خلاصة القوانين

الشيخ أحمد الأنصاري

خلاصة القوانين

المؤلف:

الشيخ أحمد الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٤٠

الباب السابع في :

الاجتهاد والتقليد

وفيه مباحث

٢٠١

«معنى الاجتهاد»

«جواز الاجتهاد والتقليد»

الاجتهاد ـ لغة تحمل المشقة و ـ اصطلاحا ـ استفراغ الوسع فى تحصيل الحكم الشرعى الفرعى ممن عرف الادلة واحوالها وكان له قوة قدسية يتمكن بها عن رد الفرع الى الاصل.

وما يحصل منه قد يكون قطعيا وقد يكون ظنيا وكلاهما حجة على المجتهد والمقلد له.

اما الاول فظاهر.

واما الثانى فلانسداد باب العلم غالبا مع بقاء التكليف وعدم دليل على وجوب الاحتياط فلا مناص من العمل به

لكن الاخباريين انكروا الاكتفاء بالظن وحرموا العمل عليه ونفوا الاجتهاد والتقليد ظنا منهم ان باب العلم غير مسند بدعوى ان اخبارنا قطيعة فيجب على كل احد متابعة كلام المعصومين ـ (ع) ـ

وهذا كلام لا يفهمه غيرهم فان دعوى قطيعة اخبارنا ـ مع ان البديهة تنادى بفسادها ـ لا تفيد طائلا مع ظنية دلالتها واختلالاتها واختلافاتها وتعارضها.

ويدل على جواز التقليد ـ مضافا الى البراهين العقلية ـ الآيات والاخبار مثل آية النفر وقوله ـ تعالى ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ..) وقول الصادق ـ (ع) ـ لأبان بن تغلب : «افت ..» او عليكم بفلان وفلان و «خذوا معالم دينكم عن ...» فلان.

٢٠٢

والطريقة المستمرة فى الاعصار السابقة الى زمان الائمة (ع) ـ من رجوع النسوان والعوام الى قول العلماء من دون ان ينقلوا لهم متن الحديث

«المبحث الثاني في»

«التجزي»

اختلفوا فى جواز التجزى فى الاجتهاد.

وتحقيق الحق فيه ان العالم باحكامهم لا ريب ولا شك فى جواز الاخذ منه اذا كان عالما بكل الاحكام او ظانا لها ـ وهو المسمّى بالمجتهد المطلق ـ.

وكذا اذا كان عالما بالبعض على سبيل القطع ـ فى خصوص ما علمه.

واما جوازه عن الظان بها من الطرق الصحيحة على الوجه الذى ظنه المجتهد المطلق ـ وهو المسمى بالمتجزئ ـ وعن الظان ببعضها او كلها من غير جهة الطرق الصحيحة كعالم غير بالغ رتبة الاجتهاد ففيهما خلاف واشكال فهنا مقامان :

الاول ـ هل يجوز الاخذ عن غير المجتهد ام لا.

الثانى ـ هل يصح الرجوع الى المتجزى ام لا : وهل يجوز للمتجزى العمل بظنه ام لا.

مجمل التحقيق :

ان من اوجب الرجوع الى المجتهد ان اراد مطلقا حتى الغافل والجاهل رأسا فهو خروج عن مذهب الامامية وذهاب الى القول بجواز تكليف ما لا يطاق

ومن جواز الرجوع الى غيره ان اراد ذلك مع تفطنه لاحتمال وجوب الاخذ عن المجتهد فهو خروج عن مقتضى الدليل وتقصير فى التكليف اذ لا بد ان يتفحص ويتأمل فى ان ما يعلم ثبوته اجمالا بضرورة الدين ويجب عليه اتيانه وامتثاله من الذى يجب ان يرجع اليه فى تفاصيلها.

فالغافل عن لزوم التأمل فى المرجع كمن يعتقدان احكام الدين هو ما علمه ابوه او أمه ولا يختلج بباله احتمال سواه كالاطفال سيما اطفال العوام بل ونسوانهم

٢٠٣

واكثر رجالهم ـ فهم مندرجون فى عنوان الغافل وتكليف الغافل قبيح والعبادات الصادرة منهم ان وافق (وافقت ـ ظ) الواقع فلا قضاء عليهم لان الامر يقتضى الاجزاء ، وتكليفهم فى هذا الحين ليس إلّا ذلك بل ولو علم عدم مطابقته (مطابقتها ـ ظ) للواقع ـ ايضا ـ لما ذكر.

واما من تفطن وقصر فهو معاقب وان طابق عباداته للواقع. واما القضاء ففيما لم يطابق الواقع وما لم يعلم فيه المطابقة الظاهر وجوبه انما الاشكال فى صورة المطابقة ولا يبعد القول بوجوب القضاء ـ ايضا ـ لعدم صحة قصد التقرب فى هذه العبادة فيكون باطلا.

واما تفصيل الكلام فى المقام الاول :

فالمشهور بين فقهائنا : ان الناس فى غير زمان حضور الامام ـ عليه‌السلام ـ صنفان مجتهد ومقلد له. ومن لم يكن من احد الصنفين فعبادته باطلة ـ وان وافق الواقع.

وذهب جماعة من المتأخرين ـ منهم المحقق الاردبيلى ره الى ثبوت الواسطة ومعذورية الجاهل وصحة عباداته ـ اذا وافقت الواقع ـ

حجة المشهور ان التكاليف باقية بالضرورة ـ وسبيل العلم بها مسدود ولا دليل على العمل بالظن الا ظن المجتهد للاجماع والضرورة والمقلد له للزوم اختلال نظام العالم لو اوجبنا الاجتهاد على الجميع.

وفيه ان وجوب الرجوع الى المجتهد ان اريد بالنسبة الى من تفطن ولم يقصر فطنته على الاكتفاء على من هو دون المجتهد فمسلم ، وان اريد مطلقا فممنوع لان الغافل عن هذا المقدار من وجوب المعرفة ـ كيف يكلف بالرجوع الى المجتهد ومعرفة المجتهد وهل هذا الا التكليف بما لا يطاق.

واحتجوا ـ ايضا ـ بالاخبار الدالة على الرجوع الى العلماء مثل مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها وبمثل قوله ـ تعالى ـ (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)

٢٠٤

وبمثل الاخبار الحاكية ان اصحاب الائمة ـ (ع) ـ اذا كانوا يسألونهم عمن نأخذ معالم ديننا كانوا يقولون عن زرارة او يونس بن عبد الرحمن ـ مثلا ـ ولم يجوزوا الرجوع الى غيرهم بل نهوا عن تقليد العالم المتابع لهواه فضلا عن غير العالم.

وفيه ان نحو هذه خطابات متعلقة بمن يفهم ذلك ويتفطن له. وكون الغافلين والجاهلين الغير المتفطنين لا زيد مما يفعله الناس مخاطبين بهذه الخطابات اول الكلام.

احتج الآخرون بالاصل وصعوبة حصول العلم بالمجتهد وشرائطه وعدالته للاطفال فى اول البلوغ والنسوان بل ولكثير من العوام.

وفيه انهم ان ارادوا بذلك الغافل بالمرة او العاجز عن ادراك ما ذكر ، فهو كما ذكروه لكن يرد عليهم ان تخصيص ذلك بما كان موافقا لنفس الامر لا دليل عليه اذ هؤلاء ليس تكليفهم الا ما فهموه ، ولذا لا يشترط فى صحة صلاة المجتهد موافقة صلاته لنفس الامر ـ ويظهر عدم الفرق عن بعض كلمات بعض هؤلاء ـ ايضا ـ وان كان صريح كلام المحقق الاردبيلى اعتبار الموافقة لنفس الامر.

واحتجوا ـ ايضا ـ بأن المأمور به هو نفس العبادة وكونها مأخوذة من الامام ـ (ع) ـ او من المجتهد غير داخل فى حقيقتها فمتى وجدت فى الخارج يحصل الامتثال.

اقول لا مناص فى صحة العبادة من قصد الامتثال وهو المراد من قصد التقرب ولا يصح قصد الامتثال الا مع معرفة كون ذلك الفعل هو ما امر به الامر فاذا لم يعرف ذلك فكيف يقصد به التقرب.

فان اعتبر هؤلاء مجرد الموافقة ـ وان كان المصلى عالما بوجوب التحصيل ومقصرا فى ذلك ـ فهو باطل لعدم تحقق قصد الامتثال للزوم الجزم بالاطاعة.

وان اعتبروه ـ بشرط ان لا يتفطن المكلف لوجوب التحصيل ـ ففيه ان اعتبار الموافقة هنا لا دليل عليه مع انه لا يظهر ان المراد منه حكم الله الواقعى او ما وافق

٢٠٥

رأى المجتهد الذى فى ذلك البلد او احد المجتهدين وما الدليل على ذلك وحكم المجتهد بعد اطلاعه بالموافقة وعدم الموافقة اى فائدة فيه لما فعله قبل ذلك اللهم إلّا ان يقال : المراد الحكم بلزوم القضاء وعدمه فيتبع رأى المجتهد فيحكم بأنه فات منه الصلاة او لم يفت. وانت خبير بأن الحكم بالفوات وعدم الفوات تابع لكون المكلف مكلفا بشىء ثم فات منه وهو اول الكلام ولزوم القضاء على النائم والناسى للنص.

وبالجملة الفرق بين الموافق للواقع وغيره حينئذ فى الثواب والعقاب وغيرهما خلاف طريقة اهل العدل كما اشار اليه بعض المحققين. قال : ان احد الجاهلين بوجوب معرفة الوقت ان صلى فى الوقت والآخر فى غير الوقت فلا يخلو

ما ان يستحقا العقاب

او لم يستحقا اصلا

او يستحق احدهما دون الآخر.

وعلى الاول يثبت المطلوب.

وعلى الثانى يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا.

وعلى الثالث يلزم خلاف العدل لاستوائهما فى الحركات الاختيارية وانما حصل مصادفة الوقت وعدمه بضرب من الاتفاق وتجويز مدخلية الاتفاق الخارج عن المقدور فى استحقاق المدح او الذم مما هدم بنيانه البرهان وعليه اطباق العدلية فى كل زمان ،

اقول ولا بد من حمل كلام هذا المحقق على صورة العلم بوجوب معرفة الصلاة ـ بشرائطها واركانها ـ مع التقصير فيه.

واما الغافل فلا بد ان يختار فيه الشق الثانى.

احتجوا ـ ايضا ـ بالاخبار الدالة على رفع الكلفة والعقاب عما لا نعلم مثل قولهم ـ (ع) ـ ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ـ ونحو ذلك ـ

٢٠٦

وفيه ان مدلول هذه الاخبار فيما جهلوه اجمالا وتفصيلا مسلم لا غبار عليه واما فيما علم اجمالا وجوب المعرفة فيه فلا لحصول العلم فى الجملة.

ويدل على ذلك ـ ايضا ـ روايات كثيرة مثل ما رواه الشيخ فى الصحيح عن ابى عبيدة الحذاء عن ابى عبد الله عليه‌السلام فى امرأة تزوجت رجلا ولها زوج وما عن يزيد الكناسى عن امرأة تزوجت فى عدتها الى غير ذلك فانها تدل على ان العلم الاجمالى كاف فى التكليف هذا فى الثواب والعقاب.

واما الكلام فى الاعادة والقضاء فهو مسألة فقهية تابعة لمسألة اصولية ويظهر لك حقيقة الحال فيه بما بيناه فى مسألة ان الامر يقتضى الاجزاء ومسألة ان القضاء ليس بتابع للاداء فكلما لم يثبت فيه دليل على الوجوب فالاصل عدمه.

والذى يمكن ان يصير قاعدة فى المقام ـ مع قطع النظر عن الادلة الخاصة هو مثل ما ورد فى صحيحة زرارة عن الباقر ـ (ع) ـ «ومتى ذكرت صلاة فاتتك صليتها». ولكن الاشكال فى معنى الفوت.

واما الصحة والفساد المترتبان على المعاملات والاسباب الشرعية ـ كالعقود والجنايات ـ فنقول بترتب الآثار على الاسباب وان لم يكن المكلف عالما بترتبها ونحو ذلك.

واما تفصيل الكلام فى المقام الثانى فهو ان المشهور جواز التجزى فى الاجتهاد وهو الاقوى.

احتجوا بانه اذا اطلع على دليل مسالة بالاستقصاء فقد ساوى المجتهد المطلق ـ فى تلك المسألة ـ وعدم علمه بادلة غيرها لا مدخل له فيها ، فكما جاز لذلك الاجتهاد فيها فكذا هذا.

واعترض بأن ذلك قياس غير جائز لعدم النص بالعلية ولا القطع لاحتمال كونها القدرة الكاملة بل هو اقرب الى الاعتبار لكونها ابعد من الخطاء.

وفيه ان ذلك ليس بقياس فانا نقول بعد انسداد باب العلم بالاحكام

٢٠٧

الشرعية لا مناص عن العمل بالظن ، فكما ان المجتهد المطلق يعمل بظنه لذلك ، فكذا هذا فمآل الاستدلال ان الدليل العقلى القائم على عمل المجتهد المطلق بظنه قائم فيما نحن فيه.

والقول بأن فهم المجتهد فى الكل ابعد من الخطاء عن فهم المتجزى.

ان اريد منه بالنسبة الى مجموع المسائل فهو كذلك ولا كلام لنا فيه.

وان اريد بالنسبة الى ما فرض كون المتجزى مستقلا فيه محيطا بمداركه فكلا.

وان اريد ان كثرة الاعتماد على قوة المطلق ـ من جهة الغلبة ـ يوجب ترجيح تقليده على تقليد المتجزى فهو كلام آخر ـ لا نمنعه بين المطلقين المتفاوتين فى العلم فكيف بالمتجزئ والمطلق ـ ولا دخل له بما نحن فيه.

مع انا نقول : كما ان العمل بالظن حرام ، التقليد ـ ايضا ـ حرام فاذا نفيتم جواز عمل المتجزى بظنه فكيف جوزتم له التقليد فان قلتم : الاجماع وقع على جواز تقليد المجتهد المطلق ولم يقع على جواز عمل المتجزى بظنه. قلنا : الاجماع على وجوب تقليده حتى على المتجزى اول الكلام ، كيف والمشهور جواز التجزى فغاية الامر تساوى الاحتمالين والتخيير وهو ـ ايضا ـ يقتضى جواز التجزى. واحتمال الاحتياط ضعيف لا دليل عليه.

واذا ثبت الجواز ثبت التعيين بعدم القول بالفصل وانه ترك للتقليد واخذ من المدارك ـ نفسها ـ وموافقة لعمومات وجوب العمل بالآيات والاخبار.

ويدل على جواز التجزى ـ ايضا ـ مشهورة ابى خديجة عن الصادق عليه‌السلام حيث قال : ... «انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا فانى قد جعلته عليكم قاضيا فتحاكموا اليه». واعترض بان العلم بشىء من القضايا ان اريد به ما يشمل الظن المعلوم الحجية فالمنكر للتجزى يدعى انه لا يحصل إلّا لمن احاط بمدارك جميع المسائل فالعلم بشىء من القضايا لا ينفك عن المجتهد المطلق

٢٠٨

وان اريد به العلم الحقيقى فموضع النزاع انما هو ظن المتجزى ـ لا علمه ـ وفيه انه يمكن حمل العلم فى الرواية على ما يشمل الظن. والقول بعدم حصوله للمتجزى خلاف المفروض.

«المبحث الثالث في»

«التقليد»

التقليد ـ لغة تعليق القلادة. واصطلاحا هو الاخذ بقول الغير

والمشهور بين علمائنا ـ المدعى عليه الاجماع ـ انه يجوز لمن لم يبلغ رتبة الاجتهاد التقليد ـ بمعنى انه لا يجب على كل مكلف الاجتهاد عينا ـ وهو الحق.

للاجماع المعلوم والمدعى فى كلماتهم ـ من الخاصة والعامة ـ وعموم قوله ـ تعالى ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وكل ما دل من الاخبار على جواز الاخذ من العلماء وهو كثير ولزوم العسر والحرج الشديد بل اختلال نظام العالم

واما المجتهد فلا يجوز له تقليد غيره من المجتهدين ـ اجماعا ـ اذا اجتهد فى المسألة.

واما قبل الاجتهاد فى المسألة ففيها اقوال :

(ثالثها) ـ التفصيل بتضييق الوقت وعدمه.

دليل المجوز عموم قوله ـ تعالى ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ...) وفيه ان المجتهد فى غير حال الضيق ليس ممن لا يعلم بل الظاهر انه من اهل الذكر والعلم.

دليل المانع وجوب العمل بظنه اذا كان له طريق اليه اجماعا خرج العامى بالدليل وبقى الباقى. وفيه منع الاجماع فيما نحن فيه ومنع التمكن من الظن مع ضيق الوقت.

فظهر ان الاقوى الجواز مع التضيق وعدم الجواز فى غيره

٢٠٩

«المبحث الرابع في»

«عدم جواز التقليد في اصول الدين»

المشهور عدم جواز التقليد فى اصول الدين وقيل بجوازه.

وهذه المسألة من المشكلات فلنقدم ما يظهر به محل النزاع فنقول :

قولنا : يجوز التقليد فى الاصول.

ان كان معناه يجوز الاخذ بقول الغير فى الاصول ـ كما هو كذلك فى الفروع ـ فيشكل بان المعيار فى الاصول الاذعان والاعتقاد وجواز الاذعان بقول الغير مما لا محصل له اذ ليس من الامور الاختيارية حتى يصير موردا للتكليف فلا بد ان يتكلف ويراد بالاخذ بقول الغير : العمل على مقتضاه ، فمن يقلد المجتهد الذى يقول بنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله معنى تقليده ان يعمل على شريعته ويتبع سنته وان لم يحصل له اذعان بحقيقته بالخصوص وان كان قد يحصل له الظن الاجمالى الذى بسببه يعتمد على هذا المجتهد.

وان كان معناه يجوز العمل بالجزم المطابق للواقع الغير الثابت كما هو مصطلح ارباب المعقول فيئول النزاع فيه الى انه هل يجب عليه اقامة الدليل المفيد للثبوت على مقتضى جزمه ام لا.

واذ عرفت ان العلم ليس من الامور الاختيارية فمن يقول بوجوب تحصيل القطع فى الاصول لا بد ان يريد من ذلك وجوب النظر فيرجع القول بوجوب تحصيل العلم ووجوب النظر حتى يحصل العلم باطلاقه ـ الى دعوى ان مسائل الاصول ـ كلها ـ مما ينتهى النظر فى ادلتها الى العلم فمن لم يحصل له لم يؤد النظر حقه ولم يخل نفسه عن الشوائب وهو ـ فى المسائل الخلافية فى غاية الصعوبة.

ودعوى كون كل محق ـ فى نفس الامر ـ مؤديا نظره حق النظر وكل مبطل مقصرا فى غاية الاشكال ومجرد الموافقة لنفس الامر والمخالفة بمحض الاتفاق لا يوجب الفرق كما لا يخفى.

٢١٠

والقول بان المطلوب اذا كان واحدا فى الاصول يجب على الله تعالى ـ نصب الدليل عليه وإلّا لزم الظلم واللغو والعبث فمن لم يصبه فقد قصر انما يتم اذا ثبت وجوب اصابة الحق والواقع فى نفس الامر والمسلم انما هو اصابة الحق فى نظره مع عدم التقصير والتفريط.

وما ذهب اليه جمهور العلماء من ان المصيب فى العقليات واحد وغيره مخطئ آثم ـ لو سلمناه ـ فانما نسلمه فى المجتهدين الكاملين المتنبهين للادلة لا مطلق المكلفين.

نعم لو فصل احد وقال بذلك فى وجود الصانع فى الجملة او ذلك مع وحدانيته او ذلك مع اصل النبوة او ذلك مع اصل المعاد لم يكن بعيدا.

اما مثل عينية الصفات وحدوث العالم وكيفيات المعاد وغير ذلك فلا اللهم الا ما ثبت بالنص الضرورى.

ولا يذهب عليك ان ما ذكرته لا ينافى افادة ادلة نبوة نبينا ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ اليقين لنا وكذا إمامة الائمة (ع) لانى اقول لا يجب افادة اليقين لكل احد وكل زمان لا انها لا تفيد اليقين.

ان قلت ما ذكرته من التفصيل خرق للاجماع.

قلت لا معنى لدعوى الاجماع فى المقام اذ نحن ـ مع قطع النظر عن الشرع ـ فى صدد بيان اثبات الشرع.

ثم ان تحصيل العقائد الاصولية يتصور على صور ثلاث.

الاولى : ما يحصل بالنظر فى الدليل.

الثانية : ما يحصل بالتقليد ـ نظير ما يحصل فى الفروع ـ

الثالثة : ما يحصل بالتقليد مع حصول الجزم بها.

والظاهر ان كلمات الاصوليين فى الاوليين وان مرادهم بالتقليد تقليد المجتهد الكامل ـ نظير التقليد فى الفروع ـ لا مجرد الاخذ بقول الغير وان لم يكن مجتهدا

٢١١

وهذا مختص بالذى حصل له العلم بان اللازم على المكلف اما الاجتهاد او التقليد.

واما الثالثة فان امكن حصول الجزم من تقليد المجتهد لهؤلاء المتفطنين لان تكليفهم احد الامرين ـ فهو ـ نظر واجتهاد يرجع الى القسم الاول ولكن حصول الجزم نادر.

واما الجزم الحاصل لغير هؤلاء من تقليد غير المجتهدين مثل الجزم الحاصل للاطفال والنساء والعوام الناشئ عن قول آبائهم وامهاتهم واساتيدهم فخارج عن مطرح انظارهم فى هذا المقام لانهم يقولون بجواز التقليد فى الفروع ولا يجوز فى الاصول وموضوع المسألة واحد.

فظهر ان محل النزاع ما اذا حصل الخوف من جهة تفطنه لوجوب شكر المنعم.

والحق مع جمهور علمائنا من وجوب النظر حتى يحصل القطع لعدم زوال الخوف للنفس من المضرة إلّا بذلك وما لا يتم الواجب الا به واجب واذا لم يقدر على تحصيل القطع يكتفى بالظن للزوم التكليف بالمحال لولاه.

واما لزوم تحصيل اليقين ـ بمعنى الجزم الثابت المطابق للواقع ـ مطلقا ففى غاية العبد.

اذا تمهد هذا فنقول :

هنا مقامات :

الاول : هل يجب معرفة الله ـ تعالى ـ.

الثانى : ان الوجوب على فرض ثبوته عقلى او شرعى.

الثالث : هل يكفى فى المعرفة التقليد او يجب الاجتهاد.

المقام الاول يستغنى عنه بالبحث فى المقام الثانى.

اما المقام الثانى فهو ان الامامية والمعتزلة والحكماء يقولون بوجوبه عقلا و

٢١٢

طريق اثباته :

ان كل عاقل يراجع نفسه يرى ان عليه نعماء ظاهرة وباطنة جسمية وروحانية مما لا يحصى ولا شك انها من غيره فهذا العاقل ان لم يلتفت الى منعمه ولم يعترف له باحسان ولم يذعن بكونه منعما ولم يتقرب الى مرضاته يذمه العقلاء ويستحسنون سلب تلك النعم عنه. وهذا معنى الوجوب العقلى.

وايضا اذا رأى نفسه مستغرقة بالنعم العظام يجوز ان المنعم بها قد اراد منه الشكر عليها وان لم يشكر يسلبها عنه ، فيحصل له خوف العقوبة ـ ولا اقل من سلب تلك النعم ـ ودفع الخوف عن النفس واجب مع القدرة وهو ـ قادر ـ فلو تركه كان مستحقا للذم فاذا ثبت وجوب شكر المنعم ووجوب إزالة الخوف عن النفس وهو لا يتم إلّا بمعرفة المنعم وجب معرفة الله تعالى عقلا.

والدليل الى هنا يثبت وجوب معرفة المنعم.

اما كيفية تحصيل تلك المعرفة وهو الكلام فى المقام الثالث فتقرير الدليل

ان المعرفة انما تتم بالنظر لان التقليد لا يفيد إلّا الظن وهو لا يزيل الخوف وما لا يتم الواجب الا به واجب فالنظر واجب.

واحتج الموجبون للنظر ـ ايضا ـ بالادلة الشرعية وهو من وجوه : الاول الآيات الواردة فى المنع عن التقليد عموما مثل ما دل على حرمة العمل بالظن والقول من غير علم مثل قوله ـ تعالى ـ (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) و (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وقوله ـ تعالى ـ (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ونحو ذلك وخصوصا مثل قوله ـ تعالى ـ (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) اقول : اكثر (هذه الآيات) واردة فى المتعنت المعاند الذى ظهر عليه الحق وتركه تعنتا او اقيم عليه الحجة وكان يقصر فى النظر ولا تدل على ان الذى حصل له الاطمينان والذى حصل له الظن ولا يمكنه تحصيل ازيد منه معاقب على ذلك.

٢١٣

ثم انها لا تدل على اشتراط العلم بمعنى اليقين المصطلح.

ودعوى انه حقيقة فيه عرفا ولغة ممنوعة بل القدر المسلم من العرف واللغة هو الجزم وعدم التزلزل.

الثانى قوله ـ تعالى ـ : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ). والجواب ان ظاهر الآية وملاحظة شأنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ووقت نزول الآية ـ كلها ـ شاهد على ان المراد اذا عرفت حال المؤمنين وحال غيرهم فاثبت على ما انت عليه من التوحيد

ثم ان الامر بالعلم ليس معناه حصل العلم حتى يقال انه امر بشىء لا يتم إلّا بالنظر فيجب من باب المقدمة بل هو اثبات العلم وايجاد له بهذا القول فكما ان معلم الكتاب يقول للاطفال : اعلم ان الالف كذا والباء كذا فكذلك قوله ـ تعالى ـ لنبيه (ص) اعلم يفيد العلم بالتوحيد له.

الثالث ـ انعقاد الاجماع من المسلمين على وجوب العلم باصول الدين وممن صرح به العضدى والعلامة وغيرهما.

ويرد عليه ان دعوى الاجماع على وجوب العلم بكل المعارف ولقاطبة المكلفين ممنوعة. اولا ـ لانه لا يمكن تحصيل العلم فى كثير منها ويستلزم العسر والحرج المنفيين.

و ـ ثانيا ـ ان الظاهر من كلام جماعة كفاية الظن وهو المستفاد من كلام المحقق الطوسى والمولى المقدس الاردبيلى وهو الظاهر من شيخنا البهائى.

وممن صرح بكفاية الظن العلامة المجلسى وغيره مع ان العلامة قال فيه ان الاخباريين من الامامية كان عملهم فى اصول الدين وفروعه على اخبار الآحاد ولا ريب ان اخبار الآحاد لا تفيد إلّا الظن فكيف يدعى اجماع العلماء على وجوب تحصيل العلم.

الرابع الاخبار الدالة على ان الايمان هو ما استقر فى القلب وفيه انه يكفى فى صدق الاستقرار عدم التزلزل والاطمينان :

٢١٤

«تتميم»

المراد باصول الدين اجزاء الايمان وهو عندنا خمسة.

الاول : المعرفة بوجود البارى الواجب بالذات المستجمع لجميع الكمالات المنزه عن النقائص ويندرج فى ذلك العدل فلا حاجة الى افراده.

الثانى : التصديق بنبوة نبينا ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وما جاء به تفصيلا فيما علم به بالتفصيل واجمالا فيما علم به اجمالا.

الثالث : المعاد. ويمكن ادراجه فيما جاء به النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ خصوصا الجسمانى وان قلنا بحكم العقل بثبوته فى الجملة كما هو الظاهر الواضح لكن الشارع صادع لجسمانيته بالبديهة.

الرابع : الاذعان بأمامة الائمة الاثنى عشر ـ عليهم‌السلام ـ

ثم انهم جعلوا وجوب الاذعان بضروريات الدين من اجزاء الايمان وانكاره كفرا. ولا حاجة الى ذلك بعد جعل الاذعان بما جاء به النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ واجبا اذا الدليل على حقية النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وصدقه هو الدليل على حقية ما علم انه مما جاء به.

نعم هنا دقيقة لا بد ان ينبه عليها وهو :

ان ضرورى الدين قد يختلف باعتبار المذهب فيشتبه ضرورى الدين بضرورى المذهب كما لو صار عند الشيعة وجوب المسح ضروريا عن النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فانكاره من الشيعة انكار لضرورى الدين بخلاف مخالفيهم.

«المبحث الخامس في»

«التخطئة والتصويب»

اختلف العلماء فى ان كل مجتهد مصيب ام لا فى العقليات.

٢١٥

الجمهور على ان المصيب فيها واحد وان النافى للاسلام مخطئ آثم كافر اجتهد ام لم يجتهد.

وخالف فى ذلك الجاحظ حيث قال : انه لا اثم على المجتهد وان اخطأ لانه لم يقصر بالفرض.

احتج الجمهور بان الله تعالى ـ كلف فيها بالعلم ونصب عليه دليلا فالمخطئ له آثم مقصر فيبقى فى العهدة.

وقد يستدل بقوله ـ تعالى ـ (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا). فاليهودى اذا جاهد فى الله يهتدى الى الاسلام فاذا لم يهتد يظهر انه مقصر.

واحتجوا ـ ايضا ـ بإجماع المسلمين على قتال الكفار وعلى انهم من اهل النار وانهم كانوا يدعونهم بذلك الى النجاة ولا يفرقون بين معاند ومجتهد وخال عنهما.

واما حجة الجاحظ فما مر من انه غير مقصر.

وقد يستدل ـ ايضا ـ بأن تكليفهم بنقيض اجتهادهم تكليف ما لا يطاق فان المقدور انما هو النظر وترتيب المقدمتين واما الاعتقاد بالنتيجة فهو اضطرارى لا يمكن التكليف بخلافه.

وهذا الاستدلال ضعيف فان التكليف بما لا يطاق اذا نشأ من سوء الاختيار الحاصل هنا بالتقصير ـ على فرض التقصير ـ لم يثبت استحالته.

هذا حال العقائد التكليفية العقلية ، الاصلية والفرعية كقبح الظلم والعدوان ووجوب رد الوديعة واداء الدين واستحباب التفضل والاحسان التى يستقل بها العقل.

واما الفرعية الشرعية كالعبادات والمعاملات فقالوا : ان كان عليها دليل قاطع فالمصيب فيها ـ ايضا ـ واحد والمخطئ غير معذور.

والظاهر ان مرادهم ان يكون على المسألة دليل قطعى بحيث لو تفحصه

٢١٦

المجتهد لوجده جزما فعدم الوصول اليه كاشف من تقصيره. وهو كذلك لو كان كذلك.

واما فيما لم يكن عليه دليل قطعى فبعد استفراغ الفقيه وسعه لا اثم عليه ـ وان اخطأ ـ بلا خلاف الا من بعض العامة.

لكنهم اختلفوا فى التخطئة والتصويب فقيل.

ان لله ـ تعالى ـ فى كل مسألة حكما واحدا معينا والمصيب واحد.

وهذا هو مختار اصحابنا ـ على ما نسب اليهم العلامة فى يه والشهيد الثانى فى التمهيد وغيرهما. وهو الحق.

لاصالة عدم التعدد والاجماع المنقول المستفيض وشيوع تخطئة السلف بعضهم بعضا من غير نكير ، والآيات الدالة على ثبوت حكم خاص لكل شىء فى نفس الامر مثل قوله تعالى ... (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ) الآيات الثلاث و... (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) و... (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) فان حكم الشىء قبل الاجتهاد مما يحتاج اليه فلا بد من بيانه فى الكتاب والسنة ، وما ورد عن النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ انه قال اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله اجران وان اخطأ فله اجر واحد. قال بعض الاصحاب : وهذا وان كان خبرا واحدا إلّا ان الامة تلقته بالقبول ولم نجد له رادا ، والاخبار الدالة على ان لله ـ تعالى ـ فى كل واقعة حكما حتى ارش الخدش ولا يبعد تواترها وخصوص قول امير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ فى نهج البلاغة فى ذم اختلاف العلماء فى الفتيا.

وقد يستدل على التخطئة بلزوم بطلان التصويب من صحته.

لان القائلين بالتخطئة يغلطون التصويب وعلى التصويب فهذا الاجتهاد صحيح فيكون التصويب باطلا.

٢١٧

«المبحث السادس في»

«ما يتوقف عليه الاجتهاد»

يتوقف تحقق الاجتهاد على امور :

الاول والثانى والثالث العلم بلغة العرب والنحو والصرف فان الكتاب العزيز والحديث عربيان ويعرف اصل مفردات الكلام من اللغة وتصاريفها الموجبة لتغيير معانيها من الصرف ومعانيها التركيبية الحاصلة من تركيب العوامل اللفظية والمعنوية مع المعمولات من النحو ،

الرابع ـ علم الكلام لان المجتهد يبحث عن كيفية التكليف وهو مسبوق بالبحث عن معرفة نفس التكليف والمكلف.

والتحقيق ان المعارف الخمسة واليقين بها لا دخل له فى حقيقة الفقه نعم هو شرط لجواز العمل بفقهه وتقليده. ويمكن ان يقال : ان معرفة ان الحكيم لا يفعل القبيح ولا يكلف بما لا يطاق يتوقف عليه الفقه وهو مبين فى علم الكلام.

الخامس ـ معرفة المنطق لان استنباط المسائل من المأخذ يحتاج الى الاستدلال وهو لا يتم إلّا بالمنطق.

السادس ـ معرفة اصول الفقه وهو اهم العلوم للمجتهد ولا بد ان يكون على سبيل الاجتهاد. ووجه توقف الاجتهاد. والفقه عليه لا يخفى على من له ادنى تأمل.

السابع ـ العلم بتفسير آيات الاحكام ومواقعها ، من القرآن او الكتب الاستدلالية بحيث يتمكن منها حين يريد.

الثامن ـ العلم بالاحاديث المتعلقة بالاحكام ـ سواء حفظها ام كان عنده من الاصول المصححة ما يرجع اليها عند الاحتياج وعرف مواقع ابوابها ،

التاسع ـ العلم باحوال الرواة من التعديل والجرح ولو بالرجوع الى كتب الرجال.

٢١٨

العاشر ـ ان يكون عالما بمواقع الاجماع ليحترز عن مخالفته وهو مما لا يمكن فى امثال زماننا غالبا ـ الا بمزاولة الكتب الفقهية الاستدلالية بل متون الفقه ـ ايضا ـ.

الحادي عشر ـ ان يكون له ملكة قوية وطبيعة مستقيمة يتمكن بها من رد الفروع الى الاصول وارجاع الجزئيات الى الكليات.

ثم ان تحقق هذه الملكة واستقامتها وجواز الاعتماد عليها ـ كما ذكره بعض المحققين ـ يستدعى امورا :

منها عدم اعوجاج السليقة.

ومنها ـ ان لا يكون جربزيا لا يقف ذهنه على شىء ولا بليدا لا يتفطن بالدقائق ويميل الى كل ناطق ، وان يكون فطنا حاذقا.

ومنها ان لا يكون جريا فى الفتوى غاية الجرأة ولا مفرطا فى الاحتياط فان الاول يهدم المذهب والدين والثانى لا يهدى الى سواء الطريق ولا يقضى حوائج المسلمين.

ومنها ان لا يكثر من التوجيه والتأويل ولا يعود نفسه بذلك.

ومنها ان لا يكون بحاثا يحب البحث.

ومنها ان لا يكون مستبدا بالرأى فى حال قصوره بل فى حال كماله ـ ايضا ـ

(المبحث السابع في)

«شرائط المفتي»

يشترط فى المفتى الذى يرجع اليه المقلد ـ بعد الاجتهاد ـ ان يكون مؤمنا عدلا اجماعا.

ويشترط فى صحة رجوع المقلد اليه علمه بكونه جامع شرائط الافتاء بالمخالطة المطلعة على حاله او بأخبار جماعة تفيد العلم. قيل او بشهادة عادلين. وذهب العلامة ره فى التهذيب الى كفاية الظن. وقال المحقق : لا يكفى بل لا بد ان

٢١٩

يعلم منه الاتصاف بالشرائط المعتبرة.

والاقوى كفاية الظن مطلقا للاصل ولزوم العسر والحرج غالبا.

ثم ان الكلام مع اتحاد المفتى واضح ومع التعدد.

فان تساووا فى العلم والورع ـ اتفقوا فى الفتوى او اختلفوا ـ فهو مخير فى تقليد ايهم شاء لعدم المرجح.

وان كان بعضهم اعلم واورع من غيره فالمعروف من مذهب اصحابنا ـ بل ذكر بعضهم انه لا خلاف فيه ـ انه يقدم على غيره لانه اقوى وارجح واتباعه اولى واحق.

اقول ان ثبت الاجماع على مختار الاصحاب فهو وإلّا فالاعتماد على هذا الظهور والرجحان مشكل.

وان كان احدهما اورع والآخر اعلم فقيل يقدم الاعلم لان الورع المعتبر فى العدالة يكفى فى اجتهاد الاعلم ولا يحتاج الى الزيادة التى فى الاورع وقيل يقدم الاورع ويمكن الاستدلال له بان زيادة الورع توجب تحمل المشقة فى استفراغ الوسع ازيد مما هو دون الوسع وذلك قد يوجب ادراك بعض ما لا يدركه الاعلم لكون استفراغ وسعه اقل منه.

«المبحث الثامن في»

«بناء الفتوى على الاجتهاد السابق»

اختلفوا فى جواز بناء المجتهد فى الفتوى على الاجتهاد السابق على اقوال :

ثالثها العدم إلّا اذا تذكر دليل المسألة ومأخذها.

للاول ـ الاستصحاب واصالة عدم الوجوب

وللثانى ـ احتمال تغير الرأى بالنظر فلا يبقى الظن

وللثالث ـ كون المسألة مربوطة بدليلها :

٢٢٠