حاشية على الكفاية

محمد علي حائري قمي

حاشية على الكفاية

المؤلف:

محمد علي حائري قمي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٠٥

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على خير خلقه محمّد وآله الطّاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدّين امّا بعد فيقول العبد محمّد على القمى على عنه هذه حاشية علّقتها على الكفاية لشيخنا العلّام الخراسانى طاب ثراه رجاء لان ينتفع بها بعض اهل العلم من المشتغلين ويصير ذلك سببا لفوزى وفلاحى فى يوم الدّين وعلى الله توكّلى وبه استعين

في موضوع العلم :

قوله : انّ موضوع كلّ علم وهو الّذى يبحث فيه عن عوارضه الخ اقول قالوا بالموضوع لكلّ علم ولاحظوه في تصنيفاتهم في العلوم المدوّنة وجعلوا ذلك من اجزاء العلم والزموا بمعرفته مقدّمة للشروع في العلم لما ثبت وظهر عندهم من انّ جهة وحدة العلم وتمايز العلوم كلّ منها من الآخر بعد أن كانت جميعها حقيقة واحدة او انّ كل قضيّة علما خاصّا هو الموضوع فيما يبحث فيه عن عوارض ذلك الموضوع عوارضه الذّاتيّة فهو علم كذائى فصار سببا لتمايز العلوم وعدّ بعض منها علما خاصا كالنّحو والصّرف والمنطق وهكذا وان قلنا بانّ تمايز العلوم وجهة امتياز بعضها من بعض هو الاشتراك في الفائدة فكلّ مسئلة فائدتها حفظ اللسان عن الخطأ في المقال هى من النّحو فمناط الوحدة هو ترتّب هذه الفائدة كما ربّما يظهر من بعض واختاره المص ره فلا وجه بعد لذكر الموضوع للعلم ولا لبيان العوارض ذاتيها وغربيها فعلم النّحو هو العلم الّذي يحفظ به اللسان عن الخطأ في المقال فكلّ مسئلة يكون فائدتها ذلك هو من مسائل النّحو وجامع شتاتها هو تلك الفائدة ولو كان الموضوع مختلفة في تلك المسائل كالمحمول ولم يكن عرضا ذاتيا للموضوع

[أمور :]

نعم على شرب القوم لا بدّ من تنقيح امور ليتضّح بها المرام

الأوّل : انّ موضوع العلم هو ما يبحث في ذلك العلم من

٢

عوارضه الذّاتيّة وهذا ممّا صرّح به القوم في شرح الموضوع لكلّ علم ولا اشكال فيه ولا خلاف.

الثّاني : انّ العرض الذّاتي ما يكون عارضا للشّيء بلا واسطة في العروض بان يكون العرض في الحقيقة عارضا لغيره ثمّ له بواسطته بل كان عارضا له حقيقة وإن كان له واسطة في الثّبوت اى يكون للعروض علة غير الذّات لا يقال انّ موضوعات المسائل مغايرة في الأغلب لموضوع العلم في العموم والخصوص فالعوارض الثّابتة لها ليست ثابتة له بلا واسطة فكيف التوفيق لانّا نقول العوارض الثّابتة لموضوعات المسائل ثابتة لموضوع العلم حقيقة اذ هى مصاديق له وموضوع العلم كلّى طبيعى هو كلى في موطن الذّهن وجزئىّ في موطن الخارج والجزئيّات والمصاديق في الحقيقة عين الكلّى الطّبيعى ويعرضه الكليّة والجزئيّة المنطقيّان بحسب اختلاف الظّرف والموطن والتّحقق والّا فهما متحدّان فالعوارض لموضوعات المسائل هى العوارض لموضوع العلم.

والثّالث : المسائل على شرب الجماعة هى القضايا الّتى يكون محمولاتها من العوارض الذّاتيّة لموضوع العلم فكلّ محمول يكون عرضا ذاتيّا لموضوع العلم المتّحد مع موضوع المسألة خارجا فهو من مسائل هذا العلم دون علم آخر وهكذا وامّا معرفة ان المسائل هى المحمولات المنتسبة او نفس النّسبة او نفس القضيّة فليس لها كثير نفع وزيادة فائدة قوله : والمسائل عبارة عن جملة قضايا متشتّتة الخ اقول ولا يخفى عليك انّ اللّازم على المص في جريه ابتداء من ذكر الموضوع وبيانه ان ينتهى ببيان مسائل العلم الى ما ذكرنا وإن كان غرضه الجرى على ما هو مختاره من انّ وحدة العلم بلحاظ الغرض والفائدة كما انتهى اليه في بيان المسائل كان الواجب ان يبتدأ بجهة وحدة العلم بالغرض ولم يتعرّض لموضوع العلم على ما ذكروه وتوضيح مرام المصنّف وتنقيحه انّ الملاك في اتّحاد العلم ووحدته مع تشتّت العوارض وموضوعاتها هو وحدة الغرض منها بان يكون الغرض والمهم في الجميع امرا واحدا فلو كان المهم كذلك بعد الجميع علما واحدا ويفرد بالتّدوين لذلك وإن كان المحمولات كثيرة ومتشتّتة وكذلك الموضوعات فلو كان الغرض متعدد او غير متّحد بتكثر العلم وإن كان موضوع المسائل واحدا فجهة التميّز انّما هى جهة البحث من جهة اختلاف الغرض والمهم فلذا قد يتداخل بعض المسائل فيكون من مسائل العلمين لما له دخل في المهمّين ويدوّن فيهما كبعض مسائل الأمر والنّهى حيث يدوّن في المعاني والأصول والفارق هو ما ذكرنا من جهة وحدة البحث فوحدة الموضوع والمحمول لا يفيد في اتّحاد العلم لو كان الغرض والمهم مختلفا ومتكثرا كما انّ اختلافهما لا يتكثّر العلم مع وحدة المهم فاذا صار الغرض واحدا واختلفت موضوعات المسائل فلو كان لها جهة وحدة طبيعية كان كان لها قدر مشترك حقيقة بان يكون اختلافها في الخصوصات مع وحدة الطّبيعة فذلك الطّبيعة هى موضوع العلم والعوارض المحمولة على الموضوعات عوارض لها حقيقة لاتّحادها معها وعينيّتها

٣

في الخارج ولو لم يكن كذلك ينتزع منها مفهوم واحد وامر اعتبارى يصدق على الجميع ويكون هو الموضوع لا بلحاظ نفسه بل بلحاظ حكايته عن الموضوعات ومراتبيّة لها ففى الحقيقة لا موضوع للعلم الّا تلك الموضوعات وذلك المفهوم انتزع منها مرآتا لها وجامعا لشتاتها ومحدّد ذلك العلم ومعيّن وحدته في الحقيقة ح هو الغرض والفائدة دون الموضوع كما لا يخفى.

[في وجه تمايز العلوم :]

واعلم انّ المعروف فيما بين القوم انّ تمايز العلوم انّما هو بتمايز الموضوعات وتمايزها انّما هو بتمايز الحيثيّات امّا وجه اختيارهم التّميز بينها بالموضوعات مع انّ التّميز يحصل بوحدة الغاية والفائدة كما صرّحوا بذلك ايضا لأنّ الموضوع جهة وحدة المسائل نظرا الى ذاتها فهو مميّز ذاتى بخلاف الغاية والمنفعة فانّها لما كانت خارجة عنها فيكون الوحدة الحاصلة لها بها وحدة بالخارج عن الذّات ولا شبهة في انّ جعل الذّاتي سببا للوحدة وجامعا للشّمل اولى من جعل الخارج فلا يكون تمايز العلوم في نفسها وبالنّظر الى ذواتها الّا بحسب الموضوع وامّا المحمولات فلا يمكن جعلها ملاكا لوحدة العلم وكثرتها لأنّ اللّازم عليه ان يجعل كلّ مسئلة علما كما لا يخفى فان قلت لا يمكن جعل ملاك الوحدة والكثرة بالموضوع وحدة وكثرة لأنّا نرى علمين متمايزين يكون موضوعهما امرا واحدا كالنحو والصّرف مثلا حيث انّ موضوعهما الكلمة وهى موضوع احد قلت نعم الّا انّها من حيثيّتين مختلفتين فهى من حيثيّة الصّحة والاعتلال موضوع لعلم الصّرف ومن حيث الأعراب والبناء موضوع لعلم النّحو فان قلت لا يكفى ذلك في التّعدد لو اعتبر الحيثيّة تقييديّه لأنّ الكلمة حال تقييدها بحيثيّة الأعراب والبناء يبحث عنه في علم الفصاحة والبلاغة ايضا ولو اعتبرت تعليليّته لا معنى لها ولا يترتّب الغرض عليه قلت نعتبرها تقييديّه ونقول لا منافاة بين البحث عنه في علم الفصاحة حال تقييدها بحيثيّة الأعراب وعدم البحث عنه بشرط التّقييد فكأنّه اعتبر الكلمة في موضوع المعاني بشرط لا وفي موضوع علم النّحو مقيّدة بقيد خاص والفرق بينهما في غاية الوضوح فت جيّدا حيث انّ المحمولات في علم النّحو ليست عارضة للمقيّد بل انّما هى عارضة لذات الكلمة فتلخّص انّ الموضوعين لو تعدّدا ذاتا يصير سببا لتعدّد العلم ولو اتّحد بتعدّد بالحيثيّة فلم تصل النّوبة الى القول بان التّعدّد هنا من جهة اختلاف البحث النّاشى من اختلاف الغرض والمهم ومن هنا ظهر انّه لا يتداخل بعض المسائل حيث انّ الموضوع فيهما وإن كان متّحدا الّا انّ الاختلاف بحسب اختلاف الحيثيّات على ما مرّ فان قلت لو لم يكن تمايز العلوم بتمايز الغايات فكانت العلوم علما واحدا ويكون الجميع مندرجا تحت العلم الإلهي بالمعنى الأعم لكون موضوعه الموجود بما هو موجود فيكون العرض الذّاتي لأنواعه عرضا ذاتيّا له لمكان الاتّحاد بينها وجودا قلت لا اشكال فى انّ الأعراض الذّاتيّة للنّوع ليس عرضا ذاتيا للجنس لأن عروضه انّما هو بسبب امر خارج اخص وهو الفصل

٤

وليس من قبيل عروض الفصل للجنس والحاصل انّ المعتبر في العرض الذّاتي عروضه للمعروض من حيث ذاته من غير ان يتوقّف عروضه له على صيرورته نوعا معيّنا اوّلا ليعرضه ذلك العارض ثانيا وفي المقام كذلك حيث انّ في ساير العلوم انّما يعرض الموجود بعد صيرورته نوعا معيّنا لا لما هو هو من غير توقّف وهذا هو المراد من قولهم في تعداد العرض الغريب او العارض لأمر خارج اخصّ فتبصّر فظهر ممّا ذكرنا انّه لا وجه للعدول عن الملاك الّذى ذكره القوم مع عدم محذور فيه قوله : والّا كان كلّ باب بل كلّ مسئلة الخ اقول الظّ انّه مترتّب على كلا الأمرين امّا ترتّبه على الثّاني فواضح اللازم عدّ المحمول هو الملاك في الوحدة والتعدّد ذلك كما ذكرنا وصرّح به القوم في كتبهم وامّا ترتّبه على الثّاني ففيه خفاء نعم هو واضح لو قلنا بانّ ملاك الوحدة والتعدّد هو موضوع المسألة لأنّه عليه موضوعات المسائل كمحمولاتها متعدّدة ولكنّه ليس بشيء ولا يكاد يكون مرادا له للزوم التّهافت في كلامه ويمكن ان يقال في وجهه انّه لو كان ملاك التّعدّد تعدّد الموضوع لكان اللّازم عدّ كلّ مسئلة علما لأنّ الموضوع في كلّ مسئلة متعدّد ولكنّه ايضا ليس بشيء لأنّ الموجب للتّعدّد هو تعدّد موضوع العلم وموضوعات المسائل مرجعها الى الوحدة لأنّ المعروض فيها امر واحد في الحقيقة وإن كان متعددا اعنى انّها مع تشتّتها واحد لأنّها بلحاظه يحكم عليها كما سبق وقد يقال في وجهه انّه لو كان الموضوع في علم النّحو مثلا هو جنس الكلمة هى اللّفظ العربى فيلزم اتّحاد جميع علوم العربيّة وإن كان هو خصوص الأشخاص في المسائل يلزم تعدّد العلوم وإن كان كلّ صنف ونوع يلزم ايضا ذلك وإن كان شيئا آخر فليس ببيّن ولا مبيّن ولمّا كان الشّق الأوّل والأخير واضح الفساد ذكر الشقّ الممكن ورتّب عليه ما يترتّب عليه ولكن ذلك ايضا ليس بشيء كما تقدّم اذا لموضوع هو الذّات المقيّد بالحيثيّة اذ التّمايز انّما هو بالحيثيّة وهذا هو الكلام المعروف من صاحب الفصول بانّ قيدا لحيثيّة غير مفيد وقد تقدّم البحث فيه ويمكن ان يقال بترتّبه على خصوص المحمولات وجعل فساد الأوّل بما تقدّم الإشارة اليه من لزوم رجوع العلوم المتأخرة الى العلم الالهى بالمعنى الأعم او الى ما تقدّم من صاحب الفصول من بطلان الحيثيّة ولزوم التميّز إلى حيثيّة البحث النّاشى عن الغرض على ما تقدّم

[في الإشكال على جعل الملاك الغاية :]

ولك ان تقول بعدم امكان جعل ملاك الوحدة والتّعدد الغاية والمنفعة بوحدتها وتعدّدها لأنّ لكلّ مسئلة منفعة مترتّبه عليها فلو كان ملاك تعدّد العلم بتعددها يلزم تعدّد العلم الواحد بعلوم متعدّدة بحسب غايات مسائله ولك ان تفرض غاية واحدة لجميع علوم العربيّة وهى الاطّلاع على خصوصيات لفظ العرب فكلّ ما يقال في الموضوع يقال في الغاية حرفا بحرف فت قوله : وقد انقدح بذلك ان موضوع علم الأصول اقول لما كان الملاك في اتّحاد العلم هو وحدة

٥

الغرض كان الغرض من علم الأصول استنباط الأحكام او ما عليه العمل في مورد الاشتباه كان كل مسئلة يترتّب عليها تلك الفائدة من مسائل الأصول فيكون موضوعه هو الجامع لشتات تلك الموضوعات والكلىّ المنطبق عليها بما هو مرآة لها هذا هو التّحقيق عند المص ولا اشكال عليه وامّا على ما افاد القوم من انّ موضوع العلم هو الأدلّة بما هى ادلّة كما هو ظاهرهم لو ذواتها لا بما هى أدلّة كما هو مختار بعض المتأخّرون فلا يكاد يتمّ بحيث ينطبق على جميع ما يذكر في العلم لخروج مباحث الألفاظ مع انّ البحث عنها عام في تعيين معناها بحسب اللّغة وهذا البحث غير مختص بالأدلّة وقد يوجه بانّ الغرض هو الألفاظ الواردة فى الكتاب والسّنة والبحث عنها بحث عن اجزاء الموضوع اذا جعل الكتاب والسّنة عبارة عن مجموع الألفاظ المدلول عليها بما بين الدفّتين ومجموع الأخبار المنقولة او عن جزئيّاته اذا جعلا عبارة عن القول المنزل للاعجاز وعن قول المعص او ما قام مقامه غاية الأمر انّه على بعض التقدير يكون عن عوارض الجزء الأعم وكذلك يخرج على الأوّل البحث عن حكم العقل مستقلّة وغير مستقلّة اذ ذلك ايضا بحث عن وجود الدّليل لا عن احواله بعد وجوده اذا البحث في ذلك عن وجود حكم العقل الكذائي او وجود الملازمة بين وجوب الواجب ومقدّماته والبحث في احوال الموضوع هو البحث عن الهليّة المركّبة لا البسيطة وكذلك يخرج على القولين البحث عن غير واحد من المسائل كمبحث الخبر الواحد وعمدة مباحث التّعادل والتّرجيح ولا يفيد في ذلك التوجيه بانّ البحث فيها حقيقة بحث عن ثبوت السنّة وهو قول المعص بخبر الواحد في مسئلة حجيّته خبر الواحد او اىّ الخبرين في باب التّعارض فانّ في ذلك الباب يبحث عن حجيّة الخبر فعلا وذلك لأنّ البحث إن كان عن ثبوته واقعا كان البحث عن وجود الموضوع والبحث عن وجود الموضوع ليس بحثا عن عوارضه وهو خارج عن المسائل وإن كان البحث عن ثبوته تعبّدا فهو ليس بحثا عن قول المعص بل هى عارضة للحاكى عنه فانّ مرجع الثبوت التّعبدى الى وجوب العمل على طبقه كالسّنة المعلومة ولا معنى للبحث عن حجيّة قول المعص تعبّدا عند تحقّقه ووجوده ولو كان عارضا للقول المعص لكان الأمر كذلك فان قلت مرجع البحث الى انّ السّنة هل له وجود تنزيلى بحسب التعبّد او لا والبحث عن وجوده الكذائى بحث عن احوال السّنة قلت معنى وجوده التّنزيلي وجود شيء يجب العمل به فالّذى يبحث عنه في العلم اثباتا وعدما هو وجوب العمل وهو عارض للخبر لا للسّنة وبعبارة اخرى يكون البحث عن وجوده التّنزيلى البحث عن آثارها وآثارها انّما يكون عوارض لغيرها لا لنفسها كما هو واضح ثمّ انّه على هذا يخرج الأصول العمليّة لأنّه ليس بحثا عن احوال الأدلّة وليس واقعا في طريق استنباط الأحكام وإن كان ينتهى الى الحكم الشّرعى في بعضها وهو الأصول الشرعيّة دون العقليّة منها فيلزم كونها استطرادا ولا وجه له مع انّ كتب الممهّدة مشحونة بتنقيحها وتحقيقها فنقول الغرض المهم للأصولى

٦

في تدوين الأصول ذكر ما يفيد للفقيه في الاستنباط او كان مرجعه بعد العجز عنه فيكون جميعها داخلا في العلم وليكشف عن ذلك ذكرهم ايّاها في الكتب الممهّدة من المسائل وان اغمضوا عنه في مقام التّعريف بل وان لم نستكشف ذلك عنهم نقول انّ اللّائق في العلم ان يكون كذلك لأنّ الفقيه محتاج اليهما بل احتياجه الى الثّاني اشدّ فتيقحه فيما هو بمنزلة المقدّمة والأصل له اولى واحرى فيكون الأصول العمليّة ايضا من المسائل بل ما يتجدّد ويختلف من المسائل ايضا منه وان لم يكن منه قبل ذلك فان قيل اىّ فرق بين الاستصحاب اذا قلنا باستفادته من الأخبار والبراءة الشرعيّة وقاعدة الطّهارة وقاعدة الضّرر حيث انّ الأوّلتان اصوليّتان والأخيرتان فقهيّتان قلنا الفرق انّ الأوّلتان تستعملان في تحصيل الحكم وفيما اذا كانت الشّبهة حكميّة وتنقيح موارده مختصّ بالمجتهد بخلاف الأخيرتين اذ ليس بعد الحكم بهما الّا تطبيق الموارد بهما فيما اذا اشتبها فيكون جميع المكلّفين فيه شرع سواء وقد يختلف المقلّد مع مفتيه في مورد خاص وكيف كان كلّ ما يختصّ اعماله بالمجتهد في طريق الحكم وتعيين الحكم به فهو مسئول عنه في الأصول وما لا دخل له في الحكم وإن كان يستعمل في تعيين افراده وموضوعاته ويكون الكل فيه مشتركا وما كان له اختصاص بالمجتهد فهو مسئول عنه في الفقه كجميع المسائل مع كليّتها وان شئت توضيحا في ذلك نقول انّ الاستصحاب مثلا فيما اذا كانت الشّبهة حكميّه لا بدّ له من يقين بالحكم سابقا وشكّ فيه لا حقا وهذا اليقين والشّك وظيفة المجتهد اذ هو الّذى يعلم بثبوت الحكم من دليله ويرى عدم دلالة الدّليل على الحكم في الزّمان الثّانى ولا يرى دليلا آخر عليه في هذا الزّمان اثباتا ونفيا بعد التفحّص في الأدلّة فيستصحب وكذلك الحال في البراءة عند الشكّ في الحكم اذ هو الّذي لا بدّ له من الفحص عن الحكم من الأدلّة فبعد عدم وجدان دليل على وجوبه او حرمته يحكم بالبراءة وكذلك الحال في جميع ما كانت الشّبهة فيه حكميّه بخلاف ما اذا كانت الشّبهة موضوعيّة فانّه ليس من شغل الفقيه من غير فرق في ذلك بين الاستصحاب وغيره من القواعد الكلّية كما انّ قاعدة الطّهارة فيما كانت الشّبهة حكميّة لم يكن من المسائل الفقهيّة وكانت ممّا ينتهى اليها في مقام العمل على ما ذكره المص في اوّل البراءة ولكنّه لم يبحث عنها لكونها ثابتة بلا كلام ومختصّة ببعض من الأبواب وكيف كان فهذا هو الفرق بين المسائل الأصوليّة والفقهيّة فظهر ممّا ذكرنا انّ موضوع علم الأصول لا وجه ان يجعل ذوات الأدلّة او بما هو ادلّة لخروج البحث عن الأصول العقليّة حيث انّه لم يستنبط منها حكم شرعى اذ ليس مفادها حكما شرعيّا وكذلك الظّن على تقدير الحكومة بل انّما هو عذر عند المخالفة ولا العمليّة منها لعدم وقوعها في طريق الاستنباط فتحصل من جميع ما ذكرنا انّ موضوع الأصول هو القدر المنتزع عن موضوعات المسائل بلحاظ مراتبيّة وحكايته عن حقيقة الموضوع اى يصير الموضوع في الحقيقة نفس موضوعات المسائل ونعبر عنها به من جهة

٧

تعسّر العلم اجمالا بالمسائل وتميزها عن مسائل غيره وان شئت عبر عنه بما يكون البحث عن عوارضه مفيدا في استنباط الحكم او فيما ينتهى اليه العمل فحصل انّ الأولى في تعريفه ان يقال هو العلم بالقواعد الّتى تقع في طريق استنباط الحكم الشّرعي او ينتهى اليه الأمر في مقام العمل فدخل الأصول العقليّة والظنّ على تقدير الحكومة بل مفاد جميع حجج الشّرعيّة على ما هو التّحقيق عند المص من انّ امرها كأمر الحجج العقليّة من كون مفادها عذرا لو خالف الواقع ويصحّ العقوبة على مخالفة الواقع اذا خالفه من دون انشاء حكم من الش على وفقه فانّها على هذا الاحتمال ليس مفادها حكما وليس ممّا ينتهى امرها الى الحكم الشّرعى كالظّن على تقدير الحكومة هذا ما استفدته في مجلس البحث وسيأتي تتميم هذا المقام فيما سيأتي انش قوله : وامّا اذا كان المراد من السّنة ما يعم حكايتها اقول لا يخفى عليك انّه يكون من احوال السّنة اذا كان المراد من الأدلّة ذواتها لا هى بوصف الدّليليّة لأن البحث انّما يكون عن حجيّة الحاكى ودليليّته وذلك ليس عارضا للدّليل بوصف دليليّته قوله : الّا ان البحث في غير واحد الخ اقول ليس المقصود انّ خروج هذا المباحث انّما يكون على هذا التّقدير بل هذا خارج على كلا التّقديرين كما سبق مشروحا.

قوله : ويؤيّد ذلك تعريف الأصول اقول اشار بقوله ذلك الى انّ الموضوع في العلم ليس خصوص الأدلّة ووجه التّأيد لانّه يستفاد من التّعريف انّ كل قاعدة مهدت للاستنباط فهو من المسائل سواء كان من عوارض الأدلّة او لا وقيل في المراد منه غير ما ذكرنا والأمر هيّن قوله : وإن كان الأولى تعريفه بانّه صناعة يعرف بها الخ.

اقول لا يخفى عليك انّ التّعريف المذكور من المص مغاير لتعريف المشهور من وجوه ثلاثة

[الوجه] الاوّل : انّه عبر بالصّناعة لا العلم حيث انّ المراد من المحدود هو الفنّ المركّب من المسائل وغيرها وهو مغاير للعلم بمعانيه الممكنة في المقام لكنة يمكن ان يقال انّ الفنّ هو الأصول والمعرف هو علم الأصول فينطبق على الحد وهو العلم بالقواعد وإن كان الاحتياج في التعريف هو المضاف اليه الّا انّه لا يمنع الأولويّة

[الوجه] الثّانى : انّه عبر بقوله يمكن ان يقع في طريق استنباط الأحكام مقام قولهم الممهّدة لاستنباط الأحكام وذلك لأنّ المراد بالتّمهيد إن كان هو التّدوين فذكره مخلّ بالحد لأنّ لازمه خروج ما لم يمهّد بعد من المباحث اذ ربّما يظهر مسائل لم يتعرّض له في الكتب ومن المعلوم تزايد العلوم بتزايد الأفكار بل قد يقال انّ حقايق العلوم امور تاصّليّة غير موقوفة على التّمهيد والعدوين؟؟؟ بل هى مركبّة من نسب واقعيّة واقعة بين قضايا فالنّحو مثلا هى نفس تلك القضايا نعم العلم به هو العلم بتلك القضايا وإن كان المراد بالتّمهيد الاستدلال والنّظر اىّ القواعد الّتى استدلّ عليها ويصير المراد هو العلم بالقضايا الواقعيّة الّتى عرفت بالنّظر والاستدلال لمعرفة الأحكام الشّرعيّة فذكره ايضا مخلّ بالحديث انّ ظاهره هو الممهّدة في السّابق فيخرج المسائل المتجدّدة واجاب من فسّر

٨

التّمهيد بالاستدلال والنّظر عن الأشكال بانّ المراد بالممهّدة ما مهّده العالم بها يعنى القواعد الّتى من تنبّه بها استدلّ عليها للاستنباط سواء استدلّ عليها سابقا أو لا ولكنّ الأشكال في كون المراد بالتّمهيد هذا اذ التّمهيد مأخوذ من قولهم مهدت الفراش اى بسطتها وحقيقة معناه التهيّؤ لكنّه بالنّسبة الى كلّ شيء بحسبه فتهيّة الفراش بسطها وتهيّة القواعد ذكرها وتدوينها والتّنبيه عليها وامّا الاستدلال عليها فهو لازم العلم بها اذ المراد بالعلم التّصديق ولا بدّ له من الاستدلال والنّظر ويمكن ان يقال انّ المراد من الممهّدة المستخرجة يعنى القواعد الّتي استخرجت للاستنباط اى كان غرض المتنبّه بها الاستنباط ولا خصوصيّة للمخرج فكل من تنبّه بها اخذها لوقوعها في الاستنباط فلا اشكال وكيف كان فهذا لو يدفع الأشكال لا يدفع الأولوّية

و [الوجه] الثّالث : زيادة قوله او الّتى ينتهى اليها في مقام العمل لشمول مسئلة حجيّة الظّن على الحكومة ومسائل الأصول العمليّة في الشّبهات الحكميّة على ما قد مرّ توضيحه فعليه يكون المراد بالأولويّة التّعيينيّة كما في آية اولو الأرحام ولا يخفى عليك انّه لو كان المراد بالأحكام اعم من الواقعيّة والظّاهريّة يكون الأصول العمليّة كاستصحاب الحكم مثلا داخلا في طريق استنباط الحكم الفرعى ولذا قال المص في مبحث الاستصحاب ما لفظه ولا يخفى انّ البحث في حجّيته مسئلة أصوليّة حيث يبحث فيها لتمهيد قاعدة تقع في طريق استنباط الأحكام الفرعيّة وليس مفادها حكم العمل بلا واسطة وإن كان ينتهى اليه كيف وربّما لا يكون مجرى الاستصحاب الّا حكما اصوليّا انتهى

[الوضع]

[في تعريف الوضع :]

قوله : الوضع اقول لا يخفى انّ الألفاظ نسبة كلّ واحد منها بالنّسبة الى كل واحد من المعاني واحدة لا تفاوت في واحد منها نعم على القول بكون دلالة الألفاظ ذاتيّة يكون لكلّ منها خصوصيّة بحسب ذاتها مع واحد من المعاني وذلك فاسد بحسب وجداننا بل المشاهد خلافه نعم يمكن جعل الاختصاص بينهما بان يجعل اللّفظ بازاء المعنى بحيث اذا شوهد ذلك اللّفظ شوهد المعنى ويصير فانيا فيه وتحقّق هذا الاختصاص بالجعل فيما لا ينبغى النّزاع في وانّما النّزاع في انّه بم يحصل هذا الاختصاص

[في أن الوضع لا يحتاج إلى الإنشاء :]

فنقول هذا الاختصاص انّما يتّصف اللّفظ به في الذّهن دون الخارج وليس من الموجودات الخارجيّة بل من الأمور الانتزاعيّة الّتى ينتزعها العقل ومنشؤه انّما هو التّباني والالتزام على كون اللّفظ الخاص مقابلا للمعنى الخاص بحيث كلّما اريد إراءة المعنى ارى ذلك اللّفظ وهذا الالتزام والتّباني قد يكون من واحد وقد يكون من جماعة خاصّة وهل يكفى ذلك في حصول ذلك الاختصاص بنظر العقلاء وبه يحصل منشأ ذلك الاختصاص في طريقتهم والغرض عدم الاحتياج الى انشاء الاختصاص في حصول الوضع وإن كان لا علام الغير بهذا البناء او علمه دخلا في حصول الغرض وهو الإفادة والاستفادة كما لا يخفى او لا بدّ له من انشاء لفظى من ان يقول مثلا جعلت اللّفظ بازاء هذا المعنى كما ربّما بشاهد في بعض الأمور كجعل الولاية و

٩

السّلطان والهبة بحيث لا يكتفى في تحقّق هذا الأمور بمجرّد الالتزام القلبى ولا بدّلها من الإنشاء الخارجى ولو بالمعاطات الفعلي لا اللّفظ القولى وجهان نعم الظّاهر عدم كفاية مجرّد انشاء اللّفظى بلا التزام وتعهّد في البين يعنى يكون منشأ الانتزاع هو نفس الإنشاء بلا احتياج بان يكون ذلك من جدّه وكونه مرتبا من وجود المعنى بحسب نظره الواقعي كما انّ حصول الاختصاص بعد هذا البناء والإنشاء لا يستلزم الاستعمال اى لا دخل له في منشئيته للانتزاع بل يكون الاستعمال بعد حصول ذلك الاختصاص وتابعا له نعم قد ينشأ بنفس الاستعمال على ما سيأتي الإشارة ولا يبعد ان يقال بعدم لزوم الإنشاء للّفظى كما يشاهد في الأعلام حيث انّ الأب لمّا راى اسم ولده زيدا والتزم انّه زيد يصحّ استعمال زيد اذا علم ذلك منه ولو لم ينشأ بعد وليس منشأ اعتباره إلا روية من له الأمر انّ اللّفظ هو هذا المعنى بلا احتياج الى شيء آخر وليس ذلك مخالفا للمشهور الّذين قالوا بانّ الوضع تعيين اللّفظ بازاء المعنى حيث انّه لم يعلم منهم ذلك بالإنشاء ولعلّ مرادهم التّعيين ولو بحسب قلب الواضع والتزامه بانّ هذا ذاك اذ ذلك هو حقيقة التّعيين على ما لا يخفى.

والحاصل انّه يكفى في الوضع الإنشاء القلبى الّذى هو الالتزام القلبي بانّ هذا ذاك لانتزاع الاختصاص بين اللّفظ والمعنى وهذا هو الوضع التّعيينى فان قلت هل يكون الاختصاص النّاشى عن البناء والالتزام بين كلّى اللّفظ والمعنى الخاص او خصوص الألفاظ الصّادرة بخصوصيّتها فعلى الأوّل كيف يعقل ذلك والحال انّه بما هو هو ليس الّا هو وفي عالم تقررها ليست الّا هو وعلى الثّاني كيف يعقل التصرّف فيها مع انّها غير موجودة والحاصل انّه لو لم يتصرّف في اللّفظ لم يكد يحصل الاختصاص ومع لزوم التصرّف لم يعقل في كلّيه وجزئيّاته لعدم قابليّتهما للتصرّف فيه قلت التّصرف فيه ليس بتصرّف خارجي فيه بحيث يكون تلك الخصوصيّة خارجيّة كما يكون الأمر كل في مثل الفوقيّة وامثالها بل التّصرف فيه بالاعتبار وذلك الاعتبار ليس بلازم اعتباره في كلّ الفاظ خاصه بل انّما يعتبر في كل كليّة الطّبيعي الموجود بوجود اشخاصه بان يكون الالتزام يكون هذه الطّبيعة فانيا في هذا المعنى الخاص وهذه الطّبيعة كسائر الطّبائع قابلة لأن يلتزم به كذلك فينتزع الاختصاص بينه وبين المعنى وليس اللازم ان يكون التصرّف الكذائي في كل واحد واحد من الألفاظ الصّادرة حتّى يكون نحوه من قبيل الفوقيّة الخارجيّة الّتى لا بدّ له من خصوصيّة خارجيّة في خصوص ما ينتزع منه ذلك وفي الحقيقة كل لفظ خاص لما كان هو الطّبيعة بحسب الموطن الخارج بلا خصوصيّة للخصوصيّات فالالتزام على الفناء في الطّبيعة عين الالتزام في الفناء في الخصوصيّات من حيث انّها هى الطّبيعة ومنشأ الانتزاع ايضا ينتزع من ذلك نعم لو كان لخصوصيّة الألفاظ دخلا في الفناء فلا بدّ ان ينضمّ الالتزام بتلك الخصوصيّة

١٠

فت جيّدا قوله : نحو اختصاص اللّفظ بالمعنى وارتباط خاص الخ اقول ولا يخفى عليك انّ المقصود بالتّكلم لما كان هو الألفاظ وبيان احوالها ممّا متعلّق بغرض الاستنباط كان المقدّمة بيان حال الوضع الثّابت لها فيكون الملحوظ منه هو المعنى الحاصل في الألفاظ وامّا حيث انتسابه الى الواضع الذي هو فعله فلا اثر متعلّق به ولذا لا يحتاج في ذلك الفنّ الى تعيين حال الواضع من انّه الله او غيره من المخلوقين او غير ذلك من المباحث المتعلّق به نعم ربّما يحتاج اليه بلحاظ انّه سبب لحصول ذلك الوصف فنقول ح لمعروف عند القوم في تعريف الوضع تعيين اللّفظ للدلالة على المعنى بنفسه وربّما اقتصر على ما عدى بنفسه والوضع بهذا المعنى لا يستقيم تقسيمه الى التّعييني والتعيّني وذلك لوضوح انّ الوضع بهذا المعنى هو فعل المتكلّم ولا يكاد يشمل التعيّن الّذى هو من صفات اللّفظ وذلك على تقدير ان يكون المراد من التعيين لإنشاء اللّفظى من الواضع واضح وعلى تقدير عدمه بان يكون المراد هو الإنشاء القلبى والالتزام الجدّى ايضا معلوم حيث انّه بهذه الخصوصيّة ليس هو صفة اللّفظ وربّما صار ذلك سببا للاشكال عليه بانّه غير شامل لوضع المنقولات وربّما عمّم التّعيين بما يتناول التّعيين عن قصد والتّعيين من غير قصد فيكون مشمولا للمنقولات ولكنّه لا يخلو عن اشكال لأنّه إن كان من باب استعمال اللفظ التّعيين في القدر المشترك بين التّعيين والتّعين فهو غير متصوّر لنا اذ لا قدر مشترك بين الإنشاء الحاصل باللّفظ او الالتزام الجدّى وبين التعيّن وغيره استعمال اللّفظ في المعنيين نعم لو عرف الوضع كما في عبارة المص بانّه نحو اختصاص اللّفظ بالمعنى صح تقسيمه الى التعيّنى والتّعيينى وتوضيحه ان الوضع نحو اختصاص للّفظ بالمعنى بحيث اذا اطلق ذاك اللّفظ يفهم ذلك المعنى بحيث صار اللّفظ فانيا فيه ومرتّبة من مراتبه بلا احتياج الى القرينة وذلك او لم يستعمل اصلا فيحصل فيه هذا الاختصاص بجعله ووضعه ويسمّى بالوضع التّعيينى وقد يحصل من كثرة استعمال اللّفظ في ذلك المعنى من غير جعل من جاعل بل كان سبب حصول هذا الاختصاص هو كثرة الاستعمال ويسمّى ذلك بالوضع التعيّنى وهنا سبب ثالث لحصوله وهو ان يحصل ذلك في اللّفظ بسبب استعمال خاصّ نشأ به هذا الاختصاص فيه كما اذا اراد الوالد تسميته ولده فيقول خذ زيدا مريدا بهذا الاستعمال تسميته به وجعله بازائه والفرق بينه وبين الأوّل واضح اذ فيه جعل لكلّى اللّفظ من دون نظر الى الاستعمال بل يترتّب عليه الاستعمال اى صحّته لا وجوده وهنا جعل بالاستعمال الخاص وان شئت تجعله قسما من الأوّل وقد يقال بانتفاء الوضع التعيّنى ورجوعه الى الوضع التّعيينى بالمعنى الأخير وتوضيح ذلك انّ الاستعمال

١١

في المعنى المجازى ما دام مقارنا بالقرينة ايّاما كانت لم يستلزم الوضع واختصاص الخاص واوّل موضع استعمل اللّفظ فيه بلا قرينة ان كان يحصل الاختصاص والوضع فيه بهذا الاستعمال بان قصده المستعمل بهذا الاستعمال فذلك هو الوضع التّعييني بالمعنى الأخير غايته ان سبب استعماله كذلك كثرة استعمال اللّفظ في ذلك المعنى فإن كان هناك فرق فهو الفرق في الدّواعى لا في اصل الوضع فان لم يكن كذلك اى لم يكن الاستعمال محصّلا للوضع والاختصاص فالاستعمال غير صحيح الّا مع ملحوظيّة القرينة ووجودها حقيقة او تقديرا فيكون ذلك الاستعمال كالاستعمالات السّابقة عليه في عدم استلزامه الوضع وهلمّ جرّا حتّى ينتهى اليه وبعبارة اخرى الاستعمال ما دام مؤولا لا يكاد ان يكون حقيقة ولا يصير سببا لصحّة استعمال الأخر بلا تعويل والّا فهو حقيقة إن كان مسبوقا بالوضع او كان نفسه مصداقا له والتّحقيق انّ الوضع على ما سبق وهو نحو الاختصاص قد يحصل من كثرة الاستعمال مؤولا على القرينة اللّفظيّة ثمّ بلا قرينة مؤولا على ظهورها والشّهرة بحيث يصل الى مرتبة يظنّ انفهام المعنى من نفس اللّفظ ويصير القرينة منسيّة والمستعمل يستعمل لا بعنوان افادة الاختصاص بينهما بل بعنوان تحقّقه وثبوته وهذا امر ممكن لا مجال لمنعه ولكن تحقّقه في المنقولات والألفاظ المتداولة في غاية البعد بل فيها لما يكثر الاستعمال يستعمله المستعمل بلا تعويل مفيدا بنفسه المعنى بلا تعويل سواء هجر المعنى الأوّل الموضوع له او لا فيكون مشتركا على الأوّل وسمّه منقولا على الثّاني ولك ان تخرج هذا القسم من اقسام الوضع بان تقول لا بدّ من اختصاص المنتسب الى الوضع ان يكون منشؤه الجعل وهذا ليس منه حيث انّه ناش من امر مغاير له وهو الكثرة وذلك لأنّ الالتزام الجدىّ الحاصل بانّ ذاك اللّفظ هو ذاك المعنى الحاصل في الذّهن انّما هو حاصل بعد ذلك الاختصاص القابل للانتزاع من الكثرة فلا يكون منشأ له لأنّه مؤخّر عند العقل نعم لو كان الكثرة سببا لاراءة وصار ذلك سببا لحصول الاختصاص يصير من اقسام الوضع لكنّ العقل والوجدان لا يرى الأمر كذلك ويرى صحّة الانتزاع من نفس الكثرة ولذا مال جماعة الى انّ الوضع التعيّني ليس من اقسام الوضع وبه صحّح تعريف القوم بانّه التّعيين وينقطع ما صار سببا للمصنّف من العدول اللهم الّا ان يمنع ذلك ويقال انّ المراد من الوضع ما كان للوضع دخل في حصول ذلك الاختصاص وهنا يكون الأمر كذلك حيث ان الكثرة انّما حصلت من الاستعمال في المعنى المجازي الحاصل بسبب الوضع اذ ذلك مقابل لما كان منشأ الدّلالة العقل او الطّبع اللهم الّا ان يمنع ذلك ويقال دلالة اللّفظ على المعنى المجازى ايضا ليس بسبب الوضع بل انّما هو عقلي او طبعى فتدبّر جيّدا ولعلّه ينقطع الكلام في ذلك فيما بعد انش قوله : ثمّ انّ الملحوظ اه اقول الوضع بمعناه المصدرى

١٢

وهو فعل الواضع لا بتحقّق الّا مع ملاحظة اللّفظ والمعنى وهو ينقسم بلحاظ تصوّر المعنى الى اقسام وذلك لأنّه قد يلاحظ المعنى الجزئي في حال الوضع ويعيّن اللّفظ بازائه وقد يلاحظ المعنى الكلّى ويعيّن اللّفظ بازائه او بازاء الجزئيّات الّتى هذا المتصوّر كلّى له ووجهه انّ اللّازم في الوضع هو تصوّر الموضوع له في الجملة ولو بالوجه بحيث يمكن الوضع بازائه فاذا لاحظ الكلّى وهو القدر المشترك بين الجزئيّات والأفراد كان كلّ من الجزئيّات والأفراد متصوّرا في الجملة وبالوجه ونفس الكلّى متصورا بالكنه والحاصل انّ معرفة الجزئى بمعرفة ما ينطبق عليه من الكليّات معرفة للجزئى بما هو جزئى لكن لا بكنهه وبخصوصية بل بوجه وفي الجملة ولو لا ذلك لانسد معرفة الصّانع ولزم التّعطيل وهذا التّصور يكفى في مقام الوضع وهنا قسم آخر اختلف كلام القوم فيه وهو تصوّر المعنى الجزئي وجعل اللّفظ بازاء كلّى هذا المتصوّر وقد اثبته جماعة والصّواب فيه المنع وفاقا لقدماء اهل العربيّة وذلك لأن تصوّر الجزئي ليس تصوّرا للكلّى بوجه لأن الخاص بما هو خاصّ ليس وجها للعام كالعكس نعم ربّما ينتقل من الخاص الى القدر الجامع بينه وبين غيره بعنوان النّوعيّة والجنسيّة فيوضع اللّفظ لخصوص نوعه او جنسه ولكنّه خارج عما نحن فيه ويصير من قبيل الوضع عامّا والموضوع له عاما غاية الأمر انتقل الى هذا الكلّى من هذا الخاص وذلك لا يضرّ كما ان اكثر المعقولات انّما يكتسب من المحسوسات فان قلت ما ذكرت من القسم الأوّل وهو كون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا ايضا كذلك لأنّ تصوّر الإنسان مثلا بما هو هو بلا تصوّر شيء آخر معه لم يكن كافيا لجعل اللّفظ لأفراده مثلا حيث انّها لم يلتفت اليها بعد بوجه ولو بالوجه ولا بدّ من الالتفات بطرف الرّبط حتّى يتمكّن من ربطه كما هو واضح فح اذا التفت اليه كان متصوّرا بعنوان الفرديّة لهذا المتصوّر فيكون ذلك سببا للانتقال الى المعنى الّذى هو سبب للوضع كما في محل الكلام ايضا الأمر كذلك قلت نعم لا بدّ من الالتفات الى الأفراد الّتى هى طرف الرّبط الّا انّه يكفى في معرفة هذا المتصوّر من حيث انّه هو في الخارج ومتّحد معه ولا يخرجه ذلك من ما تصوّرناه وهو كون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا لانّ كل ما انتقلنا اليه من الوجه هو العام ويكون من ما نحن فيه غايته انّه حصل له بواسطة ما تصوّره اولا من الكلّى وذلك بخلاف القسم الممنوع لأن بعد الالتفات الى غير ما تصوّرت من الخاص لا يمكن من الاكتفاء وبهذا المتصوّر الخاص بل لا بد من ان تعقّله بعنوان عام كلّى ككلّى هذا الفرد وهو عام يشتمل جميع ما يقع عليه وعلى غيره في الجواب بما هو هو فيكون من قبيل الوضع العام والموضوع له العام لا ما هو بصدده كما لا يخفى قوله : ولعلّ خفاء ذلك على بعض الأعلام اقول لعلّ مراده من بعض الأعلام الفاضل المحقّق صاحب البدائع حيث انّه بذل غاية المجهود في توضيح هذا

١٣

القسم وقال انّه قسم برأسه وهو امر شايع ذائع وليس ببديع واحتمل ان يكون من هذا القبيل المقادير بناء على كونها حقيقة في القدر المشترك بين التّام والنّاقص الّذي يساوق التّام في الفائدة المقصودة وعد منه وضع اكثر المركّبات بناء على اطلاقها على النّاقص وقال في توضيح مرامه انّ الواضع قد يلاحظ معنى ويضع اللّفظ بازائه من حيث كونه ذلك المعنى كما اذا وضع لفظا للانسان من حيث انّه انسان ويتّبع الوضع ذلك المعنى وقد يلاحظ معنى ويجد فيه معنى آخر ويضع اللّفظ بازائه لا من حيث كونه ذلك المعنى بل من حيث اشتماله على ذلك الأخر ثمّ شرع في المثال له من العرف والشّرع وبالتامّل في كلامه يظهر صدق ما افاده المصنّف ره من انّه يتصوّر الفرد تصوّر معنى آخر وهو العام ووضع اللّفظ بلحاظه فت جيّدا

[في وضع الأعلام :]

قوله : لوضع الأعلام اقول المعروف عندهم انّ العلم ما وضع للشيء مع جميع مشخصاته وقد اعترض انّ المشخّصات للشّيء تختلف باختلاف الخصوصيات انّا فانّا من الهرم والسّمن والهزال وغيرها فيلزم امّا ان يكون الأوضاع متعدّدا فيكون مشتركا لفظيّا لجميع تلك الخصوصيّات او يكون الموضوع له هو القدر المشترك بين جميعها فيكون الموضوع له كليّا فيخرج من القسم الخاص من الوضع ويدخل في تحت كليّة الموضوع له وقد يقال لدفع ما ذكر انّ الواضع لاحظ المشخّصات بما يمنع به تصوّر الشّخص عن وقوع الشّركة مثلا فوضع العلم لذلك الشّيء مع تلك المشخّصات الّتى جعل هذا المفهوم الكلّى مرآتا لملاحظتها فلا يضرّ تفاوت المشخّصات زيادة ونقصانا فلا يلزم تعدّد الأوضاع ولا كليّة الموضوع له ولكنّه على هذا يصير العلم من قبيل القسم الأخر وهو كون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا ويمكن ان يقال انّ منشأ التوهم هنا هو توهّم انّ المشخص لزيد مثلا هو الخصوصيّات اللاحقة به والعوارضات الّتى تتجدّد عروضه له بتوالى السّاعات والأزمان وقد يسمّى تلك العوارضات بما به التشخص وليس شيء منها داخلا في قوام الشّخص من حيث هو شخص بل هى عوارض خارجة من الشّخص يتوقّف عروضها على صيرورة الشّخص شخصا فلذا ترى بالضّرورة انّ هذه الاختلافات بتلك العوارضات انّما وقعت لزيد وكان الّذى وضع له اللّفظ متّحدا في جميع تلك الحالات بلا مسامحة عرفيّة بل العقليّة وكيف كان فلمّا كان الماهيّة من حيث هى هى نفس تصوّرها غير مانعة من الشّركة والشّخص منها نفس تصوّرها مانعة فلا محاله يكون ذلك لدخل شيء مع الماهيّة بسببه يكون المجموع كذلك وليس هو الّا الوجود الخاص الّذى به يمتاز الماهيّة عن ساير وجوداته ويكون ذلك عينا له في الخارج وزائدا عليها في الذّهن وشخصيّته انّما هو بنفسه وليس له كلّى وماهيّة محتاجة في التشخّص الى شيء آخر زائد على ذاته او يكون هنا شيء آخر كالوجود والغرض انّ كل ما يتوقّف الإنسان عليه من الجسميّة الخاصّة بوجود خاص هو الموضوع له للاعلام بلا خصوصية للعوارض الّتى بها يحصل الاختلاف في الخارج

١٤

فالموضوع له على ما ذكرنا مركّب من كل ما يتقوّم به قوام الإنسان وخصوصيّة الوجود ولا تتخيّل كما ربّما ينسب الى التّخيل من انّ الأعلام الشخصيّة ليست موضوعة للمركّبات بل انّما هى موضوعة للنّفوس النّاطقة المتعلّقة بالأبدان حتّى قيل في ردّه انّ من المعلوم كون زيد حيوانا ناطقا ولازمه ان يكون جسما وليس زيد من المجرّدات ولعلّ الى هذا يرجع ما يقال انّ المراد من الكثرة هو الكثرة الفردى دون الكثرة الأحوالي فزيد مثلا موضوع لمعنى لا يقبل التعدّد الفردى وهى الذّات المتشخّصة الخارجيّة وإن كان قابلا للتّعدد من حيث الأحوال من حيث الصحّة والمرض ونحوهما من الأحوالات المتخالفة والحاصل انّ الموضوع له الخاص فى الأعلام ليس الّا حيث خصوصيّتها الممتنعة من جهتها الصّدق على الكثرة ولا دخل لها في تلك الأعراض وانّما تلك الأعراض معتورة على المعنى الخاص كما قد يتصوّر ذلك في اسماء الأجناس بالنّسبة الى الخصوصيّات المعتبرة بالنّسبة اليها لا بشرط كما لا يخفى والى ما ذكر اشار المصنّف ره في مبحث الصّحيح والأعم حيث قال فيه الأعلام انّما يكون موضوعه للاشخاص والتشخّص انّما يكون بالوجود الخاص ويكون التّشخص حقيقة باقيا ما دام وجوده باقيا وان تغيّرت عوارضه من الزّيادة والنقصان وغيرهما من الحالات والكيفيّات وكما لا يضرّ اختلافها في التشخّص لا يضرّ اختلافها في التّسمية انتهى ومن جهة الأشكال واستصعاب دفعه التزم بعض المحقّقين بما ربّما يستصعب تصوّره حيث قال في مبحث الصّحيح والأعم في ذكر الوجوه المتصوّرة لقول الأعم الثّالث ان يكون اللّفظ موضوعا للمركّب من جميع الأجزاء لكن لا من حيث هو بل من حيث كونه جامعا لجملة اجزاء هى ملاك التّسمية ومناطها فاذا فقد بعض الأجزاء وصدق الاسم عرفا يعلم منه ان مناط التّسمية باق نظير الأعلام الشّخصية الّتى يوضع للاشخاص فانّ زيدا اذا سمّى بهذا الاسم في حال صغره كان الموضوع له هذه الهيئة الخاصّة لكن لا من حيث انّها تلك الهيئة الخاصّة ولذلك لا يفترق في التّسمية مع طريان حالات عديدة وهيئات غير متناهية بين الرّضاع والشيخوخيّة وليس ذلك باوضاع جديدة بل تلك الاستعمالات في تلك المراتب من توابع الوضع الأوّل انتهى ولا يخفى عليك انّ هذا امّا راجع الى كون الموضوع له امرا عامّا لا يضرّ زيادة بعض المشخّصات ونقيصته فيكون الموضوع له كليّا بحيث لو استعمل في مجموع التشخّصات الّتى يعرف الصّدق مع القاء بعض منها كان مجازا او راجعا الى مسامحة عرفيّة في الاستعمال من حيث انّ العرف يرى الناقص هو الزّائد فت ولعلّه ياتى زيادة توضيح في ذلك فيما سيأتي انش

[في بيان الوضع والمعنى الحرفي :]

قوله : وامّا الوضع العام والموضوع له الخاص الخ اقول توضيح كلامه انّهم مثلوا للوضع العام والموضوع له الخاص بمثل الحروف والأسماء المشابه لها كأسماء الإشارة والضّمائر والموصولات وغيرها ممّا يتضمّن معانى الحروف فانّ الواضع لاحظ حين وضعها المعانى الكلّية

١٥

ثم وضع اللّفظ بازاء كلّ جزئى من خصوصيّاتها وقال بعضهم انّ الموضوع له فيها ايضا عام كالوضع لكنّ المستعمل فيه اللّفظ خاص فيكون من الوضع العام والموضوع له عام الّا انّ المستعمل فيه خاص وقد يقال بانّه لا وجه لهم في ان يجعلوا الموضوع له فيها خاضا اى جزئيّا خارجيّا او المستعمل فيه كذلك مع كون الموضوع له عامّا مع أنّها كثيرا ما يستعمل في المعنى العام كما في نحو سر من البصرة الى الكوفة حيث لا خصوصة في ابتداء السّير منها بل يصدق على كل نقطة يبدأ بها وكذا حال الى ولو استعمل في موضع في الخصوصيّة فهو من باب الاتّفاق كما في سرت من البصرة كما انّ ذلك قد يتّفق في الأسماء مثل ابتداء سيرى من البصرة ولا وجه لهم ايضا في ان يجعلوه جزئيّا ذهنيّا بان يلاحظ المعنى آلة للغير وحالة له وانّه معنى حاصل في غيره فيجعل اللّفظ موضوعا لذلك المعنى مع هذا اللّحاظ فيكون جزئيّا ذهنيّا لأنّ فيه اوّلا انّ هذا اللّحاظ موجود في المعنى الاسمي وهو لحاظ المعنى بنفسه ولا يكون في الغير فكما انّ بسبب هذا اللّحاظ لا يخرج ذات المعنى عن الكليّة ولا يصير جزئيا ذهنيّا فكك ملاحظته بكون حالة للغير ومعنى لا يخرجه عن الكليّة ولا يصير جزئيّا وثانيا انّ هذا اللحاظ لا يكاد ان يصحّ جزءا للموضوع له لأنّه لحاظ للمعنى وتصوّر له ولا بدّ منه في حال الوضع ولو كان جزئيا للموضوع له فلا بدّ له من لحاظ آخر حال الوضع وهكذا لا يصحّ ان يكون جزء للمستعمل فيه والّا يلزم لحاظ آخر وتصوّرات آخر عند الاستعمال لأنّه لا بدّ للمستعمل من تصوّر المستعمل فيه اذا للّفظ انّما هو موضوع لذوات المتصوّرات لا لها بوصف تصوّرها وحصولها في الذّهن وكذلك الاستعمال انّما يكون في حاق المعنى لا بوصف انّها لوحظ كذلك عند المستعمل وهذا كما ترى اذ لا نجد في انفسنا ذلك وليس هنا تعدّد لحاظ وقد يقال في وجه لزوم التصوّر واللّحاظ غير ما هو جزء للمعنى انّ الاستعمال والوضع من الأمور الاختياريّة وهى تتوقّف على تعقّل متعلقاتها وتصوّرها كما لا يخفى مع أنّه يصير ح من قبيل الكلّى العقليّ الّذي لا موطن له الّا الذّهن لأن اللّحاظ هو التّشخص للمعنى ذهنا وبه يصير المعنى جزئيّا ذهنيّا بحيث لو لاحظه كذلك ثانيا يكون جزئيّا آخر فلا يكاد يصدق على المعنى الخارجى لأنّ الوجود الذّهني بما هو وجود ذهنى لا يصير وجودا خارجيّا والحاصل انّه لا فرق بين الموضوع له والمستعمل فيه في كون كليهما عامّا كالوضع امّا الموضوع له فلانه لو كان خاصا بالخصوصيّة الخارجيّة ففيه انّه كثيرا ما يكون المستعمل فيه كليّا بلا عناية في الاستعمال وهو لا يناسب مع خصوصيّة الموضوع له ولو كان خاصا بالخصوصيّة الذّهنيّة فيردّ عليه ما مرّ من الإشكالات الثلاثة وامّا المستعمل فيه لو كان خاصّا مع كون الموضوع له عامّا ففيه مع ما مرّ من انّه يكون المستعمل فيه كثير امّا كليّا بلا عناية انّه يلزم ان يكون دائما مجازا وهو مخالف للوجدان وانّه يلزم ان لا يستعمل فيما وضع له اصلا هذا لو كانت الخصوصيّة هى الخارجيّة

١٦

ويرد عليه ما عرفت آنفا فان قلت فعلى هذا يتّحد المعنى الحرفى والاسمي حيث انّ الموضوع له فيهما والمستعمل فيه كذلك ذات المعنى بما هو هو قلت نعم لا فرق بينهما بحسب الموضوع له نعم انّما يتفاوت حالهما في الوضع وانّ الواضع لاحظ المعنى الواحد بلحاظين مختلفين فيصير بحسب هذا اللّحاظ الموضوع له في الحروف هو ذات المعنى الّذى هو حالة للغير ومعنى حاصل فيه والمعنى الاسمي هو ذات المعنى الّذى ليس بحالة للغير وملحوظ في نفسه ويترتّب عليه الاستعمال فلا بدّ ان يكون مستعملات معانى الحروف ذوات المعاني في هذه الحال لا انّ هذا الحال جزء للمعنى بحيث لو استعملت فيها بنفسها يصير مستعملة في غير معانيها بل انّها لمّا لاحظها الواضع حين الوضع كذلك وكان ذلك غاية وضعه لأبدان يراد منها كذلك فاذا استعملت فيها بنفسها صارت مستعملة في الموضوع له لا باللّحاظ الّذى لاحظه فهو مجاز كذائي لو سميته مجازا وبعبارة اخرى الواضع قد يضع اللّفظ ليراد منه المعنى بما هو هو ويتصوّر المعنى كذلك عند الوضع وقد يضع اللّفظ ليراد منه المعنى بما هو حالة للغير ومعنى فيه ويتصوّر المعنى كذلك وفي كلنا الصّورتين لا بدّ ان يجعل اللّفظ بازاء ذات المعنى لا مع لحاظه تصوّره وبقيد متصوريّته والاختلاف بين الطّائفتين انّما هو في كيفية الوضع وغايته فاسماء الإشارة وضعت للذّات لأن يشار اليها في الخارج اشارة حسيّة لا للذّات المشار اليها بوصف الإشارة ولا لمفهوم الإشارة والإشارة الكذائية مستلزمة لمعروفيّة خارجا وجزئيّته والّا فالموضوع له هو طبيعة المفرد المذكّر مثلا لا بما هو هو بل في حال يشار اليها على ما عرفت وكذلك الضّمائر المخاطبات موضوعات للذّوات لأنّ يخاطب بها والموصولات للطّبائع بلحاظ ان يشار اليها بالصّلات ففى جميع ذلك كاسماء الأجناس الموضوع له هو ذات المعنى والاختلاف في كيفية الوضع وغايته فلو كان اللّحاظ جزء للموضوع له في هذه فلا بدّ في اسماء الأجناس ايضا كذلك اذ الواضع لاحظها بما هو هو كما انّ هنا لاحظها بخصوصيّة اخرى مع ظهور فساده لأنّه عليه لا مجال لوقوعه خارجا الّا مع التّجريد فلا بدّ في مقام الحمل من التّجريد في جميع الاستعمالات على ما هو ظاهر غير خفى فظهر ممّا ذكرنا انّ الجزئيّة والمعروفيّة انّما نشأ من قبل طور استعمالاتها لا انّ معانيها كذلك

[في المعنى الحرفي على مختار المصنف :]

وامّا ما نتصوّر في ذلك المقام انّ لنا في الخارج سوى معانى الحدثيّة والغير الحدثيّة من المفاهيم المستقلّة نسيا وارتباطات خاصّة وامورا رابطيّة تعتبر بين تلك المفاهيم من المستقلّات والمعانى الحدثيّة مثلا يلاحظ زيد في الخارج والقيام في الخارج وامر رابطى هنا بين القيام وزيد وهو اعتبار صدوره عنه او تحقّقه منه او قيامه به او غير ذلك وكذلك يلاحظ السّير والبصرة وبينهما تعلق خاص من ابتدائه منه الى غير ذلك فكما انّ لكلّ من المعانى الحدثيّة والمعانى المستقلّة الفاظ خاصّه تدلّ عليهما كذلك لتلك الرّوابط والخصوصيّات والإضافات الفاظ خاصّه او هيئات خاصّه تدلّ عليها و

١٧

تلك الرّوابط انّما هى حالات وخصوصيّات في متعلّقاتها فإن كانت تلك المتعلّقات في الخارج فهى لها في الخارج فان كانت في الذهن فهى لها فى الذّهن بنحو قيامها بها في الخارج ففى نحو سرت من البصرة الى الكوفة انّما اعتبرت الخصوصيّات للسّير الخارجى وفي نحو سر من البصرة الى الكوفة اعتبرت في السّير الملحوظ ذهنيّا بحيث يحب ايجاده كذلك في الخارج وتلك الإضافات حيث لا يتصوّر الّا بتبديلها الى المعانى المستقلّة بالمفهوم لا بدّ للواضع في مقام الوضع ان يتصوّرها كذلك وذلك المراد من العموم في مورد الوضع ويكون الموضوع له هى الخصوصيّات الّتى لا بدّ من تحقّقها في متعلّقاتها ولا محالة يكون خاصّا وبعبارة اخرى يكون الموضوع له هى المصاديق من ذلك المفهوم الكلّى المغاير له مفهوما وإن كان مصداقا له بحسب الحمل الشائع وما ذكرنا ممّا يقتضيه التدبّر ونقول بعد ذلك انّه لا اشكال عندهم ولا خلاف في انّ الحروف مستعملة في المعانى الخاصّة قال في البدائع انّ ظاهر الفريقين الاتّفاق على انّ هذه الألفاظ دائمة الاستعمال في جزئيّات ذلك المعنى العام الملحوظ في حال الوضع فلا يجوز استعمالها في ذلك المعنى العام ابدا ولا ينبغى التأمل في انّ تلك الاستعمالات لا يحتاج الى عناية والوجدان شاهد على انّ استفادتها من تلك الحروف لا من القرائن والخصوصيّات فتلك شاهدة على انّها الموضوع له اذ لو لم تكن كذلك لما كاد يكون كذلك كما هو ظاهر مع انّه لا يكاد تستعمل في تلك المعاني الملحوظة حال الوضع ولا يوافقه اللّسان في الاستعمال ولم يدع جوازه احد ولو مع القرينة ولو كان ذلك من جهة شرط الواضع فمع انّ دعواه على الواضع دعوى بلا بيّنة تمنع توقّف الاستعمال على اذنه وعدم منعه ويجوز الاستعمال بمجرّد الوضع ولو كان يمنعه مع انّه لو اراد عدم الاستعمال فيه لم يكن يوضع اللّفظ بازاه ففعله ح يعدّ سفها عبثا وكذلك ما قد يقال من انّ عدم الاستعمال انّما هو من جهة قصور تلك المعانى الكليّة عن صلاحيّة الاستعمال وذلك لوضوح فساد ذلك حيث انّ حالها كحال ساير المعاني مع انّ هنا الفاظ خاصّة تستعمل فيها كلفظ الابتداء واللّفظ لا يوجد القابليّة في المعنى ولعمرى ذلك واضح للمتأمّل ثم انّه لتوضيح الحال وتتميم المقال نذكر امورا.

[الأمر] الأوّل : انّ معانى الحروف على ما ذكرنا عن النّسب الخاصّة لا مجالة يختلف باختلاف متعلّقاتها فباختلافها يختلف معنى من مثلا فيكون من متعدّدا المعنى غاية الأمر انّ ذلك بوضع واحد اجمالي لا باوضاع متعدّدة وتقسيمهم المتعدّد المعنى الى المشترك والمنقول والحقيقة والمجاز بنحو الحصر في ذلك لا ينافي ما ذكرنا لإمكان كون المشترك في كلامهم اعم مع انّ هذا التّقسيم وقع في كلام جماعة ليس حصرهم في ذلك دليلا علينا وليس اجماعيّا لأهل العربيّة مع تحقيق جماعة بمثل ما ذكرنا ولم يعرف من القائلين بهذا التّقسيم انّ مرادهم من المشترك ما لا يشمل ما ذكرنا فتدبّر.

[الأمر] الثاني : الوضع للجزئيّات الخاصّة مع كونها متكثّرة جدّا وخارجة عن حد الحصر والضّبط لما كان بوضع واحد عام كان ذلك بمكان من الإمكان فلا وقع لما قد

١٨

يقال انّ الوضع للجزئيّات يستلزم احضار ما لا يتناهى

[الأمر] الثّالث : لا يخفى عليك انّ الجزئ معناها كونها ممتنعة الصّدق على الكثرة والمعنى منه ان لا يكون قابلا للتّعدد الفردى كما انّ الكلّى قابل للتّعدد الفردى اى يكون فردا واحدا وإن كان قابلا لتوارد الحالات الكثيرة الّتى لا ربط لها بفرديّته على ما عرفت في العلم الشّخصى فزيد مع جزئيّته يختلف حالاته من كونه في هذا المكان او ذاك المكان او جاهلا او عالما او باكيا او ضاحكا او قائما او جالسا الى غير ذلك من الحالات الكثيرة المعتورة عليه ويكون زيدا في جميع تلك الواردات بلا خدش في جزئيّة وذلك واضح ولكنّه قد يؤخذ مع حال واحد بحيث لا يمكن توارد الحالات الأخر فيكون خاصّا من تلك الجهة ايضا فنقول ح البصرة بوجودها الخاص الواحد الغير الصّادق على البلدان الأخر مع كونها ذو اجزاء يكون نحو زيد في كونه علما شخصيّا جزئيا حقيقيّا خارجيّا وكذلك السّير منه المنتهية الى الكوفة يكون شخصا خاصّا من السّير والنّسبة الخاصّة الحاصلة من ملاحظة السّير والبصرة ايضا جزء حقيقى بمعنى انّه لا تعدّد لهذه الحالة الخاصّة ولا يصدق في الخارج على المتعدّد حيث انّ الملحوظ في تشخّصه هو كون مبدأ السّير البصرة بوجودها الخاص فكلّ جزء من اجزاء البصرة بلحاظ انّه البصرة موجود بوجود واحد ولا يكون متعدّدا بل وجوده عين وجود الكل وهو وجود البصرة والنّسبة الحاصلة في كلّ جزء جزء بلحاظ انها البصرة وجود واحد خاص والنّسبة الحاصلة فيها بملاحظة السير الخاص نسبة واحدة غير متعددة اصلا فامكان وجود السّير بانحاء مختلفة لا يضرّ بوحدة الحالة الحاصلة هنا غايته انّه كالحالات الواردة على وجود خاصّ شخصى فيكون كلمة من في جميع الاستعمالات مستعملة في المعنى الخاص الجزئى الحقيقي فما قد يتوهّم من انّها كثيرا ما تكون مستعملة في المعنى الكلّى بحيث مال بعض المحقّقين الى انّ الموضوع له أعمّ من الجزئيّات الحقيقيّة والإضافيّة حيث قال ولا يجرى ما زعموه من كون الموضوع له جزئيّا حقيقيّا في كثير ممّا جعلوه من هذا القسم كالحروف فانّها وان وضعت عندهم لخصوص المعاني المتعيّنة بمتعلّقاتها الّا انّها مع ذلك قد يكون مطلقة قابلة الصّدق على كثيرين كما في قولك كن على السّطح وكن في البلد ونحوهما فانّ كلّا من الاستعلاء والطّرفيّة المتعيّنتين لمتعلّقاتهما في المثالين قد استعمل فيها لفظة على وفي لكنّهما مع ذلك صادقان على افراد كثيرة لا يحصى انتهى وفيه ما لا يخفى بداهة ان المستعمل فيه في جميع المقامات هو نفس المصاديق الخاصّة وليست الّا الجزئيّات الحقيقيّة وامّا الجزئيّة الإضافي فليس الّا المفهوم لا المصداق فلا يكاد بوضع يوضع واحد لذوات المصاديق والمفهوم الكلّى الخاص كما لا يخفى.

[الأمر] الرّابع : ظهر ممّا ذكرنا انّ المعانى الخاصّة الكذائيّة قابلة للاطلاق والتّقييد لأن الإطلاق يتحقّق مع الجزئى كما يتحقّق مع الكلّى ولهذه الجهة صحّ ان يقيّد امّا بنفسه او بتبع متعلّقه ولعلّه سيجيء توضيح ذلك فيما بعد انش.

[الأمر] الخامس : لا يخفى عليك انّ المفهوم من كلمة من

١٩

ليس هو المفهوم من لفظ الابتداء الّا انّه في الأوّل لوحظ مرآتا وحالة لبيان حال المتعلّقات بخلاف الثّاني حيث انّه لوحظ مستقلّا لا بحيال ذاتها فيكون الفرق بينهما بحسب اللّحاظ فقط مع وحدة المفهوم بل المفهوم من كلمة من هو الخصوصيّة الخاصّة والنّسبة المحفوظة بين المتعلّقين المباين لمفهوم الابتداء بحسب المفهوم وإن كان ذاتها من مصاديق الابتداء وذلك لأنّ الماخوذ في المعنى الحرفي هو نفس الخصوصيّات الغير الملحوظة في مفهوم الابتداء مثلا زيد ليس هو الإنسان الملحوظ مع الخصوصيّة فيكون الفرق بين زيد والإنسان انّ الثّانى ملحوظ بحيال ذاته والأوّل بلحاظ حال الغير بل هما متغايران مفهوما وإن كان الأوّل مصداقا للثّاني ومتّحدا بحسب الذّات فت ومن هذه الجهة ربّما يقال بانّ المعنى الحرفى بما هو هو جزئى حقيقى غير قابل لتعدّد اصلا وقد تقدّم توضيح ذلك سابقا وما قد اشتهر بينهم من انّ المعاني الحرفيّة لا تتّصف بالكلّية والجزئيّة بحسب الاصطلاح فلعلّ مرادهم انّ المعنى الحرفى بما هو معنى حرفى ليس الّا متّصفا بالجزئيّة وليس بقابل للاتّصاف بالكلّية فالمعنى القابل للاتّصاف بهما هو المعنى الاسمي وليس المراد انّه لا يتّصف بالجزئيّة ايضا قال الفاضل الأمير سيّد على في حاشيته على القوانين عند عبارة القوانين فلا يتّصفان بالكلّية والجزئيّة في الاصطلاح اذ لم يعهد اطلاق الكلّى والجزئى عليهما وهل هذا من باب التّخصيص في الألفاظ لنكتة وان اتّصف معانيهما بهما او لعدم اتّصاف معانيهما بهما ليتّصف بهما الألفاظ تبعا لها وجهان غير انّ عبارته الآتية اظهر في الثّاني بل صريحة فيه والأظهر عندنا هو الوجه الأوّل ولعلّ النكتة في التّخصيص ح انّه لا غرض لهم في هذا الاصطلاح الّا تشخيص موردى الحقيقة والمجاز اللّاحقين للالفاظ.

الموضوعة للمفاهيم الكلّية او الجزئيّة باعتبار كليّة تلك المفاهيم او جزئيّتها وظاهر انّه يكفى في حصول هذا الغرض جعل الاصطلاح في الألفاظ الّتى يدرك كلّيته او جزئيّة معانيها بدون تكلّف ملاحظة الغير على انّه واسطة في الثّبوت او العروض فليتدبّر انتهى فليت في كلامه.

تكملة [في الإشكالات الواردة على مختار المصنف في المعنى الحرفي]

في بيان ما اورد على المص فيما اطّلعت عليه او يمكن ان يورد عليه وهو امور :

الأوّل : ان قوله وذلك لأنّ الخصوصيّة المتوهّمة الخ بعد قوله والتّحقيق حسبما يؤدى اليه النّظر الدقيق انّ حال المستعمل فيه والموضوع له فيهما حال الأسماء يفيد انّ ببطلان كل من المحتملين يثبت ما دامه من التّحقيق والحال ان ما ابطل به الوجه الأوّل انّ المستعمل فيه كثيرا ما يكون كليّا وذلك لا يستلزم كون الموضوع له تابعا للوضع من كونه عامّا كالوضع لأحتمال كون الوضع عامّا والموضوع له هو جزئيّاته الإضافيّة فيختلف حال الوضع والموضوع له

الثاني : انّ قوله كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه امّا يفيد انّه من المسلم عنده كون المستعمل فيه هو الجزئى الحقيقي في بعض الاستعمالات فيكون المستعمل فيه كليّا تارة وجزئيّا اخرى فكما انّ مجرّد ذلك يمنع من كون الموضوع له خاصّا كذلك يمنع من كونه عامّا فذلك

٢٠