تهذيب الأصول - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

تهذيب الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

الوضوء إلى الصلاة كنسبة الفاتحة إليها من الجهة التي نحن فيه حيث ان الوضوء قد اكتسب حصة من الأمر بالصلاة لمكان قيديته لها (انتهى ملخصا) فراجع مجموع كلامه تجد فيه ما يقضى منه آخر العجب فان ما توجه إليه الأمر ليس إلّا التقيد وهو كون الصلاة مع الطهارة وهو لا يوجب كون القيد عبادة ، وهو وان استشعر على ما ذكرنا وصار بصدد الجواب إلّا انه ما أتى شيئا يصح الاتكال عليه فراجع.

ثم انه لو قلنا بكون الوضوء مستحبا نفسيا أو بوجود ملاك العبادة فيه ، يصح التوضي قبل الوقت ويجوز الدخول معه في الصلاة بعد حضور الوقت كما انه لو لم يكن للمكلف داع إلى إتيان الوضوء الاستحبابي قبل الوقت لكن رأى ان الصلاة في الوقت مشروطة به فصار ذلك داعيا إلى إتيانه يقع صحيحا أيضا ، «هذا كله» إذا كان التوضي قبل الوقت (واما بعده) فان أتى به بداعي التوصل إلى الغير من دون قصد التقرب فلا يقع صحيحا وان أتى به بداعي امره الغيري لكن متقربا به إلى الله يصح ويحصل الشرط ، واما إذا أتى بداعي امره الاستحبابي فصحته منوطة ببقاء امره وسيأتي ما يتضح منه ان الأمر الاستحبابي على عنوانه محفوظ وان متعلق الأمر الغيري على فرض الملازمة عنوان آخر غير متعلق الأمر الاستحبابي (فحينئذ) فلا إشكال في صحته بداعي امره.

الأمر الخامس هل الواجب بناء على الملازمة هو مطلق المقدمة أو خصوص ما أريد به إتيان ذيها ، أو المقدمة التي يقصد بها التوصل إلى صاحبها أو المقدمة الموصلة أو التي في حال الإيصال أقوال ربما ينسب إلى صاحب المعالم اشتراط وجوبها بإرادة ذيها ، وأورد عليه بان المقدمة تابعة لصاحبها في الإطلاق والاشتراط فيلزم ان يشترط وجوب الشيء بإرادة وجوده «قلت» ظاهر كلامه في المعالم خلاف ما نسب إليه حيث قال وحجة القول بوجوب المقدمة على تقدير تسليمها انما تنهض دليلا على الوجوب في حال كون المكلف مريدا للفعل المتوقف عليها انتهى وهو ظاهر بل نصّ في ان القضية حينية لا شرطية وان وجوبها في حال إرادة الفعل المتوقف عليها لا مشروطة بإرادته وهو أيضا (وان كان) لا يخلو عن إشكال لأن إرادة الفعل المتوقف عليها غير دخيلة في ملاك وجوبها ، على انه لا يتصور لإيجابها حين إرادته معنى معقول ، لأنه إذا أراد فعل المتوقف عليها يريد المقدمة لا محالة فلا معنى للبعث والإيجاب في هذه الحال إلّا ان ذاك ليس بمثابة ما تقدم في وضوح البطلان.

٢٠١

(واما القول) الثالث أعني كون الواجب هو المقدمة بقصد التوصل إلى ذيها فقد نسب إلى الشيخ الأعظم قدس‌سره ولكن عبارة مقرر بحثه ينادى بالخلاف في عدة مواضع خصوصا فيما ذكره في (هداية) مستقلة لرد مقالة صاحب الفصول إذ يظهر من نصّ عبائره هناك ان قصد التوصل ليس قيدا لمتعلق الوجوب الغيري حتى يكون الواجب هو المقدمة بقصد التوصل ، بل الواجب هو نفس المقدمة إلّا ان قصد التوصل يعتبر في تحقق امتثال الأمر المقدمي ، حتى يصدق عليه الإطاعة سواء كانت المقدمة عبادية أم توصلية غاية الأمر انتفاء الثمرة في الثاني حيث قال في خلال الرد عليه ونحن بعد ما استقصينا التأمل لا نرى للحكم بوجوب المقدمة وجها الا من حيث ان عدمها يوجب عدم المطلوب ، وهذه الحيثية هي التي يشترك فيها جمع المقدمات إلى ان قال فملاك الطلب الغيري المتعلق بالمقدمة هذه الحيثية وهي مما يكفى في انتزاعها عن المقدمة ملاحظة ذات المقدمة انتهى كلامه وفي «موضع آخر» ، الحق عدم تحقق الامتثال بالواجب الغيري إذا لم يكن قاصدا للإتيان بذلك ، إذ لا إشكال في لزوم قصد عنوان الواجب فيما إذا أريد الامتثال كما لا ريب في عدم تعلق القصد بعنوان الواجب فيما إذا لم يكن الآتي بالواجب الغيري قاصدا للإتيان بذلك فيستنتج عدم تحقق الامتثال الا به وأيضا في موضع آخر قال رادا على صاحب المعالم ان إطلاق وجوب المقدمة واشتراطها تابع لإطلاق ذيها انتهى.

وأنت إذا أمعنت نظرك وأجلت بصرك بين كلماته وسطوره تجد صدق ما ادعيناه من ان محور نقضه وإبرامه ليس بيان ما هو طرف الملازمة على فرض ثبوتها بل بيان ما هو معتبر في كيفية الامتثال «وبذلك» يظهر ان ما احتمله بعض المحققين من الاحتمالات الكثيرة ساقطة قطعا بل محتمل كلامه أو ظهوره ما أسمعناك فقط أو وجه آخر سيجيء الإشارة إليه وكيف كان فلا بد من توضيح الوجهين وذكر براهينهما (أحدهما) ان امتثال الواجب الغيري لا يحصل إلّا بقصد التوصل إلى ذيه فاستدل عليه «قده» بان الامتثال لا يمكن إلّا ان يكون الداعي إلى إيجاد الفعل هو الأمر ولما كان الأمر لا يدعو إلّا إلى متعلقه فلا بد في الامتثال من قصد العنوان المأمور به ، والمأمور به هاهنا هو المقدمة بالحيثية التقييدية لأن الكاشف عن وجوب المقدمة هو العقل بالملاك العقلي والعقل يحكم بوجوب المقدمة من حيث هي مقدمة فلا بد من كشف الحكم الشرعي بذلك الملاك على الحيثية التقييدية ، ولما كان القصد بهذه الحيثية لا ينفك عن القصد بالتوصل إلى ذيها

٢٠٢

لاستلزام التفكيك التناقض فلا بد في امتثال امر المقدمة من قصد التوصل إلى صاحبها انتهى ملخصا «وأنت ترى» بعين الدقة ان محور كلامه الّذي لخصناه ليس إلّا شرطية قصد التوصل في امتثال الأمر المقدمي لا بيان ما هو طرف الملازمة (وتوضيح) ما أفاده ان الامتثال ليس إلّا التحرك على طبق داعويته وليست داعويته إلّا بنحو الغيرية والمقدمية لا لمصالح في نفسه ، فلو كان الانبعاث على طبق دعوته فلا محالة لا ينفك عن قصد التوصل إلى ذيها في مقام العمل (نعم) ما وقع في دائرة الطلب ليس إلّا ذات الشيء لأن ملاك الوجوب رفع الاستحالة ، ورافعها ذات المقدمة وحقيقتها بلا دخل للقصد في ذلك (وبعبارة أوضح) ان الامتثال لا يتحقق إلّا بعقد قلبي وقصد نفسي وتوجه إلى الأمر وإلى كيفية دعوته وغاية وجوبه وهو وان امر بذات المقدمة إلّا انه ما أوجبها الا لأجل التوصل ، فالعبد الممتثل لا محالة يقصد ذلك العنوان ، واما تعلق الوجوب فهو تابع لتحقق الملاك والمفروض انه موجود في جميع الافراد (هذا) وسيجيء تحقيق الحال في امتثال الأمر الغيري.

(الثاني) من الوجهين الذين احتملناهما ما يشعر به صدر كلامه ويظهر من ذيله أيضا وهو ان وقوع المقدمة على صفة الوجوب في الخارج مطلقا يتوقف على قصده ، وعبارته هنا هو المستمسك للمشايخ في نسبة هذا القول إليه وأنت إذا تدبرت فيما سيمر عليك من العبارة تفهم ان العبارة لا تنطبق على مدعاهم إذ ان البحث في باب المقدمة انما هو في تعيين متعلق الوجوب وهو قدس‌سره لم يشترط فيه شيئا بل قال بكونه هو مطلق المقدمة والعبارة التالية يفيد اعتبار قيد التوصل في وقوع المقدمة على صفة الوجوب خارجا وكم فرق بينهما وإليك العبارة حيث قال وهل يعتبر في وقوعه على صفة الوجوب ان يكون الإتيان لأجل التوصل إلى الغير أولا وجهان أقواهما الأول ويظهر الثمرة فيما إذا كان على المكلف فائتة فتوضأ قبل الوقت غير قاصد لأدائها ولا لإحدى غاياتها فعلى المختار لا يجوز الدخول به في الصلاة الحاضرة ولا الفائتة ، وأيضا تظهر من جهة بقاء الفعل المقدمي على حكمه السابق فلو قلنا بعدم اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمي على صفة الوجوب لا يحرم الدخول في ملك الغير إذا كانت مقدمة لإنقاذ غريق وان لم يترتب عليه بخلاف ما لو اعتبرناه فهو حرام ما لم يكن قاصدا لإنقاذه (وعن بعض الأعيان من المحققين) في تعليقته الشريفة في توجيه اعتباره في متعلق الوجوب ما (هذا) حاصله : ان الجهات التعليلية في الأحكام العقلية راجعة إلى التقييدية

٢٠٣

فإذا كانت مطلوبية المقدمة لا لذاتها بل لحيثية مقدميتها فالمطلوب الجدي نفس التوصل ومن البين ان الشيء لا يقع على صفة الوجوب ومصداقا للواجب إلّا إذا أتى به عن قصد وإرادة حتى في التوصليات لأن البعث فيها وفي التعبديات لا يتعلق إلّا بالفعل الاختياري فالغسل الصادر بلا اختيار محل للغرض لكنه لا يقع على صفة الوجوب فاعتباره فيها من جهة ان المطلوب الحقيقي هو التوصل لا غير.

(قلت) ما أفاده قدس‌سره في خصوص إرجاع التعليلية إلى التقييدية متين جدا ضرورة ان العقل لا يحكم إلّا على العناوين العارضة لذوات الأشياء لا على الموضوع المجرد من عنوانه وإلّا لزم ان يحكم لدى التجرد منه ولا تكون تلك الجهات منشأ لإسراء الحكم إلى غيرها بعد كونها هي المطلوبة بالذات لا بالعرض (وبذلك) يظهر الخلل فيما ربما يصار (تارة) إلى إنكار هذا الإرجاع من ان لحكم العقل موضوعا وعلة ولا معنى لإرجاع العلة إلى الموضوع بحيث تصير موضوعا للحكم و (أخرى) إلى ان القاعدة المزبورة على تقدير تسليمها مختصة بما يدركه العقل من الأحكام ولا تكاد تجري فيما يكون ثابتا من الشارع باستكشاف العقل ، انتهى.

(وفيه) ان إنكار الإرجاع المزبور يستلزم إسراء حكم العقل من موضوعه إلى غيره بلا ملاك فان الظلم مثلا إذا كان قبيحا عقلا فوقع عمل في الخارج معنونا بعنوان الظلم وبعناوين آخر وحكم العقل بقبحه وفرضنا انه لم يرجع إلى حيثية الظلم فاما ان يرجع إلى حيثيات آخر ، وهو كما ترى أو إلى الذات بعلية الظلم بحيث تكون الذات قبيحة لا الظلم وان كان هو علة لقبحها وهو أيضا فاسد بل يستلزم الخلف فان الذات تكون قبيحة بالعرض فلا محيص إلّا ان يكون الظلم قبيحا بالذات فيصير الظلم موضوعا بالحقيقة للقبح وهذا معنى رجوع الحيثيات التعليلية إلى التقييدية (وأعجب) من ذلك ما أفاده ثانيا فان إدراك العقل مناط الشيء ليس معناه إلّا ان هذا هو الموضوع ، لا ما هو أوسع من ذلك ولا أضيق ومعه كيف يستكشف مناط أوسع (وبالجملة) ان العقل إذا كشف عن حكم بملاكه العقلي لا يمكن ان يستكشف حكما أوسع أو أضيق من ملاكه قائما بموضوع آخر غير حيثية الملاك.

(نعم) يرد على المحقق المحشي ان وقوع الفعل على صفة الوجوب في التوصليات لا يتوقف على القصد وان كان الوقوع على صفة الامتثال موقوفا عليه لأن قصد العنوان و

٢٠٤

صدوره عن اختيار شرطان لتحقق الإطاعة لما عرفت من انه لا يتحقق إلّا بعقد قلبي متوجها نحو العمل لجهة امره وطلبه فإذا توجه إليه وأتى بداعيه فلا ينفك عنه قصد التوصل لأن الأمر المقصود غيري ، ومعناه كون الأمر لأجل حصول الغير ، واما كونه شرطا لوقوعه على صفة الوجوب فلا ، لأن المفروض ان المطلوب هو الحيثية المقدمية أي الموقوف عليه بما هو هو وهو صرف وجوده بأي وجه اتفق ، فإيجاده بأي نحو كان ، كاف في كونه مصداقا له إذ ليس الواجب سوى نفس وجوده وقد حصل فلا وجه لعدم وقوعه على صفة الوجوب مع كونه غير تعبدي «ثم» ان هذا الاحتمال في كلام الشيخ كما مر لا ينطبق أيضا على مدعاهم لأن الكلام في باب المقدمة انما هو في مقام تعلق الوجوب وقد صرح بأنه ذات المقدمة وانما دعواه في مقام آخر وهو وقوع المقدمة على صفة الوجوب خارجا وهو مقام آخر غير ما نحن فيه و (بالجملة) كلام الشيخ آب على كلا الاحتمالين عما نسب إليه فراجع.

ثم انه لا وجه لأخذ قصد التوصل قيدا ، لا للوجوب لاستلزامه كون وجوب الواجب مشروطا بإرادة المكلف ، ونظيره أخذه ظرفا للوجوب على نحو الحينية لأنه يرد عليه نظير ما يرد على صاحب المعالم ولا للواجب بحيث يكون قصد التوصل أيضا متعلقا للبعث ويكون الأمر داعيا إلى المقدمة التي قصد بها التوصل إلى صاحبها ، فانه وان لم يكن محالا لكن قصد المكلف غير دخيل في ملاك المقدمية قطعا ، فتعلق الوجوب به يكون بلا ملاك وهو ممتنع «وما عن» المحقق الخراسانيّ من امتناع وقوع القصد موردا للتكليف (مدفوع) بان القصد قابل لتعلق البعث إليه كقيديته في العبادات «أضف إليه» ان النّفس ربما توجد الإرادة إذا كانت الإرادة موضوعا لحكم ولم يكن المراد مطلوبا إلّا بالعرض كما في إرادة الإقامة عشرة أيام إذا لم يكن في الإقامة غرض له سوى الصلاة أربع ركعات.

في المقدمة الموصلة

وهو القول الرابع الّذي اختاره صاحب الفصول قائلا بان الإيصال قيد للواجب واحتمال إرجاعه إلى الوجوب باطل جدا لأن شرط الوجوب لا يحصل إلّا بعد الإتيان فكيف يتقدم الوجوب على شرطه اللهم إلّا ان يصار إلى الشرط المتأخر وهو كما ترى وكيف كان فقد أورد على كونها قيدا للواجب أمور نذكر مهماتها (منها) لزوم الدور لأن وجود ذي المقدمة يتوقف على وجود المقدمة ولو قلنا بقيدية الإيصال يتوقف وجودها على وجود

٢٠٥

صاحبها «وفيه» ان الموقوف ، غير الموقوف عليه لأن وجود ذي المقدمة موقوف على ذات المقدمة لا بقيد الإيصال ، واتصافها بالموصلية متوقف على وجود ذي المقدمة ، وان شئت قلت ان متعلق الوجوب أخص من الموقوف عليه ولا تكون المقدمة بقيد الإيصال موقوفا عليها ، وان كانت بقيده واجبة ، ومنه يظهر النّظر في كلام شيخنا العلامة حيث قال : ان الوجوب ليس إلّا لملاك التوقف فيكون اعتبار قيد الإيصال في متعلق الوجوب لملاك التوقف فيدور (والجواب) ان مناط الوجوب ليس التوقف على مسلكه بل التوصل إلى ذي المقدمة فمتعلقه أخص من الموقوف عليه بل دعوى بداهة كون المناط هو التوقف تنافي ما اختاره في باب وجوب المقدمة من كون الواجب هو المقدمة في لحاظ الإيصال (وربما) يقرر الدور بأنه يلزم ان يكون الواجب النفسيّ مقدمة لمقدمته ، واجبا بوجوب ناش من وجوبها وهو يستلزم الدور لأن وجوب المقدمة ناش من وجوب ذيها ، فلو ترشح وجوب ذي المقدمة من وجوبها لزم الدور (وفيه) ان وجوب الواجب الناشئ منه وجوب المقدمة ، لم ينشأ من وجوبها حتى يدور.

ومنها التسلل وبيانه ان الوضوء الموصل إلى الصلاة لو كان مقدمة كان ذات الوضوء مقدمة للوضوء الموصل فيعتبر فيه قيد الإيصال أيضا فينحل إلى ذات وإيصال فيكون الذات أيضا مقدمة لهما فيحتاج إلى إيصال آخر وهكذا.

ويمكن تقريره بوجه آخر وهو ان المقدمة الموصلة تنحل إلى ذات وقيد ، وفي كل منهما مناط الوجوب للتوقف ، فعلى وجوب المقدمة الموصلة يجب ان تكون الذات بقيد الإيصال واجبة ، وقيد الإيصال أيضا يقيد إيصال آخر واجبا فيتقيد كل منهما بإيصال آخر وهلم جرا والجواب عن التقرير الأول ان الواجب بالأمر الغيري على هذا المسلك هو المقدمة الموصلة إلى الواجب النفسيّ لا المقدمة الموصلة إلى المقدمة و (عليه) فالذات لم تكن واجبة بقيد الإيصال إلى المقيد بل واجبة بقيد الإيصال إلى ذيها وهو حاصل بلا قيد زائد بل لا يمكن تقييد الموصل بالإيصال.

واما عن ثاني التقريرين فبأن يقال ان الواجب هو المقدمة الموصلة بهذا الإيصال لا بإيصال آخر ، حتى يلزم التسلسل بل لا معنى لإيصال آخر لأن تكرر الإيصال إلى المطلوب ممتنع فلا يعقل تقييد الإيصال بإيصال آخر ولا تقييد الذات بإيصال زائد على هذا الإيصال لامتناع تكرر الموصل والإيصال وهو واضح «ومنها» انه يستلزم ان يكون

٢٠٦

الشيء الواحد واجبا نفسيا وغيريا ، حيث جعل ذو المقدمة من مبادي مقدمته وبه يصير واجبا غيريا ، كما هو واجب نفسي بل يتعلق به وجوبات غيرية بعدد المقدمات ، وأفحش منه انه يستلزم ان يكون ذو المقدمة موصلا إلى نفسه (والجواب) ان المتصف بالوجوب هو الشيء الّذي يوصل إلى الصلاة بحيث يتحقق فيه امران «أحدهما» كونه موقوفا عليه «وثانيهما» كونه موصلا إلى الصلاة ، ونفس الصلاة ليست موقوفا عليها ولا موصلة إلى نفسها وتوقف وصف المقدمة على وجوده لا يستلزم تعلق الوجوب عليها

ومنها ما عن المحقق الخراسانيّ من انه لا يعقل ان يكون الغرض الداعي إلى إيجاب المقدمات هو ترتب الواجب عليها ، فان الواجب الا ما قل كالتوليدية ، تتوسط الإرادة بينه وبين مقدماتها والالتزام بوجوب الإرادة ، التزام بالتسلسل (قلت) الظاهر انه ناش من وقوع خلط في الإيصال فان المراد منه ما يكون موصلا ولو مع الوسائط ويتعقبه الواجب قطعا فالخطوة الأولى في السير إلى غاية مثلا قد تكون موصلة ولو مع وسائط وقد لا تكون موصلة والواجب هو القسم الأول «واما» ما ربما يكرر في كلماته من عدم اختيارية الإرادة ، وكونها غير قابلة لتعلق الأمر بها فقد عرفت خلافه آنفا ، كيف والتعبديات كلها من هذا الباب وقد وقعت القصد مورد الوجوب وقد أوضحنا حقيقة الإرادة واختياريتها في مباحث الطلب والإرادة ، على ان الإشكال فيها مشترك الورود إذ بناء على وجوب المقدمة المطلقة تكون الإرادة غير متعلقة للوجوب أيضا لاستلزامه التسلسل على مبناه

ومنها ان الإتيان بالمقدمة بناء على وجوب خصوص الموصلة لا يوجب سقوط الطلب منها ، حتى يترتب الواجب عليها مع ان السقوط بالإتيان واضح فلا بد وان يكون لأجل الموافقة ، (وفيه) انه مصادرة ، إذ القائل بوجوب المقدمة الموصلة لا يقول بسقوط ما لم يحصل الوصف ولم يتحقق القيد كما هو الحال في جميع المقيدات ، إذ الأمر متعلق بإتيان المقيد ، والذات لم يتعلق بها امر على حدة كذات المقدمة على القول بالمقدمة الموصلة فتلخص انه لا مانع على القول بوجوب الموصلة من المقدمات ثبوتا واما مقام الإثبات فسيجيء توضيح الحال فيه

القول في وجوب المقدمة حال الإيصال

وهو القول الخامس الّذي نختم به الآراء في هذا الباب واختاره شيخنا العلامة أعلى

٢٠٧

الله مقامه وبعض المشايخ من أهل العصر ، حيث انهم لما وقفوا على ان فطرتهم تقضى بوجوب المقدمة الموصلة ، واستصعبوا بعض ما مر من الإشكالات ، فاختاروا ان الواجب هو المقدمة حال الإيصال ، لا بشرط الإيصال كي يسلم عن الإيراد ولا يتخلف عن حكم الفطرة مهما أمكن و (توضيح مقالتهم) انه يمكن ان يتعلق الطلب بالمقدمات في لحاظ الإيصال لا مقيدا به ، حتى يلزم المحذورات السابقة ، ولا مطلقا عن حال الإيصال حتى يكون الواجب مطلق المقدمة بل الواجب هي المقدمات المنتظمة الواقعة بحسب الواقع في سلسلة مبادئ المطلوب ، (والعلة) في ذلك هو ان ذاتها وان كانت موردا للإرادة لكن كما كانت مطلوبية المقدمات في ظرف ملاحظة مجموعها معها ، لم يكن كل واحد من الاجزاء مرادا بنحو الإطلاق بحيث يسرى الإرادة إلى حال انفكاكه عن باقيها ، ولا بنحو التقييد ليلزم المحاذير المتقدمة «والحاصل» ان المولى إذا تصور جميع المقدمات الملازمة لوجود المطلوب ، أرادها بذواتها لأنها بهذه الملاحظة لا تنفك عن المطلوب الأصلي ولو ، لاحظ مقدمة منفكة عما عداها لا يريدها جزما إذ المطلوبية في ظرف ملاحظة المجموع الّذي لا تنفك عن المطلوب الأصلي والمراد من لحاظ الإيصال ليس دخالة اللحاظ وانما أخذ هو مرآتا لما هو الواجب فظهر ان الواجب هو ذات المقدمات في حال ترتبها وعدم انفكاكها عن ذيها ، لا مطلقة عن الإيصال ولا مقيدة به ، وان كان لا ينطبق إلّا على المقيدة هذا توضيح مرامه وسيجيء توجيه كلامه فارتقب

وما عن بعض المحققين من أهل العصر ان الواجب هو المقدمة في ظرف الإيصال بنحو القضية الحينية أي الحصة من المقدمة التوأمة مع وجود سائر المقدمات الملازمة لوجود ذيها ، يرجع لبا إلى ما اختاره شيخنا العلامة قدس‌سره الشريف وكيف كان (فيرد) على التقرير الأول انه ان كان حال الإيصال دخيلا في حصول الإرادة ، فلا محالة تكون قيد للمتعلق إذ لا يعقل دخالته مع عدم أخذه شطرا أو شرطا ، وان لم يكن دخيلا فالموضوع لا محالة خلو عن هذه الحال فيصدق مع عدمه أيضا وعلى أي تقدير لا يستلزم المطلوب وان شئت قلت ان حال عدم انفكاك المقدمات عن المطلوب ، ان لم تكن دخيلة في وجوب المقدمة فيكون تعليق الوجوب عليها في هذه الحالة من باب الاتفاق لا الدخالة فلا يعقل رفع الوجوب عنها مع زوال تلك الحالة لأن تمام الموضوع للحكم هو نفس الذات فلا يعقل مع بقائه رفع الحكم ، وان كانت دخيلة أي نحو فرض دخلها فينطبق على ما اختاره صاحب

٢٠٨

الفصول (قده) (وبذلك) يظهر النّظر في ما أفاده بعض المحققين من التمسك بحديث الحصة وقد أوعزنا إلى بطلانه غير مرة لأن تحصص الطبيعة وافتراقها عن سائر الحصص في الذهن أو الخارج ، لأجل انضمام قيود وحدود بها تصير متميزة عن غيرها وإلّا فهي باقية على إطلاقها ، والتوأمية إذا صارت موجبة بصيرورتها حصة خاصة ، تصير قيدا لها وما ذكر ليس إلّا تعويضا للاسم

فان قلت ان افعال العقلاء وإراداتهم بما انها معللة بالأغراض والغايات ، لها ضيق ذاتي بتبع الأغراض فالعلة الغائية في وعاء التصور ، لها نحو دخالة في تضيق الإرادة إذ لا يعقل تعلق الإرادة بشيء أوسع مما قام به الغرض (وهذا) نظير الضيق في المعاليل التكوينية فان للحرارة الخارجية نحو ضيق من جانب علته ، لا على نحو التقييد لامتناع تقييد المعلول بوجود علته في المرتبة المعلولية ولا على نحو الإطلاق أيضا وإلّا يلزم ان يكون أوسع من علته بل على وجه لا ينطبق إلّا على المقيد (وعليه) فالغاية لإيجاب المقدمة هو التوصل إلى ذيها فالموصلية من قبيل العلة الغائية لبروز الإرادة وتعلق الوجوب على المقدمة ، فلا يعقل ان يسرى الإرادة إلى ما لا يترتب عليه تلك الغاية وإلا لزم ان يكون السراية بلا غاية بل بلا فاعل أيضا لأن العلة الغائية علة فاعلية الفاعل فإذا فقدت الغاية انتفى الفاعل أيضا كما لا يعقل ان يكون مقيدة بالعلة الغائية لأنها متقدمة تصورا ، متأخرة وجودا وما شأنه التأخر وجودا لا يصير قيدا بوجوده لما يتقدم عليه بوجوده وإلا لزم تجافي الموجود عن رتبته ، فليس الواجب مطلق المقدمة ، ولا المقيدة بالإيصال بل ما لا ينطبق إلّا على المقيد

قلت ما قررته بصورة الإشكال يؤيد كون الواجب هو المقدمة الموصلة و (توضيحه) ان الأحكام العقلية ، غير الأحكام الجعلية فان الثانية انما تتعلق بموضوعاتها وعناوينها وان كان الملاك شيئا آخر ، بخلاف الأولى فان الحكم فيه يتعلق بالملاك وما هو المناط ، فالجهات التعليلية فيه ، تصير من قيود الموضوع كما سيجيء توضيحه في نقل ما استدل به صاحب الفصول إذا عرفت ما ذكرنا : فاعلم ان الوجوب هاهنا مستكشف من حكم العقل ولا يمكن تخلفه عما هو مناطه في نظره ضرورة ان العقل إذا أدرك حيثية تامة لتعلق حكمه عليها فلا محالة يكون حكمه على تلك الحيثية كما لا يستكشف حكما الا متعلقا بتلك الحيثية أيضا دون موضوع آخر (فحينئذ) لو فرضنا ان وجوب المقدمة لأجل التوصل إلى ذيها كما قد قبله هؤلاء الاعلام فيكون تلك الحيثية

٢٠٩

أعني التوصل إلى ذيها ، تمام الموضوع لحكم العقل نفسه ، كما هو الموضوع لا غيرها لحكمه الّذي استكشفه من الشارع وقد تقدم انه يمتنع ان يكشف حكما أوسع مما أدركه مناطا فاللازم هو وجوب المقدمة المتحيثة بها من حيث انها كذلك ولا يمكن ان تصير تلك الحيثية علة لسراية الحكم إلى غيرها ، ولا معنى لجعل الحكم على ذات المقدمة مع الاعتراف لما هو المناط لحكم العقل

واما حديث امتناع تقييد الشيء بعلته أو غايته ، فانما هو في العلل التكوينية والغايات الواقعية فيمتنع تقييدها بمعلولاتها ، لا في الأحكام والموضوعات إذ يمكن ان يتعلق الحكم بالمقدمة المتقيدة بالإيصال ، وكذا الحب والإرادة من غير لزوم التجافي في نفس الأمر ، و (بالجملة) المقدمة قد تكون موصلة ، وقد لا تكون كذلك ، (فحينئذ) يمكن ان يتعلق الإرادة بالموصلة بما هي كذلك «وكذا يمكن ان يجعل الحاكم موضوع حكمه كذلك ، وان لم يكن الواقع مقيدا ، كما انه يمكن ان يصير موضوع الإرادة والحكم أمورا غير مربوطة في نفس الأمر ، ومربوطة في موضوعية الحكم والإرادة كما في الموضوعات الاعتبارية والمركبات الاختراعية

ثم ان التحقيق على فرض الملازمة بين الوجوبين هو وجوب المقدمة الموصلة وقد استدل عليه صاحب الفصول بوجوه أمتنها ما ذكره أخيرا من ان المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها إلى الواجب فلا جرم يكون التوصل بها إليه وحصوله معتبرا في مطلوبيتها فلا تكون مطلوبة إذا انفكت عنه (ولا يخفى) ان ما ذكره ينحل إلى مقدمتين ونقول توضيحا لمراده ، اما الأولى منهما فلان الميز ، بين المطلوب الذاتي والعرضي هو ان السؤال يقف عند الأولى دون الثانية فلو أجيب عن قول السائل لما ذا وجبت المقدمة ، بأنها موقوف عليها سواء توصل بها أم لا ، لما ينقطع سؤاله لو استشعر بان المقدمة في حد ذاتها غير محبوبة ولا مطلوبة فيختلج في باله ان الإيجاب بنحو الإطلاق لما ذا ، (نعم) لو أجيب بأنها وجبت كي يتوصل بها إلى المقصد والغرض الأعلى ، لوقف عن التزلزل واستراح فكره و (بعبارة) أخرى ان ملاك مطلوبية المقدمة ليس مجرد التوقف بل ملاكه هو حيثية التوصل بها إلى ذي المقدمة فذات المقدمة وحيثية توقف ذيها عليها ، لا تكونان مطلوبتين بالذات ويشهد عليه الوجدان إذ المطلوبية الغيرية انما هي لأجل الوصول إليه بل لو فرض إمكان انفكاك التوقف والتوصل خارجا ، كان المطلوب هو الثاني دون الأول.

٢١٠

واما الثانية فبما أسمعناك من الفرق بين القوانين الجعلية والأحكام العقلية فان الغايات عناوين الموضوعات في الثانية ، ولذلك ترجع الجهات التعليلية فيها إلى التقييدية دون الأولى إذ يصح فيها جعل الحكم على عنوان يترتب عليه الغاية دون نفس الغاية والملاك لجهل المكلف بما هو المناط ، كجعل الحكم على الصلاة التي هي عدة افعال ولكن الملاك واقعا هي غاياتها المترتبة المجهولة ، ولا يصح ذلك في المستكشفات العقلية لتحليل العقل وتجزئته ما هو دخيل عما ليس كذلك وبذلك يظهر ان كون الأحكام الشرعية متعلقة بالعناوين لأجل المصالح والمفاسد لا يكون نقضا للقاعدة المبرهنة في محله وقد أو عزنا إليه في جواب الإشكال المتقدم

وحاصل الكلام في توضيح هذه القاعدة ان حكم العقل بحسن شيء أو قبحه انما هو لأجل اشتماله على وجود ملاك فيه ، فلو فرضنا ذاتا واحدة جامعة لحيثيات كالمقدمة وفرضنا ان ما هو الوجه لحكمه ، أحد الحيثيات دون غيرها كما أوضحناه في المقدمة الأولى فلا حكم للعقل الأعلى هذه الحيثية دون غيرها فلو حكم مع هذا الإدراك على الذات المجردة أو على حيثية أخرى لكان حكما بلا ملاك وهو لا يتصور في الأحكام العقلية فما هو موضوع للحسن أو القبح هو هذا الملاك ، والموصوف بالملاك يكون محبوبا بالعرض والمجاز ، (فاتضح) ان ما هو الغرض من الإيجاب هو التوصل في نظر العقل ببركة المقدمة الأولى ، وان الموضوع للحكم هو هذه الحيثية لا غير بمقتضى المقدمة الثانية والمحصل هو وجوب المقدمة الموصلة على فرض الملازمة و (بما قررناه) يظهر اندفاع ما زعمه المحقق الخراسانيّ إشكالا للمطلب من ان الغرض من وجوب المقدمة ليس إلا حصول ما لولاه لما أمكن حصول ذيها إلخ (وفيه) انك قد عرفت ان السؤال لا يقف لو أجيب بما جعله غاية للإيجاب ومثله في الضعف ما أفاده بقوله من انه لا يعقل ان يكون ترتب الواجب هو الغرض الداعي فانه ليس أثر تمام المقدمات فضلا عن إحداهما ، (هذا) وقد بان جوابه مما مر لأنه مبنى على القول بامتناع وقوع الإرادة متعلق الأمر وقد تقدم صحة وقوعه في التعبديات ويمكن ان يقال مع تسليمه على تقدير خروج الإرادة منها ، ان المراد من الموصلة هو سائر المقدمات التي يتوصل بها إلى الواجب بعد ضم الإرادة إليها على نحو لا يحتاج حصول الواجب إلى أزيد من انضمام إرادة المكلف إليها ، فالغرض بهذا المعنى مترتب دائما على المقدمات (وتوهم)

٢١١

استلزامه دخول الغاية في حد ذيها لا يضر بالنسبة إلى الأحكام العقلية التي ترجع القيود التعليلية فيها إلى التقييدية وتبدل الغايات إلى عناوين الموضوعات وبالتدبر فيما حققناه من انه قيد للواجب بالمعنى الاسمي لا الانتزاعي تعرف حال بقية الإشكالات فتدبر (ثم) ان بعض الأعيان من المحققين مع اعترافه بان الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية كلها ترجع إلى التقييدية وان الغايات عناوين للموضوعات ، وجه كلام القائل بالمقدمة الموصلة بوجهين

الأول ان الغرض الأصيل حيث انه مترتب على وجود المعلول فالغرض التبعي من اجزاء علته ، هو ترتب وجوده على وجودها إذا وقعت على ما هي عليه من اتصاف السبب بالسببية والشرط بالشرطية ، فوقوع كل مقدمة على صفة المقدمة الفعلية ، ملازم لوقوع الأخرى على تلك الصفة وإلا فذات الشرط المجرد عن السبب أو بالعكس مقدمة بالقوة لا بالفعل ومثلها غير مرتبط بالغرض الأصيل (وفيه) ان الوجه في العدول عن المقدمة الموصلة إلى المقدمة الفعلية غير ظاهر سوى الفرار عن الإشكالات المتوهمة المردودة وقد عرفت حالها (أضف) إليه ان ما هو الملاك في نظر العقل انما هو حيثية التوصل لا كونها مقدمة بالفعل ولا اتصاف السبب بالسببية والشرط بالشرطية (وعليه) يكون المتعلق بالذات للإرادة هو المقدمة بهذه الحيثية لا بحيثيات آخر واما السبب الفعلي بما هو كذلك ، لا تتعلق به الإرادة بهذه الحيثية وكون السبب الفعلي ملازما لحصول المطلوب في الخارج ، لا يوجب ان تكون مطلوبة بالذات وكذا سائر العناوين من العلة التامة وكلما هو ملازم لوجود المطلوب

الثاني ان المعلول لما كان متعلق الغرض فلا محالة تكون علته التامة متعلقة للغرض بالتبع وكما ان الإرادة المتعلقة بالمعلول واحدة وان كان مركبا ، كذلك الإرادة المتعلقة بالعلة التامة واحدة وان كانت مركبة ، والملاك في وحدة الإرادة هو وحدة الغرض فالإرادة المتعلقة بالعلة المركبة لا يسقط إلّا بعد حصولها الملازم لحصول المعلول انتهى (قلت) يرد عليه مضافا إلى ما أوردنا على الوجه الأول من ان ما هو الملاك عند العقل هو حيثية الموصلية إذ غيرها من العناوين الملازمة لها مطلوب بالعرض فالعلة التامة بما هي كذلك لا تتعلق بها إرادة ، ان العلة المركبة بما انها ذات اجزاء من شرط وسبب ومعد وعدم مانع

٢١٢

وليست بينها جامع ذاتي ولا يكون من قبيل التوليديات ، تتعلق بكل واحد إرادة مستقلة لوجود مناط الوجوب في كل واحد من التوصل إلى ذيها (وبعبارة) أخرى ان العلة التامة في العلل المركبة عنوان ينتزع من أمور مختلفة في التأثير ، ولا يتعلق بهذا العنوان الانتزاعي غرض ولا إرادة فلا محيص عن القول بان العقل يفصل الأمور ويحللها ويعطى كل جزء حقه فشأنه تفكيك الأمور لا تلفيقها ، ولا رؤية المجموع وإهمال الحيثيات

بقي شيء

وهو البحث عن ثمرة المقدمة الموصلة وهي تظهر في تصحيح العبادة بناء على ان ترك الضد مقدمة لفعل الضد الآخر فعلى القول بالمقدمة المطلقة تقع العبادة منهيا عنها فتفسد لو أتى بها واما على الموصلة فيما ان الواجب هو الترك الموصل فلا يقع حراما إلّا إذا ترتب عليه الواجب فلو تخلف لا يكون تركه واجبا فلا يكون فعله حراما حتى يفسد ، و (أورد) عليه الشيخ الأعظم بان فعل الضد وان لم يكن نقيضا للترك الواجب مقدمة ، بناء على المقدمة الموصلة إلّا انه لازم لما هو من افراد النقيض حيث ان نقيض ذاك الترك الخاصّ رفعه وهو أعم من الفعل والترك المجرد وهذا يكفى في إثبات الحرمة وإلّا لم يكن فاسدا فيما إذا كان الترك المطلق واجبا لأن الأمر الوجوديّ لا يكون نقيضا لأن نقيض الترك رفعه نعم هو يلازم ذلك انتهى

(ويمكن) ان يورد عليه بأنا لا نسلم ان ميزان النقيض ما ذكره بل النقيضان هما المتقابلان إيجابا وسلبا أو نقيض الشيء أعم من رفعه أو كونه مرفوعا به (فحينئذ) نقيض ترك الصلاة هو فعل الصلاة فإذا وجب الترك حرمت الصلاة فتصير باطلة (واما) نقيض الترك الموصل فلا يمكن ان يكون الفعل والترك المجرد لأن نقيض الواحد واحد وإلّا لزم إمكان اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، فلا محالة يكون نقيض الترك الموصل ترك هذا الترك المقيد وهو منطبق على الفعل بالعرض لعدم إمكان انطباقه عليه ذاتا للزوم كون الحيثية الوجودية عين الحيثية العدمية ، والانطباق العرضي لا يوجب سراية الحرمة فتقع صحيحة و (خلاصة) الفرق بين المقامين ان الفعل يمكن ان يكون نقيضا للترك المطلق لأن الميزان هو التقابل سلبا وإيجابا لا رفعه فقط واما الفعل في الترك الخاصّ فلازم للنقيض أعني ترك الترك الخاصّ وليس النقيض هو الأعم من الفعل والترك المجرد لاستلزامه كون نقيض الواحد

٢١٣

اثنين وهو يساوق إمكان اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، إذ نفس الفعل والترك المجرد في مرتبة واحدة فلا مناص عن جعلهما لازمي النقيض دفعا للمحذور المتقدم ، فإذا كان النقيض بالبرهان المذكور هو ترك الترك الخاصّ فانطباقه على الفعل عرضي لا ذاتي ، وإلا يلزم كون الحيثية الوجودية عين العدمية

(وبذلك) يظهر النّظر فيما أورده المحقق الخراسانيّ ردا على الشيخ الأعظم بان الفعل وان لم يكن عين ما يناقض الترك المطلق مفهوما ، لكنه متحد معه عينا وخارجا فيعانده وينافيه واما الفعل في الترك الموصل فلا يكون الا مقارنا لما هو النقيض من رفع الترك المجامع معه أحيانا بنحو المقارنة وفي مثله لا يوجب السراية انتهى (قلت) لا أدري بما ذا اعتمد (قده) في تعيين النقيض فان قال ان النقيضين ما يتحقق بينهما تقابل الإيجاب والسلب من دون التزام بان نقيض كل شيء رفعه بل التزم بكونه أعم من رفعه أو مرفوعة (فحينئذ) فالفعل عين النقيض في الترك المطلق لتحقق الإيجاب والسلب بينهما! فلا معنى إذا لقوله ان الفعل وان لم يكن عين ما يناقض الترك المطلق ، وان اختار ان نقيض الشيء رفعه فقط ونقيض الترك هو رفعه لا مرفوعة فلا معنى لقوله لكنه متحد معه عينا وخارجا فيعانده ، إذ ترك الترك أو رفع الترك لا يمكن ان يتحد مع الفعل خارجا اتحادا ذاتيا ، لأن حيثية الوجود يمتنع ان يتحد ذاتا مع الرفع ولو كفى الاتحاد غير الذاتي في سراية الحكم ، يكون متحققا في الترك الموصل بالنسبة إلى الفعل فانه أيضا منطبق عليه بالعرض ، (وأعجب) منه قوله انه من قبيل المقارن المجامع معه أحيانا إذ الفعل مصداق الترك الموصل بالعرض دائما ومنطبق عليه كذلك دائما من غير انفكاك بينهما نعم قد لا يكون المصداق أعني الصلاة متحققا وعدم انطباق النقيض أي رفع الترك عليه انما هو بعدم الموضوع ومثل ذلك لا يوجب المقارنة ، إذ العناوين لا تنطبق على مصاديقها الذاتيّة أيضا حال عدمها فما الظن بالمصاديق العرضية

وتوضيح الحال مع تحقيقها انه قرر في محله ان حقيقة الوجود هي عين حيثية الآباء عن العدم وان الجهة الثبوتية لا يعقل ان يكون بما هي جهة وجودية ، منشئا لانتزاع الاعدام وما شاع في السنة المحصلين من ان وجود أحد الضدين عين عدم الآخر أو راسمه ، فلا بد ان يحمل على التشبيه والمجاز (فحينئذ) اما ان نقول ان نقيض كل شيء رفعه بمعنى ان نقيض الفعل هو الترك ولكن نقيض الترك ليس الفعل بل هو ترك الترك وقس عليه العدم و (اما ان) نقول

٢١٤

بأنه أعم من رفعه أو مرفوعة ، فنقيض الترك (ح) هو الفعل (اما) على الأول فان قلنا انه يشترط في فساد العبادة كونها مصداقا بالذات للمحرم لا ملازما لما هو حرام فتصح الصلاة على كلا الرأيين في باب وجوب المقدمة إذ الحيثية الوجودية الصلاتية لا يعقل ان تكون نفس العدمية أعني ترك الترك الّذي هو نقيض لترك الفعل المفروض وجوبه بناء على المقدمية (وان قلنا) بكفاية الانطباق في الجملة فلا يصح على القولين اما على وجوب المقدمة المطلقة فلملازمتها لترك الترك دائما وقد فرضنا عدم اشتراط المصداقية وكفاية التلازم الوجوديّ واما على وجوب المقدمة الموصلة فلان المقارن لترك الترك المقيد وان كان أعم من الفعل أو الترك المجرد إلّا ان الفعل مهما قارن النقيض يصير محرما للانطباق العرضي ، وعدم اتصافه بالحرمة فيما إذا قارن الترك المجرد ليس إلّا لفقدان الموضوع فلا يضر بما إذا كان موجودا ، نعم لنا كلام في باب الضد وهو ان العدم لا ينطبق على الوجود بنحو من الأنحاء ولا يقارنه ولا يلازمه وما ذكر هنا مبنى على الغض عنه (واما على القول) الثاني في أخذ النقيض وهو كفاية تحقق الإيجاب والسلب بين الشيئين (فان قلنا) بأنه يشترط في فساد العبادة ، كونها نقيضا للواجب فلا بد ان يفصل بين القولين ، إذ الصلاة على قول المشهور تكون نقيضا حقيقيا لترك الصلاة الّذي هو واجب من باب المقدمة على الإطلاق ، بخلافها على القول بوجوب ترك الصلاة الموصل فانها لا تكون نقيضا إذ الوجود المطلق لا يكون نقيضا للترك المقيد بل نقيضه لا بد ان يكون شيئا آخر وهو رفع هذا الترك المقيد وعليه لا وجه لفسادها واما إذا اكتفينا بالمقارنة والملازمة مع الغض عما سيأتي فتفسد وتحرم على كلا الرأيين (نعم) هنا كلام لبعض الأعيان من المحققين في تعليقته الشريفة وحاصله ان المراد من المقدمة الموصلة اما العلة التامة واما المقدمة التي لا تنفك عن ذيها ، فعلى الأول تكون المقدمة الموصلة لإزالة ترك الصلاة ووجود الإرادة ونقيض المجموع من الأمرين مجموع النقيضين وإلا فليس لهما معا نقيض لأن المجموع ليس موجودا على حدة حتى تكون له نقيض (فحينئذ) يكون نقيض ترك الصلاة فعلها ونقيض إرادة ذي المقدمة عدمها فإذا وجب مجموع العينين بوجوب واحد حرم مجموع النقيضين بحرمة واحدة ومن الواضح تحقق مجموع الفعل وعدم الإرادة عند إيجاد الصلاة وعلى (الثاني) فالمقدمة هو الترك الخاصّ وحيث ان الخصوصية

٢١٥

ثبوتية فالترك الخاصّ لا رفع لشيء ولا مرفوع بشيء ، فلا نقيض له بما هو بل نقيض الترك هو الفعل ونقيض الخصوصية عدمها فيكون الفعل محرما بوجوب نقيضه ومن الواضح ان الفعل مقترن بنقيض الخصوصية المأخوذة في ظرف الترك (انتهى) وأنت خبير بما فيه من الضعف اما (أولا) فلما مر من ان المناط عند العقل هو حيثية الإيصال ، لا العلة التامة ولا المقدمة الفعلية غير المنفكة ، (وثانيا) ان وحدة الإرادة كاشفة عن وحدة المراد لأن تشخصها به وتكثرها تابع لتكثره كما مر غير مرة ، وعليه فلا يقع المركب الاعتباري موضوعا للحكم بنعت الكثرة بل لا بد من وجود وحدة حرفية فانية في متعلقها ، تجمع شتاته وتجعلها موضوعا واحدا ، ويصير (ح) نقيضه رفع هذا الموضوع الوحداني الاعتباري لا رفع كل جزء

وبعبارة أوضح الموضوع الواحد الاعتباري نقيضه رفع ذاك ، لا فعل الصلاة وعدم الإرادة مثلا ، ضرورة ان نقيض كل شيء رفعه أو كونه مرفوعا به وليست الصلاة رفع هذا الواحد الاعتباري ولا مرفوعة ، به ، اما عدم كونها رفعا فواضح واما عدم كونها مرفوعة به فلان الترك الخاصّ امر وجودي مثل الصلاة فلا يصير رفعا لها وقس عليه الحال في المقدمة الخاصة أي الترك غير المنفك فانه في مقام الموضوعية للإرادة الواحدة غير متكثر ونقيضه عدم هذا الواحد ، والمفردات في مقام الموضوعية غير ملحوظة بحيالها حتى تلاحظ نقائضها ، نعم مع قطع النّظر عن الوحدة الاعتبارية يكون نقيض الترك هو الفعل ونقيض الخصوصية عدمها ، ولكن لم يكن للخاص (ح) وجود حتى يكون له رفع (فظهر) بما ذكرنا بطلان ما رتب عليه من حرمة الصلاة وفسادها حتى على القول بالمقدمة الموصلة ، لأن وجود الصلاة على هذا المبنى ليس نقيضا للواحد الاعتباري لما عرفت من ان نقيضه رفع الواحد الاعتباري بل مقارن للنقيض بمعنى ان رفعه ينطبق على الصلاة عرضا وعلى الترك المجرد فلا تفسد لو لم نكتف بالمقارنة في البطلان وهذا بخلاف ما إذا قلنا بوجوب مطلق المقدمة لأن الإيجاب أعني فعل الصلاة نقيض لمطلق تركها فتدبر حول ما ذكرنا إذ به يتضح أيضا إشكال ما في تقريرات بعض المحققين قدس‌سره.

في تقسيم الواجب إلى الأصلي والتبعي

الظاهر ان التقسيمات الواقعة في كلمات القوم في هذا الباب كلها أو جلها راجعة

٢١٦

إلى مقام الإثبات والدلالة فيقال الواجب ان فهم وجوبه بخطاب مستقل فأصليّ وإلا فتبعي وهذا تقسيم معقول في مقابل سائر التقسيمات وان لم يترتب عليه أثر مرغوب ويظهر من المحقق الخراسانيّ كون التقسيم بحسب مقام الثبوت حيث أفاد ان الشيء تارة يكون متعلقا للإرادة والطلب مستقلا للالتفات إليه بما هو عليه مما يوجب طلبه فيطلبه ، كان طلبه نفسيا أو غيريا وأخرى يكون متعلقا لها تبعا لإرادة غيره من دون التفات إليه بما يوجب إرادته ثم قال لا شبهة في اتصاف النفسيّ بالأصالة لأن ما فيه المصلحة النفسيّة يتعلق به الطلب مستقلا انتهى.

وفيه ان الاستقلال ان كان بمعنى الالتفات التفصيلي فهو في قبال الإجمال والارتكاز لا عدم الاستقلال بمعنى التبعية فيكون الواجب النفسيّ أيضا تارة مستقلا وأخرى غير مستقل مع انه لا شبهة ان إرادته أصلية لا تبعية ، وان كان الاستقلال في النفسيّ بمعنى عدم التبعية فلا يكون الواجب الغيري مستقلا سواء التفت إليه تفصيلا أولا ، (ووجه) بعض الأعيان من المحققين في تعليقته الشريفة كون التقسيم بحسب الثبوت بما يلي بان للواجب بالنسبة إلى المقدمات جهتين (إحداهما) العلية الغائية حيث ان المقدمة تراد لمراد آخر لا لنفسها بخلاف ذيها (والثانية) العلية الفاعلية وهي ان إرادة ذيها علة لإرادة مقدمته ومنها تترشح عليها والجهة الأولى مناط الغيرية والجهة الثانية مناط التبعية انتهى وما أسلفناه من امتناع تولد إرادة من أخرى من غير ان يحتاج إلى مقدماتها من التصور والتصديق بالفائدة وغيرهما من المبادي ، كاف في إبطال الجهة الثانية التي جعلها مناط التبعية مع ان كلامه لا يخلو عن تهافت يظهر بالمراجعة.

(ثم) انه لا أصل هنا ينقح به موضوع الأصلية والتبعية لو ترتب على الإحراز ثمرة ، سواء كان المناط في التقسيم ما استظهرناه أو ما ذكره المحقق الخراسانيّ أو ما ذكره المحقق المحشي وسواء كان الأصلي والتبعي وجوديين أو عدميين أو مختلفين ، والتمسك بأصالة عدم تعلق إرادة مستقلة به على القول بكون التبعي عدميا ، تشبث بأصل مثبت أو بما ليس له حالة سابقة لأن الموجبة المعدولة كالواجب المتعلق به إرادة غير مستقلة أو الموجبة السالبة المحمول كما تقول الواجب الّذي لم يتعلق به إرادة مستقلة ، مما لم تتحقق فيها حالة متيقنة حتى نأخذ بها ، والسالبة المحصلة لا يثبت كون الإرادة الموجودة متصفة بشيء كما سيجيء تفصيله

٢١٧

وان كان الأظهر حذف السالبة المحصلة من المقام لأن عدم تفصيلية القصد والإرادة في التبعي أو عدم ترشح الإرادة من إرادة أخرى في الأصلي ، لا يمكن جعلهما من السوالب المحصلة إذ لازمه كون التبعية حيثية سلبية محضة وهو كما ترى

تتميم

الظاهر انه لا ثمرة في هذه المسألة إذا هم الثمرات ما ذكره بعض أهل التحقيق من ان وجوب المقدمة وان لم يكن بنفسها موردا للأثر بعد حكم العقل بلزوم الإتيان وعدم محيص عنه ، إلّا انه يمكن بتطبيق كبريات أخر عليها ، فانه على فرض الوجوب يمكن تحقق التقرب بقصد امرها كما يمكن التقرب بقصد التوصل بها إلى ذيها فيتسع بذلك نطاق المتقرب بها ، و (أيضا) إذا امر شخص بما له مقدمات كبناء البيت فأتى المأمور بها ولم يأت بذي المقدمة فعلى فرض تعلق الأمر بها يكون ضامنا للمأمور أجرة المقدمات المأمور بها (انتهى) وأنت خبير بعدم صحة شيء من الثمرتين لأنه بعد الغض عما تقدم من ان الأمر الغيري بعد فرض باعثيته ، غير قربي لأن التقرب بعمل هو إتيانه لله عزوجل والمفروض انه أتاه لأجل واجب آخر وعمل يترتب عليه ، يرد عليه ما تقدم من ان الإطاعة وقصد التقرب بأمر فرع دعوته وبعثه وهي مفقودة في الأمر الغيري لأن الآتي بالمقدمات اما ان يريد إتيان ذيها فلا محالة يأتي بها سواء امر بالمقدمة أم لا ، وان كان معرضا عن ذلك فلا يتصور امتثال الأمر الغيري لأجل شيء لا يريده (والحاصل) انه ان كان امر الواجب باعثا نحو المطلوب وكان هو بصدد الامتثال فلا محالة تتعلق الإرادة على المقدمات فيكون الأمر المقدمي غير صالح للبعث وان كان غير باعث لا يمكن ان يكون امر المقدمة الداعي إلى التوصل به باعثا ومعه لا يمكن التقرب به (واما) الثمرة الثانية (ففيه) مضافا إلى انه مخالف لمبناه من وجوب المقدمة الملازمة لوجود ذيها ، إلّا ان يكون منظوره على تسليم وجوب المقدمة المطلقة يرد عليه ، ان الضمان الآتي من قبل الأمر ، فرع إطاعته فهو أيضا فرع باعثيته إذ لو أتى بمتعلق الأمر بلا باعثية لم يستحق شيئا كما لو أتاها لدواع آخر أو كان جاهلا بالحكم فمع عدم صلوح الأمر المقدمي للباعثية لا يوجب الضمان هذا مع ان ما ذكره ليست ثمرة للمسألة الأصولية كما لا يخفى وبالتدبر تعرف فساد سائر الثمرات وسيجيء ان عدم باعثية الأمر المقدمي هو الأساس لإنكار الأمر المقدمي فاصطبر

٢١٨

في تأسيس الأصل

اعلم ان الملازمة الواقعة بين إرادة ذي المقدمة وبين إرادة ما يراه مقدمة ، على فرض ثبوتها ، ليست من قبيل لوازم الوجود لما عرفت من ان إرادة ذيها غير مؤثرة في إرادة المقدمة تأثير العلة في المعلول ، لأن كلا من الإرادتين تحتاج إلى مبادئ برأسها ، كما انه ليس من قبيل لازم الماهية وهو واضح و (ما يقال) بل انه من هذا القبيل ويراد منه ما يكون له تقرر وثبوت في نفس الأمر (غير صحيح) جدا حتى في الحقائق الخارجية لأن الماهية مع قطع النّظر عن الوجود لا حقيقة لها فضلا عن ان يكون لها لازم ومعنى لازم الماهية هو ما يكون تبعا لها عند تجريدها عن كافة الوجودات وان كانت موجودة بهذا اللحاظ المفعول عنه ، ويرى العقل حينئذ نفس الماهية بلا توجه إلى وجودها وموجوديتها مزدوجة مع لازمها ، ومن المعلوم ان إرادة المقدمة ليست لازمة لإرادة ذيها بهذا المعنى

(ثم) انه لا فائدة في الأصل الجاري في الملازمة موضوعيا كان أو حكيما (اما لأول) فلان استصحاب عدم الملازمة بنحو النفي التام ، غير واضح لكونه مثبتا واما النفي الناقص فمع كونه غير متيقن في الزمان الغابر ، غير مجد إذ الميزان في صحة الاستصحاب الموضوعي كما سيوافيك بإذن الله في محله هو انطباق كبرى شرعية على الصغرى المحرزة بالأصل وهو هنا مفقود لعدم ترتب حكم شرعي على الملازمة وعدمها بلا توسط امر عقلي لأن الملازمة لم تكن موضوعة لحكم شرعي بل العقل يحكم بعدم الوجوب على فرض عدم الملازمة وبتحققه على فرض تحققها ، و (اما الثاني) فلان جريانه فرع ترتب الأثر الشرعي وقد عرفت انه لا أثر لهذا الوجوب ولا لنفيه شرعا (هذا) ولو أغمضنا عما ذكرنا فالأصل جار حتى لو احتملنا الملازمة المطلقة شأنيا وفعليا ، لأن المقام من مصاديق المشكوك الّذي هو محط جريان الأصل ، ولا يشترط إحراز إمكانه بل يكفى عدم العلم بامتناعه وإلّا لما صح التمسك بالإطلاق في الافراد الّذي نشك في تعلق الجعل به مع احتمال عدم إمكانه وهو كما ترى (وما يقال) ان جريانه مستلزم للتفكيك بين المتلازمين لكونه من قبيل لوازم الماهية أو الوجود (غير وجيه) ولا مسموع إذ فيه مضافا إلى ما في دعوى كونه من قبيلهما كما تقدم انه لا يلزم من جريانه التفكيك الواقعي ، والظاهري منه لا إشكال فيه مع انه لو سلم يلزم احتمال التفكيك وهو لا يمنع عن جريان الأصل لعدم جواز رفع اليد عن الأدلة الشرعية

٢١٩

بمجرد احتمال الامتناع

إذا عرفت ما مهدناه من الأصول والمقدمات فاعلم : ان التحقيق عدم وجوب المقدمة وعدم الملازمة بين البعثين ولا بين الإرادتين (اما الأول) فلا يخلو اما ان يكون المراد انه إذا بعث المولى إلى شيء يجب له البعث مستقلا إلى مقدماته فهو فاسد ضرورة ، لأنا نرى عدم البعث إليها من الموالي غالبا بل البعث إليها جدا لغو كما سيوافيك ، وما يرى وقوعه اما إرشاد إلى الشرطية كالوضوء والغسل أو تأكيد للأمر النفسيّ كناية ، أو إرشاد إلى حكم العقل وبه يظهر فساد ما في كلام المحقق الخراسانيّ من التمسك بوجود الأوامر الغيرية في الشرع قائلا بان تعلقها لأجل وجود ملاكها وهو محفوظ في جميعها ، كما ان إحالته إلى الوجدان مصادرة عند المنكرين ، (أو يكون) المراد ان البعث إلى الواجب بعث نحو المقدمات فهو أوضح فسادا لأن الهيئات الدالة على البعث لا تمكن ان تبعث الا إلى متعلقاتها وهي الواجبات النفسيّة (أو يكون) المراد ان البعث إلى المقدمات من قبيل لوازم الماهية وهو كما ترى (أو يقال) وان شئت فاجعله رابع الوجوه انه يتولد بعث من ، بعث بمعنى كونه علة للبعث إليها بحيث يكون نفس البعث أي الهيئة بما لها من المعنى ، علة فاعلية لبعث المولى بالنسبة إلى المقدمات بحيث يكون مؤثرا قهرا في نفس المولى ولكنه أوضح فسادا وأظهر بطلانا وهذه وجوه أربعة والظاهر ان المراد أول الوجوه وقد عرفت جوابه

واما الثاني أعني الملازمة بين الإرادتين فتحتمل وجوها بادئ الرّأي (منها) جعل إرادة المقدمة من لوازم الماهية وهو أفسد الوجوه لأن لوازم الماهية اعتبارية وكيف يرضى وجدان القائل على جعلها اعتبارية (ومنها) نشوء إرادة من إرادة بمعنى كون إرادة الواجب علة فاعلية لإرادتها من غير احتياج إلى مباد آخر كالتصور والتصديق بالفائدة وغيره وقد وافاك بطلان تلك المزعمة غير مرة (ومنها) حدوث إرادة عن مبادئ برأسها مستقلة متعلقة بها لغاية مولوية وهو التوصل إلى ذيها (وفيه) ان حدوث الإرادة بلا غاية من المحالات وهي هنا كذلك وما قيل من ان التعلق قهري لا يحتاج إلى الغاية ساقط جدا وسيوافيك بعيد هذا ان إرادة المقدمات من المولى بعد إرادة ذيها مما لا فائدة لها ولا يمكن ان تكون تلك الإرادة مؤثرة في العبد ولو بإظهارها بالبعث اللفظي نحو المقدمة (فحينئذ)

٢٢٠