بمكروه.

[١١٠] (سِخْرِيًّا) : بالضّمّ من السّخرة والتسخير ، وبالكسر بمعنى اللهو واللّعب.

[١١٣] (قالُوا لَبِثْنا). أي في القبر. (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) : ملك الموت وأعوانه. وقيل : الملائكة الموكّلون ببني آدم وأعمالهم وآجالهم.

[١١٧] (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) ؛ أي : لا حجّة له. ومراده تعالى نفي الحجّة أبدا. كقوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ)(١) وقتلهم لا يكون قطّ إلّا بغير حقّ.

__________________

(١) ـ آل عمران (٣) / ٢١.

٣٤٩

ومن سورة النّور

مدنيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠)

[١] (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها) : بيّنّا حلالها وحرامها. وقيل : بالتشديد : بيّنّا. وبالتخفيف : أوجبنا فيها الحلال والحرام. (بَيِّناتٍ) : واضحات.

[٢] (رَأْفَةٌ) : رحمة ورقّة. (وَلْيَشْهَدْ) : يحضر. (عَذابَهُما) : جلدهما أو رجمهما. (طائِفَةٌ) : جماعة. قيل : أقلّها ثلاثة. وقيل : يجزئ الواحد.

وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) ـ الآية (١).

[٣] (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً) ـ أي من أهل القبلة ـ (أَوْ مُشْرِكَةً) من غير أهل القبلة. (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ) من أهل القبلة (أَوْ مُشْرِكٌ) من غيرهم. وقيل : السّبب في نزولها أنّ أصحاب النبيّ عليه‌السلام لمّا قدموا المدينة ، استأذنوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في تزويج البغايا المشهورات بالزّنا من اليهود (٢) وذوات الأعلام ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام بالآية. فعلى الأوّل (يَنْكِحُ) بمعنى يجامع ؛ وعلى الثّاني يتزوّج.

[٤] (الْمُحْصَناتِ) : العفيفات ذوات الأزواج. (ثَمانِينَ جَلْدَةً) : حدّ القذف. (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) ما داموا مصرّين على ذلك.

[٦] (يَرْمُونَ) : يقذفون بالزّنا. والقذف من أكبر الكبائر.

[٨] (وَيَدْرَؤُا) : يدفع.

[١٠] (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بستره ، لأظهر الكاذب من الصّادق ، ولكن ستر عليكم تفضّلا منه ورحمة.

__________________

(١) ـ النساء (٤) / ١٥.

(٢) ـ ليس في ل : «من اليهود».

٣٥٠

إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١) لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠)

[١١] (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) : الكذب. نزلت في عائشة رماها المنافقون بصفوان بن المعطّل (١). كانت في غزاة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. فرجع منصورا فنزل قريبا من المدينة. فرحل الناس عند السّحر. وكانت عائشة قد خرجت لقضاء حاجة ، فسقط عقد لها ، فذهبت تفتّشه. فجاءوا إلى جملها وهو مرحل ، فظنّوا أنّها في الهودج فذهبوا به. فطلبته فلم تجده. فجلست وتلفّفت في أثوابها. فجاء صفوان في أثرها فأناخ بعيره وحملها عليه وجاء بها إلى العسكر. فقال عبد الله بن أبي سلول وأصحابه المنافقون ما قالوا. فنزلت الآية ، فجلد كلّ واحد منهم ثمانين جلدة. (عُصْبَةٌ) : جماعة. (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ). يعني إقامة الحدّ عليهم بقذفهم عائشة. (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ، لينتهوا عن مثله. (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ) : معظمه. وهو عبد الله بن أبي سلول. (لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) : الحدّ في الدّنيا والنّار في الآخرة.

[١٤] (أَفَضْتُمْ فِيهِ) : نشرتموه من الحديث في قذف المحصنات واندفعتم فيه.

[١٥] (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) : تقبلونه. وبكسر اللّام ، من الولق وهو الكذب.

[١٦] (وَلَوْ لا) : هلّا. أي : هلّا قلتم ما يكون لنا أن نتكلّم بهذا؟! (بُهْتانٌ). بهته بهتانا : قال عليه ما لم يفعله.

[١٩] (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا) : الحدّ (وَالْآخِرَةِ) : النار.

__________________

(١) ـ هذه على رواية العامّة. وأمّا الخاصّة فإنّهم رووا أنّها نزلت في مارية القطبيّة وما رمتها به عائشة. انظر : تفسير القمّيّ ٢ / ٩٩ و ١٠٠. وقد ألّف المحقّق الألمعي السيّد جعفر مرتضى العامليّ في تزييف روايات العامّة في ذلك كتابا يسمّى ب «حديث الإفك».

٣٥١

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧)

[٢١] (خُطُواتِ الشَّيْطانِ) : خطاياه وآثاره. (بِالْفَحْشاءِ) : ما يفحش فعله. (وَالْمُنْكَرِ) : ما ينكر على فاعله عند ارتكابه. (ما زَكى) : طهر. لقبول التّوبة وهي فضل الله.

[٢٢] (وَلا يَأْتَلِ) : ولا يقصر. وقيل : لا يحلف. من الأليّة وهي اليمين. (أُولُوا الْفَضْلِ) : أصحاب الغنى والسّعة في الرزق. (وَالْمُهاجِرِينَ). مرّ شرحه.

[٢٥] (دِينَهُمُ الْحَقَّ) : حسابهم وجزاء أعمالهم. والحقّ صفة الدّين. وبالرفع صفة الله.

[٢٦] (الْخَبِيثاتُ) من الكلم ـ وقيل : من السّيّئات ـ (لِلْخَبِيثِينَ) من الرجال.

(وَالطَّيِّباتُ) من الكلم ـ وقيل : من الطّاعات ـ (لِلطَّيِّبِينَ) من الرّجال.

[٢٧] (تَسْتَأْنِسُوا). قيل : تتنحنحوا. وقيل : تستأذنوا.

٣٥٢

فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١)

[٢٨] (أَزْكى لَكُمْ) ؛ أي : أطهر.

[٢٩] (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً). قيل : الخانات والحمّامات والرباطات والخرابات والبساتين. (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) : منفعة إمّا باجتلاب نفع أو دفع ضرر من البول والغائط وغيرهما كاكتنان من حرّ أو برد أو مطر.

[٣١] (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) ؛ كالدملج والخلخال والثّياب. وقيل : الوجه والكحل والحنّاء والخاتم. وقيل : والخضاب. وقيل : والقرط. (بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ) ، لئلّا يطّلع على صدورهنّ وعلى الزينة الباطنة. فإنّ الحرّة كلّها عورة. (لِبُعُولَتِهِنَّ) : أزواجهنّ. والزوج بعل. ويقال للزوجة أيضا بعلة. (أَوْ نِسائِهِنَّ) : أقربائهنّ ونساء أهل دينهنّ. (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) من الإماء والعبيد الّذين لم يبلغوا الحلم. (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ). قيل : الشّيوخ الّذين لم يبق لهم حاجة في النساء ولا شهوة. وقيل : البله. وقيل : الخصيان. والإربة : الحاجة.

٣٥٣

وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤) اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦)

[٣٢] (وَأَنْكِحُوا) : زوّجوا وتزوّجوا. (الْأَيامى) : الأحرار من الرّجال والنساء الذين لا أزواج لهم.

[٣٣] (وَلْيَسْتَعْفِفِ) : يكفّ عن نكاح الحرائر. (نِكاحاً) : طولا وسعة لمهورهنّ ونفقتهنّ ومئونتهنّ. (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ) : يطلبون (الْكِتابَ) : المكاتبة. (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من العبيد والإماء. (فِيهِمْ خَيْراً) : إيمانا واكتسابا لإيمانهم. (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ) : من الزّكاة ما يستعينون به على فكّ رقابهم إذا كانوا صلحاء. (فَتَياتِكُمْ) : إمائكم. (الْبِغاءِ) : الزّنا. (تَحَصُّناً) : تعفّفا. نزلت في ابن أبي سلول أكره مسكة وعورة (١) جاريتيه على الزنا على عادة الجاهليّة. (عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) : أطماعها.

[٣٥] (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : منوّرهما ومدبّرهما بحكمة بالغة. (كَمِشْكاةٍ) : كوّة غير نافذة بلغة الحبش. (كَوْكَبٌ). قيل : الزهرة. وقيل : المشتري. وقيل غيرهما من عطارد وزحل والمرّيخ. (دُرِّيٌّ) بالضّمّ بالنسبة إلى الدّرّ. وبالكسر : مضيء. (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) ؛ أي : هي بموضع لا يصيبها شرق ولا غرب. وقيل : هي شرقيّة وغربيّة تطلع عليها الشّمس وتغرب وهو أحسن ما يكون. (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) من شدّة صفاء الزّيت. (نُورٌ عَلى نُورٍ) : ضياء على ضياء. (لِنُورِهِ) : لدينه. وقيل : النور محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي كان مستودعا في صلب أبيه. وقيل : المشكاة عبد المطّلب. وقيل : المصباح عبد الله. والشّجرة إبراهيم عليه‌السلام. (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) : لا يهوديّة تصلّي إلى المغرب ولا نصرانيّة تصلّي إلى المشرق. (نُورٌ عَلى نُورٍ) : نبيّ مرسل ، يعني إسماعيل عليه‌السلام ، من نبيّ مرسل وهو إبراهيم عليه‌السلام ، وإبراهيم من نوح ، ونوح من آدم.

[٣٦] (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ). أي : هذه الزجاجة والقنديل في بيوت تبنى وتعظّم. (يُسَبِّحُ) : يصلّي. (وَالْآصالِ) : جمع أصيل ؛ وهو بعد العصر إلى المغرب.

__________________

(١) ـ د ، م : «معوزة».

٣٥٤

رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣)

[٣٧] (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ) ـ الآية. هم أهل قبا. وقد مرّ شرحها في سورة التّوبة.

[٣٩] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) : أهل مسجد ضرار. وقيل : بنو أميّة. (كَسَرابٍ). وهو ما رئي في صدر النّهار من حرّ الشمس كالماء ، والآل ما رئي في آخره. وقيل بالعكس. (بِقِيعَةٍ) : بقاع وهو المستوي من الأرض. (الظَّمْآنُ) : العطشان.

[٤٠] (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) : من لم يحكم الله له بنور الإيمان. والحكم تابع.

[٤١] (يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). التسبيح على ضربين ؛ تسبيح دلالة وتسبيح نطق ، كالسّجود. وقد مرّ شرحه في الحجّ. (صَافَّاتٍ) : قد صفّت أجنحتها للطّيران. (كُلٌّ) من المصلّين والمسبّحين.

[٤٢] (الْمَصِيرُ) : المرجع.

[٤٣] (يُزْجِي) : يسوق. (رُكاماً) : متراكما بعضه فوق بعض. (الْوَدْقَ) : المطر. (مِنْ خِلالِهِ) : من بينه. (مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) ؛ أي : من جبال السّماء إلى السّحاب ، ومن السّحاب إلى الأرض. (سَنا بَرْقِهِ) : ضوؤه. وسمّي السّحاب لانسحابه ، والبرق لبريقه.

٣٥٥

يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤) وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣)

[٤٥] (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ). لأنّ أصل الخلق كلّهم من الماء ، ثمّ قلب إلى النّار فخلق منها الجنّ ، وإلى الريح فخلق منها الملائكة ، وإلى الطّين فخلق منه آدم عليه‌السلام. (يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) : الحيّة والحوت. (عَلى رِجْلَيْنِ) : ابن آدم. (عَلى أَرْبَعٍ) ؛ كالدّوابّ. ولم يذكر ما زاد على ذلك لأنّه كالماشي على أربع في رأي العين.

[٤٩] (مُذْعِنِينَ) : خاضعين.

[٥٠] (مَرَضٌ) : شك. (أَمِ ارْتابُوا) : شكّوا.

(أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ).

يعني في الحكم في القضايا والمرافعة. وقيل : باع عليّ عليه‌السلام عثمان ضيعة لا شرب لها وعرّفه ذلك. ثمّ أراد عثمان ردّها ، فلم يجبه. فطلب عثمان المحاكمة إلى كعب الأحبار وسألها عليّ عليه‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. فبيناهما كذلك ، إذ دخل (١) النبيّ فحكم بينهما. فنزلت الآية.

[٥٢] (الْفائِزُونَ) : الظّافرون بمرادهم في الجنّة.

[٥٤] (حُمِّلَ) : كلّف.

__________________

(١) ـ ل ، م : «خرج».

٣٥٦

قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨)

[٥٤] (ما حُمِّلْتُمْ) : كلّفتم.

[٥٥] (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) ـ الآية.

محمّد وأهل بيته عليهم‌السلام. (فِي الْأَرْضِ) : مكّة. (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : بني إسرائيل في الأرض المقدّسة ومصر. وقيل : نزلت في القائم من آل محمّد عليهم‌السلام.

[٥٨] (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ـ الآية. تأديب منه تعالى ليعلّم أولادنا وعبيدنا وإماءنا أن يستأذنوا علينا في هذه الأوقات الثلاثة الّتي نخلع ثيابنا فيها للخلوة والنوم. (جُناحٌ) : إثم. (بَعْدَهُنَّ) : بعد هذه الأوقات الثلاثة. (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) ، بغير إذن.

٣٥٧

وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١)

[٦٠] (الْقَواعِدُ) : الّتي قعدت عن الحيض والحبل. (لا يَرْجُونَ نِكاحاً) : صرن عجائز. (جُناحٌ) : إثم. (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) : غير مظهرات من زينتها وأمورها ما ليس لها إظهاره. (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) : يكففن عن وضع ثيابهنّ ليتميّزن عن الإماء.

[٦١] (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) : إثم. السّبب في نزولها أنّ المسلمين كانوا إذا خرجوا إلى الجهاد خلّفوا زمناهم ومرضاهم في منازلهم وأعطوهم المفاتيح وأباحوهم الأكل منها إلى أن يرجعوا فيخرج ، فتحرّج الزّمنى والمرضى من ذلك أن يعتور أربابها الكراهية ، فنزلت الآية برفع الحرج. (الْأَعْرَجِ) : المقعد. (مِنْ بُيُوتِكُمْ) : بيوت نسائكم وأولادكم. (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ). قيل : عبيدكم. وقيل : وكلاؤكم. (جُناحٌ) : إثم. (جَمِيعاً) : مجتمعين. (أَوْ أَشْتاتاً) : متفرّقين. (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) : ليسلّم بعضكم على بعض. وقيل : على أهلكم. وقيل : إذا دخلتم المسجد ولم يكن به أحد فقولوا : السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. (تَحِيَّةً) : ملكا. حيّاك الله ؛ أي : ملّكك. والتحيّات لله : الملك له.

٣٥٨

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤)

[٦٢] (أَمْرٍ جامِعٍ) : على غزاة أو جمعة أو عيد أو مشهد من مشاهد الحرب. (شَأْنِهِمْ) : أمرهم وحالهم. (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ). استأذن دحية الكلبيّ في غزاة تبوك فأذن له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

[٦٣] (كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) : لا تدعوه باسمه يا محمّد ، بل يا نبيّ الله ، يا أبا القاسم. فكنّوه وعظّموه. (لِواذاً) : يلوذ بعضهم ببعض أي يستتر مخافة أن يراه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد من أصحابه. وهذا من تتمّة (وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ). كان يوم الجمعة يثقل على المنافقين. (عَنْ أَمْرِهِ) : عن أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقيل : الله تعالى. (عَذابٌ أَلِيمٌ) : القتل ببدر.

[٦٤] (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : في ملكه وتحت قدرته ـ جلّت عظمته.

ومن سورة الفرقان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢)

[١] (تَبارَكَ) : من البركة ؛ وهي الخير. أي : تنال البركة بذكر اسمه. وقيل : تبارك ؛ أي : تقدّس. ومعنى تقدّس أي : تطهّر. والقدس : الطّهارة. والقدّوس : الطّاهر. (الْفُرْقانَ) : القرآن. لأنّه يفرق بين الحقّ والباطل. (عَلى عَبْدِهِ) : محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

[٢] (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) : أحكمه إحكاما.

٣٥٩

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦) وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١)

[٣] (آلِهَةً) : أصناما.

[٤] (إِنْ هَذا). يعني القرآن. (إِفْكٌ افْتَراهُ) ؛ أي : كذب اختلقه. (قَوْمٌ آخَرُونَ) : فكيهة وسلمان وبشّار. وهؤلاء علموا التوراة وما جاء فيها من نعت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وصفاته فآمنوا به.

[٥] (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) : أباطيلهم. (اكْتَتَبَها) من أولئك الّذين أعانوه.

[٧] (لَوْ لا أُنْزِلَ) : هلّا أنزل.

[٨] (جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) : بستان. قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني أخي جبرئيل عليه‌السلام عن الله تعالى فقال لي : هذه مفاتيح كنوز الأرض قد جعلتها (١) لك. فقلت : يا أخي ، بل أجوع يوما فأصبر وأشبع يوما فأشكر أحبّ إليّ من ذلك. لعلّي أنال النعيم الدائم في الآخرة ولا تكدير فيه. (الظَّالِمُونَ) : الكافرون. (مَسْحُوراً) : مغلوبا على عقله. وقيل : علم السّحر حتّى صار سحرا. وقيل : معلّلا بالطّعام والشّراب.

[٩] (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) : مخرجا إلى الحقّ. وقيل : مخرجا من الأمثال الّتي ضربوها لك.

[١٠] (قُصُوراً) في الجنّة.

[١١] (سَعِيراً) : جهنّم.

__________________

(١) ـ ل : جعلها.

٣٦٠