مختصر نهج البيان

محمّد بن علي النقي الشيباني

مختصر نهج البيان

المؤلف:

محمّد بن علي النقي الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١) إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)

[١٤١] (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) : ينتظرون ويرتقبون. (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) : ألم نغلب على أموركم ونستولي على رأيكم.

[١٤٢] (يُخادِعُونَ اللهَ) : يخالفونه ويمكرونه ويظهرون خلاف ما يضمرون. (وَهُوَ خادِعُهُمْ) : مجازيهم. (يُراؤُنَ النَّاسَ) : يصلّون للرئاء.

[١٤٣] (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) : بين المؤمنين والكافرين. (لا إِلى هؤُلاءِ) : المؤمنين. (وَلا إِلى هؤُلاءِ) : الكافرين. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) : يحكم بضلالته وعقابه ، (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) : مخرجا من ذلك. نزلت في بني أبيرق المنافقين.

[١٤٥] (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ). الدرك لما سفل ، والدرج لما علا وارتفع. قيل : الدرك توابيت مغلقة عليهم الأبواب لها دركات ؛ أي : طبقات بعضها فوق بعض.

١٠١

لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤)

[١٤٨] (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ). السّبب فيها أنّ رجلا استضاف قوما فقصّروا في حقّه فخرج وذمّهم وأذاع ما فعلوه من التقصير.

[١٥٤] (الطُّورَ) : الجبل.

١٠٢

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢)

[١٥٥] (قُلُوبُنا غُلْفٌ) : في أغطية عمّا تقول يا محمّد. نزلت في اليهود. (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) ؛ أي : شهد وختم وحكم بأنّهم لا يؤمنون.

[١٥٦] (عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً). هو قذف اليهود لها بالزّنا. يقال : بهته بهتانا عظيما ؛ إذا قال عليه ما لم يفعله.

[١٥٧] (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ). لمّا هرب من الطّاغية ، دلّ عليه يهودى. فألقى الله شبه عيسى عليه. فصلبوه وهو يقول : ما أنا عيسى.

[١٥٩] (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) : اليهود والنصارى. (إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) : بعيسى بن مريم أنّه نبيّ مخلوق كآدم وأنّه لم يقتل. (قَبْلَ مَوْتِهِ) : عند نزوله من السّماء عند قيام القائم من آل محمّد فيؤمن بالقائم ويصلّي خلفه.

[١٦٠] (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ). هو قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ)(١).

[١٦٢] (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) : الثابتون فيه.

__________________

(١) ـ الأنعام (٦) / ١٤٦.

١٠٣

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥) لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠)

١٠٤

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)

[١٧١] (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) : لا تجاوزوا الحدّ ولا ترتفعوا من الحقّ. (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ). قوله : (كُنْ فَيَكُونُ)(١). (وَرُوحٌ مِنْهُ) ؛ أي : يحيي به الله الأرواح الميّتة إذ دعا الله بإحيائها. وقيل : صار بنفخ روح الله جبرئيل في درع أمّه بأمر الله والفاعل لذلك الله ؛ لقوله : (كُنْ فَيَكُونُ). (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ). قالت النصارى في الله وعيسى : أب وابن وروح القدس. (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ). تنزيه له عن ذلك.

[١٧٢] (لَنْ يَسْتَنْكِفَ) : لن يأنف. (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) ؛ مثل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، وهم عبيد الله تعالى.

[١٧٤] (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ). هو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (نُوراً مُبِيناً) : القرآن الكريم.

__________________

(١) ـ آل عمران (٣) / ٥٩.

١٠٥

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)

[١٧٦] (فِي الْكَلالَةِ). هم الإخوة والأخوات مطلقا. وهي هنا من قبل الأب والأمّ أو الأب ، وفي أوّل السّورة من قبل الأمّ. (هَلَكَ) : مات. (فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) والباقي يردّ عليها بآية أولي الأرحام. (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) والباقي يردّ عليهما كذلك. (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). لأنّهم من كلالة الأب والأمّ أو الأب. ولو كانوا من كلالة الأمّ ، كانوا على السّواء. (أَنْ تَضِلُّوا) : لئلّا تضلّوا. وآية أولي الأرحام قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)(١) ؛ أي : القريب منهم أحقّ بالميراث ممّن بعد بدرجات أو بدرجة.

ومن سورة المائدة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢)

مدنيّة. نزلت على النبيّ بالمدينة معها سبعون ألفا من الملائكة يحفّونها حفّا. وبقي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد نزولها أحدا وثمانين يوما ثمّ توفّي إلى دار الكرامة.

[١] (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) : بالعهود الّتي بينكم وبين المشركين. وقيل : الّتي يتعاقدها النّاس من بيع ونكاح وغيرهما. وقيل : بالفرائض وبما أوجب الله تعالى وأحلّ وحرّم. وقيل : العقد لا يكون إلّا بين اثنين ، وقد ينفرد الواحد بالعهد ، فالعهد أعمّ. (بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) : كلّ حيّ لا يميّز. وأضافها إلى الأنعام للبيان ؛ مثل ثوب خزّ. ومعناه : البهيمة من الأنعام. وقيل : كلّ ذات أربع من دوابّ البرّ والبحر. وقيل : الأنعام الثلاثة. وقيل : حمير الوحش : والظّباء. (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) من الميتة والدّم ولحم الخنزير وما يذكر بعد ذلك في الآية. (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) : محرمون بحجّة أو بعمرة.

[٢] (شَعائِرَ اللهِ) : مناسكه وحدوده فيما أحلّ وحرّم. (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) : لا تقاتلوا فيه. (وَلَا الْهَدْيَ) : هدي المشركين إلى الكعبة. نهاهم أن يتعرّضوا له. (وَلَا الْقَلائِدَ). هي الإبل المقلّدة في أعناقها من لحا شجر الحرم يفعلها العرب في الجاهليّة في السّفر لتأمن به. (آمِّينَ) : قاصدين. (الْبَيْتَ الْحَرامَ). سمّي الحرام لحرمته. وقيل : منسوخة بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا)(٢). (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) : لا يكسبنّكم. وقيل : لا يحملنّكم. (شَنَآنُ قَوْمٍ) : بغضهم. (أَنْ تَعْتَدُوا) على من حجّ البيت فتصدّوهم عنه كما صدّوكم. (وَإِذا حَلَلْتُمْ) من إحرامكم بقضاء مناسككم. (الْبِرِّ وَالتَّقْوى). البرّ : الطّاعة. والتّقوى : خوف الله.

__________________

(١) ـ الأنفال (٨) / ٧٥.

(٢) ـ التوبة (٩) / ٢٨.

١٠٦

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣) يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥)

[٣] (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) إلّا ما ورد الشّرع بإباحته منها ؛ كالسّمك والجراد والعظم والقرن والصّوف والشّعر والوبر والريش. (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) ؛ أي : ذكر عليه عند الذبح غير اسم الله تعالى. والإهلال : رفع الصّوت. (وَالْمُنْخَنِقَةُ) : الّتي تموت في خناقها. وقيل : الّتي تخنق حتّى تموت. (وَالْمَوْقُوذَةُ) : المضروبة بنحو خشب أو حجر حتّى تموت. من : وقذته ؛ إذا ضربته. (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) : الّتي تقع من موضع عال فتموت. (وَالنَّطِيحَةُ) : التي تنطح فتموت. (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) : إلّا ما ذبحتم وهو حيّ حياة مستقرّة. (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) : الأصنام الّتي نصبوها للعبادة وكانوا يتقرّبون بذلك إليها. وقيل : حجارة يذبحون بها إلى الأصنام. (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا) : تطلبوا الرزق. (بِالْأَزْلامِ) : السّهام الّتي كانوا يقامرون بها وهي عشرة ؛ مع أنّ المقامر لا يأخذ من قمره شيئا بل ينهبه النّاس ، ولو أخذ منه شيئا عيب عليه وعيّر. وكان الكلّ في الجاهليّة حلالا عندهم فنهوا عنه. (فِي مَخْمَصَةٍ) : مجاعة. (مُتَجانِفٍ) : مائل. (لِإِثْمٍ) ؛ أي : لصيد بطرا للهو واللّعب. فلا إثم عليه إلّا في هذه الحالة ولو اضطرّ.

[٤] (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) : الحلال المذكّى من الصّيد. (مُكَلِّبِينَ) : أصحاب الكلاب. (تُعَلِّمُونَهُنَّ) بالإغراء بالصّيد والتأديب ؛ وهو إذا أشلي بالصيد ذهب وإذا زجر انزجر وما يأكل ممّا يقتله شيئا. (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ). وإذا أكل الكلب صيدا لم يحلّ ؛ لأنّه إنّما أمسكه لنفسه.

[٥] (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) : الحلال. (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : اليهود والنصارى الّذين أسلموا ؛ كعبد الله بن سلام. وسمّاهم به بعد الإسلام لأنّهم عرفوا به. وقيل : ذبائح اليهود والنصارى. وهو متروك. وقيل : حبوبهم الّتي تؤكل دون المائعات. (حِلٌّ لَكُمْ) : حلال. (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) : العفائف الحرائر. (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ). أي : أهل الذّمّة الحرائر. (أُجُورَهُنَّ) : ما يعقد به عليهنّ. وقيل : يريد نكاح المتعة وملك اليمين لا الدوام (١). شرح في سورة النساء. (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) ـ الآية. نزلت في تحليل نساء أهل الكتاب ففرحن وقلن : رضي الله عنّا. فنزل : (وَمَنْ يَكْفُرْ) ـ الآية. ومن لم يجوّز العقد عليهنّ مطلقا ، احتجّ بقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)(٢). ومن أجازه مطلقا ، احتجّ بالإطلاق.

__________________

(١) ـ في جميع النسخ زيادة : «مُحْصَناتٍ : حرائر عفائف. غَيْرَ مُسافِحاتٍ : غير زانيات. وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ». انظر : النساء (٤) / ٢٤ و ٢٥.

(٢) ـ البقرة (٢) / ٢٢١.

١٠٧

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩)

[٦] (إِلَى الْمَرافِقِ) ؛ أي : مع المرافق. (إِلَى الْكَعْبَيْنِ). هما الناتئان في وسط القدم. وإن كان الإنسان على وضوء قبل دخول وقت الصّلاة ، فمعه يستحبّ الوضوء ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وضوء على وضوء ، نور على نور. (فَاطَّهَّرُوا) ؛ أي : فاغتسلوا. (الْغائِطِ). مرّ شرحه في سورة النساء. (لامَسْتُمُ النِّساءَ) : نكحتموهنّ. (فَتَيَمَّمُوا) : اقصدوا. (صَعِيداً) : ترابا. (طَيِّباً) : طاهرا مباحا. (مِنْ حَرَجٍ) ؛ أي : من ضيق في الدّين.

[٨] (قَوَّامِينَ لِلَّهِ) بما أمركم من التكليف وما نهاكم عنه. (بِالْقِسْطِ) : بالعدل.

١٠٨

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣)

[١٢] (أَخَذَ اللهُ)(١)(مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) على ما كلّفناهم على ألسنة رسلنا من الإقرار بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والتصديق له. (اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) : رئيسا ينقب عن مصالح رعيّته وتدبيرهم. وقيل : شهيدا. وقيل : أمينا. قيل : أطاع منهم خمسة وعصى سبعة. وهم الّذين بعثهم موسى عليه‌السلام إلى الجبّارين. (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) : عظّمتموهم. وقيل : نصرتموهم وأعنتموهم. (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) : قدّمتم إحسانا. (لَأُكَفِّرَنَّ) : لأغفرنّ. (سَواءَ السَّبِيلِ) : وسط الطريق.

[١٣] (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) : من اليهود. وخانوا ما أخذ ميثاقهم عليه من صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والبشارة به والتصديق له.

__________________

(١) ـ جميع النسخ : «أخذنا» بدل «أَخَذَ اللهُ».

١٠٩

وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)

[١٤] (أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) بما جاء في الإنجيل من صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والبشارة به والتصديق له. (فَنَسُوا حَظًّا) : نصيبا. (فَأَغْرَيْنا) : خلّينا بينهم ، فلا تجد إلى يوم القيامة أحدا من القبيلتين يحبّ الآخر.

[١٥] (مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) ؛ يعنى : التوراة. أي : من الأحكام الّتي كتمتموها من تصديق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والبشارة به ومن آية الرجم للمحصن والمحصنة وغير ذلك. (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ؛ أي : لا يخبركم به.

[١٦] (سُبُلَ السَّلامِ) : طرقه ؛ أي : طرق الخير والجنّة.

[١٧] (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) : كفروا بوصفهم إيّاه بصفة الإله القديم الخالق ، وهو مخلوق يأكل ويشرب.

١١٠

وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣)

[١٩] (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) : على انقطاع منهم عنكم. وزمان الفترة بين عيسى ومحمّد عليهما‌السلام مائة وستّ وستّون سنة. وقيل : ستمائة سنة.

[٢٠] (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً). قيل : من ملك دارا وزوجة وخادما وعنده ما يحتاج إليه ، فهو ملك. وقيل : (مُلُوكاً) : أحرارا بعد أن كنتم عبيدا لفرعون فأغرقه وأورثكم ملك مصر مكانه. (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً) من المنّ والسّلوى والحجر الّذي كان معهم في التيه. وقد مرّ شرحه في سورة البقرة.

[٢١] (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا) : تنقلبوا إلى الكفر وترجعوا إليه كما كنتم فيه.

[٢٢] (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) ، ومن جملتهم عوج بن عناق. قيل : كان يخوض البحر ويخرج منه الحوت فيشويه في عين الشّمس ويأكله. وكان رأسه يحاذي السّحاب المسخّر بين السماء والأرض. فقتله موسى عليه‌السلام. روي أنّ طول عوج بن عناق كان ثلاثة آلاف ذراع بذراع أهل زمانه. وكان طول موسى عليه‌السلام عشرا بذراعه وكذا طول عصاه ونزا عن الأرض عشرا فضرب عوجا في كعبه فقتله. فالجبّار هاهنا هو القويّ العظيم الجسيم. أي : قوما عظاما جساما.

[٢٣] (قالَ رَجُلانِ). قيل : موسى وهارون عليهما‌السلام. وقيل : يوشع بن نون وكالب بن لوقيا ؛ وهما من نسل يعقوب عليه‌السلام.

١١١

قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٦) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠) فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١)

[٢٥] (وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) الّذين خرجوا عن طاعته. فابتلاهم الله حيث عصوا موسى بالتيه في أرض فلسطين ثمانية فراسخ برّيّة قفرا لا ماء بها ولا نبات. وقد مضى شرحه في البقرة.

[٢٦] (يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ). سنذكره في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى.

[٢٧] (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً). جرت بينهما مفاخرة ومنافرة في أمر. وكان من سنّتهم تقريب القرابين ؛ فالمقبول ينزل عليه نار من السّماء فتحرقه ، وغيره يبقى. فقرّب هابيل كبشا وكان ذا ماشية ، وقابيل كدس طعام وكان ذا زرع. (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما) : من هابيل. نزلت النار فأحرقت الكبش. (وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) وبقي الطّعام بحاله. فحسده قابيل على ذلك. (قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ). حلف ليقتلنّه. قال هابيل : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

[٢٩] (أَنْ تَبُوءَ) : ترجع. (جَزاءُ الظَّالِمِينَ) : المقدمين على ما حرّم الله.

[٣٠] (فَطَوَّعَتْ) : زيّنت وحسّنت. (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) في الدّنيا والآخرة.

[٣١] (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي) : يغطّي (سَوْأَةَ أَخِيهِ). لمّا قتله ، جلس عنده متحيّرا لا يدري ما يصنع به. فبعث الله غرابين ـ قيل : كانا ملكين في صورة غرابين. وقيل : كانا غرابين على الحقيقة ـ فقتل أحدهما الآخر وبحث القاتل في الأرض حفيرة وغطّاه بالتّراب ؛ وقابيل ينظر إلى ذلك ، ففطن وفعل مثله.

١١٢

مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢) إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦)

[٣٢] (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) ؛ أي : كأنّ النّاس خصومه في كونه قاتلا ظلما. وقيل : ذلك في قتل نبيّ أو إمام عادل ؛ لعموم الضّرر في القتل والنفع في الإحياء. وقيل : عليه إثم كلّ قاتل من النّاس. لأنّه سهّل عليهم القتل وسنّه لهم.

[٣٣] (يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) : يتعدّون حدوده. وقيل : يحاربون أولياءه. (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) من إشهار السّلاح وإخافة الطّريق. (أَنْ يُقَتَّلُوا) ، إن قتلوا. (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) ، إذا أخذوا المال ولم يقتلوا ؛ اليد اليمنى في أوّل مرّة ، والرجل اليسرى في الثانية. فإن فعل ثالثة خلّد في السّجن. (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) ، إن أخاف السّبل فقط. قيل : معنى النفي يتركون في الحبوس والطّوامير. وقيل : يغرقون في البحر. وقيل : ينفون من بلد إلى بلد ولا يمكّنون من دخول بلد الشّرك إلّا أن يتوبوا.

[٣٥] (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) : التقرّب بعمل الخير والطّاعة.

١١٣

يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٧) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٤١)

[٣٨] (نَكالاً مِنَ اللهِ) : عقوبة. وتقطع الأصابع الأربع ويترك الإبهام والراحة ليستعين بها على الوضوء والصّلاة. وقطع الرجل من المفصل من وسط القدم ويترك العقب ليمشي عليه ويقوم عليه في الصّلاة.

[٤١] (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) : دخلوا في دين اليهوديّة. (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) ؛ أي : سمّاعون كلامك لا لينقلوه عنك ، بل ليكذبوا عليك. (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) من اليهود (لَمْ يَأْتُوكَ) ، بل أنفذوا هؤلاء المتجسّسين.

والمرسلون أهل خيبر. (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) : كلم التوراة. (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) الّتي اقتضت الحكمة الإلهيّة أن يكون هو مواضعه. ومن جملة ما حرّف الخيبريّون آية الرجم ووضعوا مكانها الجلد وقد زنا منهم رجل وامرأة شريفان. (يَقُولُونَ) ـ يعني يهود خيبر ليهود يثرب السّائلين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : (إِنْ أُوتِيتُمْ) في جواب السّؤال عن الزانيين المحصنين (هذا) ؛ يعني : الجلد (فَخُذُوهُ) : فاقبلوه. (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ) ، بل أفتاكم بالرجم ، (فَاحْذَرُوا) قبول ذلك. فنزل جبرئيل بالرجم. فقال لهم ، فأبوه. فقال : بيني وبينكم ابن صوريا ، حبر من أحبارهم كان يسكن فدك ، فأفتى بالرجم. وسأل هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مسائل ثمّ أسلم.

١١٤

سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٤٤) وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)

[٤٢] (فَإِنْ جاؤُكَ) أهل الكتاب ، (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ). قال بنو قريظة : يا أبا القاسم ، هؤلاء إخواننا من بني النضير إذا قتلوا منّا قتيلا ، أعطونا سبعين وسقا تمرا ؛ وإن قتلنا منهم قتيلا ، أخذوا منّا مائة وأربعين وسقا. وكذلك حالنا معهم في الجراحات. فنزل : (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) : بالعدل.

[٤٤] (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) ؛ كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار. (وَالرَّبَّانِيُّونَ) : كاملو العلم العاملون به. (وَالْأَحْبارُ) : جمع حبر ؛ وهو العالم. قيل : ولا يكون إلّا من ولد هارون.

١١٥

وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧) وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)

[٤٦] (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ) : أتبعنا. وأصله من القفا. يقال : قفوته : إذا صرت متّبعا له في أثره.

[٤٧] (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) من العفو عن القاتل أو الجارح.

[٤٨] (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) : شاهدا. وقيل : رقيبا. وقيل : مؤتمنا. وقيل : قفّانا ؛ أي : متحفّظا لأمره.

(شِرْعَةً) : شريعة.

١١٦

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧)

[٥٢] (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : كفر ونفاق. (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) : يثبّطونهم عن القتال والجهاد. (دائِرَةٌ) من دوائر السّوء. (أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) : بالنصر (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) لنبيّه عليه‌السلام بقتالهم وقتلهم.

[٥٣] (حَبِطَتْ) : بطلت.

[٥٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ). يريد الّذين انهزموا يوم أحد وارتدّوا بذلك عن الإسلام. (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ). هم الّذين ثبتوا معه صلى‌الله‌عليه‌وآله. وهم عليّ والعبّاس وأولاده ومن انضمّ إليهم. وقيل : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. نزلت فيه في غزاة خيبر حيث قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، كرّار غير فرّار ، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه. وكان عليّ عليه‌السلام أرمد. فدعاه فتفل في عينيه ودعا له فقال : اللهمّ اكفه حرّها وبردها. وأعطاه الراية. ففتح خيبر وقتل مرحبا.

[٥٥] (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ـ الآية. نزلت في عليّ عليه‌السلام حين أعطى خاتمه في مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قائما يصلّي وهو راكع. وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في منزله ، فنزلت الآية. فخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المسجد وسأل عن ذلك فقالوا : عليّ. والوليّ هاهنا بمعنى الأولى.

[٥٦] (حِزْبَ اللهِ) : عباده الصّالحون. وحزب الرّجل : أصحابه.

١١٧

وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣) وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤)

[٦٠] (مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ) ؛ أي : ثوابا ؛ أي : جزاء. (الطَّاغُوتَ) : الشّيطان.

[٦٢] (السُّحْتَ) : كسب لا يحلّ. وقيل : الرشوة في الحكم ولو حكم بالحقّ.

[٦٣] (الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ). ذكرا فيها.

[٦٤] (مَغْلُولَةٌ) : مقبوضة عن عطائنا. واليد بمعنى النعمة. (وَلُعِنُوا بِما قالُوا) : طردوا وبعّدوا عن رحمة الله تعالى بقولهم. (بَلْ يَداهُ) : نعمتاه في الدّنيا والآخرة. (مَبْسُوطَتانِ) : غير مقبوضتين. (بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ) : بين اليهود والنصارى ، فلا يحبّ أحدهم الآخر إلى يوم القيامة.

١١٨

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٦٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩) لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠)

[٦٦] (أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) : عملوا بما فيهما. (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) : من الثمار والأشجار بالأرض المقدّسة. (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) : من الزرع والنبات بها. (مُقْتَصِدَةٌ) : عادلة. من القصد ؛ وهو بين الإسراف والتقتير. يقال : فلان مقتصد.

[٦٧] (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ). نزلت في حجّة الوداع بغدير خمّ في طريق مكّة بالنصّ على عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بإمرة المؤمنين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) ما أمرت به من النصّ عليه بذلك ، (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) : رسالة ربّك. (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) : يمنعك منهم إن خفتهم. فأمر بأقتاب فنصبت وصعد عليها ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ نعى نفسه الشريفة فقال : قد آن لي خفوق من بينكم. فمن كان له عندي حقّ ، فليطلب منّي ، فأنا قائم به. فضجّ النّاس بالبكاء. ثمّ أمر عليّا عليه‌السلام أن يصعد إليه ، فصعد. فقال : أيّها النّاس ، ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا : بلى يا رسول الله. فقال عند ذلك : من كنت مولاه ، فعليّ مولاه. ومن كنت نبيّه فعليّ إمامه. وأخذ بضبعه حتّى بان بياض إبطيه. ثمّ قال : ليبلّغ الشّاهد الغائب. ثمّ أمر أن ينصب لعليّ خيمة ويسلّم عليه بإمرة المؤمنين. فأوّل من دخل عليه عمر بن الخطّاب وأبو بكر. فقال له عمر : بخّ بخّ لك يا أمير المؤمنين! أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. ثمّ تنال النّاس بعده.

[٦٩] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (وَالَّذِينَ هادُوا) : آمنوا بموسى عليه‌السلام. (وَالصَّابِئُونَ) : قوم يعبدون الملائكة ويصلّون إلى القبلة ويقرءون الزبور. (وَالنَّصارى) : من آمن بعيسى عليه‌السلام.

١١٩

وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)

[٧٣] (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ). يعني النصارى قالوا بأب وابن وروح القدس.

[٧٥] (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ) : رسول الله وليس بابنه كما تقولون أيّها النصارى أو إله كما تزعمون. (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) : يصرفون عن الخير.

١٢٠