وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

١

٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقريظ فضيلة الشيخ

الدّكتور مصطفى الخن

أحمد الله رب العالمين ، المنزّل على رسوله الصادق الأمين. كتابه الحق المبين ، الحاوي بين دفتيه ما فيه هدى للمتقين ، وقد جعله سبحانه دستورا للثقلين إلى يوم الدين.

وأصلي وأسلم على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين ، المبعوث رحمة للعالمين ، المبيّن لكتاب الله أفضل تبيين ، وعلى آله وصحبه الهادين المهديين ومن تبعهم بإحسان ، صلاة وسلاما دائمين إلى أن يقوم الناس لرب العالمين. وبعد :

فإن من خصائص هذا الدين الإسلامي الحنيف ، أنه دين شامل لكل ما فيه صلاح بني الإنسان في دينهم ودنياهم ، ففيه العقيدة ، وفيه التشريع الناظم لمصالح البشرية ، وفيه الأخلاق التي بها قوام حياة الأمم إلى غير ذلك.

كما إن من خصائصه أيضا أنه دين عام ، لم يرسل لأمة خاصة ، بل أرسل للناس كافة عربيهم وعجميهم ، وأبيضهم وأسودهم (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)(١).

ولأنّ هذا الدين عامّ لكل البشرية تكفّل الله جل جلاله بحفظ كتابه المبين ، ليكون حجة على الناس أجمعين (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(٢).

__________________

(١) سورة سبأ : آية ٢٨.

(٢) سورة الحجر : آية ٩.

٥

لقد عني العلماء بالقرآن الكريم من جميع جوانبه ، فلم يتركوا جانبا من جوانبه إلا وخاضوا في البحث فيه ، لقد بحثوا في القرآن الكريم من حيث تواتره ، وبحثوا فيه من حيث قراءاته ، وبحثوا فيه من حيث بيانه وإعجازه ، وبحثوا فيه من حيث محكمه ومتشابهه ، وبحثوا فيه من حيث ناسخه ومنسوخه ، وألفوا في ذلك مؤلفات تضيق الكتب عن عدها وحصرها.

ولكن أهم شيء عنوا به في القرآن الكريم هو تفسيره وبيان مقاصده ومراميه.

فمنهم من عني بتفسيره بالمأثور عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومنهم من عني بأسباب نزوله ، ومنهم من عني بتفسير غريبه ، ومنهم من عني باستخراج أحكامه ، إلى غير ذلك مما رأى العلماء أن الناس بحاجة إليه.

وبما أنّ الله جلّت قدرته أنزل هذا الكتاب الكريم قرآنا عربيا أبرز كثير من المفسرين هذه الناحية فيه ، فمن متكلم على وجوه الإعراب فيه ، ومن متكلم على ضروب البلاغة في ألفاظه وتراكيبه ، وعن وجوه الإعجاز في آياته.

ولقد أطلعني المحقق الأخ الكريم السيد صفوان الداوودي على قسط من التفسير الموسوم ب «وضح البرهان في مشكلات القرآن» لمؤلفه الإمام محمود بن أبي الحسن النيسابوري الملقب ببيان الحق المتوفى سنة ٥٥٥.

ورأيت ما قام به الأخ المحقق من جهد مشكور في تحقيق هذا التفسير الجليل وإخراجه الإخراج اللائق به.

أما التفسير فرأيته أتى بما لم يأت بمثله إلا جهابذة العلماء المتذوقين للغة العربية في مختلف جوانبها ، ومع اهتمامه بكثير من جوانب التفسير ، فقد أكثر في بيان معاني القرآن من الاستشهاد بالشواهد العربية ، ولم يأت بهذه الشواهد ليبرهن على صحة ما جاء فيه من استعمال للألفاظ العربية ، ولكن لتوضيح المعاني والمقاصد التي قصد إليها ، إذ لا يفهم حقيقة معاني القرآن ، إلا من كان ضليعا في علوم اللغة العربية ، ومتبحرا فيها وعالما بأسرارها ، ومتذوقا لجمالها.

٦

ومن فضل الله سبحانه أنه هيأ لإخراج هذا التفسير من مكمنه ، وإبراز ما فيه من كنوز العلم والمعرفة ، وأسرار اللغة العربية هيأ أخانا الفاضل المحقق الشيخ صفوان الداوودي الذي أنفق في تحقيق الكتب شطرا من حياته ، ومارس ذلك حقبة من الزمن حتى تفوق فيه.

لقد عني المحقق بضبط هذا التفسير ، وإجلاء غامضه ، واستخراج شواهده من مظانها ، وضبطها أفضل ضبط والتعليق عليها ببيان ما استغلق منها ، وتخريج ما استدل به المؤلف من أحاديث نبوية ، بعزوها إلى مصادرها ، وبيان درجتها من الصحة أو الضعف ، وترجمة ما ذكر فيه من أعلام.

ولقد كان ذلك بألفاظ رشيقة ، وجمل متناسقة ، وتعبير جيد جميل.

ومن جميل ما صنعه أخونا المحقق أنّه قد قام بشكل ما استدل به المؤلف من شواهد مزيلا لإشكالها وإبهامها ، وقام أيضا بتصحيح ما ذكره المؤلف مخالفا فيه ما ثبت عند العلماء الأثبات ، معتمدا في ذلك على المصادر الموثوقة والمراجع المرموقة ، فجاء هذا التحقيق بحمد الله تعالى كما يريده له محققه.

هذا وأسأل الله سبحانه أن يزيد المحقق توفيقا وأن يسدد خطاه وأن ينفع المسلمين بما قام به ويقوم به من عمل نافع وجهد مخلص ، والله ولي التوفيق ، والحمد لله رب العالمين.

د. مصطفى سعيد الخن

المدرس بجامعة دمشق سابقا

وجامعة الإمام محمد بن سعود في أبها

٧
٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة المحقّق

في التعريف بالمؤلف وبالكتاب

تمهيد

الحمد لله الذي خلق الإنسان ، وعلّمه البيان ، ووهبه العقل والإيمان ، ليستدلّ بالعقل عليه ، ويخبت بالإيمان إليه.

والصلاة والسّلام على أفضل ولد عدنان ، نبيّنا محمد عليه الصلاة والسّلام.

وبعد :

فإنّ أشرف العلوم علم القرآن ، وخير الكلام كلام الملك الدّيان ، به يصل الإنسان إلى درج الجنان ، والفوز بالرضى والرضوان ، فطوبى لمن عكف عليه ، وفتح قلبه لديه.

قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(١).

قال ابن القيّم : وذلك أنّ تمام التأثير لمّا كان موقوفا على مؤثّر مقتض ، ومحل قابل ، وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه ، تضمّنت الآية بيان ذلك كلّه بأوجز لفظ وأبينه ، وأدلّه على المراد.

__________________

(١) سورة ق : آية ٣٧.

٩

فقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) إشارة إلى ما تقدّم من أول السورة إلى ههنا ، وهذا هو المؤثّر ، وقوله : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) فهذا هو المحل القابل ، والمراد به القلب الحيّ الذي يعقل عن الله تعالى ، وقوله : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) ، أي : وجّه سمعه وأصغى إلى ما يقال له ، وهذا شرط التأثر بالكلام ، وقوله : (وَهُوَ شَهِيدٌ) ، أي : شاهد القلب حاضر غير غائب ، وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير ، وهو سهو القلب وغيبته عن تعقّل ما يقال له والنظر فيه وتأمّله.

فإذا حصل المؤثّر وهو القرآن ، والمحل القابل وهو القلب الحيّ ، ووجد الشرط وهو الإصغاء ، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر حصل الأثر ، وهو الانتفاع والتذكر (١).

نسأل الله أن يفهمنا كتابه ، ويكشف عنا ما ران على قلوبنا ، إنّه سميع بصير ، عفو كريم ، لا يخيّب من دعاه ، ولا يردّ من رجاه.

* * *

__________________

(١) راجع الفوائد لابن قيّم الجوزية ص ٣.

١٠

(١)

ترجمة المؤلف وحياته ومؤلفاته

اسمه ونسبه :

أجمعت المصادر التي ترجمته على أنّ اسمه :

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي. ولم تزد على هذا شيئا ، سوى أنّ صاحب معجم المؤلفين ذكر أنّ اسم أبيه علي ، وأول من أورد ترجمته ياقوت في معجم الأدباء ١٩ / ١٢٤ ، وكل من ترجم للمؤلف بعده نقل الترجمة حرفيا ، فذكره السيوطي في بغية الوعاة (١) ، والداوودي في طبقات المفسرين (٢) ، والزركلي في الأعلام (٣) ، وعمر كحالة في معجم المؤلفين (٤). وكان يلقّب ببيان الحق.

وصفه :

قال ياقوت : كان عالما بارعا ، مفسّرا لغويا ، فقيها متقنا فصيحا. وهذه الأوصاف تدلّ على أنّ صاحبها ذو شأن كبير ، وعلم غزير ، ومكانة عالية ومرتبة سامية.

ويتضح لنا مدى علمه من خلال كتابه ، فهو على اختصاره قد جمع علما

__________________

(١) راجع بغية الوعاة ٢ / ٢٧٧.

(٢) راجع طبقات المفسرين ٢ / ٣١٢.

(٣) راجع الأعلام ٧ / ١٦٧.

(٤) راجع معجم المؤلفين ١٢ / ١٥٧.

١١

غزيرا ، وفوائد كبيرة ، من نحو وبلاغة ولغة ، وفقه وحديث ، ونادرة ، ومناظرة ، وردّ.

ولم تذكر المصادر التي بأيدينا عمّن تلقى العلم ، ومن شيوخه ، ولا من أخذ عنه وقرأ عليه ، سوى أنه كان بنيسابور ، ولعلّه لم يخرج منها إذ لا ذكر له في ذيول تاريخ بغداد المطبوعة.

مذهبه الفقهي :

كان الشيخ من أهل المذهب الحنفي ، ومع ذلك لم يذكره القرشي في «طبقات الحنفية» ، ولا قاسم بن قطلوبغا في «تاج التراجم» ، مع سعة علمه ، وغزارة فضله ، ولعلّه كان من أهل الخمول ، كما يشير إليه شعره على ما سنذكره.

ويوضّح انتسابه للمذهب الحنفي ما ذكره عند قوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) : (١)

قال الشافعي : الإحصار : منع العدو ؛ لأنها نزلت في عمرة الحديبية عام صدّ النبيّ عليه‌السلام ، ولأنه قال : (فَإِذا أَمِنْتُمْ).

وعندنا يكون الإحصار بالمرض ، وهو مذهب ابن عباس وابن مسعود.

وعند قوله تعالى : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) : (٢)

عن ابن عباس : أنّه شاة ، وهو مذهبنا.

وعند قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) : (٣)

قال : القرء : الحيض عن أكثر الصحابة والفقهاء.

وأشار لمذهب الشافعي فقال : وعن بعضهم : الطهر ، فأبهمه.

ثم استدلّ على أنّ القرء الحيض ، ناصرا بذلك مذهبه.

ـ وعند قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) : (٤)

__________________

(١ و ٢) سورة البقرة : آية ١٩٦.

(٣) سورة البقرة : آية ٢٢٨.

(٤) سورة النساء : آية ٣.

١٢

فسرّه ب تجوروا.

ثم قال : ومن فسّره بكثرة العيال فقد حمله على المعنى لا على لفظ العيال. وهو يريد بذلك الشافعي.

وغير ذلك من المسائل.

مؤلفاته :

قال ياقوت : له تصانيف ادّعى فيها الإعجاز ، منها :

١ ـ خلق الإنسان (١).

٢ ـ جمل الغرائب في تفسير الحديث (٢) :

وقد ذكر الصاغاني أنه من جملة الكتب التي حواها كتابه في اللغة «العباب الزاخر» ، ولم أجد في الأجزاء المطبوعة من العباب ذكرا أو نقلا عن الكتاب المذكور ، ولعله في بقية الأجزاء.

٣ ـ إيجاز البيان عن معاني القرآن :

يشتمل على عشرة آلاف فائدة (٣) ، فرغ من تصنيفه بالخجند سنة ٥٥٣ ه‍.

وهو في مخطوط في مكتبة مجلس شورى ملّي بإيران ، برقم ٤٢٤٠ وهو في ١٠٤ ورقات.

هذه هي الكتب الثلاثة التي ذكرها كلّ من ترجم له.

وزدت عليها كما ذكره المؤلف في كتابه :

__________________

(١) راجع طبقات المفسرين ٣ / ٣١٢ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٢٧٧. والكتاب مخطوط في دار الكتب المصرية ، برقم ٢٤٤٥ في جزئين ، الأول في ١٥٠ ورقة ، والثاني في ١٠٣ ورقات.

(٢) راجع مقدمة العباب للصاغاني ص ٢٤ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٢٧٧ ؛ ومعجم الأدباء ٧ / ١٤٥. وهو مخطوط في مكتبة أحمد الثالث بتركيا ، برقم ٢٣٣٤.

(٣) انظر هدية العارفين ٦ / ٤٠٣ ؛ ومعجم الأدباء ١٩ / ١٢٤.

١٣

٤ ـ قطع الرياض في بدع الاعتراض. انظر وضح البرهان ١ / ١١٨.

٥ ـ الغلالة في مسألة اليمين على شرب الماء من الكوز ولا ماء في الكوز ١ / ١٣٩.

٦ ـ شرح الأبيات الواردة في كتابه هذا. ذكره عند تفسير قوله تعالى :

(إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) ١ / ١٧١.

وله أيضا :

٧ ـ باهر البرهان في مشكلات معاني القرآن (١).

٨ ـ درر الكلمات على غرر الآيات الموهمة للتعارض والشبهات (٢).

٩ ـ غرر الأقاويل في معاني التنزيل (٣) أو زبدة التفاسير ولمعة الأقاويل.

١٠ ـ شوارد الشواهد وقلائد القصائد (٤).

١١ ـ الأسئلة الرائعة والأجوبة الصارعة إلى حلبة البيان وحلية الإحسان (٥).

١٢ ـ الموجز في الناسخ والمنسوخ (٦).

١٣ ـ التذكرة والتبصرة في مسائل الفقه ، تشتمل على ألف نكتة يطّرد أكثر مسائل الفقه (٧).

وقال ياقوت : إنه ادّعى الإعجاز في مصنفاته.

ولعلّ سبب هذا سعة اطلاعه على اللغة ، وكثرة شواهده ، حتى ظنّ أنه لا أحد يستطيع أن يأتي بمثلها.

__________________

(١) ذكره في معجم المؤلفين ١٢ / ١٨٢ ؛ وإيضاح المكنون ١ / ٨٣ ـ ١٦٢ ـ ٤٦٨ ؛ وهدية العارفين ٦ / ٤٠٣.

(٢) ذكره في معجم المؤلفين ١٢ / ١٨٢ ؛ وإيضاح المكنون ٢ / ٥٨ ـ ١٤٤.

(٣) ذكره في معجم المؤلفين ١٢ / ١٨٢ ؛ وإيضاح المكنون ٢ / ٥٨ ـ ١٤٤ ؛ وهدية العارفين ٢ / ٤٠٣.

(٤) ذكره في معجم المؤلفين ١٢ / ١٨٢ ؛ وهدية العارفين ٢ / ٤٠٣.

(٥) انظر هدية العارفين ٦ / ٤٠٣.

(٦) وهو مخطوطة في مكتبة تشستربتي برقم ٣٨٨٣ ضمن مجموعة ، وهو في عدة صفحات وعندي نسخة منه.

(٧) انظر كشف الظنون ١ / ٣٩٣.

١٤

ولا إعجاز إلا لكتاب الله ، فكم من مؤلّفات ومؤلّفات افتخر بها علماؤها وأصحابها ، ثم جاء من بعدهم وانتقدوها وبيّنوا أوهام صاحبها وأخطاءه.

والمؤلف نفسه لم يسلم من الاعتراضات والأوهام كما بيّنا ذلك.

ورحم الله المؤلف ، وسامحه وجزاه خيرا ، وغفر له.

شعره :

لم تذكر المصادر إلا بيتين من الشعر للمؤلف ، وهما :

فلا تحقرن خلقا من النّاس علّه

وليّ إله العالمين وما تدري

فذو القدر عند الله خاف عن الورى

كما خفيت عن علمهم ليلة القدر

وفاته :

لم تذكر الكتب المتقدمة وفاته ، وإنما ذكرها الزركلي في الأعلام ، فقال : توفي سنة ٥٥٠ ه‍ (١) ، وتبعه في ذلك عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين وهذا وهم منهما.

وقال عمر كحالة في موضع آخر : كان حيّا في سنة ٥٥٣. ا. ه. (٢). وفي هذه السنة انتهى من تأليف كتابه إيجاز البيان ، كما قدّمناه.

ولعل وفاته في عام ٥٥٥ ه‍ ، أو يزيد عنها شيئا.

توليه القضاء :

وقد جاء على صفحة المخطوطة : القاضي محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري وكذا في كشف الظنون حين ذكر كتابه «خلق الإنسان» قال : القاضي بيان الحق محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري.

ولم نعلم شيئا عن تولّيه القضاء.

* * *

__________________

(١) راجع الأعلام ٧ / ١٦٧ ؛ ومعجم المؤلفين ١٢ / ١٥٧.

(٢) راجع معجم المؤلفين ١٢ / ١٨٢.

١٥

(٢)

أضواء على علم التّفسير

١ ـ علم التفسير :

ـ قال ابن خلدون في مقدمته :

إنّ القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه.

وكان ينزل جملا جملا ، وآيات آيات لبيان التوحيد ، والفروض الدينية بحسب الوقائع.

ومنها : ما هو في العقائد الإيمانية.

ومنها : ما هو في أحكام الجوارح.

ومنها : ما يتقدم ، ومنها ما يتأخر ويكون ناسخا له.

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبيّن المجمل ، ويميّز الناسخ من المنسوخ ، ويعرّفه أصحابه فيعرفونه ، وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منها منقولا عنه ، كما علم من قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) أنّها نعي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال : هذه السورة نزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوسط أيام التشريق بمنى ، وهو في حجّة الوداع : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) حتى ختمها. فعرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه الوداع.

١٦

ـ وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال : لمّا نزلت : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعيت إليّ نفسي ، إنّي مقبوض في تلك السنة».

ـ ونقل ذلك عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وتداول ذلك التابعون من بعدهم ونقل ذلك عنهم ، ولم يزل متناقلا بين الصّدر الأول والسلف حتى صارت المعارف علوما ، ودوّنت الكتب ، فكتب الكثير من ذلك ، ونقلت الآثار الواردة فيه عن الصحابة والتابعين ، وانتهى ذلك إلى الطبريّ والواقديّ والثعالبيّ وأمثال ذلك من المفسرين ، فكتبوا فيه ما شاء الله أن يكتبوه من الآثار.

ثمّ صارت علوم اللسان صناعية من الكلام في موضوعات اللغة ، وأحكام الإعراب ، والبلاغة في التراكيب ، فوضعت الدواوين في ذلك بعد أن كانت ملكات للعرب ، لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب ، فتنوسي ذلك وصارت تتلقى من كتب أهل اللسان ، فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن ؛ لأنّه بلسان العرب ، وعلى منهاج بلاغتهم ، وصار التفسير على صنفين (١) :

١ ـ تفسير نقليّ مستند إلى الآثار المنقولة عن السلف ، وهي معرفة النّاسخ والمنسوخ ، وأسباب النزول ، ومقاصد الآي. وكلّ ذلك لا يعرف إلا بالنقل عن الصحابة والتابعين.

٢ ـ والصنف الآخر من التفسير وهو ما يرجع إلى اللسان ، من معرفة اللغة والإعراب والبلاغة في تأدية المعنى بحسب المقاصد والأساليب.

وهذا الصنف من التفسير قلّ أن ينفرد عن الأول ، إذ الأول هو المقصود بالذات ، وإنّما جاء هذا بعد أن صار اللسان وعلومه صناعة.

__________________

(١) راجع في مقدمة ابن خلدون فيما كتبه في علم التفسير.

١٧

ففي النوع الأول نجد أنّ الصحابة نقلوا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمّ قام التابعون بالنقل عن الصحابة. ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة ، كما قال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات ، من فاتحته إلى خاتمته ، أوقفه عند كلّ آية وأسأله عنها (١).

وقال ابن تيمية : وأمّا التفسير فأعلم النّاس به أهل مكة ؛ لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء ابن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وطاووس وغيرهم.

وقد اختلف العلماء في الأخذ بأقوال التابعين إذا لم يؤثر في ذلك شيء عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو عن الصحابة ، فنقل عن الإمام أحمد روايتان في ذلك : رواية بالقبول ، ورواية بعدم القبول.

ـ وذهب أكثر المفسرين : إلى أنّه يؤخذ بقول التابعين في التفسير ؛ لأنّ التابعين تلقوا غالب تفسيراتهم عن الصحابة.

ـ وفي هذه المرحلة من مراحل التفسير نجد أنّه قد دخل في التفسير كثير من الإسرائيليات والنصرانيات ، وذلك لكثرة من دخل من أهل الكتاب في الإسلام ، وكان عالقا بأذهانهم من الأخبار ما لا يتصل بالأحكام الشرعية ، كأخبار بدء الخليقة ، وأسرار الوجود. وتساهل بعض التابعين في قبول الإسرائيليات بدون تحر ونقد.

وأكثر من روي عنه في ذلك من مسلمي أهل الكتاب : عبد الله بن سلام ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبه (٢).

ثم بعد التابعين اتّسع العلم ، وانفصل علم القرآن عن الحديث ، ووضع التفسير لكل آية من القرآن ، ورتّب ذلك على حسب ترتيب المصحف.

__________________

(١) راجع تفسير الطبري ١ / ٩٠ ؛ ومقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص ٣٧.

(٢) راجع التفسير والمفسرون ١ / ١٣٠.

١٨

وكان في مقدمة المؤلفين في ذلك ابن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ ه‍ (١) ، وأبو بكر ابن المنذر النيسابوري ، المتوفى سنة ٣١٨ ه‍ (٢) ، وأبو بكر ابن مردويه ، المتوفى سنة ٤١٠ ه‍ (٣) وغيرهم.

وكل هذه التفاسير مروي إلا أن ابن جرير وجّه بعض الأقوال وتكلم في بعضها على الناحية الإعرابية ، واستنبط الأحكام التي يمكن أن تؤخذ من الآيات القرآنية.

ثم تتابع المفسرون على التأليف والجمع ، والاختصار والحذف.

ـ وأمّا الصنف الثاني من التفسير فهو ما يتعلّق باللسان واللغة ، فأولّ من صنّف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى سنة ٢١٠ ه‍. عمل كتابه «مجاز القرآن» والكتاب مطبوع في جزأين بتحقيق الدكتور فؤاد سزكين ، ثم قطرب ابن المستنير ، تلميذ سيبويه المتوفى سنة ٢٠٦ ه‍ ، ولا يعرف شيء عن كتابه ، واسمه «معاني القرآن» ، ثم الأخفش سعيد بن مسعدة ، تلميذ سيبويه المتوفى سنة ٢١٥ ه‍.

وكان تأليفه لهذا الكتاب بطلب من الكسائي ، قال : فلمّا اتصلت الأيام بالاجتماع سألني أن أؤلف له كتابا في معاني القرآن ، فألّفت كتابي في المعاني ، فجعله إماما. وصنّف من الكوفيين الكسائي علي بن حمزة ، وهو شيخ الكوفيين ، توفي سنة ١٨٩ ه‍. وله كتاب «المشتبه في القرآن» وهو لحسن الحظ ما زال موجودا في المكتبات ، فهو مخطوط في مكتبة باريس برقم ٦٦٥ (٤).

__________________

(١) صاحب التفسير المشهور ، وهو من أجلّ ما صنف في بابه.

(٢) وتفسيره لم يطبع.

(٣) وتفسيره لم يطبع وقد أكثر النقل عنه السيوطي في الدر المنثور.

(٤) راجع تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٢ / ١٩٨ ، وقد اطلعت عليه ، فهو يذكر الآيات المتشابهة في الألفاظ دون تفسير.

١٩

وله كتاب آخر اسمه «كتاب ما اشتبه من لفظ القرآن وتناظر من كلمات الفرقان». ولا ندري أهو نفس الكتاب الأول أم هو كتاب آخر؟

ـ ثم الفرّاء أبو زكريا يحيى بن زياد تلميذ الكسائي ، المتوفى سنة ٢٠٧ ه‍. له كتاب «معاني القرآن» وهو مطبوع في ثلاثة أجزاء بتحقيق أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار.

وقال ثعلب : كان السبب في إملاء الفرّاء كتاب «معاني القرآن» أنّ عمر بن بكير ـ وكان من أصحابه ـ كان مع الحسن بن سهل وزير المأمون فكتب إليه : إنّ الأمير الحسن لا يزال يسألني عن أشياء من القرآن لا يحضرني عنها جواب ، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا ، وتجعل في ذلك كتابا يرجع إليه فعلت ، فلمّا قرأ الكتاب قال لأصحابه : اجتمعوا حتى أملّ عليكم كتابا في القرآن ، وجعل لهم يوما ، فلمّا حضروا خرج إليهم ، وكان في المسجد رجل يؤذن فيه ، وكان من القرّاء ، فقال له : اقرأ ، فقرأ فاتحة الكتاب ، ففسّرها ، ثم مرّ في القرآن كله على ذلك (١).

ـ ثم جاء أبو عبيد القاسم بن سلّام المتوفى سنة ٢٢٤ ه‍. فجمع من كتبهم ، وجاء فيها بالآثار وأسانيدها وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء (٢) وروى النصف منه ، ومات قبل أن يسمع منه باقيه ، وأكثره غير مرويّ عنه. وأبو عبيد هو أول من جمع بين نوعي التفسير. أي : تفسير المأثور ، وتفسير اللغة والنحو ، ولكن للأسف لا يعلم شيء عن تفسيره ، ويقول بروكلمان : إنه مفقود (٣).

__________________

(١) راجع إنباه الرواة ٤ / ٩ ـ ١٠.

(٢) راجع إنباه الرواة ٣ / ١٥.

(٣) راجع تاريخ الأدب العربي ٢ / ١٥٩ ، وله كتابان في ذلك أحدهما «غريب القرآن» والثاني «معاني القرآن».

٢٠