تهذيب الأصول - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

تهذيب الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

على واحد فقد يقال باعتبارها في المقام لأن النزاع في اجتماع الحكمين الفعليين لا الإنشاءين ضرورة عدم التنافي في الإنشائيات ومع عدمها يصير التكليف بهما تكليفا بالمحال وان لم يكن تكليفا محالا

(قلت) الظاهر ان ما ذكر نشأ من خلط الأحكام الكلية بالجزئية والخطابات القانونية بالخطابات الشخصية ، وتوضيحه ان العنوانين ان كان بينهما تلازم في الوجود بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر في جميع الأمكنة والأزمنة وعند جميع المكلفين ممن غير أو حضر ، فالبعث إلى أحدهما والزجر عن الآخر مع كون حالهما ذلك ، مما لا يصدر عن الحكيم المشرع بل من غيره لأن الإرادة الجدية انما تنقدح في مورد يقدر الغير على امتثاله ، وعند التلازم في الوجود كان التكليف محالا لأجل التكليف المحال فضلا عن كونه تكليفا بالمحال ومعه لا يلزم التقييد بالمندوحة كما سنشير إليه واما إذا فرضنا عدم التلازم في الوجود في كل عصر ومصر ، وعند جميع المكلفين وان عامة الناس يتمكنون من إتيان الصلاة في غير الدار المغصوبة غالبا ، وانه لو ضاق الأمر على بعضهم بحيث لم يتمكن الا من الصلاة في الدار المغصوبة ، لكان من القضايا الاتفاقية التي يترقب زوالها ، فلا حاجة إلى اعتبار المندوحة لما قد حققنا ان الأحكام الشرعية لا تنحل إلى خطابات بعدد الافراد حتى يكون كل فرد مخصوصا بخطاب خاص فيستهجن الخطاب إليه بالبعث نحو الصلاة والزجر عن الغصب ، ويصير المقام من التكليف بالمحال أو التكليف المحال ، بل معنى عموم الحكم وشموله قانونا هو جعل الحكم على عنوان عام مثل المستطيع يجب عليه الحج ، ولكن بإرادة واحدة وهي إرادة التشريع وجعل الحكم على العنوان ، حتى يصير حجة على كل من أحرز دخوله تحت عنوان المستطيع ، من دون ان يكون هناك إرادات وخطابات و (ح) فالملاك لصحة الحكم الفعلي القانوني هو تمكن طائفة منهم من إتيان المأمور به ، وامتثال المنهي عنه لا كل فرد فرد وعجز بعض الافراد لا يوجب سقوط الحكم الفعلي العام بل يوجب كونه معذورا في عدم الامتثال ، (والحاصل) انه ان أريد بقيد المندوحة حصول المندوحة لكل واحد من المكلفين فهو غير لازم لأن البحث في جواز تعلق الحكمين الفعليين على عنوانين ولا يتوقف ذلك على المندوحة لكل واحد منهم لأن الأحكام المتعلقة على العناوين لا تنحل إلى إنشاءات كثيرة حتى يكون الشرط تمكن كل

٣٠١

فرد بالخصوص ، (وعليه) فالحكم الفعلي بالمعنى المتقدم فعلى ، على عنوانه وان كان بعض المكلفين معذورا في عدم امتثاله ، وان أريد بقيد المندوحة ، كون العنوانين مما ينفكان بحسب المصداق في كثير من الأوقات وان لم يكن كذلك بحسب حال بعض المكلفين ، فاعتبار المندوحة وان كان لازما في هذه المسألة لكن لا يحتاج إلى تقييد البحث به فان تعلق الحكم الفعلي بعنوان ملازم لمنهي عنه فعلا ، مما لا يمكن للغوية الجعل على العنوانين بل لا بد للجاعل من ترجيح أحد الحكمين على الآخر أو الحكم بالتخيير مع عدم الرجحان فتقييد العنوان بالمندوحة غير لازم على جميع التقادير

الخامس ربما يقال ان النزاع انما يجري على القول بتعلق الأحكام بالطبائع واما على القول بتعلقها بالافراد فلا مناص عن اختيار الامتناع (أقول) الحق جريانه في بعض صور القول بتعلقها بالافراد وعدم جريانه في بعض آخر اما الثاني ففي موردين الأول ما إذا قلنا بتعلقها بالفرد الخارجي الصادر عن المكلف ، ولكنه بديهي البطلان لكون الخارج ظرف السقوط لا الثبوت ، ولم يظهر كونه مراد القائل كما سبق (الثاني) ما إذا أريد من القول بتعلقها بالافراد هو تعلقها بها مع كل ما يلازمها ويقارنها حتى الاتفاقيات منها فلو فرضنا إيجاد الصلاة في الدار المغصوبة ، يكون متعلق الأمر هو الطبيعة مع جميع ما يقارنها حتى وقوعها في محل مغصوب بحيث أخذت هذه العناوين في الموضوع ويكون متعلق النهي هي طبيعة الغصب مع ما يقارنها حتى وقوعها في حال الصلاة و (عليه) يخرج المفروض من مورد النزاع لكون طبيعة واحدة وقعت موردا للأمر والنهي ويصير من باب التعارض ، إذ البحث فيما إذا تعدد العنوان وان اتحد المعنون ، و (اما الأول) أعني الصور التي يمكن فيها جريان النزاع فكثير (منها) ان يراد من تعلقها بالافراد تعلقها بها بالعنوان الإجمالي لها بان يقال ان معنى صل أوجد فرد الصلاة فيكون فرد الصلاة فرد الغصب عنوانين كليين منطبقين على معنون واحد كالأمر بطبيعة الصلاة ، والنهي عن طبيعة الغصب و (منها) ان يراد تعلقها بالطبيعة الملازمة للعناوين المشخصة أو أمارات التشخص كطبيعي الأين ومتى فيكون الواجب طبيعة الصلاة مع مكان كلي وهكذا ساير العناوين والحرام الطبيعة الغصبية المتصفة بالوضع والمكان الكليين وغيرهما «كذلك» فاختلف العنوانان وان اتحد المعنون ، و (منها) ان يراد تعلقهما بالوجود السعي من كل

٣٠٢

طبيعة فالواجب هو عنوان الوجود السعي من الطبيعة فقط لا الوجود السعي مع عوارضها ولواحقها وقس عليه الحرام فهنا عنوانان ، عنوان الوجود السعي من الصلاة ، والوجود السعي من طبيعة الغصب مع إلقاء الوجود السعي لعوارضهما ومشخصاتهما ، و (منها) تعلقهما بعنوان وجودات الصلاة والغصب في مقابل الوجود السعي فانه لا يخرج به من العنوانين المختلفين ، (فظهر) ان النزاع جار على القول بتعلقهما بالافراد على الفروض التي تصح ان تكون محل النزاع

(السادس) يظهر من المحقق الخراسانيّ ابتناء النزاع في المقام على إحراز المناط في متعلقي الإيجاب والتحريم ، ولكن التحقيق عدم ابتنائه عليه اما على القول بان النزاع صغروي والبحث حيثي راجع إلى ان تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون أولا فواضح لأن اشتمالهما على المناط وعدمه لا دخل له في ان تعدد العنوان هل يوجب تعدد المعنون أولا ، واما على ما حررناه من ان النزاع كبروي ، وان البحث في ان الأمر والنهي هل يجوز اجتماعهما في عنوانين متصادقين على واحد أولا ، فالامر أوضح لأن إحراز المناط ليس دخيلا في الإمكان وعدمه ، بل لا بد من أخذ القيود التي لها دخل تام في إثبات الإمكان والامتناع والّذي يختلج في البال وليس ببعيد عن مساق بعض عبائره ان يكون مراده قدس‌سره فيما أفاده في الأمر الثامن والتاسع هو إبداء الفرق بين هذا المقام وبين باب التعارض دفعا عن إشكال ربما يرد في المقام وهو ان القوم رضوان الله عليهم لما عنونوا مسألة جواز الاجتماع ، مثلوا له بالعامين من وجه واختار جمع منهم جواز الاجتماع ، ولكن هذا الجمع لما وصلوا إلى باب المتعارض جعلوا العامين من وجه أحد وجوه التعارض ، ولم يذكر أحد منهم جواز الجمع بينهما بصحة اجتماع الأمر والنهي في عنوانين بينهما عام من وجه فصار قدس‌سره بصدد دفع هذا الإشكال بالفرق بين البابين بان كون العامين من وجه من باب الاجتماع مشروط بإحراز المناط حتى في مورد التصادق وإلّا دخل باب التعارض (وبالجملة) فالميّز التام هو دلالة كل من الحكمين على ثبوت المقتضى في مورد الاتفاق أو عدمها ، «هذا» ولكن يمكن ان يقال ان الميز بين البابين ليس بما ذكر ، إذ الميزان في عد الدليلين متعارضين هو كونهما كذلك في نظر العرف ، ولذا لو كان بينهما جمع عرفي خرج من موضوعه فالجمع والتعارض كلاهما عرفيان وهذا بخلاف المقام فان التعارض فيه انما هو من جهة العقل إذ

٣٠٣

العرف مهما أدق النّظر وبالغ في ذلك لا يرى بين قولنا صل ولا تغصب تعارضا لأن الحكم على عنوانين غير مرتبط أحدهما بالآخر كما ان الجمع أيضا عقلي مثل تعارضه ، و (عليه) فكل ما عده العرف متعارضا مع آخر وان أحرزنا المناط فيهما فهو داخل في باب التعارض ولا بد فيه من إعمال قواعده من الجمع والترجيح والطرح ، كما ان ما لم يعده متعارضا مع آخر وآنس بينهما توفيقا وان عدهما العقل متعارضين فهو من باب الاجتماع وان لم يحرز المناط فيهما ، و «بالجملة» موضوع باب التعارض هو الخبران المختلفان والمناط في الاختلاف هو الفهم العرفي ، والجمع هناك عرفي لا عقلي بخلافه هاهنا ، فان المسألة عقلية فلا ربط بين البابين أصلا ، فما ادعى من المناط غير تام طردا وعكسا كما عرفت والسر فيه ان رحى باب التعارض يدور على العمل بالأخبار الواردة فيه ، وموضوعها مأخوذ من العرف كموضوع سائر ما ورد في الكتاب والسنة فكلما يحكم العرف باختلاف الخبرين وتعارضهما يعمل بالمرجحات ، وكلما يحكم بعدمه لأجل الجمع العرفي أو عدم التناسب بين الدليلين لا يكون من بابه ، فقوله صل ولا تغصب غير متعارضين عرفان لأن الحكم على العنوانين بنحو الإطلاق بلا ارتباط بينهما فليس بينهما اختلاف عرفا ، ولو لم نحرز المناطين ، كما ان قوله أكرم كل عالم معارض عرفا في الجملة لقوله لا تكرم الفساق ولو فرض إحراز المناطين في مورد الاجتماع وقلنا بجواز الاجتماع حتى في مثله ، لأن الحكم فيهما على الافراد بنحو العموم فيدلان على إكرام المجمع وعدم إكرامه.

وبذلك يظهر ان ما ذكره بعض الأعاظم من ان هذه المسألة محققة لموضوع مسألة التعارض في غير محله لما عرفت من ان المسألتين لا جامع بينهما ولا إحداهما مقدمة للآخر كما ان ما ادعاه من ان التمايز بين البابين هو ان التركيب في باب الاجتماع انضمامي ، وفي باب التعارض اتحادي لا يرجع إلى محصل وسيتضح ان حديث التركيب الانضمامي والاتحادي أجنبي عن هذه المقامات فارتقب.

السابع قد يقال انه لا ملازمة بين القول بالجواز والقول بصحة العبادة ، لوجود ملاك آخر للبطلان في بعض الموارد كالصلاة في الدار المغصوبة لأن التصرف في مال الغير بلا اذنه في الخارج عين الحركة الصلاتية ، والمبعد عن ساحة المولى لا يمكن ان يكون مقربا ، (نعم) مع جهله بالموضوع أو الحكم قصورا تصح صلاته بلا إشكال والمعيار

٣٠٤

الكلي في الحكم بالصحّة والبطلان هو انه كلما كانت الخصوصية العبادية في المصداق غير الخصوصية المحرمة وجودا ، وان جمعهما موضوع واحد ، تصح العبادة ولا يرد الإشكال لأن المكلف يتقرب بالجهة المحسنة ، وليست فيها جهة مقبحة على الفرض ، وان قارنتها أو لازمتها ، ولكن المقارنة أو اللزوم لا يضر بعباديتها ، وكلما كان العنوانان موجودين بوجود واحد ، وخصوصية فاردة لا يمكن التقرب به ، وان جوزنا اجتماع الأمر والنهي فان التقرب بما هو مبعد بالفعل مما لا يمكن ، هذا وسيأتي تحقيق المقام وان المبعد من حيثية يمكن ان يكون مقربا من حيثية أخرى فانتظر ، ثم ان بعض أعاظم العصر (رحمه‌الله) قد أفاد في تقريراته ان الصلاة في الدار المغصوبة من قبيل الأول ، وان الحركة الصلاتية غير الحركة الغصبية خارجا ، لأن الغصب من مقولة الأين والصلاة من مقولة الوضع والظاهر ان تكون افعال الصلاة من مقولة الوضع سواء قلنا ان المأمور به في مثل الركوع والسجود هو الهيئة كما هو مختار الجواهر أو الفعل كما هو المختار فان المراد من الفعل ليس هو الفعل باصطلاح المعقول بل الفعل الصادر عن المكلف فيكون الانحناء إلى الركوع أوضاعا متلاصقة متصلة ، ثم المقولات متباينات ، وبسائط يكون ما به الامتياز فيها عين ما به الاشتراك ، وان الحركة ليست داخلة في المقولات بل هي مع كل مقولة عينها ، ولم تكن الحركة جنسا للمقولين ، وإلّا يلزم تفصل الواحد بالفصلين المتباينين في عرض واحد ويلزم التركيب فيها ، ولا معروضا لهما وإلّا يلزم قيام العرض بالعرض وهو محال ، فالحركة الغصبية تكون من مقولة متباينة للحركة للصلاتية ، وليس المرد من الحركة هو رفع اليد أو وضعها ، ورفع الرّأس أو وضعه بل المراد الحركة الصلاتية ، والغصبية ، وهما حركتان كما عرفت فكون حيثية الصلاتية غير حيثية الغصبية وجودا وماهية ، يجوز اجتماع الأمر والنهي فيها ، ويكون المقرب غير المبعد ، والشاهد على ما ذكرنا من اختلافهما وجودا ، ان نسبة المكان إلى المكين والإضافة الحاصلة بين المكين والمكان لا يعقل ان تختلف في الجوهر والعرض فكما ان كون زيد في الدار المغصوبة لا يوجب كونه غصبا فكذلك كون الصلاة فيها فالتركيب بينهما انضمامي لا اتحادي «انتهى ملخصا» وفيها موارد للنظر نذكر مهماتها

منها ان الصلاة ليست من المقولات بل من الماهيات الاختراعية المركبة من عدة

٣٠٥

أمور اعتبارية ومقولية ، ومثل ذلك لا يندرج تحت مقولة ، ولا تحت ماهية من الماهيات الأصيلة ، هذا ان أريد من الصلاة نفسها وان أريد اجزائها كالركوع مثلا فغير صحيح لأنه ان قلنا ان الركوع عبارة عن الحركة من الاستقامة إلى الانحناء تعظيما ، بحيث يكون مركبا من الهوى والحالة الحاصلة حين الانحناء التام فلا يكون من مقولة الوضع فقط بل يكون أحد جزئيه أعني الهوى من مقولة الحركة في الأين ويكون من مقولة الأين بناء على ان الحركة في كل مقولة عينها ، والعجب ان القائل سمى هذه الحركة الأينية ، انها أوضاع متلاصقة وغفل عن ان تبدل الأوضاع وتلاصقها من لوازم هذه الحركة كما يكون الجزء الآخر أعني الحالة المخصوصة من مقولة الوضع وان قلنا انه عبارة عن نفس الهيئة المخصوصة تعظيما ، الحاصلة بعد الانحناء التام ، فلا يندرج تحت المقولة لأن كونه تعظيما من مقوماته ، وهو لا يندرج تحت مقولة ، على ان هذا الإشكال يرد على الشق الأول أيضا؟ إذا قلنا بكون التعظيم قيدا أو جزءا (أضف إليه) ان مبناه ان الجزء للصلاة هو الفعل كما صرح به ، والفعل الصادر من المكلف هو الحركة من الاستقامة إلى الانحناء وتبدل الأوضاع يكون لازما له ، وما هو جزء ، للصلاة على الفرض هو الفعل الصادر عنه ، لا الأوضاع المتلاصقة (هذا) مع ما في تلاصق الأوضاع من مفاسد غير خفي على أهله ومن له إلمام بالمعارف العقلية.

ومنها ان الغصب لا يكون من المقولات لأنه الاستيلاء على مال الغير عدوانا وهو من الأمور الاعتبارية ولا يدخل في ماهية الكون في المكان فالكون في المكان المغصوب ليس غصبا بل استقلال اليد عليه واستيلاؤها غصب سواء كان الغاصب داخلا فيه أم لم يكن وهذا واضح بأدنى تأمل مع انه لو فرض الغصب هو الكون في المكان الّذي للغير عدوانا لم يصر من مقولة الأين (اما أولا) فلان المقولة ليست نفس الكون في المكان بل هي هيئة حاصلة من كون الشيء في المكان ، و (اما ثانيا) فلان ماهية الغصب متقومة بكون المكان للغير ويكون إشغاله عدوانا وهما غير داخلين في ماهية مقولة الأين فعلى هذا الفرض الباطل بكون المقولة جزء ماهية الغصب.

ومنها ان عدم صحة الصلاة ليس لأجل الغصب أي استقلال اليد بل لأجل التصرف

٣٠٦

في مال الغير بلا اذن منه ، وهذا عنوان آخر غير الغصب ، فانه قد يكون الشخص متصرفا في مال الغير بلا اذنه مع عدم كونه غاصبا لعدم استقلال يده عليه وقد يكون غاصبا بلا تصرف خارجي في ماله ، فالصلاة في الدار المغصوبة باطلة لا لأجل استقلال اليد على ملك الغير لأنه امر اعتباري لا ينطبق على الصلاة غالبا بل لأجل التصرف في مال الغير ، ضرورة ان الحركة الركوعية والسجودية عين التصرف في مال الغير ، بل السجود على سبعة أعظم تصرف : والكون القيامي والقعودي وغيرهما تصرف في مال الغير ، وحرام ، فلا يمكن التقرب بما هو مبعد على الفرض قيل بجواز الاجتماع أم لم يقل ، وسيأتي إن شاء الله ان جواز الاجتماع لا يتوقف على كون الحيثيات تقييدية والتركيب انضماميا كما بنى عليه قدس‌سره ومما ذكر يعلم حال ما ذكره من قياس كون زيد في الدار المغصوبة بكون الصلاة فيها ، فان الصلاة لما كانت فعل المكلف ، تكون تصرفا في مال الغير ، (واما) زيد فنفس ذاته لا يكون فعلا حتى يكون تصرفا بل كون زيد في الدار غصب لا ذاته على مبناه ، أو تصرف على ما ذكرنا وزيد غاصب أو متصرف كما ان صلاته باعتبار كونها من أكوانه وأفعاله غصب وتصرف ، وهو غاصب ومتصرف ، والأمر أوضح من ان يحتاج إلى البيان

الثامن بناء على الامتناع وترجيح جانب الأمر تصح الصلاة في الدار المغصوبة إذا لم يكن هناك مندوحة ، (واما) معها فلا ملاك لتقييد النهي المتعلق بالغصب ، بلغ ملاك الغصب ما بلغ لعدم دوران الأمر بينهما ، بل مقتضى الجمع بين الغرضين تقييد الصلاة عقلا أو شرعا غير محل الغصب ، فإطلاق كلام المحقق الخراسانيّ بأنه بناء على الامتناع وترجيح جانب الأمر تصح صلاته ولا معصية عليه (مخدوش) واما بناء على ترجيح جانب النهي فمع العمد أو الجهل بالحكم تقصيرا لا إشكال في بطلانها ، واما مع القصور فصحتها متوقف على امرين (أحدهما) إثبات اشتمال الصلاة في مورد الاجتماع على الملاك التام (وثانيهما) كون الملاك المرجوح قابلا للتقرب ، ومصححا لعبادية الصلاة و (الأول) ممتنع بناء على كون الامتناع لأجل التكليف المحال لا التكليف بالمحال وذلك للتضاد بين ملاك الغصب وملاك الصلاة ، فان أمكن رفع التضاد بين الملاكين باختلاف الحيثيتين ، أمكن رفعه في الحكمين ، ولا يلتزم به الخصم (فالقائل) بالامتناع لا بد له من

٣٠٧

الحكم بان الحيثية التي تعلق بها الحكم الإلزامي عين ما تعلق به النهي ، ومع وحده الحيثية لا يعقل تحقق الملاكين ، فلا بد ان يكون المرجوح ، بلا ملاك فعدم صحة الصلاة لأجل فقدان الملاك ومعه لا دخالة للعلم والجهل في الصحة والبطلان

(وبالجملة) الأمر لا يتعلق بالذات إلّا بما هو حامل الملاك بالذات ، وكذا النهي فمتعلقهما عين حامل الملاك وهو مع وحدته غير معقول ، ومع تكثره يوجب جواز الاجتماع فتصور الحيثيتين الحاملتين للملاك يناقض القول بالامتناع من جهة التكليف الّذي هو المحال فتدبر جيدا

واما الثاني فهو بعد تصور الملاك قابل للتقرب به لأن الحيثية الحاملة لملاك الصلاة غير الحيثية الحاملة لملاك الغصب فأتمية ملاك النهي من الأمر لا يوجب تنقيصا في ملاكه فملاكه تام لكن لم ينشأ الحكم على طبقه لأجل المانع ، وهو أتمية ملاك الغصب ، وهو غير قابل لمنع صحتها لكفاية الملاك التام في صحتها مع قصد التقرب فعدم الأمر هاهنا كعدمه في الضدين المتزاحمين

وربما يقال بالفرق بين المقامين بان باب الضدين من قبيل تزاحم الحكمين في مقام الامتثال وصرف قدرة العبد بعد صحة إنشاء الحكمين على الموضوعين وباب الاجتماع من قبيل تزاحم المقتضيين لدى الأمر فلا تأثير لعلم المكلف وجهله هاهنا بخلافه هناك (وان شئت قلت) يكون المقام من صغريات باب التعارض ومع ترجيح جانب النهي ينشأ الأمر بالصلاة في غير المغصوب ، والتقييد هنا كسائر التقييدات فالصلاة في المغصوب ليست بما بمأمور بها ، (وفيه) مضافا إلى ما عرفت سابقا من ان انسلاك الدليلين في صغرى باب التعارض منوط ومعلق على التعارض العرفي وعدم الجمع العقلائي ، لا التعارض العقلي الّذي في المقام (ان الكلام) هاهنا في صحة الصلاة بحسب القواعد ، وهي غير منوطة على الأمر الفعلي وإلّا فلازمه البطلان في المقامين وعلى ، كفاية تمامية الملاك في عبادية العبادة وهي موجودة في البابين ، ومجرد عدم إنشاء الحكم هاهنا لأجل المانع ، وإنشائه هناك لو سلم لا يوجب الفرق بعد تمامية الملاك ، و (دعوى) عدم تماميته هاهنا لأن الملاك مكسور بالتزاحم (ممنوعة) لأن مقتضى أتمية ملاك الغصب وان كان عدم جعل الحكم على الصلاة لكن ليس مقتضاها صيرورة ملاكها ناقصا (فان) أريد بالمكسورية هو النقصان فهو ممنوع

٣٠٨

جدا ، لأن الملاكين القائمين بحيثيتين لا معنى لانكسار أحدهما بالآخر ، (وان) أريد بها ان الحكم بعد تزاحمهما يصير تابعا للأقوى ، فهذا مسلم لكن لا يوجب نقصا في ملاك المهم فهو على ملاكه باق ، إلّا ان النهي صار مانعا من تأثيره في جواز التقرب به ومع عدم تأثير النهي لا مانع عن تأثيره في الصحة بعد كفاية الملاك التام بل مانعية النهي المعلوم ، عن صحة الصلاة لأجل ملاكها التام محل إشكال في هذا الفرض بل الظاهر صحتها ولو مع العلم بالنهي لإمكان التقرب بالحيثية الحاملة للملاك ، والنهي المتعلق بحيثية أخرى لا يوجب البطلان وسيجيء زيادة توضيح لهذا فارتقب

التاسع انه لا كلام في عدم جريان النزاع في المتباينين والمتساويين والظاهر جريانه في الأعم والأخص المطلقين إذا كان المنهي عنه أخص ولم يؤخذ مفهوم الأعم في الأخص بان تكون الأعمية والأخصية بحسب المورد لا المفهوم وذلك لأن العنوانين مختلفان ، وهما متعلقان للأمر والنهي كما سيأتي ، ومجرد الاتحاد في المصداق لا يضر المجوز ، واما العام والخاصّ بحسب المفهومين فقد يقال بعدم كونه محلا للنزاع لأن المطلق عين ما أخذ في المقيد ، ووصف الإطلاق ليس بشيء فلا يمكن ان يقع المطلق مورد الحكمين ، (ولأحد) ان يقول ان عنوان المطلق غير عنوان المقيد والحكم في المقيد لم يتعلق بالمطلق مع قيده بل بالمقيد بما هو مقيد ، ونفس الطبيعة بلا قيد ، لم تكن موضوعا للحكم في المقيد ، وهي موضوع في المطلق فالمطلق في أحد الدليلين ذا حكم دون الآخر ، والأمر الضمني لا أساس له فيجري فيهما ، والمسألة محل إشكال وتأمل وان كان عدم جريانه أشبه وللمقال تتمة فانتظرها واما العامان من وجه فلا إشكال في جريانه فيهما إلّا إذا أخذ مفهوم أحدهما في الآخر كقوله صل الصبح ، ولا تصل في الدار المغصوبة فيأتي فيه الإشكال المتقدم ، وقد يقال ان جريان النزاع في العامين من وجه يتوقف على أمور (منها) ان تكون النسبة واقعا بين نفس الفعلين الصادرين من المكلف بإرادة واختيار كما في الصلاة والغصب واما إذا كانت بين الموضوعين كما في العالم والفاسق فهو خارج عن محل النزاع لأن التركيب بينهما اتحادي لا انضمامي ، ولازمه تعلق الأمر بعين ما تعلق به النهي فلا بد فيهما من إجراء قواعد التعارض ، ومنه علم عدم جريانه فيما إذا كان للفعل عنوانان توليديان ، بان تكون النسبة بينهما العموم من وجه كما لو امر بإكرام العالم ونهى عن

٣٠٩

إكرام الفاسق فقام المكلف لأجل إكرامهما تعظيما ، فان القيام يتولد منه التعظيمان وهما وان كانا بحيثيتين انضماميتين ، لكن الأمر بهما امر بالسبب ، فينجر إلى تعلقه بشيء واحد وجودا وإيجادا

ومنها ان يكون بين الفعلين تركيب انضمامي لا اتحادي فيخرج مثل اشرب ولا تغصب إذا كان الماء مغصوبا فان نفس الشرب هو الغصب فالتركيب الاتحادي لا يجري فيه النزاع انتهى كلامه

(وفيه) ان قضية التركيب الانضمامي والاتحادي أجنبية عن مسألة اجتماع الأمر والنهي ، وسيوافيك ان الجواز لا يبتنى على التركيب الانضمامي فان التركيب الخارجي اتحاديا أو انضماميا غير مربوط بمقام متعلقات الأحكام التي هي العناوين لا المصاديق الخارجية ، و (عليه) يجري النزاع في مثل أكرم العالم ولا تكرم الفاسق ، وكذا في مثل اشرب ولا تغصب مع كون الماء غصبا ، وكذا في الأفعال التوليدية ، وان قلنا بتعلق الأمر بالأسباب فان قوله أكرم زيدا ، ولا تكرم عمرا كقوله قم لزيد ولا تقم لعمر ، فهما عنوانان مختلفان يجوز تعلق الأمر بأحدهما والنهي بالآخر ، سواء في ذلك السبب والمسبب التوليدي مع ان المبنى أي رجوع الأمر إلى السبب محل منع وإشكال إذا عرفت ما ذكرنا فالتحقيق هو الجواز ويتضح بترتيب مقدمات

الأولى ان الحكم بعثا كان أو زجرا ، إذا تعلق بعنوان مطلق أو مقيد يمتنع ان يتجاوز عن متعلقه إلى مقارناته الاتفاقية ولوازمه الوجودية ، حتى يقع الخارج من المتعلق تحت الأمر أو النهي فان تجاوزه عنه إلى ما لا دخالة له في تحصيل غرضه ، جزاف بلا ملاك و (بالجملة) ان الإرادة التشريعية كالتكوينية في ذلك فكما ان الثانية تابعة لإدراك الصلاح ولا تتعلق إلّا بما هو دخيل بحسب اللب في تحصيل الغرض ، ولا تسرى من موضوعه إلى ما لا دخالة له في وعاء من الأوعية فكذلك الأولى ، (وان شئت قلت) تعلق الأمر بالصلاة لا يمكن إلّا إذا كانت الخصوصيات المأخوذة فيها دخيلة في تحصيل المصلحة ، فكما لا يمكن تعلقه بالفاقد منها ، كذلك لا يمكن تعلقه بالخصوصية غير الدخيلة في تحصيلها ، وقس عليه تعلق النهي بعنوان الغصب أو التصرف في مال الغير بلا اذن منه ، فالمقارنات الاتفاقية ، والملازمات الوجودية للمأمور به في الوجود الخارجي أو الذهني كلها خارجة من ، تحت الأمر.

٣١٠

الثانية ان الإطلاق كما أو عزنا إليه وسيوافيك في محله ليس الا كون ما وقع تحت الأمر تمام الموضوع للحكم ، واما ما ربما يتوهم من ان الإطلاق عبارة عن لحاظ المطلق ساريا في افراده ، دارجا في مصاديقه أو مرآة لحالاته ، فضعيف غايته ، لأن سريان الطبيعة في افراده امر ذاتي على ما حرر في محله ، (هذا أولا) ، وعدم إمكان كون الماهية آلة للحاظ تلك الخصوصيات (ثانيا) بل لا بد هنا من دال آخر يدل على الكثرة وراء الطبيعة من لفظة كل أو اللام المفيدة للاستغراق ، ومعه يصير عموما لا إطلاقا ، وبه يظهر ان ما ربما يقال من ان معنى الإطلاق هو كون الشيء بتمام حالاته ولواحقه موضوعا للحكم ، وان معنى قوله ان ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة ، هو انه يجب عليك عتقها سواء كانت عادلة أم فاسقة عالمة أم جاهلة ، مما لا أصل له ، إذ الدخيل في الغرض هو ذات الطبيعة لا حالاتها وقيودها المتصورة ، ولذلك قد ذكرنا في محله ان الإطلاق واقع في عداد الدلالات العقلية ، أي دلالة فعل المتكلم بما هو فاعل مختار ، بحسب العقل على ان ما أفاده هو تمام مقصوده ومحصل غرضه ، فعلى ما ذكرنا فإطلاق قوله سبحانه أقم الصلاة إلخ على فرض إطلاقه عبارة عن تعلق الحكم بها بلا دخالة لشيء آخر في الموضوع ، وإطلاق قوله لا يجوز التصرف في مال الغير بلا اذنه عبارة عن كون ذاك العنوان تمام الموضوع للحرمة ، فلا يمكن ان يكون الأول ناظرا إلى الصلاة في الدار المغصوبة ولا الثاني إلى التصرف ، بمثل الصلاة

الثالثة ان اتحاد الماهية اللابشرط مع الف شرط في الوجود الخارجي ، لا يلزم منه حكاية المعروض عن عارضه إذا كان خارجا من ذاتها ولاحقا بها لأن حكاية اللفظ دائرة مدار الوضع منوطة بالعلقة الاعتبارية وهو منتف في المقام واما المعنى والمفهوم اللابشرط فيمتنع ان يكون كاشفا عن مخالفاته بحسب الذات والمفهوم ، وان اتحد معها وجودا ، ألا ترى ان الوجود متحد مع الماهية ولا تكشف الماهية عن الوجود ، والاعراض كلها متحدة مع معروضاتها ولكن البياض لا يكشف عن الإنسان ، واما الانتقال من أحد المتلازمين إلى الآخر أو من أحد الضدين إلى الآخر فقد مر ان ذلك من باب تداعي المعاني الّذي يدور مدار الموافاة الوجودية أو وقوع المطاردة بينهما في محل واحد ، ومثل ذلك لا يسمى كشفا ودلالة ، و (عليه) فالصلاة وان اتحدت أحيانا مع التصرف في مال الغير بلا اذنه في الخارج لكن لا يمكن ان تكون مرآة له وكاشفة عنه فالاتحاد في الوجود غير الكشف

٣١١

عما يتحد به

الرابعة وهو الحجر الأساسي لإثبات جواز الاجتماع ان متعلق الأحكام هو الطبيعة اللابشرط المنسلخة عن كافة العوارض واللواحق ، لا الوجود الخارجي أو الإيجاد بالحمل الشائع ، لأن تعلق الحكم بالموجود لا يمكن إلّا في ظرف تحققه ، والبعث إلى إيجاد الموجود بعث إلى تحصيل الحاصل وقس عليه الزجر لأن الزجر عما تحقق خارجا امر ممتنع ، ولا الوجود الذهني الموجود في ذهن الآمر لأنه بقيد كونه في الذهن لا ينطبق على الخارج بل متعلق الأحكام هي نفس الطبيعة غير المتقيدة بأحد الوجودين بل ذات الماهية التي تعرضه الكلية وتنطبق على كثيرين ولها عوارض ولوازم بحسب حالها ، ولكن لما كان تعلق الحكم متوقفا على تصور الموضوع ، والتصور هنا هو الوجود الذهني ، فلا محالة يكون ظرف تعلق الحكم بها هو الذهن فالطبيعة متعلقة للحكم في الذهن لا بما هي موجودة فيه ولا بما هي موجودة في الخارج بل بما هي هي مع قطع النّظر عن تحصله في الذهن وتنورها به والاحتياج إلى تصورها ليس إلّا ، لأجل توقف جعل الحكم على تصور الموضوع (وبالجملة) ان وزان الحكم بالنسبة إلى متعلقه وزان لوازم الماهية إلى نفسها فان لزوم الإمكان لها والزوجية للأربعة وان كان لا يتوقف على وجودهما خارجا أو ذهنا ، إلّا ان ظهور اللزوم يتوقف على وجود المعروض في أحد الموطنين ولذا ذكر الأكابر ان وجود المعروض ذهنا أو خارجا في لوازم الماهية دخيل في حصول اللزوم لا في لزومه (فحينئذ) فمتعلق الهيئة في قوله صل ، هو الماهية اللابشرط ومفاد الهيئة هو البعث إلى تحصيلها والوجود والإيجاد خارجان من تحت الأمر (فان قلت) الماهية من حيث هي ليست إلّا هي لا محبوبة ولا مبغوضة ولا تكون مؤثرة في تحصيل الغرض فكيف يبعث إليها مع كونها كذلك (قلت) قد ذكرنا تحقيق الحال في الكلمة المعروفة بين المحققين في بحث الترتب فلا حاجة إلى الإطناب بل قد عرفت انه لا مناص عن القول بتعلق الأحكام بنفس الطبائع لبطلان تعلقها بالوجود الخارجي أو الذهني وليس هنا شيء ثالث يصلح لأن يقع متعلق الأمر والزجر سوى ذات الماهية اللابشرط حتى يتوصل به إلى تحقق الصلاة خارجا ، و (بعبارة أوضح) ان المولى لما رأى ان إتيان الصلاة ووجودها خارجا ، محصل للغرض فلا محالة يتوصل إلى تحصيله بسبب وهو عبارة عن التشبث بالأمر بالطبيعة ، والغاية منه هو انبعاث العبد إلى إيجادها ، فمتعلق الأمر هو

٣١٢

الطبيعة والهيئة باعثة وضعا نحو إيجادها اما لأجل حكم العقل به كما هو المختار أو لأجل دلالته على طلب الوجود أي العنواني منه ليحصل الخارجي لكن قد مر ضعفه

(فان قلت ان هنا) امرا رابعا يصلح لأن يقع متعلق الأحكام وهو أخذ الماهية مرآة للخارج ولا يلزم المحذورات السابقة (قلت) ان المراد من المرآتية ان كان هو التوصل به إلى وضع الحكم على المعنون الخارجي فواضح بطلانه ، إذ هو بعد ، غير موجود فلا معنون حين الحكم حتى يقع متعلق الحكم ولو فرضنا وجوده يلزم تحصيل الحاصل ، على ان الطبيعة لا يمكن ان تكون مرآة للوجود لما عرفت من ان الاتحاد في الوجود غير الكاشفية ، وان كان المراد هو وضع الحكم على الطبيعة وجعله عليها بداعي إيجادها في الخارج فهو راجع إلى ما حققناه

وبذلك يسقط ما أفاده المحقق الخراسانيّ في المقدمة الثانية التي هي الأساس للقول بالامتناع من ان متعلق الأحكام هو فعل المكلف وما يصدر عنه «إلخ» كما يسقط ما أفاده بعض الأعاظم بترتيب مقدمات ، عصارتها كون الخارج مؤلفا من مقولتين والتركيب بينهما انضمامي لا اتحادي ، فمتعلق الأمر غير متعلق النهي خارجا ، إذ التركيب الانضمامي لو صح في الاعتباريات ، لا يفك به العقدة لكون الخارج غير مأمور به ولا منهي عنه وتعدده لا يجدى ما لم يرفع الغائلة في متعلق الأمر والنهي ، على انك قد وقفت على وجوه من الضعف في كلامه «والحاصل» انه مبنى على القول بتعلق الأحكام بالوجود الخارجي وما هو فعل المكلف بالحمل الشائع لكن مع بطلان هذا البناء لا محيص عن القول بالامتناع كان التركيب انضماميا أولا ، مع ان التركيب الانضمامي بين الصلاة والغصب والتصرف العدواني لا وجه صحيح له كما تقدم ، ثم ان تسمية ما ذكر بالتركيب الانضمامي والاتحادي مجرد اصطلاح وإلّا فليس انطباق العناوين على شيء من قبيل التركيب «إذا عرفت ما رتبناه من المقدمات» يظهر لك ان الحق هو جواز الاجتماع لأن الواجب هو نفس عنوان الصلاة دون ما يقارنها من اللواحق واللوازم ولا يمكن ان يتجاوز الأمر عن متعلقه إلى ما هو خارج منه ومثله النهي ، بحكم الأولى من المقدمات وليس معنى الإطلاق في قوله صل هو وجوب الصلاة سواء اتحدت مع الغصب أم مع غيره بحيث يكون الملحقات والمتحدات معها ملحوظة ومتعلقة للحكم والوجوب ، وذلك بحكم ثانيتها ، كما ان اتحاد الصلاة مع

٣١٣

الغصب في الخارج بسوء اختيار المكلف لا يوجب ان تكون كاشفة عنه حتى يسرى من المتعلق إلى غيره بحكم ثالثتها ، وان محط نزول الأحكام ومتعلقاتها هي نفس العناوين وان كانت الغاية إيجادها في الخارج ، لا الوجود الخارجي ، ولا الذهني بحكم الرابعة منها «فحينئذ» فكيف يمكن ان يسرى حكم أحد العنوانين إلى العنوان الآخر بل كل حكم مقصور على موضوعه لا يتخطى عنه ، فعند الوجود الخارجي وان كان العنوانان متحدين كمال الاتحاد ، إلّا ان المجمع الخارجي ليس متعلقا للبعث والزجر ، واما ظرف ثبوت الحكمين ففيه يكون العنوانان متعددين ومتخالفين إذ عنوان الصلاة غير عنوان الغصب مفهوما وذاتا ، فأين اجتمع الحكمان حتى نعالجه

ومن ذلك يظهر حل بعض العويصات المتوهمة في المقام من انه يلزم على القول بجواز الاجتماع كون شيء واحد محبوبا ومبغوضا وذا صلاح وفساد ومقربا ومبعدا ، فان محط الحب ومناخ الشوق ، هو ما يسعف حاجته ويقضى مراده ، وهو ليس إلّا الخارج إذ إليه يشد رحال الآمال ، وعنده تناخ ركائبها

توضيح الضعف انه ان أريد الاجتماع في المراحل المتقدمة على الأمر والنهي بان يجتمعا في مبادئهما الموجودة في نفس المولى فهو واضح البطلان لأن المتصور من كل ، غير المتصور من الآخر ومورد تصديق المصلحة ، غير مورد تصديق المفسدة وقس عليهما سائر المراحل ، وكذا العنوان الوجوديّ من كل ، غير الآخر لو فرض تعلق البعث والزجر به ، وان أريد كون الموجود الخارجي محبوبا ومبغوضا فلا محذور فيه لأن الحب والبغض من الأوصاف النفسانيّة وتقومها انما هو بمتعلقاتها ، إذ الحب المطلق والشوق بلا متعلق لا معنى لهما ولكن ما هو المتعلق انما هو صور الموجودات وعناوينها إذ الخارج يمتنع ان يكون مقوما لأمر ذهني وإلا لزم الانقلاب وصيرورة الذهن خارجا أو بالعكس أضف إلى ذلك ان الحب أو الشوق قد يتعلق بما هو معدوم ، والمعدوم يمتنع ان يقع مقوما للموجود ، و (بما ذكرنا) يظهر انه لا مناص عن القول بان متعلقي الحب والبغض متغايران حقيقة لأن وعاء الذهن وعاء التحليل والتجزئة ، فصورة ما تعلق بها الحب غير صورة ما تعلق به البغض ولما كانت العناوين وجوها لمصاديقها فلا محالة يصير الخارج محبوبا ومبغوضا بالعرض وبالواسطة.

٣١٤

(لا يقال) كون الموجود الخارجي محبوبا بالعرض ، خلاف الوجدان والإنصاف ولا يقال هذا محبوب إلّا إذا وجد فيه المبدأ حقيقة ، فعلى القول بالاجتماع يلزم اجتماع مبدءين متضادين في واحد شخصي

(لأنا نقول) كون الشيء محبوبا ومبغوضا ، لا يستلزم كون الخارج متصفا بمبدءين متضادين إذ فرق بين الاعراض الخارجية التي تقع ناعتة لموضوعه كالأبيض والأسود ، وبين الأوصاف النفسانيّة التي لها نحو إضافة إلى الخارج كالحب والبغض ، فكون الشيء محبوبا ليس معناه إلّا وجوب حب في النّفس مضافا إلى صورته أولا ، ثم إلى الخارج ثانيا ومع ذلك لا يحصل في الخارج تغير ولا وجود عرض حال «في المحبوب ،» والحاصل ان هذه الأوصاف ليس بحذائها شيء في الخارج حتى يلزم وجود مبدءين متضادين في الوجود الواحد أعني ما تعلق به الحب والبغض ، بل حب كل محب قائم بنفسه لا يسرى إلى محبوبه فان الله تعالى محبوب الأولياء والمؤمنين ولا يمكن حدوث صفة حالة فيه بعددهم بل المحبوبية والمبغوضية من الصفات الانتزاعية التي يكون لها منشأ انتزاع فلا بد من لحاظ المنشأ فان المنتزع تابع لمنشئه في الوحدة والكثرة بل في جميع الشئون ، وقد عرفت ان منشأ انتزاعها ، هي الأوصاف والكيفيات النفسانيّة القائمة بذات النّفس المتشخصة بالصورة الحاصلة فيها التي أخذت مرآة للخارج.

وبهذا يظهر صحة انتساب المحبوبية بنحو ، إلى ما ليس موجودا في الخارج ولو كان مناط الانتساب قيام صفة خارجية بالموضوع ، لامتنع الانتساب قطعا ونظيره العلم والقدرة ، فان الشيء يصير قبل تحققه معلوما ومقدورا إذ ليس المناط قيام صفة خارجية بالموضوع ، (إذا عرفت) ذلك فنقول يمكن ان يتعلق الحب بعنوان والبغض بعنوان آخر فيكون الموجود الخارجي محبوبا ومبغوضا مع كون العنوانين موجودين بوجود واحد ألا ترى ان البسائط الحقيقية معلومة لله تعالى ومقدورة ومرضية ومعلومة وهكذا ولا يلزم من ذلك تكثر في البسائط ، إذ التكثر في ناحية الإضافة ولا إشكال في تكثر الإضافات بالنسبة إلى شيء واحد بسيط من غير حصول تكثر فيه ، كما في الإضافات إلى الباري سبحانه ويرشدك إلى ما ذكرنا انه يمكن ان يكون شيء بسيط ، معلوما ومجهولا بجهتين كالحركة الخاصة الركوعية في الدار المجهولة غصبيتها ، فانها مع وحدتها معلومة بوصف الركوع ومجهولة

٣١٥

بوصف التصرف في مال الغير فلو كانت المعلومية والمجهولية كالبياض والسواد من الصفات الخارجية لامتنع اجتماعهما في واحد ، والسر في اجتماعهما وكذا في اجتماع غيرهما ، هو كونهما من الأمور الانتزاعية فان المعلومية أو المحبوبية منتزعان من تعلق العلم والحب بالصورة الحاكية عن الخارج بلا حدوث صفة في الخارج فتدبر

واما حديث قيام المصلحة والمفسدة بشيء واحد فهو أيضا لا محذور فيه لأنهما أيضا لا يجب. ان تكونا من الاعراض الخارجية القائمة بفعل المكلف لأن معنى كون التصرف في مال الغير ظلما وقبيحا وذا مفسدة ، هو كونه مستلزما للهرج والمرج ، وموجبا لاختلال نظام العباد من غير ان يكون هذه العناوين أوصافا خارجية قائمة بالموضوع وقس عليه الخضوع لله والركوع له فان كل واحد قيام بأمر العبودية وله حسن ومصلحة من دون ان يكون هذه العناوين أعراضا خارجية ومن ذلك يظهر انه لا استحالة في كون المقرب مبعدا والمبعد مقربا لأن المراد منها ليس هو القرب والبعد المكانيين حتى لا يمكن اجتماعهما بل المعنوي من ذلك وهو ليس امرا حقيقيا بل اعتباريا عقلائيا يدور مدار الجهات الموجبة له عندهم ولذلك يرى العقل والعقلاء الفرق بين من ضرب ابن المولى في الدار المغصوبة ومن أكرمه فيها ، فحركة اليد لإكرام ابن المولى من جهة انها إكرام ، محبوبة وصالحة للمقربية ومن جهة انها تصرف في مال الغير عدوانا مبغوضة ومبعدة ، ومس رأس اليتيم في الدار المغصوبة من جهة انه الرحمة عليه حسن وذو مصلحة ومن جهة انه تصرف في مال الغير قبيح وذو مفسدة ، والصلاة في الدار المغصوبة من جهة انها مصداق الصلاة محبوبة ومقربة ومن جهة انها مصداق الغصب مبغوضة ومبعدة ، وقد عرفت ان الشيء الواحد حتى البسيط منه يجوز ان يتصف بمثل هذه الانتزاعيات ولو أمكن ان يكون الشيء الواحد محبوبا لجهة ومبغوضا لجهة أمكن ان يكون مقربا ومبعدا من جهتين من غير لزوم تضاد وامتناع

وأظن انك لو تدبرت فيما هو الملاك في كون الشيء مقربا ومبعدا عند العقلاء وان التقرب والتبعد في هاتيك المقامات يدور ان مدار الاعتبار ، يسهل لك تصديق ما ذكرنا

تنبيه في أدلة القولين

استدل القائلون بالامتناع بوجوه أسدها ما ذكره المحقق الخراسانيّ ورتبة على

٣١٦

مقدمات عمدتها هو كون الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر ، لعدم المنافاة بين وجوداتها الإنشائية قبل البلوغ إليها ، وأنت خبير بان ما أحكمناه كاف في إثبات المطلوب سواء ثبت التضاد بين الأحكام أم لا ، ولما انجر الكلام إلى هنا لا بأس بتوضيح الحال فيها ، فنقول عرف الضدان بأنهما امران وجوديان لا يتوقف تعقل أحدهما على الآخر ، يتعاقبان على موضوع واحد بينهما غاية الخلاف وقالوا ان من شرط التضاد ان يكون الأنواع الأخيرة التي توصف به ، داخلة تحت جنس واحد قريب ، فلا يكون بين الأجناس ولا بين صنفين من نوع واحد ولا شخصين منه تضاد ، وما ذكرناه هو المختار عند الأكابر فالتعريف المذكور لا ينطبق على الأحكام اما على القول المختار بان الأحكام عبارة مثلا عن البعث والزجر المنشأين بالآلات والأدوات فواضح جدا لأن البعث والزجر بالهيئة الدالة عليهما انما هو بالمواضعة والاعتبار وهما ليسا من الأمور الوجودية الحالة في موضوعها الخارجي بل أمور اعتبارية عقلائية وهم يرون البعث بالهيئة مكان البعث التكويني لكن بحسب الوضع والاعتبار القائمين بنفس المعتبر قياما صدوريا

(واما) على القول بكونها عبارة عن الإرادات أو عن الإرادات المظهرة كما اختاره بعض محققي العصر رحمه‌الله وقد أوعزنا إلى دفعه سابقا ، فكذلك أيضا ، لأن الشرط كما أسمعناك كون الأمرين الوجوديين داخلين تحت جنس قريب ، وعليه لا بد ان يكونا نوعين مستقلين ، مع ان إرادة البعث والزجر داخلتين تحت نوع واحد ومعه كيف تصيران متضادتين

(فان قلت) ان مبدأ الأمر وجوبيا أو ندبيا وان كان هو إرادة البعث على ما هو التحقيق من ان الإرادة التشريعية لا تتعلق الا بالبعث والتحريك لا بصدور الفعل من الغير إلّا ان مبدأ النهي هو الكراهة وهما ليستا من نوع واحد

(قلت) الكراهة ليست بمبدإ قريب للنهي بل المبدأ القريب هو إرادة الزجر ، وذلك لأن الكراهة والاستقباح في مقابل الشوق والاستحسان فكما ان اشتياق صدور شيء من المكلف ربما يصير مبدأ لحدوث إرادة البعث نحو المطلوب ، «كذلك» الكراهة وتنفر الطبع عنه ربما تصير مبدأ لإرادة الزجر التشريعي عن العمل ، فظهر ان ما يقابل الاشتياق هو الكراهة ، وانهما من مبادئ الإرادة التشريعية أحيانا ، والمبدأ القريب للنهي هو نفس

٣١٧

الإرادة لا الاستكراه ، والإرادتان من نوع واحد فاختل ما هو الشرط للتضاد

وببيان أوضح ان الإرادات ليست أنواعا مختلفة تحت جنس قريب ، اما الواجب والمستحب ، وكذا الحرام والمكروه فواضح لأن الإرادة الوجوبية والاستحبابية مشتركتان في حقيقة الإرادة ومتميزتان بالشدة والضعف فإذا أدرك المولى مصلحة ملزمة ، تتعلق به الإرادة الشديدة وينتزع منها الوجوب ، أو أدرك مصلحة غير ملزمة تتعلق به الإرادة لا بنحو الشدة بل على نحو يستظهر منها الترخيص في الترك وينتزع منها الاستحباب وقس عليهما الحرام والمكروه فان المبدأ القريب للنهي تحريما كان أو تنزيها انما هو الإرادة فيما إذا أدرك ان في الفعل مفسدة فيتوصل لسد بابها بزجر العبد تشريعا فيريد الزجر التشريعي فيزجرهم فإرادة الزجر المظهرة إذا كانت إلزامية ينتزع منها التحريم وان كانت غير إلزامية ينتزع منها الكراهة (فتلخص) ان ما هو المبدأ الأخير هو الإرادة وعلى القول بانتزاع الأحكام من الإرادات المظهرة لا يتفاوت فيه الوجوب وغيره وقد عرفت ان الإرادة هي المبدأ القريب للإظهار فلا تكون الأحكام أنواعا مختلفة مندرجة تحت جنس قريب على ما هو المناط في الضدين

(ثم) ان عدم الاجتماع لا يوجب الاندراج تحت تقابل التضاد ، اما على القول بكون الأحكام أمورا اعتبارية ، فسر عدم اجتماع الوجوب والحرمة هو لغوية الجعلين غير الجامعين بل امتناع جعلهما لغرض الانبعاث لأن المكلف لا يقدر على امتثالهما وكذا على القول بكونها عبارة عن الإرادات ، لامتناع تعلق الإرادة بالبعث إلى العمل والزجر عن الفعل كتعلق الإرادة بالطيران إلى الهواء ، فعدم الاجتماع أعم من التضاد و (أيضا) لو اعتبرنا في محقق التضاد كون الأمرين مما بينهما غاية الخلاف ، لا يتحقق التضاد في جميع الأحكام لأن الوجوب والاستحباب ، ليس بينهما غاية الخلاف وقس عليه الحرمة والكراهة ، بل تخرج الأحكام عن تقابل التضاد بقولنا يتعاقبان على موضوع واحد لأن المراد من الموضوع هو الموضوع الشخصي لا الماهية النوعية ، وقد مر ان متعلقاتها لا يمكن ان يكون الموجود الخارجي فلا معنى للتعاقب وعدم الاجتماع فيه ، (فظهر) ان حديث التضاد بين الأحكام وان اشتهر بين المتأخرين مما لا أساس له كما عليه بعض أهل التحقيق قدس الله سره.

٣١٨

في أدلة المجوزين

استدل المجوزون للاجتماع بان أدل الدليل على إمكانه وقوعه وقد وقع نظيره في الشريعة الغراء كالواجبات المستحبة أو المكروهة فيستكشف انا عن صحة الجميع ، وهي على ثلاثة أقسام (أحدها) ما تعلق النهي بذاته وعنوانه ولا بدل له كصوم يوم العاشور ، والنوافل المبتدئة عند طلوع الشمس وغروبها ، (ثانيها) ما اتحد فيه متعلقا الأمر والنهي وكان له بدل كالأخص مطلقا كالنهي عن الصلاة في الحمام ، (ثالثها) ان يكون بين العنوانين عموم من وجه فتعلق النهي بما هو مجامع معه وجودا كالصلاة في مواضع التهمة بناء على تعلق النهي بالكون فيها ، (وفيه) ان الاستدلال بالظواهر بعد قيام البرهان على الامتناع لو تم ، خارج من آداب المناظرة ، وكيف كان فنحن في فسحة عن الثالث بل الثاني بناء على دخول الأخص والأعم مطلقا في محل البحث ، فالأولى صرف عنان الكلام إلى ما تعلق به النهي بذاتها ولا بدل له فنقول يمكن ان يقال ان النهي وان تعلق بنفس الصوم ظاهرا إلّا انه متعلق في الواقع بنفس التشبه ببني أمية الحاصل بنفس الصوم من دون ان يقصد التشبه فالمأمور به هو ذات الصوم والمنهي عنه التشبه بهم ولما انطبق العنوان المنهي عنه عليه ، وكان ترك التشبه أهم من الصوم المستحب نهى عنه إرشادا إلى ترك التشبه ، هذا على القول بصحة الصوم يوم العاشور كما نسب إلى المشهور ، وإلّا فللإشكال فيه مجال بالنظر إلى الاخبار والتفصيل في محله ويمكن ان يقال نظير ذلك في الصلوات في أوقات خاصة فان المنهي عنه تنزيهيا هو التشبه بعبدة الأوثان على ما قيل

وما قيل من انه لا يعقل ان يكون كل من الفعل والترك ذا مصلحة لأنه اما ان يغلب إحدى المصلحتين على الأخرى فيكون البعث نحوها فقط وإلّا فالحكم هو التخيير ، ليس بصحيح لأنه يستقيم ذلك لو كان متعلق الحكمين واحدا أو قلنا ان المتعلق هو المجمع الخارجي ، وقد عرفت بطلانه بل المقام ليس إلّا من قبيل الصلاة في مواضع التهمة ، كما ان ما تصدى به المحقق الخراسانيّ لدفع الإشكال فيما لا بدل له من ان انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك أو كون الترك ملازما لعنوان كذائي ، الّذي صيره راجحا ، غير تام بظاهره لأن الترك عدمي لا ينطبق عليه عنوان وجودي ولا يمكن ان يكون ملازما لشيء فان الانطباق والملازمة من الوجوديات التي لا بد في ثبوتها لشيء من ثبوت ذلك الشيء (نعم)

٣١٩

يمكن اعتبار شيء من بعض الاعدام الخاصة المتصورة بنحو من التصور في المأمور به

ثم ان بعض الأعاظم قدس‌سره أجاب عن هذا القسم بتقديم مقدمة وهي ان النذر إذا تعلق بعبادة مستحبة يندك الأمر الاستحبابي في الأمر الوجوبيّ ، الجائي من قبل النذر لوحدة متعلقهما فيكتسب الأمر النذري الوجوبيّ ، التعبدية من الاستحبابي والأمر الاستحبابي يكتسب اللزوم من الوجوبيّ فيتولد منهما امر وجوبي عبادي واما إذا كانت العبادة المستحبة متعلقة للإجارة كان متعلق الأمر الاستحبابي مغايرا لما تعلق به الأمر الوجوبيّ لأن متعلق الأول ذات العبادة ومتعلق الثاني إتيان العبادة بداعي الأمر المتوجه إلى المنوب عنه وبوصف كونه مستحبا على الغير لأن الشخص صار أجيرا لتفريغ ذمة الغير فلا تكون العبادة من دون قصد النيابة تحت الإجارة فلا يلزم اجتماع الضدين ولا يندك أحدهما في الآخر وما نحن فيه هذا القبيل لأن الأمر تعلق بذات العبادة ، والنهي التنزيهي تعلق بالتعبد بها لما فيه من المشابهة بالأعداء انتهى

وفيه من الضعف والخلط ما لا يخفى على البصير (اما أولا) فلان الأمر الاستحبابي تعلق بعنوان الصلاة ، والأمر الوجوبيّ بعنوان الوفاء بالنذر ، فالعنوانان في ظرف تعلق الأحكام مختلفان ، ومتحدان في الوجود الخارجي وهو ليس ظرف تعلق الحكم ، فلو نذر ان يصلى صلاة الليل يجب عليه الوفاء بالنذر ، ولا يحصل الوفاء إلا بإتيان الصلاة الاستحبابي لا غير ، فالصلاة الخارجي مصداق لعنواني الوفاء بالنذر والصلاة ، وقد انطبق العنوانان عليها في الخارج ، ومثلها الإجارة فان الأمر الوجوبيّ تعلق بنفس الوفاء بالعقد والأمر الاستحبابي بنفس الصلاة المستحبة أو تعلق امر وجوبي آخر بنفس الصلاة على الولي ، و «ح» فلازم الوفاء بالعقد هو إتيان العبادة بداعي الأمر المتوجه إلى المنوب عنه أو بوصف كونه مستحبا على الغير ، لا ان ذلك هو المتعلق للأمر الإجاري بل هذا طريق لتحقق الوفاء بالعقد فافتراق موضوعهما يكون من هذه الجهة

(وثانيا) لا معنى معقول لهذا الاكتساب والتولد المذكورين فبأي دليل وآية جهة يكتسب الأمر غير العبادي ، العبادية ، وغير الوجوبيّ الوجوب وما معنى هذه الولادة والوراثة بل لا يعقل تغيير الأمر عما هو عليه ولو اتحد المتعلقان في الخارج ، ولعمري ان هذا أشبه بالشعر منه بالبرهان.

٣٢٠