تهذيب الأصول - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

تهذيب الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

الموضوع مقيدا ، لأجل كون الموضوع هو الذات مع القيد وهذا ليس من قبيل الدلالات اللفظية كما مر فتحصل من ذلك ان إتيان القيد يدل على دخالته في الحكم ، فينتفى عند انتفائه من غير فرق بين الشرط والوصف وغيرهما ، هذا حاصل ما قرره (دام ظله) والحق ان هذا التقرير لا يفيد شيئا ما لم يضم إليه شيء آخر وهو ان عدم الإتيان بشيء آخر في مقام البيان يدل على عدم قرين له وبه يتم المطلوب وإلا مجرد عدم لغوية القيود ، لا يدل على المفهوم ما لم تفد الحصر وهو أحد الطرق التي تشبث به المتأخرون وسيأتي تقريره مع جوابه ومحصل تقريره ان المتكلم إذا كان في مقام بيان موضوع حكمه فلا بد ان يأتي بكل ما يتقوم به طبيعة الحكم فلو أتى ببعض دون بعض لأخل بغرضه ، فلو كان المقوم بوجوب الإكرام أحد الأمرين من المجيء والتسليم ، لما كان له ذكر أحدهما وحذف الآخر ، وحكم المقام حكم باب المطلقات فكما يعلم من عدم ذكر الإيمان عدم ، دخالته فهكذا المقام ، إذ المفروض انه بصدد بيان ما يتوقف عليه طبيعة الإكرام وأنت خبير ان ضم هذه المقدمة إلى الأولى لا يفيد في إثبات المدعى أيضا ، لأن كون المتكلم في مقام البيان لا يقتضى عدا ان يبين ما هو تمام الموضوع لوجوب الإكرام المسوق له الكلام ، والمفروض انه بيته حيث قال ان جاءك زيد فأكرمه ، واما إذا فرضنا ان للإكرام موضوعا آخر وهو تسليم زيد ، فلزوم بيانه لم يدل عليه دليل ، ولا يعد عدم بيانه نقضا للغرض ولا كلامه لغوا مثلا قوله إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء يدل باعتبار التقييد بالكر أن ذات الماء ليس موضوعا للحكم وإلّا لكان القيد لغوا ، ويدل على ان هذا الموضوع المقيد تمام الموضوع للحكم ولا يكون قيد آخر دخيلا فيه وإلّا كان عليه البيان ، واما عدم نيابة قيد آخر عن هذا القيد وعدم صدور حكم آخر متعلقا بالجاري أو النابع ، فليس مقتضى التقييد ولا مقتضى الإطلاق ، وقياس المقام بالمطلق قياس مع الفراق ، إذ الشك هنا في نيابة قيد عن آخر بعد تمامية قيود الحكم المسوق له الكلام والشك هناك في تمامية قيود الحكم المسوق له وانه هل هو تمام الموضوع أولا

واما المتأخرون فقد استدلوا بوجوه غير نقية عن الإشكال ، كلها مسوقة لإثبات كون القيد علة منحصرة ، وظاهر ذلك كون الترتب العلي أو مطلق الترتب من المسلمات عندهم مع إمكان منع الأول ، بل كفاية مطلق الملازمة العرفية لصحة قولنا لو جاء زيد لجاء عمرو إذا كانا مصاحبين غالبا بلا تجوز أيضا نعم لو لم يكن بينهما ملازمة مطلقا لما صح استعمال

٣٤١

الأداة إلّا بنحو من العناية

ومن الوجوه المستدل بها دعوى تبادر العلة المنحصرة من القضية أو انصرافها إليها ، وإثباته على المدعى مع شيوع الاستعمال في غيرها بلا عناية وما ربما يدعى من الأكملية فهو كما ترى

(ومنها) التمسك بإطلاق أداة الشرط لإثبات الانحصار كالتمسك بإطلاق الأمر لإثبات كونه نفسيا تعيينيا وما ربما يورد عليه من ان الإطلاق فرع التقييد ومعاني أدوات الشرط آليات لا تقبل التقييد فكيف يؤخذ بإطلاقها ، فمدفوع بما مر من ان التقييد يمكن ان يكون بلحاظ ثان وتقدم الوجوه الأخر في ذلك فراجع

(نعم) الإشكال كله في أصل الاستدلال لما عرفت في باب الأوامر من ان الأقسام كلها تتميز عن المقسم بقيود خارجة منه وإلا لزم ان يكون القسم عين المقسم وهو باطن ، فالإطلاق لا يثبت نفيسة الأمر ولا غيريته بل كل منهما متميز عن نفس الطلب بقيد خاص ، فلا يعقل ان يكون عدم بيان قيد ، مثبتا لقيد آخر ، فالحكم في المقيس عليه باطل فكيف المقيس لأن الترتب العلي ينقسم إلى قسمين انحصاري وغير انحصاري فكل واحد مشتمل على خصوصية زائدة على مقسمه فلا معنى لإثبات أحدهما يعدم البيان ، على ان القياس مع الفارق يعلم ذلك بالتأمل.

و (منها) التمسك بإطلاق الشرط حيث انه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ضرورة انه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده ، وقضية إطلاقه انه يؤثر كذلك مطلقا (وفيه) ان معنى الإطلاق ليس ان الشرط مؤثر سواء قارنه الآخر أم سبقه أم لحقه أو ان ذلك مؤثر وحده بل لا يفيد الإطلاق أي عدم ذكر القيد في مقام البيان إلا كون الشيء تمام الموضوع للحكم وانه لو كان شيء آخر دخيلا كان عليه البيان واما لزوم بيان ما هو قرين لهذا الموضوع في تعلق الحكم فلم يدل عليه دليل لعدم لزوم نقض الغرض وما ذكر في الاستدلال من انه لو لم يكن بمنحصر لزم تقييده فلم يعلم له وجه صالح وان شئت قلت ان الإطلاق في مقابل التقييد ، وكون شيء آخر موضوعا للحكم أيضا لا يوجب تقييدا في الموضوع بوجه ، واما قضية الاستناد الفعلي بالموضوع مع عدم قرين له قبله وبعده فهو شيء غير راجع إلى الإطلاق والتقييد ، فان الاستناد واللااستناد في الوجود الخارجي بالنسبة إلى المقارنات الخارجية غير

٣٤٢

مربوط بمقام جعل الأحكام على العناوين ، فان الدليل ليس ناظرا إلى كيفية الاستناد في الوجود فضلا عن النّظر إلى مزاحماته فيه ، وكيف كان فالإطلاق غير متكفل لإحراز عدم النائب وان كان كفيلا لإحراز عدم الشريك أي القيد الآخر ولو فرض إحراز كون المتكلم بصدد بيان العلة المنحصرة أو الموضوع المنحصر فهو غير مربوط بمفهوم الشرط بل مع هذا يفهم الحصر مع اللقب أيضا لكنه لأجل القرينة لا لأجل المفهوم الّذي وقع مورد النزاع

(ومنها) ما نقله المحقق المحشي في تعليقته الشريفة وأشار إليه بعض الأكابر (دام ظله) وهو ان مقتضى الترتب العلي ان يكون المقدم بعنوانه الخاصّ علة ولو لم تكن العلة منحصرة لزم استناد التالي إلى الجامع بينهما وهو خلاف ظاهر الترتب على المقدم بعنوانه (وفيه) مضافا إلى ما قدمناه من صحة استعمال القضية الشرطية في مطلق المتلازمين فالعلية والمعلولية مما لا أصل لهما في المقام انه يرد عليه ان قياس التشريع بالتكوين منشأ لاشتباهات نبهنا على بعضها لأن العلية والمعلولية في المجعولات الشرعية ليست على حذو التكوين من صدور أحدهما عن الآخر حتى يأتي فيه القاعدة المعروفة ، إذ يجوز ان يكون كل من الكر والمطر والجاري دخيلا في عدم الانفعال مستقلا بعناوينها كما هو كذلك ، على ان القاعدة مختصة للبسيط البحت دون غيره ، ولو أغمضنا عن ذلك كله لا يمكن الإغماض عن ان طريق استفادة الأحكام من القضايا هو الاستظهارات العرفية لا الدقائق الفلسفية فتدبر (ومنها) ما يظهر عن بعض الأعاظم وحاصله جواز التمسك بإطلاق الجزاء دون الشرط قائلا ان مقدمات الحكمة انما تجري في المجعولات الشرعية ومسألة العلية والسببية غير مجعولة وانما المجعول هو المسبب على تقدير وجود سببه فلا معنى للتمسك بإطلاق الشرط ، بل مقدمات الحكمة تجري في جانب الجزاء من حيث عدم تقييده بغير ما جعل في القضية من الشرط مع كونه في مقام البيان ، ويحرز كونه في مقامه من تقييد الجزاء بالشرط ، ودعوى كونه في مقام البيان من هذه دون سائر الجهات فاسدة فانه لو بنى على ذلك لا نسد باب التمسك بالإطلاقات في جميع المقامات إذ ما من مورد الا ويمكن فيه هذه الدعوى انتهى ملخصا

(وفيه) أولا ان لازم ما ذكره عدم التمسك بالإطلاق في أغلب الموارد لأن مصب الإطلاق في قول الشارع مثلا أعتق رقبة ، ان كان مفاد الهيئة فهو معنى حرفي غير قابل

٣٤٣

لجريان مقدماته فيها على مذهب القائل وان كان مادتها أو نفس الرقبة فليستا من المجعولات الشرعية ، وما هذا إلّا ان إجرائها لا ينحصر بالمجعولات الشرعية بل الغالب جريانها فيما له أثر شرعي ، مثلا إذا قال ان ظاهرت فأعتق رقبة وشك في اعتبار قيد في الرقبة تجري المقدمات في نفس الرقبة التي جعلت موضوع الحكم ، وكذا يتمسك بإطلاق المادة لو شك في كيفية التعلق ، مع عدم كونهما مجعولين شرعا ، فكما يقال في مثل ما ذكر ان ما جعل موضوعا أو متعلقا هو تمامهما وإلّا لكان عليه البيان فكذا يقال في المقام لو كان شيء آخر دخيلا في الشرط لكان عليه البيان ، وهذا غير مربوط بجعل السببية والعلية (وثانيا) ان ما أورده في إثبات إطلاق الجزاء عين ما رده في ناحية الشرط وما الفرق بين المقامين مع قطع النّظر عما ذكره من حديث عدم مجعولية العلية والسببية (وثالثا) ان منع مجعولية السببية والعلية في غير محله وسيوافيك في محله بإذن الله جواز جعلهما فارتقب

بقي أمور

(الأول) لا إشكال في انتفاء شخص الحكم بانتفاء شرطه أو قيده عقلا من غير ان يكون لأجل المفهوم فإذا وقف على أولاده العدول أو ان كانوا عدولا فانتفاؤه مع سلب العدالة ، ليس للمفهوم بل لعدم الجعل لغير مورده ، كما انه لا إشكال فيما إذا كان مفاد الجزاء حكما كليا مما عبر بالمعنى الاسمي ، في ان انتفائه لأجل المفهوم كقولك إذا جاء زيد يكون إكرامه واجبا ، (نعم) وقع الإشكال في مثل إذا جاء فأكرمه حيث ان المجعول فيه هو الحكم الجزئي باعتبار خصوصية الموضوع له في المعاني الحرفية ، وربما يقال ان انتفاء الإنشاء الخاصّ بانتفاء بعض قيوده عقلي و (أجاب) المحقق الخراسانيّ بان المجعول هو نفس الوجوب الّذي هو مفاد الصيغة ، واما الشخص والخصوصية فمن طوارئ الاستعمال و (فيه) ما عرفت من ان معاني الحروف خاصة ولا يتصور الجامع لها ، والتحقيق في الذب ما يستفاد من كلمات الشيخ الأعظم في طهارته بتوضيح منا وهو ان ظاهر القضية وان كان ترتب بعث المولى على الشرط إلّا انه ما لم تكن مناسبة بين الشرط ومادة الجزاء كان طلب إيجاد الجزاء عند وجود الشرط لغوا وجزافا ، فالبعث المترتب يكشف عن كونهما بمنزلة المقتضى (بالكسر) والمقتضى ، فيتوصل في بيان ذلك الأمر ، بالأمر بإيجاده عند ثبوته ويجعل بعثه عنوانا مشيرا إلى ذلك (فحينئذ) فالمترتبان هو ذات الشرط ومطلق الجزاء الّذي تعلق

٣٤٤

به الحكم بلا خصوصية للحكم المنشأ ، فيشبه الجمل

الاخبارية في عموم المجعول وبعبارة أوضح ان ظاهر القضايا بدءا وان كان تعليق الوجوب على الشرط لكن حكم العقل والعقلاء في مثل تلك القضايا ان لطبيعة مادة الجزاء مناسبة للشرط تكون سببا لتعلق الهيئة بها ، فيكون الإيجاب المتعلق بالمادة في الجزاء متفرعا على التناسب الحاصل بينهما فإذا قال ان أكرمك زيد أكرمه يفهم العرف والعقلاء منه ان التناسب الواقعي بين الإكرامين دعى المولى لإيجابه عند تحققه وإلّا كان التفرع لغوا ، (وح) إذا فرض دلالة الأداة على انحصار العلة تدل على ان التناسب بينهما يكون بنحو العلية المنحصرة ففي الحقيقة يكون التناسب موجودا بين طبيعة ما يتلو أداة الشرط ومادة الهيئة فإذا دلت الأداة على الانحصار يتم الدلالة على المفهوم وان كان مفادها جزئيا ، وبعبارة أخرى ان الهيئة وان كانت دالة على البعث الجزئي لكن التناسب بين الحكم والموضوع يوجب إلغاء الخصوصية عرفا ، ويجعل الشرط علة منحصرة لنفس الوجوب وطبيعيه ، فبانتفائه ينتفي طبيعي الوجوب وسنخه ، وبما ذكرنا يظهر ضعف ما أفاده بعض الأكابر (أدام الله أظلاله) من انا لا نتعقل لسنخ الحكم وجها معقولا لوضوح ان المعلق في قولك ان جاءك زيد فأكرمه ، هو الوجوب المحمول على إكرامه ، والتعليق يدل على انتفاء نفس المعلق عند انتفاء المعلق عليه ، فما فرضته سنخا ، ان كان متحدا مع هذا المعلق موضوعا ومحمولا فهو شخصه لا سنخه ، إذ لا تكرر في وجوب إكرام زيد ، وان كان مختلفا معه في الموضوع كإكرام عمرو ، أو محمولا كاستحباب إكرام زيد ، فلا معنى للنزاع (انتهى) ووجه الضعف ظاهر فلا نطيل المقام

الثاني إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء كما في إذا خفي الأذان فقصر ، وإذا خفي الجدران فقصر ، فبناء على ظهور الشرطية في المفهوم يقع التعارض بينهما إجمالا فهل التعارض بين المنطوقين أولا وبالذات أو بين مفهوم كل منهما ومنطوق الآخر ، الظاهر هو الأول على جميع المباني في استفادة المفهوم اما على القول بان المتبادر هو العلة المنحصرة فلان حصر العلية في شيء ينافى إثباتها لشيء آخر فضلا عن حصرها فيه ضرورة حصول التنافي بين قوله (العلة المنحصرة للقصر خفاء الأذان) وقوله (العلة المنحصرة له خفاء الجدران) وهكذا على القول بأنها منصرفة إلى المنحصرة فالتعارضين يقع بين الانصرافين الواقعين في أدوات الشرط ، وكذا على القول بان الانحصار مقتضى الإطلاق لوقوع التعارض بين أصالتي الإطلاق

٣٤٥

في الجملتين

واما العلاج والتوفيق بينهما فيختلف كيفيته باختلاف المباني في استفادة المفهوم فان كان المبنى هو وضع الأداة للعلة المنحصرة فلا محيص عن القول بتساقط أصالتي الحقيقة من الجانبين ، إذا لم يكن بينهما ترجيح كما هو المفروض لعدم ترجيح بين المجازات ، وكون العلة التامة اقرب إلى المنحصرة واقعا لا يكون مرجحا في تعيينه لأن وجه التعيين هو الأنس الذهني الّذي يرجع إلى الظهور العرفي ، وان كان الأساس في الاستفادة هو الانصراف بعد وضعها لمطلق العلية ، فالساقط هو الانصرافان ويكون أصالة الحقيقة في كل منهما محكمة بينهما ، ونظير ذلك لو قلنا ان الوضع لمطلق اللزوم أو الترتب أو غيرهما

واما إذا كان وجه الاستفادة هو الإطلاق (فحينئذ) ان قلنا ان الأداة موضوعة للعلة التامة فمع تعارض أصالتي الإطلاق يؤخذ بأصالة الحقيقة بلا تعارض بينهما وان قلنا ان العلية التامة كالانحصار أيضا مستفادة من الإطلاق فللبحث فيه مجال ، فمقتضى إطلاق قوله إذا خفي الأذان فقصر هو ان خفاء الأذان مؤثر بلا شريك ، وان هذا مؤثر بلا عديل وقس عليه قوله إذا خفي الجدران فقصر ، ففي كل واحد من الجانبين إطلاقان أصالة الانحصار وأصالة الاستقلال (فحينئذ) كما يحتمل ان يكون خفاء الجدران قيدا لخفاء الأذان يحتمل ان يكون عدلا له فيقع التعارض بين أصالتي الإطلاق أي من جانب نفى الشريك ومن جهة نفى العديل ومع عدم المرجح يرجع إلى الأصول العملية

(فان قلت) ان الانحصار مرتفع بالعلم التفصيلي اما لورود تقييد للإطلاق المثبت للانحصار أو لأجل وروده على الإطلاق المفيد لاستقلال كل منهما في العلية فيرتفع الانحصار أيضا لأجل ارتفاع موضوعه وهو علية كل واحد مستقلا وبعبارة أوضح ان العلم الإجمالي بورود قيد ، اما على الإطلاق من جهة نفى الشريك واما عليه من جهة نفى البديل يوجب انحلاله إلى علم تفصيلي بعدم انحصار العلة لأجل تقييد الإطلاق من جهة البديل أو لأجل تقييده من جهة الشريك فيرتفع موضوع الإطلاق من جهة البديل ، وإلى شك بدئي للشك في تقييد الإطلاق من جهة الشريك فيتمسك بأصالة الإطلاق

(قلت) ان الانحلال فيه إلى علم قطعي وشك بدئي من آثار العلم الإجمالي برفع أحد الإطلاقين فكيف يرفع الأثر مؤثره ، وان شئت قلت العلم بارتفاع الانحصار معلول للعلم

٣٤٦

بارتفاع الاستقلال أو الانحصار ولا يعقل حفظ العلم الثاني إلّا بحفظ العلم الأول على حاله فكيف يمكن ان يكون رافعا له ، (وبالجملة) قد سبق في باب مقدمة الواجب ان الانحلال أينما كان يتقوم بالعلم التفصيلي بأحد الأطراف والشك في الآخر كما في الأقل والأكثر وفيما نحن فيه لا يكون كذلك لأن العلم الإجمالي محفوظ ومنه يتولد علم تفصيلي آخر وفي مثله يكون الانحلال محالا فيجب الرجوع إلى قواعد آخر

(فان قلت) ان الّذي يفك به العقدة هو انه لا بد من رفع اليد بمقدار يرفع المعارضة وهو خصوص الانحصار لا العلية والسر فيه هو ان الموجب لوقوع المعارضة انما هو ظهور كل من القضيتين في المفهوم ، وبما ان نسبة كل من المنطوقين بالإضافة إلى مفهوم القضية الأخرى نسبة الخاصّ إلى العام فلا بد من رفع اليد عن عموم المفهوم في مورد المعارضة واما رفع اليد عن الإطلاق المفيد للعلية فهو وان كان موجبا لرفع الانحصار إلّا انه بلا موجب (قلت) مرجع ما ذكرت إلى تقديم رجوع القيد إلى الإطلاق المفيد للانحصار لا المفيد للاستقلال وهو أول الكلام ضرورة دوران الأمر بين رجوع القيد كخفاء الجدران مثلا إلى الإطلاق من حيث الاستقلال حتى يصير الموضوع للحكم بالقصر مجموع خفاء الأذان والجدران أو إلى الإطلاق من حيث الانحصار حتى يكون الموضوع متعددا ، خفاء الأذان مستقلا وخفاء الجدران كذلك ومع هذا العلم الإجمالي يقع التعارض بين أصالتي الإطلاق في كل قضية منهما لا في قضيتين ولا رافع للتعارض ولا ترجيح في البين (وما ذكرنا) هو حال الدليلين كل مع صاحبه فهل يدلان على عدم مدخلية شيء آخر شريكا معهما أو عديلا لهما ، الظاهر ذلك لو قلنا ان الدلالة على الانحصار والاستقلال بالإطلاق ، للزوم رفع اليد عن الإطلاق بمقدار الدليل على القيد بخلاف ما لو قلنا انها بالوضع أو الانصراف لعدم الدليل على عدم المدخلية بعد رفع اليد عن المعنى الحقيقي أو الانصرافي

في تداخل الأسباب والمسببات

(الثالث) إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء فهل اللازم لزوم الإتيان بالجزاء متعددا حسب تعدد الشرط أو يكتفى بإتيانه دفعة واحدة ، وقبل الخوض نقدم مقدمات

(الأولى) ان محط البحث ما إذا فرغنا عن تأثير كل واحد من الشروط مستقلا في البعث نحو الجزاء لو لم يكن معه غيره ، ولكن نشك في حال اجتماعهما في التداخل وعدمه وهذا

٣٤٧

مثل الجناية والحيض والنفاس ، فان كلا منها سبب مستقل إذا انفرد ، والبحث في كفاية غسل واحد عن الجميع حال اجتماعها ، و (اما) إذا احتملنا ان الشروط ترجع إلى شرط واحد ويكون كل واحد جزاء للسبب ، فهو خارج من محط البحث في تداخل الأسباب والمسببات

(الثانية) المراد من تداخل الأسباب هو ان كل واحد من الشروط لا يقتضى إلّا إيجاد صرف الطبيعة غير مغاير مع ما يطلبه الآخر ، وتعلق البعثين بها لا يكشف عن ان هنا تكاليف متعددة مجتمعة في مصداق واحد بل هنا تكليف واحد وان تعددت الأسباب ، ولهذا يكون التداخل عزيمة لا رخصة ، فيقال ان الجنابة والحيض وغيرهما وان تعددت إلّا انها حال الاجتماع لا يقتضى إلّا غسلا واحد وجزاء فاردا ، والمراد من تداخل المسببات بعد الفراغ من عدم تداخل الأسباب وان كل سبب يقتضى مسببا ، هو ان الاكتفاء بمصداق واحد جائز في مقام امتثال تكاليف عديدة كما إذا أكرم العالم الهاشمي ممتثلا كل واحد من الأمرين المتعلقين بإكرام العالم والهاشمي ، وهذا المثال وان كان خارجا من المقام إلّا انه يقرب من وجه ، و (ح) إذا كانت العناوين المكلف بها قهرية الانطباق على المصداق وكانت التكاليف توصليات يكون التداخل عزيمة وإلّا يكون رخصة

(الثالثة) ان النزاع فيما إذا كان الجزاء ماهية قابلة للتكثر كالغسل ، واما إذا كانت غير قابلة له كالقتل فيما إذا ارتد وارتكب زنا عن إحصان فخارج من البحث ، (نعم) قد يقال ان الجزاء غير القابل للتكثر ان كان قابلا للتقييد يكون داخلا في النزاع كالخيار القابل للتقييد بالسبب كالتقييد بالمجلس والحيوان والعيب وغيرها مع انه امر واحد وهو ملك فسخ العقد وإقراره ، ومعنى تقيده بالسبب هو انه يلاحظ الخيار المستند إلى المجلس فيسقطه أو يصالح عليه ويبقى له الخيار المستند إلى الحيوان وكالقتل لأجل حقوق الناس فلو قتل زيد ، عمراً وبكر أو خالدا فقتله قصاصا وان لم يقبل التعدد إلّا انه قابل للتقييد بالسبب أي يلاحظ استحقاق زيد للقتل باعتبار قتله عمراً ، فلو أسقط ورثة عمرو حق القود لم يسقط حق ورثة بكر وخالد (انتهى)

«وفيه» ان الخيار إذا كان واحدا غير قابل للتكثر مع اجتماع الأسباب عليه فلا يمكن إسقاطه من قبل أحدها وإبقائه من قبل غيره لأن الإسقاط لا بد وان يتعلق بالخيار الجائي من قبل كذا ومع الوحدة لم يكن ذلك غير الجائي من قبل غيره ، وان كان الخيار متعددا

٣٤٨

بالعنوان بحيث يكون خيار المجلس شيئا غير خيار العيب فيخرج من محل البحث وان كان كليا قابلا للتكثر فيرجع إلى الفرض الأول ، وكذا الحال في القتل فان حق القود اما واحد فلا يمكن إسقاطه من قبل سبب وإبقائه من قبل آخر أو متعدد عنوانا فيخرج من محل البحث أو كلي قابل للتكثر فيدخل في الفرض الأول ، ثم لا يخفى ان عدم قبول القتل للتكثر غير مربوط بعدم قبول حق القود له والقائل خلط بينهما

(الرابعة) قبل الخوض في المقصود لا بد من إثبات إمكان التداخل وعدمه اما إمكان التداخل بمعنى اجتماع أسباب متعددة شرعية على مسبب واحد فلا إشكال فيه لأن الأسباب الشرعية ليست كالعلل التكوينية حتى يمتنع اجتماعها إذ الشارع جعل النوم والبول سببا لإيجاب الوضوء في حال الانفراد والاجتماع ـ بناء على إمكان جعل السببية كما ان له جعل إيجاب الوضوء عقيب النوم في حال انفراده وعقيبهما في صورة اجتماعهما «واما عدم التداخل» فقال (بعض الأكابر) بامتناعه ، بدعوى انه يمتنع ان يكون متعلق الوجوب في القضيتين الحيثية المطلقة لامتناع تعلق الوجوبين بشيء واحد فلا بد ان يكون كلاهما أو أحدهما مقيدا ، فيسأل عما يقيد الطبيعة فلا بد ان يكون متعلق الوجوب في الشرطية الأولى نفس الطبيعة ، وفي الثانية الطبيعة الأخرى متقيدة به أو بالعكس ، ويمكن التغاير بوجه آخر وهو ان يتعلق الأمر في الأولى على فرد منها وفي الثانية على فرد آخر أو بالعكس ولكن التقييد ممتنع ، لأن النوم قد يكون مقدما على البول وقد يكون مؤخرا عنه ، فلا يصح ان يقال في صورة التقدم إذا نمت فتوضأ وضوء آخر ، على ان ذلك انما يصح إذا كان كل من الخطابين ناظرا إلى الآخر بان يقول إذا بلت فتوضأ وضوءا غير ما يجب عليك بسبب ، والالتزام به مشكل بداهة عدم كون كل واحد ناظرا إلى الآخر ، فالإشكال كله في إمكان التقييد لعدم قيد صالح لذلك «وفيه» انه إذا ثبت ظهور القضيتين في عدم التداخل ، وانحصر الإشكال في تصوير القيد الصالح فلنا تصوير قيد آخر ولو لم يكن في الكلام بان يقال إذا نمت فتوضأ من قبل النوم ، أو من قبل البول وغير ذلك ومعه لا يجوز رفع اليد عن الظاهر لأجل عدم معقولية تقييد الجزاء ، بل انما يرفع عنه اليد لو ثبت امتناع كافة القيود وهو بمكان من المنع ، فلا يجوز الالتزام بالتداخل لأجل هذه الشبهة ورفع اليد عن ظاهر الدليل بما ذكر (فان قلت) يلزم (ح) أخذ العلة في معلوله وهو الوجوب المسبب عن النوم الّذي هو

٣٤٩

علة لهذا الوجوب المقيد بالنوم (قلت) قد مر ان الأسباب الشرعية ليست كالعلل التكوينية على ان الأخذ هنا لأجل الإشارة وتميزه عن الوجوب الآتي من الجهة الأخرى لا ان الوجوب قد تعلق بإيجاد الوضوء المتقيد بالنوم

(الخامسة) ان الشرط قد يكون متعددا نوعا ومختلفا ماهية مثل النوم والبول فيقع البحث في انه عند تقارنهما أو تعاقبهما مع عدم تخلل المسبب بينهما هل يتداخل الأسباب أولا ، وقد يكون ماهية واحدة ذات افراد فيقع البحث في انه مع تعدد الفرد هل يتعدد الجزاء أولا ، والأقوال في المسألة ثلاثة ، ثالثها التفصيل بين تعدد الماهية نوعا وتعدد الفرد مع وحدتها

فيقع الكلام في مقامين (الأول) فيما إذا تعدد الشرط ماهية ونوعا ، فعن العلامة في المختلف القول بعدم التداخل بأنه إذا تعاقب السببان أو اقترنا ، فاما ان يقتضيا مسببين مستقلين أو مسببا واحدا أو لا يقتضيا شيئا أو يقتضى أحدهما دون الآخر ، والثلاثة الأخيرة باطلة فتعيين الأول

وفي تقريرات الشيخ الأعظم ، (ره) ان الاستدلال المذكور ينحل إلى مقدمات ثلث (إحداها) دعوى تأثير السبب الثاني بمعنى كون واحد من الشرطين مؤثرا في الجزاء (وثانيتها) ان أثر كل شرط غير أثر الآخر ، و (ثالثتها) ان ظاهر التأثير هو تعدد الوجود لا تأكد المطلوب ، ثم أخذ في توضيح المقدمات المذكورة وما يمكن به إثباتها ، فقد ذكر في توجيه ان السبب الثاني مستقل وجوها من البيان وأخذ كل من تأخر عنه وجها من بياناته ، وكان الجل عيالا عليه

(منها) ما ذكره المحقق الخراسانيّ (بعد ان قلت قلت) ، ان ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب ، ومقتضيا للتعدد بيان لما هو المراد من الإطلاق ولا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الإطلاق ضرورة ان ظهور الإطلاق يكون معلقا على عدم البيان وظهورها في ذلك صالح لأن يكون بيانا فلا ظهور له مع ظهورها فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا بخلاف القول بالتداخل

(أقول) وتوضيح حاله وبيان اشكاله هو ان دلالة القضية الشرطية على الحدوث عند الحدوث هل هو بالوضع أو بالإطلاق ، وانه إذا جعلت الماهية تلو أداة الشرط بلا تقييدها

٣٥٠

بقيد كما يدل على انها تمام الموضوع لترتب الجزاء عليه ، كذلك يدل على استقلالها في السببية سواء سبقها أو قارنها شيء أم لا على اصطلاح القوم في معنى الإطلاق ، الظاهر هو الثاني لتصريح بعضهم على ان دلالة الشرطية على العلية المستقلة بالإطلاق ، و (ح) فلو كان الدلالة على السببية التامة لأجل الوضع ، كان لما ذكره وجه خصوصا على مذهب الشيخ من ان الإطلاق معلق على عدم البيان ، ولكن لا أظن صحة ذلك ولا ارتضاءهم به مع ما عرفت سابقا من ضعفه.

واما على القول بان دلالتها على السببية بالإطلاق فللمنع عما ذكر مجال وحاصله ان الإطلاق كما هو منعقد في ناحية الشرط فكذلك موجود في جانب الجزاء ولا رجحان في ترجيح أحدهما على الآخر بعد كون ثبوتهما ببركة عدم البيان ، وتفصيل ذلك ، ان مقتضى إطلاق الشرط في كلتا القضيتين هو كون كل شرط مستقلا علة للجزاء وتلك الماهية مؤثرة سواء كان قبلها أو معها شيء أم لم يكن ولو كان المؤثر هو الشرط بشرط ان لا يسبقه أو لا يقارنه شيء آخر ، كان عليه البيان ورفع الجهل عن المكلف ، هذا مقتضى إطلاق الشرط ، واما مقتضى إطلاق الجزاء ، فهو ان الجزاء وماهية الوضوء تمام المتعلق لتعلق الإيجاب عليها بلا تقييدها بما يغايرها مع الجزاء الآخر فيكون الموضوع في القضيتين نفس طبيعة الوضوء (فحينئذ) يقع التعارض بين إطلاق الجزاء في القضيتين مع إطلاق الشرط فيهما ، وبتبعه يقع التعارض بين إطلاق الشرطيتين ، ولا يمكن الجمع بين إطلاق الشرط في القضيتين وإطلاق الجزاء فيهما ، لبطلان تعلق إرادتين على ماهية واحدة بلا تقييد ، فيدور الأمر بين رفع اليد عن إطلاق الشرط والاحتفاظ على إطلاق الجزاء فيقال ان كل شرط مع عدم تقدم شرط آخر عليه أو تقارنه به ، مؤثر مستقلا ، وبين رفع اليد عن إطلاق الجزاء وحفظ إطلاق الشرط بتقييد ماهية الوضوء ، ولا ترجيح لشيء منهما لأن ظهور الإطلاقين على حد سواء ، فلا يمكن ان يكون أحدهما بيانا للآخر ، «وبعبارة ثانية» ان هنا إطلاقات أربعة في جملتين ، اثنان في جانب الشرط ، وآخران في جانب الجزاء ورفع التعارض يحصل (تارة) بتحكيم إطلاق الشرط فيهما المقيد للاستقلال والحدوث عند الحدوث على إطلاق الجزاء فيهما الدال على ان نفس الماهية تمام المتعلق ، بتقييده بأحد القيود حتى يكون متعلق الإرادتين شيئين مختلفين ، (وأخرى) بتحكيم إطلاقه على الشرط وتخصيص استقلالهما بما إذا لم يسبق

٣٥١

إليه شرط آخر ، وكلا العلاجين صحيح لا يتعين واحد منهما الا بمرجح وتوهم ان ظهور صدر القضية مقدم على ظهور الذيل فاسد لأنه لو سلم فانما هو بين صدر كل قضية وذيلها لا بين صدر قضية وذيل قضية أخرى ونحن الآن في بيان تعارض القضيتين ، ولو لا ضم قضية إلى مثلها لما كان بين صدر قوله ـ إذا بلت فتوضأ ـ وبين ذيله تعارض حتى نعالجه إذ التعارض ناش من ضم قضية إلى مثلها كما عرفت

ومما ذكره الشيخ في تمهيد المقدمة الأولى ، ما ذكره بعض الأعاظم في تقريراته ومحصله ان تعلق الطلب بصرف الوجود من الطبيعة وان كان مدلولا لفظيا ، إلّا ان عدم قابلية صرف الوجود للتكرر ليس مدلولا لفظيا حتى يعارض ظاهر القضية الشرطية في تأثير كل شرط في جزاء غير ما أثر فيه الآخر ، بل من باب حكم العقل بان المطلوب الواحد إذا امتثل لا يمكن امتثاله ثانيا ، واما ان المطلوب واحدا ومتعدد فلا يحكم به العقل ولا يدل عليه اللفظ ، فلو دل الدليل على ان المطلوب متعدد لا يعارضه حكم العقل ، فالوجه في تقديم ظهور القضيتين من جهة كونه بيانا لإطلاق الجزاء فهو حقيقة رافع لموضوع حكم العقل انتهى

قلت قد عرفت ان إطلاق الجزاء يقتضى ان يكون بنفسه تمام المتعلق كما ان إطلاق الشرط يقتضى ان يكون مؤثرا مستقلا سبقه شيء أولا و «ح» فما المرجح لتقديم ظهور الشرط على التالي بعد الاعتراف بكون الظهور فيهما مستندا إلى الإطلاق دون الوضع ولو كان الوجه في تقديم الشرط معلقية إطلاق الجزاء بعدم بيان وارد على خلافه ، فليكن إطلاق الشرط كذلك لأن إثبات تعدد التأثير يتوقف على عدم ورود بيان على خلافه في ناحية الجزاء ولنا ان نقول ان حكم العقل بان الشيء الواحد لا يتعلق به إرادتان وبعثان حقيقيان ، يكشف عن وحدة المؤثر والتأثير ، فالتقديم ما لم يستند إلى مرجح خارجي بلا وجه ومنها ما ذكره المحقق المحشي من ان متعلق الجزاء نفس الماهية المهملة فهي بالنسبة إلى الوحدة والتعدد بلا اقتضاء بخلاف أداة الشرط فانها ظاهرة في السببية المطلقة ولا تعارض بين المقتضى واللااقتضاء انتهى (وفيه) انه ان أريد من الاقتضاء ، الظهور الإطلاقي للمقدم ، فهو بعينه موجود في التالي ، وان أريد ان إطلاق الشرط تام غير معلق بشيء بخلاف إطلاق الجزاء فقد تقدم جوابه ، وان ظهور كل من المقدم والتالي إطلاقي لا مرجح لتقديم

٣٥٢

أحدهما على الآخر.

نعم هنا تقريب أو تقريبان يستفاد من كلام المحقق الهمدانيّ في مصباحه وقد سبقه الشيخ الأعظم ، وحاصله ان مقتضى القواعد اللفظية سببية كل شرط للجزاء مستقلا ، ومقتضاه تعدد اشتغال الذّمّة بفعل الجزاء ، ولا يعقل تعدد الاشتغال الا مع تعدد المشتغل به ، فان السبب الأول سبب تام في اشتغال ذمة المكلف بإيجاد الجزاء والسبب الثاني ان أثر ثانيا وجب ان يكون اثره اشتغالا آخر ، لأن تأثير المتأخر في المتقدم غير معقول ، وتعدد الاشتغال مع وحدة الفعل المشتغل به ذاتا ووجودا غير معقول ، وان لم يؤثر يجب ان يستند اما إلى فقد المقتضى أو وجود المانع والكل منتف لأن ظاهر القضية الشرطية سببية الشرط مطلقا والمحل قابل للتأثير والمكلف قادر على الامتثال فأي مانع من التنجز

وأيضا ليس حال الأسباب الشرعية الا كالأسباب العقلية فكما انه يجب تحقق الطبيعة في ضمن فردين على تقدير تكرر علة وجودها وقابليتها للتكرار ، فكذا يتعدد اشتغال الذّمّة بتعدد أسبابه (انتهى) وقد أفاد شيخنا العلامة قدس‌سره قريبا مما ذكره ، في أواخر عمره بعد ما كان بانيا على التداخل سالفا ، وقد مضى شطر منه في مبحث التوصلي والتعبدي فراجع (أقول) وفيه ان كلا من الظهورين مقتض لمدلوله ومانع عن صحة الاحتجاج بالآخر ، وبه يظهر ضعف قوله ان عدم الاشتغال اما لعدم المقتضى أو لوجود المانع وكل منتف ، إذ لنا ان نقول ان المانع موجود وهو إطلاق الجزاء المعارض مع إطلاق الشرط والدليل على تعدد الاشتغال والمشتغل به ليس إلّا الإطلاق وهو معارض لمثله

(فان قلت) ان تقييد الجزاء انما نشاء من حكم العقل بعد استفادة السببية التامة من الدليل ، فإطلاق السبب منضما إلى حكم العقل بان تعدد المؤثر يستلزم تعدد الأثر بيان للجزاء ، ومعه لا مجال للتمسك بإطلاقه ، وليس المقام من قبيل تحكيم أحد الظاهرين على الآخر حتى يطالب بالدليل بل لأن وجوب الجزاء بالسبب الثاني يتوقف على إطلاق سببيته ، ومعه يمتنع إطلاق الجزاء بحكم العقل فوجوبه ملزوم لعدم إطلاقه.

(قلت) قد نبه بذلك المحقق المزبور في خلال كلماته دفعا للإشكال الّذي أوردناه وهو ان المانع موجود وهو إطلاق الجزاء ، وأنت خبير بأنه غير مفيد فانه مع اعترافه بان وجوب الجزاء بالسبب الثاني انما هو بالإطلاق لا بالدلالة اللغوية فأي معنى لتحكيم أحد

٣٥٣

الإطلاقين على الآخر ، والتخلص عن امتناع تعدد المؤثر مع وحدة الأثر بعد الغض عن عدم كون حكم العقل الدّقيق مناطا للجمع بين الأدلة ، وبعد الإغماض عن ان مثل ما نحن فيه ليس من قبيل التأثير التكويني ، بل علة الامتناع هو عدم إمكان تعلق إرادتين بمراد واحد ، كما يمكن بما ذكره ، كذلك يمكن برفع اليد عن إطلاق الشرط عند اجتماعه مع شرط آخر ، فالعقل انما يحكم باستحالة وحدة الأثر مع تعدد المؤثر ، وهي تنشأ من حفظ إطلاق الشرطيتين وإطلاق الجزاء فلا محيص عن القول بان الأثر اما متعدد أو المؤثر واحد ولا ترجيح بينهما

واما قياس التكوين بالتشريع فقد صار منشأ لاشتباهات ونبهنا على بعضها إذ المعلول التكويني انما يتشخص بعلته وهو في وجوده ربط ومتدل بعلته فيكون في وحدته وكثرته تابعا لها ، واما التشريع فان منه الإرادة المولوية ، فالإرادة تتعين بمرادها وتتشخص بمتعلقها فهما في امر التشخص والتعين متعاكسان ، وان أريد منها الأسباب الشرعية فليست هي أيضا بمثابة التكوين ، ضرورة ان النوم والبول لم يكونا مؤثرين في الإيجاب والوجوب ولا في الوضوء ، فالقياس مع الفارق بل لا بد من ملاحظة ظهور الأدلة ، ومجرد هذه المقايسة لا يوجب تقديم أحدهما على الآخر ، وأضعف من ذلك ما ربما يقال من ان المحرك الواحد يقتضى التحريك الواحد والمحرك المتعدد يقتضى المتعدد كالعلل التكوينية ، إذ فساده يلوح من خلاله ، لأن كون التحريك في المقام متعددا غير مسلم إذ يمكن ان نستكشف من وحدة الماهية وكونها متعلقة بلا قيد ، ان التحريك واحد ، والتكرار في البعث لأجل التأكيد لا التأسيس

والإنصاف ان أصحاب القول بعدم التداخل وان كان مقالتهم حقة إلّا ان ذلك لا يصح إثباته بالقواعد الصناعية ، كما عرفت ، ولا بد من التمسك بأمر آخر ، وقد نبه بذلك المحقق الخراسانيّ في هامش كفايته وهو ان العرف لا يشك بعد الاطلاع على تعدد القضية الشرطية في ان ظهور كل قضية هو وجوب فرد غير ما وجب في الأخرى كما إذا اتصلت القضايا وكانت في كلام واحد

ولعل منشأ فهم العرف وعلة استئناسه ، هو ملاحظة العلل الخارجية إذ العلل الخارجية بمرأى ومسمع منه حيث يرى ان كل علة انما يؤثر في غير ما أثر فيه الآخر ، وهذه المشاهدات

٣٥٤

الخارجية ربما تورث له ارتكازا وفطرة ، فإذا خوطب بخطابين ظاهرهما كون الموضوع فيه من قبيل العلل والأسباب ، فلا محالة ينتقل منه إلى ان كل واحد يقتضى مسببا غير ما يقتضيه الآخر قياسا لها بالتكوين بل العرف غير فارق بينهما الا بعد التنبيه والتذكار

فإذا قيل للعرف السازج بان وقوع الفأرة في البئر يوجب نزح عدة دلاء معينة ، وكذا الهرة ، ينتقل بفطرته إلى ان لوقوع الفأرة مثلا في البئر تناسبا لنزح سبع دلاء ، ولوقوع الهرة فيها مناسبة كذلك ، وان الأمر انما تعلق به لأجل التناسب بينهما وإلّا كان جزافا ، وإلى ان لوقوع كل منهما اقتضاء خاصا بها ، وارتباطا مستقلا لا يكون في الأخرى وهو يوجب تعدد وجوب نزح المقدار أو استحبابه ، وهذا يوجب تحكيم ظهور الشرطية على إطلاق الجزاء واما ما أبطلناه من مقايسة التشريع بالتكوين فانما هو ببرهان عقلي لا يقف عليه العرف الساذج ، ولكن هذا الارتكاز وان كان غير صحيح إلّا انه ربما يصير منشأ للظهور العرفي ، ويوجب تحكيم ظهور الشرط على ظهور الجزاء فلا بد من اتباعه ، فانه المحكم في تلكم المواضع هذا كله راجع إلى المقدمة الأولى أعني فرض استقلال كل شرط في التأثير ، ولكنها وحدها لا تفيد شيئا بل لا بد من إثبات المقدمة الثانية وهي ان أثر الثاني غير أثر الأول ، ولقائل ان يمنع هذه المقدمة لأن غاية ما تلزم من الأولى من استقلالهما في التأثير هي ان الوجوب الآتي من قبل النوم ، غير الآتي من قبل الآخر ، وذلك لا يوجب إلّا تعدد الوجوب لا تعدد الواجب بل يمكن ان يستكشف من وحدة المتعلق كون ثانيهما تأكيدا للأول ، ولا يوجب التأكيد استعمال اللفظ في غير معناه لأن معنى وضع الأمر للوجوب هو وضعها لإيجاد بعث ناش من الإرادة الحتمية ، والأوامر التأكيدية كلها مستعملة كذلك ، ضرورة ان التأكيد انما يؤتى به في الأمور الهامة التي لا يكتفى فيها بأمر واحد (وح) فكل بعث ، ناش من الإرادة الأكيدة ، ولا معنى للتأكيد الا ذلك لا ان الثاني مستعمل في عنوان التأكيد أو في الاستحباب أو الإرشاد أو غير ذلك فانها لا ترجع إلى محصل بل التأكيد لا يمكن إلّا ان يكون المؤكد من سنخ المؤكد فلا بد ان يكون البعثان ناشئين من الإرادة الأكيدة لغرض الانبعاث حتى ينتزع التأكيد من الثاني

وبعبارة ثانية ان الأسباب الشرعية علل للأحكام لا لأفعال المكلفين فتعددها لا يوجب إلّا تعدد المعلول وهو الوجوب مثلا ، فسينتج التأكيد ومع حمل الأمر على التأكيد

٣٥٥

يحفظ إطلاق الشرطيتين وإطلاق الجزاء فيهما ولا يوجب تجوزا في صيغة الأمر على فرض وضعها للوجوب فان المراد من وضعها ليس وضعها له لهذا المفهوم الاسمي بل لإيجاد البعث الناشئ من الإرادة الحتمية وهو حاصل في المؤكد بالكسر والمؤكد ، أترى من نفسك انك إذا أمرت ولدك بأوامر مؤكدة ان تمنع عن كون الثاني والثالث مستعملة في غير معناه كيف وهذا كتاب الله والذّكر الحكيم بين ظهرانينا تتلى آياته آناء الليل والنهار فهل تجد من نفسك ان تقول ان أوامره المؤكدة في الصلاة وغيرها مما استعملت في غير البعث عن الإرادة الإلزامية بل ترى كلها صادرة عن إرادة إلزامية وغاية كل منها انبعاث المأمور نعم حمل الأمر على التأكيد يوجب ارتفاع التأسيس وهو خلاف ظاهر الأمر لكنه ظهور لا يعارض إطلاق المادة والشرطية فإذا دار الأمر بين رفع اليد عن أحد الإطلاقين ورفع اليد عن التأسيس لا ريب في أولوية الثاني وفيما نحن فيه إذا حمل الأمر على التأكيد يرفع التعارض بين الإطلاقين (والحاصل) ان ما ذكر لا يقتضى إلّا رفع اليد من التأسيس الّذي يقتضيه السياق ولا ضير فيه لإطباقهم على طرده إذا دار الأمر بينه وبين الأخذ بإطلاق بعض اجزاء الكلام

ومما ذكرنا يظهر ضعف ما في مقالات بعض محققي العصر رحمه‌الله من ان تأكد الوجوب في ظرف تكرر الشرط يوجب عدم استقلال الشرط في التأثير لبداهة استناد الوجوب الواحد المتأكد إليهما لا إلى كل منهما (وجه الضعف) ان البعث الإلزامي الناشئ من الإرادة الإلزامية متعدد وكل منهما معلول لواحد من الشرطيتين لا انهما يؤثر ان في وجوب واحد متأكد ، لأن التأكيد منتزع من تكرار البعثين وكذا الوجوب المتأكد امر انتزاعي منه لا انه معلول للشرطيتين (ثم انه) يظهر من الشيخ الأعظم تحكيم هذه المقدمة بوجهين الأول ان الأسباب الشرعية كالأسباب العقلية (فحينئذ) لو كانت الأسباب الشرعية سببا لنفس الأحكام يجب تعدد إيجاد الفعل فان المسبب يكون هو اشتغال الذّمّة بإيجاده ، والسبب الثاني لو لم يقتضى اشتغالا آخر فاما ان يكون لنقص في السبب أو المسبب وليس النقص في شيء منهما اما الأول فمفروض واما الثاني فلان قبول الاشتغال للتعدد تابع لقبول الفعل المتعلق له ، والمفروض قبوله للتعدد واحتمال التأكيد مدفوع بعد ملاحظة الأسباب العقلية (انتهى) وفيه (أولا) ان قياس التشريع بالتكوين قياس مع الفارق وقد أوعزنا إلى فساده غير مرة فراجع (وثانيا) ان اشتغال الذّمّة بإيجاد الفعل ليس إلّا الوجوب على المكلف ، وليس

٣٥٦

هاهنا شيء غير بعث المكلف نحو الطبيعة المنتزع منه الوجوب (فحينئذ) تحقق اشتغال آخر من السبب الثاني فرع تقديم الظهور التأسيسي على إطلاق الجزاء وهو ممنوع بل لو فرض معنى آخر لاشتغال الذّمّة فتعدده فرع هذا التقديم الممنوع ، و (ثالثا) ان ما أفاده في ذيل كلامه من ان احتمال التأكيد فيما تعلق بعنوانين أقوى مما إذا تعلق بعنوان واحد ، لا يخلو من غرابة ، إذ لو عكس لكان اقرب إلى الصواب ، لأن الأحكام تتعلق بالعناوين لا بالمصاديق فلا وجه للقول بان الأمر المتعلق بأحد العناوين تأكيد لما تعلق بالعنوان الآخر نعم لو تعلقا بعنوان واحد لكان للتأكيد مجال واسع ، وأعجب من ذلك ما أفاده من ان الأحكام الكلية في عرض واحد فلا مجال لتأكيد أحدهما الآخر إلّا إذا كان متعلقها الأمور الخارجية مع فرض تأخر أحدهما عن الآخر ، وذلك لأن مدار التأكيد هو تشخيص العرف دون التقدم والتأخر ، بل لو فرض إمكان التكلم بشيء واحد مرتين في آن واحد لحكم العرف بان المتكلم أتى بشيء مؤكد كما هو كذلك في البعث اللفظي المقارن للإشارة الدالة عليه نعم لو تأخر أحدهما ينتزع التأكيد من المتأخر

الثاني من الوجهين ، الالتزام بان الأسباب أسباب لنفس الأفعال لا الأحكام ، ولا يلزم منه الانفكاك بين العلة والمعلول ، لأنها أسباب جعلية لا عقلية ولا عادية ، ومعنى السبب الجعلي ان لها نحو اقتضاء في نظر الجاعل بالنسبة إلى المعلول ، وبعبارة أخرى ان ظاهر الشرطية كونه مقتضيا لوجود المسبب وان اقتضائه لوجوبه من تبعات اقتضائه لوجوده وحيث ان اقتضائه التشريعي لوجود شيء كونه موجبا لوجوبه و (ح) لازم إبقاء ظهور الشرط في المؤثرية المستقلة ، اقتضائه وجودا مستقلا انتهى (قلت) هذا الوجه مما لم يرتضه الشيخ نفسه حتى قال انه لا يسمن شيئا ولكن ارتضاه بعض محققي العصر (ره) واعتمد عليه في مقالاته ، والإنصاف انه لا يسمن ولا يغنى من جوع ، إذ بعد ، الاعتراف على ان معنى السببية الجعلية هو الاقتضاء لا المؤثرية الفعلية فرارا عن انفكاك العلة عن معلولها ، فلا منافاة بين استقلال الاقتضاء وعدم تعدد الوجود لأن معنى استقلاله ، ان كل سبب بنفسه تمام المقتضى لا جزؤه ، ولا ينافى الاستقلال في الاقتضاء ، والاشتراك في التأثير الفعلي (فحينئذ) مع حفظ إطلاق الجزاء واستقلال الشرطيتين في الاقتضاء صارت النتيجة التداخل

واما ما أفاده بقوله لازم إبقاء ظهور الشرط في المؤثرية المستقلة ، اقتضائه وجودا

٣٥٧

مستقلا ، فرجوع عن ان السببية الجعلية عبارة عن نحو اقتضاء بالنسبة إلى المعلول لا المؤثرية الفعلية الاستقلالية.

فالأولى التمسك بذيل فهم العرف في إثبات تعدد الجزاء وجودا لأجل مناسبات مغروسة في ذهنه كما أشرنا إليها ، ولهذا لا يتقدح في ذهنه التعارض بين إطلاق الجزاء وظهور الشرطية في التعدد بل يحكم بالتعدد من غير التفات إلى إطلاق الجزاء (ثم) انه بعد تسليم المقدمتين أعني ظهور الشرطية في استقلال التأثير وكون أثر الثاني غير أثر الأول ، لا بد من البحث في المقدمة الثالثة من ان تعدد الأثر هل يوجب تعدد الفعل أو لا فيقع البحث تارة في الثبوت أي إمكان تداخل المسببين وأخرى في الإثبات فنقول اما تداخل المسببين فقد منع الشيخ الأعظم إمكانه وقال قد قررنا في المقدمة السابقة ، ان متعلق التكاليف (ح) هو الفرد المغاير للفرد الواجب بالسبب الأول ، ولا يعقل تداخل فردين من ماهية واحدة بل ولا يعقل ورود دليل على التداخل أيضا على ذلك التقدير إلّا ان يكون ناسخا لحكم السببية (انتهى)

وفيه ان مراده من الفرد المغاير للفرد الواجب بالسبب الأول ، ان كان هو الفرد الخارجي كما هو الظاهر فتداخل الفردين غير معقول بلا إشكال لكن تعلق الحكم بالفرد الخارجي ممتنع ، وان كان المراد هو العنوان القابل للانطباق على الخارج ، وانما سماه فردا لكونه تحت العنوان العام فعدم إمكان تداخل العنوانين من ماهية واحدة غير مسلم بل القيود الواردة على الماهية مختلفة ، فقد تكون موجبة لصيرورة المقيدين متباينين كالإنسان الأبيض والأسود وقد توجب كون المقيدين عامين من وجه كالإنسان الأبيض والعالم ، فالوضوء في قوله إذا نمت فتوضأ وإذا بلت فتوضأ ، ماهية واحدة ، ولأجل تسليم المقدمتين لا بد من كونهما مقيدتين بقيدين حتى يكون كل سبب ، علة مستقلة للإيجاب على أحد العنوانين لكن لا يجب ان يكون بين العنوانين نسبة التباين حتى يمتنع تصادقهما على الفرد الخارجي فمع عدم قيام دليل على امتناعه لا يجوز رفع اليد عن الدليل الدال على التداخل فرضا فقوله قدس‌سره ، لا يعقل ورود دليل على التداخل ، فرع إثبات الامتناع وهو مفقود ، بل لنا ان نقول لازم ظهور الشرطيتين فيما ذكر ، ولازم ورود الدليل مثلا على التداخل ، هو كون المقيدين قابلين للتصادق

واما مقام الإثبات فما لم يدل دليل على التداخل لا مجال للقول به فلا بد في

٣٥٨

مقام العمل من الإتيان بفردين حتى يحصل اليقين بالبراءة للعلم بالاشتغال بعد استقلال الشرطيتين في التأثير ، ولفرض ان أثر كل غير الآخر ، واما دعوى تفاهم العرف تكرار الوضوء من الشرطيتين فعهدتها على مدعيها لأنها ترجع إلى دعوى استظهار كون كل عنوان مباينا للآخر وهي بمكان من البعد

واما المقام الثاني أعني ما إذا تعددت شخصا لا نوعا كما لو قال إذا نمت فتوضأ وفرضنا ان المكلف نام مكررا ، وشك في ان المصداقين منه يتداخلان في إيجاب الوضوء أولا ، فربما يقال بالتفريق بين ما إذا كانت العلة نفس الطبيعة فيتداخلان ، وبين ما إذا كان السبب هو وجود كل فرد مستقلا فلا يتداخلان ، وفيه ان الكلام انما هو بعد الفراغ عن سببية كل فرد مستقلا لو وجد منفردا ، وإلّا فلو فرضنا ان السبب هو نفس الطبيعة أو احتملنا ذلك يخرج النزاع من باب تداخل الأسباب بل يرجع البحث إلى ان السبب واحد أو متعدد ، (نعم) البحث عن تعدد السبب أو وحدته من مبادئ المسألة المبحوث عنها هنا بالفعل إذ لا بد ان يثبت أولا ان السبب هو الفرد لا الطبيعة حتى يتعدد السبب ، ثم يبحث في تداخل الأسباب وان المصداقين منه يتداخلان في إيجاب الوضوء أولا

فما أتعب به بعض الأعاظم نفسه الزكية واستظهر انحلال القضية الشرطية وقال بتقديم ظهورها في الانحلال على ظهور الجزاء في الاتحاد فأجنبي من حريم النزاع مع انه غير خال عن الإشكال فتدبر.

وخلاصة الكلام في هذا المقام انه لو فرضنا ظهور القضية في سببية كل مصداق من البول لإيجاب الوضوء ، فلا شك انه يقع التعارض بين صدر القضية الدال على سببية كل فرد كما إذا صدره بلفظة كلما وبين إطلاق الجزاء ولكن الترجيح مع الصدر عرفا فيتقدم على إطلاق الذيل إذ لا شك انه إذا سمع العرف بان كل فرد سبب لإيجاب الوضوء لا يعتمد على إطلاق الجزاء بل يحكم بان كل فرد سبب لوجوب خاص بلا تداخل الأسباب ، وقد ذكرنا وجه فهمه ومنشأ حكمه ، هذا حال تداخل الأسباب واما تداخل المسببات في هذا المقام فقد قدمناه في المقام الأول ثبوتا وإثباتا

تتمة

لا بد في أخذ المفهوم من القضية الشرطية من حفظ الموضوع مع تمام ما اعتبر قيدا

٣٥٩

في طرف الموضوع أو في طرف الجزاء فمفهوم قولنا ان جاءك زيد راكبا يوم الجمعة فاضربه ، هو قولنا ان لم يجئك زيد راكبا يوم الجمعة فلا يجب عليك ضربه وقس عليه سائر القيود وهذا ما يعبر عنه من تبعية المفهوم للمنطوق ، ومن القيود ، العام المجموعي مثل قولك ان جاءك زيد أكرم مجموع العلماء ، وقد تسالم كل من قال بالمفهوم ان مفهومه هو انه ان لم يجئك لا يجب إكرام مجموعهم ، ولا ينافى ذلك وجوب إكرام بعضهم ، انما الإشكال في العام الاستغراقي سواء استفيد بالوضع اللغوي مثل كل والجمع المحلى باللام ، أم بغيره مثل النكرة في سياق النفي كما في قوله عليه‌السلام الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيء فعلى القول بإفادته المفهوم فهل هو الإيجاب الجزئي بداهة ان نقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية كما عليه الشيخ المحقق صاحب الحاشية ، أو الموجبة الكلية كما عن الشيخ الأعظم قدس‌سره وأوضحه كما في تقريرات بعض تلامذته بان المراد من لفظة شيء اما معناه العام من دون جعله عبرة لعناوين آخر التي هي موضوعات في لسان الدليل كالدم والبول أو يكون عنوانا مشيرا إلى العناوين الواقعة موضوعا للنجاسات ، فعلى الأول يكون المفهوم هو الإيجاب الجزئي فيقال الماء إذا لم يبلغ الكر ينجسه شيء وعلى الثاني يكون مفاد المنطوق لم ينجسه هذا وهذا ويصير مفهومه (ح) قضية منطبقة عليها ، ويقال الماء إذا لم يبلغ قدر الكر ينجسه هذا وهذا ، ويكون هو الموجبة الكلية ، والأظهر هو الثاني (انتهى ملخصا)

ويرد عليه انه ان كان المراد من جعله عبرة ومرآة للعناوين ، هو جعل الحكم على الكثرة التفصيلية أولا وبالذات بلا وساطة لفظ الشيء والكل فهو واضح البطلان ، ضرورة ملحوظية عنواني الكل والشيء في موضوع القضية وان كان المراد ، ان الغرض من التوصل بهما ليس جعل الحكم عليهما بما هما كذلك ، بل الغرض هو اتخاذهما وسيلة لإسراء الحكم منهما إلى العناوين الواقعية ، فهو حق لكن ذلك لا يستلزم ما يبتغيه. إذ لا بد ان يكون الحكم في طرف المفهوم كذلك أي ان ينفى الحكم عن العنوان المشير إلى العناوين الواقعية فمفهوم قولنا إذا جاءك زيد أكرم كل عالم هو انه إذا لم يجئك لا يجب إكرام كل عالم. ولا إشكال في افادته قضية جزئية ، وبعبارة أوضح ان كون لفظ شيء مرآة للعناوين لا يستلزم ان يكون العناوين موضوعا للحكم في لسان الدليل بل الموضوع هو لفظ شيء

٣٦٠