مختصر نهج البيان

محمّد بن علي النقي الشيباني

مختصر نهج البيان

المؤلف:

محمّد بن علي النقي الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)

«أعوذ بالله» : أمتنع به وألتجئ إليه. «من الشّيطان» : المبعّد عن الخير والطّاعة والرّحمة. «الرّجيم» : المرجوم باللّعنة والطّرد.

[١] (بِسْمِ) : أبتدئ أو ابتدائي. (اللهِ) : علم على مستحقّ العبادة ، المعبود ، خالق العالم. (الرَّحْمنِ) : كثير الرّحمة وصاحبها العاطف على خلقه البرّ والفاجر. (الرَّحِيمِ) : الرّاحم المتفضّل. وقيل : رحمن ورحيم واحد. وجمع بينهما ، لأنّ الرّحمن عبرانيّ فجامعه بالرّحيم العربيّ. قاله تغلب. وقيل : جمع بينهما على جهة التأكيد. والبسملة شفاء من كلّ داء. الفاتحة مكّيّة. روي أنّها أفضل القرآن وهي الشّافية الكافية. والبسملة آية منها ومن كلّ سورة وبعض آية من سورة النمل.

[٢] (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : المدح والثناء والشكر والرضى. ويختصّ بالله تعالى ؛ والشكر عامّ. وقيل : هما واحد. (رَبِّ) : مالك ومدبّر وسيّد. ويطلق على الله تعالى ويضاف في غيره. (الْعالَمِينَ) : ما سوى الله تعالى. وقيل : الجنّ والإنس. وقيل : كلّ ذي روح دبّ. وقيل : من له عقل وتمييز. وقيل : أصناف الخلق. لأنّ كلّ صنف عالم.

[٣] (الرَّحْمنِ) خاصّ لله ؛ نحو الله. (الرَّحِيمِ) يجوز أن يشرك غيره فيه.

[٤] (مالِكِ) : مالك. وقرئ بهما. لا مالك غيره في ذلك اليوم. (يَوْمِ الدِّينِ) : يوم الجزاء. والدّين أيضا : الحكم والقضاء. والدّين : العبادة.

[٥] (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) : نطيع ونوحّد ونخضع ونستكين. (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) : نطلب المعونة على طاعتك وعبادتك.

[٦] (اهْدِنَا) : أرشدنا. (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) : الطريق القائم القيّم. وهو الإسلام. وقيل : كتاب الله. وقيل : طريق الجنّة. وقيل : طريق النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام. وقيل : اهدنا ؛ أي : ألهمنا وسدّدنا ووفّقنا. والصّراط بالسّين والصّاد.

[٧] (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) : الأنبياء والأئمّة والملائكة والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين. (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) : اليهود بالاتّفاق. (وَلَا الضَّالِّينَ) : النصارى بالإجماع. والغضب من الله إرادة الانتقام ؛ ومن العبد غليان دم القلب. والضّلال هنا : العدول عن الحقّ والرشد.

١

[ومن سورة] البقرة

مدنيّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)

[١] (الم). قال عليّ عليه‌السلام فيها وفي الحروف الّتي في أوائل السّور : إنّها أسماء مقطّعة لو علم النّاس تأليفها ، لعلموا الاسم الأعظم. وقيل : علامة لكلّ سورة. وقيل : أقسام فيها الاسم الأعظم. وقيل : سرّ الله في القرآن. وقيل : من المتشابه. وقيل : دليل على أنّ القرآن كلام الله ، إذ ليس للعرب مثله.

[٢] (ذلِكَ الْكِتابُ) الّذي قد سمعتموه ، (لا رَيْبَ فِيهِ) : لا شكّ فيه. (هُدىً) : بيان. وقيل : رحمة. وقيل : نور. (لِلْمُتَّقِينَ) ما حرّم الله عليهم. وأصل الاتّقاء : الامتناع.

[٣] (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) : يصدّقون. (بِالْغَيْبِ) : ما غاب عنهم من أمر الآخرة ، من البعث والحساب والثواب والعقاب. وقيل : الله. (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) : يؤدّونها ويتمّونها شرعا. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) الحقوق المفروضة ؛ كالخمس والزّكاة وصرف الحجّ وكذلك.

[٤] (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من الوحي والقرآن (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من الوحي والكتب على الأنبياء ، (وَبِالْآخِرَةِ) : بالغيب والجزاء (هُمْ يُوقِنُونَ) : يعلمون من غير شكّ.

[٥] (عَلى هُدىً) : على رشد وبيان. (الْمُفْلِحُونَ) : الفائزون بالثّواب والبقاء في الجنّة. وأصل الفلاح : البقاء. قال الشاعر :

«لكل ضيق من الأمور سعة

والمساء والصّباح لا فلاح معه»

 ؛ أي : لا بقاء.

٢

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)

[٦] (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) : رؤساء اليهود. وقيل : مشركو العرب الّذين جحدوا الرسالة والبعث والوحدانيّة. وأصل الكفر : التغطية. (أَأَنْذَرْتَهُمْ) : أخوّفتهم بالقرآن أو وعظتهم.

[٧] (خَتَمَ اللهُ) : شهد. كقولك : اختم على كلّ ما يقوله فلان ؛ أي : اشهد. (غِشاوَةٌ) : غطاء وستر وعمى لا يبصرون الهدى. من مجاز القرآن.

[٨] (وَمِنَ النَّاسِ). نزلت في منافقي أهل الكتاب.

[٩] (يُخادِعُونَ) : يخالفونه ويمكرونه ويظهرون خلاف ما يضمرون. وأصل الخداع : الفساد. قال الشاعر : «طيّب الريق إذا الريق خدع». (وَما يَشْعُرُونَ) : ما يعلمون.

[١٠] (مَرَضٌ) : شكّ ونفاق وكفر ، (أَلِيمٌ) : مولم موجع.

[١١] (لا تُفْسِدُوا) : لا تعصوا. (مُصْلِحُونَ) : مطيعون.

[١٣] (كَما آمَنَ النَّاسُ) : عبد الله بن سلام وبحيرا (١) والنجاشي وأمثالهم الّذين أسلموا. (السُّفَهاءُ) : الجهّال والحمقاء والفقراء. وأصل السّفه : خفّة العقل. وهو ضدّ الحلم.

[١٤] (شَياطِينِهِمْ) : كهنتهم : كعب وأبي بردة وابن السّوداء وعبد الدّار وعوف. (مُسْتَهْزِؤُنَ) : ساخرون بمحمّد وأصحابه.

[١٥] (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) : يجازيهم جزاء الاستهزاء. (وَيَمُدُّهُمْ) : يملي لهم بأن يطيل أعمارهم. وأمدّ في الخير. ومدّ في الشّرّ. وأصل ذلك مدّ الحبل وإطالته. (طُغْيانِهِمْ) : عتوّهم وكفرهم. وأصل الطغيان : الإفراط وتجاوز الحدّ. وإمداد الله عقوبة واستدراج واستصلاح. (يَعْمَهُونَ) : يتحيّرون. عمه فهو عمه وعامه.

[١٦] (اشْتَرَوُا) : باعوا. كقوله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ)(٢). أي : باعوا الهدى بالضّلالة. وقيل : اشتروا ؛ أي : اختاروا واستحبّوا. (مُهْتَدِينَ) : راشدين.

__________________

(١) ـ جميع النسخ : «بَحِيرَةٍ».

(٢) ـ يوسف (١٢) / ٢٠.

٣

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)

[١٧] (اسْتَوْقَدَ ناراً) : أوقد نارا في ظلمة يستضيء بها. (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) : أطفأه. (فِي ظُلُماتٍ) : في حيرة وضلال.

[١٨] (كَصَيِّبٍ) : كمطر. مثّل الله المنافقين بمن استوقد نارا وبمن توسّط صيّبا. قيل : شبّه الله تعالى القرآن بالمطر ، والفتن بالظلمات ، والوعيد بالرّعد ، ونور الإيمان بالبرق.

[١٩] (الصَّواعِقِ) : كلّ عذاب وصوت مهلك. وقيل : نار تنزل من السّماء. (وَاللهُ مُحِيطٌ) علمه.

[٢٠] (يَخْطَفُ) : يختلس ويذهب بها. (قامُوا) : وقفوا وتحيّروا.

[٢١] (يا أَيُّهَا النَّاسُ) : أهل مكّة. (تَتَّقُونَ) المعاصي.

[٢٢] (الْأَرْضَ فِراشاً) : بسطها. (وَالسَّماءَ بِناءً) : سقفا وسبعا شدادا طباقا. (مِنَ السَّماءِ) : السحاب. (ماءً) : مطرا. (أَنْداداً) : أمثالا وشركاء. (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنّ الشّركاء لا يقدرون على ذلك.

[٢٣] (فِي رَيْبٍ) : إن كان فيكم ريب في القرآن. (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) : حقّ وصدق لا باطل وكذب. وفيه تقرير بالعجز عليهم. (وَادْعُوا) : استعينوا. (شُهَداءَكُمْ) : آلهتكم. وقيل : ادعوا أناسا يشهدون لكم أو من يعاونكم.

[٢٤] (وَقُودُهَا) بالفتح : الحطب ، وبالضمّ المصدر. (أُعِدَّتْ) : خلقت وهيّئت.

٤

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥) إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)

[٢٥] (وَبَشِّرِ) : أخبر. وسمّي بشارة لأنّه يؤثّر في بشرة الوجه خيرا أو شرّا. (الَّذِينَ آمَنُوا) : صدّقوا بالوحدانيّة ونبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : الزاكيات من الأعمال. وقيل : أداء الفرائض فيما بينهم وبين الله. (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) : بساتين في الجنّة ساترة شجرها أرضها. وأصله الستر. (رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ). إذا أتوا به عشيّة قالوا : هذا الّذي رزقناه بكرة. وبالعكس. وقيل : يؤتون به على مقدار ستّ ساعات ، إذ لا ثمّ بكرة ولا عشيّة. وقيل : من قبل في الدنيا. وقيل : إذا اقتطف منها شيء ، رجع مكانه. (مُتَشابِهاً) : متماثلا متشاكلا في النظر والطّعم والجودة والحسن. (أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) من الحيض والحبل والبول والغائط والمنيّ والأقذار كلّها والأدناس والأخلاق الذّميمة. (خالِدُونَ) : دائمون باقون مؤبّدون ، لا يشيبون ولا يهرمون ولا يموتون. والخلود : بقاء لا آخر له.

[٢٦] (ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها). لمّا ذكر الله سبحانه الذّباب والعنكبوت قالوا : ما هذه الأمثال المضروبة؟! فأنزل الله ذلك. وقيل : (فَوْقَها) ؛ أي : دونها في الصغر. و (ما) الّتي قبل (بَعُوضَةً) زائدة. (وَما يُضِلُّ) : يعاقب. وقيل : يحكم بضلاله. والضّلال في القرآن على وجوه : بمعنى العقوبة ؛ كقوله تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ)(١). وبمعنى الهلاك ؛ كقوله عزّ اسمه : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ)(٢). وبمعنى المحبّة ؛ كقوله جلّ وعلا : (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)(٣) ؛ أي : في محبّتك القديمة. وبمعنى الإحباط ؛ كقوله تعالى : (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ)(٤). (الْفاسِقِينَ) : العاصين الخارجين عن طاعة الله تعالى.

[٢٧] (يَنْقُضُونَ) : يتركون. وأصله : حلّ الشيء المحكم الفتل. (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) : توكيده وتغليظه وتشديده وتحقيقه عليهم وإقرارهم به. (ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) : برّ الوالدين وصلة الرّحم. وقيل : الإيمان بالله ورسله إلى محمّد.

[٢٨] (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ). استفهام معناه تعجّب فيه توبيخ. قال العجاج : «أطربا وأنت قنّسريّ» ؛ أي : كبير السنّ. يوبّخ نفسه. (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) : نطفا في الأصلاب. (فَأَحْياكُمْ) في الأرحام. (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء الآجال. (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) للبعث والحساب. (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) : إلى الثواب أو العقاب. [٢٩] (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) : عمد وقصد إلى خلقها. (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) : خلقهنّ باعتدال بعد ما كنّ دخانا. [٣٠] (لِلْمَلائِكَةِ) : جمع ملك. سمّي بذلك لتحمّل الألوكة ؛ وهي الرسالة. قال الشاعر : «ألكني إليها بخير الرّسول أعلمهم بنواحي الخبر». ويقال للرسالة أيضا ألوك ومألكة ومألك. (خَلِيفَةً). آدم عليه‌السلام خليفة الله في الأرض. وقيل : خلفا يخلف بعضهم بعضا. والخليفة يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكّر والمؤنّث ـ كالسّلطان ـ وهو السّلطان الأعظم. (يُفْسِدُ فِيها) بالعصيان قتلا وسفك دم. وقول الملائكة على وجه الاستفهام وطلب الإرشاد ، لا على وجه الإنكار. قيل : إنّه كان قد قال لهم : إنّي جاعل في الأرض خليفة يفعل ولده كذا وكذا. وقيل : سألوه أن يجعل الخليفة منهم لأنّه كان قبلهم قبيل من الجنّ فأفسدوا. (نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ). هو سبّوح قدّوس. وقيل : نكبّرك ونعظّمك. وقيل : ننزّهك عمّا لا يليق لك. (أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) : أعلم أنّه يكون منهم أنبياء ورسل وصالحون.

__________________

(١) ـ الرعد (١٣) / ٢٧.

(٢) ـ السجدة (٣٢) / ١٠.

(٣) ـ يوسف (١٢) / ٩٥.

(٤) ـ محمّد (٤٧) / ١.

٥

وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤) وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)

وقيل : أعلم الطّاعة من آدم والمعصية من إبليس.

[٣١] (الْأَسْماءَ كُلَّها) : أسماء الطّيور والوحوش والهوامّ وما ذرأ في الأرض. وقيل : علّمه أصول الأسماء مثل الجنّ والإنس والطّير والوحوش والأرض والسّماء وما فيهما. وعلّمه : عرّفه وألهمه. وكان ذلك معجزة لآدم. (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) : أبرزهم وأظهرهم ؛ أي : الأعيان المسمّين بتلك الأسماء. وقيل : صوّرهم في قلوبهم وقال لهم : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) الأعيان والأشخاص. (صادِقِينَ) : عالمين.

[٣٣] (غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : سرّ أهل السّماوات والأرض. (تُبْدُونَ) : تظهرون. (تَكْتُمُونَ) : تخفون. وفيه تقرير العجز والجهل.

[٣٤] (لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ). قيل : الكلّ. وقيل : ملائكة السّجود خاصّة أمروا بسجوده تحيّة وخضوعا لا عبادة. وقيل : كان إيماء برءوسهم لا وضع الجبهة على الأرض ؛ وهو بمنزلة السّلام. وقيل : إنّما أمروا بالإقرار بفضله والتعظيم له والخشوع والانقياد. كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ) ـ الآية (١). وقيل : كان آدم قبلتهم تعظيما له. وفي الآية دليل على تفضيل الأنبياء عليهم‌السلام على الملائكة لأمرهم بالسّجود لآدم. (إِلَّا إِبْلِيسَ). كان اسمه عزازيل. فلمّا طرده الله تعالى عن رحمته وآيسه منها ، سمّاه إبليس. والمبلس هو الكئيب الحزين ـ كالآيس ـ النادم ، الهالك. قيل : الاستثناء من الجنس. وقيل : منقطع. وكلاهما عربيّ. (أَبى) : امتنع. (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) : صار منهم.

[٣٥] (يا آدَمُ). سمّي آدم لأنّه أخذ من أديم الأرض كلّها ؛ عذبها وملحها وحرّها وسبخها. ولهذا اختلفت ألوان ولده. (وَزَوْجُكَ) : قرينك وإلفك حوّاء. وسمّيت بذلك لأنّها خلقت من حيّ ـ وهو آدم ـ من ضلعه اليسرى. قال سبحانه : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها)(٢). (الْجَنَّةَ) هاهنا كانت في السّماء. وقيل في الأرض. وكان الشّمس والقمر يطلعان فيها. ولا خلاف أنّها ليست جنّة الخلد. (رَغَداً) : موسّعا عليكما بلا تقدير. (الشَّجَرَةَ). قيل : السّنبلة. وقيل : العنبة. وقيل : التينة. وقيل : النخلة. وقيل : شجرة الكافور. والنهي عن مكروه لا محظور ؛ للعصمة. (مِنَ الظَّالِمِينَ) : الباخسين الناقصين لأنفسكما من الثّواب. وأصل الظّلم : النقص. ومنه : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً)(٣).

[٣٦] (فَأَزَلَّهُمَا) : استزلّهما. وأمّا (فَأَزَلَّهُمَا) من الزوال ؛ أي : حوّلهما إليها فأكلا منها. قيل : ما قصدا قبول إبليس ، بل شهوة أنفسهما. وقيل : أكلا من الجنس ، لا من العين المنهيّ عنها. وقيل : قبلا منه لأنّهما ظنّا أنّ أحدا لا يحلف بالله كاذبا. (اهْبِطُوا) : انزلوا. (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) : آدم وحوّاء وإبليس والحيّة. أمر تهديد. وقيل : أهبط آدم بالهند ، وحوّاء بجدّة ، وإبليس بأيلة ، والحيّة بنصيبين. وقيل : أهبط آدم على الصّفا ، وحوّاء على المروة. (فَتَلَقَّى آدَمُ) : أخذ. وقيل : الكلمات الّتي علّمها جبرئيل عليه‌السلام : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) ـ الآية (٤). وقيل : محمّد وعليّ [و] فاطمة والحسن والحسين. أقسما عليه [بهم] أن يتوب عليهما.

[٣٧] (فَتابَ) ورضي عنهما. وأصل التوبة : الرجوع.

__________________

(١) ـ الحجّ (٢٢) / ١٨.

(٢) ـ النساء (٤) / ١.

(٣) ـ الكهف (١٨) / ٣٣.

(٤) ـ الأعراف (٧) / ٢٣.

٦

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)

[٣٨] (مِنِّي هُدىً) ؛ أي : كتاب.

[٤٠] (يا بَنِي إِسْرائِيلَ). هو يعقوب بن إسحاق. سمّي به لأنّه كثير الإسراء. وقيل : إنّ «إل» و «إيل» من أسماء الله تعالى بالسّريانيّة. فكأنّه عبد الله. ومنه جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ؛ أي : عبيد الله. (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) : بوصيّتي لكم بالطّاعة. (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) : بما وعدتكم من الثواب. وقيل : عهد الله هنا هو أداء الفرائض. (فَارْهَبُونِ) : اخشوني وخافوني.

[٤١] (بِما أَنْزَلْتُ). هو القرآن. (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) من التوراة والإنجيل وسائر الكتب ؛ لأنّها تشهد بصفته وصدقه وصحّة ما يجيء به. (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً). روي أنّ السبب فيه أنّ أحبار اليهود كان لهم مأكلة من اليهود على كتمان صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من التوراة ، فغيّروها وبدّلوها لئلّا تنقطع مأكلتهم.

[٤٢] (وَلا تَلْبِسُوا) : تخلطوا (الْحَقَّ بِالْباطِلِ). لأنّهم آمنوا ببعض أمر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكفروا ببعضه. (١)

[٤٣] (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ). أمرهم بالكون بالركوع مع المسلمين في الصّلاة والتطهير من الضّلال والشكّ.

[٤٤] (بِالْبِرِّ) : بالصّدقة. (تَتْلُونَ الْكِتابَ) : تقرءون التوراة وهي تشهد بصدقه. وسمّيت القراءة تلاوة ، لأنّ بعض الحروف تتبع بعضا. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) : أفلا تستعملون عقولكم في صحّة ذلك؟!

[٤٥] (بِالصَّبْرِ) : بالصّوم. ورمضان شهر الصبر لكفّ صائميه عن المفطرات. (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) : ثقيلة. (الْخاشِعِينَ) : المتواضعين الخائفين.

[٤٦] (يَظُنُّونَ) : يوقنون. (أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) : يوقنون بالموت والبعث والنشور والحساب.

[٤٧] (عَلَى الْعالَمِينَ) : عالمي زمانهم ؛ إذ جعل منهم أنبياء وملوكا ونجّاهم من فرعون وأصحابه القبط وآتاهم ما لم يؤت أحدا : المنّ والسّلوى والغمام المظلّ من الشّمس ، والحجر الّذي كان معهم في التيه يضربه موسى عليه‌السلام بعصاه ـ وكان مربّعا ـ فيخرج منه الماء من كلّ ربع منه ثلاث عيون ، فذلك اثنتا عشرة عينا لاثني عشر سبطا ، والعود الّذي نزل عليه من السّماء في التيه عند غيبوبة القمر يضيء لهم فيهتدوا به في مسيرهم. وذلك حيث شكوا إلى موسى الظّلمة. وشكوا إليه الوسخ فسأل أن لا يبلى لهم ثوب ، فأجيب. ويقال : تحدّث عن بني إسرائيل ولا حرج ، وعن البحر وعجائبه ولا حرج.

[٤٨] (وَاتَّقُوا) : اخشوا. (مِنْها شَفاعَةٌ). زعم اليهود أنّ لآبائهم شفاعة ، فقال تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)(٢). (عَدْلٌ) : فداء.

__________________

(١) ـ في جميع النسخ زيادة : «تعقلون العاقل الّذي يمنع نفسه ويحبسها ويردّها عن هواها».

(٢) ـ الأنبياء (٢١) / ٢٨.

٧

وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)

[٤٩] (نَجَّيْناكُمْ) : أنقذناكم. (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) : القبط وأشياعه وأتباعه وأهل دينه. وفرعون : اسم لملوك العمالقة ؛ كقيصر في الرّوم وكسرى في الفرس وخاقان في الترك. وكان اسمه مصعب بن الريّان. وقيل : الوليد بن مصعب. وقيل : قابوس. (يَسُومُونَكُمْ) : يولّونكم. (سُوءَ الْعَذابِ) : يضربونكم ويستعبدونكم ويستخدمونكم. (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) : يقتلونهم صغارا. (وَيَسْتَحْيُونَ) : يستبقون النساء للخدمة. (بَلاءٌ) : امتحان واختبار.

[٥٠] (وَإِذْ فَرَقْنا) : فلقنا. (بِكُمُ الْبَحْرَ) : بحر القلزم ؛ وكان مقداره أربعة فراسخ. (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) في ذلك البحر. وسلم فرعون وظهر بدرعه على الماء ـ وكانت من لؤلؤ ـ فشاهده بنو إسرائيل فعرفوه. ثمّ أغرقه الله بعد ذلك ، فزال الشكّ من قلب من كان يتألّهه.

[٥١] (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) : ذا العقدة وعشرا من ذي الحجّة. وعده إعطاء التوراة والألواح. (اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) معبودا. (مِنْ بَعْدِهِ) : من بعد موسى.

[٥٢] (عَفَوْنا عَنْكُمْ) : قبلنا توبتكم.

[٥٣] (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) : التوراة. (وَالْفُرْقانَ) : انفراق البحر وانقلابه.

[٥٤] (بارِئِكُمْ) : خالقكم. (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) في الجهاد. وقيل : ليقتل بعضكم بعضا في طاعة الله. وقيل : اقتلوا الّذين عبدوا العجل منكم ، وكانوا اثني عشر ألفا.

[٥٥] (نَرَى اللهَ جَهْرَةً) بغير حجاب. (الصَّاعِقَةُ) : نار نزلت من السّماء فأحرقتهم عن آخرهم. وقيل : الموت. وقيل : العذاب.

[٥٦] (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) : أحييناكم. (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) بدعاء موسى.

[٥٧] (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ) : وقفنا فوق رءوسكم. (الْغَمامَ) : السّحاب الأبيض بلا ماء. وسمّي غماما لأنّه يغمّ السّماء ؛ أي : يغطّيها. سترهم الغمام من حرّ الشّمس في التيه مقدار ثمانية فراسخ. والسّبب في ابتلائهم بالتيه أنّ موسى عليه‌السلام أمرهم بالخروج معه لقتال الجبّارين فقالوا له : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ)(١). فابتلاهم الله بأرض التيه ثمانية فراسخ أربعين سنة. (الْمَنَّ) : الترنجبين. وقيل : العسل. كان ينزل عليهم من السّماء مثل الثلج. (وَالسَّلْوى) طائر يشبه السّمانى. وقيل : هو طائر مثل الحمام.

__________________

(١) ـ المائدة (٥) / ٢٤.

٨

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)

[٥٨] (هذِهِ الْقَرْيَةَ) : بيت المقدس. (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) : باب القرية باب حطّة بالبيت المقدس. و (سُجَّداً) : ركّعا مطأطئي الرءوس. فرجعوا رجعا مستهزءين. وباب حطّة باب القبّة الّتي كان يصلّي موسى وبنو إسرائيل إليها. (وَقُولُوا حِطَّةٌ) : حطّ عنّا ذنوبنا.

[٥٩] (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) فقالوا : هطّا سمقانا ؛ أي : حنطة حمراء بلغة النبط ، استهزاء وتبديلا. وقيل : قالوا : حنطة في شعير. فابتلاهم الله وأهلكهم. (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) : عذابا. وقيل : طاعونا. وقيل : موت الفجأة. قيل : مات منهم سبعون ألفا وهلك في تلك السّاعة أربعة وعشرون ألفا.

[٦٠] (اسْتَسْقى) : طلب السّقيا ، حيث شكوا إليه قلّة الماء في التيه. (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ). أمره أن يأخذ حجرا لطيفا مربّعا ، فأخذه وضربه بعصاه. (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) لكلّ سبط عين. (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) : كلّ سبط وجماعة. والسّبط : الجماعة الّذين يرجعون إلى أب واحد. وكان الحجر معهم في أسفارهم معجزة لموسى عليه‌السلام. (وَلا تَعْثَوْا). العيث : أشدّ الفساد.

[٦١] (عَلى طَعامٍ واحِدٍ). هو المنّ والسّلوى. وقيل : اللّحم والخبز النقيّ. وقد مللنا ذلك. (وَفُومِها). هو الثوم بعينه. وقيل : الخبز. وقيل : الحنطة والخبز جميعا. (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) : أفضل وألذّ وأطيب. (مِصْراً) من الأمصار. ولذلك صرفه. ومن لم يصرفه جعله مصر فرعون. (لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) في الأمصار لا في البرّيّة والتيه. (وَضُرِبَتْ) : فرضت. (الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) : الجزية والذلّ والفقر. (وَباؤُ) : رجعوا. (بِغَضَبٍ) : باللّعنة. (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) : كانوا يقتلون في اليوم الواحد ثلاثمائة نبيّ.

[٦٢] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) في عهد موسى به وبمن مضى من الأنبياء وممّن يأتي منهم وبكتبهم. (وَالَّذِينَ هادُوا) : فرقة من قوم موسى هادوا [أي :] تابوا ورجعوا عن عبادة العجل. (وَالنَّصارى) : فرقة سمّوا بالنصرانيّة في زمن عيسى عليه‌السلام لأنّهم نصروه. (وَالصَّابِئِينَ) : قوم من النصارى ألين من أولئك ، خرجوا من دين إلى دين.

وأصله : الميل والخروج. وقيل : قوم على دين نوح عليه‌السلام. وقيل : يعبدون الملائكة ويقرءون الزبور ويصلّون إلى القبلة. وقيل : عبدة النجوم. (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) : ثواب عملهم وتصديقهم. وقيل : الآية منسوخة بقوله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)(١). وقيل : لا ، بل هي لمن ثبت على إيمانه إلى أن آمن بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

[٦٣] (مِيثاقَكُمْ) الّذي عاهدناكم عليه يوم الميثاق. (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ) : قلعنا فوق رءوسكم. (الطُّورَ) : هنا جبل.

__________________

(١) ـ آل عمران (٣) / ٨٥.

٩

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩)

فرسخ في فرسخ بقدر عسكر موسى عليه‌السلام. وهو في العربيّة كلّ جبل ينبت. والسّبب في رفعه امتناعهم من الكتاب لما فيه من صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والبشارة به وبعثته وتصديقه. وكان الواحد منهم لا يزال رافعا بصره شاخصا إليه ، خوفا من سقوطه عليه. وقيل : ابتلاهم الله تعالى ببحر من خلفهم وبنار من قبل وجوههم وبرفع الجبل على رءوسهم. وقيل لهم : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) ؛ أي : كارهين. (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) من الثواب والعقاب والأمر والنهي لتتّقوا المعصية.

[٦٤] (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) لكم بتأخير العقاب. (الْخاسِرِينَ) : المغبونين بالعقوبة.

[٦٥] (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا) ؛ أي : علمتم خبرهم وحيلتهم لصيد الحيتان. و (اعْتَدَوْا) : تجاوزوا الحدّ. حرّم الله عليهم يوم السّبت فكانت لا تأتيهم إلّا فيه ، فحبسوها يوم السّبت وصادوها يوم الأحد في زمن داود في قرية أيلة حاضرة البحر. (قِرَدَةً) : جمع قرد. (خاسِئِينَ) : متباعدين. من خسأت الكلب. قيل : أقام المسوخ ثلاثة أيّام ثمّ ماتوا. وقيل : سبعة.

[٦٦] (نَكالاً) : عقوبة. (لِما بَيْنَ يَدَيْها) : صيد الحيتان. وقيل : لما مضى من ذنوبهم. (وَما خَلْفَها) من المعاصي بعد ذلك. وقيل : لما بعدهم من بني إسرائيل أن يستنّوا بسنّتهم. وقيل : جعلنا القرية وأصحابها نكالا وعبرة (لِما بَيْنَ يَدَيْها) من القرى (وَما خَلْفَها) من القرى. (وَمَوْعِظَةً) : زجرا.

[٦٧] (أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً). قيل : إنّما أمروا بذبحها لأنّها من جنس ما عبدوه. والسّبب أنّ أخوين من بني إسرائيل قتلا ابن عمّهما ليرثاه ووضعاه بين قريتين فأخذه أهل إحداهما. فلمّا أصبحوا فاتّهماهم بقتله. فحلفوا بالله أنّهم ما قتلوه ولا علموا قاتله. فسألوا موسى أن يسأل الله تعالى أن يطلعهم على قاتله. فأمرهم موسى أن يذبحوا بقرة فقالوا لموسى : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً). لأنّه ليس في ظاهر قوله جواب لسؤالهم. فقال لهم موسى : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) المستهزئين ، بل الله أمركم بها وأن تضربوه ببعضها فيحيى المقتول فيخبركم بقاتله. فقالوا لموسى : [٦٨] (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) : ما سنّها وما لونها؟ قال موسى : (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) : مسنّة كبيرة. (وَلا بِكْرٌ) : صغيرة. (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) ؛ أي : هي عوان بين الصّغيرة والكبيرة. أي : وسط.

[٦٩] (فاقِعٌ لَوْنُها) ؛ أي : خالص مشبع حتّى ظلفها وقرنها أصفران. وقيل : سوداء حتّى قرنها وظلفها أسودان. ومنه : (جِمالَتٌ صُفْرٌ)(١) ؛ أي : سود. وقيل : صاف. وقيل : لامع. (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) : تعجبهم.

__________________

(١) ـ المرسلات (٧٧) / ٣٣.

١٠

قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦)

[٧١] (لا شِيَةَ فِيها) : لا عيب. وقيل : لا لون فيها يخالفها. من الوشي.

[٧٢] (فَادَّارَأْتُمْ فِيها) : تدافعتم واختلفتم.

واسم المقتول عاميل.

[٧٣] (بِبَعْضِها) : بفخذها اليمنى. وقيل : بذنبها. وقيل : بلسانها. وقيل : ببعض الغضروف. فأحياه الله فأخبرهم بقاتله ومات.

[٧٤] (ثُمَّ قَسَتْ) : يبست وصلبت. (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) : من بعد حياة ذلك المقتول. (يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) والعيون. وهي حجارة الجبال. (يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ). وهو حجر موسى الّذي ضربه بعصاه. (يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) ؛ أي : بخشيته.

[٧٥] (فَرِيقٌ مِنْهُمْ). هم السّبعون الّذين اختارهم موسى. (يُحَرِّفُونَهُ) : يبدّلونه. (عَقَلُوهُ) : فهموه. حرّفوا منه صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعثته والبشارة به.

١١

أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣)

[٧٧] (يُسِرُّونَ) : يخفون. (يُعْلِنُونَ) : يظهرون.

[٧٨] (أُمِّيُّونَ) لا يحسنون الكتابة. (أَمانِيَّ) : حديث الأمنيّة. وقيل : أحاديث تحدّثهم بها علماؤهم. (يَظُنُّونَ) : يشكّون.

[٧٩] (فَوَيْلٌ) : واد في جهنّم. وقيل : جبل فيها من قيح ودم. وهي كلمة تستعمل عند وقوع العذاب والمكروه والهلاك. (بِأَيْدِيهِمْ) : من تلقاء أنفسهم. وهم أحبار اليهود وما غيّروه من صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (ثَمَناً قَلِيلاً) : مأكلة لهم وطعمة من اليهود.

[٨٠] (أَيَّاماً مَعْدُودَةً) : أربعين يوما بعدد الأيّام الّتي عبدوا فيها العجل. وقيل : سبعة أيّام. لأنّ عند اليهود عمر الدّنيا سبعة آلاف سنة ، فجعل مكان كلّ [ألف] سنة يوما ثمّ يخرج إلى الجنّة.

[٨١] (سَيِّئَةً) : الّذي يسوء فعله. وقيل : الشرك. (وَأَحاطَتْ بِهِ) : أوبقته وأهلكته.

١٢

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨)

[٨٤] (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) : لا يقتل بعضكم بعضا بلا حقّ. (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ) : قومكم وإخوانكم. (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) : قبلتم هذا الميثاق المأخوذ منكم ، (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أنّ ذلك الميثاق في التوراة.

[٨٥] (تَظاهَرُونَ) : تتعاونون. (تُفادُوهُمْ) من أيدي الرّوم. (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) : لا تنهون عن القتل والإخراج.

[٨٧] (وَقَفَّيْنا) : أردفنا. (بِالرُّسُلِ) بعضهم في أثر بعض. (الْبَيِّناتِ) : إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والمجذوم. (وَأَيَّدْناهُ) : قوّيناه. (بِرُوحِ الْقُدُسِ) : بجبرئيل عليه‌السلام. وقيل : بالاسم الأعظم ، يحيي به الموتى ويشفي به المرضى. (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ) ؛ كعيسى ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) ؛ كزكريّا ويحيى.

[٨٨] (وَقالُوا) ـ أي اليهود ـ : (قُلُوبُنا غُلْفٌ) : أوعية لكلّ علم وهي لا تعي حديثك وكلامك ؛ لأنّه باطل. وقيل : (غُلْفٌ) ؛ أي : أكنّة وأغطية لا تفهم. (لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) : طبع على قلوبهم. وقيل : طردهم وأبعدهم. (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) : إيمانهم قليل. وقيل : لا يؤمنون كثيرا ولا قليلا.

١٣

وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١) وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣)

[٨٩] (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) : يستنصرون عليهم بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. كانت يهود خيبر لمّا هزمتهم غطفان تدعو : «اللهمّ بحقّ النبيّ الأمّيّ الّذي وعدتنا به أن يجيء في آخر الزمان إلّا نصرتنا على غطفان» فنصروا عليهم. فلمّا بعث الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كفروا به.

[٩٠] (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ) : باعوا به. وهو ما أصابوا من عرض الدّنيا. (بَغْياً) : تعدّيا وحسدا وظلما. (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) : النبوّة والكتاب (عَلى مَنْ يَشاءُ). (فَباؤُ) : رجعوا (بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) : بلعنة على لعنة ، حين كذّبوا بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا : يد الله مغلولة. وقيل : عبادة العجل وصيد الحيتان يوم السّبت والكفر بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

[٩٣] (سَمِعْنا) قولك. (وَعَصَيْنا) أمرك. (وَأُشْرِبُوا) : خالطهم (فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) : حبّ العجل.

١٤

قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦) قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١)

[٩٤] (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ). قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي نفسي بيده ، لا يقوله رجل منهم إلّا شرق بريقه ومات مكانه.

[٩٨] «قل (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ») ـ إلى ـ (لِلْكافِرِينَ). قال ابن صوريا وجماعة من اليهود قالوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من يأتيك من الملائكة؟ فقال : جبرئيل. فقالوا : ذلك عدوّنا. لأنّه ينزل بالشّدّة والهلاك والعذاب. ونحن صاحبنا ورسولنا ميكائيل. لأنّه ينزل بالرزق والخصب والسّلام والرحمة. فلو أتاك آمنّا بك. فنزلت الآية.

[٩٩] (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) : القرآن والمباهلة والإسراء وتكثير القليل من الطّعام وغير ذلك.

[١٠٠] (نَبَذَهُ) : أطرحه.

١٥

وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥)

[١٠٢] (وَاتَّبَعُوا) اليهود (ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ). كانوا قد كسبوا السّحر ودفنوه تحت مصلّى سليمان. فبعد موته استخرجوه وقالوا للنّاس : إنّما ملككم سليمان بهذا فتعلّموه. فتعلّمه السّفهاء وأبته العلماء. وقيل : الدافن سليمان. فنزّهه الله بالآية وحقّق فساد الشّياطين. وإنّما دفنه لئلّا يفسد به النّاس. السّحر أصله : التمويه والتخييل والخداع والتعليل. سحرته لينام ؛ أي : علّلته. و (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ)(١) : من المعلّلين بالطّعام. ولا حقيقة له على الأصحّ ، وإلّا لبطل المعجز الدالّ على النبوّة ، إذ لا فرق بين السّحر والمعجز. قال تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ)(٢). (بِبابِلَ) : بابل العراق. وقيل : نصيبين إلى رأس عين. (هارُوتَ وَمارُوتَ). ملكان. وقيل : ملكين علجين من ملوك بني آدم. (فِتْنَةٌ) : اختبار. (فَلا تَكْفُرْ) بعمل السحر. ومن قال : من الملائكة ، قال : تعليمها على وجه النهي. أي : يعرّفان أنّه سحر وفساد وكفر. (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) : بعلمه. (ما يَضُرُّهُمْ) في الآخرة. (وَلا يَنْفَعُهُمْ) في الدّنيا. (مِنْ خَلاقٍ) : نصيب من الخير. (ما شَرَوْا) : باعوا.

[١٠٣] (لَمَثُوبَةٌ) : ثواب.

[١٠٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : صدقوا وأطاعوا ، (لا تَقُولُوا) لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : (راعِنا). كانوا يقولونها له. أي : اسمع منّا وأصغ إلينا سمعك. و [كان] معناها بلسانهم سبّا وشتما. أي : اسمع لا سمعت. وعند المسلمين من المراعاة والمحافظة. أي : احفظنا واسمع منّا. (انْظُرْنا) : أفهمنا وأقبل علينا.

[١٠٥] (مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) : النبوّة. وقيل : الإسلام. (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) : النّبوّة.

__________________

(١) ـ الشعراء (٢٦) / ١٥٣.

(٢) ـ طه (٢٠) / ٦٦.

١٦

ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠) وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)

[١٠٦] (نَنْسَخْ) : نبدّل. (نُنْسِها) : نتركها غير منسوخة كما هي. (بِخَيْرٍ مِنْها) : بأخفّ وأهون على النّاس. (أَوْ مِثْلِها) في المنفعة. ومن همز «ننساها» فمعناه : نؤخّرها غير منسوخة. ومن قرأ : (نُنْسِها) ؛ أي : نؤخّر حكمها ونرفع رسمها وتلاوتها (١). والنسخ في القرآن على ثلاثة أوجه : رفع الحكم مع بقاء التلاوة ؛ كآية النجوى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ)(٢). الثاني : رفع التلاوة. وروي عن أبي موسى الأشعريّ أنّه قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سورة فأنسيتها فلم أحفظ منها إلّا آية واحدة قوله تعالى : («يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون». وسورة أخرى : «لو كان لابن آدم واديان من مال ، لتمنّى لهما ثالثا. ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التّراب. ويتوب الله على من تاب». والثالث : رفعهما معا. لمّا أمروا باستقبال بيت المقدس وبصيام يوم عاشوراء ، رفع الحكم والتلاوة. ونسخ القرآن بالسّنّة جائز لأنّها دليل كالقرآن. وقيل : لا يجوز.

[١٠٧] (أَلَمْ تَعْلَمْ). تقرير وإيجاب.

[١٠٨] (تُرِيدُونَ). توبيخ. (أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله. نزلت في عبد الله بن أميّة المخزوميّ ورهط من قريش قالوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) ـ الآيات (٣).

(كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) في قول السبعين له : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٤). وقيل : قال كفّار قريش له : اجعل لنا الصّفا ذهبا وفضّة ، وارفع لنا الجبال عن مكّة حتّى نتّبعك. فلم يجبهم. لأنّه لو فعل ، لم يتّبعوه. (سَواءَ السَّبِيلِ) : وسط الطريق.

[١٠٩] (وَدَّ) : أحبّ. (كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) : فيحاص بن عازوراء وأزيد بن قيس. دعوا عمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان بعد قتال أحد وقالا لهما : ارجعا عن دينكما هذا إلى دينكما الأوّل. (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) : أعرضوا عنهم. (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) : بقتل بني قريظة وإجلاء بني النضير (٥).

__________________

(١) ـ في جميع النسخ زيادة : «أو ننساها نتركها أصلا وحكما».

(٢) ـ المجادلة (٥٨) / ١٢.

(٣) ـ الإسراء (١٧) / ٩٠ ـ ٩٣.

(٤) ـ النساء (٤) / ١٥٣.

(٥) ـ في جميع النسخ زيادة : «عن الكتابين».

١٧

وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥) وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧) وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩)

[١١١] (وَقالُوا) ـ أي أهل الكتاب ـ : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) ـ الآية. قالت اليهود الّذين في المدينة : لن يدخل الجنّة إلّا من كان يهوديّا. وقالت نصارى نجران : لن يدخل الجنّة إلّا من كان نصرانيّا. (أَمانِيُّهُمْ) : أباطيلهم وكذبهم. وقيل : ما يتمنّون. (بُرْهانَكُمْ) : حجّتكم.

[١١٢] (بَلى مَنْ أَسْلَمَ) : أخلص (وَجْهَهُ لِلَّهِ) : دينه له ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله ، (فَلَهُ أَجْرُهُ) : ثواب عمله.

[١١٣] (لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) من الحقّ. قول نصارى نجران وقول أحبار اليهود. (قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ). هم مشركو العرب. وقيل : آباؤهم.

[١١٤] (مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها). قيل : غزوا بيت المقدس وسعوا في خرابه. وقيل : مشركو قريش صدّوا النبيّ عليه‌السلام عن بيت الله الحرام. وجمع لأنّ كلّ بقعة منه مسجد. وقيل : عامّ.

[١١٥] (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ). قيل : نزلت قبل فرض الصّلوات الخمس إلى الكعبة ، ثمّ نسخ. وقيل : في صلاة التطوّع خاصّة في السّفر. وقيل : أصاب الضّباب مسافرين فصلّى بعضهم إلى المشرق وآخر إلى المغرب. فلمّا استبانوا سألوا النبيّ عليه‌السلام ، فنزلت الآية : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ؛ أي : قبلته. وقيل : طاعته. وقيل : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا ، ثمّ صرفه الله إلى البيت العتيق. فقالت اليهود ـ وهم السّفهاء ـ : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها)(١) فأنزل الله الآية. (إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) : واسع العلم والرحمة.

[١١٦] (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) : مطيعون.

[١١٧] (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : مبتدعهما ومبدئهما ومنشئهما على غير مثال سبق. (إِذا قَضى) : أراد (أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ؛ كخلقه لآدم وعيسى عليهما‌السلام.

[١١٩] (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ) : بالقرآن (بَشِيراً) بالثّواب (وَنَذِيراً) بالعقاب.

__________________

(١) ـ البقرة (٢) / ١٤٢.

١٨

وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)

[١٢٠] (مِلَّتَهُمْ) : دينهم. (هُدَى اللهِ) : دينه. (هُوَ الْهُدى) : هو الإسلام.

[١٢١] (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) : التوراة. (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) : يصفونه حقّ صفته ، يحلّلون حلاله ويحرّمون حرامه. وقيل : يقرّون ببعث محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وصفته. وقيل : يتّبعونه حقّ اتّباعه.

[١٢٤] (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) : كلّما كلّفه الله عقلا وسمعا. وقيل : المناسك كلّها. وقيل : بالكواكب والشّمس والقمر والختان وذبح ابنه وبالنّار والهجرة. وقيل : المضمضة والاستنشاق والسّواك وقصّ الشّارب والفرق والختان والاستنجاء وحلق العانة وقصّ الأظفار ونتف الإبطين. (فَأَتَمَّهُنَّ) : وفى بهنّ. (إِماماً) يقتدى به. (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). في الآية دليل على أنّه لا يصطفي لنبوّته وإمامته إلّا من يكون معصوما ظاهرا وباطنا.

[١٢٥] (مَثابَةً) يثوبون إليه في كلّ عام ؛ أي : يرجعون. (وَأَمْناً) لمن دخله وعاذ به في الجاهليّة والإسلام حتّى يخرج منه فيقتصّ منه. وقيل : من الجدب والقحط ؛ لقوله تعالى : (هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ). (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى). قيل : الحرم كلّه مقام إبراهيم. وقيل : مصلّاه عند المقام. وقيل : هو الحجر. (وَعَهِدْنا) : وصّينا. (طَهِّرا بَيْتِيَ) : نظّفاه من كلّ النجاسات. وقيل : من الأصنام والأوثان. (لِلطَّائِفِينَ) : الغرباء. (وَالْعاكِفِينَ) : المجاورين فيه والمقيمين من أهل الحرم وغيرهم. (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) من كلّ أفق من المصلّين.

[١٢٦] (هذا بَلَداً آمِناً). يعني مكّة ـ حرسها الله تعالى. (مِنَ الثَّمَراتِ) : من الفواكه والثمار يحمل إليهم من سائر الأماكن. فاستجاب الله له. (فَأُمَتِّعُهُ) : أرزقه. (قَلِيلاً) : يسيرا. (أَضْطَرُّهُ) : ألجئه.

١٩

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤)

[١٢٧] (الْقَواعِدَ) من البناء : الأساس. وهي من عهد آدم. وهو أوّل من حجّ البيت. (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) بعد أن فرغا. قال جبرئيل : قد فعل.

[١٢٨] (مُسْلِمَيْنِ لَكَ) : موحّدين مخلصين مطيعين. فقال جبرئيل عليه‌السلام : قد فعل. فما زالوا على تلك السنّة [حتّى غيّرها] عمرو ابن لحيّ بن خندف الخزاعيّ. وهو أوّل من عبد الأصنام في العرب وبحرّ البحيرة وسيّب السائبة.

(وَأَرِنا مَناسِكَنا) : علّمنا شرائع ديننا. وأصل النسك : العبادة.

[١٢٩] (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ). هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يقول : أنا دعوة أبي إبراهيم. و (فِيهِمْ) ؛ أي : في العرب. (الْكِتابَ) : القرآن. (وَالْحِكْمَةَ) : المعرفة بالدّين والفقه. (وَيُزَكِّيهِمْ) : يطهّرهم من الشرك والكفر. وقيل : بأخذ الزكاة من أموالهم.

[١٣٠] (وَمَنْ يَرْغَبُ) : يزهد. (عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) : عن دين الإسلام. (سَفِهَ نَفْسَهُ) : أهلكها.

[١٣٢] (وَوَصَّى بِها) : بملّة الإسلام (إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) الأربعة : إسماعيل وإسحاق ومدين ومدائن. (وَيَعْقُوبُ) بن إسحاق أوصى بنيه أيضا بها ؛ أي : بملّة الاسلام. (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) : اثبتوا على الإسلام إلى الموت.

[١٣٣] (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) : حاضرين (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي). قال اليهود : إنّ يعقوب أوصى بنيه بدين اليهوديّة. فأنزل الله الآية تكذيبا لهم.

[١٣٤] (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) : فرقة قد سلفت. يعني إبراهيم وبنيه ويعقوب وبنيه.

٢٠