خلاصة الأصول

غلامحسين التبريزي

خلاصة الأصول

المؤلف:

غلامحسين التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٣٦

هاشميا فأضاف عالما هاشميا مكرما بإضافته ونظيره أن يقول من صلى بين المغرب والعشاء ركعتين وقرأ في أولاهما وذا النون إلخ وفي الثانية آية وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلخ وقرأ في قنوته اللهم إني أسألك إلخ وسأل حاجته قضى الله حاجته وغفر له فمن صلى نافلة المغرب بهذا المنوال فقد أتى بالوظيفتين لصدق العوانين نعم يجوز له أن يفرقهما

المقصد الثاني قد عرفت أن الحجة لا تتم إلا بالبيان الذي يكون الأغلب باللسان بالنحو الذي يستفاد منه عند أهل اللسان حتى يعرفه كل من هو من أهله ومن البديهي أن إثبات الحكم لموصوف لا يدل على نفيه لغيره حتى يكون للوصف مفهوم وبذلك يكون حجة فمعنى قولهم أن مفهوم الوصف ليس بحجة أنه ليس للوصف مفهوم عند أهل العرف واللغة حتى يكون حجة وكذا أن مفهوم اللقب ليس بحجة لأنه ليس للقب مفهوم عند أهل العرف واللغة نعم قد يكون في تعليق الحكم بالوصف إشعارا بالعلة ولكن الإشعار ليس بيانا تتم به الحجة إلا أن يكون هناك قرينة تدل عليه فيتبع مدلول القرينة كيف ما دلت عليه القرينة ومن قبيل ذلك مفهوم العدد فإنه لا مفهوم لها إلا ما ورد في مقام التحديدات [١]

المقصد الثالث قد يكون عند أهل كل لسان حكم

__________________

[١] فإن التحديد بنفسه قرينة على أن العدد المذكور في هذا المقام له مفهوم ومفاد ضرورة على أن العدد المحدود في الواقع لو كان أقل أو أكثر ولم يذكر في الكلام لكان التحديد به لغوا بل كذبا فمعنى التحديد به إن الحد منحصر به

٤١

علق على الأدنى ليستفاد منه حكم الأعلى بطريق أولى ويعبر عنه بمفهوم الموافقة كأن يقول الفارسي لولده (فلانى را به گوشه چشمت توهين مكن وفلانى را با كوچكترين لفظى مرنجان) والعربي يقول لا تقل لفلان أف ولا تنظر إليه نظرة توهين ويستفاد من جميع ذلك أن المقصود منه عدم تحقيره وتوهينه وإيذائه بكل أنواع التوهينات وتتم بذلك الحجة لكونه بيانا عند العقلاء وأهل اللسان ونظير ذلك في الشرع قوله تعالى ولا تقل لهما أف وفي الحديث لو كانت كلمة أدنى من كلمة أف في مقام الإيذاء لنهى الله عنه انتهى وقد نقلناه لمضمونه وليس من مفهوم الموافقة ما استنبط العلة ويعبر عنها بالمناط القطعي من دون أن تكون عليه دلالة لفظية أو قرينة حالية ثم قيس على ما نص ما لم ينص بأولوية قطعية عند القائس فإن ذلك من القياس المنهي عنه في الأخبار الشريفة ففي رواية أبان بن تغلب من الصادق عليه‌السلام قال قلت قطع إصبعين قال عليه‌السلام عشرون قلت قطع ثلاثا قال ثلاثون قلت قطع أربعا قال عشرون قلت سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعا فيكون عشرون كان يبلغنا هذا ونحن بالعراق فقلنا إن الذي جاء به الشيطان قال عليه‌السلام مهلا يا أبان هذا حكم رسول الله إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغ الثلث رجع إلى النصف يا أبان إنك أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست محق الدين لا يخفى عليك أن أبان بن تغلب الذي كان من علماء الشيعة وكبرائهم قد رد الرواية الحقة الصادقة بمخالفتها للأولوية القطعية عنده وحكم بخلافها لموافقته لها في نظره ولكن

٤٢

الصادق عليه‌السلام أبطل ما زعمه وجعله من القياس وهكذا جعل الأولوية القطعية بزعم القائس من القياس المنهي عنه في الأخبار الواردة في مقايسة إبليس وأنه أول من قاس نعم قد يصرح بالعلة ويستفاد منها عرفا أن الحكم يدور مدارها فيعم الحكم ويخصص فيقال مثلا لا تأكل الرمان لأنه حامض فإنه يستفاد منه أن العلة والمناط هي الحموضة فيعم كل حامض ويخص الحكم أيضا بالرمان الحامض لا الرمان الحلو وهذا النحو من الاستفادة أيضا من الاستفادة اللفظية بمقتضى الفطرة الارتكازية ومقتضى المفهوم اللغوي نعم لو استنبط العلة وحكم عليها بالحدس وجعل اسمها المناط القطعي لكان من القياس في الدين ولو فرض حجتيها في بعض الأحيان لكان ذلك بالنسبة إلى قاطعها لا على غيره ممن يقلده لعدم شمول أدلة التقليد له.

المقصد الرابع لا ريب أن كل الناس وجميع العقلاء من جميع الملل والأقوام لهم في مقاصدهم غايات وفي أحكامهم العرفية والمولوية نهايات يفهمونها بألسنتهم مع اختلاف لغاتهم بحروفها الدالة عليها واللغة العربية أيضا من هذه اللغات التي جعل الله من آياته في الآية الشريفة ومن آياته اختلاف ألسنتكم إلخ لا فرق بينها وبين هذه اللغات على كثرتها إلا في الألفاظ والأدوات وكل الناس بفطرتهم حتى الأطفال المميزين يفهمون من مفهوم هذه الأدوات أن ما بعد الغاية غير المغيا في الحكم والمقصد إلا أن يدل دليل آخر على خلاف ظاهره وقد يريد المولى أن يشتغل العبد بفعل إلى الليل مثلا ولكن يريد أن لا يكون في

٤٣

نظره شاقا فيقول له افعل إلى الظهر فإذا اشتغل إلى الظهر فبعده يقول اشتغل إلى الليل وهكذا قد يريد الأمراء أن يسوقوا الجيوش إلى مكان معين في نظرهم ولكن نظرياتهم تقتضي أن لا يفهمونهم فيأمرونهم أن يسيروا إلى مكان قريب وبعد ما ساروا إليه يأمرونهم إلى مكان آخر حتى يوصلوهم إلى مقاصدهم ولكن كل هذه لمصالح تقتضيها والقرائن تدل عليها فاتضح مما بيناه أن حروف الغاية لها مفاهيم تدل عليها ما لم يكن قرينة على خلافها.

القصد الخامس في الاستثناء لا شك أنك إذا قلت لولدك لا تشتر اللحم إلا من عمرو يفهم ولدك المميز بطبعه السليم أنك نهيته من شراء اللحم من كل أحد وأجزت له شراءه من عمرو فيفهم من الاستثناء من النهي والنفي إجازته وإثباته للمستثنى وكذا إذا قلت اشتر اللحم من كل أحد إلا من عمرو يفهم أنك أجزت له الشراء من كل أحد ما سوى عمر وفيفهم من الاستثناء من الأمر والإثبات النهي والنفي من المستثنى وقول أبي حنيفة بخلاف ذلك لا يوافق الذوق الصحيح والطبع السليم والاستناد في ذلك إلى قوله عليه‌السلام لا صلاة إلا بطهور وأمثال ذلك سفسطة لأن من المعلوم أن المقصود أن الصلاة إذا تمت جميع أجزائها وشرائطها ولم تكن واجدة للطهور لا تصح ومعه تصح فحينئذ تقيد الاستثناء من النفي إثباتا.

تنبيه قد أشكلوا في كيفية إفادة كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) التوحيد الحقيقي بأنه إن كان الاستثناء من نفي الوجود فيفيد إثبات الوجود ولا يفيد نفي إمكان غيره تعالى وإن كان الاستثناء من نفي الإمكان

٤٤

فلا يفيد إثبات الوجود له تعالى ولكن الإشكال في غير محله لأن هذه الكلمة المقدسة في قبال المشركين الذين يعبدون من دون الله آلهة فهو في مقام نفي الوجود المعبود الحق لكل معبود سواه نعم نفي الوجود لكل معبود عند العقلاء مستلزم لنفي الإمكان لأنه إن كان جائزا وجوده وجب وجوده لأن الله لا يكون إلا واجب الوجود الغني بالذات وكل معبود سواه باطل فنفي وجود إله غيره مستلزم لنفي إمكانه

تنبيه آخر في مفهوم أنما وبل والمسند إليه والمعرف باللام وخلاصة القول فيها أنها قد تفيد الحصر ولكنها ليست في أنفسها ظاهرة في ذلك بل تفيده بمعونة القرائن ولا إشكال في ذلك إذا دلت القرائن الواضحة وبدونها لا تتم الحجة ولا يحصل به البيان والله العالم

البحث في العام والخاص

٣١ ـ فصل في العام والخاص وفيه مباحث

المبحث الأول لا ريب أن في كل لغة من لغات العالم التي علمها الله تعالى لبني آدم ليصلحوا أمورهم ويشكروا ربهم ويظهروا ما في ضمائرهم بمقتضيات حاجاتهم ألفاظ عموم وألفاظ خصوص يعرفها كل ذي لغة كما يعرفون سائر ألفاظهم من كبيرهم إلى صغيرهم وقرويهم وبدويهم ولا فرق إلا في ألفاظها مثلا لفظ العموم في اللغة العربية كل وفي الفارسية (همه) وفي التركي (هامو) فاستدلال بعضهم على أن هذه الألفاظ أنما وضعت للخصوص وإن استعمل في العموم فعلى طريق المجاز بأن الخصوص هو المتيقن أو بأنه أكثر استعمالا من العموم حتى قيل ما من

٤٥

عام إلا وقد خص فلو قيل إنها وضعت للعموم للزم التجوز في أكثر الاستعمالات فقلنا بأنها وضعت للخصوص تقليلا للمجاز سفسطة من قدماء الأصوليين واستناد في اللغة إلى الاجتهادات الباردة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

ثم إن معنى العام والخاص لمن عرف اللغة وتفسيرها اللفظي لا يحتاج إليه لأنه ليس لفظ أوضح معنى في اللغة منهما حتى يفسرهما وليس المقام مقام بيان الماهية (ويزيدك وضوحا ما في كتب المنطقيين ومن جملتها اللئالئ للسبزواري قال فيه ومن ثم ما في بدو تعليم شرح للاسم) وليس شرحا الحقيقة حتى يحتاج إلى تعريف الماهية بجنسها وفصلها جامعا للأفراد ومانعا للأغيار حتى يكون محلا للنقض والإبرام.

المبحث الثاني قد تتعلق الأغراض العقلائية وتحصل المقاصد بالعموم البدلي كأن يقول أحد منهم لغلامه أو لخادمه أعط واحدا من كل المتعلمين دينارا فيحصل الامتثال بإعطاء واحد من جميع من كان متعلما دينارا وقد لا تحصل المقصود إلا بإعطاء مجموعهم من حيث المجموع فيقول أضف جميعهم وكلهم بحيث لا يتخلف واحد منهم فإن نقض واحد منهم لم يحصل الضيافة من العبد ويسمى ذلك بالعام المجموعي وقد تتعلق بكل فرد فرد منهم ويكون إعطاء كل منهم دينارا تكليفا مستقلا فيقول أعط كل واحد من المحصلين دينارا فكل من أعطى له فقد امتثل في حقه ويسمى هذا بالعموم الأفرادي ولكن هذه كلها ليست

٤٦

تغييرا في معنى اللفظ بل لفظ العام استعمل في معناه الذي هو العموم وإنما الاختلاف في المقاصد واستفيد ذلك بالقرائن فيحتاج في ذلك إلى القرائن فإذا لم تكن قرينة يمكن أن يقال إذا كان حكم واحد موضوعه الكل فمقتضاه تعلق الحكم بمجموعهم إلا أن يدل دليل وقرينة على خلافه ولم يكن في الكلام ظهور في إحداهما بالخصوص فيرجع إلى سائر الدلائل في ذلك.

المبحث الثالث إذا تعلق النهي والنفي بماهية شيء فيسري الحكم إلى جميع أفرادها لأن وجود واحد من تلك الماهية ينافي نفيها أو نهيها فلذا كانت لاء النافية للجنس والنكرة في سياق النفي مفيدة للعموم لا أن العموم معناها بل هو من لوازم معناها في كل لسان ولغة.

ثم إنه قد تجعل نفس الطبيعة من دون نظر إلى أفرادها الخاصة موضوعا لحكم فيسري الحكم إلى جميع أفراد الطبيعة لأن موضوع الحكم أينما وجد وجد الحكم فلذا كان الجنس المعرف باللام يفيد العموم لأن اللام فيها للإشارة إلى نفس الجنس وأن الجنس من حيث هو موضوع للحكم فلذا أفاد العموم وصح الاستثناء كما في الآية الكريمة والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا إلخ كما أن الجمع المحلى باللام إذا كانت للإشارة إلى نفس الجميع من دون خصوصيات ملحوظة في أفرادها سرى الحكم إلى جميع الأفراد فلذا كان الجمع المحلى باللام مفيدا للعموم وصح الاستثناء منه فاتضح مما بيناه وجه إفادة العموم

٤٧

في جميع ما ذكر ولا حاجة لنا إلى التطويل

المبحث الرابع في أن العام المخصص حجة في ما بقي لا ريب أن الحجية في الدلائل اللفظية ليست باعتبار كونها منصوصة من المعصوم وإن كان لو نص لكان حجة بل باعتبار حصول البيان بمقتضى الفطرة الارتكازية التي أودعها في الإنسان معلّم البيان كما سبق في أول الكتاب فكل دليل لفظي كان محل النزاع بين علماء الأعلام فالمرجع في تنقيح الدلائل وتهذيب المباني هو الذي مر إليه الإشارة غير مرة فنقول إن قلت لولدك الصغير أو خادمك اشتر اللحم أو الخبز أو الفاكهة أو ما أردت من كل أحد إلا الفلاني وخصصت واحدا من الكسبة لا شك في أنه بمقتضى فطرته السلمية يشتري ما تريد من كل أحد إلا ممن خصصته وكذا إذا قلت أكرم العلماء إلا من كان معينا للظالم فهو يرى بمقتضى فطرته أن وظيفته الإكرام لكل العلماء إلا من خصصته وكذا إذا قلت أكرم العلماء من دون استثناء ثم قلت بعد يوم أو يومين ولا تكرم من العلماء من كان معينا للظالم يحكم وجدانه أن وظيفته الإكرام لجميع العلماء إلا من خصصته بمخصص منفصل فالفطرة السليمة تحكم بأن العام المخصص حجة فيما بقي وما قالوا في مقابل الارتكازيات التي هي من نعم الله تعالى من أن التخصيص قرينة على إرادة التجوز من العام ومراتب التجوز متعددة مختلفة وليس في التخصيص قرينة على واحدة منها فلا يكون العام المخصص حجة فيما بقي غفلة عن الفطرة التي فطر الناس عليها وبها تمت الحجة وعظمت النعمة ولا حاجة لنا إلى الجواب

٤٨

بأن أقرب المجازات إلى الحقيقة هو ما بقي بل الحق أن تخصيص العام ليس إلا كالتقييد نظير ضيّق فم الركية أو ليس استعمالا في غير ما وضع له والتخصيص بالمنفصل ليس إلا مثل بيان القيودات بدليل خارج منفصل فهو مثل التقييد بالصفة المتصلة مثل أكرم العلماء العدول أو من تقديم الأظهر على الظاهر فيما خصص لا رفعا للظاهر وتركا له بالكلية كما قال في الكفاية وكيف كان فمرجعنا هو الحاكم الذي جعله الله في وجداننا

المبحث الخامس العام إذا خصص بمجمل فإن كان المخصص متصلا يسري إجماله إلى العام سواء كان إجماله من جهة دورانه بين الأقل والأكثر أو من جهة دورانه بين المتباينين لأن الكلام لا يتم بيانه وظهوره إلا بتمامه فيؤخذ بالمتيقن من العام وإن كان منفصلا وكان إجماله من جهة دورانه بين المتباينين ولم يكن العام حجة في واحد منهما لأنه إذا خصص بواحد من المتباينين ولم يعلم ولم يشخص واحد منهما لم يكن العام حجة في واحد منهما وإن كان إجماله من جهة دورانه بين الأقل والأكثر كان العام حجة فيما لم يعلم تخصيصه ولا يسري إجماله إلى العام ثم إذا كان المخصص مبينا غير مجمل ولكن شك في بعض أفراده أنه من أفراد العام أو الخاص فلا يجوز التمسك بالعام في الفرد المشكوك فيه لأنه لم يعلم أنه من أفراد الخاص أو العام هذا إذا كان المخصص لفظيا وإن كان لبيا فقد قال في الكفاية إن كان مما يصح أن يتكل المتكلم عليه إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب فهو كالمتصل حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلا في الخصوص وإن لم يكن كذلك

٤٩

فالظاهر بقاء العام في المشتبه على حجيته كظهوره فيه وعلل ذلك بأن الكلام الملقى من السيد حجة وليس إلا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم فلا بد من اتباعه ما لم يقطع بخلافه مثلا إذا قال المولى أكرم جيراني وقطع بأنه لا يريد من كان عدوا له يلزم عليه إكرام من شك في عداوته بالطريقة المعروفة والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور انتهي ملخصا لكن يمكن أن يقال إنه إذا قال أكرم جيراني وعلم أنه لا يريد إكرام جيرانه الواقعة في طرف شمال داره أو في طرف خلفه وشك في شخص أنه من جيرانه الشمالية أو الخلفية لا يجب إكرامه لعدم جريان السيرة العقلائية بالتمسك بالعام في أمثاله.

وأما وجوب الإكرام في المثال المذكور فلو سلم فلعله لكون العداوة من الأمور الطارئة الثانوية يلزم في ترتيب حكمها إحرازها.

المبحث السادس فلا يشك أحد أن الخطباء في كل قوم ولسان يخطبون الناس في مقام الإرشاد والهداية في أمور المعاش والمعاد ولا يكون مقصودهم من خطابهم وبياناتهم الحاضرين دون الغائبين أو المشافهين فقط بل مقصودهم في أمثال هذه كل من كان أهلا للخطاب من الحاضر والغائب والموجود ومن سيأتي وكذلك العلماء العظام والفلاسفة يؤلفون الكتب والصحائف ويدونون الدفاتر والزبر في كل علم وفن وحكمة ويخاطبون في مؤلفاتهم بتناسب يقتضيه المقام وليست

٥٠

خطاباتهم مقصورا بمن كان موجودا في زمانهم بل من كان له أهلية الخطاب إلى يوم القيامة وكذلك المقننون من السلاطين وغيرهم يقننون ويخاطبون في محاوراتهم وكتبهم وكل أحد يعلم ويفهم من صغيرهم وكبيرهم أن مقصودهم من الخطاب ليس المشافهين حسب فخطاب الله في فرقانه المجيد وكلام الله المنزل من العزيز الحميد لإرشاد الناس إلى يوم النشور ليس محصورا بالموجودين في زمن النزول والمشافهين وليست حجيته لغيرهم من باب الظن أو من باب اشتراك التكليف فلذا قال الإمام عليه‌السلام إن الآيات القرآنية لا تموت بموت الأشخاص وقال أيضا إن القرآن طري لا يبلى بمرور الدهور والأعوام ولذا كان دأب الأئمة عليهم‌السلام الاستدلال لغير المشافهين الحاضرين بنفس الخطابات القرآنية وخطابات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة صلوات الله عليهم في مقام الإرشاد والهداية وفي مقام بيان الحق من القوانين الدينية والأحكام الإلهية أيضا من هذا القبيل شاملة لكل من له أهلية الخطاب إلى يوم فصل الخطاب وفي بعض الأخبار تصريح بذلك وقد أشرنا مرارا إلى أن الكتاب نزل بلسان عربي مبين ليهدي الناس إلى الصراط المستقيم والنبي والأئمة لم يتكلموا إلا بلسان قومهم وبالطريقة المستمرة التي جرى عليها البيان الذي علمه الله الإنسان.

المبحث السابع لا شك أنا نعلم أن مدارك ديننا وأحكامنا الكتاب والسنة وفيهما العام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ وغير ذلك وقد أمرنا بتحصيل العلم ولا يمكن ذلك إلا بالتفحص

٥١

والتتبع عن العام والخاص والمطلق والمقيد وغيرها وأيضا قد أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسك بالكتاب والعترة والكتاب له عمومات ومطلقات وما يخصصها ويقيد هما في الأحاديث المروية عن العترة صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يتم التمسك [١] بهما إلا بالفحص عن الأحاديث المروية فلذا قد ادعوا الإجماع على وجوب الفحص عما يخصص العام ولم يجوزوا العمل بالعمومات قبل الفحص عن المخصص ومنشأ الإجماع ما ذكرنا ولا حاجة لنا [٢] إلى التمسك به.

المبحث الثامن إذا تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده فإما أن يكون قبل إتمام الكلام الأول كأن يقول والمطلقات أزواجهن أحق بردهن فلا إشكال في تخصيص العام به وإنه يكشف عن أنه لم يبق على عمومه وأن المقصود منه هو الخصوص وإن كان في كلام آخر منفصل فلا إشكال في عدم تخصيصه به وإن كان في كلام متصل ولكن بعد تمام الكلام الأول كما في قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء

__________________

[١] وقد يستفاد صريحا من الروايات الكثيرة المتواترة في ذم من يتمسك بالقرآن من دون تمسك بالأئمة الهداة المهديين صلوات الله عليهم أجمعين) وهم خلفاء الرحمن وشركاء القرآن في كونهم معه حجة على الناس كما يشهد بذلك حديث الثقلين المسلم عند الفريقين ويستفاد أيضا من غير واحد من الروايات ذم من تمسك بالعام والمطلق وترك المخصص والمقيد فمن ذلك رواية سليم بن قيس المروية في أصله وفي الكافي ونحن ننقله عن الكافي لاتصال سلسلتنا إليه بإجازة العلماء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين فليراجع إلى أوائل المجلد الأول من الكافي

[٢] كما لا حاجة لنا إلى التمسك بالعلم الإجمالي بوجود المخصصات والمقيدات لنبتلى بالإشكالات التي ذكرها في الرسائل

٥٢

إلى قوله وبعولتهن أحق بردهن فإن الضمير في بعولتهن راجع إلى المطلقات الرجعيات فهل يوجب ذلك تخصيص العام الأول أو يبقى هو على العموم فيه خلاف لأن الأمر يدور بين تخصيص العام وبين التصرف في الضمير بإرجاعه إلى بعض ما يراد من العام يمكن أن يقال إن العام بعد تمام ظهوره بتمام الكلام يعمل على عمومه ولا يجوز رفع اليد عن عمومه بعد تمامه بمجرد رجوع الضمير إلى بعض أنواعه لأنه المتيقن ولا يوجب ذلك إجمالا في ظهوره ولا تخصيصه

المبحث التاسع قد اختلفوا في تخصيص العام بالمفهوم المخالف بعد اتفاقهم على تخصيصه بالموافق فبعضهم لم يجوزه تمسكا بأن ظهور العام في العموم بالمنطوق وظهور المفهوم في الخصوص ليس بالمنطوق بل بالمفهوم وإنما يقدم الخاص على العام ويخصص به لكون ظهوره أقوى من ظهور العام في العموم والمفهوم ليس أقوى من المنطوق فلا يقدم عليه ولكن الإنصاف أن أمثال هذه التعليلات الاعتبارية لا اعتبار بها وإنما الاعتبار بالظهور العرفي الذي هو المدار في البيان وبه قوام الحجة والبرهان ولا شك أنه إذا قال المولى لعبده أكرم العلماء إن لم يفسقوا أو لم يرتكبوا المعاصي جهرة يفهم أنهم أن فسقوا لم يجب إكرامهم وإنما الواجب إكرام من لم يكن فاسقا منهم وهذا معنى التخصيص ولا فرق في الشرط بين أن يكون في كلام متصل أو في كلام منفصل كما لا فرق في سائر المخصصات بين اتصالها وانفصالها نعم قد يكون ظهور العام أقوى بحيث يأبى عن التخصيص كأن يكون واردا في الامتنان فيكون

٥٣

معارضا الخاص بحسب الفهم العرفي ولا ينحصر ذلك في المفهوم فإذا عد العام وللخاص بحسب المتفاهم العرفي متعارضين باعتبار القرائن والأحوال فيعامل فيها معاملة المتعارضين وإلا يقدم الخاص سواء في ذلك المفهوم وغيره ولا ربط لذلك بالإطلاق والتقييد وكون حجية الإطلاق بمقدمات الحكمة أو غيرها نعم قد يتعارض في مورد عموم المفهوم بعموم المنطوق وقد يتعارض إطلاق أحدهما بإطلاق الآخر وقد يتعارض عموم أحدهما بإطلاق الآخر وهذه مباحث أخر لا ربط لها بالمقام والمتبع في ذلك الظهور العرفي إن كان وإلا يعامل معاملة المجمل في أحدهما أو في كليهما ولا تتم به الحجة ولا يحصل به البيان

المبحث العاشر الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة بحيث يصلح له الرجوع إلى الأخيرة فقط والرجوع إلى كلها هل يرجع إلى الأخيرة فقط أو الكل لا شك أن الأخيرة هو المتيقن ولكن لا ربط له بالظهور فإن لم يكن له ظهور في الأخيرة أو الكل بحسب القرائن والأحوال كان عموم كل منها بالنسبة إلى مورد الخاص من المتشابهات فيرجع إلى سائر الأدلة إن كانت أو إلى الأصول العملية ولا تتم به الحجة ولا يؤخذ الله به بمقتضى البيان ثم إن إثبات الظهورات العرفية بالاعتبارات كمثل بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت.

ثم إن الحجة أنما هو ظهور الكلام إذ به يظهر المرام لا ظهور اللفظ فإنه قد يكتنف في الكلام ما يصرفه عنه أو يوجب إجماله فما عن بعضهم من أنه يجب العمل بظهور العام في العموم تعبدا حتى يأتي ما يصرفه عنه

٥٤

قطعا وجعل ذلك مستندا لإرجاع الاستثناء إلى الجملة الأخيرة لا يخلوا عن إشكال بل منع.

المبحث الحادي عشر لا يخفى عليك إذا تعارضت الحجتان وكان بينهما تباين وتنافي عرفا فهنا يؤخذ بأقواهما سندا فإن كان إحداهما مقطوعة الصدور والأخرى لم يكن كذلك فتؤخذ بالأولى وتترك الأخرى لأن المقطوع لا يعارضه غيره فإن كان حديث يخالف كتاب الله أو الرواية المتواترة يطرح الحديث ولو كان راويه عدلا واحتمل التأويل والتوجيه في الكتاب أو الرواية المتواترة أو الحديث فلذا وردت روايات مستفيضة في أن كل حديث يخالف كتاب الله فلا تأخذ به حتى قال عليه‌السلام ما جاءك من بر أو فاجر يخالف كتاب الله فلا تأخذ به وإن لم يكن إحداهما مقطوعة فيؤخذ بأقواهما سندا وأصحهما أو أشهرهما على ما فصل في الروايات الواردة في باب التعارض وإن لم يكن بينهما تباين وتعارض وأمكن الجمع العرفي بينهما بحيث إذا لو حظا معا لم يكن بينهما في نظر العرف تعارض وتنافي فيأخذ بهما وهنا يصح أن يقال إن الجمع إن أمكن أولى من الطرح لا الجمع بالتأويلات والتوجيهات التي لا يقبل في نظر العرف مثلا الأمر بالشيء وتجويز تركه وكذا النهي عن الشيء وترخيص فعله لا يتنافيان في نظر العرف فيجمع بينهما بحمل الأمر على الرجحان والنهي على المرجوحية بخلاف ما إذا ورد أمر بشيء ونهي عن ذلك فإنهما يعدان في العرف متعارضين فلا يؤول بينهما بحمل الأمر على الترخيص والنهي على المرجوحية وكذا إذا ورد عام وخاص

٥٥

ومطلق ومقيد سواء كانا في كلام واحد أو في كلامين وسواء صدر عن معصوم أو معصومين فإن ما قال أولهم يطابق ما قال آخرهم ولا يقع منهم سهو وغفلة ويؤخذ بكلتا الحجتين ويجمع بينهما بحمل المطلق والعام على المقيد والخاص ولا يطرح أحدهما لأنه طرح الحجة مع عدم المنافاة والتعارض فلذا جرت سيرت أصحاب الأئمة والعلماء كلهم على العمل بالمخصصات الواردة في الأحاديث في قبال عمومات الكتاب مع أنهم علموا وأيقنوا أن الأئمة صلوات الله أجمعين نهوهم عن العمل بالأحاديث المخالفة لكتاب الله والسر في ذلك أن الخاص لا يعد مخالفا للمقيد ومما أشرنا إليه من أنه بعد القول بعصمتهم يحسب جميع ما صدر عنهم بمنزلة ما صدر عن واحد منهم في مجلس واحد يرتفع ما قد يشكل بأنه كيف يجمع بين العام والخاص والمطلق والمقيد مع أن الرواة كانوا مختلفين زمانا ومكانا وكذا الروايات الصادرة عن إمام وكذا الروايات المروية عنهم عليهم‌السلام كانت مختلفه زمانا ومكانا باختلاف أمكنتهم وأزمنتهم عليهم‌السلام.

وإن شئت قلت إنا مأمورون بالعمل بالروايات الواردة في التعادل والتراجيح أن نأخذ بالمقطوع أو الأصح أو الأقوى فيما إذا حصل التعارض وصدق التباين والتنافي عرفا فكما يرجع في إحراز الموضوعات العرفية في سائر الأحكام إلى العرف فيترتب عليها أحكامها فكذا هذا الموضوع فما صدق عليه التباين والتخالف يترتب عليه أحكامه وما لم يصدق يعمل بكليهما عملا بكلا الدليلين وأخذا بكلتا الحجتين نعم هنا إشكال عويص

٥٦

وهو أنهم ذكروا أن الخاص قد يكون ناسخا وقد يكون مخصصا والعام قد يكون ناسخا وقد يكون مخصصا بالفتح وتفصيل.

ذلك أن الخاص قد يرد بعد العام وقد يكون قبله وكل منهما قد يكون قبل العمل وقد يكون بعد العمل فإن كان قبل العمل يكون الخاص مخصصا بالكسر سواء كان قبل العام أو بعده وأما إذا كان بعد العمل بالعام ورد الخاص أو بعد العمل بالخاص ورد العام يكون الخاص في الصورة الأولى ناسخا وفي الصورة الثانية منسوخا لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة الذي هو قبيح لا يصدر من الحكيم فحينئذ إذا ورد الخاص بعد العمل بالعام يكون الخاص ناسخا وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فعلى هذا يشكل تخصيص عمومات الكتاب المجيد بالأخبار الواردة عن الأئمة الطاهرين لورودها بعدها تقريبا بمائة سنة أو أزيد ولا يمكن أن نجعلها ناسخة لها لأنهم اتفقوا على أن الكتاب لا ينسخ بالحديث الوارد عنهم عليهم‌السلام لأنهم كانوا مبينين الكتاب المجيد لا ناسخين له ويمكن التفصي عن هذا الإشكال بأن ما قالوا إنما هو في مورد علم أنه قد صدر عام وعمل بعمومه ثم ورد الخاص لا ما إذا لم يعلم ذلك واحتمل أنه قد صدر العام وبين خاصه في زمان صدوره قبل العمل به ثم اختفي علينا وعلمنا بعده بسنين كثيرة بواسطة معادن الوحي وخزائن الحكمة ومع هذا الاحتمال لا يحمل التخصيصات الواردة في زمنهم عليهم‌السلام على النسخ لأن النسخ رفع الحكم ويصار إليه فيما إذا تنافيا الحكمان مع كون أحدهما بعد الآخر وأما إذا كان أحدهما في نظر العرف بمنزلة المبين له

٥٧

كالخاص بالنسبة إلى العام والمقيد بالنسبة إلى المطلق فلا يحمل على النسخ وإنما صرنا إليه في الصورتين السابقين لصون الكلام الحكيم عن القبح فلذا جرت سيرة العلماء وأصحاب الأئمة على تخصيص الكتاب بما ورد عنهم عليهم‌السلام ولا يخفى أن هذا وإن كان يدفع الإشكال ولكن يجعل التشقيقات السابقة قليل الجدوى إذا قلما يتفق عام لا يكون فيه هذا الاحتمال

الكلام في المطلق والمقيد

٣٢ ـ فصل المطلق والمقيد وفيه مباحث

المبحث الأول : لا يخفى عليك أن لهذا الأجناس الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى من الإنسان والفرس والحجر والمدر والشجر والوبر والمطر والرجل والمرأة والبساط والثياب وغير ذلك أسماء وألفاظ في كل اللغات التي منها اللغة العربية يعرفها كل أهل لسان بالبيان الذي علمهم الخالق جلت عظمته وأنهم يعرفونها بفطرتهم التي فطر الناس عليها ويفهمون أنها إذا لم تقيد بقيد تصدق على كل فرد من أفرادها فإذا طلبت من خادمك واحدة منها ولم تقيد بقيد فأتى بفرد من أفرادها فقد امتثل بما قلت لأن قولك لم يكن بيانا إلا بهذا لمقدار ولم يكن لك أن تقول لم لم تأت المطلوب المتصف بصفة كذا لأنه يقول إني ما كنت مطلعا على ضمائرك لكي أحصل مرادك ولفظك لم يكن بيانا لأزيد مما أتيتك فالأخد بإطلاق المطلق ليس من باب ترتيب مقدمات الحكمة التي بينها في الكفاية وقبله صاحب المعالم

٥٨

أعلى الله مقامه.

وإن شئت قلت إن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان قبيح لا يصدر عن عاقل فكيف عن حكيم متعال وهذا مما يفهمه الصغير والكبير بفطرته وجبلته التي فطر الله الناس عليها كما قلنا في أول الكتاب فإن قلت لولدك جئني بحجر ولم تقيده بالأبيض والأسود وغيرها من القيودات ولم يكن في المقام قرينة حالية أو مقالية على واحدة من القيود فأتاك بما يقال إنه حجر لم يصح عنك مؤاخذته بأني كنت طالبا للأبيض المدور أو الأحمر الأملس فلو أخذته بذلك لقال لك ولدك الصغير يا مولاي إني ما كنت أعلم ضميرك إلا ببيانك وبيانك لم يدل على أزيد مما أتيتك فحجية إطلاق اللفظ والتمسك به مما جبل الله عليه بمقتضى نعمة البيان الذي شرف الله بها الإنسان ولا يحتاج إلى المقدمات التي بينوها وجعلوا حجية الإطلاق منحصرة فيما إذا لم يكن قدر متيقن وفيما إذا كان المولى بصدد البيان نعم هنا نكتة ينبغي التنبيه عليها وقد أشرنا إليها فيما سبق أن الحكم قد يتعلق بنفس الطبيعة من دون نظر إلى أفرادها الخارجية وإن كان تعليقه بها من حيث الوجود كأكثر الأحكام التي موضوعها الإنسان والرجل والمرأة والذكر والأنثى والشاة والإبل والبقر فحيث ما وجدت هذه الطبيعة تعلق بها حكمها فيعم من هذه الجهة وبلحاظ العموم يصح الاستثناء كقوله تعالى إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا إلخ فالعموم فيه ليس من جهة الألف واللام بل من الجهة التي ذكرناها وقد يكون موضوع الحكم في الحقيقة الأفراد

٥٩

الخارجية وأخذ المطلق في الموضوع ليكون جامعا لها وفي الحقيقة هو بمنزلة المرآة لها كأخبار الحمام الواردة في زمان المعصومين صلوات الله عليهم فإنها قد اشترط فيها وجود المادة ولا شك في أن الحمامات اللاتي في بلادنا المشتملة على أكرار عديدة عاصمة بنفسها لكريتها ولا تحتاج إلى تطهير البعض البعض الآخر فما ورد من هذا القبيل يمكن أن يكون في بعض المقامات منصرفا إلى الأفراد الشائعة أو إلى الأكمل أو يؤخذ بالمتيقن في بعضها أو يحكم بالعموم والشمول من باب إجراء مقدمات الحكمة

المبحث الثاني : قد يستعمل المطلق ويراد به المقيد ويعلم ذلك بقرينة حالية أو مقالية كما تقول لولدك اشتر اللحم وهو يعلم أنك ما تريد لحم الإبل والبقر بل تريد لحم الشاة وقد يراد المقيد وتنصب على ذلك قرينة متصلة كما تقول أكرم عالما تقيا وقد يكون ما يدل على ذلك قرينة خارجية كما تقول أكرم العالم وتقول بعد حين ولا تكرم إلا عالما عادلا ففي كل ذلك لا يستعمل اللفظ إلا في معناه الموضوع له وإنما القيد علم بدلالة أخرى وهذه سنة متبعة في جميع الألسنة واللغات يعرفها كل أهل لسان بفطرتهم التي فطر الناس عليها.

وإنما العلماء الأصوليون شرحوا ما أودع الله في الفطرة لتشريح الأذهان ومن البديهي أن أهل اللسان في كل لغة أنما يقيدون بقرينة خارجية مع اتحاد الحكم فلو كان ما يدل على القيد حكما آخر كما

٦٠