مختصر نهج البيان

محمّد بن علي النقي الشيباني

مختصر نهج البيان

المؤلف:

محمّد بن علي النقي الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤)

[٦٢] (نَصَباً) : تعب الأبدان. والوصب : تعب القلوب.

[٦٣] (إِلَّا الشَّيْطانُ) ؛ أي : العجلة. وهذا فعل مكروه لا قبيح. لأنّه معصوم. (وَاتَّخَذَ). قيل : هو الحوت. وقيل : موسى ، حيث رجع. (فِي الْبَحْرِ عَجَباً) ؛ أي : طريفة. لأنّ الله تعالى أحيا الحوت ليلقى موسى عليه‌السلام الخضر عليه‌السلام فيتعلّم منه.

[٦٤] (عَلى آثارِهِما قَصَصاً) : يقصّان الأثر. قيل : أثر الحوت.

[٦٥] (عَبْداً مِنْ عِبادِنا). هو الخضر عليه‌السلام. سمّي بذلك لأنّه إذا صلّى في موضع لا نبات به ، اخضرّ ما حوله. أطلعه الله تعالى على بواطن أمور لم يطّلع عليها نبيّ ولا إمام. قيل : كان نبيّا. وقيل : عبدا صالحا. وكان أبوه ملكا. (مِنْ لَدُنَّا) : من عندنا.

[٦٦] (عُلِّمْتَ رُشْداً) : هداية.

[٧١] (إِمْراً) : عظيما.

[٧٣] (وَلا تُرْهِقْنِي) : لا تكلّفني. وقيل : لا تحمّلني.

[٧٤] (لَقِيا غُلاماً). هو حشور. وقيل : حنون بن كازتر (١). (زَكِيَّةً) : طاهرة. (نُكْراً) : منكرا.

__________________

(١) ـ م : «كازين».* ل : «كازير».

٣٠١

قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢) وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣)

[٧٧] (أَهْلَ قَرْيَةٍ) : أنطاكية. وقيل : أبلة. وقيل : الأيلة. (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) بهم بالسّقوط. (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً). وكان الجوع قد بلغ منهم.

[٧٩] (فَكانَتْ لِمَساكِينَ) : قوم فقراء. (وَراءَهُمْ) : قدّامهم. (مَلِكٌ). هو الجلندي. (أَنْ أَعِيبَها) ، لئلّا يأخذها الملك.

[٨٠] (يُرْهِقَهُما) : يكلّفهما ويحمّلهما.

[٨١] (خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) : أطيب وأطهر تحبّبا ورحمة.

[٨٢] (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ) : أصرم وصريم (١). (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما). قيل : كان صحفا فيه علم. وقيل : مالا. وقيل : كان فيه : «أنا الله. لا إله إلّا أنا. عجبا لمن أيقن بالموت ، كيف يضحك! ولمن أيقن بالحساب ، كيف يفرح! ولمن أيقن بالقدر ، كيف يحذر!» وصلاح أبيهما [أنّه] كان ذا أمانة. (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً). هو كاشح. وأمّهما دنيا. وقيل : رهبا (٢). والأب الصّالح الّذي حفظ كنزهما من أجله كان بينه وبينهما سبعة أجداد. وقيل : عشرة. (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) ، بل بأمر الله. (ذلِكَ تَأْوِيلُ) ؛ أي : تفسير. (ما لَمْ تَسْطِعْ) ؛ أي : ما لم تطق.

[٨٣] (ذِي الْقَرْنَيْنِ) : الإسكندر. سمّاه الملك الموكّل بجبل قاف ذا القرنين ، لأنّه سار ما بين المشرق والمغرب وما بين قرني الشّمس حتّى بلغ إلى الظّلمات. قيل : كان نبيّا. وقيل : عبدا صالحا. مات ببابل وله ستّ وثلاثون سنة. وملك أربع عشرة سنة.

__________________

(١) ـ النسخ : «أضرم وظريم».

(٢) ـ ل : «وهبا».

٣٠٢

إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧)

[٨٤] (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) : منازل في الأرض.

[٨٦] (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) : ذات حمأ. و «حامية» (١) : حارّة.

[٩٠] (سِتْراً) : شيئا يحول بينهما وبينهم من جبال أو بنيان أو غيرهما. فإذا طلعت بادروا إلى الدخول في أكنانهم ، لشدّة حرارتها.

[٩٣] (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) : الجنبين بقرب إرمينية وآذربيجان.

[٩٤] (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ). مهموزين من : أجّت النّار. مصروفان. ومن لم يصرفهما قال : اسمان عجميّان كهاروت وماروت. (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) : يأكلون النّاس وكلّ شيء يدبّ. وقيل : يفسدون. (خَرْجاً) على رءوسنا كالجزية. و «خراجا» (٢) على أرضنا وبساتيننا. (سَدًّا) : حجابا مانعا. وقيل : بالضمّ من عمل الآدميّين وبالفتح من عمل الله تعالى.

[٩٥] (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) : برجال وآلة حديد وصفر. (رَدْماً) : حائطا.

[٩٦] (زُبَرَ الْحَدِيدِ) : قطعه. (الصَّدَفَيْنِ) : جانبي الجبلين. (انْفُخُوا) عليه. (أُفْرِغْ) : أصبّ. (قِطْراً) : نحاسا مذابا.

[٩٧] (فَمَا اسْطاعُوا) : فما أطاقوا. (أَنْ يَظْهَرُوهُ) : يعلوه من فوقه. (نَقْباً) من تحته.

__________________

(١) ـ هذا قراءة ابن عامر وحمزة وأبي بكر. انظر : أنوار التنزيل ٢ / ٢٣.

(٢) ـ هذا قراءة حمزة والكسائيّ. انظر : أنوار التنزيل ٢ / ٢٥.

٣٠٣

قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)

[٩٨] (وَعْدُ رَبِّي) يوم القيامة. (دَكَّاءَ) : لاصقا بالأرض.

[٩٩] (بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) : مختلطين يتسافدون مثل تسافد الكلاب وراء الرّوم لا يجدون مخرجا. قيل : لو خرجوا لأكلوا جميع ما على وجه الأرض ولشربوا جميع المياه.

[١٠٠] (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ) : أبرزناها حتّى ينظر إليها الكفّار.

[١٠٢] (نُزُلاً) : مقاما. وأصله : ما يقام للعسكر والضّيف.

[١٠٣] (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) كالرّهبان الّذين حرّموا على أنفسهم الملاذّ والنكاح في الدّنيا ولم يحصل لهم في الآخرة شيء. وقيل : اليهود والنصارى ؛ يحسبون أنّ أفعالهم طاعة وقربة. وقيل : الخوارج.

[١٠٤] (ضَلَّ سَعْيُهُمْ) : بطل عملهم.

[١٠٥] (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) : قدرا. وقيل يريد أصغر من ذرّة ؛ وهي النملة الحمراء الصّغيرة.

[١٠٧] (الْفِرْدَوْسِ) : جنّة العنب والشّجر بلغة الرّوم.

[١٠٨] (حِوَلاً) : تحويلا.

[١٠٩] (لَنَفِدَ) : فنى. (بِمِثْلِهِ مَدَداً) : بمثل ماء البحر. قيل : إنّ معنى الآية أنّ حكم كلمات الله تعالى وفوائدها ومعانيها لا تفنى.

[١١٠] (يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) : يخاف يوم القيامة. وقيل : ثواب ربّه. (وَلا يُشْرِكْ) بل يخلص لله.

٣٠٤

ومن سورة مريم عليها‌السلام

مكّيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)

[١] (كهيعص). إعلام وتعليم. أي : إنّه كاف لخلقه ، هاد لعباده ، عالم بأمورهم وأسرارهم ، صادق في قوله وفعله ووعده. وقيل : الخطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا كريما على الله ، يا هاديا لعباده ، يا عالما بسرّه وحكمته ، يا صادقا في قوله وفعله.

[٢] (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) ؛ أي : يتلى عليك ذكره.

[٣] (نِداءً خَفِيًّا) : ناداه سرّا. قيل : أخفاه من أهله وبني عمّه وقومه.

[٤] (وَهَنَ) : ضعف. أي : كبر سنّي.

[٥] (الْمَوالِيَ) : بني العمّ. وقيل : العصبة. وقيل : الإخوة وبني العمّ. (مِنْ وَرائِي). خاف أن يرثوه. (عاقِراً) : لا تحيض ولا تحمل ولا تلد. ويقال أيضا : رجل عاقر. (مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) : من عندك ولدا صالحا.

[٦] (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ). فيه دلالة على أنّ الأنبياء يورثون. فإن قيل : العلم والنبوّة. قلت : العلم موقوف على التعلّم. والنبوّة على الله تعالى ؛ يصطفي لها من يشاء. (رَضِيًّا) : ولدا صالحا.

[٧] (سَمِيًّا). قيل : شبيها. وقيل : لم يسمّ قبله أحد بيحيى. وقيل : مثلا في الزهد والعبادة.

[٨] (عِتِيًّا) : يأسا (١).

[١٠] (اجْعَلْ لِي آيَةً) : علامة أستدلّ بها على الإجابة. (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) : من غير آفة ولا مرض. أمسك الله لسانه ثلاثة أيّام بلياليها.

[١١] (الْمِحْرابِ) : المسجد. (فَأَوْحى) : أشار (إِلَيْهِمْ) : قومه وأهله وبني عمّه. (سَبِّحُوا) : صلّوا لله تعالى واعبدوه واشكروه.

__________________

(١) ـ ل : «بلسا». ويحتمل أن يكون «يبسا» بدل «يأسا».

٣٠٥

يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥)

[١٢] (خُذِ الْكِتابَ) التوراة. (بِقُوَّةٍ) : بجدّ. (الْحُكْمَ) : الحكمة. (صَبِيًّا) : ابن ثلاث سنين.

[١٣] (وَحَناناً) : تعطّفا ورحمة. (مِنْ لَدُنَّا) : من عندنا. (وَزَكاةً) : صلاحا وطهارة من الذنوب.

[١٤] (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) : بارّا بهما ، مطيعا لهما.

(وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً) ؛ أي : متكبّرا عن عبادة الله سبحانه.

[١٦] (إِذِ انْتَبَذَتْ) : اعتزلت. (شَرْقِيًّا) : تشرق فيه الشّمس.

[١٧] (حِجاباً) تستتر فيه للغسل من الحيض.

(رُوحَنا) : جبرئيل عليه‌السلام. سمّي بذلك لأنّه جبر كلمه. وقيل : يحيى به الروح بإذن الله تعالى. (بَشَراً سَوِيًّا) : مستوي الخلقة.

[١٨] (أَعُوذُ) : ألتجئ.

[١٩] (زَكِيًّا) : طاهرا من الأفعال المذمومة.

فنفخ في جيب قميصها ، فحملت بإذن الله تعالى.

[٢٠] (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) : فاجرة.

[٢٢] (فَانْتَبَذَتْ) : اعتزلت. (قَصِيًّا) : بعيدا عن قومها وأهلها. وقيل : من زكريّا. وزوجته خالتها.

[٢٣] (فَأَجاءَهَا) : جاءها وألجأها. (الْمَخاضُ) : تحرّك الولد في بطن أمّه للخروج. (إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) ، لخروج الولد. فخرج عند استنادها إلى الجذع اليابس. واخضرّت النخلة في الحال وحملت رطبا جنيّا. فقالت لمّا ولدت : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) : شيئا حقيرا يترك فينسى ولا يذكر. تمنّته خوفا أن ترمى بالزنا.

[٢٤] (سَرِيًّا) : نهرا صغيرا يجري بالماء. وذلك لمّا احتاجت إلى الماء.

[٢٥] (جَنِيًّا) : غضّا طريّا يجتنى منه باليد. وقرئ : «رطبا برنيّا».

٣٠٦

فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨)

[٢٦] (وَقَرِّي عَيْناً) ؛ أي : طيبي نفسا. (صَوْماً) : إمساكا وصمتا. (إِنْسِيًّا) : بشرا يسألني ويخاطبني.

[٢٧] (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ). قيل : بعد أربعين يوما. (فَرِيًّا) : عظيما.

[٢٨] (يا أُخْتَ هارُونَ). هو رجل صالح. أي : يا أخته في الزهد. وقيل : أخوها من أبيها. وقيل : هو أخو موسى عليه‌السلام. لأنّها من سبطه. (بَغِيًّا) : زانية فاجرة.

[٢٩] (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) : أومأت إلى عيسى عليه‌السلام أن اسألوه يخبركم. (الْمَهْدِ) : محلّ الطّفل.

[٣١] (مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) : نفّاعا لعباده وأبرئ الأكمه والأبرص والمجذوم وكلّ ذي عاهة ومرض بإذن الله وأحيي الموتى بإذنه.

[٣٢] (وَبَرًّا بِوالِدَتِي). من البرّ ؛ وهو خلاف العقوق. أي : محبّا مكرما.

[٣٣] (وَالسَّلامُ عَلَيَّ) ؛ أي : السّلامة.

[٣٤] (قَوْلَ الْحَقِّ) ـ بالنصب ـ أي : قال قول الحقّ. وقرئ : «قال الحقّ». (يَمْتَرُونَ) : يشكّون.

[٣٦] (رَبِّي وَرَبُّكُمْ) : خالقي وخالقكم. (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) : طريق واضح دالّ على وحدانيّته تعالى.

[٣٧] (الْأَحْزابُ) : الّذين تحزّبوا في أمر عيسى حيث ظهرت على يده معجزات الله تعالى فقال قوم : هو الله ، وقال قوم : هو ابنه ، وقال قوم : ثالث ثلاثة.

[٣٨] (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) ؛ أي : ما أسمعهم وما أبصرهم! تعجّب.

٣٠٧

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١)

[٤٢] (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ). قيل : جدّه لأمّه آزر. وقيل : عمّه.

[٤٣] (صِراطاً سَوِيًّا) : طريقا مستويا مستقيما.

[٤٦] (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن سبّ الأصنام ، (لَأَرْجُمَنَّكَ) لأهجرنّك وأرمينّك بالسبّ والعيب (١). (مَلِيًّا) : طويلا من الدهر.

[٤٧] (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي). وعده بالاستغفار ، لأنّه كان وعده بالإيمان لله تعالى.

[٤٨] (وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الآلهة والأصنام.

[٥٠] (لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) : ذكرا عاليا وثناء حسنا منتشرا في الأرض.

__________________

(١) ـ ل : «العتب».

٣٠٨

وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)

[٥٢] (الطُّورِ) : الجبل. (نَجِيًّا) : مناجيا.

[٥٤] (إِسْماعِيلَ). هو ابن هلقايا. (صادِقَ الْوَعْدِ). كان قد قال له ذو الكفل : مكانك إلى أن أرجع إليك. فنسي ذو الكفل الموعد. فبقي إسماعيل سنة يعبد الله تعالى إلى أن عاد ذو الكفل فقال : متى كان قدومك؟ قال : لم أزل هاهنا من حين رأيتك. فأثنى الله عليه.

[٥٦] (إِدْرِيسَ). سمّي بذلك لكثرة درسه ؛ واسمه أخنوخ. وهو أوّل من خطّ بالقلم وأتى بالحساب اليونانيّ وخاط الثياب وبنى المدن.

[٥٧] (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) إلى السّماء عند ملائكتنا. وكذلك رفع إلى السّماء إلياس وعيسى عليهما‌السلام.

[٥٨] (وَإِسْرائِيلَ) : يعقوب بن إسحاق. (اجْتَبَيْنا) : اصطفينا. (خَرُّوا) : سقطوا على وجوههم. (سُجَّداً وَبُكِيًّا) ، تقرّبا إلى الله تعالى وتخوّفا منه. هذه من سجدات القرآن المستحبّة.

[٥٩] (غَيًّا) : ضلالا.

[٦١] (مَأْتِيًّا) : آتيا.

[٦٢] (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) : على مقدار ساعات اللّيل والنّهار. إذ لا هناك ليل ولا نهار.

٣٠٩

رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦)

[٦٥] (سَمِيًّا) : مثلا ونظيرا. وقيل : لم يسمّ بالله وبالرّحمن غيره.

[٦٨] (لَنَحْشُرَنَّهُمْ) : لنجمعنّهم. (جِثِيًّا) : جمع جاث على الركب ، لا يستطيعون القيام ممّا هم فيه.

[٦٩] (عِتِيًّا) : جمع عات.

[٧٠] (أَوْلى بِها صِلِيًّا) : أحقّ بالنار شيّا.

[٧١] (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها). قيل : يمرّ على جسرها وهو الصراط يمرّ عليه المؤمن والكافر.

فالمؤمن يمرّ عليه كالبرق الخاطف. والكافر يمرّ عليه خائفا مضطربا متزلزلا حتّى يحاذي مكانه من جهنّم فيسقط فيه. (حَتْماً) : واجبا.

[٧٢] (وَنَذَرُ) : نترك.

[٧٣] (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ). يعني المؤمنين والكافرين. (نَدِيًّا) : مجلسا.

[٧٤] (أَثاثاً وَرِءْياً). الأثاث : متاع البيت.

وقيل : المال أجمع. و (رِءْياً) : هيئة ومنظرا ونعمة.

[٧٥] (وَأَضْعَفُ جُنْداً) ؛ أي : أنصارا.

[٧٦] (الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ). مرّ شرحها في الكهف.

٣١٠

أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥)

[٧٧] (الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا) : العاص بن وائل السّهميّ.

[٨٣] (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) : تغريهم على المعاصي.

[٨٥] (وَفْداً) : جمع وافد. أي : تجمعهم ركبانا إلى الجنّة على نوق الجنّة.

[٨٦] (وِرْداً) : عطاشى. جمع وارد : [الذي] يرد الماء.

[٨٧] (عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً). هو أن يحسن وصيّته عند الموت.

[٨٩] (إِدًّا) : منكرا ثقيلا.

[٩٠] (يَتَفَطَّرْنَ) : يتشقّقن. (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) : تسقط سقوطا.

٣١١

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨)

[٩٦] (وُدًّا) : محبّة ومودّة في قلوب المؤمنين.

[٩٧] (يَسَّرْناهُ) ؛ أي : القرآن. (بِلِسانِكَ) ؛ أي : بلسان العرب الفصح حتّى أنّ الأعجميّ لا يتلوه إلّا كما أنزل. (لُدًّا) : شديد الخصومة. جمع ألدّ.

[٩٨] (رِكْزاً) : صوتا خفيّا.

ومن سورة طه

مكّيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢)

[١] (طه). قيل : يا رجل (١). وقيل : طأ الأرض بقدميك. من : وطئ يطأ. والمأمور بذلك موسى عليه‌السلام.

[٢] (لِتَشْقى) : لتتعب. وقيل : صلّى حتّى ورمت قدماه. وقيل : عيّره أبو جهل بالصّلاة وتلاوة القرآن.

[٣] (يَخْشى) : يخاف الله.

[٥] (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) : استولى. والعرش أعظم مخلوقات الله تعالى. وقيل : العرش الملك.

[٦] (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) ـ الآية. أي : في ملكه وتحت تدبيره وفي قبضته. (وَما تَحْتَ الثَّرى) : الأرض السّفلى. وقيل : التراب الّذي تحت الأرض ، والسّمك والثور والماء والصّخرة.

[٧] (السِّرَّ) : ما أسررته إلى غيرك. (وَأَخْفى) من السّرّ : ما حدّثت به نفسك. وقيل : الوسوسة.

[٩] (وَهَلْ أَتاكَ) : قد أتاك.

[١٠] (امْكُثُوا) : البثوا وأقيموا. (آنَسْتُ) : أبصرت. (بِقَبَسٍ) : شعلة من النّار.

[١٢] (الْمُقَدَّسِ) : المطهّر. (طُوىً) : اسم الوادي. وقيل : سمّي به لأنّه طوي بالبركة. موضع بالشّام. ومن لم يصرفه ، جعله بقعة. (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) الّذي خلق النّار والنور والكلام الّذي سمعته. (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) ، للبركة. وقيل : على سبيل الخضوع. وقيل : صارتا عقربين معجزة له.

__________________

(١) ـ في جميع النسخ زيادة : «وقيل : أمر بخلع نعليه فصارتا عقربتين معجزا له وكرامة. وقيل : للبركة. وقيل : على سبيل الخضوع».

٣١٢

وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧)

[١٥] (أَكادُ أُخْفِيها) : أظهرها وأسترها. وهو من الأضداد. والمراد هنا أظهرها ؛ أي : أزيل عنها خفاها. وقرئ بفتح الهمزة وكسرها.

[١٦] (فَتَرْدى) : فتهلك.

[١٨] (أَتَوَكَّؤُا) : أعتمد. (وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) : أضرب بها الورق من الشّجر لغنمي. (مَآرِبُ) : حوائج. سؤال تقرير لئلّا يخاف منها إذا صارت حيّة وليعلم أنّها آية من الله ومعجزة.

[٢١] (لا تَخَفْ). لأنّه خاف منها بالطّبع البشريّ. (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) : عصا كما كانت.

[٢٢] (إِلى جَناحِكَ) : تحت إبطك أو عضدك.

(تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) : برص ولا مرض. قيل : أخرج يده من تحت مدرعته كشعاع الشّمس فأخذت الأبصار بضوئها.

[٢٣] (مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) : العجيبة العظيمة.

[٢٤] (طَغى) : ترفّع وعلا حتّى جاوز الحدّ في الكفر. ومنه قوله تعالى : (لَمَّا طَغَى الْماءُ)(١) ؛ أي : علا وارتفع.

[٢٥] (اشْرَحْ) : أوسع.

[٢٧] (عُقْدَةً) : حبسة كانت في لسانه عليه‌السلام.

[٢٨] (يَفْقَهُوا) : يعلموا ويفهموا.

[٢٩] (وَزِيراً مِنْ أَهْلِي). الوزارة مأخوذة من الوزر ؛ وهو الثقل. كأنّ الوزير يحمل الأثقال عن السّلطان.

[٣١] (أَزْرِي) : ظهري.

[٣٦] (أُوتِيتَ سُؤْلَكَ) : أعطيت طلبتك.

__________________

(١) ـ الحاقّة (٦٩) / ١١.

٣١٣

إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١)

[٣٨] (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ) : ألهمناها.

[٣٩] (أَنِ اقْذِفِيهِ) : ألقيه واتركيه. (الْيَمِّ) : البحر. (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي). قيل : ما رآه ذو عينين إلّا أحبّه. (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) : لتربى وتغذّى بمرأى منّي.

[٤٠] (يَكْفُلُهُ) : يعوله. (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ). لمّا قذفه الماء إلى بستان فرعون وأخذ من التابوت وعرض على كلّ مرضعة فلم يرضع ، فدلّتهم أخته على من يكفله ـ وهي أمّه ـ فرضع منها وفرحوا بذلك. (وَقَتَلْتَ نَفْساً) : القبطيّ الّذي وكزه موسى ؛ أي : ضرب صدره بجميع كفّه. (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) : امتحنّاك واختبرناك. (فَلَبِثْتَ) : أقمت (سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) ، حيث جئتهم هاربا لمّا قتلت القبطيّ وتزوّجت بابنة شعيب. (عَلى قَدَرٍ) ؛ أي : جئت لوقت.

[٤٢] (بِآياتِي) : معجزاتي. (وَلا تَنِيا) : لا تضعفا.

[٤٤] (قَوْلاً لَيِّناً) : كنّياه بكنيته. قولا له : يا أبا العبّاس.

[٤٥] (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) : يعجل بالعقوبة.

[٥٠] (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) : صورته وهيئته. (ثُمَّ هَدى) : هداه لمعيشته. وقيل : هدى الذكر إلى الأنثى. وقيل : هداه للمرعى.

[٥١] (فَما بالُ) : حال. (الْقُرُونِ الْأُولى) : الأمم السّالفة.

٣١٤

قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤)

[٥٢] (فِي كِتابٍ) : في اللّوح المحفوظ.

[٥٣] (مَهْداً) : فراشا. (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) : أدخل لكم فيها طرقا. (نَباتٍ شَتَّى) : مختلف الألوان والطّعوم.

[٥٤] (لِأُولِي النُّهى) : أصحاب العقول. مفردها نهية.

[٥٦] (آياتِنا كُلَّها) : تسع الآيات. وقد مرّ شرحها في الأعراف. (وَأَبى) : امتنع.

[٥٨] (مَكاناً سُوىً) : وسطا بين الموضعين.

[٥٩] (يَوْمُ الزِّينَةِ) : يوم عيد كان لهم. (وَأَنْ يُحْشَرَ) : يجمع.

[٦٠] (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) : السّحرة لإلقاء حبالهم وعصيّهم في واد لهم عند ارتفاع الشّمس واشتداد الحرّ لأنّهم حشوا العصيّ والحبال الزيبق فحميت وسعت وقالوا له : هذه أعظم من حيّتك. فألقى عصاه فإذا هي ثعبان عظيم فابتلعت جميع ذلك وكانوا ثمانين ساحرا.

[٦١] (لا تَفْتَرُوا) : لا تختلقوا. (فَيُسْحِتَكُمْ) : فيهلككم ويستأصلكم. (مَنِ افْتَرى) ؛ أي : اختلق الكذب.

[٦٢] (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) : أخفوا الحديث.

[٦٣] (إِنْ هذانِ). قيل : بمعنى نعم. وقيل : على لغة من يثنّي بالألف على كلّ حال. وقال الكوفيّون : (إِنْ) مخفّفة بمعنى ما. واللّام بمعنى إلّا. أي : ما هذان إلّا. (بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى). الطريقة : الأشراف. والمثلى : جمع الأمثل. وقيل : بسنّتكم. والمثلى تأنيث الأمثل.

٣١٥

قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦)

[٦٧] (فَأَوْجَسَ) : أضمر.

[٧٠] (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً). لمّا أخبروا شيخهم ـ وكان اسمه حطحط وكان أعمى ـ بابتلاع عصا موسى لسحرهم قال : أكبر بطنها؟ قالوا : لا. فقال : هذا ليس بسحر. وإنّما هو أمر إلهيّ. فسجدوا عند ذلك.

[٧١] (مِنْ خِلافٍ) : اليد اليمنى والرجل اليسرى. (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) : على جذوعها.

[٧٢] (لَنْ نُؤْثِرَكَ) : نفضّلك ونختارك. (مِنَ الْبَيِّناتِ) : المعجزات والدلائل.

[٧٦] (مَنْ تَزَكَّى) : تطهّر من الذنوب.

٣١٦

وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧)

[٧٧] (أَنْ أَسْرِ) ليلا. (دَرَكاً) : لحاقا من فرعون. (وَلا تَخْشى) من الغرق. فضرب البحر بعصاه فانفرق اثني عشر دربا ، فعبر كلّ سبط من درب.

[٧٨] (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ). وصعد موسى بأصحابه منه. (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ) : البحر (ما غَشِيَهُمْ). أرسل الله عليهم البحر كما كان فغرقوا. وظهر فرعون بدرعه على الماء وكان من لؤلؤ ، فعرفه بنو إسرائيل. ثمّ أغرقه الله تعالى.

[٨٠] (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ) : الجبل ، لإعطاء التوراة. (الْمَنَّ) : العسل. وقيل : الترنجبين. (وَالسَّلْوى) : الطائر كالسّمانى.

[٨١] (غَضَبِي) : سخطي وعقابي. (فَقَدْ هَوى) : هلك.

[٨٢] (ثُمَّ اهْتَدى) : بقي على الاهتداء إلى أن مات.

[٨٥] (فَتَنَّا قَوْمَكَ) : اختبرناهم. (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) : زيّن لهم عبادة العجل وكان من قوم يعبدون البقر.

[٨٦] (أَسِفاً) : حزينا.

[٨٧] (بِمَلْكِنا) : بطاقتنا. (أَوْزاراً) : أثقالا. (مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) : من حليّهم الذهب الّذي غنموه من فرعون وأصحابه فأمرهم موسى بدفنه فعلمه السّامريّ. (فَقَذَفْناها) : ألقيناها ورميناها.

٣١٧

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨)

[٨٨] (لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً) : مصوّرا مصوّغا (١). (لَهُ خُوارٌ) : صوت البقر. احتال السّامريّ لإدخال الريح فيه. وقيل : قبض قبضة من أثر فرس جبرئيل يوم عبر البحر وألقاه في فم العجل فحيي بإذن الله تعالى. وهو معنى قوله : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ). يعني ما أخذه من أثر فرس جبرئيل عليه‌السلام.

[٨٩] (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً). يعني العجل.

[٩٠] (إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) : اختبرتم وابتليتم.

[٩١] (عاكِفِينَ) : مقيمين على عبادته.

[٩٤] (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي). قيل : جرّه إليه ليسرّ إليه شيئا أراده. وقيل : تحنّنا وإشفاقا ، لما رأى من حزنه وندمه على استخلاف السّامريّ عليهم. (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) : أمري.

[٩٥] (فَما خَطْبُكَ) : شأنك فيما فعلت؟ وكيف فعلت؟

[٩٦] (قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) : قبضة تراب من أثر فرس جبرئيل. وعلمه أنّه أثره لأنّه كان يسمع من موسى أنّ أثره تخضرّ به الأرض ، فعرفه بذلك. (فَنَبَذْتُها) : ألقيت تلك القبضة في فم العجل. (سَوَّلَتْ) : حسّنت وزيّنت.

[٩٧] (لا مِساسَ) : لا مماسّة لأحد معك ؛ عقوبة لما فعلت. أي : لا مخالطة لك بأحد من البشر إلى يوم القيامة. وفيه يدخل النّار. وكان من عظماء بني إسرائيل. وقيل : كان ابن عمّ موسى عليه‌السلام من قرية كانت تسمّى سمرة. وكان اسمه ميحا بالنبطيّة. (عاكِفاً) : مقيما على عبادته. (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالنّار. وبالتخفيف : لنبردنّه بالمبرد. (ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) : لنذرينّه في البحر. ففعل ذلك وأمرهم موسى عند ذلك أن يشربوا من البحر الّذي نسفه فيه. فمن كان في قلبه حبّ العجل ، خرج الذّهب على شاربه. وذلك قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ)(٢) ؛ أي : حبّ العجل.

__________________

(١) ـ ما أثبتناه في المتن من نهج البيان. ولكن في النسخ : «مصوّرا صورة لا روح فيها يعيد».

(٢) ـ البقرة (٢) / ٩٣.

٣١٨

كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣)

[١٠٠] (وِزْراً) : ثقلا من الإثم.

[١٠١] (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) : قبح ذلك الحمل الّذي هو الوزر حملا ؛ أي : من حمل.

[١٠٢] (فِي الصُّورِ). قيل : قرن يشبه البوق من شفره إلى شفره خمسمائة عام ينفخ فيه إسرافيل ثلاث نفخات للفزع وللصّعق وللبعث. وقيل : بين النفخة والنفخة أربعون سنة. وقيل : نفختان للصّعق وللبعث. (زُرْقاً) : زرق العيون. وقيل : بيضها. وقيل : عطاشى.

[١٠٣] (يَتَخافَتُونَ) : يتسارّون. (إِلَّا عَشْراً) : عشر ليال في الدّنيا. وقيل : في القبور.

[١٠٤] (أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) : أعدلهم وأرجحهم عقلا وأصوبهم رأيا.

[١٠٥] (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ (١) يَنْسِفُها) : يقلعها تصير كالدقيق والسّويق.

[١٠٦] (قاعاً صَفْصَفاً) : أرضا ملساء مستوية.

[١٠٧] (عِوَجاً) : أودية. (وَلا أَمْتاً) : روابي وآكام.

[١٠٨] (يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) ؛ أي : صوته. (إِلَّا هَمْساً) : صوتا خفيفا (٢) مثل صوت الأقدام في المحشر.

[١١١] (وَعَنَتِ) : خضعت وذلّت.

[١١٢] (هَضْماً) : نقصا من حسناته.

[١١٣] (وَصَرَّفْنا) : بيّنّا.

__________________

(١) ـ ما أثبتناه من القرآن الكريم ولكن في النسخ : «الآية».

(٢) ـ ل : خفيّا.

٣١٩

فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤) وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥)

[١١٥] (فَنَسِيَ) : فترك. (عَزْماً). صبرا. وقيل : رأيا معزوما عليه. وقيل : شرعا يعمّ تكليفه الأمّة.

[١١٨] (أَلَّا تَجُوعَ فِيها) : في الجنّة.

[١١٩] (لا تَظْمَؤُا) : لا تعطش. (تَضْحى) : تصيبك الشّمس.

[١٢٠ ـ ١٢٣] (شَجَرَةِ الْخُلْدِ) إلى قوله : (يَشْقى). مرّ تفسيره في البقرة والأعراف.

[١٢١] (فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما). مرّ شرحه في الأعراف. (فَغَوى) : فخاب.

[١٢٢] (اجْتَباهُ) : اصطفاه.

[١٢٤] (ضَنْكاً) : ضيّقة. وقيل : يسلبه الله تعالى القناعة.

٣٢٠