خلاصة القوانين

الشيخ أحمد الأنصاري

خلاصة القوانين

المؤلف:

الشيخ أحمد الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٤٠

السابعة ـ دلالة الالتزام اما لفظية واما عقلية.

واللفظية اما بين بالمعنى الاخص واما بين بالمعنى الاعم.

واما العقلية فهو ان يحكم العقل بكون ذلك الشىء لازما مرادا للمتكلم وان لم يدل عليه الخطاب بالوضع ولم يقصده المتكلم بذلك الخطاب كوجوب المقدمة ـ على ما سنحققه ـ فهذا الحكم وان كان انما حصل من العقل لكنه خطاب تبعى فلا عقاب عليه لعدم ثبوت العقاب على الخطاب التبعى ويجتمع مع الحرام لكونه توصليا فالقائل بوجوب المقدمة لا بد ان يقول بوجوب آخر مستفاد من الخطاب الاصلى وإلّا فلا معنى للثمرة التى اخذوها لمحل النزاع.

فلا بد لهم من القول بأنها واجبة فى حد ذاتها ليترتب عليه عدم الاجتماع مع الحرام وان يكون بالخطاب الاصلى ليترتب العقاب عليه وانى له بإثباتهما.

اذا عرفت ذلك فنقول : القول بالوجوب مطلقا لاكثر الاصوليين وبعدمه مطلقا نقله البيضاوى عن بعض وبوجوب الشرط الشرعى لابن الحاجب وبوجوب السبب دون غيره للواقفية.

ونسبه جماعة الى السيد وهو وهم لانه جعل الواجب بالنسبة الى السبب مطلقا وبالنسبة الى غيره محتملا للاطلاق والتقييد فيحكم بوجوب السبب مطلقا لعدم احتمال التقييد ويتوقف فى غيره لاحتمال كون الواجب مقيدا بالنسبة اليه وهذا ـ بعينه ـ قول المشهور.

والاقرب عندى عدم الوجوب مطلقا.

للاصل وعدم دلالة الامر عليه باحد من الدلالات اما المطابقة والتضمن فظاهر.

واما الالتزام فلانتفاء اللزوم البين ،

واما غير البين فهو ـ ايضا ـ منتف بالنسبة الى دلالة اللفظ اذ لا يقال ـ بعد ملاحظة الخطاب والمقدمة والنسبة بينهما ـ ان هنا خطابين وتكليفين ـ كما هو واضح ـ ولذا يحكم

٤١

اهل العرف بأن من اتى بالمأمور به امتثل امتثالا واحدا وان اتى بمقدمات لا تحصى وكذا لو ترك المأمور به لا يحكم بعصيان واحد.

نعم يمكن القول باستلزام الخطاب لارادتها حتما بالتبع ـ بمعنى لا يرضى بترك مقدمته ـ ولا يستلزم استفادة شىء من الخطاب كونه مقصودا للامر مشعورا به له.

والحاصل انه لا مانع من استفادة وجوب المقدمة تبعا ولا يكون على تركها ذم ولا عقاب بل على ترك على ذى المقدمة.

احتج الاكثرون بالاجماع وربما ادعى عليه الضرورة.

وبان المقدمة لو لم تكن واجبة لجاز تركها وحينئذ فان بقى التكليف لزم التكليف بالمحال وإلّا لزم خروج الواجب عن كونه واجبا وكلاهما باطل.

وان العقلاء يذمون تارك المقدمة مطلقا.

والجواب عن الاول ان الاجماع فى الاصول غير ثابت الحجية.

وعن الثانى انا نختار الشق الاول ونجيب

اولا بالنقض لو ترك عصيانا على القول بالوجوب اذ لا مدخلية للوجوب فى القدرة فان قلت العصيان موجب لحصول التكليف بالمحال ولا مانع منه اذا كان السبب هو المكلف قلنا فيما نحن فيه ـ ايضا ـ صار المكلف سببا للتكليف بالمحال لان الفعل كان مقدورا له اولا فهو بنفسه ـ جعله غير مقدور ـ.

وثانيا بالحل وهو ان الممتنع هو التكليف بشرط عدم المقدمة لا حال عدم المقدمة نظير تكليف الكفار بالفروع حال الكفر ، وان فرضت الكلام فى آخر اوقات الامكان ـ على ما هو مقتضى جواز الترك ـ نلتزم بقاء التكليف ايضا لانه ـ بنفسه ـ تسبب للتكليف بالمحال وصير المقدور ممتنعا باختياره ولا يستحيل مثل هذا التكليف.

وعن الثالث منع كون المذمة على ترك المقدمة لذاتها بل لترك ذى المقدمة حيث

٤٢

لا ينفك عن تركها.

حجة القائل بوجوب السبب دون غيره اما فى غير السبب فما مر.

واما فى السبب فهو ان المسبب لا ينفك عن السبب وجودا وعدما فالتكليف بالمسبب اما تكليف بايجاد الموجود او الممتنع وكلاهما محال. فلا يصح تعلق التكليف به فالتكليف متعلق بالسبب.

وجوابه ان الممتنع بالاختيار لا ينافى الاختيار والمسبب مقدور ـ وان كان بواسطة السبب. ولذا ذهب المحققون الى جواز كون المطلوب بالاوامر المفهومات الكلية مع ان الفرد هو السبب لوجود الكلى

حجة القول بوجوب الشرط الشرعى انه لو لم يكن واجبا لم يكن شرطا والتالى باطل فالمقدم مثله. اما الملازمة فلانه لو لم يجب لجاز تركه وحينئذ اما ان يكون الآتي بالمشروط آتيا بتمام الامور به ام لا والثانى باطل لان المفروض ان المأمور به منحصر فى المشروط فيلزم تماميته بدون الشرط. فيلزم عدم توقفه على الشرط هف.

والجواب اختيار الشق الثانى وان عدم الاتيان بتمام المأمور به ـ لا من جهة عدم الاتيان ببعضه بل ـ لفوات وصف من اوصافه يختلف كيفيته بسببه. وكون ما يستلزم عدمه عدم المأمور به واجبا اول الكلام.

٤٣

تنبيهات

الاول : ربما يتوهم انه لا خلاف فى وجوب المقدمة اذا كانت المقدمة (عبارة عن) اتيان امور يحصل الواجب فى ضمنها كالصلاة الى اكثر من جانب والاتيان بالظهر والجمعة عند من اشتبه عليه المسألة واوجب الاحتياط. لانه عين الاتيان بالواجب بل منصوص فى بعض الموارد :

وفيه ما لا يخفى على المتأمل. والاجماع المتوهم ممنوع.

واما النص فى بعض الموارد فالكلام فيه هو الكلام فى مثل الوضوء اذا لوحظ وجوبه المستفاد من النص والفرق انما يحصل فى كون الخطاب اصليا او تبعيا. فوجوب سائر المقدمات تبعى ومثل ذلك اصلى.

والحاصل انا نقول بأن الامر بالصلاة ليس امرا بالوضوء وذلك لا ينافى كون الوضوء مأمورا به بخطاب على حدة بل لا نضايق فى ترتب العقاب على ترك الوضوء من جهة الامر وان كان وجوبه للغير.

الثانى ـ صرح جماعة بوجوب التروك المستلزمة للترك الواجب ـ كالمطلقة المشتبهة فيما بين الاربع او اقل ، والدينار المحرم فى الدنانير المحصورة ـ من باب المقدمة.

والذى يترجح فى النظر عدم الوجوب ـ وان قلنا بوجوب المقدمة ـ اذ الواجب الاجتناب عما علم حرمته ـ لا عن الحرام النفس الامرى لعدم الدليل على ذلك والاصل والاخبار يساعدنا وكيف كان فالذى نمنع وجوبه هو اجتناب الجميع واما اذا بقى مقدار نجزم بارتكاب الحرام (معه) فلا نجوزه.

وتمام التحقيق فى اواخر الكتاب.

الثالث ـ الكلام فى دلالة الواجب على وجوب جزئه كالكلام فى سائر مقدماته. والقدر المسلم هو التبعى إلّا ان ينص عليه.

٤٤

وربما نفى الخلاف عن الوجوب فى الجزء ، لدلالة الواجب عليه تضمنا. وهو ممنوع.

(المبحث السابع في)

(الاقتضاء)

الامر بالشىء لا يقتضى النهى عن ضده الخاص مطلقا واما العام فيقتضيه التزاما. وتوضيح المقصد يقتضى رسم مقدمات :

الاولى الضد الخاص للمأمور به الامور الوجودية المضادة له عقلا او شرعا. واما العام فيطلق على الترك اما بجعله عبارة عن الكف او مجازا للمناسبة والمجاورة.

الثانية ترك الضد مما يتوقف عليه فعل المأمور به لاستحالة وجود الضدين فى محل واحد فوجود احدهما يتوقف على انتفاء الآخر عقلا ،

وقد اغرب بعض المحققين فانكر كونه مقدمة وقال : «انه من المقارنات الاتفاقية فلو كان ترك الضد مقدمة لفعل ضده فكون فعل الضد مقدمة لترك ضده اولى بالاذعان. وهو محال».

وانت خبير بأن الفرق بينهما فى كمال الوضوح فان ترك الحرام يتخلف عن الافعال مع وجود الصارف بخلاف فعل المأمور به فانه لا يمكنه التخلف.

وقوله : «محال» الظاهر انه اراد لزوم الدور. وهو اغرب من سابقه لان المقامين متغايران ، وان اراد ان ترك الضد كما انه مقدمة لفعل الضد الآخر ففعل الضد الآخر علة لترك هذا الضد. ففيه ان فى هذا الكلام اشتباه التوقف بالاستلزام : فان ترك احد الضدين لا يتوقف على فعل الضد الآخر لجواز خلو المكلف عنهما نعم فعل الضد الآخر يستلزم ترك الآخر واين هذا من التوقف.

الثالثة ـ المباح يجوز تركه خلافا للكعبى. والمنقول فى دليله وجهان :

٤٥

احدهما ـ ان ترك الحرام واجب وهو متلازم الوجود مع فعل من الافعال. فكل ما يقارنه واجب لامتناع اختلاف المتلازمين فى الحكم.

ثانيهما ـ انه لا يتم ترك الحرام إلّا بإتيان فعل من الافعال وهو واجب فذلك الفعل ايضا واجب لان ما لا يتم الواجب الا به واجب.

والجواب عن الاول منع ذلك الا فى العلة والمعلول عند بعضهم.

واما الثانى ـ فالجواب عنه ان ذلك ليس بمقدمة مطلقا اذا لصارف يكفى فى ترك الحرام نعم لو تحقق فرض لا يمكن التخلص إلّا بإتيان شىء نقول بوجوبه ان قلنا بوجوب المقدمة وذلك لا يثبت الكلية المدعاة.

واما ما ذكره المحقق السابق الذكر من انه لا مدخلية للمباح فى ترك الحرام وانه من المقارنات الاتفاقية مطلقا ففيه انه كثيرا ما نجد من انفسنا توقف الحرام على فعل وجودى بحيث لو لم نشتغل به لفعلنا الحرام ولا يمكن انكاره.

الرابعة ـ موضع النزاع ما اذا كان المأمور به مضيقا والضد موسعا ولو كانا موسعين فلا نزاع واما لو كانا مضيقين فيلاحظ ما هو الاهم.

اذا تمهد ذا فنقول : لما كان بعض الخلافات والاقوال فى المسألة فى غاية السخافة نقتصر الكلام فى بيان مقامين :

الاول ـ الاقوى ان الامر بالشىء يقتضى النهى عن ترك المأمور به التزاما لا تضمنا كما توهمه بعض اذا لمنع من الترك ليس جزء مفهوم الامر فان معنى افعل هو الطلب الحتمى ويلزمه اذا صدر عن الشارع ترتب العقاب على تركه والممنوعية عنه فالمنع من الترك لو سلم كونه جزء معنى الوجوب لا يلزم منه كونه جزء معنى افعل. فالصيغة تدل عليه التزاما بينا بالمعنى الاعم.

والقول بالعدم منقول عن السيد وبعض العامة محتجا بان الامر قد يكون غافلا فلا يتحقق النهى وفيه ان الغفلة مطلقا حتى اجمالا ممنوع وهو يكفى ولذا قلنا يكون اللزوم بينا بالمعنى الاعم ولا ثمرة فى هذا النزاع.

٤٦

الثانى الحق عدم دلالة الامر بالشىء على النهى عن الضد الخاص لانه لا دلالة لقولنا ازل النجاسة عن المسجد على قولنا : لا تصل ونحوه بأحد من الدلالات.

اما المطابقة فظاهر وكذا التضمن والالتزام.

واما البين بالمعنى الاعم فلانه لا يلزم من تصور الامر وتصور الضد والنسبة بينهما كون الامر قاصدا حرمة الضد ، وسنبطل ما تشبث به الخصم.

نعم يدل عليه دلالة تبعية ـ من قبيل دلالة ـ الاشارة ـ لكن ليس مما يثمر فيما نحن فيه كما مر.

احتج المثبتون للاستلزام العقلى بوجوه :

الاول ان ترك الضد مما لا يتم فعل المأمور به الا به فيكون فعله حراما.

واجاب عنه بعض المحققين بمنع كون ترك الضد من مقدمات المأمور به. وقد عرفت بطلانه.

والحقيق فى الجواب منع وجوب المقدمة اصالة وتسليمه تبعا وهو لا ينفع.

واجيب ـ ايضا ـ بأن وجوب المقدمة توصلى يقتضى اختصاصه بحالة الامكان ومع وجود الصارف عن فعل المأمور به لا يمكن التوصل اليه بترك الضد.

وفيه ما لا يخفى اذا اختيار الصارف لا ينفى امكان تركه واختيار الفعل والتوصل اليه بالمقدمة ـ كما فى تكليف الكافر بالعبادة ـ فكما انه مكلف باصل الواجب مكلف بإتيان ما يتوصل اليه على القول بوجوب المقدمة.

وبأن دليل وجوب المقدمة ـ لو سلم ـ فانما يسلم فى حال ارادة الفعل واذا كان له صارف فلا يريد الفعل. وفيه انه يدل على الوجوب فى حال امكان الارادة ـ لا فعليتها ـ نعم وجودها لا بد ان يكون فى حال الارادة.

الثانى ان فعل الضد مستلزم لترك المامور به المحرم والمستلزم للمحرم محرم.

واجيب بأن الاستلزام ان اريد به محض المقارنة فى الوجود نمنع الكبرى

٤٧

وإلا ثبت قول الكعبى بانتفاء المباح وان اريد به كونه من جملة مقدماته ففيه ـ ايضا ـ منع الكبرى بل الصغرى ـ ايضا وان اريد علية فعل الضد لترك المأمور به او كونهما معلولين لعلة ثالثة فهو وان كان يستلزم ذلك لكنهما ممنوعان فيما نحن فيه اذا لعلة فى ترك المأمور به انما هو الصارف ـ وهو عدم الارادة ـ فهو المانع ابدا سيما بملاحظة انه مقدم على فعل الضد طبعا فليس فعل الضد علة ولا هو مع ترك المأمور به معلولا لعلة ثالثة اذ ما يتصور كونه علة لهما هو الصارف عن المأمور به وهو ليس علة لفعل الضد بل قد يكون من مقدماته.

والتحقيق ان ما ذكروه ـ ايضا ـ لا يستلزم التحريم اذ لا دليل على كون علة الحرام حراما فان ذلك :

اما من جهة كونها مقدمة للحرام فيدل على حرمتها النهى عن ترك الواجب. وفيه ان توقف تحقق ترك الواجب عليها ممنوع سلمنا لكن الخطاب تبعى توصلى وقد تقدم انه لا يثبت التحريم المقصود.

واما من جهة استفادة ذلك من سائر احكام الشرع وتتبع مواردها وفيه انا لم نقف على ما يفيد ذلك بل المستفاد خلافه ويرشدك الى ذلك فتوى الفقهاء بكراهة صنائع تنجر الى الحرام.

واما من جهة العقل ـ وهو ـ ايضا ممنوع لان العقل لا يستحيل كون الشىء حراما من دون علته.

الثالث ـ لو لم يحرم الضد وتلبس به ـ كالصلاة بالنسبة الى ازالة النجاسة ـ فان بقى الخطاب بالازالة لزم التكليف بالمحال وإلا خرج الواجب المضيق عن وجوبه. والجواب اختيار الشق الاول وتسليم جواز هذا التكليف لكون المكلف هو الباعث عليه فيعاقب على ترك الازالة ويحكم بصحة صلاته ولا منافاة.

٤٨

«تنبيه»

ان بعض المحققين ذكر ادلة المثبتين والنافين وضعفها ثم قال : «ولو ابدل النهى عن الضد الخاص بعدم الامر به فيبطل لكان اقرب» وحاصله ان الامر بالشىء وان لم يقتض النهى عن ضده لكن يقتضى عدم الامر بالضد لامتناع الامر بالضدين فى وقت واحد فاذا لم يكن مأمورا به يبطل لان الصحة انما هو مقتضى الامر.

وفيه ـ اولا ـ ان ذلك على تسليم صحته ـ يتم فى العبادات واما فى المعاملات فلا.

و ـ ثانيا ـ منع اقتضائه عدم الامر مطلقا اذ لا استحالة فى اجتماع الامر المضيق والموسع فان معنى الموسع انه يجب ان يفعل فى مجموع ذلك الوقت ـ بحيث لو فعل فى اى جزء منه امتثل ـ ولم يتعين عليه الاتيان فى آن معين وهذا نظير ما سيجىء من اجتماع الامر والنهى فى الشىء الواحد مع تعدد الجهة ـ كما اذا اختار المكلف ايقاع مطلق الصلاة فى خصوص الدار الغصبى.

«المبحث الثامن في»

«الواجب التخييرى»

لا خلاف فى ورود الامر بواحد من امرين او امور على سبيل التخيير ظاهرا واختلفوا فى المأمور به.

فذهب اصحابنا وجمهور المعتزلة الى انه كل واحد منها على البدل فلا يجب الجميع ولا يجوز الاخلال بالجميع وايها فعل كان واجبا والاشاعرة الى انه احد الابدال ـ لا بعينه ـ.

وهنا اقوال شاذة كلها باطلة مخالفة للاجماع والاعتبار.

والاشكال فى تحقيق معنى التخيير ـ على مذهب الاشاعرة ـ من جهة ان الكلى لا تعد فيه وإلّا تخيير وإلّا لزم التخيير بين فعل الواجب وعدمه يندفع بأن المراد المخير فى افراده فالوصف بحال المتعلق فالكلى فى المخير جعلى منتزع من الافراد تابع لها فى الوجود بخلافه فى العينيات فانه متأصل وعلة للافراد سابق عليها طبعا.

٤٩

والدليل على المذهب الاول التبادر من قوله ـ تعالى ـ «فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ». فان الظاهر منه ايجاب الاطعام والكسوة والتحرير على سبيل البدلية.

والاشاعرة يقولون كلمة او لاحد الشيئين او الاشياء مبهما. ولكل وجه.

اعلم ان الافراد قد يكون بعضها ازيد من بعض فالتصدق يمكن بدرهم وبدينار.

ومطلق الذكر يحصل بتسبيحة وباكثر وهكذا.

وكذا الواجبات التخييرية قد تكون متفقات فى الحقيقة مختلفات فى الزيادة والنقصان كالقصر والاتمام فى المواطن الاربعة والاربعين والخمسين فى منزوحات البئر والستة والخمسة فى ضرب التأديب.

واختلفوا فى اتصاف الزائد بالوجوب على اقوال :

اظهرها انه ان كان حصوله تدريجيا ـ كما فى التسبيحة والاربعين ـ فالمتصف بالوجوب هو الاول لحصول الطبيعة فى الاول واحد الافراد فى الثانى. وان لم يكن كذلك فواجب كله لكونه فردا من الواجب نعم اختياره مستحب لكونه اكمل الافراد فيكون ثوابه ازيد.

«المبحث التاسع في»

(الموسع والمضيق)

لا خلاف فى جواز الامر بالشىء فى وقت يساويه ـ كصوم رمضان ـ.

كما لا اشكال فى عدم جواز الامر بشىء فى وقت ينقص عنه للزوم المحال ، واطلاق الاداء على مجموع الصلاة المدرك ركعة منها فى الوقت للنص المستفيض بان من ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الوقت فيكون ذلك شرعا بمنزلة ادراك الوقت اجمع.

واختلفوا فى جواز الامر بشىء فى وقت يزيد عليه ـ ويطلق عليه الموسع ـ.

والحق وقوعه وفاقا لاكثر المحققين لامكانه عقلا ووقوعه شرعا.

٥٠

اما جوازه عقلا فلانه لا مانع الا ما تخيله الخصم من لزوم ترك الواجب. وهو باطل لانه يلزم لو ترك فى جميع الوقت.

واما وقوعه فللأمر بصلاة الظهر والزلزلة ـ وغيرهما ـ فلما كان تطبيق اول جزء من الفعل باول جزء من الوقت وآخره بآخره غير مراد اجماعا وغير ممكن عادة فى الاغلب ـ وكذا تكريره الى انقضاء الوقت ـ ولا مرجح لاحد من الاجزاء على الآخر ينبغى ان يراد التخيير بين الايقاعات الممكنة فى اجزاء ذلك الوقت.

والخصم لما احال التوسيع لزمه التجشم فى تأويل امتثال هذه الاوامر فافترقوا على مذاهب هى فى غاية الوهن لا فائدة فى ذكرها.

وعلى ما اخترناه من كونه من باب التخيير بين الايقاعات ، فهل يجب فى كل من التروك بدلية العزم عليه حتى يتضيق الوقت فيتعين الواجب قولان :

اظهرهما العدم لعدم الدليل وعدم دلالة الامر عليه باحد من الدلالات.

احتجوا بأنه لو جاز الترك بلا بدل لما فصل عن المندوب. وفيه ان البدل محقق وهو كل واحد من الجزئيات المتمايزة بالوقت.

وبلزوم الخلو الترك عن بدل فيما مات فجأة ولا اثم لجواز التأخير.

وفيه انه لو لم يفعله ولا سائر الافراد ـ مع ظن الموت ـ استحق العقاب ويجوز التأخير مع ظن السلامة. فالموت فجأة مع عدم التقصير لا يخرجه عن الوجوب.

ومع تسليم وجوب العزم فقد يقال :

انه ليس من جهة انه بدل الفعل بل لان غير الغافل يجب عليه العزم على الواجبات اجمالا او تفصيلا وهو من احكام الايمان ولوازم المؤمن ولا اختصاص له بالواجب الموسع. وفيه ان غاية الامر انه يجب على المؤمن ان لا يعزم على الترك حين الالتفات واما وجوب العزم على الفعل ففيه اشكال ولا تلازم بينهما كما توهم لثبوت الواسطة.

٥١

«تتميم»

التوسعة فى الوقت اما محدود او غير محدود مثل ما وقته العمر كصلاة الزلزلة ويتضيق الاول بتضيق وقته او ظن الموت. والثانى بظن الموت.

ومثل ظن الموت الظن بعدم التمكن فيعصى من ضاق عليه الوقت بالتأخير اتفاقا.

ثم لو ظهر بطلان الظن فالظاهر بقاء المعصية لانه مكلف بالعمل بالظن وقد خالفه فصار عاصيا كما لو وطئ امرأته بمظنة الاجنبية وشرب خلا بمظنة الخمر ـ ونحو ذلك ـ.

واما ظان السلامة الذى فاجأه الموت فلا عصيان عليه بالتأخير وقيل بالعصيان فيما وقته العمر وهو تحكم.

«تنبيه»

مما يتفرع على توسيع الوقت التخيير فى لوازمه بدلالة الاشارة فلا يمكن التمسك باستصحاب ما يلزم المكلف فى اول الوقت فى جزء آخر فالمكلف فى اول الظهر مكلف بمطلق صلاة الظهر.

فعلى القول باعتبار حال الوجوب فى مسألة القصر والاتمام لا يمكن التمسك باستصحاب وجوب التمام فى اول الوقت لان المكلف مخير فى اول الوقت باداء مطلق صلاة الظهر فى اى جزء من الاجزاء ويمكن المخالفة فى الاجزاء ـ فى نفس الامر ـ بالقصر والتمام والصلاة بالتيمم والغسل والوضوء وصلاة الخوف والمريض ـ وغير ذلك ـ فتخيير المكلف فى هذا الاجزاء تخيير فى لوازمها

«المبحث العاشر في»

«الواجب الكفائى»

الواجب الكفائى ما قصد به غرض يحصل بفعل البعض.

ولا ريب فى جوازه عقلا ووقوعه شرعا ـ كالجهاد وصلاة الميت.

والحق انه واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض لانهم لو تركوا ـ جميعا ـ

٥٢

لذموا واستحقوا العقاب وهو معنى الوجوب واما السقوط بفعل البعض فاجماعى.

ثم ان الواجب الكفائى لا يسقط إلّا مع حصول العلم بفعل الآخر.

وهل يعتبر الظن الشرعى ـ مثل شهادة عدلين ونحوهما قولان.

الاقرب الاعتبار. والظاهر ان مجرد العلم بحصول الفعل من مسلم كاف ، حملا لفعله على الصحة بمقتضى الادلة القاطعة فلا يعتبر العدالة وتمام الكلام فى الفروع.

«المبحث الحادي عشر في»

«متعلق الاوامر»

اختلفوا فى ان الامر المعلق بالكلى ، المطلوب به الماهية او الجزئى المطابق له.

الاقرب الاول للتبادر ولان الاوامر مأخوذة من المصادر الخالية من اللام والتنوين وهى حقيقة فى الماهية لا بشرط ولا تفيد الهيئة الا طلب ذلك الحدث مع ان الاصل عدم الزيادة

والظاهر ان من يدعى ان المطلوب هو الفرد لا ينكر ذلك بحسب اللفظ لكنه يدعى ثبوت القرينة على خلافه من جهة العقل لان العقل يحكم ان مطلوب الشارع هو ما امكن وجوده وما لا يمكن وجوده يستحيل طلبه للزوم التكليف بالمحال والماهية مما لا وجود له فى الاعيان.

وجوابه ان المستحيل وجوده فى الخارج ، هو الطبيعة بشرط لا واما هى لا بشرط وفيمكن وجودها بايجاد الفرد والممكن بالواسطة ممكن فيجوز التكليف به.

ان قلت : النزاع متفرع على النزاع فى وجود الكلى الطبيعى وما ذكرته يتم على تقدير تسليم وجوده ولعل الخصم لا يسلم ذلك ،

قلت : المقام يتم بدون ذلك ـ ايضا ـ فان منكرى وجود الكلى الطبيعى لا ينكرون ان العقل ينتزع من الافراد صورا كلية وان لم يكن لتلك الصور وجود الا فى العقل.

٥٣

وتلك الصور هو الكلى الطبيعى على مذاق هؤلاء ولا ريب ان له نوع اتحاد مع الفرد لصدقها عليه عرفا ؛ وعدم وجودها فى الخارج انما يظهر بعد التدقيق الفلسفى واما اهل العرف فلا يفهمون ذلك.

والحاصل ان اهل العرف يفهمون ان الخصوصيات المعينة لا مدخلية لها فى الامتثال على انا نقول غاية ما دل عليه دليلكم ان المطلوب لا بد ان يكون هو الفرد ولا ريب ان فردا ما من الطبيعة ـ ايضا كلى لا تحقق له فى الخارج على مذاقكم وارادة فرد خاص تحكم.

ان قلت : انا نريد من فرد ما احد الافراد ـ بمعنى ان المطلوب هو كل واحد من الجزئيات المعينة المشخصة على سبيل التخيير.

قلت تخيير المكلف فى افراد الواجب ليس من باب الوجوب التخييرى وإلّا لما بقى فرق بينهما هذا.

ومما يلزمهم كون اكثر خطابات الشرع مجازا فان الفرد فى قولنا : سلم امرى الى الرجل ـ لا المرأة ـ لم يقصد من اللفظ ولا التفات فيه الى الفرد ـ لا اولا وبالذات ولا ثانيا ولكن لما لم يمكن الامتثال إلّا بالفرد وجب من باب المقدمة.

«المبحث الثاني عشر في»

«امر الامر مع العلم بانتفاء شرطه»

الحق عدم جواز الامر مع العلم بانتفاء شرطه :

وتنقيح ذلك يستدعى رسم مقدمة هى :

ان المراد بالشرط فى محل النزاع هو شرط الوجوب سواء كان شرطا للوقوع ـ ايضا ـ كالقدرة وعدم السفر والحيض اولا كتملك النصاب فى الزكاة واما ما كان مقدمة للوقوع فيجب تحصيله ـ كالواجب ـ ولا يلزم من امر الآمر نقص وقبح وان علم انه يتركه اختيارا لان «الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار».

اذا تقرر هذا فنقول : ان هنا مقامين.

٥٤

الاول هل يجوز توجيه الامر الى المكلف الفاقد للشرط مع علم الآمر بانتفائه ان لم يكن المراد نفس الفعل المأمور به بل مصلحة اخرى حاصلة من الامر من العزم على الفعل وتوطين النفس على الامتثال ، والابتلاء.

الثانى هل يجوز ارادة نفس المأمور به مع العلم بعدم الشرط.

والظاهر ان كليهما مما وقع النزاع فيه. وقد اختلط المقامان على كثير منهم.

والحق فى الاول الجواز ولا يحضرنى كلام من انكر ذلك الا العميدى فى شرح التهذيب حيث قال : «ان ذلك غير جائز لما يتضمن من الاغراء بالجهل لما يستلزم من اعتقاد المأمور ارادة الامر الفعل المأمور به».

ويظهر ذلك من صاحب لم ـ ايضا ـ فى اواخر المبحث.

وفيه انه لا قبح فى ذلك لان المدار على الظن ـ لا الاعتقاد الجازم ولا يضر مع انكشاف فساده وإلّا انتفى الواجب المشروط غالبا. غاية الامر ذلك الاستعمال مجازى تأخرت عنه قرينته عن الخطاب ولا قبح فيه ـ كما سيجىء.

ـ وثانيا ـ يستلزم نفى النسخ المجمع عليه فان ظاهر الحكم التأبيد.

وما قيل : ان الامتحان لا يصح فى حقه ـ تعالى ـ لانه عالم بالعواقب ففيه ما لا يخفى اذ الامتحان قد يكون للغير وللمكلف ولاتمام الحجة.

واما الثانى ـ فذهب اصحابنا فيه الى عدم الجواز وجمهور العامة على الجواز.

لنا انه تكليف بما لا يطاق اما فيما انتفى فيه ما يتوقف عليه عقلا فواضح.

واما فيما انتفى فيه ما جعله الشارع شرطا كعدم السفر فلانه ـ بعد اختيار السفر ـ يحرم الصوم ـ مثلا ـ فلا يجوز فعله فتكليفه بالوجوب مع اتحاد الجهة ممتنع ـ كما سيجيء ـ.

ولا فرق بين الممتنع بالذات والممتنع بالغير الا فيما صار الامتناع من جهة سوء اختيار المكلف ، فلا يرد ما اجاب به ابن الحاجب وغيره بان ما لا يصح التكليف

٥٥

به هو المحال الذاتى. ولا ما اورده من النقض بلزوم عدم صحة التكليف مع جهل الآمر ـ ايضا ـ لاشتراك امتناع الامتثال.

احتجوا بوجوه :

الاول ـ ان حسن الامر قد يكون لمصالح تتعلق بنفسه ـ دون المأمور به ـ كالعزم والتوطين. وفيه ان هذا خروج عن المتنازع.

الثانى انه لو لم يصح التكليف بما علم عدم شرطه لم يعص احد واللازم باطل. اما الملازمة فلان كل ما لم يقع فقد انتفى شرط من شروطه واقلها ارادة المكلف : وفيه ان الكلام فى شرط الوجوب والارادة من شرط الوقوع.

الثالث لو لم يصح لم يعلم احد انه مكلف وهو باطل اما الملازمة فلانه مع الفعل وبعده ينقطع التكليف وقبله لا يحصل العلم ببقائه على صفات التكليف الى التمام. وفيه منع الملازمة لو اراد الاعم من الظن المعلوم الحجية ومنع بطلان التالى لو اراد خصوص العلم مع ان انقطاع التكليف حال الفعل ـ ايضا ـ محل كلام :

الرابع ـ لو لم يصح لم يعلم ابراهيم وجوب ذبح ولده لانتفاء شرطه وهو عدم النسخ وقد علمه قطعا وإلّا لم يقدم على قتل ولده ولم يحتج الى فداء واجيب بان ذلك من باب البداء الذى تقول به الشيعة. وهو مشكل لان البداء انما هو فى الافعال التكوينية الالهية ـ لا الاحكام ـ. والذى يجرى فى الاحكام. هو النسخ. فالاولى جعله من باب ارادة العزم والتوطين

ومما يتفرع على المسألة لزوم القضاء على المكلف اذا دخل الوقت وجن او حاضت المرأة قبل مضى زمان يسع الصلاة وانتقاض التيمم ممن وجد الماء وان لم يمضى زمان يتمكن من المائية او منع عنها مانع ومنها ما لو منع عن الحج فى العام الاول ثم مات او تلف ماله وفروع المسألة كثيرة.

٥٦

«المبحث الثالث عشر في»

«نسخ الوجوب»

اختلفوا فى ان الشارع اذا اوجب شيئا ثم نسخ وجوبه هل يبقى الجواز ام لا

والظاهر العدم. والمراد عدم بقاء الجواز المستفاد من الامر.

ومحل النزاع ما اذا قال نسخت الوجوب ـ ونحوه ـ اما لو حرمه او صرح بنسخ مجموع مدلول الامر فلا اشكال.

احتجوا على بقاء الجواز :

بأن الامر دل على الجواز مع المنع من الترك فالمقتضى موجود ، ونسخ الوجوب يحصل برفع المنع من الترك وعدم بقاء الجنس مع انعدام الفصل انما يسلم لو لم يخلفه فصل آخر ورفع المنع من الترك يستلزم جواز الترك فمع انضمامه الى جواز الفعل يحصل الاباحة. وفيه ان الجنس والفصل وجودهما فى الخارج متحد ولا تفكيك بينهما. مع ان المحققين صرحوا بكون الفصل علة لوجود الجنس.

وما قيل من نيابة فصل آخر. فيه ان تحصل الجنس فى ضمن فصل غير تحصله فى ضمن فصل آخر فلا استصحاب ـ ايضا ـ وان قارن رفع الفصل وجود فصل آخر فى الخارج. سلمنا لكنه معارض باستصحاب عدم القيد.

ان قلت : لا ريب فى حصول القيد لان جواز الترك حاصل برفع الوجوب فمع استصحاب الجواز يتم المطلوب.

قلت : سلمنا لكن الاصل عدم التقييد.

ان قلت : التقييد امر اعتبارى وبعد حصول الطرفين واتحاد المورد لا معنى لعدم اعتبار ذلك.

قلت : سلمنا لكن نقول الانضمام يحتاج الى اليقين بثبوت المنضم اليه وهو غير متيقن لانه ـ كما يحتمل تعلق النسخ بالمنع عن الترك فقط ـ يحتمل التعلق

٥٧

بالمجموع فلا يبقى قيد ولا مقيد فعدم اليقين بالانضمام لعدم اليقين ببقاء المنضم اليه ، والاستصحاب لا يوجب اليقين.

«المبحث الرابع عشر في»

«الاجزاء»

الحق ان الامر يقتضى الاجزاء : وتحقيق الاصل يقتضى رسم مقدمات.

الاولى ـ الاجزاء هو كون الفعل مسقطا للتعبد به. وانما يكون (كذلك : ظ) اذا اتى المكلف به مستجمعا لجميع الامور المعتبرة فيه وهو اخص من الصحة اذ مورد الصحة اعم من موارد التعبد فيشمل العقود والايقاعات بخلاف الاجزاء فانه مختص بموارد التعبد.

الثانية ـ كون الامر مقتضيا للاجزاء هو اذا اتى به المكلف على ما هو مقتضاه مستجمعا لشرائطه المستفادة من الشرع ـ كما عرفت ـ

لكن الاشكال فى حقيقة الامر وتعيينه فان التكليف :

قد يكون بشىء واحد وقد حصل العلم به او الظن المستفاد حجيته عموما او بالخصوص.

وقد يكون بشىء ـ اولا ـ مع الامكان وببدله ـ ثانيا ـ مع عدمه كالتيمّم عن الماء فصلاة الظهر قد تجب مع الوضوء فى وقت ومع التيمم فى وقت آخر فبأيهما حصلت فقد حصلت فحينئذ نقول :

موضع الخلاف ان كان بالنسبة الى كل واحد من الحالات فلا اشكال فى الاجزاء لحصول الامتثال بالنسبة الى ذلك التكليف ، فوجوب القضاء او الاعادة لمن انكشف فساد ظن طهارته انما هو لعدم حصول الطهارة اليقينية ـ لا لاختلال فى الصلاة بالطهارة الظنية ـ.

وكذا فعل الصلاة بالمائية لاجل اختلال المبدل لا البدل ولذا لا تعاد بالطهارة الترابية.

٥٨

ولعل النزاع فى المسألة لفظى فان الذى يقول بالاجزاء يقول بالنسبة الى الحال التى وقع المأمور به عليها ، ومن يقول بعدمه يقول بالنسبة الى الامر الحاصل فى ضمن المبدل.

الثالثة ـ محل النزاع فى هذه المسألة ان اتيان المأمور به على وجهه مسقط للتعبد به ثانيا ام لا. والظاهر ان المخالف يقول : لا مانع من اقتضائه فى الجملة ـ لا دائما ـ كما لا يخفى.

ثم ان الكلام مع قطع النظر عن الخلاف فى كون الامر للمرة او التكرار اذ المرة انما هو بالتنصيص واسقاط القضاء على القول بالاجزاء من جهة عدم الدليل ، وكذا ثبوت فعله ثانيا فى التكرار انما هو بالاصالة وفيما نحن فيه من باب القضاء او الاعادة اذا تمهد هذه فنقول :

اختلف الاصوليون فى ان اتيان المأمور به على وجهه هل يقضى الاجزاء. المشهور نعم وخالف فيه ابو هاشم وعبد الجبار.

لنا ان الامر لا يقتضى إلّا طلب الماهية المطلقة وهو يحصل بايجاد فرد منه. والمفروض حصوله فحصل المطلوب فسقط الوجوب بل المشروعية ـ ايضا ـ

ولو قيل :

حصول امتثال الامر انما هو بالنسبة الى بعض الاحوال دون بعض فباطل اذ المكلف بالصلاة مع الوضوء ـ مثلا ـ مكلف بصلاة واحدة كما هو مقتضى الامر فاذا تعذر ذلك فمكلف بهذه الصلاة مع التيمم وظاهر الامر الثانى اسقاط الامر الاول فعوده يحتاج الى دليل. والاستصحاب واصالة العدم وعدم الدليل ـ كلها ـ يقتضى ذلك. مضافا الى فهم العرف واللغة.

وما مر من ان الصلاة بظن الطهارة تقضى بعد انكشاف فساد الظن فانما هو بدليل خارجى.

نعم لو ثبت ان كل مبدل يسقط بفعل البدل ما دام غير متمكن عنه فلما ذكر

٥٩

وجه. والظاهر الاسقاط مطلقا فيرجع النزاع الى اثبات هذه الدعوى.

واستدلوا ـ ايضا ـ بوجهين آخرين :

الاول انه لو كان مكلفا بذلك الامر ـ بعينه ـ بفعله ثانيا يلزم تحصيل الحاصل وهو محال : وان كان مكلفا بذلك الامر بإتيان غير المأتى به يلزم ان لا يكون المأتى به ـ اولا ـ تمام المأمور به هف.

الثانى ـ انه لو لم يكتف باتيان المأمور به على وجهه فى حصول الامتثال ، واقتضى فعله ثانيا لزم كون الامر للتكرار ، وهو خلاف التحقيق والمفروض.

ويرد عليه ان منكر الدلالة يقول : لا مانع من اقتضائه ـ كما اشرنا ـ

احتج المانع بوجوب اتمام الحج الفاسد فلو كان الامر مقتضيا للاجزاء لكان اتمامه مسقطا للقضاء. وفيه ان القضاء للفائت وهو الحج الصحيح. واتمام الفاسد امر على حده ولا يجب له قضاء.

وبأنه لو كان مسقطا للقضاء لما وجب على من صلى بظن الطهارة ثم انكشف فساده. والجواب ما ذكر. والله الهادى.

«المبحث الخامس عشر في»

«عدم تبعیة القضاء للاداء»

اختلفوا فى ان القضاء تابع للاداء او بفرض جديد.

والحق ان الامر لا يقتضى إلّا الاتيان به فى الوقت ووجوب القضاء يحتاج الى امر جديد.

وبنى العضدى المسألة على ان قولنا : صم يوم الخميس. المركب من شيئين هل المأمور به فيه شيئان فيبقى احدهما بعد انتفاء الآخر او شىء واحد. وقال : «هذا الخلاف مبنى على ان الجنس والفصل متمايزان فى الوجود الخارجى ام لا.

ورده بعض المحققين بأن كونهما شيئين فى الخارج لا ينافى كونه بفرض

٦٠